منتدى قالمة للعلوم السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم .. أخي الزائر الكريم ..أهلآ وسهلآ بك في منتداك ( منتدى قالمة للعلوم سياسية ) إحدى المنتديات المتواضعة في عالم المنتديات والتي تزهو بالعلم الشرعي والمعرفة والفكر والثقافة .. نتمنى لكم قضاء أسعد الأوقات وأطيبها .. نتشرف بتسجيلك فيه لتصبح أحد أعضاءه الأعزاء وننتظر إسهاماتكم ومشاركاتكم النافعة وحضوركم وتفاعلكم المثمر .. كما نتمنى أن تتسع صفحات منتدانا لحروف قلمكم ووميض عطائكم .. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه , وجنبكم ما يبغضه ويأباه. مع فائق وأجل تقديري وإعتزازي وإحترامي سلفآ .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . المشرف العام
منتدى قالمة للعلوم السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم .. أخي الزائر الكريم ..أهلآ وسهلآ بك في منتداك ( منتدى قالمة للعلوم سياسية ) إحدى المنتديات المتواضعة في عالم المنتديات والتي تزهو بالعلم الشرعي والمعرفة والفكر والثقافة .. نتمنى لكم قضاء أسعد الأوقات وأطيبها .. نتشرف بتسجيلك فيه لتصبح أحد أعضاءه الأعزاء وننتظر إسهاماتكم ومشاركاتكم النافعة وحضوركم وتفاعلكم المثمر .. كما نتمنى أن تتسع صفحات منتدانا لحروف قلمكم ووميض عطائكم .. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه , وجنبكم ما يبغضه ويأباه. مع فائق وأجل تقديري وإعتزازي وإحترامي سلفآ .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . المشرف العام
منتدى قالمة للعلوم السياسية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولصفحتنا عبر الفيسبوكمركز تحميل لكل الإمتدادات
منتدى قالمة للعلوم السياسية يرحب بكم
تنبيه:إن القائمين على المنتدى لا يتحملون أي مسؤولية عن ما ينشره الأعضاء،وعليه كل من يلاحظ مخالفات للقانون أو الآداب العامة أن يبلغ المشرف العام للمنتدى ، أو بتبليغ ضمن قسم اقتراحات وانشغالات
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» المحاضرة الثالثة لمادة تاريخ الفكر السياسي
حوار الحضارات Emptyمن طرف salim 1979 الأربعاء أكتوبر 09, 2024 8:21 am

» المحاضرة الثانية لمادة تاريخ الفكر السياسي 2024/2025
حوار الحضارات Emptyمن طرف salim 1979 الخميس أكتوبر 03, 2024 4:37 pm

» المحاضرة الأولى لمادة تاريخ الفكر السياسي 2024/2025
حوار الحضارات Emptyمن طرف salim 1979 الخميس أكتوبر 03, 2024 4:29 pm

» برنامج محاضرات الفكر السياسي 1
حوار الحضارات Emptyمن طرف salim 1979 الخميس أكتوبر 03, 2024 4:24 pm

» عام ينقضي واستمرارية في المنتدى
حوار الحضارات Emptyمن طرف salim 1979 الإثنين مايو 27, 2024 10:25 am

» امتحان تاريخ الفكر السياسي ماي 2024
حوار الحضارات Emptyمن طرف salim 1979 الإثنين مايو 27, 2024 10:19 am

» امتحان مادة علم الاجتماع السياسي ماي 2024م
حوار الحضارات Emptyمن طرف salim 1979 الأربعاء مايو 15, 2024 9:33 am

» امتحان تاريخ الفكر السياسي جانفي 2024م
حوار الحضارات Emptyمن طرف salim 1979 الثلاثاء يناير 16, 2024 8:08 pm

» الإقرار وفق القانون الجزائري
حوار الحضارات Emptyمن طرف salim 1979 الخميس مايو 11, 2023 12:00 pm

أنت زائر للمنتدى رقم

.: 12465387 :.

يمنع النسخ
حوار الحضارات Ql00p.com-2be8ccbbee

 

 حوار الحضارات

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
salim 1979
التميز الذهبي
التميز الذهبي



تاريخ الميلاد : 27/05/1979
العمر : 45
الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 5285
نقاط : 100012179
تاريخ التسجيل : 06/11/2012

حوار الحضارات Empty
مُساهمةموضوع: حوار الحضارات   حوار الحضارات Emptyالثلاثاء يوليو 02, 2013 8:56 pm

رسالة التقريب - العدد ٣١
حوار الحضارات
الدكتورة نادية محمود مصطفى
1422

«ملخّص»
هل العلاقات الدولية الراهنة مهيئة لحوار حضاري ندّي بين المسلمين وقوى الهيمنة الغربية؟ ولماذا يرفع الغرب بعد الحرب الباردة شعار صراع الحضارات، ويخطط على أساسه؟ وماهو أصل العلاقات بين الحضارات؟ أهو حرب أم سلام؟ هذه أسئلة تحاول أن تجيب عليها الاستاذة الباحثة في ورقتها، وترى أن الجميع يتفقون على أن هناك أزمة عالمية ذات بعد قيمي - ثقافي، والاسلام قادر على أن يقدّم رؤية تساهم في تقنين الرؤية التي تجري صياغتها للعالم. وترى أن المسلمين في حاجة الى خطاب غير اعتذاري، مقترحة طرح مشروع «تعارف الحضارات» من منطلق قرآني، لاننا بحاجة الى خطاب ينطلق من الذات الاسلامية وخصائصها، وبمبادرة تجاه الآخر، لا بانفعال أمامه، حتى يتحقق التوازن في الرؤية الذي هو أساس الفاعلية.
ـ
[١] ١ - أستاذ العلاقات الدولية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة.
- - - - - (١٠٩) - - - - -
تمهيد
[١] لكي نخطط كيف سندخل عام حوار الحضارات ٢٠٠١ يجب أن نفهم وبصورة أساسية موقع حوار الحضارات من العلاقات الدولية الراهنة وحقيقته على ضوء هذه العلاقات. وهذا هو موضوع الورقة. والاقتراب من هذا الموضوع - من موقعي في الدائرة الإسلامية العربية ومن منطلق تخصصي في العلاقات الدولية - يفترض أن أطرح مجموعة من الأسئلة، وهي تتوالى كالآتي:
١ - ١ ماخصائص العلاقات الدولية الراهنة (أي في مرحلة التحول الكبرى للنظام الدولي بعد نهاية الحرب الباردة والقطبية الثنائية)؟ .
١ - ٢ ما التحديات التي تفرضها التغيرات في هذه المرحلة على النخب المختلفة المهتمة بهذه العلاقات سواء النخب الفكرية أو الأكاديمية أو الرسمية؟ وكيف أفرزت هذه التحديات دوافع الاهتمام بالعلاقة بين الحضارات؟
١ - ٣ لماذا شهد عقد التسعينيات اهتماماً بقضية «صراع الحضارات أم حوارها؟ » وماهي المؤشرات على هذا الاهتمام على الصعيد الفكري والأكاديمي والحركي؟ وما دلالات هذه الاهتمامات المتعددة الأبعاد عن طبيعة المرحلة الراهنة من العلاقات الدولية؟
١ - ٤ ماهي أهم الاتجاهات التي انقسمت بينها هذه الاهتمامات وماهي الموضوعات التي يتضمنها الحديث عن هذا الحوار؟
[٢] - إن هذه الأسئلة المتراكمة تحاول أن تحدد الأبعاد المتصلة بوضع قضية «حوار الحضارات» في العلاقات الدولية وهي أبعاد ثلاثة أساسية:
- أسباب الاهتمام بها.
- كيفية إدارتها.
- - - - - (١١٠) - - - - -
- الأطراف المهتمة وبماذا.
مما لاشك فيه أن الإجابة على الأسئلة التي تفرز هذه الأبعاد الثلاثة ليست إجابة نمطية واحدة ولكن تتعدد الاتجاهات التي يمكن أن تصنف بناءً عليها هذه الإجابات. ومن أهم الساحات التي تلتقي عندها الاتجاهات المختلفة ساحتان.
الأولى هي: هل هو حوار أم صراع؟
والثاني هي: وضع الإسلام والمسلمين على مساحة كبيرة إن لم تكن الأساسية من خريطة الاهتمامات المتعددة الأبعاد بهذه القضية. وتحوز هاتان الساحتان اهتمام الباحثين من تخصصات مختلفة: فلسفية تاريخية، اجتماعية، سياسية. كذلك فإن إشكالية نمط العلاقة بين الحضارات «حوار أم صراع» تتقاطع وتتداخل مع مناطق أخرى مثل العلاقة بين الثقافات، ثقافة عالمية أم تعددية ثقافية، الهويات بين الخصوصية والعالمية، العلاقة بين القيم والأخلاق وبين الأبعاد المادية، النماذج المعرفيةوالنظم القيمية والنظم العقيدية، العلاقة بين الأديان. ومن الواضح أن الإسلام ورؤى الإسلام ورؤى المسلمين تقع في قلب المعالجات المختلفة لهذه المناطق حيث أن موضوع «الإسلام والغرب» يعد قاسماً مشتركاً بين هذه المعالجات سواء المعرفية أو المنهاجية أو النظرية أو الفكرية أو المتصلة بالحركة.
[٣] - ولهذا كله فإن اقتراب الورقة من الإجابة على هذه الأسئلة السابق طرحها يتحدد بمنطق أساسي وهو: ما دلالات هذا الموضوع، حوار أم صراع الحضارات، بالنسبة للعالم الإسلامي في ظل الوضع الراهن للأمة الإسلامية في النظام الدولي بتحولاته المتعددة؟ ومن ثم هل يجب أن نتمسك في الدائرة العربية الإسلامية بصيغة الحوار أم الصراع الجاري تداولهما؟ وحيث تختلف الاتجاهات الإسلامية وغيرها حول هذا الأمر فإن هذه الورقة بعد أن تلقى
- - - - - (١١١) - - - - -
بالضوء على تشخيصها لأبعاد الموضوع باعتباره قضية أساسية من قضايا العلاقات الدولية الراهنة، ستقدم رؤية تنبني على نتائج عدة خبرات بحثية وعملية سابقة، وهي الرؤية التي تتمحور حول نقد ذلك الترحيب الشائع بوصف العلاقات الراهنة بين الحضارات بأنها «حوار» أو أنها يجب أن تتجه إلى حوار من ناحية، وكذلك رفض تشخيص هذه الحالة بأنها أسيرة الصراع الدائم والحتمي من ناحية أخرى. بعبارة أخرى تنطلق هذه الرؤية من قناعة أنه إذا كانت أطروحة «الصراع» قد فجرها «هانتجنتون» وإذا كانت أطروحة «الحوار» قد بدت كالأطروحة الاعتراضية إلا أن الانشغال على الساحة الإسلامية بهذين الطرحين على هذا النحو الذي جرى يستحق الانتقاد المعرفي والمنهجي والسياسي أيضاً.
ومن ثم فإن الرؤية التي أقدمها في هذه الورقة تنبنى على أبعاد معرفية ومنهاجية وعملية تنبثق من اهتمام الباحثة بتطوير منظور حضاري لدراسة العلاقات الدولية [١].
وتنقسم هذه الورقة إلى مستويين أساسيين: مستوى عام ينبثق من طبيعة الاهتمامات بالنظام الدولي الراهن والتي تتصل بوضع البعد الثقافي مقارنة
ـ
١ - انظر: نادية محمود مصطفى (وآخرون)، مشروع العلاقات الدولية في الإسلام، اثنى عشر جزءاً، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ١٩٩٦. انظر الأعمال ندوة مناقشة مشروع العلاقات الدولية في الإسلام، تحرير أ. د. سيف الدين عبد الفتاح و أ. د. نادية محمود مصطفى وإصدار مركز البحوث والدراسات السياسية، جامعة القاهرة.
انظر أ. د. نادية محمود مصطفى: عملية بناء منظور إسلامي لدراسة العلاقات الدولية، بحث مقدم على دورة المنهاجية الإسلامية والعلوم الاجتماعية، العلوم السياسية نموذجاً في القاهرة أغسطس ٢٠٠٠، مركز الحضارة للدراسات السياسية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي (تحت النشر).
- - - - - (١١٢) - - - - -
بالأبعاد الأخرى للعلاقات الدولية (سواء كمحرك لهذه العلاقات أم موضوعاتها)، أما المستوى الثاني: فينقل الورقة إلى البحث في دلالات هذا البروز الراهن لأهمية البعد الثقافي في علاقة الأمة الإسلامية مع الأمم الأخرى، ومن ثم وضعه في سياق أزمة هذه الأمة في عالم يموج بالتحولات والتغيرات والتي تمثل تحديات خطيرة للأمة يقع في قلبها الآن الثقافي الحضاري وليس الاقتصادي السياسي فقط.
ويعد هذان المستويان بمثابة الإطار الفكري والنظري الذي سنقدم على ضوئه رؤية نقدية لمغزى الدعوة إلى حوار الحضارات وإمكانيات وآفاق من ناحية ثم نطرح من ناحية أخرى بعض التصورات حول إمكانيات المشاركة في هذا الحوار المرتقب بفرضه وضغوطه.
أولاً: خصائص العلاقات الدولية الراهنة وموقع العلاقة بين الحضارات منها
١ - خصائص العلاقات الدولية وبروز أهمية البعد الثقافي الحضاري:
يمثل الاهتمام بالعلاقة بين الحضارات تجسيداً واضحاً لبروز الاهتمام أو تجدده وانبعاثه وإحيائه بالبعد الثقافي الحضاري باعتباره مجالاً تتجسد على صعيده صراعات جديدة للقوى ويتم على صعيده اختبار توازنات القوى، نظراً لأن دور العوامل الاجتماعية والثقافية قد برز - أو تجدد بروزه - في العلاقات الدولية بالمقارنة بالبروز السابق للعوامل التقليدية السياسية - الاستراتيجية - وهي العوامل التي حازت الأولوية حتى نازعتها الصدارة منذ بداية السبعينيات العوامل السياسية - الاقتصادية.
بعبارة أخرى بعد أن حازت المداخل والقضايا الواقعية التقليدية الأولوية لدى دارسي وممارسي العلاقات الدولية في مرحلة الحرب الباردة، وبعد أن
- - - - - (١١٣) - - - - -
برزت أولوية المداخل والقضايا المتصلة بعلاقات الاعتماد المتبادل الاقتصادي والتبعية الاقتصادية في مرحلة الانفراج وتصفية القضية الثنائية، تبرز الآن أولوية نظائرها الاجتماعية والثقافية [١].
ويدفع هذا الأمر لطرح التساؤلات التالية:
ما العلاقة بينه وبين التغيرات العالمية الهامة التي يشهدها العالم من أكثر من عقد من الزمان؟ وكيف مثلت هذه التغيرات تحديات للفكر والحركة في عالم مابعد الحرب الباردة؟ ومن ثم كيف قفزت على الساحة الجدالات المعرفية المنهاجية النظرية حول العلاقة بين الحضارات؟
١ - شهد القرن العشرون ثلاثة أحداث عظمى مثلت نقاط تحول أساسية في تفاعلات النظام الدولي وهي: الحرب العالمية الأولى، الحرب العالمية الثانية، نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي. وإذا كان الحدثان الأول والثاني عبرا عن أقصى أشكال انفجار الصراع أي استخدام القوة العسكرية في حرب شاملة - عالمية - فإن الحدث الثالث لم يشهد هذا النمط ولكنه لم يقل عن الأولين من حيث آثاره على العالم، بل لقد فجر هذا الحدث الأخير الجدال حول حقيقة العصر الذي تمر به العلاقات الدولية هل هو عصر جديد؟
ولقد كانت كل من الأحداث الثلاثة نتاج تراكمات من التفاعلات التي ولدتها وشكلتها مجموعة من القوى والعوامل التي تتصل في جانب منها بالخصائص
ـ
١ - يمثل هذا التغيير ملمحاً أساسياً من ملامح التغيير في منظورات دراسة العلاقات الدولية الغربية التي تعاقبت سيادة كل منها على مرحلة من مراحل تطور هذه الدراسة وهو التغير الذي تأثر بالتغييرات على صعيد واقع الممارسة والحركة الدولية في النظام الدولي خلال نصف قرن الماضي، انظر على سبيل المثال: د. نادية محمود مصطفى: نحو منظور جديد لدراسة العلاقات الدولية، السياسة الدولية - أكتوبر ١٩٨٥.
K. Booth. S. Smith (eds) International relations theory today (١٩٩٥)
- - - - - (١١٤) - - - - -
القومية للدول، أو التفاعلات النظمية بين الدول أو القوى الهيكلية طويلة الأجل.
وإذا كانت إشكالية العلاقة بين الداخلي والخارجي قد وقعت في صميم جهود التنظير التي شهدتها كل مرحلة من هذه المراحل من تطور العلاقات الدولية في القرن العشرين فإن اتجاه هذا التطور من بداية القرن إلى نهايته عكس تزايداً مطرداً في درجة تأثير الخارجي على الداخلي وفي طبيعة هذا التأثير ونطاقاته بحيث يمكن القول إننا نعاصر حاليا اختراقاً كثيفاً من الخارجي بحيث تآكلت وتهاوت الحدود بينه وبين الداخلي، ومن ناحية أخرى لم يعد هذا الاختراق قاصراً على النطاقات السياسية التقليدية أو الاقتصاد السياسي ولكن امتدت هذه النطاقات لتشمل الاجتماعي والثقافي أيضاً.
ولهذا - أي نظراً لدرجة عمق الاختراق ونظراً لاتساع نطاقاته - برزت خطورة التحديات الخارجية التي تواجهها كل مجتمعات ودول العالم ليس الصغيرة النامية فقط ولكن الكبرى المتقدمة أيضا ولو بدرجات مختلفة. ومن هنا أيضا أهمية وضرورة التعرف على درجة التغير العالمي.
٢ - ويعكس الانتشار الذائع لمصطلح «العولمة» اعترافاً بهذه الحالة من الاختراق والتي تسود مرحلة ما بعد نهاية الحرب الباردة والقطبية الثنائية.
لم يبرز مصطلح «العولمة» بصورة متكررة وكثيفة - في الأدبيات الغربية في مجال العلاقات الدولية إلا منذ بداية التسعينيات، أي متزامن مع أهم حدثين في نهاية القرن العشرين وهما انهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة. حيث أخذ يتبلور الحديث عن «النظام العالمي الجديد» الذي شغل مساحة هامة من اهتمام منظري العلاقات الدولية وساستها.
ولقد انطلق الاهتمام بدراسة هذه التغيرات من الاهتمام بتفسير نهاية الحرب الباردة ومن الاهتمام بدراسة تأثيراتها وتحدياتها على مجال علاقات دولية،
- - - - - (١١٥) - - - - -
وهنا برز السؤال المزدوج التالي: هل كانت نهاية الحرب الباردة بداية مرحلة جديدة في العلاقات الدولية أفرزت خصائص جديدة، أم أن نهاية الحرب الباردة ذاتها كانت نقطة تحول نتيجة تراكم آثار مجموعة من القوى والعوامل خلال العقدين الماضيين أعلنت عن خصائص متغيرة للعلاقات الدولية أي أعلنت عن تغير العالم، وهل يبرز هذا التغير وزن عوامل ثقافية وحضارية؟
إذا كانت اهتمامات العقدين الأول والثاني من النصف الثاني من القرن العشرين قد انبرت لوصف خصائص النظام الثنائي القطبية وحالة الحرب البادرة، وإذا كانت اهتمامات العقدين الثالث والرابع قد انبرت للتساؤل عن ماهية التغيرات التي أخذ يواجهها هذا النظام على نحو يدفع به إلى مرحلة جديدة من التفاعلات تبرز على صعيدها التفاعلات التعاونية التنسيقية وليس الصراعية فقط في ظل ماعرف «الاعتماد المتبادل» فإن أدبيات العقد الخامس (التسعينيات) قد انبرت في شرح التحولات العالمية وما إذا كانت تعني حقيقة أننا نعيش عالماً جديداً يفرض تحديات خارجية ذات طبيعة مختلفة جذرياً عما قبل أم لا؟ وكيف تظهر التحديات الحضارية في قلب هذه التحديات؟
ويمكن أن نقدم بعض الملاحظات الأساسية من واقع القراءة في بعض التحليلات عن خصائص العلاقات الدولية [١] وكوضع العامل الثقافي فيها. وهي تتلخص كالآتي:
١ - يطرح واقع العلاقات الدولية الراهنة المتشابك والمعقد والمتداخل (سواء بالنسبة للفاعلين أو قضايا التفاعلات أو شبكات التفاعلات أو آليات التفاعلات) تحديات هامة أمام دول العالم الإسلامي باعتبارها في معظمها دول صغرى. فإن إدارة التعامل مع هذا الواقع تتطلب إدراكاً وقدرات متعددة قد لا تتوافر في معظمها لدى هذه الدول على النحو الذي يمكنها من إدارة مشاكلها الأساسية
ـ
١ - انظر تفاصيل هذه الخصائص كما قدمتها أدبيات نظرية العلاقات الدولية في: د. نادية محمود مصطفى: التحديات السياسية الخارجية التي تواجه العالم الإسلامي أحد أجزاء مشروع التحديات التي تواجه العالم الإسلامي في نهاية القرن، رابطة جامعات الدول الإسلامية، القاهرة، ١٩٩٩ المبحث الأول، الفصل الأول (خصائص العلاقات الدولية.
- - - - - (١١٦) - - - - -
وخاصة في مجال التنمية البشرية والمادية.
٢ - ولا يقتصر التحدي على «الواقع» ولكن يمتد إلى الإطار القيمي الذي يغلفه ويؤطره والذي ينبثق عن منظومة القيم والمصالح الغربية الرأسمالية فالحديث الغالب عن انتشار الرأسمالية والديموقراطية وقيم الثقافة الغربية وسلوكياتها إنما يتم أساساً في هذه الأدبيات من منظور أحادي - وإن تعددت روافده فهي روافد تيار واحد - على نحو يثير لدينا التساؤل عن «البديل» أي المشروع الحضاري البديل ومن الذي بمقدوره أن يطرحه الآن.
ناهيك عن الربط - بصورة أو بأخرى - بين الديموقراطية والتنمية الرأسمالية وبين تحقق السلام والأمن والاستقرار في العالم ومن ثم يصبح العالم الثالث أو الجنوب - مصدراً لتهديد هذه الأمور أو مصدراً من مصادر الفوضى والاضطراب في العالم، أو تعبيراً عن استمرار الصورة التقليدية للسياسات الدولية أي الصراعية الواقعية. وهنا يجب أن أسجل مايلي: إن هذا السيناريو في أدبيات نهاية القرن العشرين قد ظهر من قبل مع سيناريو منتصف السبعينيات. فحين برزت أدبيات الاعتماد المتبادل الدولي والتي شخصت اتجاه العلاقات الدولية نحو حالة أكثر تعاونية - تنافسية تختلف عن الحالة الصراعية التي أينعت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، برزت في المقابل لها الأدبيات التي تبين أن حالة الاعتماد المتبادل هذه لا تصدق على العلاقة بين الشمال والجنوب، كما ظهر سيناريو مناظر أيضاً بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، ففي مقابل انتشار الحديث عن حق تقرير المصير للشعوب والأمن الجماعي في ظل دور عصبة الأمم المتحدة كانت حالة «الجنوب» أو الدول المستعمرة لا تؤكد هذه المقولات.
كذلك حين تفجرت الأدبيات بعد الأزمة الثانية في المنطقة شارحة النظام
- - - - - (١١٧) - - - - -
العالمي الجديد ظهرت الرؤى التي ظلت تحذر من أن العالم الثالث بصراعاته ومشاكله مازال قنبلة موقوتة، وأن انتهاء الصراع الأيديولوجي والقطبية الثنائية لن ينعكس إيجاباً على أوضاعه بل كانت أزمة المنطقة أحد هذه القنابل.
٣ - وإذا حاولنا أن نربط بين التنظير للواقع في البند الأول عاليا وبين الإطار القيمي الذي يغلفه هذا الواقع في البند الثاني عاليا - يبرز لنا قضية خطيرة وهامة تمثل فهمنا لجوهر إشكالية العلاقة بين الخارجي والداخلي كما تطرحها الأدبيات الغربية الشاملة عن العلاقات الدولية في المرحلة الراهنة، ففي هذا الجوهر لم يعد التأثير الخارجي على الداخلي ينصب من حيث قنواته ومجالات تأثيره على السياسي والاقتصادي فقط ولكن امتد وبصورة واضحة وجذرية وعميقة تختلف من حيث الدرجة والعمق عن مراحل سابقة ليس إلى البعد الثقافي الاجتماعي، وما يتصل به من تشكيل عمليات الإدراك لدى النخبة فقط ولكن لدى القاعدة أيضا وخاصة في الدول غير الغربية: الاتحاد السوفيتي السابق ودول العالم الثالث. فينتج عن الطبيعة التداخلية المعقدة للعلاقات الدولية الراهنة في ظل ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات قنوات وسبل عديدة لدعم وتعميق القناعة لدى غير الغربي ولتسجيل الاعتراف النهائي من جانبه، ليس بتفوق الغرب فقط كما حدث في مراحل سابقة، ولكن بحتمية انتصاره وعدم القدرة على مناقشته ومن ثم ضرورة الاقتداء به والالتحاق به، لأنه لا بديل له، ولعل إعادة قراءة تفسير انهيار الاتحاد ا
لسوفيتي وسقوط التطبيق الشيوعي في أوربا يساعدنا على فهم التعميم السابق. حيث نجد تفسيرات - من منظورات مختلفة - لهذا الانهيار (تأثير سباق التسلح، الصحوة الديموقراطية للشعوب، الإنهاك الاقتصادي…) ولكن البعض [١] يرى أن المكمن الحقيقي للتفسير هو الكيفية التي أدركت بها القيادة تفوق الغرب وعدم القدرة
ـ
. S ,htooB. K) ni (snoitaler lanoitanretni dna raw dloc eht fo dne eht: yadillaH derF - ١: ) sde (htimS. ١٦ - ٩٣ pp) ٥٩٩١ (yadot yroeht snoitaler lanoitanretnI
- - - - - (١١٨) - - - - -
على الاستمرار بالطرق القائمة في الحكم وفي الاقتصاد. بعبارة أخرى يقول إن ماكسر إرادة القيادة السوفيتية لم يكن فشل اقتصادي أو ثورة شعبية من أسفل ولكن historical Judgment Comparative بأن مجتمعاتهم ليست مثل المجتمعات الغربية وليس هناك أي دليل على أن تصبح مثلها سواء من خلال تجديد ونمو جذري في الشرق أو من خلال انهيار النظام الرأسمالي في الغرب. ولذا فإن هذا الإدراك هو الذي قاد جورباتشوف إلى استسلام غير مشروط وهو الأمر الذي أنهى الحرب الباردة.
إذاً الأمر لا يتصل بتفوق الخصم وتحدياته أساساً ولكن يتصل بالاعتراف من الداخل بعدم القدرة على المقاومة والتغيير وإصلاح النموذج من الداخل ولقد لعبت قنوات الاتصال الحديثة والتفاعلات العبر قومية في مجال الإنتاج والمال التي تؤدي دورها كما يقول البعض الآخر [١] في تحقيق تجانس - اجتماعي - سياسي بين المجتمعات - لعبت هذه القنوات دورها في التأثير على الصفوة وعلى القاعدة السوفيتية على نحو شكل هذه الإدراكات وهذه القناعات عن الفجوة القائمة وعن عدم القدرة على تخطيها.
ولعلنا نستطيع أيضا من خلال إعادة قراءة تاريخ مرحلة التنظيمات العثمانية في الأدبيات الغربية أن نستكشف منطقاً مناظراً يفسر كيفية انهيار الدولة لعثمانية من الداخل ومن جراء تأثيرات الخارج لتوظيف هذا الداخل الذي اتجه للغرب من أجل الإصلاح فلم يحدث له إلا الانهيار [٢].
ومن ناحية أخرى يمكن أن نسجل أيضاً بعض نتائج القراءة في أدبيات العولمة [٣]. التي راجت سواء في الأوساط الأكاديمية الغربية أو العربية الإسلامية على حد سواء وهذه النتائج حول مغزى تشخيص العولمة بأبعادها المختلفة وكذلك تحليل آثارها على الدول وعلى حالة النظام وما لهم من
ـ
١ - Pierre Grosser: Les temps de la guerre Froide ١٩٩٥ pp ١٩٣ - ٢٦٣
٢ - د. نادية محمود مصطفى: العصر العثماني من القوة والهيمنة إلى بداية المسألة الشرقية (في) د. نادية محمود مصطفى (إشراف) مشروع العلاقات الدولية في الإسلام مرجع سابق الجزء ١١، الفصل الثالث، مبحث الإصلاحات العثمانية.
٣ - انظر أيضاً تفاصيل القراءة المقارنة في أدبيات العولمة ونتائج هذه القراءة (في) د. نادية محمود مصطفى: التحديات الخارجية، مرجع سابق (المبحث الثاني) من الفصل الأول.
- - - - - (١١٩) - - - - -
مدلولات بالنسبة للأبعاد الثقافية الحضارية في العلاقات الدولية الراهنة، وتتلخص هذه النتائج كالآتي:
١ - حول أبعاد العولمة وتجلياتها يمكن القول أنه إذا كان الاقتصاد محركاً أساسياً في العولمة إلا أنه بمفرده لا يكفي لتحقيق الفهم الصحيح لهذه العولمة.
ولقد حرصت الاقترابات الشاملة من العولمة أن تنبه إلى البعد الثقافي الاجتماعي إلى جانب الأبعاد التقليدية التي جرى التركيز عليها في تحليل العلاقات الدولية أي الأبعاد السياسية - الأمنية التقليدية التي برز الاهتمام بها خلال اشتداد الحرب الباردة وأبعاد الاقتصاد السياسي التي برز الاهتمام بها منذ بداية السبعينيات.
ولقد أضحت عولمة الثقافة والمجتمعات أو العولمة والثقافة من أهم المستجدات التي يمكن القول إن صعودها (بدون انفصال عن السياسي - الاقتصادي) يميز المرحلة الراهنة من العولمة، وذلك بفرض قبول أن العولمة ليست عملية حديثة أو لصيقة بنهاية القرن العشرين ونهاية الحرب الباردة بل أنها قديمة ذات جذور تاريخية ترجع إلى بداية الرأسمالية وتطورها منذ عدة قرون وإذا كانت هذه التعريفات الشاملة من العولمة قد جاءت من نطاق منظري العلاقات الدولية أساساً فهذا يعني أنه يظل من مهمة هذا المجال الدراسي أساساً تقديم رؤية شاملة حول خريطة الأبعاد المختلفة للعولمة (تجليات، عمليات، قوى) مفسرة، وهي الأبعاد التي تهتم بأحدها منفصلة عن الأخرى مجالات دراسية، ولهذا يمكن القول أن الاهتمام بالأبعاد الاجتماعية الثقافية في الدراسات الدولية يمثل الإضافة الحقيقية في دراسة التغيرات العالمية الراهنة على نحو يدفعنا للتساؤل: هل يمكن أن يصبح مجال دراسة التغيير العالمي مجال دراسة مستقلة تتعاون على صعيده علوم مختلفة؟ ولعل من أهم
- - - - - (١٢٠) - - - - -
المؤشرات على صعود الاهتمام بهذه الأبعاد في الدوائر الأكاديمية للدراسات السياسية ظهور أطروحات صدام الحضارات والجدال الذي أثارته والذي يعكس أبعاداً ثقافية - حضارية شديدة الوضوح.
وحول آثار العولمة يمكن القول أن الاتجاهات المختلفة حول تقديرها تنقسم أساساً بين القائلين بالأثار الاندماجية التجانسية للعولمة، وبين القائلين بالآثار السلبية التفكيكية على الأصعدة المختلفة. ومن واقع الاختلافات بين هذين الاتجاهين يمكن أن نستنبط الملاحظتين التاليتين:
الملاحظة الأولى: أن العولمة التي تتصدى لها أدبيات نظرية العلاقات الدولية هي عولمة متعددة الأبعاد (الاقتصادية - الرأسمالية)، (السياسية - الديمقراطية)، (الثقافية - القيمية)، وباعتبارها عملية مستمرة تاريخية برزت تحت تأثير عدة قوى ذات جذور وإن تكثفت حاليا درجتها وعمقها نظراً لاعتبارين أساسيين: أحدهما يقترن بالعقدين الماضيين وهو الثورة التكنولوجية الهائلة التي حققت طفرة نوعية في مجال تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، على نحو أثر بدرجة كبيرة على طبيعة القوة، فلم تعد القوة العسكرية فقط أو القوة الاقتصادية فقط ولكن أيضاً قوة المعرفة والإبداع والمعلومات. والاعتبار الثاني يتصل بنهاية الحرب الباردة والصراع الأيديولوجي والقطبية الثنائية ومن ثم ظهور النموذج الحضاري الرأسمالي الغربي وكأنه بلا منافس في الوقت الراهن. ولهذا فإنه على ضوء هذين الاعتبارين يمكن القول إن هناك إرادة واعية وراء تحويل عملية العولمة إلى منظومة مقننة ومؤسسة، وذلك من جانب الغرب الذي يقود عملية العولمة والذي انتصر في الحرب الباردة بلا حرب، واحتكر عناصر القوة الجديدة العالمية. ولا أدل على ذلك من البيانات الرسمية من قادة الدول الصناعية
- - - - - (١٢١) - - - - -
الغربية والتي يتسم خطابها بالتقييم الإيجابي للعولمة، ومع ذلك كان بعض البيانات الأخرى - الصادرة عن مستويات أدنى بين مستويات التنسيق الغربي العالمية مثل الاتحاد الأوربي - وإن تضمنت انتقادات للعولمة فهي لاترى فيها تناقضا مع التكتلات الإقليمية الجديدة، كذلك فإن خطاب الهيمنة (تلويحاً بها أو انتقاداً لها) يقع في خلفية الأدبيات النظرية سواء بصورة ضمنية أو بصورة مباشرة والمقصود هنا هيمنة النموذج الغربي بأبعاده المختلفة الاقتصادية - السياسية - الثقافية.
والحديث عن تجليات العولمة وعن آثارها لا يمكن أن ينفصل عن الحديث عن ما الذي يجري عولمته وبواسطة من ولصالح من؟
فبعد سؤال لماذا العولمة لابد وأن يأتي سؤال ماذا أو كيف؟ وإذا كان أساتذة العلاقات الدولية الغربيين - سواء عند تحليل خصائص العلاقات الدولية، الراهنة (كما سبق ورأينا) أو عند تحليل العولمة - لم يبدُ جميعهم مأخوذين بالإيجابيات المرتقبة للعولمة والتي يبشر بها الليبراليون الجدد أو أصحاب مقولة نهاية التاريخ، إلا أن انتقاداتهم تظل في نطاق النموذج الغربي ولو في شكل إعادة النظر في بعض أسسه وخاصة مدى عالمية صيغ الديموقراطية واقتصاد السوق ومدى مصداقية نجاح انتشارها كشروط مسبقة للسلام والأمن الدوليين.
بعبارة موجزة فإن الجانب الأول الذي يميز العلاقات الدولية في إطار العولمة الراهنة هو القناعة بأن العملية الجارية من التفاعل المتبادل والتأثير والتأثر واسعة النطاق بين أرجاء العالم إنما تتم ليس نتيجة التطور التراكمي في عوالم هيكلية فقط ولكن تتم تحت قيادة وإدارة نموذج حضاري واحد وبفاعلية قيادة قوة واحدة من قوى هذا النموذج أي الولايات المتحدة.
- - - - - (١٢٢) - - - - -
الملاحظة الثانية: يمثل صعود الأبعاد الاجتماعية الثقافية في تحليل العولمة إلى جانب الأبعاد السياسية والاقتصادية (كما سبق التوضيح) إضافة حقيقية في دراسة التغيرات العالمية خلال العقود الأخيرة. وكان لهذا الصعود عدة مدلولات من ناحية، وكان نتاج عدة تأثيرات من ناحية أخرى فهو يعني أن الاختلاف حول العولمة ليس حول تجليات العملية فقط بقدر ما هو أيضاً حول البعد القيمي لمضمون هذه التجليات وعواقبها. ولهذا فإن الجدال بين الاتجاهات الفكرية والنظرية المختلفة (الواقعية الجديدة، الليبرالية الجديدة مثلاً) قد اكتسب أبعاداً قيمية واضحة. ولذا فإن عصر العولمة الراهن قد اقترن بإحياء البعد القيمي في الدراسات الدولية (مما يفسح المجال - كما سبق أن أشرنا - للاجتهاد من أجل تقديم ملامح رؤية إسلامية حول هذا الموضوع).
هذا ولا يجب الاعتقاد أن صعود الاهتمام بالأبعاد الثقافية الحضارية على صعيد دراسات التغير العالمي يكون منفصلاً عن الأبعاد السياسية والاقتصادية. بل إن هذا الصعود ليس إلا تعبيراً عن التفاعل مع السياسي والاقتصادي بل واتجاه السياسي والاقتصادي إلى توظيفه.
والحديث عن الدمقرطة وحقوق الإنسان لا ينفصل عن الأبعاد الثقافية الحضارية، والحديث عن اقتصاد السوق والتكيف الهيكلي لا ينفصل بدوره عنها، فإن طبيعة المرحلة الراهنة من العلاقات الدولية والتي سبق تحليل خصائصها (الفواعل، القضايا، الأدوات، مستويات التحليل، أنماط التفاعلات، القوى والعوامل المؤثرة على هذه التفاعلات) تقدم الكثير من المدلولات بالنسبة لتفسير صعود الاهتمام بهذه الأبعاد الثقافية الاجتماعية وبالنسبة لتفاعلها مع نظائرها السياسية والاقتصادية.
وبالرغم من هذا الحديث عن عدم الفصل بين الأبعاد الثلاثة إلا أنه يظل
- - - - - (١٢٣) - - - - -
لوضع الأبعاد الثقافية خصوصية في هذه المرحلة وخاصة بالنسبة لدول الجنوب وفي قلبها العالم الإسلامي، فبعد أن تحققت الهيمنة الغربية السياسية والعسكرية أولا ثم الاقتصادية فلم يتبق إلا اكتمال الهيمنة على الصعيد الثقافي أيضاً. وإذا كانت أبنية الجنوب مازالت ممانعة للدمقرطة الغربية وغير ممانعة للتبعية الاقتصادية فإن الجهة الثقافية مازالت تشهد مقاومة. ولكنها المقاومة التي تواجهها صعوبات جمة ليس من أجل الدفاع عن الخطوط الأخيرة فقط ولكن حتى لا يحدث الانسحاب الكامل.
٢ - خطاب العلاقة بين الحضارات: المؤشرات والاتجاهات:
إن التناول السابق لخصائص العلاقات الدولية الراهنة ولعملية تبين الإطار الذي أفرز خطاب العلاقات بين الحضارات أو بعبارة أخرى الذي يمثل هذا الخطاب أحد تجلياته والتعبيرات عنه.
كما يساعد هذا الإطار ويمهد للإجابة (كما سنرى) على السؤال التالي:
هل يمكن أن يكون هناك حواراً للحضارات في ظل الفوضى العالمية الجديدة أو في ظل آثار العولمة؟ أم أن هذا الحوار هو السبيل أمام العالم للخروج من أزمته الحالية؟
وهو سؤال اختلف حوله الاتجاهات الإسلامية وغير الإسلامية على حد سواء وذلك خلال المحافل والساحات العديدة التي شهدت الجدال حول هذا السؤال.
فلقد شهدت ساحة العلاقات الدولية الراهنة - أحداثاً ووقائع ومناظرات وسياسات عديدة تترجم هذا البروز لأهمية الأبعاد الثقافية والحضارية في العلاقات الدولية الراهنة. ولم تكن أطروحة «هانتجنتون» إلا قمة جبل الثلج العائم التي جذبت الأنظار وشحذت الجهود النظرية والمبادرات السياسية
- - - - - (١٢٤) - - - - -
وذلك في وقت كان النظام الدولي يشهد الصراعات الدموية العنيفة بين أقوام أو عرقيات تنتمي إلى حضارات مختلفة، كما كان يشهد مجموعة من السياسات الاقتصادية والعسكرية والثقافية التي تعكس محاولات إقرار همينة نموذج حضاري على الآخرين.
ومن ناحية أخرى تكررت المؤلفات والمؤتمرات والندوات العالمية والإقليمية والمحلية التي تناقش إشكاليات العلاقات بين الآنا والآخر، بين نحن وهم، أي بين الحوار أم الصراع، وفي المقابل توالت المبادرات التي صدرت من فواعل رسمية دولية متنوعة لتعكس معاني وأهداف الحوار: حوار الأديان، حوار الثقافات، التعددية الثقافية، ثقافة السلام والتسامح، وأخيراً مبادرة حوار الحضارات: التي طرحها الرئيس خاتمي في قمة طهران لمنظمة المؤتمر الإسلامي وفي خطابه أمام اليونسكو، والتي تلقتها الأمم المتحدة لتجعل عام ٢٠٠١ عام حوار الحضارات. بعبارة أخرى ماجت ساحة الفكر والسياسة بتيارات الجدال حول شكل العلاقة بين الحضارات مابين المدافعين عن الحوار والمدافعين عن الصراع.
إن تسجيل أبعاد المقارنة بين الاتجاهات المتنوعة من خطاب العلاقة بين الحضارات (حوار أم صراع) [١] يعد من أهم المجالات البحثية التي تستحق الاهتمام لاعتبارات عديدة تلخصها الأسئلة التالية: هل تعد الحضارة أو الأمة وحدة للتحليل في العلاقات الدولية؟ هل صراع الحضارات قد حل محل صراع القوى أو صراع الطبقات كمحرك للعلاقات الدولية؟ هل حوار الحضارات أم صراعها يقتصر على الأبعاد القيمية والثقافية وما علاقتها بالأبعاد المادية للقوة؟ ما شكل توازن القوى العالمي الذي يسمح بحوار للحضارات أو صراع بينها؟ وقبل هذا أو ذاك يأتي السؤال المعرفي التالي:
ـ
١ - انظر على سبيل المثال:
- التعقيبات على مقالة «هانتجنتون» والتي نشرتها مجلة شؤون خارجية الأمريكية والمترجمة إلى العربية في: شؤون الأوسط العدد [٣٠]، يونية ١٩٩٤.
- بحوث مؤتمر: «العولمة والهوية الثقافية»، المجلس الأعلى للثقافة والعلوم والفنون والآداب، القاهرة أبريل ١٩٩٨، ولقد تركزت معظمها في دائرة النقاش حول: حوار الصراعات أم صراعها؟ ن فخري لبيب (تحرير) أعمال مؤتمر صراع الحضارات أم حوار الثقافات، مارس ١٩٩٧، منظمة تضامن الشعوب الأفريقية الأسيوية، ١٩٩٧ ويتضمن أوراقاً هامة لنخبة من المفكرين والباحثين.
- إبراهيم سعيدي، يونية وهمي: نظرية صدام الحضارات أو التهديد الإسلامي: واقع أم اختلاق، منشورات الفرقان، سلسلة الحوار (٣٣) الدار البيضاء، ١٩٩٩.
- د. عبد الوهاب المسيري: في نهاية التاريخ وصراع الحضارات، مجلة القاهرة، يولية - أغسطس ١٩٩٧.
- إدوارد سعيد: صدام المفاهيم، ترجمة منى أنيس، الكرمل، عدد ٥٣، خريف ١٩٩٧.
- روجيه جارودي: حوار الحضارات، ترجمة عادل العوا، بيروت، باريس، منشورات عويدات أبريل ١٩٧٨.
- د. محمد خاتمي: حوار الحضارات والثقافات (نص الخطاب أمام اليونسكو في أكتوبر ١٩٩٩) شؤون الأوسط عدد ٨٩ نوفمبر ١٩٩٩.
- د. عبد العزيز التويجري: الإسلام اليوم: عدد
dlrow wen eht dna malsI lacitilop ,msilatnemadnuf fo egnellahc eht: ibiT massaB - ٤١٢ - ٩٩١pp٤١١ - ٠٦pp, - ٠٢ - ١pP. ٨٩٩١ ,sserp ainofilaC fo ytisrevinU ,redrosid
؟ noitazilivic fo hsalC tsew eht dna malsI: reknuH neerehS -
stseretni fo hsalc fo serutluc fo hsalc ,malsI lacitilop dna aciremA: segreG. A yzwaF - . ٩٩٩١ sserp ytsrevinu egdirbmaC
- - - - - (١٢٥) - - - - -
ماهو أصل العلاقة بين الحضارات: الحوار أم الصراع؟ أي هل طبيعة الاختلاف بين الحضارات هي التي تفرض الحوار أو الصراع أم أن الظروف الدولية هي التي حددت بروز أحدهما على الآخر في مرحلة من مراحل تطور التاريخ العالمي؟
ويذكرني هذا السؤال الأخير بالسؤال المعتاد الذي يتم طرحه بصدد الرؤية الإسلامية للعلاقات الدولية، هل أصل العلاقة في الإسلام هي الحرب أم السلم؟
ومن ناحية أخرى أن إشكالية العلاقة بين الحضارات حوار أم صراع، تتقاطع وتتداخل مع مناطق أخرى - كما سبق الإشارة في مقدمة الدراسة - كما تطرح موضوعات هامة على دوائر الفكر والحركة: دور الدين في السياسة الداخلية والخارجية، تحدد الاهتمام بالأبعاد القيمية الأخلاقية للقضايا الدولية المختلفة التقليدية منها والجديدة مثل ضبط التسلح والتنمية والفقر والبيئة والمرأة صعود قضايا حقوق الإنسان، وتحمل جميع هذه الموضوعات أبعاداً ثقافية حضارية واضحة لابد وأن تقع في صميم أي حوار بين حضارات، فإن اختلاف المنظورات حول دور الدين، القيم، حقوق الإنسان…. إلخ تعكس اختلافات حضارية وثقافية هامة ومن ثم فإن القراءة المقارنة النقدية التراكمية بين أدبيات «خطاب العلاقة بين الحضارات» من شأنه أن يخلص إلى تحديد الاتجاهات الكبرى التي ينقسم بينها هذا الخطاب ومضامينه كل منها بالنسبة للقضايا والإشكاليات الأساسية المثارة غالباً. وحيث أنه لايمكن في هذا الموضوع تقديم هذا الإسهام [١]، إلا أنه يمكن أن نكتفي بالإشارة إلى ثلاثة تيارات كبرى:
أحدها يقول بصراع الحضارات ويمثله «هانتجنتون» والثاني يدعو إلى حوار الحضارات ويمثله تيار واسع سواء من جانب التيار الاعتذاري الدفاعي
ـ
١ - تم في قسم العلوم السياسية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية تسجيل مشروع للحصول على درجة الماجستير للطالبة أماني غانم المعيد بالقسم تحت إشراف أ. د. نادية محمود مصطفى وذلك في موضوع «البعد الثقافي في دراسة العلاقات الدولية: تحليل خطاب صراع الحضارات».
- - - - - (١٢٦) - - - - -
عن الإسلام الذي يرفض الصراع، أو سواء من جانب بعض الخطابات الرسمية وغير الرسمية الغربية التي تتحدث عن قبول التعددية الثقافية والحوار بين الثقافات، أما التيار الثالث فهو يقول بأن الحوار والصراع هي حالات للعلاقة بين الحضارات وفي حين يرى رافد من هذا الاتجاه الثالث أن الحالة الدولية الراهنة لا تسمح بحوار حضارات حقيقي نظراً لاختلال ميزان القوى الدولية لصالح الأطراف المنتمية للنموذج الحضاري الغربي، فإن رافداً آخر يرى أن حوار الحضارات ضروري للخروج بالعالم من أزمته الراهنة إلا أنه لابد وأن تتوافر له شروط لكي يحقق أهدافه الحقيقية المتصلة بالجانب القيمي الأخلاقي وعلاقته بالأبعاد السياسية الاقتصادية، وأين الأمة الإسلامية من هذا كله؟
ثانياً: الأمة الإسلامية في النظام الدولي: البعد الثقافي الحضاري وتحديات الوضع وأين حوار الحضارات؟
بدأت التحديات الخارجية للإسلام والمسلمين منذ بداية الرسالة. وظلت الأمة - منذ ذلك الحين تواجه سواء في مراحل قوتها أو في مراحل ضعفها أنماطاً مختلفة من التحديات الخارجية.
ذلك لأن الأمة الإسلامية كانت دائما في قلب تفاعلات العالم سواء في مرحلة نموها وقوتها ووحدتها وصعودها أو سواء في مرحلة جمودها وتخلفها وضعفها وتجزئتها. وإذا كان المرحلة الراهنة من تاريخ الأمة، في نهاية القرن العشرين بعد انتهاء الحرب الباردة، تمثل مرحلة من مراحل إعادة تشكيل مناطق هذه الأمة والعلاقات فيما بينها والعلاقات بينها وبين بقية أرجاء العالم، فإن هذه المرحلة من إعادة التشكيل (التي تتكاثف فيها التحديات الخارجية) ليست إلا حلقة من حلقات سابقة من مسلسل التحول من الشهود إلى
- - - - - (١٢٧) - - - - -
المشهودية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين. فلقد مارس «الخارج» أو «الآخر» أو «الغير» تأثيراته على الأمة وبصورة متصاعدة لا تعكس فقط ما أضحى عليه الخارج من قوة ومكنة ولكن ما أضحى عليه الداخل من ضعف.
بعبارة أخرى فإن دراسة التحديات الراهنة لا تستقم منهاجيتها أو غايتها إلا على ضوء فهم حقيقة وضعها في سياق التطور التاريخي للعلاقة بين العالم الإسلامي والغرب وخاصة خلال قرني التراجع والتدهور.
ماخصوصية الوضع الراهن للتحديات الخارجية التي تواجه العالم الإسلامي؟
١ - البعد الثقافي الحضاري وتحديات الوضع الراهن للأمة الإسلامية:
من أبرز ملامح وسمات التحديات الراهنة للأمة الإسلامية التحديات الحضارية الثقافية.
إذا كانت مصادر التحديات قد توالت على الأمة منذ أن بدأ منحنى أفول حضارتها وقوتها فلقد ظل مناط التحدي الحقيقي هو التحدي العقيدي - الثقافي - الحضاري. كيف؟ لم تكن الغاية النهائية للهجمة الغربية في العصر الحديث، منذ بدايتها وفي تطورها متحالفة مع الصهيونية، لم تكن هذه الغاية النهائية تتمثل في السيطرة على الأرض والثروة فقط ولكن أيضاً إسقاط النموذج واستبداله. ولذا تحالفت الأدوات العسكرية والاقتصادية مع نظائرها الثقافية - الحضارية لتحقيق هذه الغاية النهائية عبر مخطط استراتيجي توالت تكتيكاته على الساحات المختلفة للمواجهة: السياسية، العسكرية، الاقتصادية والثقافية - الحضارية.
فإذا كانت الهجمة الأوربية الحديثة على عالم الإسلام منذ القرن السادس عشر قد بدأت مع الكشوف الجغرافية ثم تطورت أشكالها وآلياتها وأهدافها من
- - - - - (١٢٨) - - - - -
السيطرة التجارية إلى التدخلات السياسية إلى اقتطاع الأطراف إلى الهجوم على القلب ثم استكمال احتلال أراضي المسلمين وتجزئتها، فإن الأداتين الاقتصادية والعسكرية قد لعبتا الدور الأساسي خلال القرون الأربعة الأولى منذ بداية الهجمة، وذلك لتحقيق الدوافع والأهداف الاقتصادية والسياسية للقوى الأوربية البازغة على الساحة العالمية، بالسيطرة على الأرض والثروة. ولم تنفصل هذه القاعدة عن الغاية النهائية أي الانتصار على «النموذج» في الإسلام أي الانتصار على «العقيدة» في الإسلام، تلك العقيدة التي هي للأمة بمثابة الروح والقلب للجسد ومن ثم فهي تنعكس على صميم الخصوصية الإسلامية المشتركة الحضارية والثقافية للشعوب الإسلامية.
ولذا، ونظرا لأن البعد الحضاري - الثقافي - العقيدي يعد بعداً محورياً في صراع القوى، ففيه تكمن المداخل إلى ساحات الصراع الأخرى، وإليه ونحوه تصب نتائج الصراع في هذه الساحات الأخرى، لهذا كله شهدت المراحل المتتالية من الهجمة الأوربية الحديثة توظيفاً لأدوات ثقافية - حضارية (الاستشراق، التبشير، المدارس الأجنبية…) لتمهد للأداتين الأخريين وتدعم من تأثيرهما وذلك بتوفير النخب المتعاونة وتهيئة الأطر المناسبة للحركة تحت مسميات الإصلاح والتحديث والتنوير. حقيقة كانت أوضاع القوى والعقل لدى المسلمين قد وصلت حالة من التردي مكنت الآخر من عالم المسلمين، ولكن كانت الحاجة للإصلاح والتحديث والتنوير لابد وأن تنبع أساساً من داخل النموذج لتجديده وليس لاستبداله بنموذج آخر يسعى إلى الهيمنة والسيطرة باستبعاد وإقصاء وتشويه، بل وتصفيه النماذج الأخرى بكل وسائل القسر والإكراه التي تنبثق عن القوة المادية.
والآن، وفي نهاية القرن العشرين وفي قلب المرحلة الراهنة من التحديات
- - - - - (١٢٩) - - - - -
التي تواجه عالم المسلمين يحتل البعد الثقافي - الحضاري مرتبة متغيرة.
فلقد أضحت ساحة الثقافة - والحضارة آخر ساحات الهجوم «علنيا» وآخر خطوط دفاعنا. كما أضحت الأداة الثقافية - الحضارية في تناغم شديد واندماج واضح مع الأدوات الاقتصادية والسياسية وذلك في غمار عمليات «العولمة».
ولا غرابة إذن أن يلحظ المراقب والباحث والأكاديمي أن ساحة الخطاب الغربية، الذي تم تدشينه بقوة منذ عقد، حول «العولمة» زاخرة عامرة بما يتصل بالثقافة والحضارة والدين، وهذا هو دأب العلاقة بين السياسة وبين الأكاديمي في الغرب: ففي مرحلة الاحتلال العسكري والاستعمار التقليدي طغت الدراسات والنظريات الاستراتيجية - العسكرية على غيرها، وفي مرحلة الاحتلال الاقتصادي والاستعمار الجديد والتبعية (بعد موجات الاستقلال السياسية) طغت دراسات الاقتصاد السياسي الدولي الجديد، والآن تنمو الاهتمامات حول «العولمة» والثقافة، العولمة الهوية، الثقافة العالمية، العولمة الثقافية، كما يعلو الخطاب عن حوار الحضارات أم صدام الحضارات وعن حوار الأديان ليس في الأوساط الأكاديمية والثقافية فقط ولكن السياسية أيضاً. وهذا الوضع الآن لا يعكس إلا تأكيد القناعة بأن المواجهة ليست حول السياسة والاقتصاد فقط ولكن الحضارة والدين في قلبها. وفي المقابل كان لابد لخطابنا العربي الإسلامي سواء السياسي أو الأكاديمي أن يلقف الطعم، كما لقف قبل عدة سنوات طعم «النظام العالمي الجديد» - وأن يبدأ في استهلاك هذا الخطاب الغربي الكاسح عن «العولمة» وأن يتساءل: هل العولمة ظاهرة أم
عملية؟ حديثة أم قديمة؟ ماهي أبعادها ومضامينها؟ وماهي القوى المحركة لها؟ ماهي آثارها؟ هل يمكن تقديم مفهوم واضح عنها محل رضاء وقبول؟
وبالرغم من تعدد وقائع العولمة وتجلياتها كعملية لا يمكن إنكار وجودها
- - - - - (١٣٠) - - - - -
في مجالات مختلفة. وبالرغم من ضرورة وحيوية الإحاطة بالتنوع في الاتجاهات حول تقويم آثارها سلباً أم إيجاباً، إلا أن مايفرض نفسه بوضوح هو مايتصل بمستوى تناول «العولمة» كأيديولوجية وكسياسات جارية على الأصعدة المختلفة.
فمما لاشك فيه أن محتوى هذه السياسات يعكس آثار انتصار النموذج الغربي كنموذج بلا منافس أو متحد في الوقت الراهن. ولذا فإن أيديولوجية العولمة إنما تنبثق عن الليبرالية الجديدة وعن سياسات القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة. ومن ثم فإن العولمة عملية إرادية تعكس اتجاه نموذج حضاري للهيمنة بسبل إكراهية وقسرية - على النماذج الأخرى ليس على الأصعدة الاقتصادية والسياسية فقط ولكن على الصعيد الثقافي بالضرورة. وعلى هذه النماذج الأخرى أن تتكيف وتنخرط أو أن تقاوم وتقدم الاستجابات اللازمة لمواجهة تحديات العولمة. وأول هذه النماذج وأقدرها على هذه المهمة النموذج الإسلامي لأنه نموذج ذو دعوة عالمية.
ولذا فإذا كانت التحديات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تبرز من إطار سياسات العولمة وفي ظل عملياتها إنما تمثل درجة متقدمة ومتطورة من الخطورة التي سبق وواجهتها الامة ولو في ظل سياقات أخرى وبأشكال أخرى للتدخلات الخارجية (الإصلاحات والتنظيمات والاستعمار التقليدي، الاستعمار الجديد، الحرب الباردة) إلا أن المجال الحقيقي للتحديات الأكثر خطورة والتي اكتسبت أبعاداً متطورة هو المجال الحضاري - الثقافي في ظل عمليات العولمة الراهنة التي لا تعكس مجرد تدخلات خارجية ولكن اختراق واجتياح الخارجي للداخلي.
بعبارة أخرى فإن المرحلة الراهنة من تطور النظام العالمي هي المرحلة التي
- - - - - (١٣١) - - - - -
يخوض فيها «الغرب» المعركة في مواجهة «الباقي» لاستكمال تنميط العالم ليس اقتصادياً فقط على النمط الرأسمالي أو سياسياً فقط على نمط الديموقراطية البرلمانية، ولكن أيضاً في إطار منظومة القيم الثقافية - الحضارية الغربية. ولن يكتمل الانتصار الاقتصادي أو السياسي بدون الثقافي الحضاري. وفي المقابل فإن الفشل على الساحة الثقافية - الحضارية يحمل كل إمكانات نمو مراكز قوة عالمية بديلة قد تنعكس معها وبها مسار التفاعلات العالمية وتوازنات القوى العالمية.
بعبارة أخرى أيضاً بقدر ما أضحت الساحة الثقافية - الحضارية تواجه من أخطار، بقدر ما تحوي من فرص وإمكانات لانبعاث جديد من خلال تجديد ثقافي - حضاري يكون بمثابة المنطلق نحو التحدي المادي في أبعاده الاقتصادية والعسكرية. هكذا يرشدنا سلم منظومة القيم الإسلامية وآفاق تشغيل فعاليتها إلى أولوية الأبعاد غير المادية ولكن دون انقطاع عن الأسباب المادية.
وعلى ضوء ما سبق نلاحظ أن قضية «العلاقة بين الإسلام والغرب» قد أصبحت قضية محورية تتفرع وتتنامى مستويات دراستها: فكراً وحركية ومؤسسية، على نحو جعل منها أشبه بمجال درسي مستقل تتقاطع عنده وحوله تخصصات عديدة تتناول الأبعاد المختلفة للموضوع من مداخل واقترابات متنوعة، وبأقلام المسلمين والغربيين على حد سواء. ونجد دائماً أن الأبعاد الثقافية - الحضارية ماثلة في أجندة دراسة موضوعات هذا المجال سواء على مستوى الخطاب أو السياسات [١].
وإجمالاً يمكن القول أن دوائر الخطاب المهتم بالبعد الثقافي وقضاياه ودلالاتها بالنسبة لوضع العالم الإسلامي في النظام الدولي الراهن تتلخص في
ـ
١ - حول تفاصيل ه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
salim 1979
التميز الذهبي
التميز الذهبي



تاريخ الميلاد : 27/05/1979
العمر : 45
الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 5285
نقاط : 100012179
تاريخ التسجيل : 06/11/2012

حوار الحضارات Empty
مُساهمةموضوع: رد: حوار الحضارات   حوار الحضارات Emptyالثلاثاء يوليو 02, 2013 8:58 pm

رسالة التقريب - العدد ٣٢
حوار الحضارات
الدكتورة نادية محمود مصطفى
1422

"ملخّص"
هل العلاقات الدولية الراهنة مهيئة لحوار حضاري ندّي بين المسلمين وقوى الهيمنة الغربية؟ ولماذا يرفع الغرب بعد الحرب الباردة شعار صراع الحضارات، ويخطط على أساسه؟ وماهو أصل العلاقات بين الحضارات؟ أهو حرب أم سلام؟ هذه أسئلة تحاول أن تجيب عليها الاستاذة الباحثة في ورقتها، وترى أن الجميع يتفقون على أن هناك أزمة عالمية ذات بعد قيمي - ثقافي، والاسلام قادر على أن يقدّم رؤية تساهم في تقنين الرؤية التي تجري صياغتها للعالم. وترى أن المسلمين في حاجة الى خطاب غير اعتذاري، مقترحة طرح مشروع "تعارف الحضارات" من منطلق قرآني، لاننا بحاجة الى خطاب ينطلق من الذات الاسلامية وخصائصها، وبمبادرة تجاه الآخر، لا بانفعال أمامه، حتى يتحقق التوازن في الرؤية الذي هو أساس الفاعلية.
تبين نتائج هذه القراءة النقدية كيف أن هذه الأطروحات تمثل إقراراً بأن الصراع هو منهج الغرب تجاه العالم وتجاه المسلمين بصفة خاصة لأنه يرى فيهم وفي الإسلام تهديداً ذي طابع خاص، وتنبع هذه الرؤية من كيفية إدراك الأبعاد الحضارية الثقافية الكامنة في الأمة الإسلامية. وتتلخص نتائج هذه القراءة النقدية في المجموعة التالية من النقاط:
١ - إذا كان البعض قد رفض أطروحات صراع الحضارات لأنها تقوم على منظور حضاري وليس مادياً يفسح مكاناً للدين وهو الأمر غير المعتاد من الفكر والتنظير الغربي في ظل "علمنة دراسة العلاقات الدولية" إلا أن أخذ "هانتجنتون" للعامل الحضاري كمحرك للحضارات يعتبر تغييراً جوهرياً في المنطلقات النظرية، وهو الأمر الذي يقتضي التوقف عنده والتساؤل عن مبررات هذا المنحى: هل يتصل بما أضحى يدب في الحضارة الغربية من ضعف وتآكل في القوة بالمقارنة بحضارات أخرى أخذت تستنهض قواها من جديد؟ وفي هذا الصدد نلحظ أن "هانتجنتون" في ختام تحليله لمبررات اهتمامه بالحضارات كمحرك للتفاعلات الدولية، يربط بين أثر زوال الأساس الأيديولوجي للصراع العالمي وبين جهود الغرب الرامية لدعم قيمة كقيم عالمية والحفاظ على هيمنته العسكرية ودعم مصالحه الاقتصادية ومن تولد ردود فعل مضادة من قبل الحضارات الأخرى من ناحية أخرى.
٢ - وتحت عنوان خطوط التقسيم بين الحضارات نجد أن النماذج والأحداث التي يشير إليها لتوضيح المستويين من الصدام بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية، وبين الأولى وحضارات أخرى - ليست إلا أحداثاً ووقائع درج المحللون على تفسيرها استناداً إلى عوامل أخرى غير صدام الحضارات. ولهذا يتحدد السؤال: لماذا يسميها الآن هانتنجتون بمسماها الحقيقي الذي يصدق عليها من قبل؟ هل يعني هذا أنه بعد أن استنفد الغرب أرديته وأقنعته السياسية والاقتصادية وحقق من ورائها أهدافه لم يعد يبق له إلا القناع الحضاري؟ ألا يعني هذا أن هانتنجتون يشعر أن الهيمنة الغربية لن تكتمل بالهيمنة السياسية والاقتصادية فقط ولكن يلزم لاكتمالها الهيمنة الحضارية أيضاً وفي قلبها الهيمنة الثقافية؟ ومعه هذا السؤال وفي هذا الموضع يتراكم مغزى أسئلة أخرى مناظرة سبق طرحها حول نفس المغزى والغاية للمقالة برمتها.
ومن ناحية أخرى: يذكر المؤلف أمثلة من الصدام والمواجهة، ولكن لا يحدد المسؤول عن انفجارها. الغرب أم المسلمين، المسلمين أم شعوب أخرى. ولكن يورد خلاصتين لمفكر مسلم ولآخر مستشرق يهودي يقدمان نفس المعنى. فينقل عن أكبر أحمد قوله إن المواجهة التالية ستأتي حتما من العالم الإسلامي، إن الصراع سيبدأ من أجل نظام دولي جديد انطلاقاً من طغيان الموجة الكاسحة التي تمتد عبر الأمم الإسلامية من المغرب إلى باكستان".
وينقل عن برناردلويس قوله "إننا نواجه فراغا وحركة يتجاوزان كثيراً مستوى القضايا والسياسات والحكومات التي تنتهجها، ولا يقل هذا عن كونه صدام بين الحضارات. ربما غير رسمية، لكن لاشك في أنه رد فعل تاريخي لخصم قديم لتراثنا اليهودي - المسيحي، وحاضرنا العلماني، والتوسع العالمي لهما معاً" إن الاستشهاد بهاتين المقولتين تعنيان - على ضوء تحليل هانتجتون السابق لأحد أسباب صدام الحضارات وهو أن الغرب أضحى في أوج قوته - تعنيان أن الصدام إنما هو استجابة ورد فعل للتحدي المتمثل في القوة والتوسع الغربي العلماني.
وأعتقد أن القراءة على هذا النحو لهذا الجزء من تحليل هانتنجتون قد يدفعنا إلى عدم الهجوم على مقولته عن الصدام بين الإسلام والغرب كما فعلت بعض الانتقادات لنفس المقولة دفاعا عن الإسلام ورفضاً أن يكون الإسلام صراعياً أو إكراهياً أو عدوانياً أو إرهابياً، بل يمكن أن نتحول على ضوء هذه القراءة أيضاً إلى هجوم من نوع آخر على هيمنة الغرب ومظاهرها التي يقربها ويعترف المؤلف بآثارها على الآخر كما سنرى لاحقا. وبذا ننتقل من المواقف الاعتذارية التبريرية الدفاعية إلى الهجومية. فنحن لسنا مصدر التهديد ولكننا نحن المعرضون للتهديد ومن ثم. فإن استجابتنا ورد فعلنا هي التي تبدو مصدر "الصراع".
٣ - وتحت العناوين الأربعة التالية الغرب ضد الباقي "البلدان الممزقة" الصلة الكونفوشيوسية - انتهينا إليه من قبل عن غير المعلن في هذه المقالة ومقصدها ومغزاها ألا وهو تقرير هيمنة الغرب في صدام الحضارات ومن ثم مسؤولية هذه الهيمنة عن تفجير هذا الصدام من جانب الغير، ومن ثم تحذير الغرب وتنبيهه لضرورة اتخاذ الإجراءات المناسبة ضد الآخر.
بعبارة أخرى فإن الذي يستوجب الاهتمام في فكر هانتجتون هو المقولات الصريحة والواضحة والحاسمة حول الصدام بين الإسلام والغرب صداماً حضارياً دينياً وحول التضامن بين شعوب الحضارة الواحدة في مواجهة الحضارات الأخرى وحول سياسات الغرب المرتقبة في مواجهة الحضارات الأخرى وخاصة الإسلامية. ولكن هنا يجب ملاحظة أمر هام، فإن هانتجتون لا يضع فقط الإسلام كعدو مرتقب للغرب ومن ثم ينبري البعض للدفاع عن الإسلام، ولكن يبرز أيضاً ما يجب أن نفطن إليه بقوة وهو كيف أن الغرب هو عدو الإسلام والمسلمين والحضارات الأخرى. حقيقة يسجل في مقالته الأولى - كما رأينا - وكذلك في مقالته الثانية أكثر من تحذير للغرب بأن الآخر يصحو ولم يعد مفعولاً به، بل أضحى فواعل تعود إلى جذورها وترغب في تشكيل العالم بطرائق غير غربية، ومن ثم يحذر بأن هناك خطراً ثقافياً يجيء من الجنوب ويحل محل التهديد الأيديولوجي الذي جاء من الشرق، بعد أن انتهى الاستعمار الأوربي وحيث أن الهيمنة الأمريكية آخذة في الانحسار فيتبع ذلك تآكل الثقافة الغربية، حقيقة نستطيع تسجيل هذا كله ولكن ما نستطيع تسجيله بدرجة أكبر وأهم هو الإجراءات التي يوصي بها هانتنجتون لمواجهة هذا الآخر. وهنا مكمن التح
دي الأساسي الذي تفصح عنه المقالة في أكثر من موضع منها وبأكثر من تعبير صريح وحتى تصل إلى صفحاتها الأخيرة فيتركز فيها جل التوصيات الموجهة للغرب لحماية نفسه.
٢ - حوار الثقافات على صعيد نتائج خبرة دراسة "البعد الثقافي للشراكة المتوسطية الأوربية"
انطلقت هذه الدراسة من تحديد خريطة مكونات البعد الثقافي على ضوء الأسئلة التالية:
ماهو البعد الثقافي المعني؟ هل مجمل النشاط الإنساني الإبداعي؟ هل أسلوب حياة؟ هل الإطار الكلي الذي يحيط بالسياسة والاقتصاد والذي يتصل بالتاريخ والتراث والدين والقيم؟
ماهي المستويات التي يتجه إليها العمل الثقافي: الحكومات أم النخب المثقفة أم أجهزة الإعلام أم مؤسسات المجتمع المدني أم المواطن الفرد؟ وهل تقوم المنظمة فقط بهذا العمل أم تقوم بالتنسيق مع حكومات الدول الإسلامية ومع تنظيمات الجاليات المسلمة.
ما الغاية النهائية من إدارة البعد الثقافي: المساعدة في إدارة الجاليات المسلمة لما تواجهه من تحديات؟ أم إدارة حوار ثقافي مع الآخر (تشارك فيه الجاليات المسلمة أيضاً) وما إمكانياته وفعالياته وقيوده في ظل أوضاع الخلل الاقتصادي السياسي في موازين القوى بين طرفي العلاقة: المسلمون والغرب.
وأخيراً ما العلاقة بين الثقافي وبين السياسي والاقتصادي في العلاقة بين الطرفين: بعبارة أخرى ما هي فرص التنمية الثقافية الإسلامية الفاعلة أمام الجاليات المسلمة في الغرب، وماهي فرص الحوار الثقافي الحقيقي أو "التثاقف" مع الأمم الأخرى وماهي نتائجها المرجوة.
وإذا كانت دراسة نماذج محددة ونتائجها الراهنة هي السبيل للإجابة على الأسئلة السابقة، وإذا كانت التقارير والمقالات والدراسات المتوافرة على شبكة المعلومات الحديثة تقدم جانبا من الصورة، فما لاشك فيه أن تقويم الواقع (مشاكله وإدارته) - على الساحة الأوربية - أو الأمريكية يخرج عن إمكانيات هذه الورقة إلا أنه يمكن الاجتزاء والانتقاء والإحالة إلى خبرة دراسة أحد نماذج التفاعلات الثقافية وهو نموذج البعد الثقافي للشراكة المتوسطية - الأوربية (١٩٩٥ - ١٩٩٧) والتي تقدمها دراستان تفصيليتان عن هذا النموذج وإطاره السياسي [٢].
يحوى هذا النموذج الكثير من الدلالات بالنسبة لرؤية الطرف الأوربي (الرسمي وشبه الرسمي) لأبعاد وآفاق مايسمى حوار ثقافي أو حوار بين الثقافات كشرط لدفع تعاون سياسي واقتصادي أو تعاون استراتيجي بين جانبي المتوسط يقع في صميمه أيضاً وضع الجاليات المسلمة في الغرب، على أساس أن الفهم المتبادل الناتج عن "تداخل الثقافات" لابد وأن ينطلق من استبعاد الدين وتخطي التاريخ والتوفيق بين معطيات المصالح الراهنة.
وبدون الدخول في تفاصيل أبعاد الرؤيتين المتقابلتين يكفي هنا - وبفرض قبول إمكانية حوار ثقافي أن نطرح السؤالين التاليين:
هل ماهو قائم على الصعيد المؤسسي هو من قبيل الحوار؟ وهل هو سبيل لدفع التعاون السياسي الاقتصادي المتوسطي لصالح العرب في شمال المتوسط وجنوبه؟
وبصدد السؤال الأول أود أن أحيل إلى التقييم الذي قدمه السفير "هاني خلاف" لمسار ومناهج معالجة مايسمى حوار الحضارات أو الثقافات. وتتلخص هذه الرؤية فيما يلي: [٣]
من ناحية: لايوجد تحت عنوان "حوار الحضارات أو الثقافات" الذي يعد بمثابة موضة فكرية، أبعد من الدعاية المسطحة فيما يشبه المونولوج. ولا ينبغي أن يقتصر الحوار الحقيقي على مجالس يؤمها رجال الدين المسيحي وعلماء الإسلام لاستعراض وجوه التسامح في الديانتين، كما لا ينبغي أن يقتصر على مناظرات أكاديمية تكشف مدى سبق كل من الثقافتين العربية - الإسلامية والغربية.
ومن ناحية أخرى: ينبغي أن يتصدى الحوار لرصد تحليل نوعية الصور المرسومة عن الشعوب وحضاراتها في أذهان الآخرين وإمكانيات تطوير هذه الصور ثم طرح الصور البديلة. وحيث أن الحوار ليس حواراً سياسياً بين أطراف ذات مصالح متعارضة فهو يجب أن يشمل رؤية كل منا للآخر كما تبدو في الآداب والفنون والإعلام والدعاية ومقررات الدراسة.
ومن ناحية ثالثة: لا ينبغي أن يستخدم الحوار كمدخل لإذابة الفوارق والخصوصيات الذاتية لأي من أطرافه، ولا لعولمة ثقافة ما أو تعديل الأنساق القيمية للآخرين بما يتفق ومعايير أنساق هذه الثقافة. لأن الهدف من الحوار ليس إدماج الثقافات ولكن تعويد الشعوب والمؤسسات على احترام الاختلاف وكيفية التعايش رغم الاختلاف.
أما بصدد السؤال الثاني: فلابد وأن أطرح التصور الذاتي التالي: [٤]
وهو ينطلق من أن الخلل في ميزان القوى الاقتصادية والسياسية بين طرفين لا يسمح بـإمكانية حوار ثقافي بمعناه الحقيقي أي الحوار الذي يؤدي ليس إلى تحسين صورتها لدى الآخر فقط ولكن أن نصل إلى عرض صورة الآخر في ذهننا. ومن ناحية أخرى: فإن الخبرة التاريخية تبين كيف أن الأداة الثقافية - بأوسع معانيها - كان لها وزنها بين أدوات الغرب الأخرى في إدارة صراعه مع المسلمين في القرون الأخيرة، أي منذ أن بدأ منحنى القوة الإسلامية في الهبوط فإن خبرة التاريخ الحديث تبين كيف استغلت القوى الغربية العامل الثقافي بأوسع معانيه لتحقيق أهداف سياسية لم تكن تقدر الأدوات التقليدية على تحقيقها بمفردها.
بل كانت الأهداف الثقافية لا تفترق - لدى الغرب - عن أهدافه السياسية تجاه العالم الإسلامي. فلم تكن السيطرة على الأرض والثروات هي الغاية فقط ولكن السيطرة أيضاً على النموذج الثقافي الفكري بل واستبداله.
ولذا فإن الوضع الراهن - الذي يشهد - بمبادرة غربية أو بمبادرة تغريبية فورة الحديث عن حوار ثقافات وحضارات وأديان - ليس إلا حلقة من حلقات سابقة. وتشهد هذه الحلقة قمة الأزمة الفكرية في مجتمعاتنا نظراً لهذا الخضم الهائل من اختلالات ميزان القوى لغير صالحنا، والذي يحيط بمضمون محدد ومعنى محدد للحوار الثقافي في ذهن المبادرين بالدعوة، وذلك في وقت يتعرض فيه البعد الثقافي الحضاري العقدي لأمتنا لأخطر موجات التحدي والتي تستوجب بالضرورة الاستجابة المناسبة لتدعيم الثقافة الإسلامية للشعوب الإسلامية في كل مكان، ليس في الدول الإسلامية فقط ولكن في الأوطان الجديدة التي هاجر إليها البعض. ولهذا لاترى الورقة انفصالاً بين مستويات ثلاثة للعمل الثقافي الإسلامي في داخل الدول الإسلامية ذاتها التي تجتاحها وتخترقها موجات العولمة الثقافية، وبالنسبة للجاليات المسلمة في الغرب، ونحو المجتمعات والجماعات الغربية المختلفة.
٤ - خلاصة القول: إن لم يكن حوار الحضارات بالمفهوم الغربي فماذا إذن؟
إذا كانت دلالات النموذجين السابقين تبين رؤية البحث ومنطلقه الرافض لشيوع الدعوة إلى "حوار الحضارات" نظراً لتراكم الأدلة على أن العكس هو الصحيح فإن ذلك لا يعنى أن البحث بتبنى منطق "الصراع" بالمفهوم الغربي وهنا أود التوقف عند الملاحظات الثلاثة التالية:
الملاحظة الأولى: إن التصور الإسلامي لا يكرس "الصراع" كقانون تاريخي مطلق كما تقدمه المدرسة الواقعية بروافدها المختلفة ومنها فكر هانتجتون (الذي لم ينقض استمرار دور الدول / الأمم). ولكن الصراع في التصور الإسلامي بمعنى التدافع ليس إلا سنة واحدة من سنن الاجتماع البشري إلى جانب سنن اللّه الأخرى، كما أن له منطقة المختلف عن مفاهيم الصراع الأخرى ولذا فإن الجهاد في معناه الواسع ليس صراعاً مع الآخر للقضاء عليه ولكن أداة الدعوة ونشرها نحو هذا الآخر، ومن ثم فهو أحد أدواته حيث أداة التعاون السلمي تظهر إلى جانبه ولكل من الأداتين ضوابطهما وشروطهما وليست أحدهما بديلة مطلقة للأخرى. ولذا فإن القول إن أصل العلاقة بين المسلمين وغيرهم في التصور الإسلامي هو الحرب أو الاسلام ليس قولاً منضبطاً، ولكن القول الأفضل هو متى تكون الحرب ومتى يكون السلام؟ هكذا يجب أن نقرأ المدارس والاتجاهات الفقهية المختلفة حول هذا الموضوع بحثاً عن إجابة هذا السؤال الأخير وهو السؤال الذي يحتل في التصور الإسلامي مكانة السؤال في المنظور الغربي حول الصراع كمحرك بين من وعلى ماذا؟
ومن ناحية أخرى فإن هذا الصراع - في صورته العسكرية أو السلمية - ليس لتأكيد هيمنة قوم على قوم أو ثقافة على ثقافة، ولكن لتحقيق أهداف الدعوة والرسالة باعتبارها رسالة للعالمين ليس بالإكراه والقسر والإجبار للشعوب والأمم، وعلى العكس فإن منطق صدام الحضارات في فكر هانتنجتون يعكس كل منطق التناقض بين عالمية الإسلام وبين هيمنة الحضارة الغربية (أو عولمة النموذج الحضاري الغربي) حيث أنه أي فكر هانتنجتون يعكس تكريساً لهذه الهيمنة وكيفية استمرار قوتها بأساليب إكراهية قسرية إجبارية أفاض في تحديدها في نهاية مقالته.
الملاحظة الثانية: لماذا لا نقول إذن أن مفهومنا - من الدائرة الإسلامية عن نمط العلاقة بين الحضارات هو "تعارف الحضارات" وأنا هنا أستخدم ذلك المصطلح الذي قدمه بعض الأساتذة المفكرين مثل أ. زكي الميلاد [٥]. وكذلك بعض الأساتذة الأكاديميين مثل د. سيف الدين عبد الفتاح [٦].
وإذا كان لابد وأن نسجل أن المفهوم الإسلامي عن حوار الحضارات [٧] ينبني على رؤية الأصول (قرآناً وسنة) ويعكس الأسس المعرفية للرؤية الإسلامية، ومن ثم يختلف في جوهره عن المفهوم الغربي عن الحوار - الثقافي أو الحضاري، كما لابد وأنه يختلف في غاياته ودوافعه - إلا أن استخدام هذا المصطلح "الحوار" من داخل الدائرة الإسلامية وفي ظلال العولمة إنما يضعنا في نطاق الدائرة الاعتذارية الدفاعية عن الإسلام والمسلمين، في حين أن مفهوم التعارف، في إطار عالمية الإسلام وطبيعة حضارته والسنن التي تحكم العلاقة بينها وبين غيرها من الحضارات سواء في مرحلة شهود هذه الحضارة الإسلامية أو أفولها وضعفها، لأنها السنن التي لا تقوم على إبراز أثر العوامل المادية فقط ولكن العوامل غير المادية من قيم وأخلاق.
ومن ثم فإن استخدام "تعارف الحضارات" وليس حوارها أو صراعها يمثل استجابة "إيجابية" وليس مجرد رد فعل لما أثارته أطروحات "صراع الحضارات"، تلك الأطروحات التي جاءت من خارج الدائرة الإسلامية تعبيراً عن الاهتمامات الفكرية والعملية في الغرب (كما سبق التوضيح في نموذجي القراءة والخبرة) في حين أن الرؤية الإسلامية - على مستوى المعرفة والفكر - أسبق إلى تقديم طرح آخر، كما أن الواقع الإسلامي في ظل موقعه من توازنات القوى العالمية، لابد وأن تطرح السؤال التالي: هل يمكن للغرب أن يدخل في حوار حضاري مع حضارات غير متكافئة معه من الناحية المادية وهو المحكوم دائماً باعتبارات توازن القوى المادية؟ حتى أن "هانتجنتون" حين يذكر الحضارات والأديان فلم يقدمها إلا في إطار الصراع والذي يعكس كل دلالات هيمنة الغرب المادية - كما سبق التوضيح في نتائج نموذج قراءتنا لفكره - كذلك وإذا كانت أوربا - في توجهها المتوسطى - قد طرحت الدعوة لحوار ثقافات، إلا أنه ليس هناك من الأدلة في واقع السياسات الأوربية والغربية الرسمية بصفة عامة عن أن حوار الثقافات هو الأساس في تشكيل رؤية هذا الجزء من الغرب للعالم، ولا أدل على ذلك من مضمون ومحتوى "الحوار" حول قضايا المرأ
ة والطفل والاسرة والبيئة والأقليات وذلك في المحافل الدولية الرسمية المعنية بتقنين قواعد إدارة هذه المجالات في عصر العولمة.
الملاحظة الثالثة: تتصل بالآليات المقترحة والمضامين المطلوب توافرها عند المشاركة في دوائر ما يسمى الآن "حوار الحضارات". وفيما يلي نقدم بعض المقترحات بالاتجاهات الكبرى التي تم تقديمها في ملتقيين من ملتقيات منظمتين من أهم المنظمات الرسمية التي تهتم بالعلاقة مع الآخر. ومن ثم يقع الآن موضوع حوار الحضارات والثقافات في صميم اهتماماتها المتنوعة وهما المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في مصر، والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيكو) إحدى هيئات منظمة المؤتمر الإسلامي [٨].
وتتلخص المقترحات بالاتجاهات الكبرى في المجموعات التالية:
١ - حول الآليات والقنوات:
١ - ١ - الحاجة للأدوار المتكاملة والمتناسقة - وليس المتوازية بين أدوار الأجهزة الرسمية الجماعية أو القومية، وبين المنظمات والهيئات الإسلامية غير الرسمية، وبين مفكري وعلماء الأمة. بعبارة أخرى هناك ضرورة للتنسيق والتكامل بين العلاقات الرسمية، والعلاقات عبر القومية الجماعية والجهود الفردية أو الجماعية للفكرة في المجال الثقافي.
فعلى سبيل المثال: تشجيع إقامة الاتحادات بين المراكز والجمعيات الإسلامية في دول أوربا، وتنسيق الاتصال بينها وبين الحكومات والأجهزة الرسمية وغير الرسمية الإسلامية التي يمكن أن تمدها بالدعم، إيجاد آليات لدعم أنشطة اتحادات الجاليات المسلمة ومساندة مطالبها الثقافية في مجتمعاتها الجديدة.
التواجد في الملتقيات العالمية أو الإقليمية أو عبر الإقليمية الرسمية وغير الرسمية التي تهتم بوضع المواثيق العالمية الراهنة أو الإقليمية الخاصة بقضايا هامة مثل حقوق الإنسان والمرأة، والأقليات، وقوانين تنظيم الهجرة في أوربا وجمعيها تمس مباشرة أوضاع الجاليات المسلمة في الغرب أو صورة الغرب عن الإسلام أو الأوضاع في الدول الإسلامية ذاتها.
الانتباه إلى قنوات وآليات - غير رسمية - قد تمارس تأثيرات سياسية هامة من خلال آليات ثقافية شديدة الخطورة: مثلا المعرض الدولي للثقافات في ديزني لاند خلال صيف ٩٩ وكيف ثارت قضية القدس في الجناح الإسرائيلي وكيف كان فعل الجماعات العربية والإسلامية الأمريكية المضاد وكيف كان خذلان "الرسمي" لهذه الجماعات الرسمية.
مراقبة وملاحظة وتقييم موجات الأزمات الثقافية الإسلامية التي تندلع في الدول الإسلامية التي يصبح لها ردود فعل كبيرة في الغرب بل والتي يوظفها الغرب ضد الإسلام والمسلمين ويكون لها ردود فعل بالنسبة لمسلمي الغرب مثلاً: عقب أزمة سلمان رشدي الشهيرة والتي تلتها أزمة (تسليمة نسرين) ثارت خلال العام الماضي والحالي ثلاث أزمات في لبنان (أنشودة مارسيل خليفة)، وفي الكويت (سجن د. البغدادي الأستاذ الجامعي بعد حملة عليه بسبب أحد مؤلفاته) وفي مصر (نشر كتاب وليمة أعشاب البحر).
الاهتمام بمظاهر التعصب وانتهاكات حقوق الإنسان لأفراد أو مجموعات من الجاليات المسلمة في الغرب وخاصة المتصلة بالحقوق الدينية والثقافية (مثلاً أزمة الحجاب في فرنسا منذ عدة أعوام. وغيرها مما يمكن رصده تراكميا.
الاعتراض على عملية التدمير المنظمة لمعالم الوجود الحضاري الإسلامي في البلقان (في البوسنة ثم في كوسوفا).
١ - ٢ - توسيع دائرة ونطاق الثقافي موضع الاهتمام. فلا يقتصر على الأنشطة ذات الطبيعة الثقافية البحتة ولكن يجب فتح قنوات - التأثير والتأثر - مع - أجهزة ذات أنشطة أخرى سياسية أو اقتصادية تستدعي بالضرورة البعد الثقافي والتي نحن في أمس الحاجة لتقديم رؤية إسلامية اجتهادية معاصرة حولها. فأجهزة التعليم والتربية، ومراكز البحوث ووسائل الإعلام ليست القنوات الوحيدة للعمل الثقافي في زمن تقاطع فيه الثقافي مع السياسي والاقتصادي من الداخل والخارج فعلى سبيل المثال:
تنظيمات حقوق الإنسان، والمرأة، يجب أن تصبح طرفا مستهدفاً. بعبارة أخرى يجب عدم الاقتصار على قنوات الحركة المباشرة للفعل الثقافي في الغرب.
١ - ٣ - تعد المنظمة الجهاز الرسمي الجماعي للعمل الثقافي الإسلامي وهناك فرص وإمكانيات من فتح القنوات مع المنظمات المناظرة أو الشبيهة على أصعدة تجارب الاندماج أو التضامن الغربية، مثل الاتحاد الأوربي، مجلس أوربا، فإن بعضا من أنشطة هذه المنظمات تمس أوضاع الجاليات المسلمة في أوربا وأوضاع الدول الإسلامية، وعلى نحو لم يعد فيه الفصل قائما بين الثقافي وبين السياسي الاقتصادي. ويعد البعد الثقافي الاجتماعي في الشراكة الأوربية المتوسطية كأحد أبعاد ثلاثة لهذا المشروع الاستراتيجي دلالة واضحة على ذلك.
١ - ٤ - أهمية التنسيق مع أجهزة إسلامية نوعية رسمية أو غير رسمية: مثل رابطة العالم الإسلامي، رابطة الجامعات الإسلامية وخاصة حول الأنشطة المتقاطعة مع اهتمامات الإيسيسكو.
١ - ٥ ومع الأخذ في الاعتبار الجدل الدائر حول الآثار المختلفة لشبكة المعلومات العالمية (انترنت) وخاصة في المجال الثقافي بعناصره المختلفة، ومع الأخذ في الاعتبار محدودية حجم مساهمة المسلمين في هذه الشبكة [٩]، فإنه لايمكن إنكار أن العملة ليس لها الاّ وجه سلبيٌّ واحدٌ ولكن هناك وجه آخر يحمل فرصاً وإمكانيات. ومن ثم لابد وأن تنشط الإيسيسكو لدعم موقعها على الإنترنت وجعله سبيلاً من أهم سبل التواصل الثقافي المعاصر بين أبناء الأمة. ومما لاشك فيه أن تواصل الجاليات المسلمة في الغرب مع الأوطان الأم وغيرها من الأوطان الإسلامية عبر هذه الشبكات من أهم سبل هذا التواصل. ولذا يحتاج هذا السبيل دعماً خاصاً وتخطيطاً علمياً مثل الاهتمام بصفة خاصة بجيل الشباب وتصميم قنوات للتواصل فيما بينهم حول فكرة الأمة والتضامن الإسلامي، وتشجيع خلق رأي عام إسلامي حول قضايا الأمة، وتفعيل سبل التضامن الفعلي في أنشطة متنوعة فكرية وثقافية، وتوفير قواعد المعلومات عن مجالات مختلفة في نطاق الاهتمام المتبادل بين المسلمين مثل المؤتمرات والندوات والإصدارات الجديدة، والأحداث الثقافية الهامة.
إن الإنترنت يمكنه - إذا أُحسِن التخطيط لتوظيفه - أن يساعد في التغلب على "التجزئة" وعواقب الحدود القومية، وأن يمثل موقع الإيسيسكو عليه ساحة أساسية لتقديم كثير من الخدمات التي لا غنى عنها لتنفيذ أهداف الاستراتيجية الثقافية الإسلامية برافديها الخاص بالتعاون الثقافي بين الدول الإسلامية، والخاص بالعمل الثقافي الإسلامي في الغرب. وهي الأهداف التي يعوق دون فعالية تحقيقها مبدأ السيادة القومية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء وغير الأعضاء.
٢ - حول اتجاهات المضمون وقضاياه
٢ - ١ - التأكيد على أن الجاليات المسلمة في الغرب جزء من الأمة الإسلامية.
وهناك حاجة لتأصيل واضح وتجديدي لهذا الوضع: لايغفل بالطبع حقيقة وجود هذا الجزء من الأمة بين شعوب غير مسلمة غربية ولكن يحرص في نفس الوقت على تأكيد الروابط بين هذا الجزء من الأمة والأجزاء الأخرى، التي تأخذ الآن شكل الدول الإسلامية (أو شكل جاليات أو أقليات مسلمة في أرجاء أخرى من العالم). وهذه الروابط تبادلية وذات اتجاهين وليس اتجاه واحد: فإذا كانت الجاليات المسلمة في الغرب تتطلب أنماطاً متنوعة من النصرة فإنها بدورها تمثل قاعدة أساسية وركناً أساسياً في الغرب يمكن أن يساهم في تحقيق بعض أهداف العمل الثقافي الإسلامي في الغرب في مواجهة الغرب.
وإذا ما استطاعت هذه الجاليات النجاح في إدارة أنماط التحديات المختلفة التي تواجهها (والتي سيبق تحديدها في المستوى الثاني من الورقة)، فإنها ستصبح رصيداً فاعلاً للإسلام في الغرب، ولقضايا الأمة بصفة عامة ومن ثم فهناك حاجة للاهتمام بهذا المجال التأصيلي الفقهي الفكري الذي لابد وأن ينطلق من دعائم الرؤية الإسلامية. عن العلاقة بين الإسلام، والوطن، والقومية، وعن وضع المسلم في ديار غير إسلامية وهو التأصيل الذي يقع في قلبه أو ينبني عليه "فقه الأقليات المسلمة المعاصرة".
ولعل من أهم الأمور المتصلة بما سبق طرحه - والتي يجدر التنبيه إليها هو ضرورة التصدي لشيوع مصطلح "الدياسبورا" الإسلامية في وثائق غربية وفي أدبيات غربية كناية عن الجاليات المسلمة في العالم والتي جرت الأدبيات العربية على وصفها بالأقليات المسلمة.
٢ - ٢ - عدم اقتصار منظومة العمل الثقافي على المجالات القائمة فقط: تعليم اللغة العربية، الدين الإسلامي المعمار الإسلامي، الفنون الإسلامية، ولكن يجب أن تمتد أيضاً إلى مجالات وقضايا ذات أبعاد ثقافية واضحة: حقوق الإنسان، حقوق الأقليات واللاجئين، حقوق المرأة، الحوار الثقافي والحضاري، الحوار الإسلامي المسيحي، التسامح والتعددية، قضايا الفكر والإبداع بين فكرة الحرية وبين الضوابط… وغيرها.
٢ - ٣ - إذا كانت الرؤية الإسلامية لا تنطلق من لغة "صراع" ولكن من لغة "تعارف"، ولا تسعى نحو "تنميط" ولكن تقوم على سنة التنوع، وإذا كانت الرسالة الإسلامية دعوة للعالمين: لا إكراه ولا إجبار فيها إلا أنها أيضاً ليست اعتذارية، تبريرية، دفاعية.
ومن ثم فإذا كان التحليل السابق في أجزاء الورقة يثير علامات الاستفهام حول مغزى الدعوات من أجل الحوار الثقافي - الحضاري، حوار الأديان كصيغ "للتعاون الثقافي مع الغرب"، فهو أيضاً لا يتبنى أسانيد الأطروحات السائدة عن "الصراع الثقافي، الحضاري، صراع الأديان". والتي تنعكس على علاقات الدول الإسلامية بالغرب بقدر ما تنعكس على علاقة الجاليات المسلمة مع أوطانها الجديدة. إن التحليل في هذه الورقة إنما يسعى للتأكيد على بعض الأمور وهي:
من ناحية: تعزيز التعاون حول "حوار ثقافي" بشروط ومضامين تجعله سبيلاً للتعارف الحضاري الحقيقي، ومن ثم تنأى به أن يكون سبيلاً لتمكين ثقافي لطرف على طرف آخر أو أن يكون قناة للاعتذار والدفاع والتبرير في مواجهة "الاتهامات" المتعددة للإسلام والمسلمين سواء في أوربا ذاتها أو خارجها.
من ناحية أخرى: يقدم رموز الفكر الإسلامي المعاصر أطروحات متكاملة حول "البعد الثقافي" فمن المقاربة بين القيم الإسلامية والقيم الغربية [١٠] إلى تقديم الرؤية عن الدلالات الثقافية المعاصرة في إطارها السياسي الراهن [١١]، إلى تحليل العلاقة بين العولمة والهوية ودور الأديان، إلى البحث في الأبعاد الثقافية السلوكية للمسلمين "الأقليات" في ظل ضغوطات العولمة ومابعد الحداثة [١٢]، إلى الحديث عن حقوق الإنسان في الإسلام كضرورات وليس مجرد حقوق [١٣]، إلى التمييز بين العالمية والعولمة ومن ثم العلاقة بين الإسلام والعولمة.
هذه ليست إلا نماذج على سبيل المثال وليس الحصر وهي تعني، في نظري، نماذج على "المبادرة" الثقافية وليس "الاعتذار" الثقافي، نماذج تدفع للتقدم نحو صياغة رؤية إسلامية وتشارك في هذه الصياغة.
فإذا كان الجميع يتفقون على أن هناك أزمة عالمية ذات بعد قيمي - ثقافي واضح الدلالة يستوجب مراجعة المنظورات: فإن الإسلام قادر على أن يقدم رؤية تساهم في تقنين الرؤية الجاري صياغتها للعالم وخاصة حول أوضاع الأقليات، ومنها المسلمة في العالم.
بعبارة أخيرة نحن في حاجة لخطاب غير اعتذاري، غير دفاعي، نحن في حاجة لخطاب ينطلق من الذات الإسلامية وخصائصها "وبمبادرة" تجاه الآخر وذلك حتى يتحقق التوازن في الرؤية الذي هو أساس الفاعلية.
وإذا كانت اليونسكو أعدّت لأن يكون عام ٢٠٠٠ عام "ثقافة السلام" فلابد وأن يكون الطرح الإسلامي "لمفهوم" السلام حاضراً وفاعلاً ومؤثراً، وإذا كانت مفاهيم "ثقافة التسامح"، ثقافة قبول الآخر "يتم تداولها في محافل "الحوارات الثقافية" فإن الطرح الإسلامي لها يجب أن يكون حاضراً وفاعلاً ومؤثراً، وإذا كانت ندوات وحوارات "الإسلام والغرب" تتعدد في تلاق وتقاطع حول أمور منهاجية ومضمونية شتى فيجب أن تكون الرؤية الإسلامية حاضرة وفاعلة ومؤثرة وإذا، وإذا… الخ.
إذن المطلوب "المبادرة الثقافية" عند تخطيط رؤية استراتيجية للعمل الثقافي الإسلامي في الغرب وذلك انطلاقاً من رؤية كلية عن وضع البعد الثقافي (بين أبعاد أخرى) في هجوم الآخر تجاهنا وعن وضع البعد الثقافي الإسلامي في مشروع النهوض الحضاري الإسلامي. فهذا البعد الثقافي الإسلامي - الذي تضعه وثائق الإيسيسكو في قلب هذا المشروع الحضاري - ليس منقطع الصلة بالأبعاد الأخرى: السياسية، الاقتصادية، العسكرية. وكذلك فإن مشاكل الدول الإسلامية الثقافية لا تنقطع أو تنفصل عن إمكانيات أو قيود العمل الثقافي الإسلامي لنصرة الجاليات المسلمة في الغرب أو عن العلاقة الثقافية مع الغرب.
بعبارة أخرى: فإن الرؤية الاستراتيجية المطلوبة يجب أن تنطلق من عدة أسس وتنبني على بعض الأسس الأخرى. فليس هناك حوار ثقافي حقيقي بين غير متكافئين ماديا، كما أن الحوار في ذاته ليس السبيل بمفرده لحل مشاكلنا مع الآخر أو لديه.
ومع ذلك، فانطلاقاً من وسطية الإسلام وانطلاقاً من رؤيته عن التعارف الحضاري فإن هذا التعارف الحضاري يمثل السبيل للتجديد الحضاري لدينا من ناحية ولمشاركة الفكر الإسلامي في عملية التجديد الحضاري العالمية من ناحية أخرى.
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
١ - أستاذ العلاقات الدولية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة.
٢ - د. نادية محمود مصطفى: المشروع المتوسطي: الأبعاد السياسية (في) د. نادية محمود مصطفى (محرر) مصر ومشروعات النظام الإقليمي الجديد في المنطقة، مركز البحوث والدراسات السياسية، كلية الاقتصاد، جامعة القاهرة ١٩٩٧.
د. نادية محمود مصطفى: البعد الثقافي للشراكة الأوربية المتوسيطة (في) د. سمعان بطرس فرج اللّه (محرر) أعمال ندوة مستقبل الترتيبات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط وتأثيراتها على الوطن العربي، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة ١٩٩٨.
٣ - هانى خلاف: حوار الحضارات بين أوربا والعالم العربي… رؤية في مناهج االمعالجة الأهرام ٢٠ / ٤ / ١٩٩٧.
٤ - ينبي هذا التصور على نتائج بعض أجزاء مشروع العلاقات الدولية في الإسلام: انظر: د. نادية محمود مصطفى: مدخل منهاجي لدراسة التطور في وضع ودور العالم الإسلامي في النظام الدولي، مرجع سابق.
٦ - د. سيف الدين عبد الفتاح: حول تعارف الحضارات، ورقة مقدمة إلى ندوة "الإسلام والعولمة"، كلية دار العلوم، جامعة القاهرة مايو ٢٠٠٠.
- كذلك انظر التناول المعرفي والمنهجي لمفهومي الحضارة والسنن، باعتبارهما من عناصر المدخل القيمي لدراسة العلاقات الدولية في الإسلام وذلك في العمل التجديدي التالي.
- د. سيف الدين عبد الفتاح: مدخل القيم مدخل منهاجي لدراسة العلاقات الدولية في الإسلام (في) د. نادية محمود مصطفى (إشراف) مشروع العلاقات الدولية في الإسلام، مرجع سابق، الجزء الثاني.
٧ - انظر مثلاً: محمد خاتمي: مرجع سابق.
- عبد العزيز التويجري: مرجع سابق.
- فهمي هويدي: المسلمون وسيناريو الصراع بين الحضارات، المسلم المعاصر، السنة ١٧. العددان ٦٧ - ٦٨ ١٤١٣هـ / ١٩٩٣م.
- د. محمد عمارة: حضارة أم حضارات، المسلم المعاصر، السنة ١٩، العددان ٧٣ - ٧٤.
- أبحاث مؤتمر "المسلمون وحوار الحضارات في العالم المعاصر" الدورة العاشرة للمجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية، مؤسسة آل البيت، عمان، الأردن ن يولية ١٩٩٥.
- د. زينب عبد العزيز: أبجدية الحوار بين الحضارات، المسلم المعاصر، السنة ١٩، العددان ٧٣ - ٧٤.
٨ - حول الفارق بين نموذجي العالمية والعولمة ومن ثم مدلولاته بالنسبة للاختلاف بين الحوار والتعارف في ظل موازين القوى الحالية انظر:
- د. سيف الدين عبد الفتاح: (في) د. عبد الوهاب المسيري (محرر) إشكالية التحيز، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الجزء الثاني.
٩ - نبيل شبيب: الشبكة العالمية ومستقبل المسلمين (في) أمتي في العالم (١٩٩٩)، مرجع سابق ص ٢٧٥ - ٣٠٠.
١٠ - Ali Mazriui: Islamic values and Western values. Foreign Affairs vo. ٦٧,No. ٥,١٩٩٧.
١١ - طارق البشري: الإسلام والعصر: ملامح فكرية ومنهجية (في) طارق البشري: في المسألة الإسلامية المعاصرة، الملامح العامة للفكر السياسي الإسلامي في التاريخ المعاصر، دار الشروق ١٩٩٦ص ٤٧ - ٦١.
- طارق البشري، مفهوم المعاصرة بين العالمين الغربي والإسلامي في طارق البشري في المسألة الإسلامية المعاصرة، ماهية المعاصرة، دار الشروق، ١٩٩٦، ص ٤٨ - ٦٥.
١٢ - Akbar Ahmed, Josting Donnan: Islam, Golbalization and Postmodernity, routledge,London ١٩٩٤.
١٣ - د. محمد عمارة: حقوق الإنسان في الإسلام ضرورات لا حقوق، دار الشروق، ١٩٨٩.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
حوار الحضارات
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى قالمة للعلوم السياسية :: ******** لسا نـــــــــــــــــــــــس ******** :: السنة الثالثة علوم سياسية ( محاضرات ، بحوث ، مساهمات ) :: عـــلاقــــــــات دولــــيــــــة ( محاضرات ، بحوث ، مساهمات )-
انتقل الى:  
1