<
>
يهتم هذا البحث باستكشاف أبعاد تأثير النظام الدولى الجديد - تحت قيادته الأمريكية على مسار الصراع العربى الإسرائيلى . وتقوم هذه الدراسة على وجهة نظر تقول بأن التطورات التى شهدها مسار التسوية السلمية منذ انعقاد مؤتمر مدريد للسلام فى الشرق الأوسط (30 أكتوبر - 2 نوفمبر 1991) ، وتحت مظلة النظام الدولى الجديد وبرعايته ، إنما تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك ولوج هذا الصراع مرحلة جديدة غير مسبوقة(1) باتجاه إقرار تسوية لقضاياه المعلقة ( القضية الفلسطينية ، الأراضى المحتلة منذ يونيو1967 ، الاعتراف العربى بإسرائيل)، وبما يحقق إنهاء الصراع العربى الإسرائيلى .
ويذهب البحث فى تفسيره لحجم ونوعية وتلاحق هذه الجهود(2) غير المسبوقة إلى أن المبادرات والتطورات بصدد تسوية قضايا الصراع العربى الإسرائيلى إنما تشكل مرحلة أولى نحو تحقيق هدف استراتيجى أكبر يتمثل فى محاولة إنشاء نظام شرق أوسطى جديد(3) ، وأن هذا النظام المرجو إقامته إنما يستند إلى افتراض إمكانية دمج دول المنطقة ( العربية منها وغير العربية) فى إطار تكتل إقليمى يرتبط أيديولوجيا بالمعسكر الغربى واستراتيجياته ، وتتمحور هويته على أساس من الانتماء الجغرافى المشترك لهذه المنطقة من العالم ، وقد أطلق عليها اسم إقليم أو النظام الشرق أوسطى خاصة وأن الاتجاه نحو إنهاء الصراع العربى الإسرائيلى سوف يساعد على إعادة توجيه موارد الإقليم وطاقاته - ضمن أهداف أخرى - إلى مواجهة التيارات الأصولية فى المنطقة.
وعلى ضوء ذلك ، فإن هذا البحث فى دراسته لآثار النظام الدولى الجديد وتداعياته على مسار الصراع العربى الإسرائيلى - وبالإضافة إلى مقولته الرئيسية السابقة ، إنما يقترح أيضا ثلاثاً من المقولات الفرعية التالية :
أولا : أن التطورات المتلاحقة التى يشهدها مسار تسوية الصراع العربى الإسرائيلى منذ انعقاد مؤتمر مدريد وحتى الآن ، إنما تدين - فى جانب كبير لا يمكن إنكـاره - إلى التطورات التى حدثت فى بيئة الصراع العربى الإسرائيلى على المستويين الدولى والإقليمى ، بحيث لم يكن من الممكن حدوث مثل هذا التطور باتجاه مؤتمر مدريد مالم تحدث تلك التحولات فى بنية وهياكل وعلاقات القوى والتى يعبر عنها تحت مسمى النظام الدولى الجديد.
ثانياً : أن الأطراف العربية والإسرائيلية - باعتبارها الأطراف المباشرة للصراع ، وإن كانت قد قبلت الإطار التنظيمى والإجرائى الذى أسهمت فى صياغته وبلورته إلى حد كبير الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها قائدة لهذا النظام الدولى الجديد ، فإن هذه الأطراف المباشرة قد احتفظت - ولازالت - لنفسها بقدر معقول وفعال للحركة السياسية خارج هذا الإطار الإجرائى والتنظيمى - إطار مدريد وما تفرع عنه من مسارات تفاوضية - وبما يحقق لها قدرة أكبر على تحقيق مصالحها الوطنية.
ثالثا : يترتب على النقطة السابقة ، أن قيادة النظام الدولى الجديد ، وما اقترحته من أطر إجرائية وموضوعية للمفاوضات لن تستطيع فرض سلام لا يفى بالأهداف المشروعة للشعوب العربية ، ومن ثم فإن نجاح مشروع النظام الشرق أوسطى - كهدف استراتيجى لجهود السلام الراهنة - أو فشله يتوقف على عوامل متعددة لا يمثل الدور الأمريكى - على أهميته وثقله - سوى واحدٍ من هذه العوامل ، ومن ثم فإن الشعوب العربية - من خلال مؤسساتها وهيئاتها غير الرسمية - تستطيع القيام بالكثير لتعظيم المزايا المحتملة من وراء هذا النظام ، وكذلك تخفيض وتحجيم سلبياته إلى أقصى قدر ممكن .
وعلى ضوء ما سبق ، تتناول هذه الدراسة محاور ثلاثة : المحور الأول يهتم بدراسة التغيرات والتحولات فى بيئة التسوية ودورها فى دفع الأطراف نحو قبول خيار مدريد أما المحور الثانى فيتناول دراسة المسارات الثنائية المتفرعة عن مؤتمر مدريد باعتبارها تركز بصفة أساسية على القضايا السياسية المتعلقة بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى والأراضى العربية المحتلة والاعتراف المتبادل . أما المفاوضات المتعددة الأطراف فيتم تناولها فى المحور الثالث من البحث ويهدف إلى إلقاء الضوء عليها باعتبارها تشكل الركيزة الأساسية التى يرجى أن يتم من خلالها إرساء أسس التعاون الاقتصادى والفنى فى المنطقة بما يحقق هدف النظام الشرق أوسطى المأمول . وعلى ضوء ذلك تهتم الخاتمة بتلخيص أهم نتائج هذه الدراسة .
1- بيئة التسوية واختيار مدريد :
يشير مفهوم بيئة التسوية إلى مجموعة التغيرات والتحولات التى طرأت على علاقات ومراكز وموازين القوى ذات الارتباط المباشر دولياً وإقليمياً بالصراع العربى الإسرائيلى مع بداية التسعينات ، والدور الذى لعبته هذه التحولات ليس فقط فى دعوة هذه الأطراف إلى التنسيق المشترك فيما بينها ، فتتجه بعض تلك الأطراف إلى بلورة واقتراح صيغة مدريد من جانب ، بينما تتجه الأطراف العربية الإسرائيلية - كل لأسبابه الخاصة وبناءً على حساباته الذاتية - لقبول هذه الصيغة والقبول بالمفاوضات المباشرة فى إطارها باعتبارها الآلية المتاحة بغية التوصل إلى اتفاق فى إطار تحقيق تسوية مقبولة للصراع ، وعلى أساس من قرارات الأمم المتحدة فى هذا الشأن ، أو ما اصطلح على تسميته صيغة الأرض مقابل السلام.
تأسيساً على ذلك ، فإن دراسة دور بيئة التسوية تستوجب التمييز بين مستويين للتحليل : دولى وإقليمى . المستوى الدولى يهتم بدراسة تأثير التحول فى علاقات القوى وتوازناتها بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى (ثم روسيا فيما بعد) ، ولأثره فى دفع الاهتمام بتسوية الصراع العربى الإسرائيلى إلى مرتبة ذات أولوية متقدمة فى اهتمامات الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها قائدة للنظام الدولى الجديد . أما المستوى الإقليمى فيهتم بإيضاح الدور الذى مارسته المتغيرات الإقليمية على مستوى العلاقات العربية /العربية ، ثم العلاقات العربية / الإسرائيلية منذ الغزو العراقى للكويت ، وحتى تحرير الأخيرة بقوات التحالف الدولى وتحت مظلة القيادة الأمريكية - فى الدفع نحو قبول خيار مدريد والاستمرار فيه .
أولاً: المستوى الدولى
يهتم التحليل على هذا المستوى بإبراز أهم التغيرات التى طرأت على ساحة العلاقات الدولية للقوتين الأعظم ، وأثرها كعامل معجل لانفراد الولايات المتحدة بقيادة النظام الدولى من جانب ، وقرارها المبادرة بالتدخل فى الشرق الأوسط بهدف وضع الأطراف المعنية على طريق المفاوضات ورعايتها إلى أن يتم التوصل لاتفاق بشأن التسوية . وفى هذا الخصوص يمكن الإشارة الموجزة إلى التحولات التالية :
أ- التقلص التدريجى للدور الدولى للاتحاد السوفيتى:
حيث كان لتأثر السياسة السوفيتية بجملة من المصاعب والأزمات الداخلية أثره فى انشغال القيادة السوفيتية بمواجهة أزماتها الداخلية على حساب الدور الخارجى النشط للاتحاد السوفيتى وتوجهاته العامة كقوة عظمى فقد صار التركيز فى الاهتمامات السوفيتية منصبا على محاولات دعم علاقاته مع الغرب وصولا إلى المزيد من المساعدات الاقتصادية بصدد القضايا الدولية أوالإقليمية.
ب- انهيار حلف وارسو وانعقاد مؤتمر مالطا 1990 بين الرئيسين الأمريكى جورج بوش والسوفيتى ميخائيل جوباتشوف وما ترتب على ذلك من انتهاء لمناخ الحرب الباردة ، وسقوط الخطر الشيوعى ، ومن ثم انفراد الولايات المتحدة بزعامة العالم، وتوظيف الشرعية الدولية بل والاتحاد السوفيتى ذاته ، فى تنفيذ وتأكيد الهيمنة الأمريكية على العالم(4) .
ج- نجاح الولايات المتحدة - كقائد لقوات التحالف الدولى - فى هزيمة العراق وإخراجه من الكويت وتحرير الأخيرة ، مما كان له أثره المادى والمعنوى فى دعم وزيادة وزن وثقل الدور الأمريكى على المستوى الدولى ، بل كما سبقت الإشارة اتجاه الولايات المتحدة فى توظيف ما تبقى من وزن سوفيتى ، ثم بعد ذلك الدور الروسى - لتأكيد الدور الدولى للولايات المتحدة(5).
د- انهيار الاتحاد السوفيتى رسميا منذ الثامن من ديسمبر 1991:
وتكوين اتحاد الدول المستقلة الذى تنامت عضويته فيما بعد لتصل إلى إحدى عشرة جمهورية 21/12/1991 كان له أيضا أثره فى تأكيد القيادة الأمريكية للنظام العالمى الجديد من جانب وفى انهيار الخطر الشيوعى من جانب آخر(6) .
هـ - الاتجاه العام نحو دعم علاقات التعاون الدولى فى إطار من التكتلات الإقليمية ، وفى ظل محاولة إعادة تشكيل النظام الدولى الجديد وبعد انهيار نظام القطبية الثنائية الذى ساد منذ الحرب العالمية الثانية.
وهكذا فقد كان على الولايات المتحدة - وقد سنحت لها الفرصة على ضوء تفاعل كل المتغيرات السابقة - أن تسارع إلى الإمساك بخيوط المواقع الإستراتيجية فى العالم، بما فى ذلك الوطن العربى ومن ثم ضرورة المبادرة بالسعى نحو إقرار السلام فى هذه المنطقة ذات الأهمية الإستراتيجية والاقتصادية والسياسية للمصالح الأمريكية بوجه خاص ، وللمصالح الغربية بوجه عام(7) .
وعلى ذلك ففيما يتعلق بالشرق الأوسط والصراع العربى الإسرائيلى ، فقد كانت محصلة التفاعل بين هذه المتغيرات فورية ، وعاجلة باتجاه إعادة الاهتمام به ، وزيادة الضغوط الأمريكية باتجاه توسيع دائرة هذا الصراع العربى الإسرائيلى فى إطار نظام للأمن الإقليمى ، تروج له الإدارة الأمريكية خاصة بعد تزايد ووضوح الأهمية الإستراتيجية لمصالح الولايات المتحدة والدول الغربية فى المنطقة بما يدفع نحو إخراج المنطقة العربية من دوامة عدم الاستقرار والتغير المستمر حتى يمكن أن تظل الولايات المتحدة قادرة على الضغط لحماية مصالحها وأوضاعها فى المنطقة .
وتعبيراً عن ذلك جاء خطاب الرئيس الأمريكى جورج بوش أمام الكونجرس الأمريكى فى السادس من مارس 1991 وبمناسبة انتصار قوات التحالف وتحرير الكويت . فى هذا الصدد ، جاء خطاب الرئيس الأمريكى ليحدد الأهداف العاجلة للسياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط بالأهداف الأربعة التالية:
(1) الدعوة إلى بناء نظام إقليمى أمنى .
(2) تقييد سباق التسلح فى الشرق الأوسط .
(3) إنهاء الصراع العربى الإسرائيلى وتسويته .
(4) وإرساء أسس وقواعد الحرية التجارية والرخاء لكل الشعوب فى المنطقة(
.
وهكذا ، فبينما كان ميلاد النظام الدولى الجديد آخذاً فى التحقيق فى غضون تلك الفترة فقد كان الشرق الأوسط مرة أخرى من أوائل المواقع التى كان على الولايات المتحدة أن تختبر فيها قدرتها على تحقيق أهدافها المرتبطة بإعادة ترتيب الأوضاع فى العالم بما يخدم أهداف سياستها وبما يكرس موقعها كدولة أولى فى العالم من جانب آخر . ومن هذا المنطلق ذاته ، كانت جولات الوزير بيكر المكوكية إعداداً للبيئة الشرق أوسطية وتمهيداً لها بقبول فكرة مؤتمر السلام والمفاوضات المباشرة فى مدريد وما بعدها .
ثانياً : على المستوى الإقليمى :
يقتصر التحليل فى هذا المستوى على إبراز أهم المتغيرات التى شكلت البيئة الإقليمية للصراع العربى الإسرائيلى على جانبيها العربى والإسرائيلى ، والتى كان من شأنها ليس فقط إعداد المسرح للتسوية والقبول المشترك بالنظر فى أمرها ، بل أيضا ما كان من شأنها فى دفع الأطراف المعنية لإعادة حساباتها وتقييم بدائلها ومواقفها، وانتهاء كل طرف لقبول خيار مدريد والمفاوضات المباشرة التى تفرعت منه فيما بعد . فيما يتعلق بالجانب العربى : فقد جاء طرح صيغة مدريد فى توقيت تفاعلت فيه مجموعة المتغيرات والتحولات التالية:
1- الانحسار النسبى للمد القومى والثورى العربى . ويشير ذلك إلى الضعف النسبى الذى أصاب تيار القومية العربية وحركة القلق الوطنى تحت تأثير الضغوط النفسية والسياسية المتولدة من هزيمة يونيو 1967 ، وغياب القيادة الكاريزمية العربية ، وفشل المشروع القومى الاشتراكى ، وتفاقم أزمة المشروع الإسلامى ، هذا فضلاً عن تزايد الضغوط الاقتصادية والديون الخارجية بالتزايد المستمر فى أعباء مشروعات التنمية الاقتصادية .
2- حالة التشتت العام التى يعانى منها العالم العربى خاصة بعد أزمة الخليج الثانية وما ترتب عليها من انهيار للجبهة الشرقية وتضاعف الأعباء المالية ، والارتباطات السياسية والعسكرية لدول الخليج تجاه الدول الغربية وسيطرة الهموم الاقتصادية والاجتماعية على اهتمامات الحكم فى النظم العربية بوجه عام(9) .
3- يرتبط بما سبق أيضا تزايد حالة الإحباط العام التى تعانى منها معظم النخب العربية، وانسحاب الأحزاب والنقابات إلى الداخل وانكفائها على ذاتها أو مقاومة المثقفين والقوى الوطنية فى العالم العربى للمشاريع الاستعمارية ، والاتجاه العام نحو التركيز على الأسباب الداخلية للأزمة.
4- تنامى حركات الرفض وموجات العنف غير المنضبط بصورة تهدد أمن واستقرار النظم الحاكمة فى الدول العربية ، فى نفس الوقت الذى أخذت الضغوط الأمريكية والإسرائيلية تتزايد باتجاه إنهاء الصراع العربى الإسرائيلى والعمل على إنشاء نظام أمنى إقليمى جديد .
5- إضافة إلى ما سبق ، فإن سقوط الاتحاد السوفيتى وانهياره كان له أبرز الأثر على تحجيم القدرات والإمكانات العربية المتاحة إستراتيجيا وعسكريا فقد خسر العرب - خاصة دول المواجهة مع إسرائيل مصدرا أساسيا للتأييد السياسى والإستراتيجى فى المحافل الدولية ، فضلاً عن فقدانهم لأهم مصدر للأسلحة للجيوش العربية السورية والفلسطينية . وقد كان من الطبيعى أن تضطر الدول العربية خاصة سوريا والفلسطينيون إلى مراجعة مواقفها وإستراتيجتها تجاه الصراع مع إسرائيل والانتهاء إلى قبول الخيار السلمى التفاوضى على الأقل مرحلياً(10) .
وهكذا فقد اتسم الوضع العربى العام بالتدهور فى إمكانياته وموارده بصورة غير مسبوقة ، بل إن هذا التدهور قد أوشك على أن يمتد ليشمل قدرة النظام العربى على الاحتفاظ بإطاره المؤسسى التقليدى ، خاصة فى أعقاب حرب الخليج الثانية وما ارتبط بها من انهيار الثقة وتزايد المرارات المتبادلة والتشوهات التى أصابت الصورة العربية العامة(11) .
أما على الجانب الإسرائيلى:
فقد مثل المتغير السوفيتى قدراً كبيراً من الأهمية فى تقدير إسرائيل الإستراتيجى تجاه مدريد . فمن جانب بدا انهيار الاتحاد السوفيتى مكسباً كبيراً لإسرائيل يدعم من موقفها ويدفعها للاطمئنان على عدم قدرة العرب على المبادرة بعمل عسكرى فى المستقبل القريب على أقل تقدير . تفصيل ذلك يتحدد على ضوء فقدان العرب لحليفهم الإستراتيجى المؤيد لقضاياهم ووجهة نظرهم فى الصراع العربى الإسرائيلى ، وكذلك خسارة العرب (خاصة دول المواجهة وتحديداً سوريا بالذات) للمصدر الأول والرئيسى للأسلحة ، الأمر الذى يضع قيودا عملية على قدرتها العسكرية فى المستقبل ، مما يعنى عملياً تقييد قدرة هذه الدول على فرض الحل العسكرى . إضافة إلى ذلك ، فإن انهيار وتحلل الاتحاد السوفيتى قد ترتب عليه - ضمن أشياء أخرى - تخفيف القيود المفروضة على هجرة اليهود السوفيت لإسرائيل ، مما يعنى قدرة الأخيرة على استمرارها فى برامج الاستيطان ودعم سياسات الأمر الواقع فى الأراضى العربية المحتلة ، وتغيير خصائصها الديموجرافية والطبيعية بما يخدم الأهداف الإسرائيلية فيها، كما يعنى ذلك أيضا تزايد فرص إسرائيل النسبية فى الاستفادة من القدرات والإمكانيات التكنولوجية السوفيتية التى أصبحت متاحة بطرق متعددة نتيجة للأوضاع السياسية والاقتصادية التى تمر بها الجمهوريات السوفيتية السابقة.
ومن ناحية ، فقد كانت هناك بعض الاتجاهات والآراء الإسرائيلية المختلفة ، والتى رأت فى نتائج حرب الخليج مبررا كافيا للتمسك بالرؤية الإسرائيلية المتشددة للتسوية والسلام : وفى مفاوضات مباشرة ، واستبعاد المنظمة من أى مفاوضات ، عدم القبول بأى مشاركة أو طبيعة دولية للمفاوضات .إضافة إلى ذلك ، فقد كانت هناك توقعات بأن تفى الولايات المتحدة بالدين الواجب نحو إسرائيل بعد موقفها المتفهم والمتعاون مع الإستراتيجية الأمريكية أثناء حرب الخليج وتحرير الكويت . ومن ثم كان التوقع بدرجة عالية من التفهم الأمريكى للموقف الإسرائيلى والتأييد لوجهة النظر الإسرائيلية بشأن المفاوضات وبخصوص ضرورة توفير الدعم الأمريكى اللازم لاستيعاب المهاجرين الجدد .
إزاء الموقف الامريكى على الجانبين العربى والإسرائيلى ، وفى تحرك سريع فى أعقاب الانتصار الأمريكى فى الكويت ، كان على الولايات المتحدة الأمريكية أن تسعى لجنى ثمار هذا الانتصار ، وتدعيم موقفها الجديد على رأس النظام الدولى بالتمهيد ، والإعداد لمفاوضات سلام بين العرب وإسرائيل تدعم من مصداقية الولايات المتحدة والشرعية الدولية من جانب ، وتؤكد فى ذات الوقت لأصدقائها المتزايدين من المعتدلين العرب حرصها على تسوية هذا الصراع والتوصل إلى حل مقبول من أطرافه جميعاً.
فى هذا الاتجاه جاءت الجولات المكوكية لوزير الخارجية الأمريكى لدول المنطقة فى أعقاب انتصار قوات التحالف على العراق وتحرير الكويت ، وقد استهدف جميس بيكر من ورائها التمهيد والإعداد لمفاوضات السلام بين العرب وإسرائيل مستخدما فى ذلك مزيجا من سياسات الترغيب والتهديد : ترغيب الأطراف المعنية بالوعود والمكافآت ، وتهديدها بانعقاد المؤتمر بحضور من سوف يحضر وبصرف النظر عمن يغيب عن الحضور(14) . ومن بين الحوافز التى أسفرت عنها تلك الجولات المكوكية بالنسبة لإسرائيل إلغاء قرار الأمم المتحدة السابق بإدانة الصهيونية كحركة عنصرية ، واستخدام ورقة اليهود السوفيت ، والوعد بتكثيف الضغوط على الاتحاد السوفيتى للسماح لليهود بالهجرة إلى إسرائيل ومساعدة إسرائيل فى فتح علاقات جديدة وهامة مع الهند والصين ، بالإضافة إلى صفقات السلاح المتقدم من الولايات المتحدة إلى إسرائيل(15) . وعلى الجانب الآخر وبينما كان سلاح المعونة الاقتصادية والوعد بالمزيد منها أحد الحوافز الأساسية فى تأمين الموافقة العربية على الحضور . فإن نفس هذا السلاح قد تم استخدامه وتوظيفه بصورة سلبية بتأجيل القرار الأمريكى بضمانات القروض لإسرائيل شامير وكرد فعل للتعنت الإسرائيلى آنذاك بصدد المستوطنات وجهود السلام بوجه عام .
وقد اضطر الوزير الأمريكى للقيام بجولات ثمان استغرقتها الفترة من منتصف مارس 1991 تقريبا وحتى أوائل أكتوبر من نفس العام ، كما أنه قد واجه العديد من المشكلات والقضايا الخلافية خلال هذه الجولات والتى كان لابد من تسويتها قبل الاتفاق على موعد بدء مفاوضات مدريد وبداية هذه المفاوضات عمليا ، ومن بين أهم تلك القضايا والمشكلات التى واجهها بيكر ما يلى :
1- المحاولات الإسرائيلية المستمرة لمضاعفة الانقسام العربى : وذلك بالتحديد المسبق للدول التى ستتفاوض معها إسرائيل ، وتجاهل الأردن والفلسطنيين - تلك الدول كانت هى دول إعلان دمشق (دول الخليج وكلُُ من مصر وسوريا) . ثم الإصرار على التمسك بالقضايا الفرعية مثل ترتيبات أمن الخليج ودور إسرائيل فى التمثيل الفلسطينى فى المفاوضات .
2- التمسك الإسرائيلى بمؤتمر إقليمى بدلا من مؤتمر دولى ، وتحت رعاية أمريكية - سوفيتية فقط دون مشاركة أوربية أو دور للأمم المتحدة (الجولتين الثانية والثالثة - أوائل أبريل 1991).
3- التحفظ السورى على فكرة المؤتمر الإقليمى والمطالبة بدور أكثر فعالية للأمم المتحدة والمجموعة الأوربية ، إضافة إلى تقديم ضمانات أمريكية تتعلق بشمول التسوية السياسية (جولة رابعة ، مايو) . وهنا ، وعلى الرغم من الخلاف أو التوتر الإسرائيلى - الأمريكى بصدد المستوطنات ، فقد كان التهديد الأمريكى - استجابة للموقف السورى - بإمكانية انعقاد المؤتمر دون حضور سوريا.
4- مشكلة التمثيل الفلسطينى فى الجولتين الخامسة والسادسة وإعلان بيكر عن قرارى مجلس الأمن 242 ، 338 كإطار مرجعى للمفاوضات وموافقة سوريا على ذلك ، ثم إعلان قمة موسكو (30-31 يوليو 1991) بين الرئيسين الأمريكى والسوفيتى على عقد مؤتمر للسلام فى الشرق الأوسط خلال شهر أكتوبر وتحت رعايتهما - أما الجولة السادسة فقد تم فيها التوصل لصيغة مشاركة فلسطينية - أردنية.
وبوجه عام فقد اتجهت الإدارة الأمريكية لاستخدام أسلوب خطاب التطمينات لكل طرف على حدة بما يتفق جزئيا مع مواقف كل طرف ، وتحديدا بتبنى الموقف الإسرائيلى فى الكثير من عناصره خاصة فيما يتعلق برفض أى دور للمنظمة ، ورفض قيام دولة فلسطينية ، أو تقديم تفسير واضح للقرارين 242،338 ، كما جاء الموقف الأمريكى من الجولان حيث يفهم أن أمريكا لا تؤيد استمرار احتلال إسرائيل لها ، وفى نفس الوقت تتفق الولايات المتحدة مع إسرائيل بصدد استمرار بناء المستوطنات فى الأراضى المحتلة(16) . إضافة إلى سياسات الترغيب والتهديد فإن الجهود الأمريكية تجاه السلام قد انطلقت من الخلفيات الخاصة بنجاح الحشد الدولى تحت قيادة أمريكا فى هزيمة العراق عسكريا وإجباره على الخروج من الكويت بعد شهور سبعة من احتلالها.
وفى هذا الخصوص فإن الإستراتيجية الأمريكية فى التمهيد والإعداد لمؤتمر السلام قد استندت على الاعتبارات التالية :
1- اتخاذ حرب الخليج لعمل جماعى دولى ضد قوة إقليمية مزقت قواعد القانون الدولى .
2- انفراد الولايات المتحدة بالسطوة والنفوذ على قمة النظام الدولى ، وعلى الأقل فى مرحلته الانتقالية.
3- تزايد مساحة الحركة الدولية الفاعلة للأمم المتحدة خاصة فى مجال الأمن الجماعى.
4- تزايد أثر القوة الرادعة الإستراتيجية الأمريكية تجاه القوى الإقليمية فى حال استخدامها غير المشروع للقوة من جانب ، وفى إعادة هيكلة علاقات القوة عالميا، خاصة فى علاقات الولايات المتحدة بحلفائها من دول العالم الثالث ، وفى بدء حقبة جديدة لعلاقات القوة فى إطار النظام الدولى الجديد(17) .
على ضوء ما تقدم ، فقد تم توجيه الدعوات من قبل راعىّ مؤتمر مدريد - الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى - للأطراف العربية والإسرائيلية وباقى الأطراف المعنية لحضور الإطار المرجعى لهذا المؤتمر على أساس من قرارات مجلس الأمن 242 ، 338 وكذلك القرار 425 بالنسبة للبنان ، بالإضافة إلى ما ورد بخطابات التطمينات المرسلة من الولايات المتحدة لكل من الأطراف المعنية . وقد بدأ المؤتمر أعماله فى الموعد المحدد (30 أكتوبر - 2 نوفمبر 1991) فى حضور الرئيسين الأمريكى والسوفيتى ، ووفود مراقبة من كل من مصر ، ومجلس التعاون الخليجى ، ومجلس التعاون المغربى ، والمجموعة الأوربية . وبعد انتهاء مراسم الافتتاح والجلسات الإجرائية ، أوجد المؤتمر مستويين للتفاوض : ثنائى ومتعدد . الأول يهدف إلى تسوية قضايا النزاع على المستوى الثنائى بين إسرائيل وكل من الدول العربية المعنية فى إطار مسارات تفاوضية بين كل من سوريا وإسرائيل ، لبنان وإسرائيل والأردن - الفلسطينيين وإسرائيل ، ثم وفد فلسطينى مستقل مع وفد إسرائيلى مماثل . أما المستوى المتعدد الأطراف فقد جمع بين إسرائيل وجيرانها العرب بالإضافة إلى دول الخليج ودول المغرب العربى بالإضافة إلى دول أخرى ، ويهتم بقضايا التعاون الإقليمى فى إطار النظام الشرق أوسطى فى مجالات التنمية الاقتصادية وضبط التسلح ، والمياه واللاجئين ، والبيئة(18) .
2- المفاوضات العربية الإسرائيلية القضايا والمسارات
كما سبقت الإشارة فإن صيغة مدريد للسلام بين العرب وإسرائيل قد تضمنت مستويات ثلاثة للعملية التفاوضية المباشرة بين الأطراف العربية وإسرائيل : الأول : مؤتمر جنيف وافتتاحه ، الثانى ويتعلق بالمسارات التفاوضية الثنائية التى انعقدت فيما بعد فى العاصمة الأمريكية واشنطن ، والتى شهدت حتى توقيع إعلان المبادرة الفسلسطينية الإسرائيلية فى واشنطن فى 13/9/1993 إحدى عشرة جولة . أما المستوى الثالث فقد تعلق الاهتمام فيه بالمفاوضات المتعددة الأطراف والتى تركزت حول جوانب التعاون الاقتصادى الفنى المحتملة بين العرب وإسرائيل وغيرهم من الدول الإقليمية المشاركة أو الدول الاوربية.
أولا : وفيما يتعلق بمؤتمر مدريد فقد امتدت جلساته بين الثلاثين من أكتوبر وحتى الثانى من نوفمبر 1991. قد غلبت على المؤتمر الطبيعة الاحتفالية حيث اقتصر أول أيامه على كلمات رؤساء الوفود الافتتاحية ، ثم تلا ذلك فى اليوم التالى الردود والتعقيبات ، وقد كشفت كلمات الرئيسين الأمريكى والسوفيتى ، بالإضافة إلى كلمات رؤساء الوفود حجم الفجوة التى تفصل بين الأطراف بصدد توصيفهم للنزاع وأسبابه وبالتالى فيما يطرحونه من حلول ومقترحات . أهم الدلالات فى هذا الصدد يمكن إيجازها فيما يلى :
(أ) تأكيد الرئيس الأمريكى على عزم الولايات المتحدة التوصل إلى تسوية دائمة وشاملة للصراع ، إلا أنه لم يكشف عن تصور أمريكى تفصيلى لتحقيق هذا . إضافة إلى ذلك ، فقد أكد على الضوابط التى يتحدد على ضوئها الدور الأمريكى والتى تمثلت فى عدم اعتزام الولايات المتحدة فرض حلول على الأطراف المعنية ، وضرورة أن تصل تلك الأطراف إلى اتفاق على آلية التفاوض بينها ، وأن تقدم المفاوضات المتعددة ما من شأنه أن يحدث تطورا فى المسارات الثنائية .
(ب) فيما يتعلق برئيس الوفدين السوفيتى والأوربى فقد جاءت كلمتاهما انعكاسا للدور الهامشى الذى يمثلانه فى العملية التفاوضية . فبينما اهتم جورباتشوف بالتأكيد على ما جاء بكلمة الرئيس الأمريكى ، جاءت كلمة وزير الخارجية الهولندى - رئيس المجموعة الأوربية آنذاك - تؤكد على حق جميع الشعوب فى العيش فى سلام ، وكذلك التأكيد على قرارات مجلس الأمن كإطار مرجعى للمفاوضات .
(ج) لم تعكس كلمة رئيس الوزراء الإسرائيلى أية نية لدى إسرائيل للانسحاب من الأراضى العربية المحتلة ، كما أنها فى مجملها اتصفت بالاستفزاز والمزايدة على الوفود العربية.
(د) اجمعت الوفود العربية على التأكيد على تحذير إسرائيل من عواقب عدم الامتثال لقرارات الأمم المتحدة والانسحاب من الأراضى المحتلة (سوريا) ، وعلى الحقوق الشرعية للشعب الفلسطينى وضرورة الانسحاب الإسرائيلى من الجنوب اللبنانى (لبنان)(19) .
وفى أعقاب فشل أولى جلسات المفاوضات الثنائية فى مدريد خلال الجلسة الإجرائية فى التوصل إلى اتفاق على مكان متابعة الجلسات التالية ، انتهى افتتاح المؤتمر فى مدريد بإعطاء مهلة أسبوعين من قبل راعىّ المؤتمر لأطراف النزاع للتوصل إلى اتفاق حول موعد ومكان انعقاد المفاوضات الثنائية ، مع احتفاظ راعىّ المؤتمر بحق تقدير حلول لمكان وطريقة عقد المحادثات الثنائية . إضافة إلى ذلك فقد كان هناك المطلب السورى بتأجيل إجراء المفاوضات المتعددة وربطها بالتقدم فى الثنائية ، بينما طالبت إسرائيل ببدئها مباشرة ودون ارتباط بالمفاوضات الثنائية(20) .
ثانيا المفاوضات الثنائية:
منذ أن تم الاتفاق على انعقادها فى العاصمة الأمريكية واشنطن شهدت المفاوضات الثنائية انعقاد إحدى عشرة جولة منذ العاشر من ديسمبر 1991 وحتى توقيع إعلان المبادئ الفلسطينى الإسرائيلى فى واشنطن فى الثالث عشر من سبتمبر 1993.
وبوجه عام فقد اهتمت هذه المفاوضات فى مساراتها الأربعة - المسار الفلسطينى/ الإسرائيلى ، والأردنى / الإسرائيلى ، والسورى / الإسرائيلى ، واللبنانى / الإسرائيلى، - اهتمت ببحث القضايا السياسية الجوهرية فى الصراع العربى الإسرائيلى وهى قضايا الحقوق الفلسطينية المشروعة ، الانسحاب الإسرائيلى من الأراضى العربية المحتلة ، الاعتراف المتبادل بإسرائيل أو فيما أطلق عليه اختصارا صيغة الأرض مقابل السلام. ومن ثم كان من الطبيعى أن تدور هذه المفاوضات حول الوضع النهائى . وبالإضافة لذلك فقد كانت هناك العديد من القضايا والمشكلات التى اعترضت هذا المستوى التفاوضى ، والتى قدر لها أن تستغرق الجولات الأربع أو الخمس الأولى حتى تم تسوية هذه المشكلات ذات الطبيعة الإجرائية والموضوعية معاً . والتى جاءت نتيجة للتعنت الإسرائيلى وسياسات حكومة شامير الهادفة إلى كسب الوقت وتعطيل المفاوضات إلى عشر سنوات إن لم يكن أكثر حتى يتسنى لإسرائيل فرض الأمر الواقع فى الأراضى العربية المحتلة ثم فرضه على العرب ، ومن ثم إجهاض أى تقدم قد تصل إليه العملية التفاوضية ، وقد استمر ذلك مطلباً أساسيا فى السلوك التفاوضى الإسرائيلى طوال حكم الليكود الذى انتهى قبيل بدء الجولة السادسة من المفاوضات فى أغسطس 1992.
وهكذا كانت أجواء التفاؤل - التى صاحبت وصول حزب العمل إلى الحكم فى إسرائيل - مواكبة لبدء الجولة السادسة من المفاوضات الثنائية فى 24 أغسطس 1992 وفى 24 سبتمبر من نفس العام . ومن ثم شهد المسار الفلسطينى الإسرائيلى قيام كل من الوفدين بتقديم تصوراته وآرائه فى صورة اقتراحات محددة لتسوية قضايا الصراع الأساسية ، قضية الحكم الذاتى ، وضع القدس ، قضية المستوطنات ، أوضاع السكان العرب فى الأراضى المحتلة ، وقد تبلورت القضايا الخلافية فى هذا المسار مع نهاية الجولة السادسة فى ثلاث قضايا رئيسية :
(1) قضية الحكم الذاتى وآلياته : الفلسطينيون يرون أن الحكم الذاتى يشكل مرحلة انتقالية نحو تحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى وإقامة دولته أما الطرف الإسرائيلى فقد رأى الحكم الذاتى إدارياً ، أى إدارة ذاتية للشعب وليست للأرض ولا ينبغى أن يتجاوز الخطوط الحمراء سواء فى القدس ، المستوطنات ، الموارد والسيادة فى الأراضى المحتلة.
(2) قضية الأرض : ففى مقابل المطالب الفلسطينية بأن تقوم الدولة الفلسطينية على الأراضى المحتلة فى الضفة والقطاع (الأراضى المحتلة منذ 1967) قامت وجهة النظر الإسرائيلية على الاستقلال بأحدها وهو المقام عليه المستوطنات وأن تسيطر السلطة الفلسطينية على قطاع كردون المجالس البلدية والقروية 60% ، بينما تشترك السلطتان فى إدارة القطاع الثالث وهو قطاع الأراضى الأميرية . أما القضية الثالثة فهى قضية القدس ، والتى أصر الفلسطينيون على إدخالها فى العملية التفاوضية بينما الموقف الإسرائيلى يصر على ألا تفريط فى القدس كعاصمة موحدة لإسرائيل(21) .
وبوجه عام فإن المسار الفلسطينى الإسرائيلى يعد أكثر المسارات إنجازا من وجهة نظر التطور فى المسارات التفاوضية فقد تم التوصل إلى اتفاق أسلو ثم توقيع اتفاق إعلان المبادئ بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل فى الثالث عشر من سبتمبر 1993 بالعاصمة الأمريكية واشنطن ، والذى أرسى مجموعة من الأهداف الواجب على الطرفين تحقيقها حيث إنه يدعو - من بين أمور أخرى - إلى :
ــ التوصل إلى اتفاق قبل الثالث عشر من ديسمبر 1993 على انسحاب إسرائيل من غزة وأريحا ، وعلى كيفية هذا الانسحاب .
ــ إكمال الانسحاب الإسرائيلى ، والإحالة إلى السطة الفلسطينية فى غزة وأريحا وتحويل السلطة إلى الفلسطينيين فى موعد أقصاه الثالث عشر من أبريل 1994.
ــ إجراء انتخابات الحكم الذاتى المؤقت فى الضفة وغزة بحلول موعد أقصاه 13 يوليو 1994(22) .
ومن الجدير بالذكر أن تنفيذ هذا الاتفاق فيما يتعلق بجدول المواعيد التى حددها للمراحل التنفيذية قد حالت دونه عقبات متعددة ، وقد أعلن مؤخرا عن قرب توقيع هذا الاتفاق فى الرابع من مايو 1994 ، وبدء التنفيذ الفورى لبنوده فى اليوم التالى(23) وهنا ينبغى الإشارة إلى أن هذا الاتفاق تم التوصل إليه خارج إطار المفاوضات الثنائية فى واشنطن ومن خلال مباحثات ثنائية سرية تامة إلى أن تم الإعلان عنها فيما بعد التوصل لاتفاق الجانبين ، الأمر الذى يثير التساؤل حول فعالية الإطار الثنائى فى واشنطن بالنسبة لباقى الأطراف العربية ، بالإضافة إلى ما يثيره ذلك من إيحاءات وتفضيلات إسرائيلية لأسلوب المفاوضات السرية الثنائية خارج إطار واشنطن كوسيلة للاتفاق حول القضايا والمشكلات المطروحة فى المسارات المختلفة .
أما على المسار الأردنى الإسرائيلى ، فقد توصل الجانبان فى الجولة السابعة إلى آفاق حول صيغة مشتركة لجدول أعمال ، ثم استمرت المفاوضات بينهما فى الجولات التالية حول حل الخلافات المشتركة فى الصيغة النهائية لهذا الجدول(24) .
وفيما يبدو فإن توقيع اتفاق إعلان المبادئ الفلسطينى الإسرائيلى فى واشنطن قد أزال الحرج عن الحكومة الأردنية ، فقد قامت فى اليوم التالى مباشرة ( 14/ 9 1993) بالتوقيع بالأحرف الأولى مع إسرائيل على جدول أعمال مشترك لمفاوضات بينهما ، ويسجل النجاح الذى تحقق فى محادثاتهما ، كما يضع الإطار المناسب لمزيد من المباحثات التى تؤدى إلى تسويتها نهائياً(25) كذلك فقد توصل الطرفان الأردنى الإسرائيلى إلى اتفاق بإنشاء لجنة اقتصادية ثلاثية ( أمريكية ، إسرائيلية ، أردنية ) لدراسة الخطوات المستقبلية للتنمية الاقتصادية بينهما ، وطبيعة علاقاتهما على ضوء اتفاق غزة / أريحا وبينما تم الاتفاق على ذلك فى البيت الأبيض فى أول أكتوبر 1993، فإن هذه اللجنة قد بدأت بممارسة مهامها فى اجتماعات متتالية جاء أولها فى نوفبر 1993 ، فى باريس ، ثم الثانى فى واشنطن بين 30 نوفمبر ، أول ديسمبر 1993 أيضاً(26) ومازال التنسيق والتفاوض بين الطرفين بصدد مستقبل الخيار الكونفدرالى مع الكيان الفلسطينى المرتقب .
أما المسار السورى الإسرائيلى : فقد أثبت أنه أكثر المسارات صعوبة فى التوصل الى اتفاق بين طرفيه ، ويتناول هذا المسار القضايا الأساسية المتعلقة بالانسحاب الإسرائيلى من الجولان والذى يجسد محور المطالب السورية . وفى المقابل ، فإن الموقف الإسرائيلى يعبر عن التمسك بمحورية هضبة الجولان السورية المحتلة للأمن الإسرائيلى ومن ثم تتقدم إسرائيل بمقترحات متعددة تدور فى جوهرها حول عدم استعدادها للانسحاب من الجولان ( مقترحات انسحاب جزئى مقابل سلام جزئى ، مقترحات أخرى بتأجير الجولان لمدة 99 عاماً من سوريا 000 إلخ ) .
وعلى مدى الجولات التفاوضية التى شهدها هذا المسار استمر الجانبان فى التقدم بمقترحات ومقترحات مضادة . الموقف السورى فى مجمله اهتم بالتركيز على مجموعة المبادئ الأسياسية التالية :
أ - ضرورة الاستناد إلى قرارات مجلس الأمن 242 ، 338 على أساس من مبدأ الأرض مقابل السلام .
ب - شمولية الحل لكل جبهات الصراع العربى الإسرائيلى .
ج - استعداد سوريا لتوقيع اتفاقية سلام وليس معاهدة سلام .
د - أن تكون الترتيبات الأمنية على الجانبين دون مساس بسيادة أى طرف على أرضه(27) .
أما الموقف الإسرائيلى فعلى الرغم من إعلانه القبول بالقرارين 242 ، 338 كأساس للسلام مع سوريا . فإنه قد تمسك بعدم التخلى عن الجولان دون تحقق السلام مع سوريا ، والقبول بتسوية جزئية على نمط اتفاقيات فصل القوات بين إسرائيل وسوريا واستعداد إسرائيل للبحث فى ترتيبات أمنية فى حالة السلام(28) .
وبوجه عام فإن المسار السورى الإسرائيلى لم يستطع حتى الجولة الحادية عشرة التوصل إلى اتفاق بشأن القضايا الخلافية . إسرائيل لم تزل تصر على مبدأ الضمانات الأمنية قبل الانسحاب ، بل والتطبيع العملى للعلاقات دون انتظار لتحقيق الانسحاب الكامل ( فتح الحدود ، إقامة علاقات تجارية دبلوماسية ، فى مقابل الانسحاب على مراحل على نمط الانسحاب من سيناء ) . أما الموقف السورى إزاء ذلك فقد تمسك بمبدأ شمولية الانسحاب من كل الأراضى العربية المحتلة بما فيها الجولان .
وقد اتصف الموقف الإسرائيلى فى المسار السورى بوجه عام باتباع أساليب المراوغة ومحاولة كسب الوقت بصورة ملحوظة . وفى هذا السياق جاء اتفاق غزة أريحا مع المنظمة ليضيف بعض الضغوط الإسرائيلية على المسار السورى ، فتعددت المطالب والاقتراحات الإسرائيلية لتترواح بين اقتراح مفاوضات سرية على نمط مفاوضات أوسلو ، واقتراح عقد قمة سورية إسرائيلية ، أو على الأقل لقاء بين وزيرى خارجية البلدين ، أو رفع مستوى التمثيل فى مفاوضات السلام . إضافة إلى ذلك فقد استغلت إسرائيل معارضة بعض الفصائل الفلسطينية للاتفاق وقيام حزب الله بتصعيد عملياتهم ضد إسرائيل ، استغلت ذلك فى محاولة ممارسة الضغوط على سوريا أملا فى الحصول على تنازلات منها ( تصعيد الهجمات الإسرائيلية والأعمال الانتقامية ضد سكان جنوب لبنان ومطالبة سوريا بوقف دعمها لهذه المنظمات ) . وأخيراً فإن على سوريا أن تنتظر حتى يتم تنفيذ اتفاق غزة / أريحا ثم بحث قضايا المسار السورى. إزاء ذلك فإن الموقف السورى قد تمسك بإصراره على شمولية السلام حتى بعد اتفاق غزة / أريحا ، كما صعد من رفضه للأسلوب الإسرائيلى بالتهديد من الانسحاب من المفاوضات إذا لم تراجع إسرائيل موقفها وتضع حداً لسياسات المراوغة التى تتبعها خاصة وأن الحكومة الإسرائيلية الحالية تنفذ بدقة ، سياسة الحكومة السابقة الهادفة إلى إطالة أمد المفاوضات 10سنوات أخرى حتى تتمكن من تغيير معالم الأراضى العربية المحتلة وزرعها بالمستوطنات ووضع العرب والعالم أمام أمر واقع(29) .
أما المسار اللبنانى فلم يكن أسعد حظاً من نظيره السورى خاصة وأن المسارين مرتبطان بطبيعة العلاقة الخاصة بين البلدين ، كما أن هناك خصوصية المسار اللبنانى المرتبطة بوضع لبنان وتركيبة القوى السياسية والاجتماعية والطائفية فيه وتأثيرها على الإجماع اللبنانى ، إضافة إلى متغير التواجد الأجنبى أو الخارجى علىالأراضىاللبنانية وأثره أيضًا على سير المفاوضات ( سوريا ، الفلسطنيين، والميليشيات الإيرانية ) .
وبوجه عام ، فقد انعكست تلك الخصوصية على مسار المفاوضات اللبنانية الإسرائيلية ، حيث كثفت إسرائيل من محاولاتها وضغوطها (بالتشدد والمراوغة) لفتح مسار خارجى للتفاوض مع لبنان لبحث قضية الجنوب اللبنانى باعتبارها محور التفاوض بين البلدين ، وفى هذا الصدد تمثلت الإستراتيجية الإسرائيلية فى تبنى موقف عام متشدد (بتجنيب بحث المسائل الجوهرية الخاصة بتنفيذ القرار 425 الخاص بالوضع فى لبنان رغم وضوحه ودقته وصراحته بصدد الانسحاب الإسرائيلى) واقتراح إما معاهدة أمنية بين إسرائيل ولبنان ، أو تكوين لجنة عسكرية مشتركة تصل أيضا فى نهاية المطاف إلى وضع معاهدة أمنية منفصلة بين البلدين . الموقف اللبنانى فى المقابل حرص على التأكيد المستمر على ضرورة انسحاب إسرائيل طبقا للقرار 425 ، بالإضافة إلى تمسك لبنان بمبدأ شمولية الحل والانسحاب الكامل من كل الأراضى وعلى كل الجبهات . وفى هذا الخصوص ، فقد اتسم الموقف اللبنانى بالتناسق مع نظيره السورى . وقد استمر الموقف اللبنانى على مطالبه ومواقفه ، كما تمسك برفضه لاستقبال المبعدين الفلسطينيين خلال تفاقم أزمتهم بين الجولتين الثامنة والتاسعة . ولا زالت مواقف الطرفين اللبنانى والإسرائيلى فى جوهرها ثابتة وإن حظى اقتراح الترتيبات الأمنية ببعض الدراسة والاهتمام اللبنانى شريطة أن يتم ذلك فى إطار مفاوضات واشنطن وفى إطار من شمولية الحل وعلى كل الجبهات والمسارات . ومما لا شك فيه أن تداعيات اتفاق غزة / أريحا أدت إلى زيادة الضغوط على الحكومة اللبنانية سواء بتكثيف الأعمال العسكرية الإسرائيلية فى الجنوب اللبنانى لإحراج الحكومتين السورية واللبنانية من جانب ، وفى محاولة لإحداث انشقاق وانقسام فى الموقف اللبنانى وخروجه عن دائرة الارتباط والتنسيق السورية ، أو على الأقل بما يسمح لإسرائيل باستخدام الورقة اللبنانية وصولا إلى المسار السورى.
وهكذا يتضح مما سبق أن التقدم فى مسارات التفاوض العربى الإسرائيلى - وعلى مدى ما يقرب من عامين ونصف وحتى الجولة الحادية عشرة - كان ولا يزال متواضعا باستثناء المسارين الفلسطينى والأردنى . فعلى الرغم من القلق والمخاوف الكثيرة فمن جانب كان هناك التساؤل المشروع حول مستقبل السلام والدولة الفلسطينية المرتقبة وهل سيحقق حلم الفلسطينين فى دولة فلسطين ؟ أم أن الأمر سيصبح غزة / أريحا أولا وأخيراً ؟ إضافة إلى ذلك ، وحتى عندما يتكون الكيان الوطنى الفلسطينى هل سيؤدى ذلك إلى اتحاد كونفدرالى مع الأردن كما هو مفترض ؟ أم أن خيار الارتباط الفلسطينى الإسرائيلى سيصبح وارداً؟ وإذا تحقق ذلك بالفعل هل سيمثل ذلك قاعدة لترتيبات إقليمية جديدة طبقا لملاحظة هذا الاتفاق؟ الأسئلة من هذا القبيل ومثيلاتها بالإضافة الى التساؤل حول التأثيرات المحتملة لهذا الاتفاق على المسارات الأخرى خاصة السورى ، واللبنانى - كلها تظل بحاجة إلى إجابات ليس بمقدور أحد فى الوقت الراهن التطوع بها .
وبوجه عام ، يمكن الانتهاء إلى القول بأن مستقبل المسارات التفاوضية بوجه عام- بما فيها المسار الفلسطينى الإسرائيلى - سوف يتوقف إلى حد كبير على نجاح اتفاق غزة أريحا باعتباره تجسيدا للاستجابة المحددة التى أمكن التوصل إليها من خلال المفاوضات للمطالب العربية غير المحدودة التى تفرضها البيئة العربية فى كل الأراضى العربية المحتلة .
إضافة إلى ذلك ، فإن نجاح هذا الاتفاق من عدمه سيمتد تأثيره أيضا إلى المسارين السورى واللبنانى ، بمعنى أنه قد يدعم - فى حالة نجاحه - من قدرة الحكومة الإسرائيلية على اتخاذ قرار بشأن الجولان دون أن تضطر إلى اللجوء إلى الالتزام بإجراء استفتاء شعبى - لا تضمن نتائجه بصدد الانسحاب من الجولان وعلى الاتفاق مع سوريا بوجه عام .
3- المفاوضات المتعددة الأطراف : الأهداف والتطورات
تمثل هذه المفاوضات المستوى الثالث من مستويات التفاوض العربية الإسرائيلية فى إطار صيغة مدريد ، وتستند على أساس من خطابات الدعوة والتطمينات التى أرسلها راعيا المؤتمر للأطراف العربية الإسرائيلية ويتحدد اهتمام هذه المفاوضات بمساعدة الأطراف فى المنطقة على التعامل مع العديد من مصادر زعزعة الاستقرار الإقليمى والتوتر ولاستطلاع أفكار وتطوير خطط يمكن تنفيذها عندما يتم إحلال السلام.. كما تهدف إلى تيسير الاتصالات العربية الإسرائيلية وجعلها أمراً روتينياً(30) .
وعلى ذلك وطبقا للإطار المرجعى لهذه المفاوضات ، فإن اهتماماتها تتجه إلى بحث آفاق التعاون المشترك فى مجالات التسلح والأمن الإقليمى المياه ، التنمية الاقتصادية ، البيئة ، وقضايا اللاجئين (31) .
وفى إطار توسيع نطاق السلام فإن وفود وممثلى أربعين دولة ومنظمة دولية وإقليمية قد شاركت فى الاجتماع الأول لمؤتمر موسكو التنظيمى (28-29يناير 1992) ، وبينما لم توجه الدعوة إلى خمس دول عربية لحضور هذه الاجتماعات (ليبيا ، السودان ، العراق ، الصومال ، جيبوتى) ، فقد كانت هناك سوريا ولبنان وقد امتنعتا عن الحضور ، وكذلك الجزائر واليمن تضامنا مع الوفد الفلسطينى الذى واجهت مشاركته بعض الصعوبات التى تم تجاوزها فى الأيام التالية لافتتاح المؤتمر(32) .
ودون دخول فى التفصيلات ، فإن المفاوضات المتعددة الأطراف تتميز بخصائص محددة تميزها عن المفاوضات الثنائية بين إسرائيل والأطراف العربية المعنية . أهم هذه الخصائص يمكن تحديدها على النحو التالى :
أولا: تهدف المفاوضات المتعددة الأطراف إلى بحث كيفية ومنهج العمل بصدد قضايا الاهتمام الإقليمى دونما تحديد لمشروعات محددة أو مقترحات معينة ، وذلك على خلاف المفاوضات فى المسارات الثنائية التى تدور حول قضايا ذات طبيعة محددة تتعلق بالاهتمام المشترك لطرفى المسار.
ثانيا : من حيث نطاق المشاركة : عكست المفاوضات المتعددة الأطراف مشاركة متسعة النطاق إقليميا ودوليا ، ومن ثم ، تؤدى هذه المشاركة إلى تنوع الأهداف والمصالح، وذلك على خلاف المسارات الثنائية حيث يحدد كل منها بطرفين يتفاوضان حول قضايا محددة . لقد ترتب على اتساع نطاق المشاركة فى هذه المفاوضات - ترتب على ذلك - مشاركة العديد من الدول العربية ، من غير دول المواجهة أو الحدود المباشرة مع إسرائيل .. ومن هنا يتضح اهتمام هذا المستوى بإرساء دعائم النظام الشرق الأوسطى - كما سبقت الإشارة إلى ذلك .
ثالثا : أن هذه المفاوضات قد تم بدايتها على الرغم من عدم المشاركة السورية واللبنانية وهو الأمر الذى لم يتم حدوثه فيما لو امتنعت الدولتان عن حضور المفاوضات الثنائية.
رابعا: أن نظام العمل فى هذه المفاوضات قد سمح بتشكيل خمس لجان تهتم بدراسة جوانب التعاون فى المجالات التى سبق الإشارة إليها . بينما فى نفس الوقت تم إسناد رئاسة اللجان إلى دول من خارج المنطقة : الولايات المتحدة لرئاسة لجنتى المياه والتسلح ، الجماعة الأوربية لرئاسة لجنة التنمية الاقتصادية ، اليابان لرئاسة لجنة البيئة أما لجنة اللاجئين فقد أسندت رئاستها إلى كندا .
خامسا : أن رؤية الأطراف العربية الإسرائيلية قد تباينت بشأن هذا المستوى من المفاوضات وعلاقته بالمفاوضات الثنائية : الطرف العربى يرى ضرورة الترابط بين مسارى المفاوضات وأنه لا يوجد فصل بينهما باعتبار أنه لا انفصال بين السياسة والاقتصاد ، ومن ثم ضرورة موازاة التقدم فى كلا المسارين . أما الجانب الإسرائيلى فقد رأى العكس تماما حيث ركز على الطبيعة الاقتصادية والفنية لهذا المستوى من المفاوضات وأهميته كأساس لإنشاء سوق شرق أوسطية جديدة.