منتدى قالمة للعلوم السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم .. أخي الزائر الكريم ..أهلآ وسهلآ بك في منتداك ( منتدى قالمة للعلوم سياسية ) إحدى المنتديات المتواضعة في عالم المنتديات والتي تزهو بالعلم الشرعي والمعرفة والفكر والثقافة .. نتمنى لكم قضاء أسعد الأوقات وأطيبها .. نتشرف بتسجيلك فيه لتصبح أحد أعضاءه الأعزاء وننتظر إسهاماتكم ومشاركاتكم النافعة وحضوركم وتفاعلكم المثمر .. كما نتمنى أن تتسع صفحات منتدانا لحروف قلمكم ووميض عطائكم .. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه , وجنبكم ما يبغضه ويأباه. مع فائق وأجل تقديري وإعتزازي وإحترامي سلفآ .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . المشرف العام
منتدى قالمة للعلوم السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم .. أخي الزائر الكريم ..أهلآ وسهلآ بك في منتداك ( منتدى قالمة للعلوم سياسية ) إحدى المنتديات المتواضعة في عالم المنتديات والتي تزهو بالعلم الشرعي والمعرفة والفكر والثقافة .. نتمنى لكم قضاء أسعد الأوقات وأطيبها .. نتشرف بتسجيلك فيه لتصبح أحد أعضاءه الأعزاء وننتظر إسهاماتكم ومشاركاتكم النافعة وحضوركم وتفاعلكم المثمر .. كما نتمنى أن تتسع صفحات منتدانا لحروف قلمكم ووميض عطائكم .. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه , وجنبكم ما يبغضه ويأباه. مع فائق وأجل تقديري وإعتزازي وإحترامي سلفآ .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . المشرف العام
منتدى قالمة للعلوم السياسية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولصفحتنا عبر الفيسبوكمركز تحميل لكل الإمتدادات
منتدى قالمة للعلوم السياسية يرحب بكم
تنبيه:إن القائمين على المنتدى لا يتحملون أي مسؤولية عن ما ينشره الأعضاء،وعليه كل من يلاحظ مخالفات للقانون أو الآداب العامة أن يبلغ المشرف العام للمنتدى ، أو بتبليغ ضمن قسم اقتراحات وانشغالات
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» المحاضرة الثالثة لمادة تاريخ الفكر السياسي
الجغرافيا العسكرية والجيوستراتجية Emptyمن طرف salim 1979 الأربعاء أكتوبر 09, 2024 8:21 am

» المحاضرة الثانية لمادة تاريخ الفكر السياسي 2024/2025
الجغرافيا العسكرية والجيوستراتجية Emptyمن طرف salim 1979 الخميس أكتوبر 03, 2024 4:37 pm

» المحاضرة الأولى لمادة تاريخ الفكر السياسي 2024/2025
الجغرافيا العسكرية والجيوستراتجية Emptyمن طرف salim 1979 الخميس أكتوبر 03, 2024 4:29 pm

» برنامج محاضرات الفكر السياسي 1
الجغرافيا العسكرية والجيوستراتجية Emptyمن طرف salim 1979 الخميس أكتوبر 03, 2024 4:24 pm

» عام ينقضي واستمرارية في المنتدى
الجغرافيا العسكرية والجيوستراتجية Emptyمن طرف salim 1979 الإثنين مايو 27, 2024 10:25 am

» امتحان تاريخ الفكر السياسي ماي 2024
الجغرافيا العسكرية والجيوستراتجية Emptyمن طرف salim 1979 الإثنين مايو 27, 2024 10:19 am

» امتحان مادة علم الاجتماع السياسي ماي 2024م
الجغرافيا العسكرية والجيوستراتجية Emptyمن طرف salim 1979 الأربعاء مايو 15, 2024 9:33 am

» امتحان تاريخ الفكر السياسي جانفي 2024م
الجغرافيا العسكرية والجيوستراتجية Emptyمن طرف salim 1979 الثلاثاء يناير 16, 2024 8:08 pm

» الإقرار وفق القانون الجزائري
الجغرافيا العسكرية والجيوستراتجية Emptyمن طرف salim 1979 الخميس مايو 11, 2023 12:00 pm

أنت زائر للمنتدى رقم

.: 12465387 :.

يمنع النسخ
الجغرافيا العسكرية والجيوستراتجية Ql00p.com-2be8ccbbee

 

 الجغرافيا العسكرية والجيوستراتجية

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
ndwa
وسام التميز
وسام التميز



الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 212
نقاط : 498
تاريخ التسجيل : 15/04/2013

الجغرافيا العسكرية والجيوستراتجية Empty
مُساهمةموضوع: الجغرافيا العسكرية والجيوستراتجية   الجغرافيا العسكرية والجيوستراتجية Emptyالأحد أكتوبر 27, 2013 10:50 pm

الجغرافيا العسكرية والجيوستراتجية
تعريف

قالت العرب في أمثالها" قتلت أرض جاهلها وقتـّل أرضاً عالمها"و قال المفكر الصيني الشهير سون تسي (Sun Tze) قبل نحو 2500 سنة في كتابه القيّم فن الحرب The Art of war :" إن أولئك الذين لا يعرفون أحوال الجبال والغابات والأودية الخطرة والسبخات والمستنقعات لا يمكنهم قيادة جيش، وأوصى عمر بن الخطاب قائده سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهما فقال له:
"إذا وطئت أرض العدو تعرف على الأرض كلها كمعرفة أهلها، فتصنع بعدوك كصنعه بك"
مقولات عظيمة تستوقف الباحث العسكري والمؤرخ، بل والمهتم بالتراث الحضاري الإسلامي، ومعناها جلي وواضح؛ إذ أن من يحارب على أرض لا يعرفها حق المعرفة سيلقى الهزيمة والفشل؛ لجهله بمسالكها ومواردها، ومواطن الخطر فيها، فيصبح تائهاً في بلاد غريبة يواجه معالم الأرض فيها من جهة، وعدواً يتحين الفرصة للقضاء عليه من جهة أخرى، وفي المقابل هناك من يدرس الأرض، ويبث فيها العيون تستطلع وتجمع المعلومات اللازمة ، ويعد للأمر عدته لتحقيق النصر في النهاية.
تعريف الجغرافيا العسكرية

،،،تمثل الجغرافيا عمقاً أساسياً لكل التحركات العسكرية وسير العمليات الحربية حيث تمثل الأرض بواقعها الطبيعي والبشري مسرحاً للعمليات العسكرية و تحدد الجغرافيا العسكرية المحاور الرئيسية على الجبهة، التي تتوزع عليها القوات، لشن هجوم مباشر على القوات المعادية بعد تحديد مناطق الضعف فيها,,, ​
في العلم العسكري الحديث، يمكن اعتبار تعريف معجم مصطلحات الجيش الأمريكي للجغرافيا العسكرية أفضل تعاريفها دقة وشمولاً، فهو يعرفها بأنها : " حقل متخصص من الجغرافيا بالتعامل مع الظواهر الطبيعية والظواهر التي صنعها الإنسان ، والتي قد تؤثر في مسار العمليات العسكرية أو في التخطيط لها"، وهذا يعني دراسة الأرض (TERRAIN ) بسهولها ، وجبالها ، وأوديتها وتلالها ، وأي معالم طبيعية تبرز على سطحها، كما تشمل الدراسة المجاري المائية، والطرق ، والمراكز العمرانية ، وغير ذلك من المعالم .
وتهتم الجغرافيا العسكرية بدراسة الأرض التي تجري عليها العمليات العسكرية، ومنذ فجر التاريخ الإنساني تشكّل المعلومات الجغرافية عنصراً مهماً من عناصر النزاع العسكري، وتتخذ العمليات العسكرية طابعاً جغرافياً لأنها تجري على موقع ما، ولذلك الموقع بيئته الطبيعية المتميزة، ومناخه، ونظامه الثقافي. والعمليات العسكرية منظومة معقدة ثلاثية الأبعاد تتألف من الفعل وردود الأفعال، وتمتد من جبهة القتال حتى منشأ الإمداد والتموين عبر الأجواء والمحيطات، وتتألف أساساً من منظور جغرافي من الوقت والمسافة، وطبيعة الأوضاع السائدة ضمن إطار ذلك الوقت وتلك المسافة.
ورغم أن الأسلحة والقيادة والتدريب وتخطيط المعركة، تؤثر إلى حدٍ كبير على الحملات، فإن الجغرافيا لها تأثير حاسم على النتيجة النهائية التي تسفر عنها الحرب أو المعركة، لذا ينبغي أن يضع المخططون العسكريون هذه العلاقة الجوهرية نصب أعينهم عند التخطيط للعمليات العسكرية، ومن هذا المنطلق ينبغي على القادة العسكريين على كافة المستويات دراسة الأوضاع الطبيعية والثقافية التي حددت نتائج المعارك عبر التاريخ، فجميع العمليات بغض النظر عن حجمها ونطاقها تتحكم فيها بيئة العمليات التي تشمل: الطقس، والمناخ، والأرض، والأوضاع الثقافية، إذ يتحتم على المخطط العسكري الناجح دراستها، وتقدير تأثيراتها، واختيار طرق العمل الملائمة، وتعديل خططه وفقاً للتحليلات الدقيقة للعوامل الجغرافية التي يتميز بها موقع معين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ndwa
وسام التميز
وسام التميز



الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 212
نقاط : 498
تاريخ التسجيل : 15/04/2013

الجغرافيا العسكرية والجيوستراتجية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الجغرافيا العسكرية والجيوستراتجية   الجغرافيا العسكرية والجيوستراتجية Emptyالأحد أكتوبر 27, 2013 10:51 pm

الجغرافيا العسكريه ​


دراسات في الجغرافيا العسكرية :


1- الجغرافيا العسكريه واثرها علي الحروب :




تهتم الجغرافيا العسكرية بدراسة الأرض التي تجري عليها العمليات العسكرية، ومنذ فجر التاريخ الإنساني تشكّل المعلومات الجغرافية عنصراً مهماً من عناصر النزاع العسكري، وتتخذ العمليات العسكرية طابعاً جغرافياً لأنها تجري على موقع ما، ولذلك الموقع بيئته الطبيعية المتميزة، ومناخه، ونظامه الثقافي. والعمليات العسكرية منظومة معقدة ثلاثية الأبعاد تتألف من الفعل وردود الأفعال، وتمتد من جبهة القتال حتى منشأ الإمداد والتموين عبر الأجواء والمحيطات، وتتألف أساساً من منظور جغرافي من الوقت والمسافة، وطبيعة الأوضاع السائدة ضمن إطار ذلك الوقت وتلك المسافة.
ورغم أن الأسلحة والقيادة والتدريب وتخطيط المعركة، تؤثر إلى حدٍ كبير على الحملات، فإن الجغرافيا لها تأثير حاسم على النتيجة النهائية التي تسفر عنها الحرب أو المعركة، لذا ينبغي أن يضع المخططون العسكريون هذه العلاقة الجوهرية نصب أعينهم عند التخطيط للعمليات العسكرية، لاسيما عمليات عسكرية بحجم ونطاق العملية التي تجري أحداثها في أفغانستان. ومن هذا المنطلق ينبغي على القادة العسكريين على كافة المستويات دراسة الأوضاع الطبيعية والثقافية التي حددت نتائج المعارك عبر التاريخ، فجميع العمليات بغض النظر عن حجمها ونطاقها تتحكم فيها بيئة العمليات التي تشمل: الطقس، والمناخ، والأرض، والأوضاع الثقافية، إذ يتحتم على المخطط العسكري الناجح دراستها، وتقدير تأثيراتها، واختيار طرق العمل الملائمة، وتعديل خططه وفقاً للتحليلات الدقيقة للعوامل الجغرافية التي يتميز بها موقع معين.









- تعريف الجغرافيا العسكرية .




- الحرب والجغرافيا.




- الجغرافيا العسكرية والحرب البرية.




2- التضاريس وتأثيرها على العمليات العسكرية


.بقلم المقدم- فرانسيس أ. جالجانو - الجيش الأمريكي




لاشك أن هناك صلة وثيقة بين جغرافيا المنطقة والحرب، حيث إن التضاريس هي الهيئات الطبيعية التي تدور المعارك عليها. فليست ثمة معركة أو حملة عسكرية لم تلعب فيها الأوضاع العسكرية - الأرض والمنظومة الثقافية والتأثير الشديد لعاملي المناخ والطقس - دوراً حاسماً في عملية اتخاذ القرار العسكري، إذ يتحتم على القادة وأركان التخطيط تخطيط العمليات بما يناسب الأوضاع الطبيعية والمعركة. ورغم أهمية التدريب الجيد والقيادة الناجحة وتفوق الأسلحة والمذهب العسكري في كسب المعارك، إلاّ أن الجغرافيا لها تأثير كبير على النتيجة الحاسمة للحرب. فينبغي على القادة - على كافة المستويات - أن يضعوا نصب أعينهم العوامل الطبيعية والثقافية الأساسية التي تحدد نتائج المعارك، ولعل من أهم تلك العوامل القيود التي يفرضها عاملا الوقت والمكان، والاعتبارات الجغرافية الثابتة المتمثلة في الأرض والطقس والمناخ ،علاوة على ذلك، فإن دروس التاريخ تبين أن القائد بوسعه استغلال الأوضاع العسكرية بدهاء للتغلب على خصم يفوقه عدداً وعدة، أو يتمتع بمزايا أرضية واضحة. وتناقش هذه المقالة الموجزة أحد وقائع الحرب الأهلية الأمريكية في مسرح العمليات الغربي عام 1862م.
- نبذة تاريخية .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ndwa
وسام التميز
وسام التميز



الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 212
نقاط : 498
تاريخ التسجيل : 15/04/2013

الجغرافيا العسكرية والجيوستراتجية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الجغرافيا العسكرية والجيوستراتجية   الجغرافيا العسكرية والجيوستراتجية Emptyالأحد أكتوبر 27, 2013 10:54 pm

الجغرافيا العسكرية والحروب


   تمثل القوى المسلحة السند الحقيقي للسياسة، وتساند السياسة بالمثل القدرة العسكرية وتخفف الأعباء عن القوات المسلحة، أي أنه من الصعب الفصل بين النواحي السياسية والعسكرية، كذلك يصعب الفصل بين الجغرافيا السياسية والجغرافيا العسكرية لصعوبة التمييز بينهما.

   وتمثل الجغرافيا عمقاً أساسياً لكل التحركات العسكرية وسير العمليات الحربية، إذ أنه من المستحيل فصل العمليات العسكرية عن ظروف البيئة الجغرافية حيث تمثل الأرض بواقعها الطبيعي والبشري مسرحاً للعمليات العسكرية. لذا تهتم الجغرافيا العسكرية بدراسة العلاقة بين البيئة الجغرافية من جهة وبين الأنشطة العسكرية من جهة أخرى.

   وهناك ارتباط وثيق بين الجغرافيا العسكرية والإستراتيجية الوطنية . إذ تبحث الأولى عن الخطوط العريضة، التي تحدد اتجاه القوى، والأهداف، والمصالح القومية، وتحديد أماكن النزاع الفعلي أو المحتملة، والتنبؤ بوقت ومكان الأحداث، وتهتم الثانية بإعداد، واستخدام القوة السياسية والاقتصادية للدولة، إلى جانب قوتها المسلحة في السلم والحرب لتامين الأهداف الوطنية. لذا يصعب الفصل بينهما فكل واحدة منهما تعتمد على الأخرى، تتأثر بها وتؤثر عليها، كذلك يصعب فصل الإستراتيجية العسكرية عن الشؤون السياسية، والمدنية، والاقتصادية، وذلك لأن الحرب لا تقتصر على معارك الجيوش في الميدان، بل تشمل جميع مظاهر الحياة كذلك.

   ومن البديهيات أن العلاقة وثيقة بين الجغرافيا العسكرية والحرب، فعندما تتوتر العلاقات بين الدول وتصل إلى درجة الحرب، تقوم الجغرافيا العسكرية برسم المسارات الجغرافية البرية والبحرية، التي سوف تنتهجها القوات المحاربة في سبيل الوصول للهدف، فضلاً عن أنها تحدد مواقع الأهداف الرئيسية الحيوية، التي يكون في تدميرها أثر على إعاقة تقدم الجيش المعادي، مثل الطرق والكباري والمناطق الصناعية، وتعد الأخيرة من الأهداف الإستراتيجية المهمة في الحرب، لأنها تزود الجيش المحارب بالضرورات اللازمة، وتدميرها يثير القلق داخل صفوف الجيش المعادي. أي أن للجغرافيا العسكرية دوراً فعالاً في كل أنواع الحروب البرية، والبحرية، والجوية، توضحها الدراسة التالية.
   ​
   1. الجغرافيا العسكرية والحرب البرية


   غالباً ما يكون الهدف من الحرب البرية الضغط المباشر على أفراد الشعب المعادي، بتدمير وسائل المقاومة لديه، والسيطرة على مراكز القوى التي يعتمد عليها. بمعنى أن الهدف الرئيسي من الحرب البرية تحطيم جيش العدو عن طريق تدمير مراكز الصناعات الحربية، والمدنية، والمراكز التجارية، باعتبار أنها تحد من قدرة العدو على القتال وإشعاره بأنه غير قادر على إحراز أي نصر عسكري وكشفه أمام شعبه بأنه غير قادر على الحفاظ على أراضيه مما يؤدي إلى انهيار الروح المعنوية لدى الشعب واستسلامه أمام عدوه.
   وتحدد الجغرافيا العسكرية المحاور الرئيسية على الجبهة، التي تتوزع عليها القوات، بشن هجوم مباشر على القوات المعادية بعد تحديد مناطق الضعف فيه، حتى تتمكن من الدخول إلى أراضيه، أو التسلل من حوله للوصول خلف صفوفه لقطع طرق النقل والمواصلات، وبالتالي شل حركات الإمداد والتموين إليه، وتراعي الجغرافيا العسكرية في ذلك العوائق الطبيعية مثل التضاريس والمناخ، وتشترك مع الأفرع العسكرية في تجهيز الإمكانيات اللازمة للتغلب عليها. فمثلاً في حرب أكتوبر 1973، استطاعت القوات المسلحة المصرية أن تعبر العائق المائي المتمثل في قناة السويس من ضفتها الغربية إلى الضفة الشرقية بالقوارب المطاطية، لمفاجأة العدو، واستغلال مراكز الضعف في جبهته، ثم مُدَّت بالآليات والمركبات بعد بناء كوبري سابق التجهيز. أي أنه مجرد أن توضع الخطط الإستراتيجية، ويُحدد الهدف، تنطلق القوات نحو الهدف بعد دراسة وسائل الحركة والطرق، التي تتبعها الجيوش مع وضع جدول زمني للتقدم، ومراعاة العوائق التي قد تحد من كفاءة الحركة.
   ​
   2. الجغرافيا العسكرية والحرب الجوية


   تطورت أهداف الجغرافيا الإستراتيجية للحرب الجوية تطوراً كبيراً وسريعاً مع تطور التكنولوجيا الحديثة، فلم تعد وظيفة السلاح الجوي قاصرة على نقل الجنود، والسلاح، والذخيرة، والمؤن، لتعزيز الهجوم العسكري، بل تطور دورها، وأصبحت تسهم بدور فعال وبخاصة خلف خطوط العدو وفي أعماق أراضيه، وذلك بتحطيم وتدمير كل ما يمكن أن يقلل من عزيمة الجيش المعادي وإرباك خطوطه، وهذا ما حدث في حرب أكتوبر 1973، حيث بدأتها مصر بالسلاح الجوي، ونجحت في تحطيم معنويات الجيش الإسرائيلي وحدت من قدرته وعزيمته على القتال.
   كما تهدف الجغرافيا العسكرية إلى التحكم في الفراغ الجوي وتدمير الطائرات المعادية وحرمانها من استخدامه، وبالتالي يتمكن السلاح الجوي من السيطرة على قوات العدو البرية والبحرية، ويقوم بضربها وتحطيم الصواريخ المضادة، وبذلك يقضي على المقاومة الأرضية ضد الطائرات، وعليه يقوم بحماية، ومساعدة قواته البرية المتقدمة، وإرشادها إلى مناطق الضعف في صفوف العدو للتركيز عليها.
   تهتم الجغرافيا العسكرية بدراسة الظروف المناخية لطبقات الجو، ومنها اتضح وجود تيارات هوائية شديدة السرعة، ويُطلق عليها التيارات النفاثة Jet Streams. وأول من أكد على وجود هذه التيارات رجال السلاح الجوي الأمريكي خلال الحرب العالمية الثانية أثناء عمليات هجومهم الجوي فوق الجزر اليابانية على ارتفاعات 30 ألف قدم، وقُدرت سرعة هذه التيارات حينئذ بين 200 إلى 300 ميل/ ساعة. وأصبح لهذه التيارات أهمية كبيرة في الطيران خاصة بعد استخدام الطائرات النفاثة التي تُحلق على ارتفاعات شاهقة. إذ يمكن أن تستفيد منها إذا كانت تسير في نفس اتجاها. أو تتجنبها إذ كانت تسير في اتجاه مضاد لها. كما لا يستغني السلاح الجوي والملاحة الجوية عن بيانات الطقس، وذلك تأميناً لسلامة الطلعات الجوية وحركات الطيران. ولا يتوقف دور الجغرافيا العسكرية على دراسة ظروف الطقس فحسب، بل تتعداه إلى اختيار مواقع المطارات بالأماكن، التي تقع في سهول فسيحة حتى لا تُشكل عقبة أمام الطيران من جهة، والتي يقل تعرضها لحدوث الضباب بكثرة ولا تتأثر بالزوابع والأعاصير من جهة أخرى.
   ​
   3. الجغرافيا العسكرية والحرب البحرية


   تقوم الجغرافيا العسكرية للحرب البحرية بتحديد المسارات البحرية والاستفادة من التيارات البحرية إذا كان الإبحار في اتجاها، أو تجنبها إذا كان خط السير في اتجاه مضاد لها، كما تهتم بدراسة العوائق، التي تؤثر على المناورات البحرية وبخاصة ما يتعلق بالظروف المناخية مثل الأعاصير ـ وما يتبعها من ارتفاع الأمواج أو ما يعرف بهياج البحر ـ والضباب وأثره في حجب الرؤية، كما تهتم بتحديد أماكن الشعاب المرجانية وجبال الجليد حتى تتجنبها السفن أثناء الملاحة البحرية، إضافة إلى أنها تُحدد أعماق البحار والمحيطات على خرائط تُعرف بالخرائط البحرية Marine Maps، كما أنها تدرس المد والجزر وحركات الأمواج واتجاهاتها.
   وتهدف الجغرافيا العسكرية للحرب البحرية إلى مهاجمة السواحل وإنزال القوات عليها لتقوم بدورها في تدمير مراكز العدو الإستراتيجية والحيوية، أو في الاستيلاء على مصادر الثروة الموجودة مثل ما كان يحدث في الحروب الاستعمارية، كما تهدف إلى حماية سواحل الوطن من الهجوم، كما هو الحال بالنسبة للبحرية الأمريكية التي تعمل على درء الخطر عن القارة الأمريكية بعيداً عن سواحلها، بحيث يكون الدمار على أرضٍ غير أراضيها. فوزعت الأساطيل الحربية على المحيط الأطلسي، والهادي، والهندي، والبحر المتوسط، والبحر الكاريبي.
   وتهتم الجغرافيا الطبيعية بدراسة الأغلفة الأربعة للكرة الأرضية، (الغلاف الجوي، والغلاف المائي، والغلاف الصخري، والغلاف الحيوي). أمّا الجغرافيا البشرية فتتناول دراسة الظاهرات البشرية على سطح الأرض ومدى التأثير المتبادل بينهما وبين بيئاتها الطبيعية والصور الاجتماعية الناجمة عن تفاعل الإنسان مع بيئته المحلية مثل توزيع السكان وأنماط العمران، كما تشمل دراسة النشاط البشري ومؤثراته وتوزيعاته، وكذلك التركيب السياسي للدولة بوصفه ظاهرة جغرافية، وتعرف كل الأفرع سابقة الذكر بالجغرافيا الموضوعية Topical Geography، أو الجغرافيا الأصولية Systematic Geography، وتركز على الموضوعات أكثر من تركيزها على الأماكن، أو على الظاهرات الجغرافية أكثر من المساحة. وإضافة إلى ما سبق، هناك فروع جغرافية تهدف إلى الربط بين الظاهرات الجغرافية المختلفة لإبراز العلاقة التبادلية بين الإنسان والبيئة، مثل الجغرافيا الإقليمية، والجغرافيا الطبية، وجغرافيا المياه. ​

k.g.b, ‏5 نوفمبر 2010
#5
k.g.b

   القيادة

إنضم إلينا في:
   ‏30 يوليو 2008
المشاركات:
   3,645
الإعجابات المتلقاة:
   121
نقاط الجوائز:
   62

Offline

   رد: الجغرافيا العسكرية

   أهمية الجغرافيا العسكرية كخلفية علمية للجيوستراتيجية

   أ.د. جهاد محمد قربة
   جامعة أم القرى، قسم الجغرافيا


   ​
   مقدمة:
   يتمتع الجغرافي في أوروبا بمكانة هامة في مجتمعه، ليس لأن كلمة "جغرافي" توقع نوع من الرهبة في عقول السكان بل لأن الثقافة العامة لهؤلاء السكان ساعدتهم على إدراك دور هذا الجغرافي في صياغة المكان وبالتالي في نشؤ وتطور عظمة الأمة، وكذلك لإدراكهم في نفس الوقت، بأن الجغرافي كان له الدور الأكبر في توثيق مواقع وحركات جيوشهم الاستعمارية وتوثيقها خرائطياً بدقة عالية، متتالية مع الزمن. أي أنهم يستشعرون من وراء الجغرافي تلك المهنة التي هيكلت ماضيهم البعيد والقريب، وساهمت في غناء أوروبا الاستعمارية وأدت إلى تكوين عظمتها العسكرية والاقتصادية حتى منتصف القرن العشرين.
   والجغرافي الأوروبي بعد انقضاء الفترات الاستعمارية، شكل أصول الحضارة التي يحمل سطح الأرض أشكال بصماتها وتعكس باع الجغرافي الذي مهد هذا السطح، كونه مهندسا للمجال، لتحضير القاعدة التي سمحت لتلك المجتمعات بتطوير مرافق اقتصادهم الزراعي والصناعي والخدمي.
   فالجغرافيا ليست هدفاً بحد ذاتها، بل هي وسيلة أداة، وهي تحتوي على الكل، والكل المرئي والملموس والمحسوس من سطح الأرض الذي يعيش عليه الإنسان ويحيا، يشكل الجغرافيا. ومع بداية عصر النهضة دعيت الجغرافيا بعلم "الجغرافيا الأم" لأنها أم العلوم السائدة التي اهتم بها الإنسان حيث كانت جميع الدراسات والأبحاث المتعلقة بالأرض هي "جغرافيا" وذلك حتى أواسط القرن التاسع عشر، الذي عرف البدايات الحقيقية لتخصص العلوم وتميزها وتفردها عن بعضها البعض بالتسمية، وبحقل الدراسة، وبالمنهجية، والأهداف.
   فإذا كان حقل الدراسة الجغرافية هو "المكانSPACE"، فإن الجغرافيا إذن هي القاعدة الأرضية لكل أعمال البشر منذ بداية الحضارات القديمة، وسطح الأرض يحمل آثار عمل البشر التي تعكس مقدار تطورهم في مختلف العلوم وبراعتهم الحربية والبنائية.
   فالجغرافيا كانت منذ أن بدأت الحضارات الأولية ولازالت هي البوتقة الأساسية للإستراتيجية العسكرية للإنسان في صياغة خططه الهجومية أو خططه التكنيكية. لقد استعرض أحد الضباط الجغرافيين الفرنسيين وهو (جوستاف ليون ينوكس ـ1890 - 1921 GUSTAVE-LEON NIOX,) في كتابه عن الجغرافيا الحربية بإسهاب دور الجغرافيا في الحروب، وهو الذي أرسى مفاهيم وأسس ومبادئ الجغرافيا الحربية، وبدأت هذه المبادئ بالتطور مع نهاية الحروب العسكرية في الفترة النابليونية، وبدأت باقي الدول الأوروبية كإيطاليا، والنمسا، والبرتغال، وسويسرا، وروسيا تستفيد من الفكر الجغرافي الحربي الفرنسي القاضي بالتعرف الجيد على مختلف عناصر جغرافية المكان من أجل استخدامها والاستفادة منها للأعراض العسكرية، فأشكال التضاريس، والمناخ، والهيدرولوجيا "جغرافية المجارى المائية السطحية"، وجغرافية النبات، تشكل قواعد العمل الرئيسة في التحليل الحربي للأغراض الدفاعية والهجومية على حد سواء.
   ولأجل أن تؤدي الجغرافيا دورها، فقد قامت المدارس والكليات العسكرية الكبرى بتدريس الجغرافيا الحربية وأصولها وقواعدها وهذا الأمر يعني ويعكس أهمية العلوم الجغرافية للأغراض العسكرية! كيف لا، والجميع قادر الشعور بالكيفية التي قامت بها مختلف وزارات الدفاع في العالم القديم بتطوير أهم تابع لها وهي التوابع المتمثلة في الخدمات الطبغرافية، التي تدعى بإدارات المساحة العسكرية، أو المديريات الطبوغرافية، أو المعاهد القومية الجغرافية كما في العاصمة باريس، وكيف قامت هذه الإدارات والمعاهد المساحية ـ الجيوديزية ـ الطبغرافية بأداء دورها في تمثيل مختلف عناصر سطح الأرض خرائطيًا وبمقاييس عدة، وضعت بداية لخدمة الأغراض العسكرية وأصبحت في الوقت الحاضر تخدم مختلف النشاطات المدنية للإنسان.
   ولكي يتمكن العسكريون من تنفيذ خططهم، فكان لابد من السيطرة على جغرافية سطح الأرض، فكيف يمكن السيطرة على جغرافية السطح دون التمكن منه بواسطة الخرائط العلمية الفنية عالية الدقة في التنفيذ، الأمر الذي أضفى ويضفي على العلوم الجغرافية، هذا البعد الفني الرائع الذي طورته الجغرافيا بواسطة علومها الكارتوجرافية المختلفة.
   لقد سيطرت الجغرافيا على الفكر العسكري للغرب طوال القرن الثامن عشر والتاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، وكانت الجغرافيا الحربية توحد هذا الفكر العسكري الغربي، وكذلك الشرقي، أي كانت تشكل عامل مشترك للفكر الاستراتيجي العسكري للقوى الكبرى في العالم. ولأسباب تتعلق بأساليب الكشف المتطورة فيما وراء الحدود التي عرفها العالم بعد الحرب العالمية الثانية، ومنها الكشف الراداري المحمول بواسطة الطائرات والأقمار الصناعية، تطور المسح الأرض بواسطة الأقمار الصناعية، وتطورت آليات المسح الفضائي والجوي الرقمي واستخدام الحواسيب في آليات الكشف والتحليل، جعلت الجغرافيا بداية تتجرد من أهميتها الحربية، ولتصبح "جغرافيا مدنية" وتحولت الدراسات والأبحاث الجغرافية من أهدافها لتستقر عند تطوير واستخدام سطح الأرض الاستخدام الأمثل، وتحول الجغرافي من مهندس حربي للمكان الى مهندس تخطيطي للمجال، وفي نفس الوقت أدى إلى ترجيح كفة العلوم الجغرافية باتجاه التطبيقات الحضرية عوضًا عن التطبيقات الحربية التي كانت سائدة في القرنين 18 و19 وبداية القرن العشرين.
   لقد عرفت الجغرافيا الحربية ذروتها في القرن التاسع عشر، ففي إيطاليا تؤكد دراسات "Ferrucio Botti" ذلك وبأن الجغرافيا كانت أهم مركبة يجب أن تدرك في الفنون العسكرية، وفي الواقع وتأثرت المدرسة الفرنسية العسكرية بالمدرسة الايطالية واشتهر في فرنسا عدد في كبار الضباط الذين تخصصوا في الجغرافية الحربية خاصة بعد الحرب الفرنسية الألمانية (1870-1871م) ومنهم على سبيل المثال وليس الحصر"Niox" و "Marga"الذين قاما بتأليف موسوعة هامة في الجغرافيا الحربية الفرنسية وقاما بتدريسها حتى نهاية الثلاثينات من القرن العشرين.
   أما سويسرا فقد كان لها باع كبير في الجغرافيا العسكرية الحربية التي طورها وساهم في بلورة أهميتها في المعارك الحديثة العقيد "Arnold keller" الذي كان رئيساً لأركان الجيش السويسري، قام بدوره بتأليف مرجع في الجغرافيا العسكرية لسويسرا وهو مكون من 34 كتاب (جزء) بين عامي 1906 و1922م، وكان يعتقد بأن الدول الأوروبية لن تحترم كون سويسرا دولة محايدة غير حربية وغير عدوانية، وبأنها ستتعرض للعدوان المباشر أو ستستخدم أراضيها لعبور الجيوش المتحاربة.
   وهكذا نجد بأن لكل دولة أوروبية عدد من الجغرافيين العسكريين الذين ساهموا في وضع استراتيجيات دفاعية هامة عن بلادهم أخذ بعين الاعتبار الخصائص الجغرافية داخل المجال الوطني، وكذلك أخذا بعين الاعتبار شروط الموقع وخصائصه، ونستطيع أن نجد في السويد أعمال "Gunnar Aselius" وفي رومانيا أعمال "Tudorel Ene" وفي البرتغال أعمال "Toao Vieira Borges".
   ولا يستطيع أحد الجزم بأن الجغرافيا الحربية هي جغرافيا أوروبية فإن عدد كبير من الدراسات الجغرافية العسكرية ظهرت في كندا بين عامي 1867 و2002م والتي تؤكد بأن المدرسة الجغرافية العسكرية الكندية بعد تأثرها بالفكر الفرنسي تحولت إلى التأثير بالفكر الأنكلوساكسوني الأميركي.
   وبالرغم من تراجع كفة الجغرافيا الحربية في الغرب لتحل محلها الجغرافيا المدنية أو الحضرية، فقد بقيت الجغرافيا الحربية ذات أهمية خاصة في مجموعة الدول الأسيوية وخاصة لدى المفكرين العسكريين في اليابان، والصين وكوريا وأندونسيا، دراسات "Kyoichi Tachi Kawa" في اليابان تثبت بأن من أهم أهداف الجغرافيا الحربية في اليابان تكمن في تنظير المجال "Space" لأغراض إستراتيجية تطبيقية دفاعية أو هجومية وأقرت قيادة أركان الجيش الياباني أهمية الجغرافيا الحربية من خلال هذا التعريف منذ عام 1941.
   الدراسات والأبحاث في الجغرافيا الحربية أو العسكرية التي عرفت ذروتها في القرن 19 أدت إلى تطوير علوم عسكرية هامة منشقة أو متفرعة منها وخاصة علم الجيوستراتيجية "Geostrategy" أو الجغرافيا الإستراتيجية ـ فما هي أصول هذه الجغرافيا ومفاهيمها.

   الجيوستراتيجية:
   ​
   التغيرات الملاحظة في الفنون الحربية والأدوات الالكترونية المستخدمة بها لعمليات الكشف المكاني، وللكشف فيما وراء الخطوط بالإضافة إلى الاستخدام الموسع لآليات القتال عن بعد ولوسائل التدمير الشامل غير الإستراتيجية، ومختلف أنواع الحروب الإعلامية المتطورة، والالكترونية، وحروب المحاصرة السياسية والمحاصرة الاقتصادية، والتجليات التي أدت الى تطور آليات الحروب الاقتصادية، ناهيكم عن حرب النجوم، والحروب التجسسية العسكرية منها والاقتصادية، القائمة حتى بين الدول الصديقة، جعلت الجيوستراتيجية تتخذ لنفسها أبعاد عملاقة تتعدى حدود القارات لتشمل العالم أجمع وتعتبر الأرض بأنها ميدان واحد للعمليات، وأنه على المفكرين المتخصصين في الجيوستراتيجية أن يتدربوا على هذا البعد الكوني، بالرغم من كون هذا المسرح العالمي للعمليات الذي هو ميدان الجيوستراتيجية مع مطلع القرن 21، هو مسرح مركب بداخله يحتوي على عدد من المستويات السياسية والاقتصادية الخاصة بعلاقة الدول مع بعضها البعض، تحدد أنماط المسارح الرئيسة للعمليات، التي تتفاوت فيما بينها من حيث الأهمية، ومن حيث النتائج المتولدة عن انتهاء أو وصول إحدى العمليات الى أهدافها الجزئية أو الكلية.
   ونستطيع على سبيل المثال، مقارنة مسرح العمليات في جنوب الهادي المشتمل على بعض المستعمرات الفرنسية القديمة، الذي بدأ دوره بالتقلص من حيث كونه مسرحاً ذو أهمية سياسية خاصة بعد أن انتهت فرنسا من إجراء آخر تجاربها النووية في عام 1995، مع المسرح العمليات لشمال الأطلسي الذي يعتبر جزيرة أيسلندة مركزًا جغرافيا له. لقد بدأت الأهمية الجيوستراتيجية لهذا المسرح بالتطور بشكل عجيب كون أيسلندة جزيرة مفصلية بين العالم القطبي والعالم الأطلسي، مما جعل أيسلندة غير قادرة على الحفاظ على حيادها السياسي.
   ومن ناحية أخرى، يلاحظ إجماع المتخصصين، على أن من أهم المسارح الجيوستراتيجية على الإطلاق هو المسرح المكون من مجموعة دول الخليج وبلاد الشام ومصر، الذي يعتبر محركاً للسياسة العالمية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والذي استقطب وسيستقطب أهم المخططين الجيوستراتجيين في العالم.
   المسارح الجيوستراتيجية الإقليمية تعكس أصداء المستويات الثلاثة للعمل الجيوستراتجي، وهي المستوى العالمي والمستوى الإقليمي، والمستوى المحلي، وتداخل أصداء الجيوستراتيجية الخاصة بهذه المستويات الثلاثة داخل أحد مسارح العمليات، يؤول إلى نشوء وضعيات في غاية التعقيد، ونتائج يصعب أحيانا تحملها على المستويين السياسي والاقتصادي، ولا أدل على ذلك إلا بالنظر إلى مسرح العمليات في منطقة الشرق العربي، والعلاقات الإستراتيجية المعقدة الناتجة عن الصراع العربي الإسرائيلي.
   والسؤال الأهم الذي يطرح نفسه الآن يكمن في ماهية دور الجيوستراتيجية؟، وهل نعتبرها كلمة مرادفة إضافية لمجموعة المفردات المتوفرة لدينا مثل: الجغرافيا السياسية، أو جغرافية التفكير السياسي؟، أم أن الجيوستراتيجية هي علم حديث له تصوراته ومبادئه ومنهجياته وطرقه، تاريخه وفلسفته، وأنه كعلم قادر على الإجابة على الإشكاليات التي تجابهه والتي تنتج عنه؟
   وتعتبر الإجابة عن هذه الأسئلة عملا ضخما لا يستطيع محيط هذا المقال من استيعابها، وستؤدي الى تأليف عدد في الكتب المتعلقة بالجيوستراتيجية، لذلك فمن المفضل الاكتفاء بتناول المعنى الأكثر قربا لإدراك تعريف مقبول لها، فإذا قبلنا بأن الجغرافيا السياسية تعني سياسة المجال أو سياسة المكان فأن الجيوستراتيجية تعني إستراتيجية المجال أو إستراتيجية المكان. وهنا نستطيع أن ندرك بأن الجيوستراتيجية تعني عبقرية إدراك الخصائص المكانية ـ الجغرافية لاستخدامها لمختلف الأهداف العسكرية،السياسية، أو الاقتصادية بهدف السيطرة وتحقيق المكاسب التي تعتبر المكاسب العسكرية جزء منها.

   المركبات الجغرافية للجيوستراتيجية:
   ​
   يستطيع المجال أو سطح الأرض أن يشكل حاجزا منيعا، تستهلك بداخله العدة والعتاد، وكلما كبرت أبعاد مسرح العمليات كلما انخفضت النتائج المتوخاة من الخطط الإستراتيجية المتبعة للوصول إلى الهدف، بالرغم من استخدام الإنسان الحديث لوسائل نقل وأدوات اتصال، وطرق إليكترونية متطورة لكشف ما وراء مسارح العمليات ولكشف مسارح عمليات الآخر. ومن الخطأ في العمل الجيوستراتجي إدراك المسافات والأبعاد فقط لكونها تعتبر أهم المكونات الجغرافية للمسارح الجيوستراتيجية، وعليه فإن المخطط الجيوستراتجي العامل لأهداف عسكرية أو اقتصادية أو لأهداف إدارية ـ سياسية، أن يعتمد مختلف العناصر الجغرافية في خططه، وهكذا نستطيع دون الدخول في تفاصيل نوعية المخطط الاستراتيجي والأهداف المنوطة بالعمل الجيوستراتجي، القول بضرورة الاعتماد على كافة العوامل الجغرافية التي تتضافر وتتفاعل مع بعضها البعض لتكوين الشخصية الجغرافية لمختلف المسارح الجيوستراتيجية.

   المسافة:
   يتحدد المسرح الاستراتيجي للعمليات مع كبر المسافات المقطوعة، بالرغم من أن التطور التكنولوجي لوسائل النقل أدى إلى إدخال تغيرات هامة في كيفية التعامل مع هذا العامل الجغرافي للحد من تأثيراته، فبينما كانت الحرب العالمية الأولى ذات مسرح عمليات جيوستراتجي ينحصر في قارة أوروبا، صار المسرح العمليات الجيوستراتيجية للحرب العالمية الثانية مسرحا دوليا عالميا. واليوم بعد أن استطاعت التكنولوجيا الحديثة هضم المسافات الأرضية بانتقالها إلى تطويع المجالات الفضائية، لتدخل أبعادا إضافية في الجيوستراتيجيات الحديثة، والمتمثلة في السيطرة على المسارح الجيوستراتيجية للأرض ابتداء من الفضاء، مما أدى الى تطوير تعابير جديدة منها على سبيل المثال لا الحصر " الجيوستراتيجية الفضائية" التي يكمن دورها في تقديم الدعم الفضائي لمسارح العمليات وأصبحت النتائج العملياتية متعلقة بنوعية التوابع المستخدمة مما جعل للجيوستراتيجية مركبة تقنية ـ فضائية هامة جدا.
   الشروط المناخية:
   تأثير المناخ على المسارح الجيوستراتيجية هو من المسلمات التي تمت دراستها عدد كبير في المرات ، ولا شك بأن الشروط المناخية تدخل تغيرات تؤدي إلى تأجيل تنفيذ أو إلغاء العمليات التكتيكية التي تمهد لتطبيق الخطط الجيوستراتيجية على المجال العملياتي إن كان عسكريا أو اقتصاديا أو لأغراض الإدارة المدنية كإدارة الأراضي وغيرها.
   والأمثلة كثيرة في تاريخ الحروب العالمية والإقليمية، فالثلوج تمنع من استخدام جيد ومتناغم لسلاح الطيران، كما أن العواصف الرملية تؤدي إلى تعطيل كامل ومحتم للعمليات التكتيكية، والترب الطينية المتولدة عن ذوبان الجليد تؤثر في حركة الآليات الثقيلة، والحرارة الناتجة عن تشغيل محرك الدبابات الثقيلة وناقلات الجنود الميدانية، تسمح بكشفها في ليالي الباردة، وفي الأراضي ذات المناخات الباردة وشبه القطبيةْ، ناهيكم عن تأثير التجلد أو الجمد على رجال العمليات الميدانية بمختلف أنواعها، وخاصة في الأراضي ذات المناخات الصعبة القريبة في المناطق القاحلة أو القطبية الصرفة، وأراضي الجبال العالية في العروض المعتدلة وغير المعتدلة في كافة فصول السنة.

   الطبوغرافية:
   تحدد الطبوغرافية ممرات واتجاهات العمليات والتنقلات العسكرية والبشرية الهامة للبضائع والسلع والتكنولوجيا، وغالبا ما تشكل الممرات مثل ممر خيبر في أفغانستان المستخدم من قبل الغزاة والفاتحين منذ الاسكندر الكبير، الطريق الوحيدة المفتوحة للحركة، ناهيكم عن الفتحات الجبلية التي لولاها لما استطاعت الحركة البشرية مهما كانت أغراضها أن تتم بسهولة على سطح الأرض كفتحة فولدا في وسط ألمانيا وفتحة كوزيزيا على الحدود الإيطالية، وفتحة حمص في سوريا والممرات الجبلية بين سلاسل الأطلس المتوسط والأطلس الكبير في المغرب العربي التي لولاها لما استطاع الإنسان التحرك بين الواجهتين الأطلسية والقارية للمغرب.
   الجميع يعلم أهمية ودور التلال في تكوين التحصينات العسكرية المتقدمة في الجبهات القتالية الحديثة، وخير مثال على ذلك تمركز الجيش الإسرائيلي بشكل دائم على رؤوس التلال في جبهاته الشمالية مع سورية ولبنان، واستغلاله لأعلى قمة في المنطقة وهي قمة جبل الشيخ لإنشاء أكبر مرصد عسكري إلكتروني حديث في المنطقة، ونجد من ناحية أخرى أهمية الطبوغرافية في العمليات العسكرية في الحرب الدائرة في جبال كشمير بين الهند وباكستان، وكذلك في أفغانستان، حيث تلعب طبوغرافية الجبال دورا هاما في فشل أو نجاح العمليات التكتيكية بين مختلف أطراف النزاع الميداني، ناهيكم عن المناوشات الكردية التركية في شمال العراق التي بدورها تستفيد من الطبوغرافية الجبلية بشكل موسع.
   وفي البحار والمحيطات فإن الممرات والمضائق البحرية تشكل نقاط إستراتيجية هامة، تحاول الدول القوية بحريا في العالم السيطرة عليها، كما أن أشكال السواحل وتعرجاتها تؤدي إلى نشوء حماية طبيعة للدفاع عن الأراضي الساحلية ولحماية السفن والمراكب في أيام الحرب، أما في أيام السلم فهي تشكل موانئ طبيعية تسمح لمختلف أنواع المراكب والبواخر باستخدامها كملاجئ أيام الاضطرابات الجوية الهامة.
   شبكة الطرق والمواصلات:
   جاء التطور التقني الخاص بالمركبات والآليات والسيارات المختلفة بضرورات جديدة خاصة بشبكة الطرق والمواصلات التي يجب أن تكون شبكة من الطرق المعبدة بشكل تسمح بتحقيق سرعات عالية مع تحمل كثافة مرورية عالية، وأن تكون بشكل دائم جيدة الصيانة، لتسهيل الحركة داخل مسارح العمليات إن كانت عسكرية أو مدنية.
   ولا شك بأن تطوير شبكات الطرق يؤدي إلى تسهيل مهمة المحتل في المسارح العسكرية، كما حدث للجيوش الألمانية عند احتلالها للأراضي الفرنسية التي تحمل فوقها شبكة كثيفة من الطرق.
   وكانت الطائرات في الحرب العالمية الثانية قادرة على الهبوط على أية أرض مستوية، أما اليوم فإن الطائرات الحديثة بمختلف أغراضها تتطلب تطوير قواعد جوية تحتوي على مختلف التجهيزات الخاصة بالطيران النفاث وصيانته، وتحولت بدورها القواعد الجوية إلى قواعد عسكرية قتالية من الطراز الأول، وهذا الأمر جعل منها أهداف يجب السيطرة عليها في الجيوستراتيجيات التكتيكية.
   تناسب القوى:
   والمقصود بهذا العامل هو "السكان"، فالكثافات السكانية لمختلف مسارح العمليات، وبقع التنازع السلمي والعسكري وكذلك أقاليم التطوير الإداري ـ السياسي التي تتطلب جيوستراتيجيات سلمية خاصة للتخطيط وإعادة استغلال الأراضي. فالحجوم السكانية تشكل قوى تؤدي إلى تزويد مسارح العمليات بالرجال ـ الأفراد، وكذلك تؤدي إلى تزويد السلطات العليا المسؤولة عن مسارح العمليات بالمفكرين القادرين على إدارة الأزمات إن كانت حربية أو مدنية.
   الإنسان مولد للثروة وللتكنولوجية ومن هنا تأتي الأهمية الإستراتيجية لبعض الدول النامية كالصين والهند واندونيسيا والبرازيل، فالقوة البشرية أدت إلى تغيير النزاع أو تحويله لصالح المحتل أو لإيقاف العمليات العسكرية وتغيير مهمتها، وهذا ما أدى إلى تطور حروب العصابات لدى المجتمعات المتفوقة بأعداد سكانها والضعيفة تكنولوجيا، والأمثلة في هذا المجال لا تعد ولا تحصى في التاريخ القديم والحديث، لعدد من دول العالم شرقه وغربه، فهل تعتبر مهمة الجيوستراتيجية غزو المكان أم أن أهدافها المعلنة تكمن في استخدام خصائص المكان من أجل إعادة تطويعه لأغراض الإنسان النفعية الاقتصادية منها وغير الاقتصادية.
   ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف فإن الجيوستراتيجية الحديثة تبحث عن تطوير الأمن القومي الداخلي كونه الإطار الذي يسمح بتطوير الأمة بمختلف قطاعاتها الاقتصادية، وإتباع الجيوستراتيجية الحديثة لمنهج "سلمي" قائم على تطوير آليات الدفاع عن المسرح العملياتي القومي الوطني الذي يمتد على كامل التراب الوطني للدول، ولا يعني هذا تخلي أصحاب القرار الجيوستراتيجي خاصة في الدول الكبرى عن طموحاتهم في السيطرة على اقتصاديات العالم للمحافظة على مكتسباتهم في خيراته وثرواته، لدرجة جعلت رؤساء بعض من هذه الدول يعلنون صراحة أنه من الخطأ التفكير بأن دولنا هي دول محايدة، ولن تتردد في استخدام الخيارات العسكرية المدعومة بالسلاح الرادع لتحقيق الأهداف الستراتيجية لحماية مصالحها.
   ويلاحظ المهتمون والمتابعون لشؤون السياسة العالمية، بأن تطوير العالم لتكنولجيا المراقبة الفضائية باستخدام توابع ذات مرئيات عالية الوضوح المكاني، كمرئيات التابع الصناعي "إيكونس" والتابع الصناعي "كويك بيرد" جعل للجيوستراتيجية بشقيها العسكري والمدني بعداً فضائياً هاماً، كما يمكن اعتماد التفكير المغاير لذلك، والقول بأن الطموحات التي مازالت كثيرة ومتعددة للدول المتقدمة في العالم في حربها الاقتصادية، ونتيجة لمتطلبات الجيوستراتيجية الحديثة، فقد تم تطوير هذه التوابع الصناعية الماسة للأرض التي تقدم مرئيات في غاية الدقة والتفصيل لمختلف مسارح العمليات.
   ولا شك في هذا المجال بأن الهدف الثاني والأكبر بعد الهدف الرئيسي الأول للجيوستراتيجية الحديثة، يكمن في تحقيق المكاسب وتكوين مناطق التأثير والأنظمة اللاحقة أو التابعة، ذلك أن الجيوستراتيجية التطبيقية تتطلب أن يكون هناك منافع ومكاسب من وراء الأراضي المحتلة ، التابعة أو الحليفة، بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق عبقرية اتخاذ القرار الصادر عن الاستراتيجي المسيطر أو الأقوى الذي يتخذ عادة "القرارات التكتيكية الهجومية" التي لها بالضرورة علاقات مكانية، وإلا فإنها لن تكون جيوستراتيجية ولن يتمكن الاستراتيجي من تطويع "مكان الآخر" لصالحه، وذلك باعتماد واقع المكان والعلاقات السياسية ـ الاقتصادية المهيمنة أو السائدة والأهداف الإستراتيجية المطلوب الوصول إليها.
   وتحتاج الجيوستراتيجية اذن إلى المعلومة المكانية ـ الزمنية، وهذه المعلومة يجب أن تكون موثقة وصحيحة لكي تتمكن القرارات التكتيكية الصادرة حسب الخطة الجيوستراتيجة من أن تكون صحيحة وقيمة وبالتالي ذات فاعلية، والحصول على المعلومات المكانية بأن عن طريقين فقط هما: العمل الميدان، وآليات استشعار عن بعد بواسطة المرئيات الفضائية عالية الدقة، كما أن الحصول على المعلومات المكانية المرئية والبيانات الخاصة بمختلف الخصائص الجغرافية لأي مسرح عمليات تسمح بعزل وحصار هذا المسرح إعلامياً وقطعه عن العالم مما يؤدي إلى شلل كبير في مختلف مرافق هذا المسرح وسرعة وقوعه كقيمة نافعة إن كان ذلك بالمعنى الفكري أو المدني للجيوستراتيجية المستخدمة.
   وهكذا نجد بأن الجيوستراتيجية هي ليست نوعاً من أنواع الإستراتيجية لأن المسئول الجيوستراتجي يهدف إلى السيطرة المتكاملة على المجال ـ الزمن من أجل أن يتمكن الإستراتيجي من اتخاذ قراره الصحيح والأمثل، ونظرياً نعتقد بأن الجيوستراتيجية لا تستخدم لأغراض "محو الآخر" أي لأغراض عسكرية بل هي تقوم على دراسة الطرق الأمثل لتنظيم المجال لزمن محدد لتحقيق أهداف عسكرية ومدنية ولخدمة الاستراتيجية السياسية ـ الاقتصادية، فهي إذن من هذا المنطلق أداة تقنية لاتخاذ القرار وهي تكتسب كل أهميتها من هذا المنطلق.


    اقتباس :
    الجغرافيا العسكرية والحروب


    تمثل القوى المسلحة السند الحقيقي للسياسة، وتساند السياسة بالمثل القدرة العسكرية وتخفف الأعباء عن القوات المسلحة، أي أنه من الصعب الفصل بين النواحي السياسية والعسكرية، كذلك يصعب الفصل بين الجغرافيا السياسية والجغرافيا العسكرية لصعوبة التمييز بينهما.

    وتمثل الجغرافيا عمقاً أساسياً لكل التحركات العسكرية وسير العمليات الحربية، إذ أنه من المستحيل فصل العمليات العسكرية عن ظروف البيئة الجغرافية حيث تمثل الأرض بواقعها الطبيعي والبشري مسرحاً للعمليات العسكرية. لذا تهتم الجغرافيا العسكرية بدراسة العلاقة بين البيئة الجغرافية من جهة وبين الأنشطة العسكرية من جهة أخرى.

    وهناك ارتباط وثيق بين الجغرافيا العسكرية والإستراتيجية الوطنية . إذ تبحث الأولى عن الخطوط العريضة، التي تحدد اتجاه القوى، والأهداف، والمصالح القومية، وتحديد أماكن النزاع الفعلي أو المحتملة، والتنبؤ بوقت ومكان الأحداث، وتهتم الثانية بإعداد، واستخدام القوة السياسية والاقتصادية للدولة، إلى جانب قوتها المسلحة في السلم والحرب لتامين الأهداف الوطنية. لذا يصعب الفصل بينهما فكل واحدة منهما تعتمد على الأخرى، تتأثر بها وتؤثر عليها، كذلك يصعب فصل الإستراتيجية العسكرية عن الشؤون السياسية، والمدنية، والاقتصادية، وذلك لأن الحرب لا تقتصر على معارك الجيوش في الميدان، بل تشمل جميع مظاهر الحياة كذلك.

    ومن البديهيات أن العلاقة وثيقة بين الجغرافيا العسكرية والحرب، فعندما تتوتر العلاقات بين الدول وتصل إلى درجة الحرب، تقوم الجغرافيا العسكرية برسم المسارات الجغرافية البرية والبحرية، التي سوف تنتهجها القوات المحاربة في سبيل الوصول للهدف، فضلاً عن أنها تحدد مواقع الأهداف الرئيسية الحيوية، التي يكون في تدميرها أثر على إعاقة تقدم الجيش المعادي، مثل الطرق والكباري والمناطق الصناعية، وتعد الأخيرة من الأهداف الإستراتيجية المهمة في الحرب، لأنها تزود الجيش المحارب بالضرورات اللازمة، وتدميرها يثير القلق داخل صفوف الجيش المعادي. أي أن للجغرافيا العسكرية دوراً فعالاً في كل أنواع الحروب البرية، والبحرية، والجوية، توضحها الدراسة التالية.
    1. الجغرافيا العسكرية والحرب البرية


    غالباً ما يكون الهدف من الحرب البرية الضغط المباشر على أفراد الشعب المعادي، بتدمير وسائل المقاومة لديه، والسيطرة على مراكز القوى التي يعتمد عليها. بمعنى أن الهدف الرئيسي من الحرب البرية تحطيم جيش العدو عن طريق تدمير مراكز الصناعات الحربية، والمدنية، والمراكز التجارية، باعتبار أنها تحد من قدرة العدو على القتال وإشعاره بأنه غير قادر على إحراز أي نصر عسكري وكشفه أمام شعبه بأنه غير قادر على الحفاظ على أراضيه مما يؤدي إلى انهيار الروح المعنوية لدى الشعب واستسلامه أمام عدوه.
    وتحدد الجغرافيا العسكرية المحاور الرئيسية على الجبهة، التي تتوزع عليها القوات، بشن هجوم مباشر على القوات المعادية بعد تحديد مناطق الضعف فيه، حتى تتمكن من الدخول إلى أراضيه، أو التسلل من حوله للوصول خلف صفوفه لقطع طرق النقل والمواصلات، وبالتالي شل حركات الإمداد والتموين إليه، وتراعي الجغرافيا العسكرية في ذلك العوائق الطبيعية مثل التضاريس والمناخ، وتشترك مع الأفرع العسكرية في تجهيز الإمكانيات اللازمة للتغلب عليها. فمثلاً في حرب أكتوبر 1973، استطاعت القوات المسلحة المصرية أن تعبر العائق المائي المتمثل في قناة السويس من ضفتها الغربية إلى الضفة الشرقية بالقوارب المطاطية، لمفاجأة العدو، واستغلال مراكز الضعف في جبهته، ثم مُدَّت بالآليات والمركبات بعد بناء كوبري سابق التجهيز. أي أنه مجرد أن توضع الخطط الإستراتيجية، ويُحدد الهدف، تنطلق القوات نحو الهدف بعد دراسة وسائل الحركة والطرق، التي تتبعها الجيوش مع وضع جدول زمني للتقدم، ومراعاة العوائق التي قد تحد من كفاءة الحركة.

    2. الجغرافيا العسكرية والحرب الجوية


    تطورت أهداف الجغرافيا الإستراتيجية للحرب الجوية تطوراً كبيراً وسريعاً مع تطور التكنولوجيا الحديثة، فلم تعد وظيفة السلاح الجوي قاصرة على نقل الجنود، والسلاح، والذخيرة، والمؤن، لتعزيز الهجوم العسكري، بل تطور دورها، وأصبحت تسهم بدور فعال وبخاصة خلف خطوط العدو وفي أعماق أراضيه، وذلك بتحطيم وتدمير كل ما يمكن أن يقلل من عزيمة الجيش المعادي وإرباك خطوطه، وهذا ما حدث في حرب أكتوبر 1973، حيث بدأتها مصر بالسلاح الجوي، ونجحت في تحطيم معنويات الجيش الإسرائيلي وحدت من قدرته وعزيمته على القتال.
    كما تهدف الجغرافيا العسكرية إلى التحكم في الفراغ الجوي وتدمير الطائرات المعادية وحرمانها من استخدامه، وبالتالي يتمكن السلاح الجوي من السيطرة على قوات العدو البرية والبحرية، ويقوم بضربها وتحطيم الصواريخ المضادة، وبذلك يقضي على المقاومة الأرضية ضد الطائرات، وعليه يقوم بحماية، ومساعدة قواته البرية المتقدمة، وإرشادها إلى مناطق الضعف في صفوف العدو للتركيز عليها.
    تهتم الجغرافيا العسكرية بدراسة الظروف المناخية لطبقات الجو، ومنها اتضح وجود تيارات هوائية شديدة السرعة، ويُطلق عليها التيارات النفاثة Jet Streams. وأول من أكد على وجود هذه التيارات رجال السلاح الجوي الأمريكي خلال الحرب العالمية الثانية أثناء عمليات هجومهم الجوي فوق الجزر اليابانية على ارتفاعات 30 ألف قدم، وقُدرت سرعة هذه التيارات حينئذ بين 200 إلى 300 ميل/ ساعة. وأصبح لهذه التيارات أهمية كبيرة في الطيران خاصة بعد استخدام الطائرات النفاثة التي تُحلق على ارتفاعات شاهقة. إذ يمكن أن تستفيد منها إذا كانت تسير في نفس اتجاها. أو تتجنبها إذ كانت تسير في اتجاه مضاد لها. كما لا يستغني السلاح الجوي والملاحة الجوية عن بيانات الطقس، وذلك تأميناً لسلامة الطلعات الجوية وحركات الطيران. ولا يتوقف دور الجغرافيا العسكرية على دراسة ظروف الطقس فحسب، بل تتعداه إلى اختيار مواقع المطارات بالأماكن، التي تقع في سهول فسيحة حتى لا تُشكل عقبة أمام الطيران من جهة، والتي يقل تعرضها لحدوث الضباب بكثرة ولا تتأثر بالزوابع والأعاصير من جهة أخرى.

    3. الجغرافيا العسكرية والحرب البحرية


    تقوم الجغرافيا العسكرية للحرب البحرية بتحديد المسارات البحرية والاستفادة من التيارات البحرية إذا كان الإبحار في اتجاها، أو تجنبها إذا كان خط السير في اتجاه مضاد لها، كما تهتم بدراسة العوائق، التي تؤثر على المناورات البحرية وبخاصة ما يتعلق بالظروف المناخية مثل الأعاصير ـ وما يتبعها من ارتفاع الأمواج أو ما يعرف بهياج البحر ـ والضباب وأثره في حجب الرؤية، كما تهتم بتحديد أماكن الشعاب المرجانية وجبال الجليد حتى تتجنبها السفن أثناء الملاحة البحرية، إضافة إلى أنها تُحدد أعماق البحار والمحيطات على خرائط تُعرف بالخرائط البحرية Marine Maps، كما أنها تدرس المد والجزر وحركات الأمواج واتجاهاتها.
    وتهدف الجغرافيا العسكرية للحرب البحرية إلى مهاجمة السواحل وإنزال القوات عليها لتقوم بدورها في تدمير مراكز العدو الإستراتيجية والحيوية، أو في الاستيلاء على مصادر الثروة الموجودة مثل ما كان يحدث في الحروب الاستعمارية، كما تهدف إلى حماية سواحل الوطن من الهجوم، كما هو الحال بالنسبة للبحرية الأمريكية التي تعمل على درء الخطر عن القارة الأمريكية بعيداً عن سواحلها، بحيث يكون الدمار على أرضٍ غير أراضيها. فوزعت الأساطيل الحربية على المحيط الأطلسي، والهادي، والهندي، والبحر المتوسط، والبحر الكاريبي.
    وتهتم الجغرافيا الطبيعية بدراسة الأغلفة الأربعة للكرة الأرضية، (الغلاف الجوي، والغلاف المائي، والغلاف الصخري، والغلاف الحيوي). أمّا الجغرافيا البشرية فتتناول دراسة الظاهرات البشرية على سطح الأرض ومدى التأثير المتبادل بينهما وبين بيئاتها الطبيعية والصور الاجتماعية الناجمة عن تفاعل الإنسان مع بيئته المحلية مثل توزيع السكان وأنماط العمران، كما تشمل دراسة النشاط البشري ومؤثراته وتوزيعاته، وكذلك التركيب السياسي للدولة بوصفه ظاهرة جغرافية، وتعرف كل الأفرع سابقة الذكر بالجغرافيا الموضوعية Topical Geography، أو الجغرافيا الأصولية Systematic Geography، وتركز على الموضوعات أكثر من تركيزها على الأماكن، أو على الظاهرات الجغرافية أكثر من المساحة. وإضافة إلى ما سبق، هناك فروع جغرافية تهدف إلى الربط بين الظاهرات الجغرافية المختلفة لإبراز العلاقة التبادلية بين الإنسان والبيئة، مثل الجغرافيا الإقليمية، والجغرافيا الطبية، وجغرافيا المياه.
    [*:b1b6]

    الجغرافيا العسكرية

    اقتباس :

    أهمية الجغرافيا العسكرية كخلفية علمية للجيوستراتيجية

    أ.د. جهاد محمد قربة
    جامعة أم القرى، قسم الجغرافيا


    مقدمة:
    يتمتع الجغرافي في أوروبا بمكانة هامة في مجتمعه، ليس لأن كلمة "جغرافي" توقع نوع من الرهبة في عقول السكان بل لأن الثقافة العامة لهؤلاء السكان ساعدتهم على إدراك دور هذا الجغرافي في صياغة المكان وبالتالي في نشؤ وتطور عظمة الأمة، وكذلك لإدراكهم في نفس الوقت، بأن الجغرافي كان له الدور الأكبر في توثيق مواقع وحركات جيوشهم الاستعمارية وتوثيقها خرائطياً بدقة عالية، متتالية مع الزمن. أي أنهم يستشعرون من وراء الجغرافي تلك المهنة التي هيكلت ماضيهم البعيد والقريب، وساهمت في غناء أوروبا الاستعمارية وأدت إلى تكوين عظمتها العسكرية والاقتصادية حتى منتصف القرن العشرين.
    والجغرافي الأوروبي بعد انقضاء الفترات الاستعمارية، شكل أصول الحضارة التي يحمل سطح الأرض أشكال بصماتها وتعكس باع الجغرافي الذي مهد هذا السطح، كونه مهندسا للمجال، لتحضير القاعدة التي سمحت لتلك المجتمعات بتطوير مرافق اقتصادهم الزراعي والصناعي والخدمي.
    فالجغرافيا ليست هدفاً بحد ذاتها، بل هي وسيلة أداة، وهي تحتوي على الكل، والكل المرئي والملموس والمحسوس من سطح الأرض الذي يعيش عليه الإنسان ويحيا، يشكل الجغرافيا. ومع بداية عصر النهضة دعيت الجغرافيا بعلم "الجغرافيا الأم" لأنها أم العلوم السائدة التي اهتم بها الإنسان حيث كانت جميع الدراسات والأبحاث المتعلقة بالأرض هي "جغرافيا" وذلك حتى أواسط القرن التاسع عشر، الذي عرف البدايات الحقيقية لتخصص العلوم وتميزها وتفردها عن بعضها البعض بالتسمية، وبحقل الدراسة، وبالمنهجية، والأهداف.
    فإذا كان حقل الدراسة الجغرافية هو "المكانSPACE"، فإن الجغرافيا إذن هي القاعدة الأرضية لكل أعمال البشر منذ بداية الحضارات القديمة، وسطح الأرض يحمل آثار عمل البشر التي تعكس مقدار تطورهم في مختلف العلوم وبراعتهم الحربية والبنائية.
    فالجغرافيا كانت منذ أن بدأت الحضارات الأولية ولازالت هي البوتقة الأساسية للإستراتيجية العسكرية للإنسان في صياغة خططه الهجومية أو خططه التكنيكية. لقد استعرض أحد الضباط الجغرافيين الفرنسيين وهو (جوستاف ليون ينوكس ـ1890 - 1921 GUSTAVE-LEON NIOX,) في كتابه عن الجغرافيا الحربية بإسهاب دور الجغرافيا في الحروب، وهو الذي أرسى مفاهيم وأسس ومبادئ الجغرافيا الحربية، وبدأت هذه المبادئ بالتطور مع نهاية الحروب العسكرية في الفترة النابليونية، وبدأت باقي الدول الأوروبية كإيطاليا، والنمسا، والبرت
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ndwa
وسام التميز
وسام التميز



الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 212
نقاط : 498
تاريخ التسجيل : 15/04/2013

الجغرافيا العسكرية والجيوستراتجية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الجغرافيا العسكرية والجيوستراتجية   الجغرافيا العسكرية والجيوستراتجية Emptyالأحد أكتوبر 27, 2013 11:44 pm

Military Geography​


الجغرافيا العسكرية:


تهتم الجغرافيا العسكرية بدراسة الأرض التي تجري عليها العمليات العسكرية، ومنذ فجر التاريخ الإنساني تشكّل المعلومات الجغرافية عنصراً مهماً من عناصر النزاع العسكري، وتتخذ العمليات العسكرية طابعاً جغرافياً لأنها تجري على موقع ما، ولذلك الموقع بيئته الطبيعية المتميزة، ومناخه، ونظامه الثقافي. والعمليات العسكرية منظومة معقدة ثلاثية الأبعاد تتألف من الفعل وردود الأفعال، وتمتد من جبهة القتال حتى منشأ الإمداد والتموين عبر الأجواء والمحيطات، وتتألف أساساً من منظور جغرافي من الوقت والمسافة، وطبيعة الأوضاع السائدة ضمن إطار ذلك الوقت وتلك المسافة.

ورغم أن الأسلحة والقيادة والتدريب وتخطيط المعركة، تؤثر إلى حدٍ كبير على الحملات، فإن الجغرافيا لها تأثير حاسم على النتيجة النهائية التي تسفر عنها الحرب أو المعركة، لذا ينبغي أن يضع المخططون العسكريون هذه العلاقة الجوهرية نصب أعينهم عند التخطيط للعمليات العسكرية، لاسيما عمليات عسكرية بحجم ونطاق العملية التي تجري أحداثها في أفغانستان. ومن هذا المنطلق ينبغي على القادة العسكريين على كافة المستويات دراسة الأوضاع الطبيعية والثقافية التي حددت نتائج المعارك عبر التاريخ، فجميع العمليات بغض النظر عن حجمها ونطاقها تتحكم فيها بيئة العمليات التي تشمل: الطقس، والمناخ، والأرض، والأوضاع الثقافية، إذ يتحتم على المخطط العسكري الناجح دراستها، وتقدير تأثيراتها، واختيار طرق العمل الملائمة، وتعديل خططه وفقاً للتحليلات الدقيقة للعوامل الجغرافية التي يتميز بها موقع معين.

الجغرافيا العسكرية والجيوستراتجية Mil_Former_Yugo_98


وتتفاوت تعريفات الجغرافيا العسكرية من باحث إلى آخر، فيعرّفها أحدهم تعريفاً واسعاً بأنها: "تطبيق المبادئ الجغرافية على الشؤون أو الأوضاع العسكرية"، (Coniglio 1991). ومن التعريفات الشائعة للجغرافيا العسكرية: "أنها دراسة العلاقة بين الناس والأوضاع الطبيعية والثقافية ذات العلاقة باستخدام القوة العسكرية"، (Jackman 1971). وهناك تعريف حديث يصلح للمتطلبات العسكرية الراهنة، وهو أن الجغرافيا العسكرية "هي استخدام المعلومات والأدوات والتقنيات الجغرافية لحل المشاكل العسكرية"، (Palka and Galgano 2001). وعند دراسة البيئة العسكرية لأفغانستان من المفيد أن نركّز في هذا التقويم المختصر على أوضاعها الطبيعية، وموقعها، ووصف أرضها ومناخها وطقسها، وغيرها من العوامل الطبيعية التي تؤثر على العمليات العسكرية في المنطقة.


الموقع:


يكتسب موقع أفغانستان أهمية بالغة في المعلومات اللازمة لفهم تعقيد البيئة العسكرية الأفغانية ودورها في الأحداث الراهنة، حيث يشكل موقع أفغانستان عاملاً محورياً لوصف بيئتها الطبيعية والثقافية، وتقع أفغانستان بين خط عرض 33ْ شمالاً و 65ْ شرقاً (انظر الخريطة رقم 1). وبذلك تقع أفغانستان ضمن حزام الأراضي الجافة وشبه الجافة في العالم، ومعنى ذلك أن أرض أفغانستان تتأثر بالعمليات الجيومورفية (شكل الأرض وسمات سطحها) التي تجعل منها أكبر منطقة جبلية في العالم، حيث بها جبال الهملايا وسلسلة الجبال المرتبطة بها مثل سلسلة جبال هندوكوش، علاوة على ذلك فإن موقع أفغانستان يدل على أنها تتأثر بالرياح الموسمية الآسيوية، وما يصبحها من أحوال جوية سيئة. وأخيراً فإن موقع أفغانستان يجعلها ملتقى طرق حضارات وتتنوع فيها الجماعات الإثنية، ولكن يمثل المسلمون الغالبية العظمى من سكان أفغانستان، فماذا يعني موقع أفغانستان لمجمل المجهود الحربي حالياً؟
إن أفغانستان ليس لها منفذ مائي، وهي بعيدة عن البحار والمحيطات، ويتحتم على الوحدات العسكرية المنتشرة من الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية أن تقطع حوالي 594،11 كلم جواً حتى تصل إلى مناطق العمليات، وقد تستغرق تلك الرحلة الجوية حوالي 13 ساعة دون توقف بوسائط النقل العسكري، أما القوات المنتشرة دون توقف من الساحل الغربي للولايات المتحدة الأمريكية فتقطع حوالي 10858 كلم في حوالي 5،12 ساعة طيران. أما المسافة من المناطق الأمامية في الولايات المتحدة الأمريكية قد تكون أفضل حالاً. ويتطلب الانتشار من وسط أوروبا قطع مسافة 4900 كلم و 2400 كلم و 4500 من دول الخليج العربي وجزيرة ديجو غارسيا على التوالي. ويعلم كل من سافر في رحلات جوية طويلة مدى تأثير الوقت والمسافة على جسم الإنسان. أما قطع تلك المسافات بالبحر فأكثر مشقة، حيث يلزم الوحدات البحرية المنتشرة من الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية قطع مسافة 15200 كلم عبر قناة السويس و 21920 كلم عن طريق رأس الرجاء الصالح خلال 14 23 يوماً من الإبحار، أما مسافة الإبحار من الساحل الغربي للولايات المتحدة الأمريكية فتصل إلى حوالي 000،20 كلم، وبناء على ذلك يتطلب الأمر أن يزامن المخططون العسكريون حركة القوات بدقة عبر نصف العالم تقريباً لضمان حشد القوات في الوقت والمكان الحاسمين.
وهناك طريقة أخرى في الجغرافيا العسكرية لوصف موقع الدولة يطلق عليها اسم الموقع النسبي، لوصف موقع الدولة مقارناً بمواقع وثقافات مجاورة. ويتأثر ذلك بالمسافة وإمكانية الوصول إلى موارد أخرى وأناس أخرين ومؤثرات أخرى في المنطقة نفسها، وبناء على ذلك يمكن القول إن موقع أفغانستان النسبي يُعدّ عنصراً أساسياً في تحليلات المهتمين بالجغرافيا العسكرية لتاريخها وثقافتها وأوضاعها السياسية والاقتصادية التاريخ والجغرافيا وأخيراً العمليات العسكرية.
وأفغانستان دولة ليس لها منفذ مائي كما سبقت الإشارة وتحدّها من الشمال تركمنستان وأوزبكستان، وتاجكستان، ومن الشرق الصين، ومن الشرق والجنوب باكستان، ومن الغرب إيران (انظر الخريطة رقم 1)، ومساحة أفغانستان أصغر بقليل من مساحة ولاية تكساس الأمريكية، ولكنها تعتبر ملتقى طرق لدول غرب آسيا، وقد ساهم الغرب في إقامة دولة أفغانستان، فقد أقيمت هذه الدولة كدولة حاجزة بين الامبراطوريتين الروسية والبريطانية سابقاً، ورغم أن دولة أفغانستان قد نالت استقلالها منذ عام 1909م، إلاّ أن قربها من هاتين الامبراطوريتين السابقتين قد ترك بصماته على أوضاعها وسكانها، فتضافرت الجغرافيا والتاريخ على تمزيق أفغانستان؛ فقد وطئتها أقدام الجيوش الغازية منذ عام 2000 ق.م، ثم تلتها موجات متعاقبة من سكان آسيا الوسطى أو أحكمت قبضتها على المنطقة منذ غزو الإسكندر الأكبر عام 330 ق.م؛ علاوة على ذلك فإن هذه الدولة بما فيها من جبال عالية ووعرة في الشرق وسهول مقفرة في الشمال والجنوب الغربي قد لعبت دور الدولة الدينية العازلة، حيث اجتمع فيها المذهبان الإسلاميان: الشيعي والسنّي، كما انتشرت فيها الديانات السيخية والهندوسية والبوذية على مرّ الحقب التاريخية المتعاقبة.
وهكذا انتقل إليها خليط لا يُحصى من البشر واستقر فيها، مثل الإغريق والأتراك والعرب والأوزبك والفرس وهلم جرا؛ فلم تكن هناك أغلبية عرقية واضحة من بين هذه الأجناس المتنوعة التي يبلغ تعدادها حسب الإحصاءات الحديثة حوالي 26 مليون نسمة (من بينهم 4 ملايين لاجئ). وبالأحرى فهي دولة أقليات (انظر الخريطة رقم 2)، يغلب عليها البشتون في الشرق إذ يمثلون حوالي 40% من السكان (De Blij and Muller, 2000)، وتنتسب معظم حركة طالبان الحاكمة إلى البشتون، ويتألف تحالف الشمال في معظمه من الطاجيك والأوزبك، ولذلك كانت الانقسامات العرقية هي السمة البارزة في أفغانستان، واتسم تاريخها بسلسلة من النزاعات الداخلية (Margolis 2000). ورغم هذا التنوع العرقي يظل الإسلام هو العامل الأهم في الدولة، إذ يمثّل المسلمون نسبة 90% من الأفغان، من بينهم 85% من السنّة. ورغم ذلك ساهمت هذه الانقسامات المذهبية في تمزيق أفغانستان خلال تاريخها الحديث. وتتمسك حركة طالبان الحاكمة بتفسيرات متشددة للإسلام والقرآن، بينما ترفض جماعات عرقية أخرى هذه التفسيرات الأصولية المتشددة؛ ولاشك أن هذه الاختلافات المذهبية في تمزيق أفغانستان.


الأرض:


أفغانستان أرض جبلية وعرة، بها بعض التضاريس الرأسية المتعرّجة التي تغطي ثلثي مساحة القطر (انظر خريطة رقم 1)، ومتوسط ارتفاعها حوالي 2200 متر، وتبلغ أقصى ارتفاعاتها حوالي 800 متر في مرتفعات باميير في الجزء الشمالي الشرقي، ولذلك تلعب الممرات الجبلية دوراً بارزاً في العمليات العسكرية لكونها أرض حيوية للعمليات، وتمثّل جبال هندكوش حاجزاً بين الولايات الشمالية وبقية أجزاء القطر. وتقسم سلسلة جبال هندكوش أفغانستان إلى ثلاثة أقاليم بارزة: المرتفعات الوسطى، والسهول الشمالية، والسهول المنبسطة في الجنوب الغربي .(De Blij and Muller, 2000)
وتشكل المرتفعات الوسطى حوالي 70% من أرض أفغانستان، ويتكون هذا الإقليم بصفة أساسية من جبال هندكوش التي تحتل الجزء الأوسط من القطر (انظر الخريطة رقم 1)، وهي مرتفعات وعرة تكثر عليها الثلوج ويصعب اختراقها. وتمتد سلسلة جبال هندكوش لمسافة 1000 كلم في اتجاه الجنوب الغربي من ممر بوخان الضيق بالقرب من الحدود الإيرانية في الغرب. وبالإضافة إلى سلسلة جبال هندكوش تنتشر سلاسل جبال أخرى في جميع الاتجاهات، مثل سلسلة جبال بامير شمال شرقي ممر بوخان، وسلسلة جبال بادقشان شمال شرق أفغانستان، وسلسلة جبال بارو بامسيوس، في الشمال، وسلسلة جبال سفيد كوه التي تشكل جزءاً من الحدود الأفغانية الباكستانية.
وتتكون السهول الأفغانية الجنوبية من سهول مرتفعة وصحارى رملية، وهي الأراضي المنخفضة في أفغانستان، وتشمل: سهول تركستان وأراضي حيرات في الشمال الغربي، وحوض نهري سيستان وهيلماند في الجنوب الغربي، وصحراء ريفستان في الجنوب (انظر الخريطة). وتتصف التربة في هذه المناطق بالخصوبة الشديدة باستثناء الأراضي الواقعة على ضفاف الأنهار في الشمال الغربي. ويبلغ متوسط الارتفاع في هذه المنطقة حوالي 900 متر فوق مستوى سطح البحر. وتسهل حركة القطعات العسكرية في معظم هذه المناطق، إلاّ أن عدد السكان بها قليل، ولا توجد بها بنية تحتية تستفيد منها القوات العسكرية، علاوة على ذلك تكثر العواصف الرملية في الصحارى والسهول الجدباء، مما يعرقل العمليات الجوية (CIA, 2001).
والسهول الشمالية هي أكثر أراضي أفغانستان خصوبة، وهي تمثل حوالي 15% من مساحة القطر. وتتكون من سفوح الجبال والسهول التي يخترقها نهر أموداريا (انظر الخريطة رقم 1)، ويبلغ متوسط ارتفاعها حوالي 600 متر فوق مستوى سطح البحر. وفي ظل هذا الموقع الجغرافي الصعب لنا أن نتساءل: ما هي النتائج المترتبة على العمليات العسكرية من جراء أرض أفغانستان الجبلية التي تتألف ثلثي مساحتها من جبال شديدة الانحدار، ووعرة، وصعبة الاختراق؟ لاشك أن الأرض الجبلية مثل تلك الموجودة في أفغانستان تعيق الحركة وتحدّ من سرعة حشد القوات التي تقاتل في مثل هذه البيئة. ويحفل تاريخ أفغانستان بالمواجهات ضد الجيوش الغازية كالجيوش الروسية، ومن قبلها البريطانية، التي مُنيت بالإخفاق في هذه المنطقة.
فهناك ثلاثة اعتبارات عسكرية ترتبط بأراضي أفغانستان الوعرة هي: النقل والارتفاع والأرض. أما فيما يتعلق بالنقل، فنجد أن الأودية الجبلية المنحدرة هي السبيل الوحيد للحركة حيث تكون الطرق ضيقة، وهي في حالة أفغانستان طرق غير معبدة جيداً ولا تتوفر لها الصيانة الملائمة (CIA, 2001). ويشكّل ذلك عائقاً للحركة الأرضية، وتقل إمدادات القوات، والتي تستخدم فيها أحياناً قوافل الحيوانات. والحركة على الطرق محفوفة بالمخاطر ومعرضّة للهجوم أو سد الطرق أمامها، وبخاصة في فصل الشتاء، كما تضعف المنحدرات من مجهودات النقل حيث تجعل تلك المنحدرات السيارات والحيوانات تنوء بأحمالها، ويتعذر النقل على الطرق التي تخترق المناطق شديدة الارتفاع لأن المحركات التي تعمل بالاحتراق الداخلي لا تتمكن من العمل لنقص الأوكسجين في المناطق المرتفعة، وأخيراً فإن النقل في هذه المناطق يشكل خطورة بالغة لأن الممرات الجبلية تلعب دوراً حاسماً في النقل والحرب. ونظراً لكثرة الجبال الشاهقة في أفغانستان، فإنها تعتبر بمثابة أرض حيوية ونقاط عسكرية خانقة تستخدمها مجموعات صغيرة من المقاتلين الأشداء، وقد استفاد الروس أيّما استفادة من هذا الدرس بعد أن ألحق المجاهدون خسائر جسيمة بصفوفهم، ودأبوا على تشتيت عملياتهم بالتشبث بالممرات الحيوية.
ويكتسب الارتفاع أيضاً أهمية كبيرة عند تخطيط العمليات، فعلى سبيل المثال تفرض تعليمات الطيران أن يضع طاقم الطائرة وركابها أقنعة الأوكسجين على أفواههم عند التحليق على ارتفاعات تزيد على 4000 متر، وفي أراضي أفغانستان الجبلية قد يُطلب من الجنود القتال على ارتفاعات تزيد عن تلك الارتفاعات المشار إليها في تعليمات الطيران، لذلك تنتشر أمراض الارتفاعات العالية، ونقص الأوكسجين، والإجهاد البدني في هذه الارتفاعات الشاهقة، حتى بين الجنود المدربين جيداً والمزودين بالمعدات اللازمة. كما أن المناطق الجبلية المرتفعة تتصف بالبرودة الشديدة والتغيّر السريع في درجات الحرارة، والرياح الشديدة، فتتضافر كل هذه العوامل على تقليل فعالية القتال وإجهاد الجنود. وأخيراً، فإن الجبال العالية تكثر فيها العواصف العاتية التي تهب فجأة وبخاصة في فصل الشتاء وتشكل كل هذه العوامل خطورة على العمليات العسكرية والجنود وتقف حجر عثرة في طريق الإسناد الجوي وعمليات الإمداد والتموين، وتعيق الأراضي الجبلية حركة القوات وحشدها، كما تحدّ الممرات الضيقة والتلال الجبلية من الرماية المباشرة وغير المباشرة لمدى طويل.
وتنتشر الكهوف في أودية الجبال كما هو الحال في أفغانستان لتختفي فيها القوات، وتوفر الأرض الوعرة مزايا للمدافعين الأمر الذي يحدّ من إمكانية إجراء مناورات كبيرة ومنسقة بقوات تقليدية. لذلك تكتسب عمليات الوحدات الصغيرة أهمية كبيرة ويصبح نصب الكمائن وتكتيكات الكر والفر هي النوع الرئيسي للعمليات العسكرية في هذه المناطق، وتتطلب هذه العمليات قوات محلية خفيفة وسريعة الحركة ولديها معرفة تامة بطبيعة الأرض. ونكرر القول إن الحرب الروسية الأفغانية في ثمانينيات القرن الماضي قد عززت استخدام هذا النموذج.


المناخ:


لا يقل مناخ أفغانستان سوءاً من وعورة أرضها، وكلاهمايجعل من أفغانستان أسوأ منطقة في العالم يمكن القيام فيها بعمليات عسكرية، والمناخ هو درجات الحرارة والأمطار التي تسود المنطقة على مدار العام، ويؤثر المناخ بشكل مباشر وغير مباشر على أنشطة السكان في العديد من المجالات التي تتراوح بين الزي القومي والتنمية الزراعية. ولاشك أن المناخ يؤثر تأثيراً بالغاً على العمليات العسكرية، ولعل أوضح مثال على تأثير المناخ على الحملات العسكرية هو مساهمة شتاء روسيا القارس في إحباط الهجوم الألماني على موسكو عام 1941م (Winters, 1998).
ويبحث علم المناخ في الظواهر المناخية وتوزيعها وتصنيفها، وقد لعبت المعلومات المناخية على مر العصور دوراً بارزاً في التخطيط العسكري، حيث إن معظم مناطق العالم تسودها مواسم مواتية للعمليات العسكرية وأخرى غير مواتية لها، وتتطرق تحليلات المنطقة للعديد من المظاهر المتنوعة وفقاً للإطارين المكاني والزماني موضوع البحث، وتلعب عوامل معينة مثل: طبوغرافية الأرض ونباتاتها، وتنوّع الضغط الجوي فيها، ومظاهر التقلبات الجوية، دوراً مهماً في تحديد مناخ منطقة معينة؛ ويكتسب هذا الأمر أهمية خاصة في تحليل مناخ أفغانستان.
ولعل نظرة خاطفة للأحوال في أفغانستان تظهر أن هذه الدولة يسودها المناخ الصحراوي الجاف أو شبه الجاف، ولكن الواقع يختلف كثيراً بسبب تقلبات الضغط الجوي الكبيرة المرتبطة بالرياح الموسمية الآسيوية، وسلسلة جبال هندكوش التي تشطر القطر إلى قسمين، والجفاف المتواصل الذي عصف بهذه البلاد على مدار الثلاث سنوات الماضية (Barry and Charley, 1998).
وتقع أفغانستان بالقرب من خط الطول 35، مما يجعل ارتفاعها مشابهاً لمناطق أخرى من العالم يسودها المناخ شبه الاستوائي ومناخ المناطق متوسطة الارتفاع والصحارى شبه الاستوائية الجافة (Espenschads 2000). ومناخ أفغانستان حار صيفاً وبارد شتاءً، وتزداد البرودة في المناطق المرتفعة. وتتجاوز درجات الحرارة في الصيف 40ْ مئوية، خصوصاً في المناطق الجنوبية الغربية، وتتدنى درجات الحرارة في الشتاء إلى 25ْ تحت الصفر (AFCC 1995). وتوثر الجبال المرتفعة على مناخ المناطق المحيطة بها، حيث تنخفض درجات الحرارة في المناطق المرتفعة، ويؤثر ذلك على تساقط الأمطار، وبذلك يكون المناخ في هذه المناطق مختلفاً كثيراً عن مناخ المناطق الجافة الأخرى. فعلى عكس الأحوال في المناطق الجنوبية الغربية من الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً، فإن معظم الأمطار تتساقط في أفغانستان خلال موسم الشتاء وبواكير الربيع، بينما تكون الأحوال الجوية في العديد من المناطق الأخرى مثل كابل وغيرها ملبدة بالسحب والغيوم والثلوج. وتتسبب كثرة الأمطار في فيضانات جارفة، حيث تمتلئ قنوات الأنهار المتقطعة بسرعة من جراء العواصف الرعدية والأمطار التي تحدثها الرياح الموسمية (D/C EnE 2001).
إن موقع أفغانستان الذي يحتل مساحة كبيرة في قارة آسيا يتسبب في تفاوت درجات الحرارة تفاوتاً كبيراً على مدار اليوم والعام، ونظراً لأن أفغانستان ليس لديها منفذ مائي وتبعد كثيراً عن المحيطات والبحار فإن سطح الأرض فيها يتعرّض لارتفاع أو انخفاض مفاجئ في درجات الحرارة، ويتسبب ذلك في رفع درجات الحرارة خلال موسم الصيف ومنتصف النهار، وانخفاضها أثناء موسم الشتاء أو منتصف الليل، علاوة على ذلك فإن درجات الحرارة تتفاوت إلى حد كبير حسب اختلاف طبوغرافية الأرض. ويؤثر الارتفاع تأثيراً كبيراً على انخفاض درجات الحرارة، فتنخفض درجات الحرارة كلما زاد الارتفاع، بمعدل حوالي 5،6ْ مئوية لكل 1000 متر من الارتفاع (Barry and Chorly 1999). ونظراً لأن سلسلة جبال هندكوش تغطي معظم مساحة أفغانستان فينبغي وضع اعتبار خاص للارتفاع، حيث يصل ارتفاع قمم هذه الجبال إلى أكثر من 5000 متر فتتفاوت درجات الحرارة فيها ما بين 10 20ْ في مسافات قصيرة نسبياً، ويتعذر مع هذا التفاوت في درجات الحرارة معرفة خصائص إقليم واسع، ومن ثم وضع اعتبارات المناخ في العمليات العسكرية.
وينبغي تدريب الجنود جيداً وتزويدهم بالمعدات اللازمة للتعامل مع مثل هذه الأحوال المناخية السيئة، وتتمتع القوات المحلية بمزايا جيدة لأنها متأقلمة مع هذا المناخ ولديها خبرة واسعة في تقلبات درجات الحرارة.
ويتأثر سقوط الأمطار في أفغانستان بتقلبات الضغط الجوي وتأثير الجبال على تدفّق الهواء أفقياً، فيتأثر موسم الشتاء بالضغط الجوي المرتفع الذي يدفع الهواء البارد والجاف على المنطقة، وتكون السماء صافية في مثل هذا الضغط المرتفع، فتصلح للعمليات الجوية، وفي هذا الوقت من العام تهب الرياح من جهة الشمال الغربي أو الشمال. ونتيجة لذلك يتوقع هبوب عواصف من غرب البحر الأبيض المتوسط على أفغانستان كل بضعة أيام. وهكذا يكون احتمال تساقط الأمطار أكبر خلال موسم الشتاء وبواكير الربيع، وغالباً ما تكون على شكل ثلوج. ونظراً لأن معظم الدول الآسيوية تزداد درجة حرارتها خلال الصيف، فإن الهواء الدافئ الجاف يهب على أفغانستان من جهة الشمال والشمال الشرقي ولا يتسبب في تساقط الأمطار أوقد تتساقط أمطار قليلة. وحيث إن الجبال تقف في طريق الرياح الموسمية التي تهب من جهة الجنوب الغربي والتي توثر على الهند وباكستان فإنها تتسبب أحياناً في حدوث عواصف رعدية في شرقي أفغانستان لمدة ثلاثة أو أربعة أيام في كل مرة. وترتفع درجات الحرارة خلال الصيف، ويكون السماء صحواً، فيصلح ذلك أيضاً للعمليات الجوية (AFCCC, 1995). ويكتسب تحليل المناخ دائماً أهمية بالغة في تخطيط العمليات العسكرية وتنفيذها، وبخاصة في بيئة قاسية مثل أفغانستان.
وخلاصة القول إن أفغانستان يتباين فيها المناخ، ولكنها في الغالب الأعم دافئة وجافة خلال فصل الصيف، وباردة وتتساقط أمطارها في فصل الشتاء، وتزيد درجات الحرارة خلال الصيف 40ْ مئوية، وتتدني درجات الحرارة خلال الشتاء إلى 25ْ مئوية تحت الصفر. ويفصح هذا المناخ عن نفسه في تأثيره على الجنود والعمليات، إلاّ أن الأمر يزداد تعقيداً بالضغط الجوي المرتفع باستمرار والسماء الصافية، مما ينتج عنه تقلب في درجات الحرارة، حيث يتراوح تقلّب درجات الحرارة خلال اليوم إلى 50ْ مئوية، كما تتسبب طبوغرافية الأرض في إحداث تغييرات جوهرية على المناخ ضمن مسافات أفقية قصيرة، مما يزيد الطين بلة ، فيتعرض الجنود لظروف مناخية قاسية على مدار اليوم والعام، فيؤثر ذلك على فعاليتهم ومعنوياتهم ويزيد معدلات الإصابة دون قتال.


تأثير الأمراض:


لن يكتمل تحليل الجغرافية العسكرية للمنطقة دون تقويم جغرافيتها الطبية، إذ يشكّل هذاالجانب أهمية بالغة للقادة العسكريين، فعلى سبيل المثال، هناك أدلة دامغة تدل على أن تأثير الأمراض كان من بين العوامل الحاسمة أثناء العمليات السوفيتية في أفغانستان خلال ثمانينيات القرن الماضي. فقد كشفت التقارير العسكرية التي سُمح بالاطلاع عليها مؤخراً أن حوالي 25% من الجنود السوفييت كانوا يترددون على المستشفيات للشكوى من أنواع مختلفة من الأمراض خلال الأربع سنوات الأخيرة من احتلالهم لأفغانستان (Graw and Jorgensen 1997). ويدل ذلك على مستوى الوهن الذي أصاب الجنود من جراء الأمراض دون قتال، ولا يمكن لأية مؤسسة عسكرية أن تتحمل ذلك النوع من الخسائر، وخصوصاً عندما يقترن بنقص في الأفراد وإصابات داخل المعركة. ومن الواضح أن القوات العسكرية تواجه تحديات طبية وصحية جمة في أفغانستان (منظمة الصحة العالمية 2001م)، ومن هنا ينبغي الاستفادة القصوى من التجربة السوفيتية في أفغانستان، حيث إنها تبيّن تأثير الأمراض إلى حد كبير على القوات العسكرية في ظروف مناخية سيئة، مما يقدم دروساً مستفادة لتطبيقها في العمليات العسكرية المستقبلية. فلقد نشر السوفييت طوال فترة الحرب السوفيتية الأفغانية حوالي 62000 جندي في أفغانستان . وتشير التقارير السوفيتية إلى أن 435،14 جندياً قد قُتلوا أو ماتوا متأثيرن بجراحهم. وتمثل نسبة الحوادث أو الأمراض 33،2% من العدد الكلي للجنود، إلا أن معدل المرضى الذين ترددوا على المستشفيات أثناء عملهم في أفغانستان، كان مرتفعاً جداً، ففي هذا الصدد أوضحت التقارير السوفيتية أن 685،469 فرداً قد تلقوا العلاج في المستشفيات، ويمثل هذا العدد ما نسبته 76% تقريباً من مجموع الجنود الذي كانوا في أفغانستان، وكان من بين ذلك العدد 753،53 من الجرحي أو المصابين، أي ما نسبته 44،11% Grau and Jorgenser, 1997). وفي التحليل النهائي يتضح أن 932،415 فرداً وهو رقم مذهل قد تلقوا العلاج من أمراض خطيرة، ويمثل ذلك نسبة 56،88%. وبمعني آخر فإن نسبة 67% من الجنود السوفييت في أفغانستان قد خضعوا للعلاج من أمراض خطيرة، في حين أن نسبة المرضى في الحرب العالمية الثانية، كانت 2،35% وتضمنت تلك الأمراض 308،115 حالات التهاب كبد وبائي و 080،31 حالة حمى تيفوئيد، أما الحالات المتبقيةالتي يصل عددها إلى 544،269 حالة، فتتراوح بين: أمراض الطاعون، والملاريا، والكوليرا، والدفتيريا، والحمى الشوكية، وأمراض القلب، والدوسنتاريا المعدية، والدسنتاريا الأمبيبية، والروماتيزم، وضربات الشمس، ومرض ذات الرئة، والحمي النمشية، والباراتيفوئيد (Grau and Jorgensen 1997)، وبذلك كان السوفييت يخوضون حربين: إحداهما ضد مقاومة المجاهدين، والثانية ضد البيئة التي تعتبر مأوى للأمراض التي تصيب الجسم بالوهن.

وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية (2001م) إلى أن في أفغانستان عديداً من الأمراض المستوطنة، وقد عانى السوفييت أيما معاناة من هذه المشاكل أثناء احتلالهم لأفغانستان. وتصيب هذه المعدلات المرتفعة من الأمراض المعدية القوات العسكرية بالوهن، ولكن يمكن تخفيفها بالأدوية الواقية أو التطعيمات واتخاذ التدابير الصحية الميدانية كالنظافة وغسيل الملابس وتنظيف معدات النوم لأن ذلك من شأنه تقليل مخاطر الأمراض التي ينقلها البعوض (Benenson, 1995). وأخيراً فإن التغذية الصحية والتدريب الجيد يجعلان مقاومة الجنود للأمراض أفضل، فلا يتعرضون لأنواع مختلفة من الأمراض والطفيليات (Meade et al, 1988).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
أكرم الحوراني
وسام التميز
وسام التميز



الدولة : سوريا
عدد المساهمات : 242
نقاط : 494
تاريخ التسجيل : 17/09/2013

الجغرافيا العسكرية والجيوستراتجية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الجغرافيا العسكرية والجيوستراتجية   الجغرافيا العسكرية والجيوستراتجية Emptyالإثنين أكتوبر 28, 2013 5:23 pm

http://www.afedmag.com/web/ala3dadAlSabia.aspx?id=13
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الجغرافيا العسكرية والجيوستراتجية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الجغرافيا العسكرية: أفغانستان أنموذجاً
»  الاستراتيجية العسكرية المعاصرة والمذاهب العسكرية العالمية السائدة
» نهاية الجغرافيا
» كتب في الجغرافيا السياسية
» الجغرافيا وإشكالية البيئة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى قالمة للعلوم السياسية :: ******** لسا نـــــــــــــــــــــــس ******** :: السنة الثالثة علوم سياسية ( محاضرات ، بحوث ، مساهمات ) :: عـــلاقــــــــات دولــــيــــــة ( محاضرات ، بحوث ، مساهمات )-
انتقل الى:  
1