[rtl]
الإستراتيجية الأميركية في الخليج العربي: الثوابت والمتغيرات[/rtl]
[rtl]
د. درية شفيق بسيوني[/rtl]
[rtl]
المصدر: مجلة الفكر الاستراتيجي العربي، العدد 41، ص89-106
تاريخ الإضافة: 5/1/2007 ميلادي - 16/12/1427 هجري
[/rtl]
[rtl]مخطئ هو ذلك القائل بأن عملية ((عاصفة الصحراء))، تحت اللواء الأميركي، إنما حركتها الشرعية الدولية والرغبة في إرجاع الحقوق إلى ذويها، ومتفائل أيضاً هو من يتوقع دوراً أميركياً على القدر نفسه من الحزم والصرامة في مساعي السلام بالشرق الأوسط، ذلك أن المبعث الأول والأهم على الدور الأميركي فيما كُني ((بعاصفة الصحراء)) إنما هو المصلحة الأميركية أولاً، والمصلحة الأميركية أخيراً، فمن قبل انحصرت هذه المصلحة في ضرورة احتواء الخطر السوفياتي والحيلولة دون ولوجه المياه الخليجية الدافئة، ومن ثم تهديده للآبار النفطية في الخليج. والآن – وبعد تفكك أوصال العملاق السوفياتي – أصبح النفط وحده في سويداء اهتمامات أقطاب البيت الأبيض، فاستعادة حكومة الكويت لسيادتها وشرعيتها على أراضيها لم تكن تعني الكثير بالنسبة لهؤلاء الأقطاب لو لم تحتو تلك الأراضي على آبار تفيض نفطاً، والإجتياح العراقي لم يكن ليحرك الجحافل الأميركية والبريطانية والفرنسية، لو لم يهدد صراحة شرايين الإمدادات النفطية، وكل من يحاول إلباس ((عاصفة الصحراء)) ثوب الحق والعدل والشرعية وحده، إنما هو ناسخ لحقائق دامغة تنطق بها وقائع ومبادرات وتحركات على امتداد سنوات طوال، سعت خلالها الولايات المتحدة لتكون صاحبة الهيمنة المتفردة على الساحة الخليجية.[/rtl]
[rtl]
هذه الوقائع وتلك المبادرات بكل دلائلها ومقدماتها ونتائجها هي موضع تحليلنا في هذه الدراسة التي حرصنا – قدر الإمكان – على تركيز مضمونها بعدم الإنسياق وراء الاستطراد والإفاضة رغم إغرائها الشديد في مثل هذه الدراسات ذات الطابع التاريخي – التحليلي معاً.[/rtl]
[rtl]من هنا تحتوي دراستنا على أربعة مباحث، نتابع في أولها: تدرج السياسة الأميركية في الخليج منذ العام 1968م (إعلان بريطانيا اعتزامها الإنسحاب من شرق السويس) وحتى العام 1974م (البوادر الاستهلاكية للحظر النفطي). بينما نخصص المبحث الثاني: لتبيان آثار الحظر النفطي من ناحية وسقوط شاه إيران من ناحية أخرى، على المصالح الأميركية وانعكاس ذلك على استراتيجيتها في الخليج. أما في المبحث الثالث: فنتناول رد الفعل الأميركي على الغزو السوفياتي لأفغانستان محدداً في ((مبدأ كارتر)) وقوة الانتشار السريع. في حين نتابع المبحث الرابع والأخير: جهود الرئيس الأميركي السابق ((رونالد ريغان)) للحصول على قواعد وتسهيلات عسكرية بمنطقة الشرق الأوسط، تمكيناً لقوة الإنتشار السريع من أداء ما أنيط بها من مهام على الوجه الأكمل. وفي الخاتمة: نعرض لعملية عاصفة الصحراء ومردوداتها على النظام الإقليمي العربي في ضوء ما تمخضت عنه من نتائج.[/rtl]
[rtl]
تطور الدور الأميركي في الخليج[/rtl]
[rtl](1968 – 1974)[/rtl]
[rtl]لم يغب الثقل النفطي لمنطقة الخليج عن اعتبار ساسة الولايات المتحدة الأميركية في أي وقت من الأوقات، بل إن النفط إنتاجاً واحتياطياً وعوائد واستثماراً ظل دوماً في أولوية الاهتمامات الأميركية، ذلك أن ضمان ثبات أسعاره وانتظام إمداداته وحجم المطروح منه في الأسواق العالمية كان وراء حرص الولايات المتحدة الدائم على استقرارية الأوضاع السياسية والعسكرية والأمنية في منطقة الخليج، درءاً لإحتمالات تذبذب الإمدادات وحصص الإنتاج وقفز الأسعار النفطية.[/rtl]
[rtl]وإلى جانب الأهمية النفطية لمنطقة الخليج، تتبدى الأهمية الاقتصادية محددة في السياسات الاستثمارية لدول الخليج الحائزة على فائض بترودولاري هائل يمثل احتياطياً كبيراً مؤثراً في كيفية إعادة توزيع الثروة الاقتصادية العالمية، حتى قيل إنه بدون إخضاع أوجه استثمار هذا التراكم البترودولاري لتوجيه محكم، فإن أخطاراً اقتصادية وخيمة من شأنها أن تحيق بالمقدرة الإنتاجية للدول الصناعية الكبرى وفي صدارتها الولايات المتحدة.[/rtl]
[rtl]كذلك تبرز الأهمية التجارية لمنطقة الخليج ليس فقط في هيئة أسواق واسعة تستوعب مزيداً من مبيعات العالم الصناعي المتقدم، بل أيضاً في صورة عوائد ضخمة مقابل صفقات السلاح التي من شأنها الإسهام في معالجة الخلل المزمن بميزان المدفوعات الأميركي.[/rtl]
[rtl]وبالرغم من هذه المصالح البادية للعيان اقتصادية كانت أم سياسية أم استراتيجية، فإن الولايات المتحدة لم تستشعر ضرورة أن يكون لها وجود ملموس مباشر في النطاق الخليجي، مستعيضة عن ذلك بالسطوة البريطانية، فيه وما هيأته هذه السطوة من أسباب الاستقرار السياسي بالمنطقة استناداً إلى وجودها العسكري في قاعدتي الشارقة والبحرين من جهة[1]، وإلى ما عقدته من أواصر وثيقة مع كل من إيران والمملكة العربية السعودية لا سيما في المجالين العسكري والأمني من جهة ثانية، إضافة إلى وجود عسكري في حده الأدنى ممثلاً فيما عرف بـ ((قوة الشرق الأوسط)) (Mideastfor Middle East Force) المشتملة على فرقاطة ومدمرتين حربيتين من جهة ثالثة.[/rtl]
[rtl]لذلك تلقى المسؤولون في البيت الأبيض قرار بريطانيا بالإنسحاب من شرق السويس في موعد أقصاه العام 1971م، بمزيج من عدم الإرتياح والتوجس لما سيترتب عليه من فراغ عسكري يوقع المنطقة بأسرها في قبضة الأطماع السوفياتية. هذا في الوقت الذي يناهض فيه الرأي العام الأميركي – وذكريات فيتنام الأليمة ما زالت ماثلة حية في أذهانه – أية محاولة من جانب حكومته للحلول محل بريطانيا في الخليج. وهو ما عبر عنه السناتور ((مايك مانسفيلد)) زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأميركي آنذاك – عندما قال معقباً على القرار البريطاني بالإنسحاب ((إني أشعر بالأسف العميق لاضطرار بريطانيا تحت وطأة أزمتها الاقتصادية، للإقدام على مثل هذه الخطوة، ومبعث أسفي توقعي بأن نطالب بالحلول محلها لملء الفراغ في شرق السويس. هذا في الوقت الذي لا نملك فيه سواء الموارد أو الرجال اللازمين للاضطلاع بتلك المهمة الشاقة))[2].[/rtl]
[rtl]وانطلاقاً من هذا اليقين سعت السياسة الأميركية في الخليج إلى إقامة توازن وتوافق ما بين إهتمامها الفعلي بأمن المنطقة من جهة، وحرصها الأكيد على عدم الزج بنفسها مباشرة في أية ترتيبات تكفل هذا الأمن من جهة ثانية، وذلك وفق حتميات مبدأ الرئيس نيكسون الذي سبق له طرحه خلال خطاب ألقاه في جزيرة غوام – العام 1969م – ومفاده فك إرتباط الولايات المتحدة المباشر بالمشكلات العالمية مع عزوفها عن تقديم الرجال والمال والسلاح للحفاظ على الأوضاع الدولية القائمة، بما يعني ضرورة تحمل الآخرين لمسؤولياتهم الدولية والإقليمية، وإن لزمت الإشارة إلى أن ((مبدأ نيكسون)) لا يعني إحياء للعزلة الأميركية التقليدية ولكنه في جوهره نبذ لسياسات التدخل العسكري المباشر، مع ضمان المصالح الاقتصادية العالمية للولايات المتحدة عن طريق دعم الأنظمة الحليفة والصديقة التي تلعب دور الحامي لتلك المصالح[3].[/rtl]
[rtl]
وتأكيداً للنهج المتحفظ إزاء المشكلات العالمية أعلن جوزيف سيسكو – في أيلول (سبتمبر) 1972م – مبادئ خمسة شكلت منطلقات السياسة الخارجية الأميركية وقتذاك وهي إيجازاً[4]:[/rtl]
[rtl]1 - عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.[/rtl]
[rtl]2 - تشجيع التعاون الإقليمي من أجل السلام والتقدم.[/rtl]
[rtl]3 - مؤازرة الدول الصديقة في سعيها لتأكيد أمنها الذاتي.[/rtl]
[rtl]4 - التمسك بالمبادئ المعلنة في قمة موسكو والمتعلقة بتفادي المواجهة بين القوتين العظمتين.[/rtl]
[rtl]5 - تشجيع التبادل الدولي للسلع والخدمات والتقنية.[/rtl]
[rtl]وبالنظر إلى المبادئ الثلاثة الأولى، نراها ترسم الركائز الأساسية التي نهضت عليها الاستراتيجية الأميركية في الخليج آنذاك، تلك المستهدفة تكريس الاستقرار في هذه المنطقة الحيوية دونما تدخل عسكري صريح، وذلك بالإعتماد على العلاقات الوطيدة مع كل من إيران والمملكة العربية السعودية، تطبيقاً لسياسة الدعامتين Twin Pillars وجوهرها ترجيح مساعي التعاون الإقليمي في النطاق الخليجي، ومساعدة إيران والمملكة العربية السعودية عسكرياً بغرض حماية المصالح الأميركية في منطقة الخليج.[/rtl]
[rtl]بيد أن حرب تشرين الأول (اكتوبر) 1973م جاءت بتحولات عنيفة مست دويلات الخليج التي بعدما عايشت انعزالاً طويلاً عن سائر أقطار الوطن العربي في ظل الحماية البريطانية، وجدت نفسها فجأة منخرطة بقوة في السياسات العربية عامة وفي الصراع العربي – الاسرائيلي خاصة، حتى أنها أيدت – وبلا تحفظ – قرار الملك فيصل بفرض حظر نفطي على الولايات المتحدة والدول الغربية المساندة لإسرائيل، كما أنهت البحرين التسهيلات التي سبق لها تقديمها إلى ((قوة الشرق الأوسط)) سالفة الذكر، ثم انفتح المسرح الخليجي أمام تحولات جوهرية ذات توجه مناهض للولايات المتحدة، حدت بعدد كبير من أعضاء الكونغرس إلى معارضة سياسة ((الدعامتين)). بحجة إطلاقها العنان لسباق تسلح ضار بين طرفيها من شأنه أن يدفع بالمنطقة الخليجية ككل إلى حلبة سباق التسلح بما ينسف أسس أمنها، ومن ثم يهدد بانقطاع الإمدادات النفطية[5].[/rtl]
[rtl]ومع ذلك أبرمت الحكومة الأميركية اتفاقيتين للتعاون الاقتصادي التقني والدفاعي، مع كل من المملكة العربية السعودية وإيران عامي 1974م و1975م على التوالي[6]. واستناداً إلى الاتفاقية الأميركية – الإيرانية، عقد الشاه صفقات ضخمة من الأسلحة والتجهيزات العسكرية المتطورة مع الولايات المتحدة، كما عمل في الوقت نفسه على الإرتقاء بمستوى قواته البحرية حتى احتلت الصدارة في مياه الخليج، ثم تلا ذلك إعلانه إلغاء اتفاقية العام 1937م، المنظمة لحقوق الملاحة في شط العرب بين إيران والعراق، وتوجيه بوارجه الحربية لتهديد الأخيرة مع بسط هيمنته العسكرية الكاملة على شط العرب كأمر واقع، وما لبث أن أكمل حلقات مخططه باستيلائه في العام 1971م على جزر طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى الواقعة في مدخل الخليج العربي بما مكنه من التحكم في حركة الملاحة فيه من واقع سيطرته على مضيق هرمز.[/rtl]
[rtl]ولقد التقى مخطط الهيمنة الإيرانية مع مرامي الاستراتيجية الأميركية الجديدة في الخليج التي طمحت إلى إقامة نظام أمني إقليمي مستقر يدرأ احتمالات التدخل السوفياتي، لذلك وافقت إدارة نيكسون – كيسنجر العام 1972م، على تلبية كافة مطالب إيران من الأسلحة التقليدية المتقدمة، لا سيما في أعقاب إبرام اتفاقية الصداقة والتعاون السوفياتية – العراقية، وانسلاخ بنغلادش عن الباكستان. ويرى المراقبون في سيل الإمدادات العسكرية الأميركية لإيران، ترجمة ناطقة للمكون العسكري لمبدأ نيكسون المتمحور على مفهوم ((المعاونة الذاتية)) Self Help[7]، والتزاماً بمبادئ جوزيف سيسكو القاضية بعدم التدخل العسكري المباشر في الخليج، مع إلقاء مسؤولية كفالة أمنه على الدول المحافظة والصديقة وفي مقدمتها إيران – الشاه ذات التوجه المهيمن ونوازع السطوة، والتي سرعان ما غدت ((شرطي الخليج)) حتى أنها توسمت في نفسها قدرة على ملء الفراغٍِ الذي خلفه الإنسحاب البريطاني من شرق السويس، خاصة وقد صنفت سابعة دول العالم في سلم القدرات العسكرية.[/rtl]
[rtl]
الحظر النفطي وسقوط شاه إيران: بداية التحول في الاستراتيجية الأميركية بالخليج[/rtl]
[rtl]جاء الحظر النفطي لعام 1974م وما سبقه من ارتفاع هائل في أسعاره، مدعاة لتعديل مسار الاستراتيجية الأميركية في الخليج، إذ صارت أكثر ديناميكية منتقلة من مرحلة الأفكار العامة إلى مرحلة الأهداف المرتبة في سلم محدود من الأولوليات، ذلك أن الهدف المحوري لهدذه الاستراتيجية أخذ يتركز في محاولة تأمين وصول النفط الخليجي إلى الولايات المتحدة وحلفائها، مع السعي في الوقت نفسه لتحقيق مجموعة من الأهداف الرئيسية التي تعزز هذا الهدف المحوري ألا وهي[8]:[/rtl]
[rtl]1 - عدم تمكين الاتحاد السوفياتي من إحراز تفوق عسكري في المحيط الهندي، حتى لا يميل الميزان الاستراتيجي العالمي في غير صالح الولايات المتحدة والتحالف الغربي عموماً، ولعل هذا الحرص الأميركي كان وراء حلول الولايات المتحدة محل بريطانيا في قاعدة ((دييغو غارسيا)) التي تعتبر أهم جزر المحيط الهندي إطلاقاً بمقياس القيمة الاستراتيجية.[/rtl]
[rtl]2 - اجتذاب الفوائض المالية التي حصلت عليها دول الخليج – والتي تضاعفت عدة مرات بعد حرب تشرين الأول (اكتوبر) 1973م – في هيئة مبيعات أسلحة لتلك الدول – حتى أن هذه المبيعات قفزت من 157 مليون دولار في العام 1970م، إلى 6 مليارات دولار في العام 1977م، وما ترافق مع ذلك من زيادة في عدد المستشارين العسكريين الأميركيين في الخليج خلافاً لما كان مخططاً من قبل.[/rtl]
[rtl]3 - الإبقاء على مضيق هرمز بعيداً عن أي تهديد، وذلك ضماناً لتدفق الإمدادات النفطية عبر المحيط الهندي أو حول طريق رأس الرجاء الصالح في طريقها إلى الغرب، وذلك بعد أن ارتفعت الواردات الأميركية من النفط الخليجي من 2.4 مليون برميل يومياً في العام 1973م إلى 4.9 مليون برميل يومياً في العام 1976م.[/rtl]
[rtl]وبناء عليه برز المأرب النفطي بوصفه المحرك الديناميكي الفاعل للاستراتيجية الأميركية في الخليج، حتى أن التصريحات الرسمية الصادرة عن البيت الأبيض اتسمت آنذاك بقدر كبير من التطرف والتلويح بالتهديد باستعمال القوة والعنف العسكري إذا لزم الأمر، ومن ذلك تصريح هنري كيسنجر – وزير الخارجية الأميركي السابق – الذي أقرّ فيه بإمكان اللجوء إلى الخيار العسكري كتكتيك في استراتيجية تهدف إلى تأمين النفط الخليجي من أي خطر أو تهديد.[/rtl]
[rtl]بيد أن هذه النغمة المهددة والمتوعدة، اختفت من الخطاب السياسي الأميركي إثر إمساك ((جيمي كارتر)) مقاليد الرئاسة، إذ إنه لم يظهر إنشغالاً بقضايا الأمن والتسلح بالمقدار نفسه الذي أظهرته إدارتا نيكسون/ فورد/ كيسنجر السابقتان، بل إنه منح الأولوية لقضايا حقوق الإنسان والحدّ من النفقات العسكرية وتكريس الوفاق الدولي، متعللاً في ذلك بأن الاستقرار على المستوى الإقليمي لا يمكن أن يتأتى إلاّ إذا سبقه استقرار داخلي على مستوى الدولة ذاتها.[/rtl]
[rtl]وانطلاقاً من هذا التصور الجديد، عملت إدارة كارتر على تعديل مسار العلاقة مع إيران فتحولت بها من علاقة ودية دون تحفظات، إلى علاقة عمل تخضع للعديد من الضوابط، آيتها أن طلبات إيران من الأسلحة أصبحت تمر عبر القنوات البيروقراطية بدلاً من البت فيها بقرارات سريعة على المستويات الرئاسية العليا على نحو ما كان قائماً من قبل، فضلاً عن إلزامها بتقديم أدلة وإثباتات عملية مقنعة بشأن حاجتها الأمنية الملحة التي تبرر طلب هذه الأسلحة، ومن المنظور الإنساني نفسه الذي تبنته إدارة كارتر، ودعوتها إلى إعلاء قيم الديمقراطية والإحتكام إلى مبادئ القانون الدولي والشرعية، تملكتها قناعة مبناها أنه ليس في مصلحتها احتضان نظام شمولي كنظام الشاه بسجله الحافل بانتهاكات حقوق الإنسان[9].[/rtl]
[rtl]ولكن كان لأقطاب البنتاغون رؤية مغايرة تماماً، ذلك أن إنهيار حكم الشاه ومجيء نظام آيات الله المناهض للولايات المتحدة مثَّل ضربة في صميم المصالح الاستراتيجية الأميركية بمنطقة الخليج وذلك من واقع الحيثيات التالية[10]:[/rtl]
[rtl]1 - إن فقدان الغرب لكل قدراته في التنصت والتجسس التي مارسها من الأراضي الإيرانية، مع ضياع قواعده العسكرية فيها أضعف فاعلية نظم المراقبة على مدى تقيد الإتحاد السوفياتي بتنفيذ إتفاقيات سالت، الأمر الذي عقّد من مهام الدفاع عن الأمن والمصالح الغربية في منطقة الخليج ضد التحديات السوفياتية.[/rtl]
[rtl]2 - إن تحول إيران من موقع التحالف مع الغرب إلى الحياد، كان يدمر الأساس الذي بنى عليه الغرب تخطيطه لمسألة الأمن الغربي في منطقة الخليج. ويبرهن على سطحية نظرية ((الدعامتين)) التي قامت عليها استراتيجية لحفظ الأمن الخليجي في مرحلة ما بعد فيتنام.[/rtl]
[rtl]3 - مضاعفة فرص الإتحاد السوفياتي في الولوج إلى الخليج العربي والمحيط الهندي بسبب عدم وجود قوة جوية إيرانية مؤثرة تقوم بعمليات المطاردة والإعتراض، خاصة بعد القرار الذي اتخذته حكومة الثورة الإيرانية – آذار (مارس) 1979م – بالإنسحاب من الحلف المركزي، ذلك القرار الذي جاء كسباً عاجلاً استراتيجياً حصل عليه الإتحاد السوفياتي ولم يمض على نجاح الثورة الإيرانية أكثر من شهر.[/rtl]
[rtl]4 - ومع تمزق المظلة العسكرية الإيرانية، فإن العديد من دول الخليج الصغرى ستفقد الحماية العسكرية التي وفرها لها الغرب من خلال قوة إيران ممّا يجعلها هدفاً سائغاً للأطماع السوفياتية.[/rtl]
[rtl]لمحصلة هذه الحيثيات، استدعى خروج إيران من نظام التحالف الغربي إعادة صياغة منطلقات الاستراتيجية الأميركية في الخليج ممّا مهد بلا مراء لإحلال ((مبدأ كارتر)) محل ((مبدأ نيكسون)).[/rtl]
[rtl]
الغزو السوفياتي لأفغانستان، ومبدأ كارتر:[/rtl]
[rtl]بالغزو العسكري لأفغانستان خرجت الدبلوماسية السوفياتية على سالف نهجها الملتزم بعدم التدخل العسكري المباشر خارج دائرة الكتلة السوفياتية، بعد أن كفل مبدأ بريجنيف – الذي طرح في أعقاب أحداث براغ العام 1968م – كامل السطوة على دول المعسكر الشرقي بتبريره شرعية القمع العسكري لأية نزعة انفصالية قد تثور بين الحلفاء، وذلك بحجة الإحتفاظ بالوحدة العقائدية لحلف وارسو.[/rtl]
[rtl]وضمن فيض المبررات التي سيقت في مجال تفسير الغزو السوفياتي لأفغانستان، كانت أكثرها تأليباً لمخاوف المسؤولين الأميركيين ذلك التفسير القائل بأن التدخل إنما تم تحقيقاً لهدف استراتيجي ذي طبيعة هجومية في الأساس ألا وهو محاولة السيطرة على منطقة الخليج المستودع العالمي للنفط، بما يفضي مستقبلاً إلى تحلل روابط أوروبا الغربية واليابان والولايات المتحدة الأميركية، وذلك من واقع احتياجها الجم إلى نفط الخليج، ويستطرد أنصار هذا الرأي مؤكدين أن التدخل العسكري السوفياتي في أفغانستان جاء خطوة تتويجية لعدة خطوات تمهيدية سابقة، تحددت في الإنتشار البحري الواسع للأسطول السوفياتي في كل من المحيط الهندي والخليج إثر إنسحاب بريطانيا منه العام 1971م، وكذا في سلسلة معاهدات الصداقة والتعاون المبرمة مع كل من الهند والعراق والصومال وأثيوبيا واليمن الديمقراطية، إضافة إلى الدور السوفياتي المؤيد للهند في مساعيها التي تستهدف تقسيم الباكستان، وإنتهاء إلى المؤازرة السوفياتية المفتوحة لأثيوبيا ضد الصومال في تصارعهما حول أوغادين.[/rtl]
[rtl]هذه الرؤية التي تجعل الغزو السوفياتي لأفغانستان جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية هجومية متكاملة، خطط لها ساسة الكرملين وكانت وراء إعلان الرئيس ((جيمي كارتر)) لمبدئه – في كانون الثاني (يناير) 1980م – الذي عبر فيه عن قلق الولايات المتحدة الشديد للخطر الذي يواجهها في الخليج، مؤكداً إصرارها على أن تقاوم بكل الوسائل الممكنة بما في ذلك استخدام القوة المسلحة ضد أية محاولة من جانب أية دولة خارجية (والمعني هنا بالقطع هو الإتحاد السوفياتي) للسيطرة على هذه المنطقة الاستراتيجية[11].[/rtl]
[rtl]وهكذا جاء ((مبدأ كارتر)) إنتصاراً للتيار الأميركي المتشدد بزعامة زبغنيو بريجنسكي – مستشار الأمن القومي الأسبق – والداعي إلى التخلص من كل آثار عقدة فيتنام بما في ذلك مبدأ نيكسون، بغية إعادة الهيبة العالمية للولايات المتحدة، وتأكيد زعامتها على العالم الحر. فهو – أي المبدأ – يعتبر عودة إلى سياسة التدخل الأميركي المباشر في كافة أنحاء العالم وإحياءً لاستراتيجية الاحتواء بعد أن قفزت منطقة المحيط الهندي – الخليج العربي إلى مركز متقدم في سلم الأولويات الاستراتيجية الأميركية نتيجة للربط الطردي الوثيق بين مطلبي ((أمن الطاقة)) و((أمن الخليج)).[/rtl]
[rtl]وفي تبرير العودة إلى دبلوماسية العصا الغليظة أجمل المسؤولون الأميركيون الأخطار الجسيمة المترتبة على الغزو السوفياتي لأفغانستان فيما يلي من إعتبارات[12]:[/rtl]
[rtl]1 - الوجود العسكري السوفياتي في أفغانستان تهديد صارخ لمنطقة الخليج التي تحتوي على ثلثي الصادرات العالمية من النفط، بل به تقترب القوة العسكرية للإتحاد السوفياتي إلى مسافة ثلاثمائة ميل فقط من المحيط الهندي، وتغدو بالتالي على مقربة من مضيق هرمز ممّا يشكل تهديداً صريحاً لحركة النقل الحرة لنفط الشرق الأوسط.[/rtl]
[rtl]2 - جاء الغزو السوفياتي لأفغانستان مؤشراً أكيداً على السياسة التوسعية الجديدة لأقطاب الكرملين والتي من شأنها قلب معادلات القوة الدولية بصورة جذرية لصالحهم.[/rtl]
[rtl]3 - لا تخفى الميزة الاستراتيجية الهامة التي يحرزها الاتحاد السوفياتي من جراء وجوده في أفغانستان، إذ يمتد نفوذه على مرمى يسير من الباكستان وإيران بما يمكنه من ممارسة ضغوط فعالة على الدولتين، إما لتعديل مسار سياستيهما الخارجية أو على الأقل لتحييد مساوئ هذا المسار على المصالح السوفياتية العليا.[/rtl]
[rtl]4 - إذا ما نجح الإتحاد السوفياتي في السيطرة على ممرات النفط الخليجي يصبح في مركز يمكنه من إبتزاز دول أوروبا الغربية واليابان ممّا لا يستبعد معه ((فنلندتها)) وذلك لأن كل واحدة من هذه الدول – تبعاً لشدة حاجتها إلى نفط الخليج – ستجد نفسها في وضع لا تملك معه سوى التودد إلى الإتحاد السوفياتي والحرص على تجنب عدائه فتذعن لضغوطه، وتتحلل من روابطها الأمنية بالولايات المتحدة التي ستضطر عندئذ إلى تصفية قواعدها العسكرية بها على نحو يجيء قلباً لموازين القوى لصالح الإتحاد السوفياتي وحده.[/rtl]
[rtl]وبقدر حجم هذه الأخطار جاء حجم رد الفعل الأميركي محدداً فيما عرف بقوة الإنتشار السريع.[/rtl]
[rtl]
قوة الإنتشار السريع (R.D.F) Rapid Deployment Force[/rtl]
[rtl]حري بالذكر أن قوة الإنتشار السريع في طور نشأتها الأولى ركزت إهتمامها على منطقة المحيط الهندي، لذا وصلت المجموعة الأولى من السفن الحربية – وعددها سبع – المزودة بالتجهيزات العسكرية إلى قاعدة ((دييغو غارسيا)) – في تموز (يوليو) 1980م بقيادة البارجة American Champion ، خمس منها محملة بالدبابات والمدرعات والمدفعية ذاتية الحركة ومدفعية الميدان إلى جانب مستودع ضخم للوقود وآخر للمياه النقية، في حين تشكل العنصر البشري لقوة الإنتشار السريع من الوحدة السابعة للقوات البرمائية (مشاة البحرية أي المارينز) الأميركية المتمركزة بولاية كاليفورنيا والمدربة على القتال في البيئة الصحراوية، فضلاً عن ثلاثة ألوية من ((المارينز)) والفرقة ((82)) المحمولة جواً، كما تم ربط القوة بالسلاح الجوي الأميركي بواسطة جسر جوي قوامه طائرات النقل الثقيل و((سي – 5)) ((سي – 141)) ((C-141 )) من قواعد جوية برية وطائرات القتال الرابضة فوق ظهر حاملات الطائرات الأميركية الموجودة في المحيط الهندي، وذلك لتوفير الغطاء الجوي الضروري لأداء قوة الإنتشار السريع لمهامها على الوجه الأكمل تمهيداً لإنضمام قوة ((المارينز)) إليها حتى تكتمل لها كافة عناصر الفعالية[13].[/rtl]
[rtl]وفي تقدير قادة السلاح الجوي الأميركي أن هناك حاجة إلى جسر جوي يضم مائتي طائرة من طراز ((سي – 141)) ((C-141 )) لحمل فرقة جوية كاملة التجهيزات وإنزالها بالمظلات، ولما كانت هذه الطائرات لا يمكن تزويدها بالوقود جواً فقد خصص الرئيس كارتر مبلغ خمسة بلايين دولار لإنشاء ثماني عشرة سفينة حربية عالية الكفاءة إلى جانب زيادة عدد السفن فائقة السرعة من طراز ((س – ل7)) ((S.L7 )) والتي يمكنها قطع المسافة من الساحل الشرقي للولايات المتحدة إلى الخليج في نصف الوقت الذي تستغرقه السفن الأخرى، هذا كما ألحق بقوة الإنتشار السريع خمسة أسراب من قاذفات القنابل طراز ((ب – 52)) ((B-52 )) وعدد من طائرات ((الأواكس)) للإنذار المبكر، وكان الهدف المتوخى من وراء هذا الحشد العسكري الهائل هو تمكين قوة الإنتشار السريع من نقل ما بين مائة ألف إلى مائتي ألف جندي إلى منطقة الخليج بسرعة تكفي للحيلولة دون أية سيطرة عسكرية مناهضة مهما بلغت درجة الإعداد المحكم لها من جانب الإتحاد السوفياتي[14].[/rtl]
[rtl]وفي تعديد مآثر قوة الإنتشار السريع يسوق المراقبون العسكريون الأميركيون ما يلي من مبررات:[/rtl]
[rtl]1 - إن قوة الإنتشار السريع هي الأداة المثلى لردع نوايا الإتحاد السوفياتي التوسعية إذ هو بإحتلاله أفغانستان يغدو في وضح جيوستراتيجي يمكنه من فتح ممر جغرافي ينفذ منه صوب المحيط الهندي، ومن ثم صوب الخليج العربي، ومن خلال التنسيق مع كل من أثيوبيا واليمن الجنوبي ينجح الإتحاد السوفياتي في تحييد كثير من مظاهر النفوذ الغربي في المنطقة[15].[/rtl]
[rtl]2 - قوة الإنتشار السريع هي الأداة الأهم للحيلولة دون إستغلال الإتحاد السوفياتي للفراغ العسكري الناجم عن إنسحاب بريطانيا من شرق السويس وسقوط شاه إيران، فالقرائن التاريخية كلها تؤكد على وثوب الإتحاد السوفياتي على المناطق التي زال عنها النفوذ الغربي، وما أوروبا وإيران وكوريا وأثيوبيا وأنغولا سوى دلائل دامغة على صحة هذا القول[16].[/rtl]
[rtl]3 - قوة الإنتشار السريع وسيلة الولايات المتحدة لطمأنة الحلفاء والأصدقاء في منطقة الشرق الأوسط والتأكيد على احترامها لإلتزاماتها العسكرية والأمنية حيالهم[17].[/rtl]
[rtl]4 - قوة الإنتشار السريع نسخ لصورة ((العملاق الكسيح)) التي التصقت بالولايات المتحدة من جراء الخبرة الفيتنامية المحيطة التي حدت بها إلى الإحجام عن إثبات وجودها في غير أزمة عالمية، فتلك القوة هي تأكيد على صحوة الولايات المتحدة وإصرارها على استعادة سالف مهابتها العالمية[18].[/rtl]
[rtl]5 - تتعاظم الأهمية العسكرية لقوة الإنتشار السريع من واقع ديناميكيتها. إذ هي ليست وقفاً على منطقة الخليج والشرق والمحيط الهندي فقط، بل هي ذات قدرات تمكنها من الوجود على وجه السرعة في مختلف أرجاء العالم أجمع مؤكدة النفوذ الأميركي حيثما حلت[19].[/rtl]
[rtl]وأخيراً بقوة الإنتشار السريع تتمكن الولايات المتحدة من مؤازرة أية دولة صديقة تتعرض لتهديد خارجي ليس بالضرورة سوفياتياً، شريطة أن تستدعيها الدول المعنية، وأن يسبق تلبية الدعوة تقييم دقيق لردود أفعال التدخل الأميركي إن إقليمياً أو عالمياً[20].[/rtl]
[rtl]لمجمل هذه المبررات تابعت إدارة كارتر بدأب وإصرار إكتمال مراحل قوة الإنتشار السريع حتى انتقلت تلك المهمة إلى إدارة الرئيس الجديد المنتخب ((رونالد ريغان)).[/rtl]
[rtl]
ريغان وتكتيك الإجماع الاستراتيجي:[/rtl]
[rtl]عندما تسلمت حكومة ((رونالد ريغان)) مقاليد السلطة الأميركية – في مستهل العام 1981 – أعلنت عن تمسكها بالأفكار الرئيسية التي تضمنها ((مبدأ كارتر)) وعن تعهدها بإكمال بناء قوة الإنتشار السريع، وذلك إنطلاقاً من قناعة ذات شقين:[/rtl]
[rtl]أولهما: إن مصلحة الغرب تحتم الحفاظ على خيار إبقاء أية مواجهة عسكرية بين الشرق والغرب في نطاق الشرق الأوسط فقد دون تطرقه إلى أوروبا.[/rtl]
[rtl]ثانيهما: إن الوصول إلى هذا الهدف كان يستلزم إحتفاظ الحلفاء الأطلسيين بمكونات مقدرة عسكرية ضاربة في مسرح الشرق الأوسط، تمكنهم من مجابهة الأزمات دونما حاجة إلى الاستعانة بالقوات الموجودة على المسرح الأوروبي.[/rtl]
[rtl]هذا ومن الأفكار التي أثّرت بشدة على التوجهات السياسية لإدارة ريغان، الفكرة القائلة بأن أمن أوروبا يتعرض لأخطار متصاعدة بسبب النزاعات المتفجرة في الشرق الأوسط، فهذه النزاعات مضافاً إليها عدم الاستقرار في الداخل كانت تهدد إنتظام موارد النفط الخارجية. وفي الوقت نفسه فإن هذه الأوضاع بعينها مضافاً إليها الفراغ العسكري كانت تتيح خيارات جديدة للإتحاد السوفياتي لتوسيع نفوذه بأسلوب التدخل المباشر أو غير المباشر ممّا كان يعني تهديد الأمن الأوروبي في الصميم.[/rtl]
[rtl]وفي ضوء تلك الإحتمالات بالغة الخطورة فإنه لا إتفاقية حلف الناتو – التي تركز على الدفاع عن منطقة الأطلسي – ولا إتفاقية الأمن الأميركية – اليابانية التي تقتصر على الأراضي اليابانية – كانتا كافيتين لمواجهة التحديات السوفياتية، الأمر الذي كان يبرر الحاجة إلى إتخاذ تدابير أكثر جدوى جسدتها إدارة ريغان فيما عرف ((بالإجماع الاستراتيجي، ومعناه عقد إتفاق مع الدول المعتدلة الموالية للغرب في منطقتي الشرق الأوسط وجنوب غربي آسيا لإحتواء الأطماع السوفياتية، وبالمقياس الاستراتيجي فإن هذا الإتفاق كان يخلق ما يمكن تسميته ((بقوس الاحتواء The Arc of Containment ، وذلك بتدعيم قدرات أربع دول رئيسية في هاتين المنطقتين هي: مصر، إسرائيل، تركيا، الباكستان، وذلك على أمل أن تنضم إليها فيما بعد المملكة العربية السعودية والأردن. وهذه الدول الست التي كانت تشكل حجر الأساس في تطبيق سياسات الإجماع الاستراتيجي كانت تتميز – إلى جانب ثقلها السياسي – باحتلالها مواقع استراتيجية حيوية، فمصر، تسيطر على قناة السويس، وتركيا على مضيقي البوسفور والدردنيل، والباكستان قريبة من بحر العرب الذي يعد معبراً لمضيق هرمز والخليج ويتصل بالمحيط الهندي، أما المملكة العربية السعودية فإنها تشغل موقعاً متميزاً بين البحر الأحمر والخليج شرقاً، وأخيراً الأردن وإسرائيل تشكلان معاً الطريق التقليدية التي تربط بين آسيا الصغرى بأفريقيا[21].[/rtl]
[rtl]إتساقاً مع ما سبق قفزت مسألة الحصول على قواعد عسكرية دائمة أو مؤقتة في الحزام الشرق أوسطي إلى مصاف الأولويات الملحة لدى دوائر البيت الأبيض التي لم تصادف بالطبع عقبة تذكر مع إسرائيل حليفتها التقليدية، إذ جاء رفض الحلفاء الغربيين إدخال منطقة الخليج ضمن نطاق مسؤولية حلف الأطلسي الدفاعية، وكذلك تحفظ الدول العربية على أية تسهيلات أو قواعد تمنح تيسيراً لمهمة قوة الإنتشار السريع مدعاة لدخول الولايات المتحدة في مباحثات مع إسرائيل لتعميق تعاونهما الاستراتيجي بما يلبي المصالح الأميركية العليا في الخليج، حيث تم التوقيع على ميثاق للتعاون الاستراتيجي بين الطرفين – في أواخر العام 1981 – يسمح للولايات المتحدة بالإعتماد على ما تقدمه لها إسرائيل من قواعد عسكرية جوية وبحرية تعظم مقدرة الردع العسكري لقوة الإنتشار السريع، وتساعد بالتالي على حصر حرب الخليج في إطارها الإقليمي والحيلولة دون إمتدادها إلى مناطق أخرى في العالم.[/rtl]
[rtl]فضلاً عن ذلك ينسب الزعماء الاسرائيليون مزايا عدة إلى ميثاق تعاونهم الاستراتيجي يعددونها فيما يلي[22]:[/rtl]
[rtl]1 - تمكين الولايات المتحدة من الاستفادة في وقت الأزمات من المنشآت العسكرية الاسرائيلية سواء في هيئة وقود أو مطارات لهبوط طائرات النقل الأميركية أو مرافئ ترسو عليها سفنها الحربية المحملة بالعتاد العسكري.[/rtl]
[rtl]2 - بإمكان الرادار الإسرائيلي توفير فترة إنذار كافية للأسطول السادس الأميركي لا سيما في جناحيه الشرقي والجنوبي.[/rtl]
[rtl]3 - التعاون الجوي الأميركي – الاسرائيلي يوفر غطاء بالغ الأهمية للسفن التي تقل القوات الأميركية عبر الممر الذي يربط الخليج بالبحر الأبيض المتوسط.[/rtl]
[rtl]4 - الإتفاق الاستراتيجي من شأنه توفير حماية إضافية لناقلات النفط العملاقة التي تحمل نفط الخليج إلى الغرب.[/rtl]
[rtl]5 - تقديم خدمات الصيانة والإصلاح للأسلحة الأميركية دونما عناء يذكر طالما أن الترسانة الإسرائيلية في شقها الأعظم أميركية المنشأ.[/rtl]
[rtl]وبمقتضى التعاون الاستراتيجي منحت إسرائيل الولايات المتحدة حق استغلال القاعدتين الجويتين في صحراء النقب، إضافة إلى مينائي حيفا وأشدود كمركزين لصيانة السفن الأميركية مع ربط شبكة الإنذار المبكر التابعة للأسطول السادس بشبكة الإنذار الإسرائيلية.[/rtl]
[rtl]وفي مصر رحب الرئيس السادات بتعزيز التعاون العسكري مع الولايات المتحدة بحجة أن مصر تسهم في تحقيق نوع من التوازن العسكري الذي اختل في المنطقة، كما أنها تساعد الولايات المتحدة على استعراض قدراتها العسكرية بشكل فعال ومؤثر في منطقتي الخليج والشرق الأوسط، وكان تقييم السادات للتهديدات التي تواجه مصر وتملي عليها تعميق تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة ينبع من تصوره للعوامل التالية[23]:[/rtl]
[rtl]1 - المؤامرات السوفياتية التي تستهدف الإطاحة بحكمه والعودة بمصر ثانية إلى حظيرة النفوذ السوفياتي.[/rtl]
[rtl]2 - الوضع المضطرب في الخليج من جراء الحرب العراقية – الإيرانية وضعف دول هذه المنقطة عسكرياً بما يعظم الأطماع السوفياتية فيها.[/rtl]
[rtl]3 - التهديد الليبي لأمن مصر من واقع كميات الأسلحة الضخمة التي كانت تتدفق على الجماهيرية الليبية من الإتحاد السوفياتي.[/rtl]
[rtl]ورغم تحبيذ الرئيس السادات لمبدأ التعاون العسكري مع الولايات المتحدة إلا أنه اخضعه لعدة ضوابط أهمها أن يكون الوجود العسكري الأميركي في مصر مؤقتاً ومحدوداً وبعيداً عن المناطق الآهلة بالسكان، مع عدم تقنينه في إتفاقية مكتوبة حتى يأخذ طابع التسهيلات المؤقتة. ولقد تركزت هذه التسهيلات في قاعدتين عسكريتين رئيسيتين هما قاعدة ((رأس بناس)) على البحر الأحمر والقاعدة العسكرية الجوية التي تقع في غرب القاهرة.[/rtl]
[rtl]وفي عمان وقّعت الولايات المتحدة – في حزيران (يونيو) 1980م – اتفاقية تتيح لها الوصول إلى القواعد العسكرية العمانية واستخدامها، وفي واقع الأمر مثلت التسهيلات الاستراتيجية واللوجستية العمانية إغراءً شديداً بالنسبة إلى الولايات المتحدة بسبب موقع عمان المتميز على مضيق هرمز من ناحية، وللأهمية القصوى للقواعد العسكرية العمانية في توفير الغطاء الجوي اللازم للأسطول الموجود في مياه الخليج من ناحية ثانية. وبمقتضى الإتفاقية الأمنية المعقودة مع سلطنة عُمان تتمكن القوات الأميركية من الوصول بحرية إلى القواعد العسكرية العُمانية واستخدامها في الظروف التي يستفيد فيها البلدان من هذا الاستخدام وأهم هذه القواعد نذكر قاعدة مصيرة الجوية والتي لا تبعد عن مضيق هرمز بأكثر من أربعمائة ميل فقط ومينائي ((قابوس)) و((صلالا))[24].[/rtl]
[rtl]وإكمالاً لحلقة القواعد العسكرية الأميركية في نطاق الشرق الأوسط أبرمت الولايات المتحدة والصومال – في آب (أغسطس) 1980م – إتفاقاً يخول للأولى استغلال قاعدة ((بربرة)) التي لا تبعد عن اليمن الجنوبي (الماركسي آنذاك) بأكثر من مائتي وثمانين كلم وعن أثيوبيا بأكثر من مائتي كم، أي أنها تشغل موقعاً استراتيجياً وسطاً بين قطبي الوجود السوفياتي في المنطقة.[/rtl]
[rtl]وفي الوقت نفسه توصلت كل من كينيا والولايات المتحدة إلى إتفاق يسمح للأخيرة باستخدام ميناء ((ممباسا)) كمرفأ لوجستي للقوات الأميركية الموجودة في المحيط الهندي[25]. هذا كما لا يفوتنا التنويه إلى الروابط العسكرية الوثيقة التي تربط الولايات المتحدة بالمملكة العربية السعودية، وكذا إلى الوجود العسكري الأميركي في تركيا بحكم عضويتها في حلف شمال الأطلسي بحيث يحق لنا القول بنجاح أقطاب البنتاغون في مسعاهم الهادف إلى تطويق الشرق الأوسط بحزام من القواعد والتسهيلات العسكرية التي بدونها تفقد قوة الإنتشار السريع ديناميكيتها المؤثرة.[/rtl]