منتدى قالمة للعلوم السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم .. أخي الزائر الكريم ..أهلآ وسهلآ بك في منتداك ( منتدى قالمة للعلوم سياسية ) إحدى المنتديات المتواضعة في عالم المنتديات والتي تزهو بالعلم الشرعي والمعرفة والفكر والثقافة .. نتمنى لكم قضاء أسعد الأوقات وأطيبها .. نتشرف بتسجيلك فيه لتصبح أحد أعضاءه الأعزاء وننتظر إسهاماتكم ومشاركاتكم النافعة وحضوركم وتفاعلكم المثمر .. كما نتمنى أن تتسع صفحات منتدانا لحروف قلمكم ووميض عطائكم .. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه , وجنبكم ما يبغضه ويأباه. مع فائق وأجل تقديري وإعتزازي وإحترامي سلفآ .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . المشرف العام
منتدى قالمة للعلوم السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم .. أخي الزائر الكريم ..أهلآ وسهلآ بك في منتداك ( منتدى قالمة للعلوم سياسية ) إحدى المنتديات المتواضعة في عالم المنتديات والتي تزهو بالعلم الشرعي والمعرفة والفكر والثقافة .. نتمنى لكم قضاء أسعد الأوقات وأطيبها .. نتشرف بتسجيلك فيه لتصبح أحد أعضاءه الأعزاء وننتظر إسهاماتكم ومشاركاتكم النافعة وحضوركم وتفاعلكم المثمر .. كما نتمنى أن تتسع صفحات منتدانا لحروف قلمكم ووميض عطائكم .. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه , وجنبكم ما يبغضه ويأباه. مع فائق وأجل تقديري وإعتزازي وإحترامي سلفآ .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . المشرف العام
منتدى قالمة للعلوم السياسية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولصفحتنا عبر الفيسبوكمركز تحميل لكل الإمتدادات
منتدى قالمة للعلوم السياسية يرحب بكم
تنبيه:إن القائمين على المنتدى لا يتحملون أي مسؤولية عن ما ينشره الأعضاء،وعليه كل من يلاحظ مخالفات للقانون أو الآداب العامة أن يبلغ المشرف العام للمنتدى ، أو بتبليغ ضمن قسم اقتراحات وانشغالات
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» المحاضرة الثالثة لمادة تاريخ الفكر السياسي
التدخل الإنساني لحماية الأقليات بين القانون الدولي العام و نظرية الاستنقاذ في الإسلام Emptyمن طرف salim 1979 الأربعاء أكتوبر 09, 2024 8:21 am

» المحاضرة الثانية لمادة تاريخ الفكر السياسي 2024/2025
التدخل الإنساني لحماية الأقليات بين القانون الدولي العام و نظرية الاستنقاذ في الإسلام Emptyمن طرف salim 1979 الخميس أكتوبر 03, 2024 4:37 pm

» المحاضرة الأولى لمادة تاريخ الفكر السياسي 2024/2025
التدخل الإنساني لحماية الأقليات بين القانون الدولي العام و نظرية الاستنقاذ في الإسلام Emptyمن طرف salim 1979 الخميس أكتوبر 03, 2024 4:29 pm

» برنامج محاضرات الفكر السياسي 1
التدخل الإنساني لحماية الأقليات بين القانون الدولي العام و نظرية الاستنقاذ في الإسلام Emptyمن طرف salim 1979 الخميس أكتوبر 03, 2024 4:24 pm

» عام ينقضي واستمرارية في المنتدى
التدخل الإنساني لحماية الأقليات بين القانون الدولي العام و نظرية الاستنقاذ في الإسلام Emptyمن طرف salim 1979 الإثنين مايو 27, 2024 10:25 am

» امتحان تاريخ الفكر السياسي ماي 2024
التدخل الإنساني لحماية الأقليات بين القانون الدولي العام و نظرية الاستنقاذ في الإسلام Emptyمن طرف salim 1979 الإثنين مايو 27, 2024 10:19 am

» امتحان مادة علم الاجتماع السياسي ماي 2024م
التدخل الإنساني لحماية الأقليات بين القانون الدولي العام و نظرية الاستنقاذ في الإسلام Emptyمن طرف salim 1979 الأربعاء مايو 15, 2024 9:33 am

» امتحان تاريخ الفكر السياسي جانفي 2024م
التدخل الإنساني لحماية الأقليات بين القانون الدولي العام و نظرية الاستنقاذ في الإسلام Emptyمن طرف salim 1979 الثلاثاء يناير 16, 2024 8:08 pm

» الإقرار وفق القانون الجزائري
التدخل الإنساني لحماية الأقليات بين القانون الدولي العام و نظرية الاستنقاذ في الإسلام Emptyمن طرف salim 1979 الخميس مايو 11, 2023 12:00 pm

أنت زائر للمنتدى رقم

.: 12465387 :.

يمنع النسخ
التدخل الإنساني لحماية الأقليات بين القانون الدولي العام و نظرية الاستنقاذ في الإسلام Ql00p.com-2be8ccbbee

 

 التدخل الإنساني لحماية الأقليات بين القانون الدولي العام و نظرية الاستنقاذ في الإسلام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
رستم غزالي
وسام التميز
وسام التميز



عدد المساهمات : 209
نقاط : 469
تاريخ التسجيل : 10/11/2012

التدخل الإنساني لحماية الأقليات بين القانون الدولي العام و نظرية الاستنقاذ في الإسلام Empty
مُساهمةموضوع: التدخل الإنساني لحماية الأقليات بين القانون الدولي العام و نظرية الاستنقاذ في الإسلام   التدخل الإنساني لحماية الأقليات بين القانون الدولي العام و نظرية الاستنقاذ في الإسلام Emptyالأربعاء سبتمبر 11, 2013 1:29 pm

التدخل الإنساني لحماية الأقليات بين القانون الدولي العام و نظرية الاستنقاذ في الإسلام

أ. بومعالي نذير
أستاذ مساعد مكلف بالدروس- المركز الجامعي بالمدية ـ الجمهورية الجزائرية

تمهيد
لقد لجأت العديد من الدول الأوربية قبل الحرب العالمية الأولى حماية مواطنيها أو أقلياتها الدينية من حالات الاضطهاد الذي لحق بها، و قد كان يعقب كل حرب من الحربين العالميتين مجموعة من المعاهدات و الاتفاقيات التي تضمن حقوق الأقليات و حرياتها.
إن مبدأ التدخل الإنساني لأجل الحماية الدولية لحقوق الإنسان عامة و لأجل حماية الأقليات بشكل خاص قد أخذ مداه و وصل في تطبيقه إلى أوسع نطاق و هذا بسبب تصاعد موجة الاضطرابات و كثرة الصراعات العرقية و الطائفية و التي من نتائجها الأعداد الهائلة من اللاجئين و الهجرات غير الشرعية.
إن الدول الاستعمارية استخدمت أسلوب حماية أقلياتها ذريعة لبسط سيطرتها الاستعمارية على العديد من الدول و المستعمرات مثل تدخل الدول الأوربية الاستعمارية في الشؤون الدولة العثمانية و دويلاتها، و هكذا فان سياسة القوة و العلاقات الدولية كانت دائمة في حالة ابتكار لمفاهيم و مصطلحات جديدة تضيفها إلى قاموسها، بحيث أصبح حق التدخل بدلا من مبدأ عدم التدخل من المظاهر الواضحة في السنوات التي أعقبت طي صفحة الحرب الباردة حيث أن غزو بنما سنة 1989م كان فاتحة لنمط جديد في السياسة الدولية إضافة لما حصل في شمال العراق بعد حرب 1991م، و كذلك ما حصل في الصومال و ما حدث في البلقان – البوسنة و الهرسك- عام 1995م و في كوسوفو عام 1999م و مقدونيا عام 2001م([1])، و كان السند في هذا كله مبدأ من أجل السلام الذي كان قد أعلنه الأمين العام للأمم المتحدة السيد بطرس غالي سنة 1992م فقد كان هو القاعدة الأساسية لمبدأ التدخل الإنساني و الذي وسع من صلاحيات الأمم المتحدة في هذا الميدان من خلال دعوة الدول الأعضاء و الكبرى خاصة إلى لعب دور مهم و كبير لأجل تجسيد هذا المبدأ مثل تخصيص وحدات عسكرية جاهزة للتدخل تحت علم الأمم المتحدة و قد تم إقرار هذا في اجتماع قمة مجلس الأمن يوم 31 يناير 1992م و هذا بحضور رؤساء دول و حكومات الدول الأعضاء الدائمين، و الذي اعتبرت فيه الديمقراطية و حقوق الإنسان الأساس الأيديولوجي الوحيد في العلاقات الدولية، و سارت الجمعية العامة للأمم المتحدة على نفس المنوال الذي رسمه مجلس الأمن فتبنت القرارات التي تبيح مبدأ التدخل الإنساني من خلال إنشاء منصب المفوض السامي لحقوق الإنسان لاستقبال شكاوى المواطنين و الجماعات من انتهاكات الأنظمة السياسية لحقوق الإنسان، و هو المنصب الذي اعترضت عليه دولة الصين و اعتبرته تدخلا صريحا في سيادة الدول و سلطانها الداخلي([2]).
إن التدخل الإنساني تذرعا بحماية الأقليات و حقوقها قد يغير من المبادئ التي تأسست عليها هيئة الأمم المتحدة و منها عدم التدخل في السياسة الداخلية للدول و أنها على قدم المساواة في السياسة كما نص على ذلك ميثاقها. و عليه فقد رأيت تقسيم بحثي هذا إلى ثلاثة مباحث على النحو الآتي:
المبحث الأول: القانون الدولي و التدخل الإنساني.
المبحث الثاني: التدخل الإنساني وفكرة السيادة.
المبحث الثالث: حق التدخل الإنساني في الإسلام ـ نظرية الاستنقاذ في الفقه الإسلامي.
المبحث الأول
التدخل الإنساني في القانون الدولي
المطلب الأول: مفهوم التدخل الإنساني في القانون الدولي
قد تعاني أقلية ما من بعض الظلم و الاضطهاد في بقعة ما من المعمورة، و هذا يعد مبررا لتدخل بعض الدول من أجل حماية هذه الأقلية و تمكينها من ممارسة و التمتع بالحقوق المقررة لها بمقتضى القانون الدولي، و لكن هل يمكننا القول بأنه يحق للدول المتدخلة التدخل العسكري و الإنساني من أجل حماية حقوق الأقليات المهددة بالزوال و الاندثار؟
إن ظاهرة التدخل الإنساني من أجل حماية الأقليات من أقدم الوسائل التي عرفها المجتمع الدولي، فمع ازدياد سوء المعاملة و اضطهاد الأقليات الدينية و انعدام الحرية أحيانا و انحصارها أحيانا أخرى و اقتصارها على طائفة معينة، قامت بعض الدول المهتمة بهذه الأقليات نتيجة لارتباطات دينية أو قومية، بين شعوب هذه الدول و أفراد هذه الأقليات المضطهدة بالاحتجاج لدى دول الأقليات، و الأمثلة على هذا كثيرة منها الاحتجاجات المقدمة من قبل روسيا للدولة العثمانية بدعوى اضطهادها للأقليات المسيحية([3]) بالرغم من تعهدها بكفالة حرية الأقليات بموجب المادة ( رقم 7) من معاهدة كوتشك كينارجي "Kutchuk Kainargi " عام1774م، و في بداية القرن التاسع عشر تدخلت كل من فرنسا و النمسا و بريطانيا وبروسيا في الشؤون الداخلية للدولة العثمانية لأجل اليونانيين1827م ومن أجل مسيحي سوريا عام 1860م([4])، إن هذه التدخلات كانت تستند إلى نصوص و معاهدات متعلقة بحماية الأقليات و خاصة الدينية منها لولا أنه من السذاجة أن نسلم بهذا فقط دون النظر إلى الأسباب السياسية الخافية التي كانت وراد هذه التدخلات، و لذلك فهي جزء من العدوان على سيادة الدول، و لقد تدخلا في الشؤون الداخلية لها، و لذا فإن هذا المبدأ قد تأرجح بين فئة رافضة له و فئة مؤيدة له.
و الذي لا يخفى على أحد هو أنه توجد طائفتان من الأفراد الذين يراد التدخل لأجل حمايتهم الأولى هي مواطنوا الدولة المتدخلة و المقيمون على إقليم الدولة المتدخل ضدها.
أما الثانية فهي رعايا الدولة المتدخل ضدها، و إذا أردنا تعميم هذا نقول بأن التدخل الإنساني يكترث و يتدخل لحماية فئة معينة و هي الفئة المعرضة للخطر لأجل مساعدتها و حمايتها من المخاطر المحدقة بها بغض النظر عن الجهة المنتمية لها سواء كانت الدولة المتدخلة أو المتدخل ضدها، فهو يركز بوضوح على فئة واحدة معينة من التدخلات و هي التدخلات التي يقاوم بها لغرض حماية المعرضين للخطر أو مساعدتهم و يمكن أن تتعرض العناصر الأساسية للأمن البشري، أمن الناس من الأخطار التي تهدد حياتهم و صحتهم و معيشتهم و سلامتهم الشخصية و كرامتهم الإنساني، للخطر من جراء عدوان خارجي أيضا من جراء عوامل داخل البلد، بما فيها قوات الأمن، إذا فهو يركز على الحاجات الإنسانية للذين يلتمسون الحماية أو المساعدة.
كما أن التدخل الإنساني قد يكون باسم القانون الدولي الإنساني أيضا، هذا القانون الذي مر منذ بداية القرن العشرين و حتى يومنا هذا بتطور هائل، فقد أضيفت عليه الصبغة الإنسانية، و رأى واضعوه بأنه لا يمكن لهذا القانون أن يواصل عدم اكتراثه بحقوق الإنسان، و قد أطلق على القواعد التي تحمي حقوق الإنسان أثناء النزاعات المسلحة اصطلاح" القانون الدولي الإنساني"، و لكن فقهاء القانون الدولي اختلفوا حول مدلول القانون الدولي الإنساني على قولين:
الأول: القانون الدولي الإنساني بمعناه الواسع: لا يقصد به مجموعة القواعد القانونية الدولية المكتوبة أو العرفية التي تكفل احترام الفرد و رفاهيته، و بناء على هذا فهو يهتم بقوانين الحرب و حقوق الإنسان و من هذه الأخيرة حقوق الأقليات.
الثاني: القانون الدولي بمعناه الضيق :يقصد به مجموعة القواعد القانونية الدولية المستمرة من الاتفاقات أو العرف الرامية على وجه التحديد إلى حل المشكلات الإنسانية الناشئة بصورة مباشرة من المنازعات المسلحة الدولية و غير الدولية و التي تقيد حق أطراف النزاع في استخدام طرق وأساليب الحرب التي تروق لها، أو تحمي الأعيان و الأشخاص الذين تضرروا أو قد يتضررون بسبب المنازعات المسلحة([5]).
وتعتبر نظرية التدخل من أجل حماية الأقليات مفهوما جديدا و قديما في آن واحد خاصة إذا علمنا أن فكرة التدخل الإنساني ارتبطت بمبدأ حماية الأقليات بعد الحرب العالمية الثانية([6])، و قد كان أول استخدام لهذه الفكرة من طرف الدول الغربية في بداية الأمر لحماية الأقليات المسيحية في الإمبراطورية العثمانية فيما عرف في ذلك الوقت بالمسألة الشرقية ثم تطور الأمر إلى أن أصبح التدخل يستخدم لحماية رعايا الدول الغربية خارج حدودها حال تعرضهم لأذى أو في حال اعتقاد الدول الغربية بوقوع ضرر أو مكروه، و لقد دأبت بعض الدول بعد الحرب العالمية الثانية على التدخل استنادا إلى هذه الفكرة دون اللجوء إلى المنظمات الدولية المختصة كهيئة الأمم المتحدة و هذا لكون هذه المنظمات الدولية محدودة الدور بالنسبة لحماية حقوق الإنسان عامة و حماية الأقليات خاصة([7]).
و قد كان لهذا التدخل صورا عدة فبعض الدول تذرعت بهذه النظرية كمبرر للتدخل في النزاعات الداخلية للدول المتدخل فيها خاصة في فترة الحرب العالمية الثانية و ما بعدها([8])، و كانت دول العالم الثالث مسرحا لهذا التدخل المفروض آنذاك من الولايات المتحدة الأمريكية و الدول الأوروبية و غالب ما كان يخفي هذا التدخل الانحياز لأحد أطراف النزاعات الداخلية في الدول المتدخل فيها بما يخدم مصالح الدول الكبرى المتدخلة {الولايات المتحدة الأمريكية و الدول الأوروبية}.
المطلب الثاني
مبررات التدخل الإنساني
هناك من الدول من تذرعت بفكرة التدخل الإنساني مستندة إلى نوعين من المبررات هما:
الفرع الأول:المبرر الأول
إن التدخل الإنساني قد جاء كجانب من جوانب الدفاع عن النفس و هذا بالاستناد إلى نص المادة {51} من ميثاق الأمم المتحدة باعتبارها لا تبيح فقط اللجوء إلى القوة في حالة عدوان ملح و إنما تسمح لدولة من الدول التذرع بنظرية الدفاع عن النفس لحماية مواطنيها في الخارج.
الفرع الثاني: المبرر الثاني
إن التدخل الإنساني يهدف إلى الدفاع عن قواعد القانون الدولي و هذا بحماية المدنيين من الانتهاكات التي قد تقع في حالة الحروب الأهلية و الثورات التمردية الداخلية ([9]).
و قد أباح الفقهاء التدخل لأسباب إنسانية من أجل حماية الأقليات، و وضعوا شروطا لهذا التدخل مانعين بذلك التدخل في شؤون الدولة لأسباب إنسانية إلا في حالات محدودة هي:
1.عندما تعتدي دولة ضد دولة أخرى.
2.عند اغتصاب أجهزة الدولة للحقوق أو التهديد بذلك مما ينذر بحرب أهلية أو بنشوبها فعليا لتصبح حربا دولية.
3.عند انتهاك الدولة للحقوق الإنسانية للأقليات الموجودة على ترابها كالإبادة الجماعية لها مثلا؛ كما اشترطوا أن يكون التدخل جماعيا و ليس فرديا، و ضربوا مثالا لهذا التدخل، بالتدخل الأوروبي الموجه ضد الدولة العثمانية الذي لم يكن في حقيقة تدخلا باسم الإنسانية بل كان تدخلا باسم الاستعمار فكان ذا طابع استعماري هدفه تقسم ترك الدولة العثمانية المنهارة(رجل أوروبا المريض)، فكانت بذلك أمثلة تطبيقية لهذا النظام، فقد تقدمت روسيا باحتجاجات متعددة إلى الدولة العثمانية بدعوى اضطهاد الأقليات الدينية و ذلك تطبيقا لنص المادة السابعة من معاهدة عام 1774م، كما تدخلت الدول الأوربية لنفس السبب لدى تركيا بشان اليونان عام 1829م و غيرها، و يمكن تلخيص علاقة هذا النظام بموضوع حقوق الإنسان عامة و حقوق الأقليات بوجه خاص بافتراض وجود أقلية ما، دينية أو عرقية أو لغوية...تعاني من اضطهاد السلطات المحلية لها، و إهدار الحد الأدنى لما يجب أن تتمتع به هذه الأقلية من حقوق مما يدفع بعض الدول للقيام بتدخل إنساني لحماية هذه الأقلية، و ليس هذا فحسب، بل إن بعض الاتفاقات الدولية قد اتجهت إلى ما هو أكثر من ضمان الحقوق و الحريات، فنجدها نصت على منح بعض الأقليات نوعا من الاستقلال الذاتي أو حتى تكوين تنظيمات و كيانات مستقلة([10]).
المطلب الثالث
موقف الفقه الدولي اتجاه التدخل الإنساني
لقد أثير جدل فقهي كبير حول موضوع التدخل الإنساني منذ ظهوره على المساحة الدولية و عليه فقد انقسم فقهاء القانون الدولي إلى مؤيدين له و معارضين له، و بهذا فإن موضوع التدخل الإنساني كوسيلة لحماية الأقليات هو سطو و اعتداء على سيادة الدول المتدخل فيها لعل هذا هو سبب الخلاف الجوهري بين المؤيدين و المعارضين له، و كانت نقاط الخلاف تدور حول مدى مشروعية التدخل الإنساني لحماية الأقليات، و من له الحق في التدخل، و أسباب التدخل و ضوابطه.
و نرى أن هذه الأسباب هي التي تنقض من الأساس سيادة الدول المتدخل فيها، لأن الأصل في القانون الدولي هو عدم التدخل و احترام سيادة الدول، و لأن الاستثناء هو التدخل الإنساني لحماية حقوق طائفة الأقليات([11]) عند تحقق الأسباب التي ذكرتها في الفرع السابق، كالتدخل الجماعي طبقا لميثاق الأمم المتحدة وفقا لأحكام الفصل السابع الذي يعطي لمجلس الأمن الحق في اتخاذ التدابير اللازمة لحفظ السلم و الأمن الدوليين([12])، خاصة إذا علمنا أنه تم الربط بين تحقيق السلم و الأمن الدوليين و المحافظة عليهما و بين احترام حقوق الإنسان و التي منها حقوق الأقليات بنص ميثاق الأمم المتحدة([13])، فقد جاء في ديباجته ما يفيد بهذا: "نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزانا يعجز عنها الوصف، وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية، وأن نبين الأحوال التي يمكن في ظلها تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي، وأن ندفع بالرقي الاجتماعي قدما، وأن نرفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسح.
وفي سبيل هذه الغايات اعتزمنا:
أن نأخذ أنفسنا بالتسامح، وأن نعيش معا في سلام وحسن جوار، وأن نضم قوانا كي نحتفظ بالسلم والأمن الدولي، وأن نكفل بقبولنا مبادئ معينة ورسم الخطط اللازمة لها ألا تستخدم القوة المسلحة في غير المصلحة المشتركة، وأن نستخدم الأداة الدولية في ترقية الشؤون الاقتصادية والاجتماعية للشعوب جميعها، قد قررنا أن نوحد جهودنا لتحقيق هذه الأغراض، ولهذا فإن حكوماتنا المختلفة على يد مندوبيها المجتمعين في مدينة سان فرانسيسكو الذين قدموا وثائق التفويض المستوفية للشرائط، قد ارتضت ميثاق الأمم المتحدة هذا، وأنشأت بمقتضاه هيئة دولية تسمى(الأمم المتحدة)، و قد نصت المادة 54 صراحة على وجوب إعلام مجلس الأمن بما يجري من الأعمال لحفظ الأمن و السلم العالميين([14]): "يجب أن يكون مجلس الأمن على علم تام بما يجري من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي بمقتضى تنظيمات أو بواسطة وكالات إقليمية أو ما يزمع إجراؤه منها."
و أيضا ما جاء في المادة رقم 55 منه أيضا: رغبة في تهيئة دواعي الاستقرار و الرفاهية الضروريين لقيام علاقات سليمة و ودية بين الأمم مؤسسة على احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، تعمل الأمم المتحدة على:
(أ) تحقيق مستوى أعلى للمعيشة وتوفير أسباب الاستخدام المتصل لكل فرد والنهوض بعوامل التطور والتقدم الاقتصادي والاجتماعي.
(ب) تيسير الحلول للمشاكل الدولية الاقتصادية والاجتماعية والصحية وما يتصل بها، وتعزيز التعاون الدولي في أمور الثقافة والتعليم.
(ج) أن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء، ومراعاة تلك الحقوق والحريات فعلا.
و أيضا جاء النص على نفس المعنى تقريبا في المادة 76 منه في فقرتها (أ) و فقرتها (ج)، عند تعداد الأهداف الأساسية و مقاصد "الأمم المتحدة" المبينة في المادة الأولى من هذا الميثاق هي:
(أ) توطيد السلم والأمن الدولي.
(ج) التشجيع على احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين، ولا تفريق بين الرجال والنساء، والتشجيع على إدراك ما بين شعوب العالم من تقيد بعضهم بالبعض.
و عموما فقد أجاز بعض فقهاء القانون الدولي التدخل الإنساني في حالة اضطهاد دولة ما للأقليات من رعايتها و اعتدائها على حياتهم و حرياتهم و أموالهم أو حتى عند عدم حمايتها لهم من مثل هذه الاعتداءات سندهم في ذلك أن المجتمع الدولي يتضامن على منع الإخلال بقواعد القانون الدولي و مبادئ الإنسانية من احترام لحياة الإنسان و حريته أيا كانت جنسيته أو لغته أو ديانته، و في المقابل نجد فريقا آخر يرفض فكرة التدخل الإنساني لحماية الأقليات و سنده هو أن التدخل بهذه الصورة فيه مساس باستقلال الدول و سيادتها و حريتها في ممارسة اختصاصها الشخصي في مواجهة رعاياها و في التعامل معهم و لأن قواعد القانون الدولي استقرت على وجوب عدم التدخل في شؤون دولة ما و المساواة في السيادة بين الدول و لأن من خصائص القانون الدولي العام أنه يستند بالأساس إلى سيادة الدول([15])، فهو قانون تعاون بين الدول المستقلة، فلم يكن لينشأ لو لم تكن هناك دولا ذات سيادة و على قدم المساواة فيما بينها([16]).
و بين هذين الرأيين لهذين الفريقين يأخذ فريقا آخر الأمر بنوع من التوسط في المواقف ليؤكد أن التدخل الإنساني يستند إلى أساس قانوني و أخلاقي و بإقرار من الرأي العام الدولي فلا يمكن السكوت عن التدخل لدواعي إنسانية مطلقا و لا يمكن أيضا السكوت عن الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسانية التي نراها هنا و هناك و على مرأى من الرأي العام الدولي([17]).
الفرع الأول:الاتجاه المؤيد للتدخل الإنساني
يعتبر أنصار هذا الاتجاه أن فكرة التدخل الإنساني في عمومها فكرة حديثة نسبيا في القانون الدولي، و استخدامها يجوز في حالة الدفاع ورد العدوان عن الإنسانية إذا ما تعرضت أقلية ما أو فئة من رعايا الدولة المتدخل ضدها للاضطهاد.
و قد تبنى هذا الاتجاه الفقيه روجيه Rougier و غيره من فقهاء القانون الدولي أو هو الذي ذهب إلى أنه حتى و لو لم توجد قاعدة قانونية تبرر التدخل الإنساني دفاعا عن حقوق الأقليات في دولة من الدول و اتضح أن هذه الدولة تعامل الأقليات المتواجدة على أراضيها معاملة قاسية و الإنسانية فإن الواجب على المجتمع الدولي و الحال هكذا أن يتدخل لحماية هذه الأقليات المضطهدة.
و ممن تبنى هذا الاتجاه أيضا الفقيه ليليشLillich و الذي يرى بأن التدخل الإنساني مقبول قانونيا و منذ فترة جروسيوس و فانتيل، فقد تكافلت الشعوب لأجل الوصول إلى حد أدنى من الأمن و الاستقرار للإنسانية و رغم أنه يعترف بعدم وجود نص في ميثاق الأمم المتحدة يجيز التدخل الإنساني المنفرد أو الجماعي للدولة، فإنه يؤيد التدخل الإنساني كمبدأ تقليدي لا سيما و أنه لا يتعارض مع مقاصد الأمم المتحدة الهادفة إلى حماية حقوق الإنسان و منها حقوق الأقليات فما عدا استخدام القوة أو التهديد بها ضد دولة ما يكون التدخل الإنساني مشروعا([18]).
كما نجده يؤكد (ليليش) على أن التدخل الإنساني قد لاقى قبولا دوليا في عهد الأمم المتحدة، لأنها لم تقم بشجب التدخل الذي حدث في الكونغو [ستاني فيل] لإنقاذ الرهائن، و على اعتبار أيضا أنها لم تعتبر أي تدخل إنساني آخر انتهاكا للمادة 2/4 من الميثاق، بمعنى أن الأمم المتحدة تستحسن التدخل الإنساني و تقبل به في حالات مناسبة([19])؛ لذلك ذهب البعض إلى تبرير استخدام القوة في حالة التدخل الإنساني منطلقين من مفهومهم للمادة الثانية (2) الفقرة الرابعة (4) من الميثاق التي اشترطت عدم المساس بسلامة أراضي الدولة المتدخل ضدها عند استخدام القوة أو المساس استقلالها أو حتى تعارض هذا التدخل مع مقاصد الأمم المتحدة، و باعتبار أيضا أنه لم يرد بشأنه حظر في المادة ذاتها والفقرة ذاتها.
و لذلك حاول أنصار الاتجاه المؤيد للتدخل الإنساني وضع ضوابط و معايير للتدخل الإنساني فأكدوا على جوازه بناءا على اتفاقية أو إذا ما طلبته الدولة المتدخل ضدها([20]) أو في ضوء مبدأ التدخل الإنساني عموما، بالإضافة إلى اشتراطهم حين استخدام القوة لعدم المساس بسلامة الأراضي و استقلال الدولة السياسي([21]).
الفرع الثاني: الاتجاه الرافض للتدخل الإنساني
يرى أنصار هذا الاتجاه عدم مشروعية التدخل الإنساني مستندين إلى الفقرة الأولى من المادة الثانية([22]) من ميثاق الأمم المتحدة، و يشددوا على وجوب التمسك بعدم جواز استخدام القوة ضد دولة أخرى أيا كانت المبررات فيما عدا حالة الدفاع الشرعي عن النفس([23]).
فنجد هذا الرأي يتجه إلى أن تدخل دولة بإرادتها المنفردة بحجة حماية حقوق الإنسان في أراضي دولة أخرى أو كان تستخدم القوة لهذا السبب أمر غير مشروع لأن ما جاء به ميثاق الأمم المتحدة في رأيهم يفضل العمل الجماعي و بمعرفة الأمم المتحدة و هذا لما في التدخلات الفردية في سيادة الدولة الأخرى المتدخل ضدها بحجة حماية حقوق الإنسان و حقوق الأقليات خاصة من ريبة و شك في مشروعية ([24])فهم يرون أن ما عدا حالة الدفاع الشرعي عن النفس و الدفاع الجماعي بمعرفة الأمم المتحدة، فان أي تدخل بعد عمل غير مشروع، لأن التدخل الإنساني لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يسمى دفاعا عن النفس.
و على الرغم من أن ميثاق الأمم المتحدة قد توسع في القانون الدولي إلى درجة تحول التدخل لأغراض إنسانية، غير أن الواقع يحظر التدخل بالقوة إلا ما كان استثناء و بمعرفة الأمم المتحدة و يكون هذا التدخل بالقوة إذا حصل لأجل المحافظة على السلم و الأمن في العالم و عليه فميثاق الأمم المتحدة ضيق كثيرا من نطاق التدخل الإنساني كما أن أنصار هذا الاتجاه يرون من الناحية القانونية وقوع التدخل الإنساني في نطاق ما يمكن أن يسمى بالنظرية السياسية و لم يكن في يوم ما محل إجماع في العمل الدولي كما أن الاعتراف بالتدخل الإنساني ينقض تماما المادة 2 في فقرتها 4 الرابعة من ميثاق الأمم المتحدة، و لأن التدخل بهذا الشكل (باستعمال القوة)([25])، و دون اللجوء إلى النظرية السياسية، يعد مخالفا لقواعد القانون الدولي([26])، خاصة عندما يكون موجها ضد شخصية الدولة المتدخل ضدها أو ضد مصالحها، لأنه باستعراض التدخلات السابقة و التي كانت تحت غطاء حماية حقوق الإنسان و حماية الأقليات بصورة خاصة لوحظ أنها كانت تخفي وراءها مآرب و مصالح خاصة للدول المتدخلة، و آخر مثال يمكن أن نضربه هو عدم اكتراث الولايات المتحدة الأمريكية الكبير و الذي عودتنا عليه دائما لما كان يحدث في البوسنة في تسعينات القرن الماضي لأنه لم يكن لديها مصالح حقيقية من التدخل لوقف المجازر التي كانت ترتكبها المليشيات و الجيش الصربي ضد المسلمين هناك و بدعم من قوى أوربية على رأسها روسيا البيضاء([27])، فمصالح الدول الكبرى هي التي يمكن أن نسميها بالأسباب الحقيقية للتدخل باسم الإنسانية في سيادة الدول المتدخل ضدها و هذه الأسباب قد تكون سياسية أو اقتصادية أو إستراتيجية([28]).
لقد تدخلت بريطانيا و فرنسا و روسيا سنة 1827م لحماية المسيحيين في اليونان ضد دولتهم (باعتبارهم حاملي جنسيتها) بدعوى قيام الدولة العثمانية بمذابح استهدفت اليونانيين ذووا الديانة المسيحية، تدخل فرنسا و لبنان سنة 1860م لحماية المسيحيين أيضا ضد الدولة العثمانية التي كانت لبنان إحدى مقاطعاتها و هذا بدعوى تعرضهم لمذابح وحشية([29])، وكأن الدولة العثمانية كانت وظيفتها تقتيل رعاياها وخاصة من المسيحيين و هذا ما لا يعقل فلا يعقل أن تكون المبررات واحدة و من نفس الدولة المتدخلة(فرنسا، بريطانيا..) و هي تعرض المسيحيين لمذابح على يد دولتهم (الدولة العثمانية)؛ فهذه التدخلات لم تكنفي حقيقتها تدخلات إنسانية، بل كانت تدخلات ذات طابع استعماري بحت، الهدف من ورائها إنهاك الدولة العثمانية و التمهيد لتقسيمها بعد ذلك و هو ما حدث بالفعل مستقبلا عندما قسمت ولايات الإمبراطورية العثمانية و الدول الإسلامية التي كانت تحت حمايتها بين هذه الدول المستعمرة كفرنسا و بريطانيا و البرتغال و ايطاليا و ها هو أحد الرافضين لفكرة التدخل الإنساني و الأمين العام السابق للأمم المتحدة السيد"بطرس غالي" يؤيد نفس الفكرة السابق ذكرها حينما يقول: " لا شك أن نظرية التدخل دفاعا عن الإنسانية كانت تخفي وراءها مآرب و أطماع استعمارية، فباسم الدفاع عن الإنسانية، تدخلت الدول الأوربية في أمور الإمبراطورية العثمانية و لكن من ناحية أخرى فإن هذه النظرية بلا شك أسهمت في بلورة نظرية حقوق الإنسان و الأقليات، إذ أن القواعد الخاصة بحماية حقوق الإنسان و الأقليات قد طبقت في الدول الجديدة التي سلخت من الإمبراطورية العثمانية مثل: بلغاريا، رومانيا، صربيا مونتنغروا..."([30]).
الفرع الثالث: الرأي الشخصي في مسألة التدخل الإنساني
ليس بالضرورة استخدام القوة في أحوال التدخل الإنساني لأنه بالإمكان أن تتدخل دولة ما إنسانيا لإنقاذ رعايا دولة ما بتقديم شكوى إلى مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة لوجود انتهاكات لرعايا هذه الدولة وهذه صورة من صور التدخل الإنساني دون اللجوء إلى القوة، كما يمكن أن يكون التدخل بطلب لعرض المسألة على جهات مختصة دوليا كمحكمة العدل الدولية.
و لأن استعمال القوة لحماية حقوق الإنسان ومنها حقوق الأقليات يعني انتهاكا صارخا لمجموعة من المبادئ القانونية الدولية المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة فنصبح كمن يعالج التجاوزات بالتجاوزات ومنها انتهاك سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدولة ما.
غير أن الفقه الدولي يكاد يتفق حول نقطة جوهرية وهي التدخل الإنساني ولكن بإشراف الأمم المتحدة أو المنظمات الإقليمية الأخرى لأنه في المقابل لا يمكن أن يبقى المجتمع الدولي مكتوف الأيدي أمام تجاوزات خطيرة تهدر الحقوق الإنسانية لشعب من الشعوب في مكان ما من هذا العالم وفي وقت من الأوقات، فإذا قلنا بعدم مشروعية التدخل الإنساني لأنه تعدٍ على سيادة الدول فكذلك نقول بوجوب التدخل الإنساني في حالات تخول بحق التدخل فيها الأمم المتحدة فيكون بذلك تدخلا إنسانيا شرعيا ولكن الذي لا يقبل هو التدخل الفردي للدول القوية اتجاه الدول الضعيفة بدعوى حماية الأقليات وبدون تفويض من هيئة الأمم المتحدة أو من الهيئات الإقليمية الأخرى ذات الصلة مع التأكيد على عدم استعمال القوة إلا في مدى ضيق جداً وبإشراف دولي أيضا.
لقد تضمنت المادة (27) من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية التزام الدول الأطراف في هذه المعاهدة بعدم إنكار حق الأشخاص المنتمين إلى أقليات عنصرية أو دينية أو لغوية قائمة في دولة ما، ولكن وبمقتضى القانون الدولي العام فإن الدولة ليس لها الحق في استخدام القوة أو التهديد بها في حالة التدخل الإنساني لأن التهديد باستعمال القوة من الوسائل غير المقبولة في العلاقات الدولية وإلا أصبح التدخل الإنساني بهذا الشكل و بهذه الصيغة عدواناً([31]).
إنه و حتى الأمم المتحدة يفرض عليها ميثاقها عدم التدخل وفقا للفقرة (7) من المادة (02) منه وخاصة في المسائل التي تعد من صميم الاختصاص الداخلي للدول وما يرد من استثناء على هذه القاعدة ـ قاعدة عدم التدخل ـ إنما هو ما يراه مجلس الأمن كتدبير وقائي في حالة تهديد الأمن والسلم في العالم وبعض المصالح الدولية التي يكون التدخل بموجبها لا مناص منه ولكن ليس شرطا أن يكون هذا التدخل باستعمال القوة العسكرية ابتداءً فلا بد من استنفاذ كل الوسائل السياسية الأخرى كتقديم الشكاوي من قبل دولة ضد دولة أخرى منتهكة لحقوق الأقليات أو كممارسة الضغوط الاقتصادية أو الحملات الإعلامية أو قطع العلاقات الدبلوماسية مع الدول المنتهكة لحقوق الأقليات وحتى غلق الموانئ في وجه سفنها والمطارات في وجه طائراتها إلا ما كان كحد أدنى من التعامل.
إن التداخل بين مصالح الدول هو ما أدى إلى هذا الاختلاف بين تأييد فكرة التدخل الإنساني ورفضها، كما أنه لا يمكن أن نقف عند حرفية مبدأ عدم التدخل دون النظر إلى مسوغاته الإنسانية أحيانا فقد يطهر المجتمع الدولي إلى الخروج عن المبدأ إلى الاستثناء صيانة للمصالح الدولية وحماية للحقوق الإنسانية للأقليات خاصة إذا كان ترك التدخل الإنساني يؤدي إلى تهديد الأمن والسلم في العالم.
إنه وعلى الرغم من التطور الذي شهده ميدان حقوق الإنسان وحقوق الأقليات في الآونة الأخيرة فقد طغى الجانب السياسي في التدخل على الجانب الإنساني في جانبه التطبيقي وأصبحت الانتقائية سمة ظاهرة في التعامل مع هذا المبدأ اتجاه الأقليات من جانب القوى العظمى فقد أصبحت تتعامل مع مبدأ التدخل الإنساني عبر منظور سياسي متكامل، الأولوية فيه للمصالح الذاتية لهذه الدول العظمى وحلفائها، كما أن هذه الانتقائية تنطلق في أحيان كثيرة من انتماءات هذه الدول العظمى نحو الأقليات المتدخل بشأنها كالانتماء الديني أو اللغوي أو العرقي مما يشكك في صدقية فكرة التدخل الإنساني، فلا تدخل لإنقاذ بعض الأقليات ذات ديانة معينة أو ذات لغة معينة أو انتماء معين مثلا، وإن حدث فمتأخر جدا، وأحيانا يكون التدخل جد سريع إن كان لأجل طائفة أخرى من الأقليات.
وهذا كله يمكن أن نراه من خلال ما حدث في العشرية الأخيرة فنجد الدول العظمى وبضغط منها على الأمم المتحدة تصدر العديد من القرارات وتحجم عن إصدار قرارات أخرى في صالح الأقليات فقد أصدرت قرارات للتدخل في تيمور الشرقية وقرارات خاصة بالتدخل في الصومال وفي هايتي ورواندا...وأحجمت عن إصدار قراراتها بالضغوط من ذات الدول العظمى لصالح الشعب الفلسطيني أو لحماية الشعب الشيشاني من التدخل الروسي، ففي رأيي فكرة التدخل الإنساني بهذه الازدواجية في المعاملة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون إنسانية بل يمكن أن نسميه تدخل انتقائي.
المبحث الثاني
التدخل الإنساني وفكرة السيادة
نتيجة للمتغيرات الجذرية التي حدثت في محيط العلاقات الدولية في مطلع عقد التسعينات برزت في السياسة الدولية مفاهيم و مصطلحات جديدة تنسجم و تتوافق مع ما يسمى بالنظام الدولي الجديد، و من بين هذه المصطلحات، مبدأ التدخل، و الذي يستند إلى منطلقات فكرية و سياسية غربية و التي تعتبر الديمقراطية و حقوق الإنسان مصادرها الأساسية متجاوزة بذلك مبدأ السيادة الوطنية للدول المتدخل فيها باعتبارها شخصا رئيسيا في القانون الدولي، فلم يعد بذلك مبدأ السيادة المطلقة و الخاصة للدول قائما، و لذلك وجب إعادة التفكير و بجدية في مسألة السيادة ليس من أجل إضعاف جوهرها الذي له أهمية حاسمة في الأمن و التعاون الدوليين، و إنما بقصد الإقرار بأنه من الممكن أن تتخذ مسألة السيادة أكثر من شكل و أن تؤدي أكثر من وظيفة، و مثل هذه الرؤية يمكن أن تساعد على حل المشاكل سواء بين الدول أو داخل الدولة الواحدة، لأنه لا يمكن أن نتجاهل حقوق الأفراد و الشعوب التي تستند إلى أبعاد من السيادة العالمية و التي هي ملكية للبشرية عامة، و هذه النظرة و هذا التطور الحاصل في مبدأ السيادة كان دافعا لترويج مفهوم التدخل الإنساني و الحجة كانت حماية الأقليات و الأفراد و الجماعات التي تتعرض لانتهاكات حقوق الإنسان من قبل الأنظمة السياسية، و على ضوء ذلك جاء التقرير السنوي المقدم من طرف الأمين العام للأمم المتحدة، السيد بطرس غالي في سبتمبر 1991م مؤكدا على حماية حقوق الإنسان، أخذت الآن تشكل إحدى الدعامات الأساسية لقنطرة السلم و أن هذه الحماية تقتضي ممارسة التأثير و الضغط بشكل متضافر على الصعيد الدولي عن طريق المناشدة أو الاحتجاج أو الإدانة و كحل أخير إقامة وجود منظم للأمم المتحدة بأكثر مما كان جائزا بموجب القانون الدولي، كما أكد المؤتمر البرلماني الدولي المنعقد بالأرجنتين في شهر أكتوبر عام 1991م على أن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية التي تقع أساسا في نطاق اختصاص الدول يجب ألا يمنع الأمم المتحدة من اتخاذ تدابير لكفالة احترام المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، و منع الإبادة الجماعية ([32]) و المعاقبة عليها.
لقد كان من مبادئ هيئة الأمم المتحدة و التي نصت عليها في المادة الأولى من ميثاقها هو قيام هذه الهيئة على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع الدول الأعضاء، و الذي يقصد به المساواة القانونية بين هذه الدول، و إقرار الميثاق بمبدأ المساواة في السيادة بين الدول هو اعتراف صريح بسيادة كل دولة و بعدم اعتبار الأمم المتحدة دولة فوق الدول، غير أن الواقع يقول بأنه لا سيادة كاملة للدول الأعضاء ما عدا طبعا الدول الخمسة التي لها حق النقض و بعض الدول التي هي في طريقها أن تصبح من الدول العظمى و المؤثرة في رسم السياسية العالمية كاليابان و ألمانيا([33]).
إن التدخل لأجل الإنسانية قد يحمل معه أطماعا استعمارية تتبلور شيئا فشيئا، و قد كانت الإمبراطورية العثمانية إحدى ضحايا فكرة التدخل الإنساني لأجل حماية الأقليات فيما عرف آنذاك بالمسألة الشرقية([34])، كما كانت هذه الفكرة إحدى مبررات هتلر لإشعال فتيل الحرب الكونية الثانية حين شكا سوء معاملة الأقليات الألمانية في تشيكوسلوفاكيا خاصة و في أماكن أخرى من أوربا بوجه عام([35])، و بالاستناد إلى نص المادة الثانية في فقرتها السابعة (2/7) من ميثاق الأمم المتحدة فإن التدخل في سياسة الدول الداخلية هو من الأمور غير المشروعة فقد جاء فيها: "على أنه ليس في هذا الميثاق ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم الشأن الداخلي لدولة ما...".
ولأن من مظاهر السيادة التي تتجسد من خلالها الدولة نجد الاستقلال الداخلي و الذي يعني حرية الدولة في إدارة شؤونها العامة، باختيارها لشكل النظام السياسي و اعتمادها لدستور يتفق مع طبيعة هذا النظام السياسي المختار و تحديد كيفية التعامل مع مواطنيها، فالدولة هي سيدة نفسها على أرضها و على شعبها، و لا يحق لأية دولة أو جهة أخرى أن تتدخل في شؤونها الداخلية بشكل قصري، إلا أن تسمح هي بذلك فسماحها بذلك هو مظهر للسيادة أيضا باعتبارها آخذة القرار بذلك و عن طيب خاطر([36])، و لأنه أيضا من خصائص السيادة أنها لا تتجزأ، فالسيادة لها معنى واحد لا يمكن أن تؤخذ في الحسبان في قضايا معينة و يقفز عليها في قضايا أخرى لأنها ببساطة لا تخدم مصالح القوى الكبرى([37]).
غير أن الواقع على عكس ما ذكرنا فالدول الكبرى أصبحت هي صاحبة القرارات الفعلية كالولايات المتحدة الأمريكية و المعيار الوحيد هو أنك مع الإستراتيجية الأمريكية أم ضدها، فهل حان الوقت لإدخال إصلاحات و تعديلات على ميثاق الأمم المتحدة ؟
إن الثغرة بين السيادة القانونية و السيادة الحقيقية آخذة بالاتساع يوما بعد يوم، في الوقت الذي نجد فيه إشارات عامة لبدء مجتمع فوق الدول(فوق الدولية)([38])، فقد أصبحت السيادة في عصر الفوضى الخلاقة التي تدعوا إليها الولايات المتحدة الأمريكية مقتصرة على الدول الكبرى المهيمنة و التي استطاعت أن تسخِّر القانون الدولي و الشرعية الدولية و مؤسسات المجتمع الدولي لصالحها و في خدمة مصالحها الإستراتيجية، و بالتالي تعززت سيادتها على من سواها من الدول و التي أصبحت سيادتها سيادة شكلية تقبل بمتغيرات السياسة الخارجية للدول المهيمنة بشكل لا تملك معه خيارات أخرى كالندية في التعامل مثلا، بل الامتثال و الرضوخ لسياسة تصنعها الدول الكبرى المهيمنة و على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية و التي أصبحت تعزز سيادتها حتى و لو باستعمال القوة العسكرية على حساب سيادة الدول الأخرى المتدخل في شؤونها الداخلية بدعاوى كثيرة منها دعوى حماية الأقليات([39])، و بهذا فالسيادة في حاجة إلى إعادة تصنيف جديد تقتضيه الظروف الدولية الراهنة و تأخذ في الحسبان المتغيرات الجديدة.
غير أن ما ذكرته لا يمنع فكرة التدخل الإنساني من التطبيق و الأخذ بها بالأساس و في حدود ضيقة و بإشراف أممي، و بصرف النظر عن تجاوز سيادة الدول فقد يتفهم المجتمع الدولي دواعي التدخل لأغراض إنسانية عندما تنتهك دولة ما حقوق بعض مواطنيها من أفراد الأقليات([40]) بشرط أن يكون التدخل الإنساني من قبل الأمم المتحدة و ليس من قبل الدول الكبرى المهيمنة التي تسيرها المصالح الخاصة لهذه الدول و التي تتعامل بازدواجية في معايير التدخل حسب المصالح الخاصة دائما و الأدلة كثيرة كالصومال، العراق، كوسوفو، البوسنة...([41]).
لقد أصبح لمفهوم السيادة تعبيرات أقل حدَّة كتعبير السيادة المقيدة في الحدود المشروعة، و حلت في المقابل فكرة التضامن محل فكرة السيادة المطلقة، فقد انتقل جزء من السيادة المطلقة في اعتقادي إلى الفرد، و أصبحت سيادة الدول ها هنا نسبية و من مكوناتها سيادة الفرد فيها([42]).
إن مبدأ التدخل الإنساني لأجل حماية الأقليات يصطدم ببعض قواعد القانون الدولي و ببعض المبادئ الثابتة في ميثاق هيئة الأمم المتحدة منها مبدأ حظر استخدام القوة المسلحة في العلاقات الدولية و الذي يؤكد على سيادة الدول و سلامة أراضيها([43])، فإذا كان التدخل لأجل حماية الأقليات بهذا الشكل ففيه إهدار لهذا المبدأ الثابت في العلاقات الدولية و الذي من غير أخذه في الحسبان يؤدي إلى انتشار الفوضى التي لا تخدم الإنسانية، هذا المبدأ و غيره من المبادئ التي بني عليها ميثاق هيئة الأمم المتحدة، كما أن هناك مبدأ آخر و هو مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول و الذي أشرنا له من قبل و الذي لم يستثني أية حالة تشرع التدخل في الشؤون الداخلية للدول و تنقض بذلك هذا المبدأ حتى و لو كان هذا التدخل لأجل حماية الأقليات إذ تنص المادة الثامنة من إعلان الأمم المتحدة لحماية الأقليات في فقرتها الرابعة(8/4)على أنه: "لا يجوز بأي حال تفسير أي جزء من هذا الإعلان على أنه يسمح بأي نشاط يتعارض مع مقاصد الأمم المتحدة و مبادئها، بما في ذلك المساواة في السيادة بين الدول و سلامتها الإقليمية و استقلالها السياسي"([44])، ففي المادة إقرار لحماية الأقليات و لكن بضوابط و تقييدات أهمها عدم الاعتداء على سيادة الدول و التدخل في شؤونها الداخلية بالشكل الصارخ الملاحظ اليوم، مع ضمان سلامة أراضيها و صون استقلالها السياسي، و هذا ما يقودنا إلى القول بضرورة بقاء حماية حقوق الأقليات في إطار الشرعية الدولية و وفقا لمبادئ القانون الدولي العام و برعاية و تحت إشراف هيئة الأمم المتحدة و بعيدا كل البعد عن هيمنة الدول الكبرى و التي تستعمل قضية الأقليات و حماية حقوقها حصان طروادة لقضاء مصالح خاصة ضيقة متجاوزة بذلك المواثيق الدولية و التي على رأسها ميثاق هيئة الأمم المتحدة و أبجديات القانون الدولي العام و بالتالي فلا إكراه و لا إجبار لدولة ما على احترام حقوق الأقليات بل يكون عن طيب نفس منها([45])، كما جاء في هذا الإعلان: "...و إنه بالنسبة للدول فيجب أن توفي عن طيب خاطر بالالتزامات و الوعود و الاتفاقيات و المواثيق الدولية المنبثقة عنها من أجل حماية حقوق الأقليات"، كما أنه لا تثار المسألة إلا إذا كانت هذه الدولة ملتزمة باتفاقيات و معاهدات خاصة بالموضوع المثار، و لذلك فإن عمليات التدخل الإنساني لأجل حماية الأقليات ذات أبعاد سياسية بالدرجة الأولى و هذا ما يمكن أن نؤكده بالنظر إلى العديد من القضايا المتعلقة بالأقليات و حمايتها و التي تقتضي تدخلا إنسانيا و أحيانا يكون مستعجلا لحمايتها إلا أنها تقابل بلا مبالاة دولية و إذا حدث اهتمام بها فيكون متأخرا جدا، و ما حدث في البوسنة و كوسوفا خير دليل على هذا.
المبحث الثالث
نظرية الاستنقاذ في الفقه الاسلامي

المطلب الأول: مفهوم نظرية الاستنقاذ في الفقه الإسلامي
إن نظرية الاستنقاذ([46]) في الفقه الإسلامي هي وسيلة لحماية المضطهدين في دينهم أو المأسورين أو المتعرضين لظلم وذلك برفعه عنهم وتخليصهم منه ودفع الظلم عنهم ونصرتهم وتحرير المستضعفين منهم ومنع تعذيبهم أو إهانتهم لأنه أمر مطلوب ما دام في الإمكان تحقيقه، ولكنه وبتتبع الأحداث على الساحة الدولية المعاصرة يلاحظ عدم مبالاة المسلمين بهذه النقطة وبهذه المسؤولية وفتور هممهم وعزائمهم تجاه ما يتعرض له أهل الإسلام وكأن ذلك لا يعنيهم.لقد وجد الإسلام في بداية الرسالة أشخاصا قد فقدوا حريتهم وتعرضوا للظلم والجور فاستضعفوا واستحقروا نتيجة لفقدهم حريتهم وحقوقهم الإنسانية ولما كــان ديننا الحنيف(الإسلام) دين الحرية والحياة، فقد طلب من المسلمين اتخاذ ما يجب اتخاذه من دفع الظلم والحيف والجور([47]) حال وقوعه بشتى الوسائل المشروعة والمتاحة([48]).

المطلب الثاني: طرق تنفيذ نظرية الاستنقاذ في الفقه الإسلامي
إن نظرية الاستنقاذ في الإسلام التي تهتم أساسا بحماية الأقليات المسلمة في البلاد غير الإسلامية خاصة وعن المستضعفين عامة هي الجنب التطبيقي لنظرية عامة وهي نظرية الدفاع عن مصالح الأمة الإسلامية سواء كانت دينية أو دنيوية، ولذلك رسم الإسلام طريقين لتنفيذ هذه النظرية:
الفرع الأول: السبل الشخصية للاستنقاذ
يوجب الإسلام على الأشخاص المضطهدين والمستضعفين القيام بأي عمل يخلصهم من الاستضعاف ويرجع إليهم حريتهم كالهرب، والهجر، أو المقاومة، حتى ولو كانت النتيجة هي فقدان ممتلكات هؤلاء الأشخاص لأن هذه الممتلكات تصبح بلا قيمة لدى منزوعي الحرية، قال تعالى:﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً﴾([49]).
إنه وبشيء من التفصيل والتوسع في هذا الطريق الأول وهو وسائل الاستنقاذ التي تقع على عاتق الأشخاص المضطهدين أنفسهم نقول أن الإسلام قد حث على الحرية في أسمى أصولها وجعلها شرطا في ممارسة بعض الشعائر الدينية وطلب من المسلمين التمتع بها وعدم التنازل عنها مهما كلف الأمر، ومن هذه الوسائل:
أ.الصبر والمقاومة: وخير ما نستشهد به هنا هو السيرة النبوية الشريفة فما حدث للرسول صلى الله عليه وسلم وللصحابة له عين المقاومة والصبر وأحيانا يكون الصبر مقاومة لعدم الرضوخ والقبول بالحلول الظالمة، فعن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: ﴿أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة في ظل الكعبة فشكونا إليه فقلنا: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا، فجلس محمرا وجهه فقال: [ قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض ثمّ يؤتى بالمنشار فيجعل فرقين ما يصرفه ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يصير الراكب ما بين صنعاء وحضرموت ما يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم قوم تستعجلون]﴾([50]).
ب.الهجرة إلى دار الإسلام: بعد الهجرة النبوية الشريفة وتأسيس الدولة الإسلامية في المدينة، أصبحت المدينة المنورة دار إسلام، وكانت الهجرة متواصلة نحو هذه الدار حتى فتح مكة، فكان المستضعفون والمضطهدون ينتقلون من إليها فراراً بدينهم بأنفسهم فراراً مما لحقهم من اضطهاد وظلم، ولذلك فقد أجاز الإسلام للمسلم الانتقال من موقع الظلم والاستعباد إلى موقع العدل والحرية خاصة إذا تأكد له عدم قدرته على دفع هذا الظلم بكل الوسائل المشروعة والممكنة، قال تعالى:﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً﴾([51]).
جـ.استعمال الحيلة: هناك حيل مشروعة وهذا لأنه قد أجاز الإسلام للمسلم عامة اللجوء إليها للوصول إلى غاية وغرض معين في الحالات فمن باب الأولى أن يجيزها للأشخاص المظلومين والمضطهدين لرفع الغبن عنهم، ومن ذلك ما حدث من سيدنا عبد الله بن حذافة حينما أسره الروم وهو في الجيش الذي أرسله إليهم سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأحضروه إلى ملكهم الذي دعا بقدر وصب فيها ماء حتى احترقت، ثمّ دعا بأسيرين من المسلمين فأخذ بأحدهما فألقي فيها بعد أن عرضوا عليه التنصر فأبى، ثمّ أمر بأن يلقى فيها(عبد الله بن حذافة) فلماذا ذهبوا به بكى، فقال: ما أبكاك إذا؟ قال: أبكاني أني قلت في نفسي نلقى الساعة في هذه القدر فتذهب، فكنت أشتهي أن يكون بعد كل شعرة في جسدي نفسي تلقى في الله، قال له الملك: هل لك أن تقلب رأسي وأخلي عنك؟ قال: قال له عبد الله: وعن جميع أسارى المسلمين؟ قال: وعن جميع أسارى المسلمين، قال عبد الله: فقلت في نفسي عدو من أعداء الله أقبل رأسه يخلي عني وعن أسارى المسلمين لا أبالي، فدنا منه فقبل رأسه فدفع إليه الأسارى فقدم بهم على سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأخبر عمر بخبره، فقال عمر: حق على كل مسلم لأن يقبل رأس عبد الله بن حذافة وأنا أبدأ، فقام عمر فقبل رأسه([52]).
الفرع الثاني: السبل الدبلوماسية للاستنقاذ
وهو الذي يقع على عاتق كل المسلمين( تمثلهم في ذلك الدولة الإسلامية وحين غيابها كما هو حاصل في عصرنا، تنوب عنها الهيئات الأهلية)، فيتم اتخاذ كل الوسائل الممكنة لاستنقاذ المستضعفين والذود عنهم كالمفاداة بالمال أو بالأشخاص ـ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
التدخل الإنساني لحماية الأقليات بين القانون الدولي العام و نظرية الاستنقاذ في الإسلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» موقف النظريات السياسية في العلاقات الدولية من التدخل الدولي الإنساني
» أسس التدخل الانساني في القانون الدولي
» القانون الدولي الإنساني ومقالات سياسية أخرى
» القانون الدولي العام
»  القانون الدولي العام

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى قالمة للعلوم السياسية :: ******** لسا نـــــــــــــــــــــــس ******** :: السنة الثالثة علوم سياسية ( محاضرات ، بحوث ، مساهمات ) :: عـــلاقــــــــات دولــــيــــــة ( محاضرات ، بحوث ، مساهمات )-
انتقل الى:  
1