ثالثا - النظريات الداعية للعدالة في توزيع الثروة و التنمية
حاول علماء الاجتماع في انطلاقاتهم دمج الطبيعة البشرية، ميول التنظيم الاجتماعي من اجل تحضير المعادلات لتحقيق التنمية المستدامة بالنسبة لهم يجب الأخذ بعين الاعتبار على الأقل العوامل الاجتماعية في مراحل التنمية وتخصيص البرامج والمشاريع المختلفة،هذه النظرة تأخذ في الحسبان سياسة تحليل المشاريع والنمو الديموغرافي وكذلك يجب الاهتمام بالفقر وانعدام المساواة في ملكية الأراضي، الحروب، والكوارث الطبيعية، السياسات الاقتصادية،غياب الحرية في مختلف المستويات، و يجب أخذ هذه العوامل المستفحلة مجتمعة و على حد السواء ’وفي الآتي نتناول أهم النظريات التي تناولت عدم العدالة في توزيع الموارد:
1- نظرية التنمية الدائرية المتراكمة:Circular Round Cumulative Causation [url=#_edn1][1][/url]
وضع هذه النظرية الاقتصادي السويدي جونر ميردال GONER MYRDAL تقوم فكرتها على أن التنمية الدائرية المتراكمة في دولة ما ترتبط بالظروف والخصائص الطبيعية والتاريخية لهذه الدولة ولأقاليمها، حيث تؤدي الحركة الحرة للقوى الاقتصادية والاجتماعية إلى زيادة الفوارق الإقليمية بأنواعها المختلفة بين المركز center والذي تمثله عادة المناطق الحضرية أو المدن والهامش periphery والذي تمثله الأرياف ،ويحدد ذلك من خلال نوعين من العمليات والتأثيرات المتبادلة وهي:
· الآثار الخلفية السالبة Backwash effects :
وهذا النوع من العمليات ينشط في مناطق الأرياف و الهوامش و تتمثل في هجرة منتقاة selective للأيدي العاملة و كذلك رأس المال و البضائع من المناطق الريفية إلى المدينة أو المركز والسبب في هذه الهجرة يرتبط بوجود عوامل جذب في المركز وعوامل طرد في الهامش،
· الآثار الانتشارية الموجبة spread effects :
وهي عمليات تنشط في مناطق المركز باتجاه الهوامش أو الأطراف، وتتزايد في الغالب مع نشاط الآثار الخلفية السالبة في الهوامش فمثلا يزداد الطلب في المراكز على المنتجات الزراعية والمواد الأولية التي تنتج في الريف، ولكي يتم إشباع حاجات المركز المتزايدة من هذه المواد يتم تصدير تقنيات زراعية جديدة إلى الأرياف تساعد في زيادة وتطوير وتحسين الإنتاج الزراعي، وتعتمد سرعة ودرجة انتشار الآثار التنموية من المركز إلى الهوامش على المستوى والوضع التنموي للمركز ، فكلما كان هذا الوضع أفضل كانت سرعة ونوع وحجم الآثار الانتشارية باتجاه الهوامش أسرع وأكبر وأكثر كثافة.
تحدث التنمية المتراكمة عن توطن صناعة أو عدد من الصناعات القائدة (المفتاحية) في منطقة معينة نظرا لتوفر بعض الايجابيات الاقتصادية مثل: التسهيلات المالية وخدمات البنية التحتية... إلخ، ويؤدي توطن هذه الصناعات في هذه المنطقة إلى خلق فرص عمل جديدة، وبالتالي دخول إضافية جديدة وهذا بدوره يعمل على زيادة الطلب على البضائع والخدمات العامة التي تمثل مدخلات رئيسية لهذه الصناعات ، وتستفيد من ذلك المؤسسات والشركات المحلية الأخرى القائمة في المنطقة والتي تعمل من أجل تحقيق أرباح إضافية وإشباع الطلب المتزايد على خدماتها ومنتجاتها ’إلى زيادة طاقتها الإنتاجية أو فتح فروع جديدة لها ’ كذلك تعمل زيادة الطلب على البضائع والخدمات المختلفة وباستمرار على نشوء مؤسسات وشركات جديدة مما يعني خلق فرص عمل جديدة ودخول إضافية جديدة يتزايد من خلالها الطلب على البضائع والخدمات المختلفة. ويؤدي اتساع السوق هذا وتسارع الطلب على البضائع والخدمات إلى قيام شركات ومؤسسات جديدة لإشباع الطلب المتزايد وهكذا تعود العملية من البداية.
تستمر عملية التراكم بهذا الشكل في المركز ويستمر تدفق الأيدي العاملة ورؤوس الأموال والمواد الأولية من الأرياف (الهوامش) إلى المدينة أو المركز مما يؤدي لنموه واتساع أسواقه على حساب هوامشه، الأمر الذي يعمل على زيادة الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بين الهوامش والمراكز وتظهر الازدواجية الاقتصادية واضحة عند المقارنة بين اقتصاد المراكز والهوامش خصوصا إذا ما عجز التدخل الحكومي من خلال التخطيط في الزيادة وتسريع عملية الآثار الانتشارية الموجبة من المركز إلى الهوامش ،وهو ما حصل ويحصل في معظم الدول النامية .
2- نظرية مراكز النمو لهيرشمان Hirschman:[url=#_edn2][2][/url] ويطلق عليها بعض الباحثين اسم نظرية الاستقطاب Polarization تتشابه هذه النظرية في تفاصيلها مع نظرية التنمية السببية المتراكمة لميردال باستثناء بعض الفوارق هي:
أ- أطلق هيرشمان مفهوم الاستقطاب Polarization على هجرة الأيدي العاملة المنتقاة، ورأس المال والبضائع من الهوامش (الأرياف) إلى المركز (المدينة) وذلك بدل مفهوم الآثار الخلفية السالبة عند ميردال كذلك استبدل مفهوم الآثار الانتشارية الموجبة الذي استخدمه ميردال بمفهوم تساقط الرذاذ أو التساقط المندفع trickledown effect للتعبير عن انتشار الآثار الإقتصادية والتقنية الموجبة من المركز إلى الهامش.
ب- قال هيرشمان : إن انتقال التأثيرات من المركز إلى الهوامش يعمل على تطوير مراكز نمو جديدة في المنطقة الواقعة بينهما.
جـ- يتفق هيرشمان مع ميردال بأن التدخل الحكومي ضروري للحد من الآثار الخلفية السالبة (الاستقطاب)وضروري لحصول الآثار الانتشارية من المركز إلى الهوامش.
3- نظرية الاستقطاب العكسي: Polarization Reversal [url=#_edn3][3][/url]
صاحب هذه النظرية هو ريكاردسون Richardson، الذي يرى أن الآثار الانتشارية تحصل من المركز باتجاه الهوامش بشكل آلي أو أوتوماتيكي ودون الحاجة لتدخل الحكومة كما يرى ميردال و هيرشمان، والفرضية الأساسية لهذه النظرية تقول بأن عملية التنمية الإقليمية في الدول النامية تمر في مرحلتين: الأولى استقطابية ، تستمر حتى تصل التنمية إلى نقطة معينة أطلق عليها اسم نقطة التحول أو الانقلاب الاستقطابي، حيث تبدأ المرحلة الثانية بعد هذه النقطة مباشرة وتتمثل في حصول لا مركزية بين الأقاليم وداخل كل إقليم، وقد حاول ريكاردسون أن يلخص نظريته في ثلاث مراحل رئيسية هي :
أ- مرحلة التحضير (الاستقطاب) Urbanization process
ب- مرحلة اللامركزية داخل إقليم المركز Intraregional Decentralization
جـ- مرحلة اللامركزية الإقليمية Interregional Decentralization:
4-نظرية القلب و الأطراف Core-periphery:[url=#_edn4][4][/url] وضعها فريدمان Friedman الذي يرى أن النظام الجغرافي في الدول النامية يتكون من نظامين فرعيين هما:
- القلب coré وهو المنطقة الحضرية الرئيسة وقطب أو مركز النمو.
- الأطراف periphery و هي مناطق الظهير hinterland أو المناطق الهامشية.
والعلاقة القائمة بين هذين النظامين الفرعيين هي علاقة تبعية، حيث تتبع الهوامش للمركز، وقد حاول فريدمان من خلال نظريته هذه أن يفسر عملية التنظيم المكاني من خلال دراسة وتحليل العلاقة بين التركيب المكاني من جهة والتنمية الاقتصادية من جهة أخرى، ولتوضيح ذلك طور نموذجا من أربع مراحل رئيسة هي:
أ- مرحلة النمط المكاني المستقل، وتمتاز هذه المرحلة بوجود العديد من المدن أو المركز المبعثرة والمعزولة عن بعضها.
ب- مرحلة القلب أو المركز الوحيد على المستوى الوطني حيث تظهر في هذه المرحلة إحدى المدن الكبرى مركزا أو قطبا رئيسا على مستوى الدولة تحيط به هوامش تابعة له.
جـ- مرحلة المراكز الفرعية، و في هذه الحالة يظهر عدد من المراكز الفرعية في مناطق الهوامش أو الأطراف التابعة للقطب التنموي.
د- مرحلة الهرمية، حيث تؤدي العلاقة بين وأطرافه أو هوامشه إلى تحسين أحوال الهوامش وتقليل الفوارق الإقليمية بينها مما يؤدي إلى زيادة معدل النمو الاقتصادي على المستوى الوطني .
وقد أكد فريدمان أن علاقة القطب مع الأطراف أو الهوامش بما في ذلك المراكز الفرعية لا تعكس بالضرورة عملية النمو الاقتصادي ولكنها تظهر على أنها الوسيلة من خلالها يتم النمو.
5- نظرية التحيز الحضريUrban Bias [url=#_edn5][5][/url]: وضعها ميخائيل لبتون M.liptonحاول من خلالها الإجابة على السؤال :لماذا يبقى الفقراء فقراء؟ وبالرغم من أنه خرج من قبل العديد من الدراسات الإقتصادية والجغرافية إلا أن الإجابة عليه مازالت قاصرة، نظرا لتعقد مشكلة الفقر وكثرة المتغيرات التي تؤثر فيها،
فليبتون في نظريته التحيز الحضري فقد حاول تفسير سبب بقاء واستمرار وتزايد ظاهرة الفقر في الريف من خلال عدد من العوامل الاجتماعية والاجتماعية السياسية بشكل رئيسي مع عدم إهمال الجوانب الاقتصادية.يرى لبتون أن الصراع في العالم النامي لم يعد يأخذ شكل الصراع الطبقي بين العمل ورأس المال أو المصالح الأجنبية والمصالح الوطنية بل أصبح صراعا بين سكان الريف وسكان المدينة والفرضية الأساسية في نظرية التحيز الحضري تقول بأن رصد الموارد داخل كل من المدينة والقرية وبينهما بعكس أولوية حضرية أكثر مما يركز على المساواة أو الفاعلية بمعنى أن الموازنات الحكومية وعوائد التنمية يتم توزيعها بين الأرياف والمدن دون إنصاف وحتى في القطاعات التي تستهدف الفقراء أنفسهم مثل قطاعات الصحة والتعليم هذا يقودنا بدوره إلى القول أن السياسات التنموية الحكومية هي نفسها التي تحول وتعيق دون تدفق الآثار الانتشارية التي تحدث عنها ميردال وهيرشمان.
و من هذا يتضح أن هذه النظريات توصلت إلى مشكلة هي هل أن التنمية المستدامة أزمة ثقافية أم أزمة بيئية ؟
يقول ليستر براون Lester Brown في 1999 إننا بحاجة إلى بوصلة أخلاقية تقودنا إلى القرن 21 أساسها المبادئ المستديمة لتلبية الاحتجاجات الإنسانية ،و يقول براتراند راسل Bertrand rassel :" علينا أن نتذكر إنسانيتنا و ننسى ما عداها ويجب أن ندرك دائما بان الثقافة هي حجز الزاوية في كل عمل إنساني ".
منذ ظهور تقرير مستقبلنا المشترك و حتى وقتنا الحاضر يشهد العالم دولية كثيرة المناقشة موضوع التنمية المستدامة ،تلاحقت فيها الدراسات و الأبحاث و المؤتمرات و الندوات و منها :
- مؤتمر الأرض في ريودي جانيرو البرازيلية في 1922 و نتجت عنه الأجندة 21
- الحلقة الخاصة بمراجعة أجندة (21) المنعقدة من قبل الأمم المتحدة 1997.
- ندوة استراتيجيات التنمية المستدامة على المستوى الوطني من قبل الأمم المتحدة في غانا في 2001 و بمراجعة أدبيات هذه الفعاليات الدولية تبين أن العالم يواجه مشاكل بيئية مختلفة ناتجة عن غياب الضوابط الأخلاقية و الإنسانية و ليس نقص الموارد
أن المشكلة كما تقول اللجنة العالمية للبيئة و التنمية في تقرير 1989 لا تقتصر على استنزاف الموارد الطبيعية فحسب ،بل تمكن أيضا في تأثير المناخ النفسي الذي يعيشه المجتمع المعاصر و أزمة الأخلاق و القيم على مستوى المناطق و الدول و فيما بينها و التي تتمثل في غياب المصالح المشتركة و العمل المشترك نتيجة غياب العدالة الاجتماعية على الصعيد العالمي .
6-نظرية النظام العالمي :[url=#_edn6][6][/url] يقول أصحاب نظرية النظام العالمي أن الازدهار النسبي الذي تنعم به القلة يقوم على بؤس الكثرة .و بعبارة عاطفية هم يدعون بان على الكثرة الغالبة فيما يدعوه العالم الثالث أن يعانون بحيث نتمكن نحن في الغرب من أن تبقى متمتعين بمستويات معيشتنا المتميزة .و هكذا نرى أن بنية النظام العالمي المقبولة وفق منطق الرأسمالية العالمية تقضي بأن تكون الحياة الرغيدة للقلة على حساب شقاء الكثرة .و أصحاب نظرية النظام العالمي هنا يرددون أفكار كارل ماركس الذي ادعى بأن تكدس الثروة في أحد القطبين هو لهذا السبب –تكديس في الوقت نفسه للشقاء و عذاب الكدح و الرق و الجهل و القسوة في القطب الآخر .
7- نظرية النمو الاقتصادي الأمثل :[url=#_edn7][7][/url] أن نظرية النمو الاقتصادي الأمثلThe Theory Of Optimal Economic Growth في صيغتها كما قدمها فرانك رمزي Frank Ramsey وطورها آخرون من بعده ،هي نظرية شاملة لتصور المنهج النفعي. فهي ذات بعد نفعي في عرضها لمنفعة المجتمعات على إنها دالة في منفعة الأفراد (تحركات الأفراد عبر الزمن ) وذلك مع إمكانية أن الخسارة في منفعة احد الأفراد أو احد الأجيال يمكن أن تكون متوازنة مع الزيادة في منفعة فرد أو جيل أخر.
وهي ترى أيضا أن الرفاهية الاجتماعية هي – عادة – تعرف على أنها مجموع منافع مختلف الأفراد والأجيال .
و لقد واجه المنهج النفعي لاختيارات المجتمع العديد من الانتقادات المؤسسية من جانب جون رولز، حيث يبرهن رولز على أن عدم العدالة في توزيع الثروات أو المنافع يكون أمرا مقبولا فقط إذا كان الأمر مفيدا في تحسين وضع الفقر في المجتمع. وبمعنى أخر، فإذا كانت الرفاهية الاجتماعية هي، فنه يمكن صياغتها - أي الرفاهية الاجتماعية- كدالة في منافع الأفراد
......Un..... Uo....., أي أن: W=min(Uo …………Un)
و بذلك فان تعظيم الرفاهة الاجتماعية لابد أن يتم من خلال تعظيم منفعة أفقر فرد في المجتمع، وهذه الدالة تكون حساسة فقط لأي زيادة أو انخفاض في منفعة أفقر أفراد المجتمع
ويعتقد رولز انه ليس من الممكن في الوقت الحالي بأي حال من الأحوال أن نعرف حدودا دقيقة لمعدلات الادخار اللازم الوصول إليها للوصول إلى معدل تراكم رأسمالي معين ، على اعتبار أن الرفاهة تتحقق من خلال رفع معدلات التراكم الرأسمالي ، وكيف أن رفع التراكم الرأسمالي ، ورفع مستويات المدنية لابد أن يتم من خلال مشاركة كل الأجيال ، ومن هنا فان تعاليم المنهج النفعي تقول انه حتى فقراء الجيل الحالي لابد أن يقدموا تضحيات أكثر حيث أن تلك التضحيات سوف تؤدي إلى زيادة منافع فقراء الجيل القادم ، وذلك حيث انه من البديهي أن الخسائر في منفعة جيل من الأجيال لابد وان توازى منافع جيل آخر ،و العكس صحيح.
رابعا- وجهات نظر حول التنمية المستدامة
هناك وجهات نظر كثيرة حول التنمية المستدامة من طرف الهيئات والمؤسسات الدولية
سنتطرق على سبيل المثال لوجهة نظر البنك العالمي: [url=#_edn8][8][/url]
في مواجهة الانتقادات التي أفرزتها خبرة التنمية في الستينات و السبعينات بشأن تزايد الفروق في توزيع الدخول و الثروات و تزايد معدلات البطالة و انتشار الفقر تبنى البنك الدولي سياسات إعادة التوزيع مع النمو و الهجوم المباشر على الفقر.حيث و في عام 1999 أعلن البنك على مبادرة جديدة أطلق عليها :"الإطار الشامل للتنمية " تستند إلى إعادة النظر في السياسات الليبيرالية للإصلاح الاقتصادي و التنمية وإلى طرح جديد لمفهوم التنمية و مؤشراتها .و تأتي هذه المبادرة في أعقاب تصاعد النقد لسياسات الليبيرالية الاقتصادية الجديدة التي لم تسفر .- برغم أعبائها الباهظة-عن تنمية تذكر في الدول النامية. والتي أدت إلى كوارث إطاحة بما حققته في سنوات طوال بعض الدول الأسيوية حديثة التصنيع من مكاسب خلال أيام قلائل (الأزمة الأسيوية في صيف 1997 ).
و الفكرة وراء تقديم "الإطار الشامل للتنمية " كما يطرحها رئيس البنك الدولي هي أن خبرات التنمية السابقة تشير إلى أن السعي لتحقيق النمو الاقتصادي كثيرا ما جرى على حساب التنمية الاجتماعية، و أن اعتبارات التوازنات المالية و استقرار الاقتصاد الكلي قد طغت على الاعتبارات المتصلة بالجوانب الهيكلية و الاجتماعية و البشرية للتنمية .
من جهة أخرى فقد أثبتت خبرات التنمية السابقة – حسب البنك دائما-أن العلانية و الشفافية و المشاركة هي أمور مهمة للتنمية ، و يتصل بهذه الأمور أمران آخران يؤكد البنك على أهميتهما :
1. أهمية بلورة رؤية طويلة المدى للتنمية في مقابل الاكتفاء بسياسات قصيرة المدى للإصلاح و التكيف فيما سبق.
2. أهمية امتلاك الدولة لهذه الرؤية. بمعنى أن تكون هذه الرؤية نابعة من الدولة ذاتها، لا من الهيئات المانحة للمعونات.
و في نظر البنك أن مراعاة هذه الاعتبارات جميعا بما يؤمن فعالية أكبر في تنفيذ استراتيجيات التنمية ’ و تخفيض الفقر تستلزم توافر مقاربة شمولية لتحديات التنمية .وبلورت إطار كلي يتكامل فيه الجانب الاقتصادي و المالي الكلي مع الجانب الهيكلي و الاجتماعي و البشري .و هذا هو الإطار الشامل للتنمية الذي يروج له البنك الدولي .
لكن ينبغي تحاشي المبالغة في بناء آمال عريضة على هذا التوجه الجديد للبنك الدولي و ذلك لاعتبارات إن البنك الدولي- وما يدور في فلكه من مؤسسات دولية – موازاة مع تبنيه لاستراتيجيات و سياسات جديدة و محددة للنمو’ فان موقفه هذا إنما ينطوي على رفض أمور معينة .فالذين يشددون اليوم على التنمية العادلة يتفقون على رفض التفاوتات الكبيرة في توزيع الدخول و الثروات ،كما أنهم يستنكرون شيوع الفقر’ لكنهم لا يتفقون على الحدود التي يجب الوصول إليها في تضييق هذه التفاوتات ، أو النسبة المعقولة التي يتعين الوصول إليها عند السعي لتخفيض نسبة الفقراء.
كما يمتد لاتفاق هؤلاء إلى دور الحكومة و دور الأسواق ،فالمتفق عليه هو رفض التدخل الحكومي واسع النطاق’ و رفض إهمال آليات السوق’ لكن شق الخلاف واسع حول ماهية التدخل المعقول من جانب الحكومة و حدوده و مجالاته’المدى الذي يمكن الذهاب إليه في عمل الأسواق دون التدخل.
- أخيرا فان تجديد البنك الدولي لفكرة التحول المجتمعي يفقد الكثير من جاذبيته و مغزاه طالما انه لم يحدد اتجاه هذا التحول (أي التحول إلى أي نوع من المجتمعات ) ،و غرضه النهائي، فهو يكتفي بأن يذكر أن المهم هو التحول إلى مجتمع أكثر انفتاحا دون أن يتطرق إلى المضمون الاجتماعي و الاقتصادي لهذا المجتمع.
خامسا- الاستدامة في الإسلام
اشتمل الدين الإسلامي الحنيف على فيض من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تعكس بشكل مباشر وغير مباشر دلالات الاستدامة بأبعادها المختلفة وفيما يلي بعض هذه الدلالات. [url=#_edn9][9][/url]:
أ – محدودية الموارد في الأرض: وهذه حقيقة يؤكدها قول المولى عز وجل {وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله ألا بقدر معلوم} ( الحجر الآية) 2.
ب- ضرورة المحافظة على الموارد والحيلولة دون فسادها واستنزافها لأنها محدودة وقابلة للنفاذ، وهذا واجب ديني في الدين الإسلامي، وذلك مصداقا لقوله تعالى {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها} (الأعراف الآية 56)، وقوله تعالى ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين} ( القصص، الآية 77).
وفي الحديث الشريف : ( عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت النار، لا هي أطعمتها وسقتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض) ( صحيح مسلم) وفي حديث شريف آخر يقول الرسول صلى الله عليه وسلم إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليفعل ( الألباني الأحاديث الصحيحة).
ج- إدارة الموارد واستغلالها برشد وعقلانية : يعد مبدأ الاعتدال والوسيط أحد المبادئ الرئيسة التي تقوم عليها سلوك الإنسان المسلم وذلك استجابة لقوله عز وجل {والذين إذ أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما } (الفرقان الآية 67) ، وكذلك قوله تعالى {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا} ( الإسراء الآية 29).
وفي الحديث الشريف ( ما خاب ولا ندم من استشار ولا عال من اقتصد) (الألباني الأحاديث الضعيفة)، وفي حديث ثان يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( يا عائشة إن أردت اللحوق بي فليكفك من الدنيا كزاد راكب وإياك ومجالسة الأغنياء ولا تستخلفي ثوبا حتى ترقعيه) (سنن الترمذي)، وفي حديث ثالث طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الأربعة وطعام الأربعة يكفي الثمانية ( سنن ابن ماجة).
د- إشباع الحاجة دون هدر وإسراف : أمر الإسلام بإشباع الحاجات من الموارد دون إسراف أو تبذير وفي ذلك يقول الله عز وجل وهو الذي انشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كـــــــــلوا من ثمره إذا أثمر واتوا حقه يـــــــــــــــــوم حصاده ولا تسرفوا إن الله لا يحب المسرفين ( الأنعام الآية 141)، وقوله تعالى:{يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ( الأعراف الآية 31).
ه- البيئة والموارد ملك ومسؤولية الجميع: البيئة والموارد هي حق لجميع الناس، وبالتالي فإن واجب الجميع المحافظة عليها ، يقول تعالى وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} ( المائدة الآية 2).
وفي الحديث الشريف المسلمون شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار وثمنه حرام ( سنن ابن ماجة).
و- استغلال الموارد وفق أسس العدل والمساواة: وفي ذلك يقول المولى عز وجل{ كلوا من ثمره إذا أثمر واتوا حقه يوم حصاده } ( الأنعام الآية 141)، وفي قوله تعالى وآت ذا القربى حقه وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا ( الإسراء الآية 26) وقوله تعالى: { كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي} ( طه الآية 81 )، وقوله تعالى {كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين} (البقرة ، الآية 60)، وفي الحديث الشريف من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ومن كان له فضل زاد فليعد به على من لا واد له ( سنن أبي داود).
ر- التجديد والتعويض البيئي: وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم الحديث الشريف (لا يغرس مسلما غرسا ولا زرعا فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا شيء إلا كانت له صدقة) ( صحيح مسلم).
* إن المتصفح والمتمعن في الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة يعجز أمام هذه الحقائق المدهشة التي نادت بالتنمية المستدامة قبل ما يقارب 14 قرن ونصف القرن ،حيث جاءت آيات واضحة ومحددة تتحدث عن محدودية الموارد ونبذ الفساد والتبذير بالإضافة إلى أن الموارد مسؤولية وملكية الجميع، وقد أشار عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- إلى ذلك في مقولته: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا".
الخاتمـــــــــــــة:
هكذا توضح الخبرة أن التنمية لا يمكن حصرها في الحدود الضيقة للنمو الاقتصادي كما أن مفهوم التنمية هو مفهوم موسع يستوعب أبعادا اجتماعية، سياسية بيئية وتكنولوجية ، إلى جانب البعد الاقتصادي فالتنمية هي عملية تحرر إنساني تشمل تحرير الفرد من القهر والفقر والاستغلال وتقييد الحريات.
كما أن الجدل القائم حول علاقة البيئة بالتنمية يدور منذ فترة فالموضوع معقد يشمل عدة مسائل اجتماعية واقتصادية وتاريخية وسياسية ، ففي البداية كان المعتقد هو أن المصالح البيئية لا تتفق وأهداف التنمية وخاصة في البلدان الصناعية، لكن الجدل تخطى مرحلته الأولى ، وأصبحت المفاهيم والمسائل المتعلقة بالبيئة والتنمية أكثر وضوحا، والمهم هو القول في ضرورة أن الموارد في هذا الكوكب والطاقات الاستيعابية لأنظمة البيئة محدودة بدأ يلقى قبولا.
الهوامش :
[rtl][url=#_ednref1]
[1][/url]
- د/عثمان محمد غنيم ، ماجدة أبو زنط .التنمية المستديمة : دار صفاء للنشر والتوزيع، عمان 2007، ص 61 إلى 65.[/rtl]
[rtl][url=#_ednref2]
[2][/url]
-- المرجع السابق : ص 66.[/rtl]
[url=#_ednref3][/url]1 - المرجع السابق: ص 68 .
[rtl][url=#_ednref4]
[4][/url]
- المرجع السابق : ص 69. [/rtl]
[url=#_ednref5][/url]20 - المرجع السابق :ص70-74.
[rtl][url=#_ednref6]
[6][/url]
- د/جون بيليس وستيف سميث ،عولمة السياسة العالمية ،ترجمة ونثر مركز الحليج للأحداث 2004 ص 266-267 [/rtl]
[rtl][url=#_ednref7]
[7][/url]
- فاطمة احمد حسن ، مرجع سابق ص 22- 23[/rtl]
[rtl][url=#_ednref8]
[8][/url]
- إبراهيم العيسوي .التنمية في عالم متغير . دار الشروق مصر ،2000 ،ص 84 [/rtl]
[rtl][url=#_ednref9]
[9][/url]
- د- عثمان محمد غنيم ، ماجدة أبو زنط مرجع سابق ، دار الصفاء 2007 ، ص 90.[/rtl]
[rtl]
قائمـــة المراجــع[/rtl]
[rtl]
1- الكتب بالعربية [/rtl]
[rtl]
1/-د/ إبراهيم العيسوي :التنمية في عالم متغير –دار الشروق مصر ،2000[/rtl]
[rtl]
2/ -د/عثمان محمد غنيم ،ماجدة أبوزنط.التنمية المستديمة :در اصفاء للنشر و التوزيع-عمان 2007 .[/rtl]
[rtl]
4/- د/ عصام الحناوي: قضايا البيئة في مئة سؤال وجواب، البيئة والتنمية، بيروت، 2004.[/rtl]
[rtl]
5/- رشيد الحمد: محمد صبارني: البيئة ومشكلاتها، عالم المعرفة ، المجلس الوطني، للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ط2، 1984.[/rtl]
[rtl]
6/ د/ مدحت القرشي : التنمية الإقتصادية وسياسات وموضوعات . دار وائل للنشر والتوزيع ، الأردن ، 2007.[/rtl]
[rtl]
* الدراسات بالعربية : [/rtl]
[rtl]
7/- فاطمة احمد: الاتفاقية الدولية لحماية البيئة وأثرها على صادرات أوبيك، رسالة ماجستير في الاقتصاد جامعة القاهرة، أوت 2006.[/rtl]
[rtl]
8/- أساسيات علم البيئة الحديث: ( دراسة مقدمة في الأكاديمية العربية في الدانمرك ، كلية الإدارة والاقتصاد، قسم إدارة البيئة.[/rtl]
[rtl]
2- الكتب بالفرنسية : [/rtl]
[rtl]
[/rtl]
9/ - Taladidia Thombiano
. Economie de l’environnement et des ressources naturelles l’harmattan avril 2008.
10/- Michel Bassend et autres métroposetion
. crise ecologique et développement durable . France .sn imprimeur 2000.
11/- Beat burgenmrier.
economie de devloppement durable : de boech
. 2 édition, Belgique 2005 .
12/-
Romano donoto. es of the course ou «
sustainable rural, development » FAO. projet GCP /006 syv/ 006/ITO Phese II syria . november 2002.
[rtl]
[/rtl]