صعود الدول النامية.. نماذج حول العالم
عاش المصريون ردحًا من الزمان، ولا يزالون، يعانون من ارتفاع معدلات الفقر والأمية والبطالة والتبعية، تحت نظم حكم تتبع أساليب قمعية وطرق ملتوية في التعامل مع مطالبهم بشأن العيش في مناخ يحترم آدميتهم ويوفر لهم الحياة الكريمة، حتى باتوا يتطلعون إلى نموذج تنموي يحقق لهم آمالهم وطموحاتهم، وهو ما حققته شعوب أخرى، وجدت فيها رجالاً ولاءهم الأول لنهضة بلادهم سواء كانوا في الحكم أو في المعارضة، وعلى الرغم صعوبة انتزاع تلك النماذج من سياقها وتطبيقها على الواقع المصري، لاعتبارات تتعلق بخصوصية كل حالة، إلا أن الخيط الناظم لتلك النماذج يكشف عن بعدين مهمين، يكمل أحدهما الآخر؛ قيادة وطنية ذات رؤية وقرار، وشعب واع يؤمن بقدراته ويتطلع نحو غد أفضل، بالعمل لا بالادعاء.
ماليزيا.. العدالة الاجتماعية سر النهضة
خلال سنوات قليلة نسبيًا استطاعت ماليزيا أن تتحول من دولة تمزق جسدها الصراعات العرقية والحروب الأهلية لتصبح دولة يحتذى بها في مجال التنمية، حيث ارتفع متوسط دخل الفرد الماليزي من 600 دولار عام 1980 إلى 10 آلاف دولار عام 2001، كما ارتفعت قيمة الصادرات الماليزية من 5 مليارات دولار عام 1980 إلى نحو 100 مليار دولار في عام 2002 ، وتضاعف الحجم التراكمي للاستثمارات الأجنبية من 2,5 مليار دولار إلى 56,5 مليار دولار خلال نفس الفترة، وتراجعت معدلات الفقر من 49.3% إلى 7.5% خلال الفترة من 1970 حتى 1999.
وقد ركزت ماليزيا على دعم قطاع التصنيع، لتصبح أحد أهم مصدري الصناعات عالية التقنية، بعدما كانت تصدر المواد الخام وعلى رأسها المطاط وزيت النخيل، والتوسع في برامج الخصخصة وتمليك المواطنين الشركات العامة، وفق خطط اقتصادية مدروسة بما أدى إلى الحد من عجز الموازنة، والدين العام. كما عملت على تقليل فجوة التفاوت الطبقي بين العرقيات المختلفة، وهي الفجوة التي لم تكن في صالح الملاويين، سكان البلاد الأصليين، من خلال سياسات اقتصادية واجتماعية رفعت نصيب هذه الفئة من الثروة من نحو 3.5% في الستينيات إلى نحو 30% في بداية الألفية الثالثة، ما ساعد كثيرًا في إرساء وترسيخ الاستقرار الاجتماعي.
ولعل ما يميز التجربة الماليزية انتهاجها أساليب ابتكارية تراعي المصلحة الوطنية في علاج مشكلاتها، حيث رفضت في عام 1997 توصيات صندوق النقد الدولي، وأوجدت بدائل وحلول وطنية كان على رأسها تحجيم الفساد وإصلاح الجهاز الإداري للدولة ومحاربة المضاربة على عملتها في الخارج، كما اتبعت خارجيًا سياسة قوامها التنمية والتوجه شرقًا في محاولة منهـا للاستفادة من نماذج التنمية الآسيوية المتقدمة، وفي مقدمتها اليابان، بما ساعد في دعم العمالة الماليزية المدربة تدريبا تكنولوجيا عاليًا وإرسال البعثات الطلابية والعمالية للتعليم والتدريب.
البرازيل.. من الإفلاس إلى سادس قوة اقتصادية عالميًا
تعد البرازيل إحدى التجارب التنموية الفريدة خلال العقود الأخيرة؛ إذ تمكنت خلال فترة زمنية قياسية، لم تتعد العشر سنوات من (2003 إلى 2010)، من أن تحقق طفرة اقتصادية مشهودة، بعد أن كانت قد شارفت علي الإفلاس، وهي الفترة التي تولى فيها "لولا دا سيلفا" رئاسة البلاد والذي تميز بإرادة ورؤية واضحة، لتصبح البرازيل رسميًا، ومع نهاية عام 2011، سادس أكبر اقتصاد على مستوى العالم متقدمة بذلك على دول غربية عريقة، على رأسها بريطانيا.
وقد اعتمدت البرازيل في تجربتها التنموية على عدة محاور أبرزها تنفيذ برنامج للتقشف بمساعدة صندوق النقد الدولي بهدف سد عجز الموازنة والقضاء على أزمة الثقة، واتباع سياسات المصارحة والمكاشفة مع الشعب البرازيلي وطلب الصبر على هذه السياسات ودعمها. وقد أدى برنامج التقشف إلى خفض عجز الموازنة وارتفاع التصنيف الائتماني للبلاد، مما ساهم في جذب استثمارات أجنبية قدرت بنحو 200 مليار خلال الفترة من 2004 وحتى 2011، وهي الاستثمارات التي رفعت الطاقة الإنتاجية للدولة وعملت على توفير فرص عمل جديدة ومن ثم المساهمة في حل مشكلة الفقر.
وقد رصدت دراسات عديدة محاور التجربة البرازيلية، أشارت إلى تغيير سياسات الإقراض بالبرازيل بتوفير تسهيلات ائتمانية، ليتم خفض سعر الفائدة من 13.25% إلى 8.75 %، وهو ما سهل الإقراض بالنسبة للمستثمرين الصغار، ومن ثم أدى ذلك إلى تسهيل إقامة المشروعات الصغيرة وتوفير فرص عمل ورفع مستوى الطاقة الإنتاجية والنمو بما انعكس بالإيجاب على تقليص حدة الفقر.
هذا إلى جانب التوسع في الزراعة واستخراج النفط والمعادن وتصديرها مستغلة ارتفاع أسعار المواد الخام في الأسواق العالمية، الأمر الذي ساهم في سد العجز في ميزان المدفوعات، والذي كان يعانى منه الاقتصاد البرازيلي قبيل عام 2003، والتوسع في الصناعة من خلال التركيز على شقين؛ الأول تمثل في الصناعات البسيطة القائمة على المواد الخام، مثل تعدين والصناعات الغذائية والجلدية والنسيج، والتوسع فيها وقد ساعد في ذلك التوسع في الزراعة والاكتشافات البترولية.
أما الشق الآخر فهو الصناعات التقنية المتقدمة، مثل صناعات السيارات والطائرات، على غرار شركة "إمبراير"، والتي تعتبر ثالث أكبر شركة تصنيع طائرات تجارية في العالم، بعد إيرباص وبوينج، وتمثل طائراتها نحو 37% من أسطول شركات الطيران الإقليمية في أمريكا.
كما عملت البرازيل على تنشيط قطاع السياحة بالاعتماد على ما تمتلكـه من طاقات طبيعية نادرة من غابات وشواطئ وجبال مؤهلة وبقوة لاجتذاب أفواج سياحية كبيرة، وكذلك بالاعتماد على التراث الشعبي مثل "سياحة المهرجانات"، وقد نجحت في الترويج لمثل هذا اللون الخاص من السياحة ونجحت في استقبال 5 ملايين سائح سنويًا، الأمر الذي ساهم كذلك في إنعاش الاقتصاد وتحقيق مزيد من النمو.
وعلى صعيد الخارجي، اتجهت البرازيل نحو التكتلات الاقتصادية من خلال منظمة (الميروكسور) وهى بمثابة السوق المشتركة لدول الجنوب وتشكلت باعتبارها اتفاقية للتجارة الإقليمية بين كل من البرازيل والأرجنتين وباراجواى وأوروجواى في 1991 وعضوية غير كاملة لفنزويلا وبوليفيا. كما شكلت البرازيل مع روسيا والصين والهند مجموعة (البريكس BRICS) في 2009 قبل انضمام جنوب أفريقيا في 2010، وهو التجمع الذي تساهم دوله بنحو 20% من إجمالي الناتج العالمي.
كوريا الجنوبية: من ثالث أفقر دولة في آسيا إلى عاشر دولة صناعية في العالم
استطاعت كوريا الجنوبية التي لم يتعدى عمرها، كدولة، السبعين عامًا، وبعد حرب مع جارتها الشمالية، استمرت لثلاث سنوات بين عامي 1950 و1953، أن تحقق نموذجًا تنمويًا خلال مدة لم تتجاوز الثلاثين عامًا، حتى تحولت من ثالث أفقر دولة في آسيا إلى ثالث أكبر دولة صناعية فيها بعد اليابان والصين، وعاشر أكبر دولة صناعية على مستوى العالم.
وقد اتبعت سيول نهجًا يربط بين سياسات التنمية الاقتصادية وبرامج التنمية الاجتماعية، حيث زاد إجمالي الدخل القومي الكوري الجنوبي من 2.3 مليار دولار عام 1962 إلى 1007 مليار دولار عام 2010، وارتفع نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي من 87 دولارًا في ستينيات القرن الماضي إلى 20.265 دولار عام 2010.
وقد ذهبت كوريا الجنوبية في تجربتها التنموية إلى إتباع عدة سياسات وإستراتيجيات وضعها مجلس التخطيط الاقتصادي الذي صاغ السياسات ووضع خطط وبرامج التنمية، وأشرف على تنفيذها، وقد تمثلت أبرز تلك السياسات في سياسة التوجه للداخل (Inward-looking policy) من خلال إعادة هيكلة الاقتصاد، وسياسة إحلال الواردات، وخصوصًا الصناعات التي تمتاز كوريا فيها بميزة نسبية، من خلال وضع خطط خمسية للتنمية الاقتصادية، وتشجيع إقامة بعض الصناعات الثقيلة والكيماوية الضرورية من خلال تنظيم الأسواق المالية وتوجيه المصارف التجارية لتقديم القروض والتسهيلات المالية بأسعار فائدة متدنية على القروض المتوسطة والطويلة الأجل في القطاع الخاص، واتباع سعر صرف متعدد للعملة الكورية، بحيث يكافئ المصدرين، ويعاقب المستوردين، وضع القيود على الوردات، باستثناء الواردات من المواد الخام والوسيطة اللازمة لصناعات إحلال الواردات، وذلك تماشيًا مع سياسة الدولة لتطوير الصناعات الأساسية.
وعلى صعيد تنمية القطاعات الانتاجية، اعتمدت كوريا سياسة الإصلاح والتصنيع للتصدير (Export-led Industrialization Policy) من خلال وضع خطة اقتصادية لتعزيز الوضع التنافسي للصناعات التصديرية في الأسواق الدولية واستصدار تشريعات لترويج وتشجيع التجارة الخارجية، وهو ما أدى إلى توفير تسهيلات تمويلية، وتطبيق حوافز ضريبية لتشجيع الصناعات الموجهة نحو التصدير، الأمر الذي انعكس على تسريع وتيرة عملية التصنيع.
وفي السياق ذاتـه، تدخلت الدولة بشكل مباشر في الحياة الاقتصادية بهدف دفع الاستثمار والصناعات والصادرات في المسارات المرغوبة، لتسريع وتيرة الإنتاج وتنمية الصادرات، وقدمت الدولة كل أشكال العون والمساعدة، وكل التسهيلات اللازمة للصناعات الرائدة، ووفرت الأطر المؤسسية لتفعيل المشاركة الشعبية في صنع القرار الاقتصادي، بالإضافــة إلى دعم الصناعات الإستراتيجية (مثل صناعة الصلب والحديد والصناعات البتروكيماوية)، وتوفير مختلف أنواع الحوافز للصناعات المحلية، وانتهاج الدولة سياسة التعديل المستمر لهياكل وطبيعة الحوافز، في ضوء احتياجات وأهداف التنمية الاقتصادية، وبما يحقق الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية والطاقات البشرية.
الصين: من سياسة العزلة إلى المنافس الأول للولايات المتحدة الأمريكية
تعد التجربة الصينية في التنمية أحد أهم التجارب التنموية التي حظت بإعجاب وتقدير المجتمع الدولي حيث لفتت أنظار العالم بإنجازات التنمية المستدامة والمتسارعة منذ بدء تطبيق سياسات الإصلاح على يد الزعيم الصيني دينج سياو بينج 1978، الأمر الذي دفع البعض لأن يطلق عليها العملاق النائم، كما تنبأ آخرون بعودة النظام العالمي ثنائي القطبية، بحيث تصبح الصين ندًا للولايات المتحدة الأمريكية التي باتت القطب الأوحد عقب انهيار الاتحاد السوفيتي في 1991.
وضعت الصين عام 1978 برنامج التحديثات الأربعة للتنمية الذي تمثلت أهم محاوره في جعل الاقتصاد الصيني أكثر قدرة على التكيف مع التغيرات الهيكلية التي يعرفها الاقتصاد العالمي لتجنب الأزمات الاقتصادية، وإعادة النظر في أولويات التنمية بحيث يتم التركيز على الزراعة ثم الصناعة فالبحث العلمي وأخيراً الدفاع، وإعادة هيكلة قطاعات الإنتاج، وعمل إصلاحات حضرية تقوم على لامركزية تسيير المشروعات العامة، وبخاصة فيما يتعلق بسياسات الأسعار والعمالة، وفتح المجال أمام بناء المشروعات المشتركة مع الاستثمارات الأجنبية أو السماح لها بإقامة مشروعات خاصة بها بعد الحصول على رخصة بذلك.
ولنا أن نستدل على نجاح هذه التجربة من خلال معدلات النمو الاقتصادي العالية المتحققة؛ إذ بلغ الناتج المحلي الإجمالي الصيني في 2011 حوالي 7.318 تريليون دولار لتحتل به الصين المرتبة الثانية عالمياً كأكبر بلـد اقتصادي عالمي بعد الولايات المتحدة الأمريكية، كما ازداد حجم الصادرات والواردات من 20.6 مليار دولار عام 1978 إلى 2974 مليار دولار عام 2010، وخلال الفترة من عام 1979 إلى عام 2010 استطاعت الصين أن تجتذب استثمارات أجنبية مباشرة قدرت بنحو 1048.38 مليار دولار، لتصبح إحدى أكبر الاقتصادات العالمية.
وقد سعت الصين في نموذجها التنموي إلى إتباع إستراتيجية وطنية تعتمد على الإنطلاق من الواقع الداخلي، وتمثلت أهم هذه محاور في التمسك بالإبداع من حيث المفهوم والنظام من خلال تحفيز المبادرات الإبداعية لدى أبناء الشعب الصيني في محاولة منها لخلق وضعا جديدا لبناء التحديثات، والاتجاه نحو تطوير السوق المحلي وزيادة الطلب الداخلي جريًا على أن ذلك يعد موطئ القدم الأساسي والمبدأ الاستراتيجي طويل الأجل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في الصين.
وفي السياق ذاته اتجهت الصين نحو تعبئة الموارد من أجل الصناعة من خلال وضع مبادئ للتنظيم المخطط للاقتصاد، ومنح الدولة القدرة على تعبئة الموارد وتخصيصها للقطاعات التي تحظى بالأولوية، وتمويل النمو الصناعي باقتطاعات من العالم الزراعي، وتوجيـــه جهد الاستثمار لتوسيع قطاع صناعي حديث، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال تخطيط الزراعات القائم على أولوية إنتاج الحبوب في الصين كلهـا.
كما ذهبت إلى إدخال تعديلات استراتيجية على الهياكل الاقتصادية ورفع كفاءة السكان والاستغلال الأمثل للموارد والاهتمام بالجودة، والمواظبة على حفز التصنيع بالمعلوماتية، وتسريع عملية تحسين الهياكل الصناعية والارتقاء بمستواها، وتعزيز بناء منشآت البنية التحتية للصناعات الأساسية، وتعجيل التقدم العلمي والتكنولوجي فاتجهت نحو وضع خططا وطنية متوسطة وطويلة الأجل لتطوير العلوم والتكنولوجيا، من خلال إصلاح نظام العلوم والتكنولوجيا، ودعم الاستثمارات في مجال العلوم والتكنولوجيا.
سنغافـورة: من أزمة بطالة في الستينيات إلى صادرات بنسبة 200%
سنغافورة هي إحدى دول جنوب شرق آسيا، وتقع جغرافيا بين أندونسيا وماليزيا، وعلى الرغم من صغر مساحتها الكلية إلا أنها أحد أكبر الدول نشاطًا اقتصاديًا، واعتمدت على خطط تنمية اقتصادية واجتماعية من أجل نهضة اقتصادها وتركز معظم خططها بالاتجاه نحو التصنيع لرغبتها في تحقيق معدلات صناعية كبرى لكنها وبجانب التصنيع اعتمدت على الجانب التجاري في التنمية الاقتصادية.
ركزت سنغافورة على 3 أبعاد ومحاور رئيسة من أجل تحقيق النهضة باقتصادها: تمثل المحور الأول في الاعتماد على خطة تسويق وترويج تجارتها بشكل يتيح وجود واراداتها وصادراتها بالأسواق بشكل دائم، بينما تمثل المحور الثاني في الاتجاه نحو تأسيس قاعدة من العلاقات التجارية القوية مع مناطق التجارة الحرة وطرق الاستثمار بين البلاد الأخرى، في حين تمثل المحور الثالث في تأسيس بنية تحتية تجارية قوية للغاية استغلتها لتعزيز قدرتها التنافسية.
وقد عانت سنغافورة في بدايات فترة الستينيات من قلة رأس المال المحلي ومشكلة البطالة بالإضافة إلى ندرة المعرفة الصناعية كونها قاعدة صناعية صغرى، لكنها في ذلك الوقت اتبعت استراتيجية اقتصادية مهمة تقضي بإحلال الوارادات وإخضاع 183 سلعة للرسوم الجمركية و230 سلعة لنظام الحصص، وبدأت سنغافورة بالاعتماد على نفسها من خلال البدء بالصناعات التي لا تحتاج إلى خبرات عالية أو مهارات خاصة كالمنسوجات والملابس الجاهزة والصناعات الغذائية. وكانت النتيجة نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.1% خلال هذه الفترة، وارتفاع حصة قطاع الصناعة التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي من 11% في عام 1960 إلى 14% عام 1964.
وعلى الرغم من الصعوبات والتحديات التي واجهت سنغافورة على خلفية التوترات مع إندونسيا وانفصالها عن ماليزيا عطلت مسيرة إكمال سياسة إحلال الوارادات، إلا أنها اتجهت إلى التصنيع مع اتباع استراتيجية النظر إلى الخارج والتصدير من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية، ووضع قوانين وسن تشريعات الهدف منها وضع معايير للعمالة الصناعية وتقديم تسهيلات لرأس المال الأجنبي من خلال إنشاء مناطق صناعية أخرى ذات بنى تحتية وبأسعار دعم عالية مع السماح بحرية دخول السلع وإعفائها من الرسوم الجمركية.
تلك الاستراتيجية أسفرت عن بلوغ متوسط النمو 105% خلال تلك الفترة وانخفاض معدل البطالة إلى 3.6% عام 1978 وارتفاع نسبة قطاع الصناعة التحويلية في الناتج المحلي إلى 24% عام 1979. وارتفعت الصادرات الكلية لسنغافورة في الثمانينيات فوصلت عام 1980 إلى 58.655 مليون دولار ثم ازدادت في عام 1985 إلى 73.832 مليون دولار بينما وصل إجمالي واراداتها لنفس العام 81.812 مليون دولار. ومع التسعينيات اتبعت سنغافورة سياسات تجارية أدت إلى ارتفاع مساهمة القطاع الخدمي المالي والتجاري في مجموع الناتج المحلي الإجمالي من 21% عام 1986 إلى 26% عام 1997، حيث ارتفع مجموع الاستثمارات المباشرة في الخارج لتصل إلى 75.8% مليار دولار عام 1997.
وبالرغم من تأثر الاقتصاد السنغافوري بالأزمة المحلية والتدهور السريع في الاقتصادات الإقليمية الذي أدى إلى انخفاض صادرات سنغافورة من السلع والخدمات، إلا أنها استطاعت النهوض بشكل لافت من خلال إعادة النظر في سوق العمل ونظام الأجور لجعلها أكثر مرونة، وتشجيع إقامة المشروعات والشركات المحلية وتحسين قدرتها على تطوير الأفكار الجديدة والأعمال التجارية. الأمر الذي أدى إلى ارتفاع قيمة الصادرات السنغافورية ووصلت عام 2005 إلى 382.5 مليون دولار ثم ارتفعت تلك القيمة إلى 476.7 مليون دولار عام2008.
والآن وبعد تلك السنوات من اعتبار سنغافورة دولة من دول العالم الثالث أصبحت تلك الدولة واحدة من أقوى الاقتصاديات بالعالم مع اتباع سياسة تنهض بها بذلك الشكل المدروس والسريع ، حيث وصلت الصادرات السنغافورية 200% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2013 ويقدر دخل الفرد الآن فيها بنحو 21 ألف دولار في السنة.
تركيا: تضاعف الصادرات أكثر من 4 مرات في 10 سنوات
تعد تركيا إحدى الدول التي نهضت بشكل سريع خاصة السنوات العشر الأخيرة، مما أدى إلى منافستها للاقتصاديات الكبرى في العالم, ومنذ عام 1945 حتى الثمانينيات اتبعت الحكومة سياسة اقتصادية تركز على الاقتصاد الداخلي حاولت من خلالها حماية الشركات المحلية من خلال فرض قيود على الشركات الأجنبية مما أدى إلى عرقلة حركة الصادرات بوجه عام في تركيا بالإضافة إلى نقص شديد في الإيرادات المالية . وتدهور الحال اقتصاديا في تركيا حتى أنها اضطرت أحيانًا إلى صرف أكثر ما هو مخطط له في الخطط الخمسية، وكانت النتيجة دائمًا لصالح المصروفات وليس العائدات مما أدى إلى عجز الميزانية بشكل مستمر وزيادة نسبة التضخم والدين الخارجي للدولة وانخفاض قيمة العملة التركية.
وفي السبعينيات والثمانينيات حاولت تركيا التركيز على الصادرات وأزالت القيود على الوارادات، لكنها واجهت أزمات اقتصادية سيئة ومربكة عام 1994،1999،2001 مما أدى إلى انهيار الليرة التركية وزيادة نسبة التضخم.
وكان عام 2002 أسوأ فترات تركيا على الإطلاق، حيث حدث تراجع كبير في قطاع العمل التركي، وتدهورت بنية المرافق والبنية التحتية للمدن والقرى بشكل ملحوظ وفشلت الخطط الاقتصادية للحكومة التي تشكلت من قوى سياسية واقتصادية مختلفة من عام 1999 حتى عام 2002، وكشفت إحدى الدراسات عن تسبب الحكومة في ضياع 195 مليار دولار، إذ بلغت نسبة الدَين العام 74% من الناتج المحلي بنهاية عام 2002، ووصل معدل التضخم إلى 70% مع نهاية 2001، في حين لم يتعد الناتج المحلي عام 2001 حاجز الـ 148 مليار دولار، وفقدت العملة التركية 113% من قيمتها أمام الدولار.
وكان لوصول أردوغان وحكومته للحكم في عام 2002 عامل كبير في نهضة تركياـ أدى إلى اختلاف اقتصادها عما كان في السابق بشكل كبير وملفت للغاية، حيث قامت الحكومة بتوسيع أسواق الصادرات لتصل صادراتها إلى 190 دولة من أصل 192 دولة عضو في الأمم المتحدة كما استطاعت تلك الحكومة تحقيق نهضة اقتصادية أدت إلى ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي من 147.7 مليار دولار في عام 2001 إلى 362.5 مليار دولار في عام 2005، كما ارتفع نصيب الفرد السنوي من الناتج المحلي من 2230 دولارًا في عام 2001 إلى 8400 في أواخر عام 2005.وانخفض الدين العام لتركيا من 74% من إجمالي الناتج المحلي في نهاية 2002 إلى 39% في نهاية عام 2007. والآن تضاعفت صادرات تركيا أكثر من أربع مرات منذ وصول أردوغان، حيث كانت 36 مليار دولار عام 2002 لتصبح 152 مليار دولار في عام 2012.
محمد السيد عبد الجوادو
هبة الحنفي
http://www.almasryalyoum.com/node/1972761
تاريخ النشر:
Mon, 10/06/2013 - 10:35
Related Researches:
الخمسة الكبار ومؤشرات الفقر المجتمعي في مصر
خيارات الاقتصاد المصري بين نموذجي البرازيل وبولندا