مفهوم ادارة النزاعات الدولية
الــــــــــــخــــطــــــــــــة
مقدمة :
I – ضبط المفاهيم :
1- مفهوم النزاع .
2- مفهوم ادارة النزاع.
II – مبادئ, آليات واستراتيجيات ادارة النزاع :
1- مبادئ ادارة النزاع.
أ- تحديد الاهداف.
ب- التطبيق والاستعمال التدريجي للقوة العسكرية.
ج- الابقاء على الاتصال مع الطرف الاخر.
د- البحث عن الدعم.
2- أليات ادارة النزاعات :
أ- المساومة.
ب- المباراة.
ج- التحالفات.
3 -الاستراتيجيات:
أ-.استراتيجيات دفاعية
ب- إستراتيجيات هجومية
III- تطور ادارة النزاعات الدولية منذ 1945:
1- ادارة النزاعات الدولية في ظل الحرب الباردة.
2- ادارة النزاعات الدولية بعد الحرب الباردة .
خاتمة.
قائمة المراجع:
I- الكتب:
1- الشاعري ( يحي صالح )
2- بدران( ودودة) وأخرون,المدخل إلى العلوم السياسية والإقتصادية والإستراتيجية (القاهرة,المكتب العربي للمعارف), 2003
3- حتى ( ناصيف يوسف ), النظرية في العلاقات الدولية (بيروت دار الكتاب )ط1 1987
4- حماد( كمال),النزاعات الدولية دراسة قانونية سياسية ودولية (بيروت دار النهضة)1998
5- دوروتي (جيمس),بالتسغراف روبرت, النظريات المتضاربة في العلاقات الدولية,ترجمة وليد عبد الحي (بيروت دار المؤسسة الجامعية للنشر) 1985 .
6- عطية (حسن عطية),قضية الشرق الأوسط بين الصراع والتسوية 1981 (القاهرة دار الموقف العربي)
7- عودة(جهاد),إدارة الصراع الدولي, (القاهرة دار المحروسة),2001.
8- كشرود (عمار الطيب),البحث العلمي ومناهجه (عمان الأردن دار المناهج للنشر والتوزيع)2007.
9- مخول (موسى),موسوعة الحروب والأزمات في القرن العشرين (بيروت دار بيسان للنشر والتوزيع)2005.
II- أعمال غير منشورة:
1- بوقارة (حسين),مفهوم إدارة النزاعات الدولية,محاضرة في مقياس إدارة النزاعات,ألقيت على طلبة الماجيستير علوم سياسية,كلية العلوم السياسية والإعلام,جامعة الجزائر بتاريخ 2007-12-16.
2- دمدوم (رضا),مفهوم النزاع الدولي,محاضرة في مقاس النزاعات الدولبة,ألقيت على طلبة السنة الرابعة علاقات دولية,جامعة منتوري,قسنطينة,الجزائر,الموسم 2006-2005
III – مواقع الانترنيت :
1- حماد كمال,إدارة الازمات,مقال على الانترنيت بتاريخ 2007-07-12 على.
-2 شقير(حسن) تطورت مابعد الحرب الباردة,مقال على الأنترنيت بتاريخ 2007-02-17 على الموقع
مقدمة
ان الخلافات بين المجتمعات وداخل المجتمع الواحد بدأت منذ التجمعات البشرية الاولى,وساهم تطور الحياة الانسانية في إضافة دوافع جديدة للتباين في الأهداف والمصالح, وهذا التباين أدرجه البعض في خانة النزاع الذي ظهر بشكل أكثرحدة بين الدول القومية في ظل نظام الدول الذي افرزه سلام واستفاليا عام 1648 من خلال ما شهده العالم من النزاعات التي تمحورت اسبابها حول التوجهات الايديولوجية والانتماءات الدينية والعرقية والطموحات التوسعية الى غير ذلك من الاسباب التي ادت الى نزاعات عديدة ما زالت تبعاتها بشكل او باخر.
ان تعقد النزاعات وتداخل اسبابها وتعدد اطرافها واختلاف طبيعتها من ظرف الى اخر ومن بقعة جغرافية الى اخرى عمل على بروز جملة من المفاهيم المعبرة عن محاولة التحكم في النزاع كظاهرة في العلا قات الدولية والتعامل معها على نحو يتم فيه إحتواؤها, او على الاقل تكييفها في صالح طرف ما,وهذه الرغبة اصطلح عليها بادارة النزاع , وهي الادارة التي تستوجب أليات ووسائل يرتجى من ورائها تحقيق اهداف محددة وذلك عبر استراتيجيات مدروسة, وهذا المعطى هوما يبلور اشكالية بحثنا التي يمكن ان نصوغها على النحو التالي:
الاشكالية:
- كيف يمكن ان نفهم ادارة النزاعات الدولية كموضوع وكواقع في العلاقات الدولية.
- هل لإدارة النزاعات الدولية ألية واحدة ام أليات متعددة؟
- هل هناك استراتيجيات تقدمها الدول في ادارة النزاعات؟
الفرضيات :
- اذا كانت ادارة النزاعات تعني التعامل مع النزاع فانها تتضمن مزيجا من ادوات الاكراه والاقناع.
- ان ادارة النزاعات تختلف في استراتيجياتها بحسب اختلاف النزاعات والاطراف المشاركة فيها وحجم المكاسب التي يسعى كل طرف لتجسيدها.
المنهج :
ان طبيعة الموضوع هي التي تحدد المنهج وبالنسبة لموضوع بحثنا هذا المتعلق بتحديد مفهوم ادارة النزاع وتبيان أليات هذه الادارة واستراتيجيتها فاننا سنعتمد على المنهج الوصفي, وذلك لان هذا النوع من المناهج يقدم رصيدا اكبرا من المعلومات والبيانات الاساسية ذات الصلة بالظاهرة محل الدراسة, مما يساعد على تطوير دراسات وبحوث جديدة تعتمد على ما تم التوصل اليه باستخدام هذا المنهج ونحن باعتمادنا هذا المنهج نسعى الى تحقيق الاهداف التالية:
- فهم عملية ادارة النزاعات الدولية وتوفير البيانات والحقائق حولها.
- التعرف على عناصر هذه العملية والياتها واستراتيجياتها.
- دراسة نماذج ومراحل تطور ادارة النزاعات الدولية.
وباعتماد هذا المنهج سنحاول تنظيم المعلومات الواردة في بحثنا هذا على النحو التالي:
I - ضبط المفاهيم.
II- مبادئ,أليات ,واستراتيجيات ادارة النزاع.
III- ادارة النزاع منذ1945.
خاتمة .
وسنحاول التطرق الى ضبط مفهوم ادارة النزاع دون التعمق في التأصيل النظري الذي سيكون مثار اهتمام بحوث لاحقة .
I. ضبط المفاهيم :
1. مفهوم النزاع:
المقصود بالنزاع الدولي هو الوضع الناشئ عن اصطدام وجهات نظر بين دولتين أو أكثر أو تعارض مصالحهما حول موضوع أو مسألة ما ، و بدت هده الأمور للوهلة الأولى متناقضة بينهما و لكن في حالة التقارب بين الطرفين يمكن معالجة هدا الخلاف و حله حلا سليما بالطرق الودية و الدبلوماسية و كثير ما يحدث الخلاف على الأرض ، مثلا هناك طرف يرى له حقوق على قطعة من الأرض بينما الطرف الآخر يدعي لنفسه الحقوق عليها....
فيعرض الطرفان الأدلة و الحجج في حقوق المتنازع عليه ، و هدا ما تقتضيه الوثائق و البراهين في هدا الحق على هذه الأرض دون الغير..
_ و تدور كثيرا من المنازعات على الحدود بين الدول و المياه و الموارد ، الطاقة و المعادن و الصيد و الرعي ، وربما التجارة و الاستثمار بالإضافة على الصراع على الحقوق و الحريات و العدالة و المساواة و المشاركة و الانفصام و الحكم الذاتي و النزاعات الأخرى العرقية و الطائفية و غيرها.
_ و يقصد بالنزاع الدولي كما أشار إليه قرار المحكمة العدل الدولية الدائمة بتاريخ 30 أوت 1942 بأنه : "خلاف بين دولتين على مسألة قانونية ، أو حادث معين ، أو بسبب تعارض وجهات نظرهما القانونية ، أو مصالحهما" و بهذا يمكن التمييز بين فئتين من المنازعات الدولية أحدهما منازعات ذات طابع قانوني ( وهي المنازعات التي تحل عادة بالوسائل القانونية )، و الأخرى منازعات ذات طابع سياسي ( و هي التي يتم حلها بالوسائل الدبلوماسية ).
_ النزاع ظاهرة معقدة و التعقيد راجع بالدرجة الأولى لكثرة أبعادها و تداخل أسبابها و تنوعها و اختلاف النتائج المتمخضة عنها ، و على الرغم من التعقيد فإن النزاع ظاهرة طبيعية في العلاقات الدولية.
_ بما أن هناك عددا من الدول و تبايننا في أهدافها و مصالحها و خصائصها تحدث النزاعات ، كما أن النزاع هو آلية و محرك لتطور العلاقات الدولية، فهو يحتوي على هياكل و تنظيمات و علاقات و قوانين غير ملائمة و يحدث نقله إلى وضع أحسن.
و عليه يمكن القول أن مفهوم النزاع ، مفهوم معقد فالدارسين له ينقسمون إلى قسمين:
المجموعة الأولى: تبحث عن أسبابه و تعامل أطرافه فيما بينهم.
المجموعة الثانية: إضافة إلى ما سبق، تسعى إلى إيجاد حلول لهذه النزاعات و هذا الاختلاف في المجموعات أذى إلى اختلاف مفهوم النزاع.
التصور1: هو تصور موضوعي يقوم على اعتباره حالة واقعية و يتم التركيز على سلوك أطراف النزاع و تحديد أنماط سلوكها.
مثال: تعريف طوماس شيلينغ( Tomas Schilling ) في كتابه"استراتيجية النزاع": كل ما يمكن فعله هو إدارته و تسيره.
و حسب التصور الأول: "النزاع هو مواجهة يسعى كل طرف أثناءها جاهدا لتحقيق الربح، عندئذ يوصف سلوك الخصوم بواسطة ألفاظ مثل واع ، سليم، رفيع و يتجه الأفراد في هذه المواجهة في البحث عن قواعد تضمن لهم الأفضل فرص نجاح.
_ تعريف "جون دوغوزال" ( John Dogozal ) هو "نزاع بين عدة دول أو وحدات سياسية في شكل صدام و إرادات متناقضة و يتضمن أن موضوع الخلاف يصبح رهان يقبل الأطراف المتنازعون المجازفة من أجل الفوز بهذا الرهان".
التصور2: و هو تصور ذاتي على خلاف الأول، ينظر إليها على أنها حالة مرضية يمكن معالجتها من خلال إيجاد حلول لها - ممكنة – و حسب هذا التصور، فإن بداية حله تبدأ من لحظة تغير إدراك الأطراف، و ذلك لأن سبب النزاع هو اعتقاد الأطراف بأن النزاع بينهم هو نزاع صفري.
_ "جون بارتون" ( John Burton ) يقول: "إن النزاع يبدو أنه يدور حول اختلافات موضوعية المصالح و يمكن تحويله إلى نزاع له نتائج إيجابية على الأطراف بشرط أن يقوم بإعادة النظر إلى بعضهم بكيفية تجعلهم قادرين على التعاون على أساس وظيفي من أجل استغلال الموارد المتنازع عليه".
ولكن رغم هذا الاختلاف بين التصورين فإن النزاع هو تعارض بين إرادات معينة، و بالتالي فهو شكل عام من سلوك الإنسان.
_ كما يعرف النزاع بأنه: "تعارض أو تصادم بين اتجاهات مختلفة أو عدم توافق المصالح بين طرفين أو أكثر مم يدفع بالأطراف المعينية مباشرة إلى عدم القبول بالوضع القائم و محاولة تغييره".
النزاع و المفاهيم الأخرى:
1) التوتر( Tension ):
يظهر في الشكوك و التخوف و تصور لتباين في المصالح أو الرغبة في السيطرة و تحقيق الانتقام لكنه يبقى في هذا الإطار دون أن يتعداها ليشمل تعارضا فعليا و صريحا و غالبا ما يلازم النزاعات كما قد يكون سببا أو نتيجة لها.
_ أما "مارسيل ميرل" ( Marcel Merle ) ، فيعرفه على النحو التالي: "التوتر هو مواقف نزاعية لا تؤذي مرحليا إلى اللجوء إلى القوة، فالتوتر يختلف عن النزاع، و هو يشير إلى التخوف و الشكوك بتباين المصالح بين الأطراف".
و منه: - التوتر يسبق النزاع.
- لتوتر لا يلم بالضرورة على شكوك مصالح.
- النزاع فعلي: عكس التوتر الذي يكون بالشكوك.
- التوتر عندما يحدث لا ينفي التعاون، لكن النزاع عندما يكون هناك تعاون في المصالح، بمجرد حدوثه ينفي التعاون.
2) الأزمة ( Crisis ):
_ هي مرحلة أكثر تقدما من التوتر،عرفها "شارل هرمان" ( Charles Herman ) بأنها:"تهديد كبير و مفاجئ، في وقت قصير ". و الأزمة تمتاز بكثرة الأحداث فيها و قصر مدتها و إن لم يتم إدارتها بشكل مقبول قد تؤدي إلى حرب.
_ تتميز الأزمة عن النزاع بقصر مدتها ( النزاع قد يكون 10 سنوات بينما الأزمة يوم، يومين... ).
_ التوتر معلوم الأسباب.
3) الحرب
Wars )
هي أعلى مستوى النزاع حيت يتصادم فيها الطرفان أو الأطراف عسكريا، فالنزاع إذن يشمل التوتر، الأزمة و الحرب.
_ الحرب مفهوم يتضمن عنصر العنف و بالتالي فهي نزاع مسلح بالضرورة، أما النزاع فليس حربا بالضرورة.
_ يعرفها "برترند راسل" ( Bertrand Russel ): أنها "بمثابة نزاع بين مجموعتين تحاول كل منهما قتل أو تشويه أو تعطيل أكبر عدد ممكن من المجموعة الأخرى للوصول إلى هدف تعمل له".
_ أما "مارسيل ميرل" ( Marcel Merle ): "الحرب هي وضع أو موقف يتميز بالوضوح على الأقل في مظهرين حيث يكون في هذه الحالة بصدد نزاع مسلح بين دولتين.
4) الصراع ( Conflict ):
الصراع هو تصادم إيرادات و قوى خصمين أو أكثر، حيث يكون كل طرف من الأطراف تحطيم الآخر كليا أو جزئيا، بحيث تتحكم إرادته في إرادة الخصم، و من تم يمكنه أن ينهي الصراع بما يحقق أهدافه و أغراضه.
_ هو وضع اجتماعي ينشأ حين يسعى طرفان أو أكثر لتحقيق أهداف متعاكسة أو غير متلائمة، و يمكن ملاحظة الصراع في العلاقات الدولية حيث يتجلى على شكل حرب – كنتيجة يتم التهديد بها و كواقع فعلي، على حد سوى و كسلوك في المساومة يكاد يصل إلى مرحلة العنف -.
_ تنبثق المواقف العدائية عن النخب و الجماهير الواعية عبر استعدادات نفسية مثل: العدوان و الشك. و هو يحمل نفس مضمون النزاع، فقط يختلف في اللغات.
- الإنجليزية: Struggle = صراع أما بالعربية: فالصراع هو النزاع.
Conflict = نزاع
2. مفهوم إدارة النزاعات:
قبل الشروع في تعريف "إدارة النزاعات" ارتأينا توضيح مصطلحات الإدارة ، التسوية، الحل التي له علاقة بالنزاع.
الإدارة ( إدارة النزاعات ):
يطلق هذا المصطلح على أي وضع يكون فيه النزاع جاري مع تجني أو تلطيف أسوأ ما فيه من إفراط.
من شأن إدارة النزاع السعي لتفادي أو إنهاء العنف بين الأطراف.
يجب اعتبار السعي لتحقيق السلام على أنه وظيفة تسوية و حل و ليس إدارة.
التسوية ( تسوية النزاعات ):
_ مصطلح مزدوج المعنى لانتهاء أو إنهاء حالة نزاع، فقد تتم تسوية النزاع بانتصار أحد الطرفين على الآخر.
_ ينطوي الانتصار بوصفه شكلا من أشكال تسوية النزاع على الانفصال و الهزيمة و الإذعان.
الحل ( حل النزاعات ):
_ مقاربة تنطوي على درجة عالية من التحدي في تحليل أسباب و حلول حالات الصراع.
_ خلافا لأساليب "تسوية النزاعات"، يميل الحل ميلا قويا إلى الأساليب الأكاديمية بدلا من الدبلوماسية.
_ استخدمت أساليب الحل بشكل خاص دراسات تجريبية لجماعات صغيرة ( ورشات حل المشاكل ) مستقاة من علم النفس الاجتماعي و سماها "بورتون": اتصال مفيد.
- المفاوضات: ( Negociations )
المعنى الخاص بكلية المفاوضات هي قيام الأطراف البشرية المتعددة التكوينات بالحوار و التشاور و النقاش و التباحث و التفاوض كخطوة لتحقيق الاتفاق حول القضايا الخاصة بهم و ذات الصلة بمصالحهم المشتركة. و هي كما هو معروف أداة ذات صفتين : شخصية و رسمية ، تستخدم لتمهيد الطريق لعقد الاتفاقات التي قد تشمل بعض أو كافة جوانب متطلبات الحياة التكوينية و التعاونية كخطوة لتنظيم الصلات و تحديد سلبيات المهام التي يكلف بها كل فرد من أعضاء الأسر و التكوينات الاجتماعية في ظل الإطارات الوطنية، و في إطار تكوين العلاقات بين الدول الممثلة للأمم و الشعوب و بينها مصير و مستقبل العلاقات المتوقع إقامتها فيما بينها.
_ و يشير البعض إلى أن المفاوضات هي تبادل رأي بين دولتين متنازعتين من أجل تسوية النزاع القائم بينهما. كما تعد من أقدم وسائل تسوية النزاعات الدولية و تحظى بتأييد واسع النطاق و يمكن أن تصل إلى حل توفيقي بين المصالح المتنازعة إذ أنها من أسرع و أكثر الطرق فاعلية لتسوية النزاعات الدولية.
_ تعرف "نظرية اللعبة" المفاوضات على أنها مساومة يتبادل فيها الأطراف التنازلات و يواجهون تأثير مختلف عمليات الإكراه و الضغط.
_ هي أيضا، الابتعاد التدريجي عن المواقف الأصلية و الاقتراب من المواقف الآخرين( نموذج Kelly et schmitzky ) و تكون:
- إما بتنازلات متبادلة ( من كلا الطرفين )
- أو بطريقة منتظمة ( نفس القدر من التنازلات ).
تعريف إدارة النزاعات:
فيما يخص مصطلح "إدارة النزاعات"، تاريخيا كان يفهم منها "احتواء النزاعات" و المقصود باحتواء النزاعات التعامل مع مواضيع النزاع بصورة بحيث لا يتطور التصعيد و إلى الشكل المسلح.
_ حسب « Hugh mail » يقصد باحتواء النزاع الذي هو مضمون إدارة النزاع، ذلك التمييز بين التصورين "الذاتي" و "الموضوعي" و كان ينصب على الثاني: ليس حل بل إدارة و فقط.
_ فيما بعد جاءت دراسة لـ: « Bendou Oceany »و « John Malarry » و كانت حول "النزاعات الإثنية" عام 1994 حيث قسم هذان الباحثان ما سمياه بتسويات النزاع الإثني إلى صنفين "إدارة النزاع" و "إنهاء النزاع".
_ واتضح أن الباحثين كانا يقصدان من « Ethnic Conflict Regulation » كل طرق التكامل مع النزاع ثم التسوية الخاصة بالنزاع بكل الجهود الهادفة لإدارة النزاع و إنهاء النزاع كما يلي: Termination / Management
_ يقصد "بإدارة النزاع" بكل جهود إدارة النزاع ( احتوائه ) بمعنى التعامل معه بطريقة لا تجعله ينتشر بشكل مسلح، ولكن لإنهاء النزاع يسعى كل طرف إلى إلغاء الاختلافات تماما بين الأطراف.
_ إدارة النزاع حسب الموضوعيين هو التعامل مع النزاع و منه هو أوسع من إدارة النزاعات.
_ قدم « John Burton » التمييز بين تسوية النزاع و حل النزاعات، فالأول "في حد ذاتها نتيجة النزاع لطرف على آخر"، أما حل النزاع "يفترض نتيجة في صالح الطرفين كليهما".
_ إلا أنه الآن هناك حديث عن الاتجاهات نظرية في دراسة النزاعات أصبحت نتيجة نحو كل الجهود الرامية لحل النزاع من احتواء، حل، إنهاء، صنع السلام و بناء السلام.
* المفهوم البسيط لإدارة النزاع :
هو التعامل مع عناصر موقف النزاع باستخدام مزيج من أدوات المساومة الضاغطة و التوفيقية بما يحقق أهداف دولية و يحافظ على مصالحها الوطنية، و هي أيضا عبارة عن محاولة لتطبيق مجموعة من الإجراءات و القواعد و الأسس المبتكرة، تتجاوز الأشكال التنظيمية المألوفة و أساليب الإدارة الروتينية المتعارف عليها"، و ذلك بهدف السيطرة على النزاع و التحكم فيه و توجيهه وفقا لمصلحة الدولة.
و أخيره يمكن القول بأن "إدارة النزاعات" تهتم بالنزاعات غير المهيكلة أي النزاعات غير المؤسسة و التي تحدث في بيئة دولية فوضوية.
و الإدارة عادة مرتبطة بمرحلة التصعيد و التناقض لأنها تهدف إلى نقل النزاع أي مرحلة الاستقرار و هذا يؤدي إلى مرحلة الانقضاء و الانتهاء.
_ و هذه المراحل الأربعة هي مرتبطة بمجموعة من العناصر: كثافة النزاع، بالحدود الجغرافية، بعدد الأطراف، حجم الموارد، و بنوعية الأسلحة المستعملة في النزاع.
_ و حسب « John Burton » فإن إدارة النزاعات الدولية هي إدارة إيجابية للنزاعات لأنه حسبة دائما، "في ظل هذا العالم الفوضوي عن معنيون أكثر بإدارة النزاعات و ليس القضاء عليها"، بالإبقاء على النزاعات ذات القيمة الوظيفية، و يجب مراقبتها حتى لا تصل إلى القضاء على هذه الوظائف التي تؤذيها مجموعات معينة.
_ يمكن تلخيص تلك الوظائف الإيجابية التي تؤذيها لكل من الفرد، صانع القرار، المجتمع و جماعات المصالح في:
- بالنسبة للفرد: انتصار في الحروب و بالتالي توليد الفخر و الاعتزاز بالنفس.
- بالنسبة لصانع القرار: تقوية مركز الزعامات.
- بالنسبة للمجتمع: تعزيز التلاحم بين الجماعات.
- بالنسبة لجماعات المصالح: تحقيق مصالحها، مع العلم أن أكبر نخبة مستفيدة من النزاعات هي المركبات العسكرية.
* غير أن المدرسة الفوضوية تعقد بأن النزاع يمر بمسارين هما:
- المسار التنافسي: و هو الذي يفرز حل النزاعات ذات الطبيعة الصفرية: مصالح الطرفين متناقضة كليا.
- مسار التعاون: و عندما نحول النزاع إلى مسار ثاني عن طريق آليات التصعيد: التهديد بالتصعيد، الضغط الدبلوماسي، الإغراء في بعض الأحيان من طرف واحد، مجموعة من الأطراف، أو من المجتمع الدولي في بعض الأحيان.
- قد يؤذي هذا الانتقال من المسار الأول إلى الثاني، و بالتالي تحقيق الاستقرار. مثال: الصحراء الغربية، فرنسا هي الطرف الوحيد الذي يمكنه الضغط.
و كذلك نجد أن النظريات جاءت كلها مركزة على هذه الوسائل: الآليات و الإستراتيجيات في نقل النزاع من الصفر إلى غيره.
- النزاعات الدولية التي تدار هي الغير المهيكلة أو المؤسسة و تعني صعوبة إخضاعها لطرق الوقاية، الحل و التسوية القانونية ( للتحكيم و القضاء الدولي )، و من هذا المنطلق هناك بعض الطروحات التي تدعوا إلى هيكلة النزاعات الدولية، من أجل إخضاعها لنفس الطرق التي تخضع لها النزاعات الداخلية.
- من جهة أخرى نرى بأن النزاعات التي يمكن هيكلتها هي التي تمزج و تختلط فيها عوامل التناقض مع عوامل التعاون و المنفعة المشتركة. و هي النزاعات التي عادة ما نميزها عملية المد و الجزر و المساومة بين طرفي النزاع ( اللعبة في المساومة و المفاوضات ) .
II – مبادئ ،أليات واستراتيجيات ادارة النزاع :
1 - مبادئ إدارة النزاعا ت:
أ- تحديد الأهداف: ومضمونه أنه لكي تكون عملية إدارة النزاع فعالة،فيجب على كل طرف أن يعي وبكل الأحوال أنه ليس بمستطاعه الوصول إلى أقصى أهدافه الأساسية .وهذا المبدأ تمت ملاحظته في أزمة كوبا عام 1962 بين الولايا ت المتحدة الأمريكية و الإتحاد السوفياتي.
فالولايات المتحدة استجابت لعدم الإصرار على انسحاب كامل للوجود السوفياتي من كوبا،كما أنها لم تطالب بإبعاد نظام فيدال كاسترو من الحكم بل حددت الولايات المتحدة مطالبها في جانب أمني وهو تفكيك منصات الصواربخ السوفيا تية وإزالتها من الجزيرة،ومن جهة أخرى وافق الإتحاد السوفياتي بالتخلي عن فوائد ومزايا وجود تلك الصواريخ من كوبا القريبة جدا من الشواطئ الأمريكية لسد الفجوة والنقص المتمثلة بضعف القدرات السوفياتية البالستيكية طويلة المدى،مقابل إزالة الحصار الأمريكي عن شواطئ كوبا وتعهد أمريكي بعدم الهجوم مستقبلا على جزيرة كوبا.
ب- التطبيق و الإستعمال التدريجي للقوة العسكرية:إذا سلمنا بمقولةًًً الدفاع عن مصلحة الدولة موضوع غير قابل للنقاش أو التفاوض حوله ،يصبح انطلاقا من تلك المقولة من حق الطرف المتورط في النزاع اللجوء وربما حتميا إلى استعمال القوة ولو تدريجيا وتصاعديا.ولكن على العكس من ذلك ،يجب عدم إغلاق الباب كاملا أمام الخيارات السلمية ،كما يجب تأخير إمكانبة استعمال الخيار العسكري ولو بحدوده التكتيكية .كما يتوجب أن يبقى النزاع العسكري محصورا جغرافيا.
ج-مبدأ الإبقاء على الإتصال مع الطرف الآخر: في الفترات الماضية-قبل العصر النووي- كان دورالدبلوماسيين متراجعا أمام استعمال الأسلح،و بالتالي كانت الإتصالات شبه منعدمة أو في حالة سكون وتستأنف فقط في نهاية المواجهات العسكرية بغية المفاوضة على هدنة أو اتفاقتة استسلام بين الطرفين.أما أثناء الأزمات المعاصرة فالسلوك التفاوضي الحالي متناقض مع الماضي بحيث أن صناع القرار هم عللى اتصال خلال الأزمة،وإذا ما حصل توقف فهو يستثمر لتحسين المواقع العسكرية أو للتقدم التدريجي للقوات المسلحة بغية استثمارها في المفاوضات.فالإشرات المتبالة أثناء الأزمة ليست محصورة فقط بالوسائل الشفوية ،فالتفسير غير الصحيح ممكن أن يسببالمشاكل ،كما أن استنتاجات متعددة ممكن أن يسبب المشاكل ،أو تفهم على غير حقيقتها كتهديد.
د-مبدأ البحث عن الدعم:وينطبق هذا المبدأ خاصة في حالة لجوء الطرف المتورط في نزاع ما إلى القوة العسكرية ،فعليه البحث عن الدعم العريض لخططه من الدول الأخرى كلما كان ذلك ممكنا،سواء كان هذا الدعم مادي أو معنوي ،ولكن هذا البدأ لا يؤخذ به في كل الحالات ،فمن المستحيل استشارة أقرب الحلفاء إذا كانت الضرورة ورد الفعل على عاى عمل ما تتطلب السرعة لمواجهة تحدي غير متوقع وخاصة إذا كان التنبؤ في هذا المجال مستبعدا وبالتالي التخطيط لمواجهته.
2 -أليات ادارة النزاع :
تستوجب ادارة النزاع اعتماد اليات تختلف بحسب ظروف النزاع والاطراف المشاركة في هذا النزاع ودرجة خطورته,ويمكن استعراض هذه الاليات على النحو التالي:
أ -ألية المساومة : تظهر هذه الالية في ادارة النزاع عندما تتباين المصالح بين طرفين او اكثر فيسعى كل طرف لايجاد نوع من الاتفاق والمساومة تنطوي على محاولة دفع الطرف الأخرالى قبول تنازلات كان لا يقبل بها عند بداية النزاع وهنا نكون بصدد احتمالين .
أ- فشل الاجبار وهنا قد يلجأ الطرف المساوم الى التهديد بالتصعيد والحرب.
ب- يقبل الطرف الاخر شروط المساوم على اعتبار ما قد يجنيه من فوائد قريبة او بعيدة المدى.
يمكن تحديد الشكل الاساسي للمساومة على النحو التالي:
- تبدا عملية المساومة بتحديد المنفعة لطرف في مطالبه عند طرف اخروتتعدد العوامل المشكلة للمنفعة إلا ان أبرزها الموقع الجيوبوليتيكي للدولة ومواردها.
- هناك اطار زمني محدد لعملية المساومة.
- ان وجود طرف ثالث في المساومة بقصد التوسط يكون اعتبارا لما له من نفوذ معنوي او مادي او من خلال مصالح حقيقية مع كلا الطرفين.
- تتاثر المساومة بالسياق الاقليمي وذلك من خلال دور الوحدات والقوى المكونة لاقليم دولي معين كاقليم أوربا,الشرق الاوسط,جنوب شرق اسيا .
وفعالية هذا السياق في المساومة مقترنة بتاثيرات النزاع على عملية الصراع حول النفوذ الاقليمي.
اذن المساومة كألية في ادارة النزاع هي من ابرز الاليات المعتمدة في التعامل مع النزاعات الراهنة ومحاولة الحد من تبعاتها.
ب - الية المباراة :
يتم اعتماد هذه الالية في ادارة النزاعات التي يتوفر فيها ما يمكن النزاع عليه والحصول عليه سواء كلية او اقتساما,ويتم استعمال هذه الالية في ثلاث بيئات تتمثل في الاتي:
أ- بيئة التاكد : وهي الحالة التي تتوافر عند وجود معلومات كاملة ومؤكدة من بدائل القرارات والحالات الممكنة وناتج كل قرار.
ب- بيئة عدم التاكد : يكون الاختيارعلى اساسها بين بدائل يمكن ان تمثل افضل النتائج وهناك اربع معايير لهذا الاختيار :
- معيار المتوسط الحسابي: ويتم اعتماد هذا المعيار في حالة ندرة المعلومات ووفق هذا المعيار يتم التعامل مع جميع الاحتمالات في النزاع على اساس المتوسط الحسابي للناتج المتوقع لكل القرارات واختيار افصلها.
- معيار افضل الاسوأ: ووفق هذا المعيار يقوم صانع القرار بتقييم كل قرار ممكن وذلك بتحديد اسوأ نتيجة لأي بديل.
- معيار افضل الافضل: وهو معيار يعتمد على تحديد افضل نتيجة لأي بديل ثم الاختيار.
- معيار الاقل ندما: وفق هذا المعيار يتم اتخاذ القرار في سياق الرغبة في تخفيض درجة التكلفة في حالة اتضاح ان لهذا القرار عواقب سلبية وذلك يتم من خلال عمليتين:
• تحديد افضل القيم التي يمكن الحصول عليها.
• تحديد احتمال فقدان هذه القيم وما يمكن ان يترتب عن ذلك.
ت- بيئة المخاطرة : وهي البيئة الواقعة بين بيئة التاكد وبيئة عدم التاكد,وتطرح هذه البيئة مسألة العقلانية في اتخاذ القرار,وحجم المعلومات المتوفرة.
2- أليات التحالفات :
ياتي التحالف كألية في ادارة النزاع وذلك من اجل احداث توازن في القدرات العسكرية ومجابة المخاطر وغرض أي تحالف في ادارة النزاع هو اما :
أ- التألف : حيث يتم تحويل المنافس في القدرات الى حليف مع الاخذ في الاعتبار مدى تكامل الاهداف,وهذه العملية تقوم بالتقريب بين المتنافسين بشكل يخفف من النزاع ويخلق مجالا من الحياد بينهما في الاهداف.
ب- تعظيم القدرات المسلحة : ويكون ذلك من خلال التوقع والتقييم, ويقصد بالتوقع قابلية النزاع للحدوث إما في المستقبل القريب أوالمتوسط أو البعيد,أما التقييم فهو معرفة افرازات هذا النزاع المتوقعالفرص, القيود .
اذا تعد ألية التحالفات ألية هامة في ادارة النزاع والتعامل مع عناصره ومسبباته وهي اما تتجه بالنزاع الى التهدئة عن طريق خلق توازن في القوة مع الخصم او تتجه به الى التصعيد عن طريق نشوء تحالفات موازية وهنا قد تلعب المساومة دورا مهما في ادارة النزاع وتطوره.
ان هذه الاليات الثلاث وان كانت تختلف درجة اللجوء اليها الا انها تبقى الاليات الرئيسية التي تصاغ وفقها عملية ادارة النزاع وهذه الاليات قد تتحقق فاعليتها عبر جملة من الوسائل والاستراتيجيات وهو ما سنحاول تبيانه فيما يلي:
استراتيجيات ادارة النزاع
تتعدد هذه الإستراتيجيات بحسب وضعية كل طرف وقدراته وإمكانياته إلا انه يمكن إجمال هذه الإستراتيجيات في شقين :
1-الإستراتيجيات الدفاعية:
استراتيجية التعهد:
هي استراتيجية تعرف بالقسر الفعال للخصم و ذلك معناه إقناع الخصم بانه يعني ما يقول و ان النوايا تنطوي على المصداقية و من الوسائل المفضلة في هذه الاستراتيجية التعهد بالصمود و ترك الخطوة التالية للخصم مثال حصار كوبا 1962 اثناء ازمة الصواريخ, كما ان التعهد قد يكون شفويا و قد يتخذ شكل تصريح غامض مفاده اننا لن تقف مكتوفي الايدي , لن تتردد في اتخاذ قرارات صعبة
استراتيجية التوفيق:
هي استراتيجية قائمة على خفض التصعيد بناءا على تنازلات متبادلة تهدف الى تطويق النزاع و الخفض من مستوياته الى الحد الذي يؤدي الى الاتجاه نحو تسوية النزاع.
استراتيجية جس النبض:
وهذه الاستراتيجية قائمة على مبادرة طرف انتهاج سلوك معين سواء في جانب التصعيد او التهدئة لمعرفة ردة فعل الطرف الاخر في النزاع وتتجه هذه الاستراتيجية الى محاولة دفع الخصم الى تغيير مواقفه وتليينها باتجاه حل النزاع او تخفيف حدته.
استراتيجية شراء الوقت:
وهي استراتيجية تنم عن المماطلة والدخول في مفاوضات جانبية حول امور شكلية لا تمس بجوهر النزاع وذلك من اجل كسب الوقت اما لحشد التاييد الخارجي العسكري والدبلوماسي او للاستعداد العسكري واستئناف النزاع من اجل تحقيق مكاسب على الارض.
اذن فعامل الوقت يعتبر مهما من اجل ادارة النزاع في صالح الدولة ورفع عائدات التفاوض او المواجهة.
الإستراتيجيات الهجومية:
استراتيجية التصعيد:
التصعيد احد استراتيجيات ادارة النزاعات الدولية و هو كثيرا ما يعني البدء بتعهدات متواضعة و زيادة التهديدات بعد ذلك من اجل قسر الخصم على الحل الوسط وتجنب صعود الاطراف الى اعلى مراحل التصعيد.
استراتيجية الخطوة خطوة:
يتم انتهاج هذه الاستراتيجية وفق تدرج زمني يتم فيه تحقيق مكاسب معينة في النزاع او طرح مطالب للطرف الاخر و كلما كان هناك رضوخ من الطرف الاخر او تقدم على الارض للطرف الاول كلما كان ذلك دافعا لطرح مطالب جديدة وتحصيل مكاسب اضافية.
استراتيجية الضغط المحكم:
هي استراتيجية قائمة على تضييق هامش المناورة و الحركة للخصم و احتوائه ضمن حدوده و محاولة فصله عن محيطه وجواره الجغرافي ويدخل في ذلك المقاطعة والحصار ودفع الدول الاخرى الى مقاطعة تلك الدولة واجبارها على ان تذعن الى تسويات معينة للنزاع الدولي
استراتيجية الامر الواقع:
وهي استراتيجية تسعى الى دفع الخصم الى القبول بالوضع الذي خلفه النزاع والذي يكون غالبا في غير صالحه ومحاولة جعله لا يسعى الى محاولة تغيير هذا الوضع الجديد بل يقره على اساس عدم قدرته على المعارضة او المواجهة اسرائيل 1967.
استراتيجية الابتزاز التهديدي:
وهي استراتيجية قائمة على اجبار الخصم على تقديم تنازلات ويكون هذا الاجبار مقرونا بالتهديد في حالة الرفض, وفي هذه الحالة غالبا ما يكون الخصم في النزاع ضعيفا ومضطرا الى تقديم هذه التنازلات تحت طائلة التهديد والذي يكون في العادة التهديد باستعمال القوة او العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية - سوريا وعملية الانسحاب من لبنان 2005 –
إن مجموع هذه الإستراتيجيات إنما يعبر عن المرونة التي تميز سياسات الدول في إدارة نزاعاتها المختلفة,فهي تلجأ الى اختيار إستراتيجية ما وفقا لما تقتضيه خصوصيات النزاع,والظروف الدولية المحيطة وحجم المكاسب المتوقع الحصول عليها,إما بالتسويات أو بالدفع بالنزاع الى مرحلة أعلى, وهو ما لاترغب فيه أغلب الدول لأنها تسعى لإبقاء النزاع في مستوى طبيعي.
III إدارة النزاعات الدولية منذ 1945
سيتم استعراض هذه الإدارة وفق مرحلتين: إدارة النزاعات في ظل الحرب الباردة
لقد خضعت إدارة النزاعات في ظل الحرب الباردة إلى طبيعة العلاقات بين القطبين بالدرجة الأولى وإرادة كل قطب في الدفاع عن ما يراه مصالح حيوية له يعمل على حمايتها عسكريا و اقتصاديا و إيديولوجيا وهو السعي الذي أدى إلى إشتداد عدد من النزاعات التي هددت الأمن و السلم الدوليين خاصة أثناء الأزمات الكبرى على غرار أزمة كوبا عام 1962.
فيما فضلت اغلب دول العالم الثالث الانطواء تحت لواء حركة عدم الانحياز متبعة سياسة الحياد الايجابي و محاولة قدر الاستطاعة الحد من مصادر النزاعات و العمل على خلق جو من التفاهم والثقة بين المعسكرين.
ولقد أختار المجتمع الدولي ممثلا بالأمم المتحدة الخيارات التالية في إدارة النزاعات الدولية
- منع النزاعات الدولية
- حل النزاعات الدولية
- قمع النزاعات الدولية
وهذه الطرق الثلاث نص عليها ميثاق الأمم المتحدة وتكون في مجملها نظاما متكاملا لإدارة النزاعات الدولية وقد نصت الفقرة الأولى من المادة 33 من هذا الميثاق على وجود مختلفة لإدارة النزاع بفرض الوصول به إلى التسوية أو احتواء أثاره و تم تفويض مجلس الأمن التدخل باسم المجتمع الدولي في حالة وقوع عدوان أو تهديد للسلم أو الإخلال به أو للردع و إعادة الوضع إلى سابق عهده قبل إندلاع النزاع , وحرص الميثاق في الباب السابع على تزويد مجلس الأمن الدولي بالسلطات و الصلاحيات التي تمكنه مع التعامل مع كل النزعات بفعالية.
لقد انعكست الحرب الباردة على دور الأمم المتحدة في إدارة النزاعات الدولية و ذلك من خلال تأثير كلا القطبين و استخدام حق النقض, و يلاحظ أنه حين يكون هناك اتفاقا بين الولايات المتحدة و الإتحاد السوفياتي أو التفاهم على الأقل حول طرق التعامل مع نزاع ناشئ أو محتمل البروز فإن المجال يكون مفتوحا لاحتوائه و التحقق من أثاره أما إذا تعارضت إدارة الطرفين فإن مخاطر النزاع تزداد و تتجه به أكثر نحو التفجر على شكل حرب تهدد الاستقرار العالمي كما حدث في الحرب الكورية 1950-1953.
و لقد أدى إحلال نظام مناطق النفوذ محل نظام الأمن الجماعي إلى أن لا تطمئن الدول إلى الترتيبات التي يتضمنها أو أن تعتبرها غير كافية لتحقيق أمنها و لذلك بدأت تبحث عن ترتيبات أخرى خارج نطق الأمم المتحدة و ذلك في الأخلاق السياسية و السكرية و التي كان أهمها حلف الناتو و حلف وارسو الذين عكسا أجواء الحرب الباردة.
و من الملاحظ أن عنصر الردع الذي يعرف بالتهديد باستخدام السلاح دون استعماله فعليا في إدارة العديد من النزاعات خلال الحرب الباردة و إن كان الردع وسيلة معهودة استخدمت في إدارة النزاع بين الولايات المتحدة و الإتحاد السوفياتي في إطار ما عرف بتوازن الرعب فإن القوى الكبرى كانت تلجأ مباشرة إلى استعمال القوة العسكرية في إدارة النزاعات التي يكون طرفها الأخر ضعيفا كما فعلت بريطانيا عام 1982 في نزاعها مع الأرجنتين حول جزر المالوين حين نقلت النزاع إلى مستوى الصدام العسكري و استطاعت حسم الحرب في فترة وجيزة.
كما أن عنصر المعلومات وظف إبان الحرب الباردة في إدارة النزاعات الدولية عن طريق ما تتيحه أجهزة جمع المعلومات عن الخصم من حيث قدراته و نواياه الحقيقية و الأطراف الحليفة له ومدى استعدادها و ظهر ذلك جليا في إدارة النزاع العربي الإسرائيلي و الذي تمكنت فيه إسرائيل من إدارة النزاع بكفاءة عالية لصالحها، لما تمتع به جهاز الإستخبارات (الموساد ) من كفاءة عالية في جمع المعومات وسرعة الأداء.
و عموما يمكن القول إن إدارة النزاعات إبان الحرب الباردة شهدت توظيف إستراتيجيات إدارة النزاع الهجومية و الدفاعية وبرزت من خلال ذلك عدة نماذج لإدارة النزاع أهمها نموذج قمع العدوان كما حدث في النزاع في كوريا 1950-1953.
2: إدارة النزاعات بعد الحرب الباردة:
لقد أدت نهاية الحرب الباردة إلى بروز وضع دولي جديد أنهى عصر الاستقطاب الثنائي بين القوتين العظميين بإنهيار الإتحاد السوفياتي و تفكك كتلة الاشتراكية، و هو ما مثل تبدلا جذريا في مفاهيم العداء و التحالف في العالم و إعادة النظر في طبيعة التهديد و النزاعات بعيدا عن الأطر السابقة التي كانت سائدة منذ الحرب العلمية الثانية .
و في ظل هذا الوضع الجديد تعاظمت القوة العسكرية الأمريكية و مكانة الولايات المتحدة خصوصا بعد حرب الخليج الثانية و التي أصبحت تسعى أكثر للهيمنة على العالم في غياب منافسين مكافئين و لقد وضعت أطرا لإدارة النزاعات الدولية و ذلك وفق ثلاث انساق
1- نسق المصالح: وفيه تدفع الولايات المتحدة بالنزاعات إلى التسوية و إنهاء أسبابها و العمل على إحداث تصالح عرقي و مذهبي و الضغط على الأطراف المتنازعة لتجاوز أسباب النزاع كما حدث في النزاع في البلقان 1992-1995 و الذي إستطاعت الولايات المتحدة إدارته بنجاح وتوج ذلك النجاح بإبرام اتفاقية دايتون للسلام بين الأطراف المتنازعة.
2- نسق المواجهة: و يتبلور هذا النسق في محاولة الدفع بالنزاع إلى أعلى مراحله و الضغط على الخصم ، و دفعه إلى تقديم النزاعات و التهديد المتواصل باستخدام القوة ومحاولة توريط الخصم للإنزلاق في مواجهة عسكرية تكون لصالح الولايات المتحدة على غرار ما حدث في النزاع مع العراق 2003 و ما يراد له بالنسبة لإيران و سوريا و بدرجة أقل كوريا الشمالية
3- نسق التعاون مع الخصم: و يقوم على محاولة تجاوز الخلافات المذهبية و الإيديولوجية و إيجاد انسجام في المصالح من خلال نقاط الإتفاق ، و الإبتعاد بأكبر قدر ممكن عن التصعيد أو إرسال إشارات سلبية قد يفهمها الخصم على أنها تهديد لمصالحه أو لأمنه على غرار ما يحدث مع روسيا و الصين.
و يلاحظ من خلال تتبع نمط الإدارة الأمريكية لعدة نزاعات دولية أنها تسعى إلى تكريس نفوذها، وإظهار عجز الأمم المتحدة عن القيام بدورها في حفظ الأمن و السلم الدوليين من خلال:
- شل عمل مجلس الأمن من خلال إستعمال حق الفيتو المتكرر.
- الهيمنة على مناطق الثروات و المنافذ الإستراتيجية و تكريس إستراتيجية الأمر الواقع و تغلب المواصفات الأمريكية لمفاهيم الشرعية، العدالة ، الديمقراطية, الإرهاب و الأمن.
- الهيمنة على الحلف الأطلسي و توجيهه وفق الإرادة الأمريكية.
إلا أن إدارة النزاعات لا يجسدها فقط النموذج الأمريكي لفترة ما بعد الحرب الباردة حيث أن هذه الفترة بما شهدته من غياب القوة السوفياتية و فقدان عنصر الضبط مما خلق إمكانية نشوء نزاعات عديدة خاصة الداخلية منها ، والتي تكرست مخاطرها أكثر مع بروز قضايا الإرهاب و الجريمة المنظمة عبر الدولية، والهجرة غير الشرعية، و النزاعات العرقية و الحرب الأهلية و أزمات اللاجئين عبر مناطق عديدة من العالم.
إن هذا الواقع الجديد فرض إعادة النظر في مفهوم و إستراتيجيات إدارة النزاع خاصة مع بروز عدة نظريات تتحدث عن حلول التهديدات العقائدية خاصة الإسلامية المسلحة مكان التحديات و التهديدات الشيوعية و اليسارية التي كانت سائدة إبان الحرب الباردة ، وفي مقدمة هذه النظريات نظرية صدام الحضارات لصامويل هانتنجتون.
لقد عمد الإتحاد الأوروبي مثلا إلى تكثيف الاتصالات بين أعضائه و محاولة إيجاد سياسة دفاعية و خارجية موحدة يتمكن الإتحاد من خلالها من إحتواء النزاعات التي قد تنشأ داخل القارة الأوروبية أو حوض المتوسط على غرار النزاع في كوسوفو 1999، حيت تم إحتواء هذا النزاع و بمساهمة أمريكية تم إجبار صربيا على الامتثال لمطالب المجتمع الدولي و تليين مواقفها حيال مطالب ألبان كوسوفو, كذلك تظهر إدارة النزاع في القوقاز سياسة الحزم و رفض تقديم تنازلات من قبل روسيا لصالح دعاة الإنفصال، و هو نفس الأسلوب الذي تتبعه تركيا في نزاعات مع الأكراد.
و تحاول إسرائيل تكريس الأمر الواقع في نزاعها مع جيرانها و مع الفلسطينيين خاصة، و تتبع سياسة المماطلة و التعنت وربح الوقت، إضافة إلى الحزم و الرد العسكري الذي ظهر في النزاع مع حزب الله في 2006.
إن ما يمكن استنتاجه إذا هو أنه في مرحلة ما بعد الحرب الباردة نشأت بيئة جديدة للعلاقات الدولية أصبحت فيها النزاعات أكثر تعقيدا و متداخلة الأسباب خاصة مع بروز ظاهرة الإرهاب العابر للحدود و هو ما جعل إدارة النزاعات تعرف تطور في مضمونها و إستراتيجيتها و آلياتها للإحاطة بالوضع الجديد.
خاتمة :
انه وبعد استعراض ادارة النزاع كمفهوم وكألية ومجموعة استراتيجيات, نخلص الى النتائج التالية:
- ان تغير طبيعة النزاع خاصة مع ظهور اسلحة الدمار الشامل وتغير موازين القوى قد طرح مفهوم ادارة النزاع كضرورة قصوى بتم فيها احتواء الاخطار التي تهدد السلم والأمن العالميين, ويتم من خلالها تجاوز كل مايمكن ان ينعكس سلبا على هذا الاستقرار والامن.
- إن اعتماد الاليات التي تم ذكرها يتم بصفة انتقائية بحسب طبيعة النزاع حيث انه قد يلجا الى اتباع مجموعة من الاليات قد تظهر منذ الوهلة الاولى متناقضة فيما بينها,ولكن اهداف صناع القراربعيدة المدى هي التي تحدد توقيت وفاعلية هذه الاليات.
- ان ادارة النزاع قد تطورت بالتوازي مع تطورالعلاقات الدولية وانتقال النفوذ من قطب الى اخر وتداعيات هذا الانتقال على رغبة الدول في المحافظة على الوضع القائم او السعي الى احداث واقع جديد يحقق مصالحها.
- ان دخول فاعلين جدد من غير الدول كاطراف في النزاعات او كمسببين لها على غرار الجماعات والتنظيمات المسلحة ذات الاهداف الدينية او القومية قد جعل ادارة النزاع تولي اهمية بالغة للتعامل مع هذه الأطراف, والحد من تهديداتها للسلم العالمي خاصة وان هذه التنضيمات اصبحت تتمتع بنشاط دولي في ظل الثورة المعلوماتية التي تشهدها العولمة التي سهلت عمليات التنفيذ عبر العالم.
وكنتيجة عامة يمكن القول ان تعقد النزاعات وتداخل اسبابها في مرحلة ما بعد الحرب الباردة دفع الى الاهتمام المعمق بادارة النزاع بين الدول وضمن الدول والاهتمام بمعالجة ظاهرة الارهاب العابر للحدود وظاهرة النزاعات العرقية التي تطورت في مضمونها وفي اخطارها على السلم العالمي.