[rtl]جامعة 8 ماي 1945- قالمة[/rtl]
[rtl]كلية الحقوق والعلوم السياسية[/rtl]
[rtl]قسم العلوم السياسية[/rtl]
[rtl]الأستاذ : حميداني سليم[/rtl]
[rtl]المادة: تاريخ الفكر السياسي[/rtl]
[rtl]المحور الثالث:الفكر السياسي في عصر النهضة[/rtl]
[rtl]المحاضرة رقم:02[/rtl]
[rtl]الإصلاح الديني ومفاهيمه السياسية:[/rtl]
[rtl]
يمثل الإصلاح الديني اللوثري حركة دينية نصرانية ظهرت في القرن السادس عشر الميلادي في أوروبا وأدت إلى ظهور البروتستانتيةProtestantism ، التي كان لها أثر كبير على الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في أوروبا، بل لا تزال آثارها ملموسة حتى اليوم، وظهرت على إثرها العديد من الكنائس البروتستانتية الكبرى، وبعض الجماعات التي أصبحت تنافس الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في كسب ولاء النصارى، ولقد ساهم الإصلاح الديني La reforme في زيادة وتعميق الانقسامات السياسية في أوروبا بشكل حاسم، وكانت تصورات المصلحين الدينيين للمجتمع وللحكومة مشتقة من توجهاتهم الدينية.[/rtl]
[rtl]وضع مارتن لوثر Martin Luther (1483-1546) موضوعين رئيسيين في كل إرشاده الصفة الإلهية لكل سلطة قائمة، والانفصال الجذري بين الإيمان والقانون، حيث يشدد بقوة على الطاعة غير المشروط للسلطة.[/rtl]
[rtl]بدأت حركة الإصلاح داخل الكنيسة الكاثوليكية نفسها مع أستاذ اللاهوت الراهب مارتن لوثر (1483-1546م)، وفي 31 أكتوبر 1517م، قام مارتن لوثر بالإعلان عن مبادئه التي هاجم بها صكوك الغفران، وفضح فيها مفاسد الكنيسة، وأعلن أن الإنسان يمكن أن ينال الخلاص من خلال الإيمان بالمسيح، وهو اعتقاد يناقض تعاليم الكنيسة بشأن الفضل الإلهي، والعمل الصالح طريقًا للنجاة والخلاص، ونتيجة لذلك أعلن البابا ليو العاشر، طرد لوثر وعدَّه مارقًا، وتبعـًـا لهذا الإعلان أمر الإمبراطور شارل الخامس وأعضاء مجلسه لوثر بالرجوع عن آرائه، فأجاب لوثر في خطاب شهير قائلا: [/rtl]
[rtl]ما لم اقتنع بالنصوص المقدسة أو العقل الصريح، فأنا ملتزم بالنصوص المقدسة التي أوردتها وبما يمليه عليّ ضميري الذي هو أسير لكلمة الله لأني لا أثق فـي البـابا أو المجالس وحدها، فهؤلاء غالبًا ما يخطئون ويناقضـون أنفسهم. أنا لا أستطيع ولن أستطيع أن أرجع عن أي شيء، لأنه ليس صحيحًا ولا صدقًا أن يخالف الإنسان ضميره، أنا لا أستطيع أن أفعل غير ذلك.[/rtl]
[rtl] بعد هذا الرد وقع الإمبراطور وثيقة مرسوم ورمزEdict of Worms ، معلنًا أن لوثر وأتباعه خرجوا عن حدود الدين وأصبحوا خارج حماية القانون، ويباح لأي شخص قتلهم من غير أن ينال عقوبة، وقد صدر هذا المرسوم عن مجمع مكون من الأمراء والنبلاء ورجال الدين في ورمز، بألمانيا في ماي عام 1521م ، ولكن أميرًا سكسونيًا، هو فريدريك الحكيم، بسط له حمايته، فاستمر لوثر في قيادة حركته حتى وفاته عام 1546م، وقد جادلت المجالس الدينية التي تلت تطبيق مرسوم ورمز، وتكونت تحالفات دولية بين الرومانية الكاثوليكية والبروتستانتية للدفاع عن أحد الجناة في هذا الموضوع. ولم ينته النزاع إلا بالهدنة التي وفرها سلام أوغسبورغ عام 1555م. [/rtl]
[rtl]انتشرت الحركة اللوثرية ، ونالت اعترافًا من الإمبراطورية المقدسة عام 1555م،ثم دخلت السويد عام 1520 م، وأصبحت الدين الرسمي للدولة في الدنمارك عام 1536م[/rtl]
[rtl]إنه من الصعب البحث عن فكرة الدولة عند لوثر، حيث أنه لا يعرف إلا السلطة القائمة وفكره رجعي، وبالرغم من اعتباره أن الأمراء أكبر المجانين وأكثر قطاع الطرق لؤما على الأرض، إلا أنه مع ذلك لا يرى وسيلة أخرى للاستقرار غير قوتهم المطلقة، وانتهى إلى منحهم نوعا من الرسالة الروحية وهي الدفاع عن الإيمان الحق ونشره، وتنمية التعليم وتشجيع الثقافة.[/rtl]
[rtl] لقد ساهم لوثر في إطلاق حركات اجتماعية عميقة وعنيفة تترجم تطلعات جماهيرية كبيرة، لم تكن تستطيع التعبير عن نفسها بفكر سياسي منظم.[/rtl]
[rtl] قاد هولدريتش زوينجلي(1484 - 1532) حركة الإصلاح الديني في سويسرا. وكانت أفكاره مصدر إلهام للكنائس السويسرية البروتستانتية. وفي عام 1529م تقابل زوينجلي ولوثر في ماربورغ في ألمانيا ليناقشا اختلافهما حول تفسير وجود المسيح في العشاء الرباني، لكنهما فشلا في الاتفاق على رأي موحد، فقاد هذا الخلاف بينهما إلى أول انشقاق كبير في صفوف البروتستانت.[/rtl]
[rtl]ساعد جون كَالْفِن(1509 - 1564م) على تأسيس البروتستانتية في جنيف وسويسرا، ووجه جهوده لتحويل الفرنسيين ومواطني الدول الأخرى في أوروبا الغربية إلى البروتستانتية، وقد وضعت تعاليم كالفن الأسس للكنيسة المشيخية التي يقوم مجلس من الشيوخ بإدارة كنائسها، وقدم كالفن بطريقة منظمة تعاليم البروتستانتية في كتابه مبادئ الدين النصراني الذي نشر لأول مرة عام 1536م، وقد سُمي أتباع كالفن في إنجلترا باسم البيوريتان) المتطهرين (، وفي فرنسا باسم الهوغنوت، وقد حاول ملوك فرنسا الكاثوليك بدعم من أسبانيا قمع الهوغنيين في سلسلة من الحروب الدينية بين عامي 1562- 1598م، وقتل الآلاف منهم، ولكن مع ذلك استمرت البروتستانتية أقلية دينية في فرنسا. [/rtl]
[rtl]أُسست حركة الإصلاح في إنجلترا عن طريق الدولة، وقد كان السبب المباشر في انشقاق إنجلترا عن الكنيسة الكاثوليكية رفض البابا كلمنت السابع إنهاء زواج الملك هنري الثامن من زوجته الأولى كاثرين الأرجوانية التي لم تلد له ابنًا ، وقد أراد الملك الزواج من آن بولين على أمل أن تنجب له وريثاً للعرش.[/rtl]
[rtl]في عام 1534م أجاز البرلمان الإنجليزي قانون سيادة أصبح بموجبه الملك رئيس الكنيسة في إنجلترا، وقد ظل الملك هنري الثامن كاثوليكياً في الأساس، ولكن البروتستانتية تقدمت كثيرًا في عهد ابنه إدوارد السادس، وأسست الملكة اليزابيث الأولى (1558 - 1603 م) شكلاً معتدلاً من البروتستانتية عرفت فيما بعد بالأنجليكانية، وقد سمي أتباع جون كالفن بالتطهيريين، وعادى التطهيريون الإنجيلية لأنها أسقفية يديرها الأساقفة، بينما يفضل التطهيري الشكل المشيخي لإدارة الكنيسة) من جانب كبار الشيوخ النصارى).[/rtl]
[rtl]قدم جون نوكس في أسكتلندا تعاليم كَالْفِن ونظام الكنيسة المشيخية، وكتب منشورات يبرر فيها حق الشعوب المضطهدة في التمرد على حكامها الطغاة، وفي عام 1560 م اتخذ الأسكتلنديون البروتستانتية دينًا للدولة وقد أجبرت إنجلترا أيرلندا على تبني البروتستانتية دينًا للدولة، ولكن الأيرلنديين ظلوا مخلصين للكاثوليكية. استعمر البروتستانت أيرلندا الشمالية المعروفة بألستر، ولا يزال الصراع بين الكاثوليك والبروتستانت دائرًا فيها حتى اليوم.[/rtl]
[rtl]
أسباب حركة الإصلاح[/rtl]
[rtl]
هناك عدة أسباب دينية وثقافية وسياسية واقتصادية أدت إلى ظهور حركة الإصلاح:[/rtl]
[rtl]
الأسباب الدينية:[/rtl]
[rtl]
شهدت القرون الثلاثة التي سبقت حركة الإصلاح صراعًا بين ملوك أوروبا والكنيسة، فبعد أن كانت للكنيسة سلطة مطلقة على الحكام المدنيين، سعى الملوك إلى استرداد سلطتهم المدنية. وبلغ الأمر أن اضطهد بعض الملوك البابا، ولجأ البابا إلى ترك روما لفترة معينة، الأمر الذي أضعف من سلطة الكنيسة، كما شهدت هذه الفترة أيضًا صراعًا داخليًا بين الكرادلة، وتنافسًا فيما بينهم حول منصب البابوية.[/rtl]
[rtl]
إضافة إلى أنه ظهرت في هذه الفترة مفاسد كثيرة داخل الكنيسة وإقبال على الدنيا بين رجال الدين النصارى الذين استغلوا جمع الأموال عن طريق بيع المناصب الكنسية وصكوك الغفران، واستخدام هذه الأموال في بناء القصور الفخمة، والانغماس في ملذات الدنيا، الأمر الذي أضعف سلطة الكنيسة الروحية ومكانتها الدينية، وقد تولى بعض المصلحين مثل جون ويكلف في إنجلترا، وجون هس في بوهيميا وغيرهما انتقاد الممارسات والوقوف ضد تلك المفاسد، ولكنهم لم يستطيعوا إيقافها، وفي الوقت الذي أهملت فيه الكنيسة قيادتها الروحية، بدأ ينمو بين العامة شعور ديني عميق؛ الأمر الذي ولَّد نوعًا من القلق الشديد بين العامة ورؤسائهم الدينيين خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين. [/rtl]
[rtl]
الأسباب الثقافية:[/rtl]
[rtl]
ظهر في الغرب منذ بداية القرن الرابع عشر الميلادي، ما يعرف بحركة النهضة التي دعت إلى الاهتمام بالحضارات القديمة ودراسة آدابها وتاريخها وفلسفتها. وقد كان لذلك أثر كبير على النصرانية، إذ إن الاهتمام باللغات القديمة مثل العبرية واليونانية مكّن العلماء من قراءة النصوص المقدسة في اللغات التي كتبت بها أصلاً، وبدراسة الفترة النصرانية المبكرة عرف العلماء كيف تغيرت الكنيسة خلال القرون.كما أن اختراع الطباعة المتحركة مكّن كثيرًا من الغربيين، من غير رجال الدين، أن ينالوا حظًا من التعليم والثقافة، ولقد كان معظم النصارى ينشدون الترانيم باللغة اللاتينية حتى مطلع القرن السادس عشر الميلادي،ولكن خلال عهد الإصلاح البروتستانتي الذي بدأ في أوروبا في عام 1517م، بدأت كنائس كثيرة في إقامة الشعائر الدينية بلغتها القومية. [/rtl]
[rtl]
الأسباب السياسية:[/rtl]
[rtl]
شهدت الفترة التي سبقت حركة الإصلاح توسيع ملوك أوروبا من سلطاتهم السياسية في مقابل سلطة البابا والإمبراطور، وأصبح الملوك في إنجلترا وفرنسا وأسبانيا أكثر قوة، ونظموا شؤونهم المالية، وبنوا جيوشهم، وأصبح البابا لديهم مجرد قائد سياسي لدولة أجنبية لا سيطرة ولا نفوذ له على أقطارهم، وبعد بداية حركة الإصلاح انفصل الملوك تباعًا عن سلطة البابا.[/rtl]
[rtl]الأسباب الاقتصادية:[/rtl]
[rtl] كان اقتصاد أوروبا خلال القرون الوسطى اقتصادًا زراعيًا، ومعظم الناس كانوا فلاحين يعيشون في قرى صغيرة، وخلال القرن الثاني عشر الميلادي، بدأت تتكون المدن وتكبر؛ لاسيما في إيطاليا والنرويج، وبدأت حركة تجارية ، نمت على إثرها ثروة المدن وأصبحت مستقلة، فرفضت إدارة الإقطاعيين المحلية وسيطرة الأساقفة، ولجأ التجار والأثرياء إلى الملوك والإمبراطور للحماية، وهكذا أدت هذه الأسباب مجتمعة، إلى ضعف الكنيسة وفقدان سيطرتها ومكانتها الدينية وأثرها على الجماهير.[/rtl]
[rtl]نتائج حركة الإصلاح الديني اللوثري[/rtl]
[rtl]الآثار الدينية:[/rtl]
[rtl] انقسمت أوروبا نتيجة لحركة الإصلاح بين الأقطار الكاثوليكية في الجنوب، ونشأت بالأقطار البروتستانتية في الشمال طوائف بروتستانتية كثيرة ، كما في مناطق عديدة من أوروبا، وقد أوجدت تلك الحياة الدينية المتنوعة روحًا من التسامح الديني واحترامًا لأهمية ضمير الفرد،كما أثارت حركة الإصلاح المضادة. [/rtl]
[rtl]الآثار السياسية والاجتماعية:[/rtl]
[rtl] أسهم تأسيس كنائس الدولة-كما حصل في إنجلترا- في نمو القوميات، وبينما كانت مناطق اللوثريين تميل إلى المحافظة ودعم الحكومات المركزية، فإن مناطق الكالفنيين التي كان البروتستانت أقلية فيها، تميل إلى دعم الديمقراطية وتجادل من أجل حق المواطنين في معارضة ديكتاتورية الملك.[/rtl]
[rtl]وقد عدّ لوثر، وغيره من البروتستانت، الحياة في العالم مجالاً لعمل العقيدة،كما عدُّوا الحياة الأسرية والمشاركة في الأنشطة الاجتماعية عملاً مثاليًا. أكد البروتستانت على تقديس دور الإنسان في الحياة اليومية، وشجعوا الجد والكفاح والحياة المزدهرة، وعُرفت هذه النظرة بأخلاق البروتستانت، ولقد أنشأ ماكس فيبر(1864-1920م) نظرية تفسر تنمية بعض المعتقدات النصرانية البروتستانتية للرأسمالية في كتابه الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية، ودلل على أن الكالفني الذي يدين ببروتستانتية كالفن يؤمِنُ بالعمل الجاد، وتجنب الكسل، مما يمنحه التوسع في الاستثمار التجاري. إذ يبرر المبدأ الكالفني النجاح في العمل، بوصفه علامة للخلاص الروحي بالرغبة في الربح.[/rtl]
[rtl]أكد البروتستانت على التعليم، وطوَّروا المعرفة ومناهج التعليم المؤسسة على الآداب الإغريقية والرومانية القديمة، والاحترام الكبير للمعلمين والتعليم، تطوّر التقدم في العلوم بسرعة أكبر في بلاد البروتستانت .[/rtl]
[rtl]الإصلاح المضاد Counter Reformation[/rtl]
[rtl] اسم كان يطلق في الغالب على الحركة التجديدية في الكنيسة الكاثوليكية الرومانية خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر. وقد كان كثير من علماء الكاثوليك يفضلون استعمال مصطلحات مثل، الإصلاح الكاثوليكي أو الصحوة الكاثوليكية على هذا الاسم، وذلك تفاديًا لما يتضمنه، من كونه ردَّة فعل للإصلاح البروتستانتي.[/rtl]
[rtl]اتخذ الإصلاح المضاد طريقين: 1- إعادة الإيمان بين النصارى 2- إعادة تقييم المبادئ، ويقوم بهذا قادة الكنيسة. وقد أثير الحماس الديني عن طريق إقامة أنظمة دينية جديدة في أوائل القرن السادس عشر. ومع تأسيس جمعية المسيح (الجيزويت) عام 1534م، أصبح الإصلاح المضاد حقيقة واقعة.[/rtl]
وقد أسهم عاملان في نجاح حركة الإصلاح المضاد هما: 1- اكتشاف العالم الجديد 2- الثورة الصناعية. وقد ساعد استعمار الأمريكتين الشمالية والجنوبية الكنيسة في تحقيق رغبتها في أن تمد حدود النصرانية. وجاء التصنيع بأعداد كبيرة من الكاثوليك من المناطق الريفية إلى المناطق المدنية. وأدت هذه الهجرة إلى تكوين أبرشيات ومدارس كاثوليكية، وإلى تطوير ثقافة كاثوليكية متميزة