الدبلوماسية الأمريكية لـ جورج.ف.كنان
كتاب جورج ف. كينان «الدبلوماسية الأميركية» هذا الذي يطالعه القارئ العربي هو من الكتب القليلة التي تصل القارئ بهذا الموضوع الدقيق من زواياه المختلفة، وعلى يد رجل خبر موضوعه جيداً حتى غدا كتابه هذا مطلب الاختصاصيين والساسة منذ ان صدرت طبعته الأولى قبل أكثر من ثلث قرن.
تعود معرفة الرجل بموضوعه إلى احترافه الدبلوماسية منذ ان تخرج من احدى أعرق الجامعات الأمريكية وهي جامعة برنستون ، حيث اختص بالشؤون الروسية، وعمل بعدئذ في سفارات بلاده في المانيا وفي ولايتي البلطيق «تاليق» و«ريغا»، ثم في موسكو في الثلاثينات، التي عاد إليها سفيراً في مطلع الخمسينات، وبلغراد في اوائل الستينات. وكان للرجل مساهمات ذات شأن في رسم سياسة الولايات المتحدة بعيد الحرب العالمية الثانية، منها وضع الاساس النظري لسياسة الاحتواء حيال الاتحاد السوفييتي»، هذه السياسة التي عبر عنها في مقاله الشهير«أصول النهج السوفييتي»الذي نشره في مجلة «الشؤون الخارجية» ذات النفوذ الكبير، ثم مساهمته الاخرى فيها عرف باسم مشروع مارشال لإعادة أعمار أوروبا.
كتاب «الدبلوماسية الامريكية»، في هذه الطبعة الموسعة، هو حصيلة رجل متمكن بحكم ثقافته، ودبلوماسي ضليع واسع الخبرة بموضوعه، يأتينابنظرات شاملة من داخل مؤسسات القرار ليلقي ضوءاً على مجمل عناصر السياسة الخارجية الامريكية، والعملية التي تنهض بها الدبلوماسية لبلوغ اهداف هذه السياسة.
وليس كينان بالرجل الراضي عن هذه السياسة حين تجنح الى «الامبريالية»، كما ان ليس بالناقم عليها حين يرى انها تقصر عن تحقيق تصوراتها وترجح كفة الخسارة على كفة الربح. فهو ينتمي الى «الواقعية»، كما يفهمها المفكرون السياسيون في الولايات المتحدة.
و«الواقعية»هنا هي المفتاح الاساسي في فهم (كينان) المؤرخ والدبلوماسي، وقد وجدناه يبسط لمستمعيه وقرّائه على أوسع نحو في فاتحة كتابه هذا.
يرجع (كينان) إلى التاريخ ليستلهم دروسه، فيجد أن التوسع الإمبريالي يفرض على الولايات المتحدة ان تتمثل في النظام الإمبريالي شعوباً، وانظمة اجتماعية، ومؤسسات ثقافية لا تتناسب مع تجربتها التاريخية ونظامها السياسي.
ولكن (كينان) يشعر بالقلق كذلك مما يفرضه عالم اليوم من حاجة الولايات المتحدة الى العالم الخارجي، في وضع من توازن القوى فكيف تظل الولايات المتحدة في موقع الريادة، وهي تواجه هذا العالم المتغير؟
ان (كينان) يقدم عرضه بوضوح مستأنسا بالتجارب الاوروبية بدءاً من القرن السابع عشر، أي بالعودة الى سياسة التوازانات الاقليمية. وهو بذلك يضمن عدم التورط في وضع امبريالي لا بد من أن يؤدي إلى زعزعة النظام الامريكي ذاته.
رابط التحميل