من المسؤول عن نمطية الخطاب الإعلامي العربي؟
ناهد با شطح
ذكر الدكتور "حسين أمين" في ورقة عمل طرحها في الندوة الإعلامية الدولية "الخطاب الإعلامي العربي.. رؤى مستقبلية" التي نظمها الاتحاد الأوروبي والجمعية العربية الإعلامية في القاهرة يونيو 2003م.
(ان مستوى التفاعل بين الإعلام وغيره من القوى الاجتماعية العاملة وصل إلى مستوى منخفض يسيء إلى السياسة والدبلوماسية الدولية استنادا الى المفاهيم الخاطئة والصور المغلوطة التي يقدمها الإعلام مما أدى إلى ظهور مشاكل إقليمية ومحلية تؤثر سلبيا على مستوى إدراك الفرد ومواقفه الاجتماعية بفعل حجب المعلومات أو طرحها طرحا ناقصا.
ولذلك أصبح موضوع الخطاب الإعلامي العربي ضرورة ملحة مما يدعو - وأكثر من ذي قبل - إلى كسر القوالب والأحكام والأكواد الإعلامية القديمة التي سيطرت على الإعلام العربي لزمن بعيد واعداد الخطاب العربي لمواكبة التحولات العالمية الجارية).
وإذا كنا سنتحدث عن الخطاب الإعلامي العربي فلابد لنا من تشريح واقعه واستشراف مستقبله،
وهذا ما تميزت به الندوة الدولية التي جمعت مثقفين ومثقفات من الشرق والغرب لحوار شفاف قدم فيه العرب رؤيتهم حول إعلامهم كما استمعوا الى وجهة نظر الغرب.
والسؤال المطروح.. ما هي اشكالية خطابنا الإعلامي العربي؟
وهل نحن نتبرأ منه أم ننتمي إليه؟ هل نثق به أم نشعر انه جزء غير شرعي من ارثنا الثقافي؟
والآخر الذي بحكم هذا العصر تحول من هناك إلى هنا كيف نستقبله منفصلا عن ثقافته ونقصيه دون اعتبار لكيانه اختلفنا ام اتفقنا معه؟
وهل ايجاد لغة حوار مشتركة يمكن أن تؤسس ثقافة تنويرية لذواتنا تمنحنا فهماً أعمق لذلك الآخر؟
مدخل:
يقول الأستاذ "خالد الفرم" الرئيس التنفيذي للجمعية العربية عن هذه الندوة (انها تجربة جماعية جديدة في الحوار من اجل تنمية فهم مشترك أفضل، وبلورة قواسم مشتركة، نحو صياغة خطاب إعلامي جديد، بعد التداعيات الأخيرة التي شهدها العالم، بعد أحداث 11سبتمبر التي تعتبر لحظة فاصلة في التاريخ السياسي والإعلامي، والعلاقة بين الحضارات والثقافات، فقد بدا عالم جديد يتمظهر ويتكون بعد تلك الأحداث،
والندوة تعبير عن حاجة موضوعية متنامية لدى الانتلجنسيا العربية والغربية لادماج الاعلاميين والمؤسسات الاعلامية الدولية في جهد مشترك لنشر ثقافة الحوار والمصالحة وثقافة الانفتاح.. ضد ثقافة الانغلاق أو الغطرسة.. مع أهمية تقديم الإعلام العالمي للإسلام والعرب بصورة حيادية وموضوعية تعكس مبدأ التسامح والسلم مع كافة شعوب الأرض).
ان مشاركتي في الندوة تدفعني الى شكر الجمعية العربية الإعلامية والاتحاد الأوروبي على الدعوة الكريمة فقد كانت جلسات الندوة الفكرية مؤسسة لحوار فكري راق بين أطراف متعطشة الى تقديم ذاتها بموضوعية إلى الآخر عندما يجتمع الصحفيون والصحفيات من العالم العربي والأوروبي ليبحثوا اهمية تطوير الخطاب الاعلامي العربي الغربي فهذا يعني مرحلة جديدة من الانفتاح والوعي لتدارس مشكلات الإعلام ودوره بشفافية.
وهي خطوة جادة لدمج جهد الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية الدولية في نشر ثقافة الحوار الحضاري على اساس الاحترام المتبادل، وايجاد صيغة جديدة من العلاقات تؤمن بتنوع الثقافات والحضارات.
واقع الإعلام العربي:
لخص "الدكتور تركي الحمد" في ورقة عمل بعنوان "نحو خطاب إعلامي عربي جديد" طرحها في هذه الندوة (وضع الإعلام في المنطقة العربية وعلاقته بالمجتمع والعالم من حوله، من خلال النقاط التالية: اولاً: توجيه احادي يؤدي في الغالب الى التوتر في العلاقة بين المجتمع والدولة.
ثانياً: ادلجة للتقاليد والقيم التقليدية لأغراض سياسية.
ثالثاً: افتقاد الشفافية يؤدي الى عدم الثقة في السلطة.
رابعاً: انفصام المؤسسة الإعلامية عن حركة المجتمع غالباً ما يسهم في حالة من اللاتوازن الاجتماعي، وفقدان الانسجام الثقافي.
خامساً: لكل تلك الأسباب، يستقي افراد المجتمع معلوماتهم من مصادر إعلامية خارجية، مما يفاقم من حدة المشكلات الثقافية والاجتماعية، لكون المعلومة المستقاة معادة التشكيل بما لا يتفق مع المجتمعات الصادرة إليها وقيمها، والتي هي في حالة ضبابية نتيجة عملية التحول الاجتماعي).
لقد قدم الدكتور تركي في ورقته تحليلا موضوعيا لواقع الإعلام العربي وكان كعادته شاملا في تنظيف الجرح ووصف الدواء.
طرح "الحمد" الحرية الإعلامية كخروج من مأزق إشكالية واقع الإعلام العربي، حرية ممارسة حق الاطلاع وحرية التعبير عن الرأي لكنه كان مدركا بأن الحل لا يأتي إلا من قبل المتحكمين في الإعلام هندسة وتمويلا وصياغة فهم الذين دفعوا وسائل الإعلام الى خلق الصورة النمطية في اذهان العالم العربي عن الغرب وفي اذهان العالم الغربي عن العرب.
إن الإعلام العربي في أزمته الحالية سوف لن ينتج إلا مزيدا من التقوقع حيث ان هذا العصر بإيقاعه السريع لن يسمح للدور الإعلامي المغلوط والمشوه ان يقتل في وجدان العربي حقه في ممارسة البحث عن الحقيقة في مناخ من الوضوح والشفافية.
الطرح الفكري
قدمت في الندوة الفكرية اربعة اوراق عمل هامة عبارة عن رؤية وتحليل لواقع الإعلام العربي من قبل الدكتور تركي الحمد والدكتور حسين امين رئيس قسم الإعلام بالجامعة الامريكية بالقاهرة.
بينما تعرضت الورقتان الأخريتان الى معاناة الصحفي الاجنبي في البلاد العربية واثر الإعلام في بناء المجتمع العربي وسد الفجوة الثقافية فيه.
وقد قدمها صحفيون من فرنسا ومن المانيا.
واستعرض المشاركون في اعمال الندوة الواقع الحالي لتصورات وسائل الإعلام العربية تجاه العالم الغربي، إلى جانب بحث سبل تحسين الأداء الصحفي وتشجيع الحوار والتفاعل مع "الآخر".
وقد شملت موضوعات الندوة التعرف على طبيعة ومدى تأثير وسائل الإعلام العربية على الساحتين المحلية والعالمية، وماهية العقبات التي تواجه وسائل الإعلام العربية وسمات الخطاب الإعلامي العربي الجديد.
وكان من البارز المداخلات التي تقدم بها المشاركون حول أوراق العمل المطروحة.
ليس المهم ما قيل وما نوقش لكن المهم هو كسر الحاجز النفسي في التعامل مع الحضارات المختلفة والتجاذب مع وجهات النظر وان اختلفت فإنها تؤطر لاتساع الافق في محاولة التعرف على الآخر والتحاور معه دون احكام مسبقة مبنية على موروثات ثقافية تقصي الآخر المختلف، بينما كان العرب ، والمسلمون تحديدا من الامم التي نشرت صورتها الحقيقية الى العالم عبر انفتاحها إليه إذ لم يكن في ذلك الزمان قد تولد لدى العربي احساس بالاضطهاد الكاذب أن الآخر متربص به وبثقافته وبحضارته في الوقت الذي ينشغل الغرب عنا بتطوير ثقافته والسعي الدؤوب للانفتاح إلى الحضارات المختلفة.
توفير المعلومة:
في الورقة التي قدمها الصحفي "الكسندر بوشيانتي" كمراسل لجريدة "لو موند" الفرنسية لأكثر من 20عاماً والذي اختار أن يعيش في منطقة الشرق الأوسط حدد المشكلات التي تواجه الصحفي الأوروبي بالآتي:
1- غياب مراكز الدراسات والأبحاث العربية التي توفر المعلومة وتشجع اعداد استطلاع الرأي.
2- صورة الصحفي الغربي المشوهة و التشكيك في موضوعيته ويقابله تشكيك في حيادية الصحف الغربية.
3- غياب المتحدث الرسمي في البلدان العربية الذي يقدم المعلومة الصحيحة.. تجربة هذا الصحفي الفرنسي قدمت الاشكالية في الخطاب الاعلامي من منحنى آخر.
فالإعلام العربي لا يكتفي بسطحية أدواته ووسائله وإنما هو أيضاً يحاول أن يقفل الباب دون الآخر في اتكائه على تسطيح المعلومة أو اهماله لدورها في هذه الحقبة التي تعتبر ثورة معلوماتية.
ومعاناة الصحفيين الغربيين في العالم العربي تجعلهم أكثر ادراكاً للخلل وهذا يذكرني في ابحاث الانثربولوجيا كيف يهتم الباحث بالغرباء إذ ان لديه قدرة أكبر على الاستبصار بمجتمع البحث.
المثير بالفعل ان شح المعلومات في عالمنا العربي يطال كل شيء وما زلنا نردد دوماً حيثيات هذه المعاناة دون البدء في العمل وهناك ايضاً جزئية أخرى تتمثل في انعدام ثقة المجتمع في الصحافي ولذلك لا تتورع مراكز الدراسات العربية على ندرتها من سد الأبواب في وجه الصحافيين وقصر المعلومة على الباحثين.
الثقافة السائدة والآخر:
تشكل المفاهيم الخاطئة والأفكار المغلوطة عن الغرب وشعوبه مشكلة، هذا ما ذكره رئيس قسم الإعلام بالجامعة الأمريكية بالقاهرة د. حسين أمين حيث قال في ورقة العمل التي قدمها في الندوة: (على الإعلام العربي أن يسعى إلى حل هذه المشكلة بأن يتوقف عن إلقاء لائمة مشاكله على الغرب وعليه أن يتبنى نمطاً حديثاً من الأداء يقوم على منظور تاريخي عميق، في أطر برجماتية متطورة وآليات عمل مستحدثة ومشتركة ذات مواصفات عالمية، كما أن على الإعلام العربي أن يرفض نظرية التآمر كمنهج فكري مؤداه أن الإعلام الغربي هدفه الأساسي هو شن حملات منظمة ضد العرب والمسلمين.. يجب أن يتعامل الإعلام العربي مع هذه المسألة من منظور أنها مشكلة تفاهم وليست مشكلة تآمر.. بالإضافة إلى ذلك فهناك مشاكل أخرى كثيرة بحاجة إلى مخاطبتها في محتوى الاعلام العربي وكلها تؤثر على موضوعيته مثل التعريفات والمصطلحات المضللة والتقارير غير المتوازنة وتشويه ومواربة الحقائق وفقر وتحيز السياق..).
في الحقيقة ان ورقة الدكتور اثارت بعض الصحفيين الذين يتحملون جزءاً من المسؤولية لتقديمهم طرحاً يسوق إلى ثقافة الانغلاق والتحجر.
ونظرية التآمر في رأيي قد انتجت جيلاً ركن إلى السلبية وليس كما في نظرية السبب والنتيجة والتي مؤداها أن الإنسان لا يعدو كونه في الحياة أما في جانب السبب أو النتيجة.. وهو خياره أن يكون في جانب النتيجة فيندب حظه ويتحدث عن الظلم الذي يمارسه الآخر عليه وأن المتآمرين متربصون به وهكذا يظل في جانب النتيجة مستقبلاً لما هو آت في خياله وتوهماته.. واما أن يكون الإنسان في جانب السبب فهو يقدم ذاته بشكل ايجابي إذ يتحمل مسؤولية الواقع الذي يعيشه ويسعى إلى تغييره حيث هو مؤمن بأنه بشكل أو بآخر قد تسبب في هذا الواقع ولذلك هو مسؤول عن التغيير..
وهي نقطة خطيرة إذ ليس من السهل دوماً أن نعترف بأننا السبب... نعترف بوعي للتغيير وليس بانهزامية ورغبة في جلد الذات..
المستقبل:
كيف نرى مستقبل الإعلام العربي؟
وأين تكمن الحلول؟
قدمت الندوة توصيات هامة أسوقها باختصار:
(1) ضرورة نبذ التفاضل الحضاري وتحرير الخطاب الإعلامي من الانغلاق الفكري.
(2) أهمية تبني خطاب إعلامي عربي جديد تجاه الجمهور الداخلي والخارجي على حد سواء.
(3) ضرورة بناء الخطاب الإعلامي العربي، على مرجعية تعتمد على العقلانية والواقعية والصدق.
(4) ضرورة احترام خصوصيات الحضارات والثقافات، وقبول كل ثقافة في الدخول إلى حوار حضاري مع ذاتها، ومع الحضارات الأخرى.
(5) أهمية اثراء برامج الحوار الثقافي والحضاري في وسائل الإعلام، وعقد الندوات والمنتديات التي تهدف إلى ذلك.
(6) أهمية الاهتمام إعلامياً بالبعد الثقافي بجانب البعد السياسي وذلك بهدف تحقيق التقارب بين الحضارات.
(7) أهمية احترام الأديان والعادات والأعراف الاجتماعية لكافة الأمم والشعوب والأفراد في الخطاب الإعلامي العربي.
(
ضرورة النأي عن الربط بين الأديان أو الثقافات المختلفة والإرهاب وأهمية تقديم صورة موضوعية ومحايدة عن جميع الأديان والثقافات إعلامياً.
(9) الرغبة في تحديث وتطوير الخطاب الإعلامي العربي حتى لا يتعرض الرأي العام إلى أي عمليات تشويه أو تضليل.
(10) أهمية العمل على استقلالية الإعلام.
(11) الحاجة إلى الاستثمار في تكنولوجيا المعلومات وافساح المجال أمام المواهب الإعلامية.
(12) ارساء مبدأ تكافؤ الفرص أمام المرأة في الإعلام.
(13) اهمية اصدار وتفعيل التشريعات والقوانين التي تكفل حقوق وواجبات الإعلامي.
(14) الرغبة في دفع التعاون الإعلامي بين الإعلاميين العرب من جهة والأوروبيين من جهة أخرى.
(15) رغبة الوسائل الإعلامية العربية في تقديم المساندة الممكنة لإعادة بناء منظومة جديدة للإعلام العراقي على أسس من الحرية والديمقراطية.
برأيي ان كل واحدة من هذه التوصيات تحمل مدلولاً خطيراً على الصحفي ان يعيه فهو بلاشك جزء من العملية الاعلامية اذ ان فكره واطروحاته أداة خطيرة في ايصال الرسالة الاعلامية وعليه أن يفطن إلى أن الزمن القادم هو للحقيقة..
الحقيقة فقط دون مواربة أو تشويه أو تزييف فهذا هو زمن حرية المعلومة المنطلقة عبر الفضاء الحر.