واقع الثقافة العربية والإسلامية في ظل العولمة
http://www.annabaa.org/nbanews/61/59.htm
أمل فؤاد عبيد
العولمة بين القبول والرفض
رغم الآثار والتحديات التي تواجه الدول الأقل تطوراً من جراء عملية العولمة وتجلياتها الاقتصادية والسياسية والثقافية إلا أن هناك من يؤكد على أن العولمة مع أخطارها تحمل في طياتها العديد من الإمكانيات التي تسهم في إحداث الارتقاء والتطور1.. ولا يجب النظر إلى المشكلة من هذه الزاوية الضيقة.. أي من زاوية التشاؤم أو التفاؤل أو مع أو ضد.. وإنما يجب أن نضع المشكلة (العولمة) في الإطار الواقعي الصحيح.. فالعولمة ما هي إلا واقع لا بد من الاعتراف بوجوده.. وبالتالي تصبح المشكلة: هل نحن قادرون على مواجهة تحديات هذه الظاهرة؟ هل نستطيع الاندماج في نظام العولمة معالتحوط للمخاطر كما يشير الأمين للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الاسكوا)؟ ومن هو القادر / القادرون على مواجهة تحديات العولمة..؟ هل يتحول العربي في الزمن المعاصر على شخصية كوكبية..؟ وإلى أي مدى يتقبل أو يستدمج سمات شخصية جديدة تندثر فيها رواسب ثقافته التراثية..؟ وهل سيصبح مواطناً بلا هوية محددة..؟ ولمن يشعر بالانتماء..؟ 1.
واليوم هناك عدة مواقف اتجاه العولمة بكل ما فيها من سلبيات وإيجابيات.. فمنهم من لا يرغب في الاحتكاك بالعولمة أو بما تفرزه العولمة.. وكأنه في الاستطاعة التنحي عن هذا العالم الجديد المتخلق في قلب الأحداث اليومية.. والتي لا بد من فرصة لغلق الأبواب أمام تحدياتها الجديدة.. وهناك من يؤيد فكرة الأخذ بها وبكل مستجداتها.. لعلنا أمام انفتاح يستطيع الأخذ بأيدينا نحو التطور والتنمية والرخاء والنماء.. وهناك من هو متوسط الموقف فقد يرى في العولمة ما هو فرصة لكي نستعيد إمكانياتنا.. في تطوير ما لنا من تاريخ فكري وأدبي وثقافي قديم وطويل.. أي التعامل مع العولمة بطريقة الانتقاء وكأننا في إمكاننا ونحن إزاء عالم مفتوح مطلق الحرية نستطيع المنع أو الرفض.. ولكن هناك من يرى في سلبيات العولمة أو إيجابياتها ما هو دافع لأن نعيد حساباتنا مع أنفسنا ومع الآخر وما ينتجه من ثقافة قد تفيدنا في صور منها ونعرض عما يكون منافساً لقيمنا وقواعدنا الخلقية.. من لا بد من التعامل مع العولمة بحذر مسبق.. وهناك من يأمل أن تكون العولمة بجميع أهدافها ووسائلها.. وسيلة فعالة لتخطي حالة الركود الاقتصادي وتخطي مراحل الضعف والوصول على حالة من الاستقرار المعيشي والنماء والتطور المطلوب.. وبلغة أخرى أن العولمة طرحت كثير من الرؤى والاتجاهات العربية المتباينة..: يحاول أصحابها تشخيص الواقع واستشراف مستقبل المجتمع العربي.. ولقد تأرجحت هذه الرؤى بين السلفية والمعاصرة.. بين الأصولية والليبرالية بتياراتها المتمايزة.. من هنا سوف نتناول بعض الموضوعات الخاصة بالعولمة والعالم العربي.
أولا / حال الفكر العربي
يخطئ من يتصور أن أزمة الثقافة العربية وأزمة المثقف العربي كامنة في البناء المعرفي في ذاته.. ويتوهم ذلك الذي يدعو – منطلقاً من المقولة السابقة – إلى ضرورة إجراء تعديلات في البناء الثقافي أو في تطوير عناصره الداخلية.. كما أنه من الخطأ أن نتخيل أن أسباب تخلف الثقافة العربية كونها بعيدة عن ممارسة (الاحتكاك الثقافي) بالثقافات الغربية المتقدمة.. فمع إيماننا بأن هذه الوسائل من شأنها الحد من الأزمة.. إلا أنها تمثل تأجيل الأزمة وليس القضاء عليها.. إنها قد تعد حلولاً وقتية وليست نهائية 2.. وبالرغم من تلك الإصلاحات التي يقوم بها المسؤولون إلا أن الثقافة العربية تمر بمرحلة الأزمة.. كما أن المثقف العربي ما زال يعيش المحنة ذاتها.. إن أزمة الثقافة والفكر في الوطن العربي ترمز إلى أزمة البناء الاجتماعي – الاقتصادي في هذه المنطقة.. إذ أن الفكر يتشكل في إطار تاريخي جدلي مع الواقع الفعلي المعاش.. ومن ثم يجب علينا أن نحلل طبيعة التفاعل الجدلي بين الفكر وبين الواقع في ضوء رؤية التاريخ المتميز الذي يشكل المجتمعات العربية 2..
وفي كل هذه الحالات نجد الفكر العربي منعزلاً عن واقعه أو متقوقعاً داخل ذاته.. يجتر ثقافته السلفية.. أو يترجم ثقافة غيره.. أو يحلق في تصورات طوباوية ليست متجذرة في مجتمعه.. ومن ثم فمن المتوقع أل تتحول الثقافة في المجتمع العربي إلى جزء عضوي (بالمعنى الجرامتشي) من الحياة الاجتماعية.. بحيث يمكنها أن تتفاعل مع المشكلات اليومية للأحداث والقضايا مما يمكن أن يخلق تلاحماً أساسياً بين الفكر والواقع.. بين النظرية والتطبيق.. ربما كان ذلك السبب في أنه ظل وسوف يظل معتمداً على أشكال دنيا من الاجتهاد لا الإبداع الحقيقي.. وهكذا أصبح العقل العربي يعيش أزمة حضارية هي أزمة إهدار إمكانات قدرته العضوية 2..
يقول الكاتب المغربي الحبيب الجنحاني أنا لا أستطيع أن افكر تفكيراً إيجابياً إذا لم أجد خبزاً آكله.. وسوف أفكر في معدتي أولاً2.. وهو القول الذي يكشف عن مدى العلاقة بين التأثيرات المتبادلة بين البناء الفوقي والبناء التحتي.. أي بين البناء الثقافي والفكري والبناء الاجتماعي – الاقتصادي في الأقطار العربية.. " فليس هناك فصل بين أزمة البناء الفوقي.. بمعنى أزمة التشوه الثقافي.. وأزمة الهيكل الاجتماعي – أي أزمة التخلف الاجتماعي – الاقتصادي2.. إن المتتبع لتاريخ الحضارات الإنسانية يستطيع رصد العلاقة الجدلية بين المستويين.. المادي والفكري.. بين التطور في الأوضاع المادية (قوى وعلاقات الإنتاج) والازدهار في العناصر الحضارية (البناء الفوقي) وهذا يقتضي البحث عن منشأ التخلف في الوطن العربي ومروره بمرحلة الأزمة.. حتى يمكن فهم منشأ أزمة الثقافة العربية.. وتطورها.. ومظاهر المحنة وانعكاسها على المثقف العربي في الوقت الراهن 2.
إن التعرض لمشكلة التخلف ضرورة لفهم منشأ التخلف وتطوره في الوطن العربي وعلاقته الجدلية بأزمة التشوه في البناء الفوقي 2.. ويرى البعض من المفكرين أنه من الخطأ تصور مكمن التخلف في المنطقة العربية مرجعه إلى أصول تخلف البناء الداخلي لهذه المنطقة أو بسبب عدم قدرة هذه المجتمعات على إدخال أو استيراد ميكانيزمات التحديث التي خبرتها المجتمعات الغربية المتقدمة (نظرية التحديث).. كما أنه من الخطأ أيضاً اعتبار التخلف في الوطن العربي ينحصر فقط في العوامل الخارجية بدءً من أساليب النهب الاستعماري حسب مفهوم مارلوف.. ومروراً بأساليب التغلغل الرأسمالي ومراحل التكامل مع السوق الرأسمالي العالمي.. تبعاً لتقسيم العمل الدولي (نظرية التبعية)3.. على اعتبار أن نظرية التحديث تؤكد على أن القيم التقليدية هي العقبة الأساسية في تنمية وتحديث المجتمعات المتخلفة.. وبالتالي فالخروج من هذا المأزق لا بد أن يعتمد على تغيير الثقافات التقليدية عن طريق تبني قيم التحديث.. أي القيم الغربية ويمثل الاحتكاك الثقافي بالنموذج الغربي المتقدم المنحى الجوهري في تنمية المجتمع المتخلف وتطويره 3..
بمعنى أن نظرية التحديث هذه تسعى إلى إعادة إنتاج التجربة الرأسمالية الغربية في العالم الثالث.. ويرى بعض أنصار هذه النظرية من الاقتصاديين أنه لا بد من محاكاة التحديث الأوروبي عن طريق تغيير العملية الاقتصادية التقليدية حتى نستطيع اللحاق بركب الدولة المتقدمة.. وتدعو هذه النظرية إلى ضرورة المحاكاة الثقافية والتكنولوجية أي استيراد الوسائل الحديثة من الغرب 3..
ولا يخفى علينا ما لهذا الطموح من عائد سلبي على الوطن العربي الذي سيجعل منه تابعاً للنسق الغربي وذلك نتيجة ربط المجتمعات العربية بالنسق الرأسمالي وذلك عن طريق استيراد راس المال والوسائل التكنولوجية الحديثة.. وهو ما يتبعه من تغيرات هيكلية في داخل هذه المجتمعات 3.. كما أن نظرية التبعية خاصة أفكار مدرسة أمريكا اللاتينية – تدور حول فكرة محورية مؤداها أن التخلف لا يمثل الحالة الأصلية للمجتمع في العالم الثالث.. بل نشأ التخلف وتطور من خلال أساليب الخضوع للنفوذ الرأسمالي.. بمعنى أنه نشأ تاريخياً وتطور مع نشأة وتطور التقدم في البؤرة أو المركز الرأسمالي المتقدم 3.
عندما نعيد قراءة التاريخ العربي ما بعد الإسلام وفي الفترة التي أخذ العلماء –بالأخص علماء الكلام والفكر الفلسفي – في الاطلاع على ثقافات المناطق التي كان يتم فتحها على أيدي المسلمين.. نجد حواراً بناءً ما بين الفكر الإسلامي أو الثقافة الإسلامية وثقافات هذه الدول من فارسي ويوناني.. وقتها وبالرغم مما كان يجده المفكر الإسلامي من فكر خلاق وإبداع عظيم.. لم يقف موقف الحائر والخائف.. بل كانت أمامه مسؤولية التفاعل الحي بينه وبين ما يأخذه.. وما يقع بين يديه من ثقافات متنوعة وأفكار متباينة.. أخذ يقلب في أوراق هذه الثقافات مطوراً حيناً ومضيفاً حيناً آخر.. ولم يكن في موقف الناقل فقط بل كان يدقق وينقح ويغربل هذه الأفكار منتقياً منها ما يتلاءم.. بل وما يثري معلوماته وثقافته.. بل قل أيضا كان يأخذ من هذا الكم الهائل والمتنوع من الثقافات – من أدوات قد يجدها فعالة – ما يعينه على شرح وتفسير ومنطقة (بفتح الطاء) الشروح الإسلامية.. وقد كان له ما أراد.. فهناك المنطق الإسلامي والمستمد جذوره من منطق أرسطو.. وهناك كثير من الفكر الفلسفي اليوناني وغيره من فلسفات متنوعة كانت عوناً للمفكر الإسلامي في خوض كثير من الموضوعات التي أثرت الفكر الإسلامي الفلسفي.. وكانت مرحلة القرون الثلاثة الأولى الهجرية خير دليل على هذا التفاعل الحي البناء والذي من شأنه أعلا من الفكر الإسلامي وعمل على تقدمه وثرائه.. ولولا ما أنتاب المفكرون الإسلاميون اللاحقون.. والتراجع البين الذي نجده من خلال الانتكاسات الفكرية والتراجعات المنهجية.. في البحث والقراءة ما كان للفكر العربي أن يصل اليوم ما وصل إليه من ترد وانهزامية.. وما كان ذلك إلا لتراجع العزيمة الإسلامية أو العربية على وجه الخصوص.. وكانت السلافية والتمسك بفكرة التراث والخوف من الاحتكاك مع الثقافات الأخرى هو البوابة الرئيسية التي دخل منها الفكر الإسلامي والعربي دائرة الجمود والسلبية.. واليوم ونحن ننفتح بكل ما لنا من آفاق معرفية.. نجد أنفسنا أمام الكثير من الثقافات والتي لا بد من التعامل معها بحذر.. هو حذر المتحفز. بمعنى آخر.. التعامل معها بندية شديدة.. ونتخذ موقف الناقد والباحث والمبادر.. أي لا بد من تنحي كل سلوكيات الفكر والتعامل السلبي مع الأشياء.. والخروج من دائرة التخاذل.. على اعتبار أن الأشياء لها منطقها الخاص.. ولا بد أولاً وقبل كل شيء تنحي فكرة المؤامرة.. من قبل الغرب.. ولنفترض أن ذلك حقيقة.. فما بالنا نعطي الفرصة كاملة لعدونا.. بل عدو الإنسانية جمعاء.. بأن نقف مكتوفي الأيدي.. إن من كوادرنا الثقافية والعلمية المبدعين الذي لا يجدون لهم مكاناً تحت الشمس لكفيلين بأن ينهضوا بثقافتنا.. وإثراء معرفتنا.. لولا الظروف المحيطة والتي تعمل على استلاب هؤلاء العلماء دون إرادة منهم.. ولكن هناك سلبيات قد تقع كواهلها عليهم دون غيرهم.. وقد جاء الوقت لتسهيل عمليات التفاعل الثقافي على مستوى عال.. وربما كان هذا محفزاً أساسياً لإثبات وجودنا واحتلال المواقع أو الصفوف الأولى دون منازع.. خاصة وأننا نملك إمكانيات لا يملكها غيرنا وخاصة الدين الإسلامي.. بما فيه من تنوع وثراء.. وقيم إنسانية صرفة بقدر العلم والعلماء وتقدر الإنسانية بكل ما فيها من نزوع وسلبيات وقوة..
ثانيا / سؤال الهوية وأحوالها
خلقت العولمة أو شبكة المعلومات الكونية.. وسواساً عظيماً هو الخوف من تلاشي التمايزات.. فإن فكرة توحيد النموذج وتسوية النماذج.. عن طريق العولمة.. يشعرنا جميعاً بقلق يتعلق بما يسمى (الهوية) كوننا نتصور أن هذه الهوية هي ثابت مقدس غير قابل للحركة التاريخية.. وأما هذه الهوية.. بهذا المعنى.. فهي التي تشكل المعضلة الحقيقية الآن في عالمنا.. ونتصورها الدرع البديل للمقاومة.. إننا نقع جميعاً أسرى شبكة المعلومات.. هذه الشبكة التي هي رهينة بتوجيه سلوكنا.. وبتالي ثقافتنا وحين يمر الزمن.. يبدو لنا الحال كما لو أنه تشكيل لهوية.. ومن عجب أننا نتصور الهوية على اعتبار أنها طبيعة.. وليس تاريخاً.. والحق أن أية هوية هي تاريخ.. وليست طبيعة.. وأي تاريخ لا يكون كذلك دون تفاعل مع الزمن.. وهذا التفاعل هو الذي يطرح لنا التغير الذي هو الصيرورة.. وأي تغيير من شأنه إيجاد عادات تقوم بالتفاعل والإزاحة لعادات ماضية.. وثقافات تقوم هي الأخرى بالتفاعل والإزاحة لثقافات ماضي.. وليس اليقين والاعتقاد.. والدين سوى ثقافات تمثل في النهاية هويات زمنية.. أي تاريخية.. يعني متغيرة4..
يقول المفكر الدكتور يوسف سلامة: مفهوم العولمة من حيث هو بناء منطقي لا يمكن لنا التعرف على الأشياء دون اللجوء إلى هذا المفهوم.. وذلك أمر لن يتغير على الأرجح.. ومن هذه الناحية لا بد أن يكون لكل شيء هوية.. ولا بد لكل شيء أن يكون متسماً بمجموعة أمور من الصفات والخصائص والمزايا التي تؤلق في مجموعها ذاتية خاصة.. بهذا الشيء تميزه في النهاية وتعزله وتخصصه عن كل ما سواه في العالم.. فيكون من هذه الناحية مساوياً لذاته دوماً.. فمن الناحية العلمية والمنطقية لا يمكن الاستغناء عن المفهوم.. ولا حتى في العلوم الاجتماعية والإنسانية5.
ثالثاً / الثقافة
إن الثقافة بالمعنى التقليدي: تعني النتاج الأدبي والفكري والفني
أما الثقافة بالمعنى الأنثروبولوجي الموسع: فتعني أنماط السلوك المادية والمعنوية السائدة في مجتمع من المجتمعات والتي تميزه عن سواه.
أما الثقافة اليوم فقد اتسع معنى الثقافة في العقود الأخيرة.. فأصبحت تعني جملة النشاطات والمشروعات والقيم المشتركة التي تكون أساس الرغبة في الحياة المشتركة لدى أمة من الأمم والتي ينبثق عنها أو منها تراث متروك من الصلات المادية والروحية يغتني عبر الزمان ويغدو في الذاكرة الفردية والجماعية.. إرثاً ثقافياً بالمعنى الواسع لهذه الكلمة هو الذي تبنى على أساسه مشاعر الانتماء والتضامن والمصير الواحد6..
من هنا ومن ناحية أخرى نجد أن هناك تداخل أو عدم القدرة على تحديد دلالي (بين الثقافة والحضارة باعتبار أن الثقافة تعبر عن الجانب الذهني والقيمي أو الرمزي عامة.. على حين أن الحضارة تعبر عن الجانب المادي والعملي 7.. لذلك لا بد – من الضروري – تحديد دلالة مصطلحات أربعة يدور حولها جدل كبير وهي الثقافة والحضارة والعولمة والهوية.. كأدوات إجرائية منهجية 7..
إن الثقافة والحضارة: هذان المفهومان يكادان يندمجان بعد أن اتسع معنى الثقافة.. وغدت الحضارة هي الثقافة بالمعنى الواسع للكلمة.. (الحضارة نتاج الثقافة) وغدا كلا اللفظين يضم (القيم والمعايير والمؤسسات وأنماط التفكير التي أولتها أجيال متتالية.. في مجتمع أو أو أمة معينة.. أهمية حاسمة.. ومن هنا يرى باحثون من أمثال داوسن أن الحضارة نتاج عملية مبتكرة من الإبداع الثقافي الذي قدمه شعب معين 8.
كما أن هناك تعريفات متنوعة للثقافة.. يعرفها دافيد روتكوبف بأنها: نموذج كلي لسلوك الإنسان ونتاجاته المتجسدة في الكلمات والأفعال وما وتصنعه يداه.. وتعتمد على قدرة الإنسان على التعليم ونقل المعرفة للأجيال التالية9.. كما يعرفها د. محمد عابد الجابري بأنها: ذلك المركب المتجانس الذكريات والتطورات والقيم والرموز والتعبيرات والإبداعات والتطلعات التي تحفظ لجماعة بشرية تشكل أمة.. أو ما في معناها بهويتها الحضارية.. في إطار ما تعرفه من تطورات بفعل ديناميتها الداخلية وقابليتها للتواصل والأخذ والعطاء 9...
أما الدكتور طلال عتريس فيعدها: أكثر صعوبة وتعقيداً.. ذلك أن الثقافة – كما يقول – محصلة التفاعل بين ثلاث علاقات مع الله (العقيدة والذات) ومع الآخر (المجتمع والطبقة) ومع الذات (الرغبات والغرائز والحاجات) 9.. من هذه التعريفات المتنوعة نستطيع استخلاص بعض محددات الثقافة وهي كالآتي:
أن الثقافة لا تقتصر على مجرد المعلومات والتصورات الذهنية لدى كل فرد.. بل تطال مجموع الشخصية الإنسانية ومدى تفاعلها مع البيئة والكون.
أنها لا تعكس بالضرورة تصوراً فردياً محضاً.. بل صورة لمجتمع كامل وأمة بأسرها.
أن الثقافة تعبر عن الخلفية الإنسانية التاريخية.. وهي في الوقت ذاته إحدى طموحات النفس البشرية 9.
من هنا فإن الثقافة بدلالتها الأنثروبولوجية العامة في جوانبها الرمزية والمادية والعملية.. والعلمية للواقع الاجتماعي والاقتصادي والإنساني عامة.. التي تتجلى في أشكال السلطة ونمط الإنتاج والسلوك السياسي والقيمي والإبداعي في ارتباط بواقع محلي معين.. وبهذا المعنى فالثقافة تختلف باختلاف التشكيلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية من مجتمع إلى آخر.. بل تختلف وتتنوع داخل المجتمع الواحد.. باختلاف وتنوع المواقع والمواقف السياسية والاجتماعية والفكرية كما تتطور وتنمو بتطور الأوضاع والتشكيلات القومية المختلفة.. فالثقافة – بشكل عام – تجمع بين ما هو قومي خاص.. وبين ما هو إنساني مشترك بين متخلف الخبرات الإنسانية.. وهو مشترك ثقافي نابع من الاحتياجات الأساسية العضوية والاجتماعية والموضوعية الإنسانية.. والتفاعل بين الثقافات المجتمعية القومية المختلفة.. دون أن يلغي هذا خصوصية الثقافة في كل مجتمع من المجتمعات10.. وكذلك الهوية التي هي السمة الجوهرية العامة لثقافة كل مجتمع من المجتمعات.. إنها ليست إقنوماً ثابتاً جاهزاً نهائياً كما قد يفهم أحياناً.. وإنما هي مشروع مفتوح على المستقبل ومتطور كذلك.. أي أنه متشابك متفاعل مع الواقع والتاريخ.. وفضلاً عن هذا فهي ليست أحادية البنية.. أي أنها لا تتشكل من عنصر واحد هو العنصر الديني وحده.. أو الإثني أو العرقي وحده.. أو اللغوي وحده 10..
إزاء الأهمية الاجتماعية والعلمية للثقافة.. حاول كثير من العلماء الاجتماعيين منذ القرن الماضي.. ومازالوا يحاولون الوصول إلى تعريف أو تحديد لمفهوم الثقافة.. وهو أمر ليس باليسير.. ولعل من اقدم التعريفات للثقافة.. وأكثرها ذيوعاً حتى الآن لقيمته التاريخية تعريف إدوارد تايلور الذي قدمه في أواخر القرن التاسع عشر في كتابه (الثقافة البدائية) والذي يذهب فيه إلى أن الثقافة هي: كل مركب يشتمل على المعرفة والمعتقدات والفنون والأخلاق والقانون والعرف.. وغير ذلك من الإمكانيات أو العادات التي يكتسبها الإنسان باعتباره عضواً في مجتمع 11.. وهذا التعريف يبرز العناصر اللامادية لحياة الناس في جماعة كالأخلاق والقانون والعرف التي تنشأ نتيجة للتفاعل الاجتماعي.. وتأخذ طابعاً إلزامياً.. إلى جانب العنصر المادي للثقافة.. علاوة على العلاقات بين الناس.. وبين العناصر المكونة للثقافة11..
وهناك تعريف آخر قدمه أحد علماء الاجتماع المحدثين وهو روبرت بيرستيد والذي ظهر في أوائل الستينيات فيقول: إن الثقافة هي ذلك الكل المركب الذي يتألف من كل ما نفكر فيه.. أو نقوم بعمله.. أو نتملكه كأعضاء في مجتمع 11.. يبرز هذا التعريف الصيغة التأليفية للثقافة لتصبح ظاهرة مركبة تتكون من عناصر بعضها فكري وبعضها سلوكي.. وبعضها مادي 11.. فهناك من ينظر إلى الثقافة على أنها تتكون من القيم والمعتقدات والمعايير والرموز والأيديولوجيات وغيرها من المنتجات العقلية.. وهناك من يربط الثقافة بنمط الحياة الكلي لمجتمع ما.. والعاقات التي تربط بين أفراده.. وتوجهات هؤلاء الأفراد في حياتهم 11..
ومن خلال هذين الاتجاهين استمد ثلاثة مفاهيم تمثل الثقافة:
التحيزات الثقافية
العلاقات الاجتماعية
أنماط أو أساليب الحياة
واضح أنها ظواهر أو عناصر مرتبط بعضها بالبعض الآخر.. في الكل المركب للثقافة.. فالتحيزات الثقافية تشمل القيم والمعتقدات المشتركة بين الناس.. والعلاقات الاجتماعية تشمل العلاقات الشخصية التي تربط الناس ببعضهم البعض.. أما نمط الحياة فهو الناتج الكلي المركب من الانحيازات الثقافية والعلاقات الاجتماعية11.
أما بالنسبة للهوية فهناك رؤية سائدة لها: باعتبارها الذاتية الثابتة المنغلقة على نفسها والمكتفية بذاتها.. والحاملة والحامية للذاكرة التاريخية.. أما العولمة فما أشد ما تختلف دلالتها وتتنوع النظرة التقييمية لها تمجيداً وتنديداً باختلاف وتنوع المواقف الأيديولوجية والأخلاقية وغلبتها على الرؤية الموضوعية والتاريخية لها12.. وإذا كانت العولمة في معناها البسيط تعميم الشيء وتوسيع دائرته فشأن الثقافة أوغل في هذا الميدان.. لأن التأثير الثقافي أسرع من أي تأثير آخر.. وذلك بحكم تفاعل النفس البشرية مع الغير.. ولذا يعد (دافيد روتكويف) أن طغيان ثقافة واحدة وعالمية وتهديد ثقافة المرء يصبح تهديداً لدينه وأسلافه.. ومن بعد تهديداً لجوهر هويته 13.. وسوف نتحدث هنا عن العولمة الثقافية وما ينتج عن عملية الصراع العالمي الآن.. حيث نجد أن الدكتور الجابري قد قدم بعض الأطروحات في هذا الجانب وهي:
الهوية الثقافية ومستويات ثلاثة: فردية وجمهورية ووطنية وقومية.. والعلاقة بين المستويات الثلاثة تتحدد أساساً بنوع آخر الذي تواجهه.. فالفرد داخل الجماعة الواحدة.. الجماعات داخل الأمة.. والأمة إزاء الأمم الأخرى.. فهناك ثلاث مستويات ثقافية: فردية وجماعية ووطنية.
لا تكتمل الهوية الثقافية إلا إذا كانت مرجعيتها مجموع الوطن والأمة والدولة.. الوطن بوصفه الأرض والأموات أو الجغرافيا والتاريخ.. وقد اصبح كياناً روحياً واحداً يعمر قلب كل مواطن.. الجغرافيا وقد أصبحت معطى تاريخياً.. والتاريخ وقد صار موقعاً جغرافياً والأمة بوصفها النسب الروحي الذي تنسجه الثقافة المشتركة وقوامها ذاكرة تاريخية وطموحات تعبر عنها الإرادة الجماعية.. التي يصنعها حب الوطن.. والدولة بوصفها التجسيد القانوني لوحدة الوطن والأمة.. إذن فكل مساس بالوطن أو الأمة أو الدولة.. هو مساس بالهوية الثقافية والعكس صحيح.
ليست العولمة مجرد آلية من آليات التطور الرأسمالي.. بل هي أيضاً وبالدرجة الأولى أيديولوجيا تعكس إرادة الهيمنة على العالم العولمة شيء والعالمية شيء آخر.. العالمية تفتح على العالم والثقافات الأخرى واحتفاظ بالخلاف الأيديولوجي.. أما العولمة فهي نفي الآخر وإحلال للاختراق الثقافي محل الصراع.
فإن الصراع الأيديولوجي صراع تأويل الحاضر وتفسير الماضي والتشريع للمستقبل.. أما الاختراق الثقافي فيستهدف الأداة التي يتم بها التأويل إذ يستهدف العقل والنفس ووسيلتهما في التعامل مع العالم (الإدراك).
ثقافة الاختراق تقوم على جملة أوهام هدفها (التطبيع) مع الهيمنة وتكريس الاستتباع الحضاري.. وهذه الأوهام هي: وهم الفردية.. وهم الخيار الشخصي.. وهم الحياد. الاعتقاد في الطبيعة البشرية التي لا تتغير. الاعتقاد في غياب الصراع الاجتماعي13.
إن الاختراق الثقافي نستجلي تأثيره في إفراغ الهوية الجماعية من كل محتوى.. ويدفع إلى التفتيت والتشتيت لربط الناس بعالم لا وطن له ولا أمة ولا دولة.. أو يغرقهم في أتون الحرب الأهلية 13.. فإذا كانت العولمة تعمل على هذا فيجب علينا ا، نتحمل مسؤولية تطوير أدواتنا دون الوقوف موقف المهزوم.. أمام ما يأتينا من الغرب بل أننا،اخذ بالقشور دون مضامين الأشياء لنصبح هامشي التفكير والتمييز.. مقلدون دون الإبداع الحقيقي.. الذي هو الوسيلة الوحيدة لتطوير الأمم.. كما أن مشروعية (استعادة الذات العربية المفقودة.. أو ما يسمى بالمشروع المجتمعي الذي يبغي استقلالية الفكر وحرية الإرادة 14.. لهو من المسؤوليات الهامة التي لا بد من النظر إليها على اعتبار أنه أولى الخطوات الهامة الواجب البدء فيها.. ولن يتأتى ذلك إلا من خلال دراسة موضوعية لفهم أزمة المجتمع العربي والإسلامي ووضع اليد على النتوءات البارزة والخافية لمعرفة إمكانية العلاج الممكن والمطلوب والفعال.. ولن يكون ذلك إلا بوضع المسؤولين عن العمل الاجتماعي موضع التساؤل والمفكرون أيضاً موضع النقد لأنفسهم ولمجتمعاتهم.. إلى جانب وضع خطة عمل جماعية.. لا تستثني أحد.. كما أن حال المجتمعات العربية دوت استثناء تعاني ما تعانيه من تخلف وانهيارات في كافو هياكلها الاجتماعية والثقافية.. بالرغم مما تتوهم من تحقيقه.. فبالقياس مع ما يأتينا من ثقافات.. لا تساوي شيئاً فبدلا من الخوف المستشري من العولمة.. لا بد من ضرورة التفاعل الحي.. وعمل حواجز منيعة.. تستطيع غربلة ما يأتينا وأخذ الأفضل.. ولن يتاح ذلك إلا بثقافة مضادة نخلقها نحن ونعمل أو نسعى إلى خلقها بفكرنا وإرادتنا.. وذلك من خلال مسارين لا يجب الفصل بينهما.. خاصة وأنها أصبحت ضرورة لا تنفك تفرض نفسها علينا.. وهي العودة للماضي بقلب مفتوح وبفكر مسبق أن العودة ما هي إلا إعادة صياغة وليس لمجرد الاحتماء والنزوع إلى الماضي ابتغاء البحث عن هوية مفقودة.. بل لضرورة القراءة الجديدة.. التي تسعفنا في قراءة الحاضر وتعيننا على تحديد موقعنا الذي فقدناه منذ زمن.. إلى جانب المسار الثاني والذي يجب أن يكون في موازاة مع المسار الأول وهو الإطلاع دون خوف على ما يقتحمنا من ثقافات جديدة.. مع سبق الإصرار على القراءة النقدية الفعالة أيضا ابتغاء التنقيح والاستفادة دون الذوبان التام.. فيما يعرض علينا من أفكار.. ابتغاء التنقيح والاستفادة دون الذوبان التام.. فيما يعرض علينا من أفكار.. وهذه المنهجية ضرورة من ضرورة إحياء القومية والفكر العربي ولن يكون هناك من بديل سوى الفناء أو التلاشي وسط تيارات لا تنتهي من الثقافات التي تحاول إثبات وجودها ولتكون هي الثقافة المعممة.. من هنا نسأل ما دور الثقافة العربية ودور المثقف العربي في إحياء الثقافة العربية بماضيها وحاضرها الفعال.. دون كما قلنا الوقوف خلف متاريس الماضي نستجدي الذكريات لإثبات الهوية.. التي باتت تشكل هاجس كل الشعوب.. فالهوية.. هي القرار والموقف والحياة بكل ما فيها من نزوع إلى المستقبل وكشف في الحاضر وتمسك بالماضي.
من هنا لنا أن نستوفي حق التقديم لبعض النقاط المترابطة بذات سياق العلاقة بين الثقافة والعولمة من خلال هذه الفرعيات الضرورية:
الثقافة والهوية والمرجعات المستعارة
إن العولمة في الفن وفي الثقافة هي تسليعهما معاً.. أي اختراع نموذج تعميمي تبدأ وظيفته بالاستهلاك.. وتنتهي بإعطاب المبادرة.. والتخيل.. ويبدأ التسليع بالتصنيع.. وتقوم الشركات الكبرى العابرة للأوطان وللقارات بمهمة التوزيع 15.
يقول عبد الله إبراهيم في كتابه (الثقافة العربية والمرجعيات المستعارة): أن الثقافة العربية الحديثة أصبحت ثقافة (مطابقة) وليس ثقافة (اختلاف).. فهي في جملة ممارساتها العامة.. واتجاهاتها الرئيسية.. تهتدي بـ(مرجعيات) متصلة بظروف تاريخية مختلفة عن ظروفها.. فمرة تتطابق مع مرجعيات ثقافية أفرزتها منظومات حضارية لها شروطها الخاصة.. ومرة تتطابق مع مرجعيات ذاتية تجريدية وقارة متصلة بنموذج فكري قديم.. ترتبط مضامينه بالفروض الفكرية والدينية الشائعة آنذاك.. وفي هذين الضربين من ضروب (المطابقة) تندرج الثقافة العربية الحديثة في نوع من العلاقة الملتبسة التي يشوبها الإغواء الأيديولوجي مع الآخر و (الماضي).. بحيث يصبح حضورهما (استعارة) جردت من شروطها التاريخية.. ووظفت في سياقات مختلفة.. ومن الطبيعي أن يؤدي كل هذا إلى تمزيق النسيج الداخلي لتلك الثقافة.. إلى درجة أصبحت فيها التناقضات والتعارضات ظاهرة لا تخفي.. وتتجلى تلك التناقضات من خلال صور النبذ والإقصاء والاستبعاد المتبادل بين الممارسات الفكرية التي تستثمر هذه المرجعية أو تلك ضد الأخرى.. ومن خلال أشكال التمويه والتخفي والإكراه والتنكر الذي تأخذه المفاهيم والمناهج والرؤى. وهي توظف (بفتح الظاء) بأساليب لا تأخذ في الاعتبار درجة الملاءمة بين هذه العناصر والسياقات التي تستعمل فيها.. إلى هذا يضاف التعسف في إخضاعها لأنساق لا صلة لها بأنساقها الأصلية.. الأمر الذي ينتج عنه غموض وإبهام والتباس في كل ما يتصل بتلك العناصر.. وكل هذا يعمق نوعاً من الثقافة المسطحة التي غيب عنها الفرضيات الكبرى والأسئلة الجوهرية.. كما يرى أيضا د. عبد الله أن لكل ذلك أسبابه التاريخية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وتتوزع تلك الأسباب ليتصل بعضها بالثقافة الغربية وبعضها بالثقافة العربية.. فمن ناحية تمكن (الغرب) من بناء نموذجه الثقافي بمظاهره العلمية والفلسفية والسياسية والاقتصادية منذ عصر النهضة.. وبفعل جملة التطورات الخاصة به.. تمركز ذلك النموذج حول ذاته في حركة محورية.. أدت لظهور (المركزية الغربية) بكل إشكالياتها التي صاغت الفكر الغربي الحديث صوغاً يوافق نوعاً من أيديولوجيا التفوق العرقي والثقافي والديني.. وتطورت نزعة التمركز فطرحت مفهوماً متصلاً بفرضية التمركز نفسها.. وهو مفهوم (الكونية) أو (العولمة).. وبهذا امتد الطموح ليشمل العالم بأجمعه ويدرجه ضمن رؤية غربية مستمدة من الفرضية المذكورة.. مع مراعاة شرط التراتب والتفاضل والتمايز بين ما هو غربي وما ليس كذلك.. ومن ناحية أخرى فإن (الثقافة العربية) لم تلح في بلورة ملامح خاصة بها.. وظلت أسيرة مجموعة من الرهانات المتصلة بغيرها.. ومن المعلوم أن لذلك أسبابه الكثيرة أيضاً ومنها ما يتعلق بكيفيات التحديث.. ومنها ما يتعلق بطبيعة الصلة مع الماضي.. وهذا الاصطراع مزق النسيج الداخلي لها.. وأدخل في ممارساتها عناصر متضادة ومتعارضة.. استخدمت بوصفها منشطات أكثر ما هي مكونات فاعلة.. وبعابرة أخرى فقد اخترقت أنساق ثقافية مستعارة.. لها مرجعياتها الخاصة بها.. نسيج الثقافة العربية.. الذي كان مهيئاً للاختراق.. فأدى ذلك إلى نوع من (التهجين) الذي يستند إلى جملة استحواذات وإقصاءات دون أن يتمخض عن مكون له ملامح مميزة.. مكون متطابق مع مرجعيات مختلفة عما ينبغي أن تكون له16.
إن العولمة قد خلقت إمكانات واسعة لسيادة الولاء للآخر.. وهيمنة الفكر الامتثالي.. واختزال الذات إلى عنصر هامشي.. واستبعاد المكونات القابلة للتطور والنمو.. وتفجير الحراك الاجتماعي بصورة فوضوية.. وكل ذلك أدى على انهيارات متعاقبة في الأنساق الثقافية غير العربية16.
المثقف العربي وخيار التجديد
"إن الطابع العام للمثقف المعاصر هو المثقف المزيف.. والمثقف المزيف هو قبل كل شيء مثقف مباع" جان بول ساتر هل الثقافة هي الكل أن أنها جزء من الواقع أو بالأحرى هل كان ما يكتسبه الإنسان ويتناقله عبر الأجيال.. من خلال عملية التعليم والرموز التي اخترعها.. هو تعبير عن ثقافة محددة.. كما يرى ورسلي.. أم أن الثقافة هي نشاط عملي وإبداعي يجتذب عناصر وفئات من البشر دون غيرهم..؟ وهل المثقف هو الناقد أم الناقل أم المجتهد أم المبدع.. (الثقافة العربية ص 45).
إذا كانت الثقافة طريقة في الحياة.. أو معارف عامة أو نشاطاً خلاقاً.. أو هي كل هذا وذلك.. فما هي وضعية المثقف في سياق النظم الاجتماعية..؟ أهو مشارك في السلطة.. بمعنى أنه ينتمي إلى الفئة التي تمثل دوراً حاسماً في تبرير النظام القائم في مجتمعه.. (وهو ما يعبر عنه البعض بمصطلح واعظ السلطان).. أم هو المفكر الملتزم بالموضوعية العلمية بالمعنى الدوركايمي.. أم هو الذي ينتمي إلى الفكر العلمي السالب لقوة النظام؟
لا جدال في أن ردود الفعل تجاه هذه القضايا كما يقول د. عبد الله إبراهيم كانت متباينة بل ومتعارضة إلى حد بعيد.. إذ تأرجحت المواقف تبعاً لأدوار المثقفين العرب.. بين مثقفي السلطة ومثقفي الجماهير.. بين المثقف الملتزم التابع.. وبين المثقف ب(الخبرة) (العضوي).. لذا ظهرت الاتجاهات منقوصة ومشوهة إلى حد كبير.. ولم تفلح إلا في تعميق الخلافات بين المفكرين الاجتماعيين العرب.. فظهرت الحلول وكأنها تعبر عن قضايا طائفية ودينية وتراثية ومعاصرة.. ومن يريد أن يستقرئ التاريخ يجد أن الخلافات الحادة بين المفكرين تظهر بشك أعمق مما هي عليه في الواقع الفعلي للمجتمع أو بالأحرى هي تجسيد مبالغ فيه لقضايا الواقع المأزوم 17..
وفي ضوء الحوارات الثقافية السائدة أصبح السؤال المحوري هو: ما دور المثقف في تخطي أزمة التأخر..؟ وهنا برزت إشكاليات متعددة ومعوقات تحد من قدرة المثقف على ممارسة الدور المنوط به 17.. إنها رغبات وآمال متفرقة ومتباينة يتخبط فيما بينها العقل والفكر.. والإنسان العربي عامة دون استثناء.. فإذا كان هو هذا حال مثقفينا وعلمائنا.. فما الواجب من طرحه كأسئلة تعطي ولو شيء من التعليل لهذه الحالة التي نعيشها من التخبط والحيرة بين مسارات لا اتفاق بينها..
إن الأسئلة التي تفرض نفسها علينا نتيجة لما نعانيه اليوم.. من ظروف متداخلة ومتشابكة لا شك أنها تلمس جوانب ذات حساسية شديدة.. إذ أن المثقف اليوم يمر بأزمة خاصة جداً.. لا تعبر فقط عن حالة الاغتراب الفكري والمعنوي..للمثقف فقط.. وإنما تكشف حالة الشتات واللا انتماء عنده.. وهي ظاهرة تشمل المجتمع بكافة فئاته وطبقاته.. وكان لا بد من أجل الخروج من هذا المأزق الوجودي والمصيري للمثقف والمجتمع عامة لا بد من رصد كثير من الإشكاليات التي تحد من قدرة المثقف على ممارسة الدور المنوط به17.. ووضعها موضع المساءلة القانونية والفكرية.. هذه الإشكاليات هي:
ما يتعلق بالعلاقة بين المثقف والجماهير.. فإذا تأملنا هذه العلاقة في المجتمع العربي نلاحظ أن هناك انفصالا شبه تام بين من يطرح (سلعاً ثقافية) وبين من هو مجبر على استهلاكها , لا لأنها السلع الحضارية الملائمة لواقعه.. بل لأنها السلع المتاحة له.. كما أننا نلاحظ أيضاً أشكالاً من الوعي غير مهتم بتصنيف السلع الثقافية.. حيث نجد مجموعات تستهلك بوعي , وأخرى بتلقائية وعفوية نادرة.. وثالثة تستهلك هذه السلع بشكل أعمى وربما يرجع هذا التجزؤ إلى ما يمكن أن نطلق عليه (نخبوية الثقافة) و (ترفيه الفكر) في إطار (تبعية الإعلام والإعلان) 17.
وهناك الإشكالية الثانية الخاصة بالعلاقة (بين الثقافة والسياسة , أو رابطة المثقف و الوالي) إذ يدل واقع المجتمعات العربية على التناقض بين موقف المثقف من نظام السلطة التقليدي أو الديكتاتوري أو الديمقراطي المظهري في المجتمع العربي.. فمن الملاحظ تأرجح المواقف الأيديولوجية للمثقفين ورجال الفكر الاجتماعي العربي من النظم الاجتماعية – السياسية لهذه المنطقة.. ففي ظل الأزمات التي يمر بها المجتمع العربي نجد التأييد والمعارضة.. وهذا أمر طبيعي بل صحي.. إلا أنه لا يظل على هذا الحال.. بل إن مواقف المثقفين من هذه الأزمات لا تتم في إطار موضوعي وابتكاري متجدد.. وإنما تتم في إطار ذاتي أو قل مصلحي في كثير من الأحيان.. ومن ثم يصبح موقف المثقف من السلطة متأرجحاً نبعاً لما تحققه له من مزايا أو مصالح أو مراكز داخل إطار السلطة ذاتها.. لذلك نجد اقتراباً من (وال) أو ابتعاد عنه وتبريراً لأيديولوجيا الصفوة في مرحلة معينة ثم تغييراً للموقف بتغيير الأيديولوجيا في مرحلة تالية.. ومن ثم تدعيماً لسياسات أخرى مغايرة 17..
الإشكالية الثالثة تركز على نقطة هامة أل وهي (جدلية العلاقة بين الاستقلال الوطني والتبعية الاقتصادية.. فإن المتتبع للنتاج الثقافي العربي يستطيع – دون جهد – رصد أشكال النزاعات الفكرية منذ عصر النهضة بين المفكرين العرب خاصة في ما يتعلق بمسائل إمكانات الإنسان العربي.. وإلى أي مدى يمكن إطلاق القدرة على الإبداع في الفكر الاجتماعي العربي المستقل..؟ وهل يفيد ذلك في فهم حالة الركود والتخلف التي انتابت المجتمع العربي كله.. وتحليلها..؟ وهل يمكن وضع استراتيجية معتمدة على الاستقلال الذاتي.. ولماذا إهدار الإمكانية العربية..؟ 17
أما رابع الإشكاليات فتكمن بين الفكر ووعيه ويتمثل ذلك بلا شك في تلك العلاقات الجدلية بين الفكر والواقع.. والتفاعل بين المثقف والجماهير.. والمثقف والسلطة.. والمثقف والطبقة17.
المثقف العربي والوضع الراهن
إن حال المثقف والثقافة العربية اليوم ما هو إلا دليل على حالة الانفصام والازدواجية.. فكرية كانت أم سلوكية أم مرجعية التي يعانيها المثقف العربي.. وهناك سببان لحالة الانفصام هذه: الحالة الأولى هي مثقف السلطان: وهو مثقف مفصوم لأنه لا يعبر عن متطلبات الثقافة.. وإنما يعبر عن متطلبات السلطان والأمير والملك والرئيس.. ومن ثم فهو مفصوم إذا نظر إليه على أنه مثقف.. أما إذا خرج من دائرة المثقفين فإنه يصبح والحالة هذه واحد من العاملين في الدواوين الأميرية وفي هذه الحالة يخرج من دائرة المفصومين ودائرة المثقفين.. أما الحالة الثانية فهي حالة الإفقار الشديد التي تفرضها السلطات على المثقفين 18.. الذين يرفضون أن يوالوا السلطان ومن ثم تتعمد السلطات إلى قهرهم ودفعهم إلى الحاجة.. من ناحية أخرى تمثل كل من هذه إشكالية قائمة بذاتها منها العلاقة بين المثقف والواقع الاجتماعي.. فالمثقف حين يدخل في حوار جدلي مع الواقع الاقتصادي والسياسي يصبح في أزمة مع (الوالي) (السلطة السياسية).. وحين يأخذ موقفاً غير جدلي يصبح في أزمة انعزال وتغريب عن الواقع.. وحين يتخلى عن التحديث وينكص إلى تراثه السلفي يصبح في أزمة عصرية.. وحين يشكل أيديولوجية على حساب التراث يزداد تغريباً واغتراباً 19.. كما أن أحد الأقطاب الأخرى هو ذلك التراث والذي يمثل أحد ركائز شخصية المثقف العربي وأحد تكويناته الرئيسية.. أي موقف المثقف العربي من التراث الأصيل لمجتمعه.. فإن الدكتور أحمد حجازي يرى: أن فصل الثقافة العربية المعاصرة عن التراث الحضاري العربي الإسلامي هو من الأمور التي يجب رفضها.. فالتجديد لا يلغي الموروث.. حيث أن الموقف من التراث هو الذي يوضح أيديولوجيا المثقف.. بناءً على هذا الموقف تتحدد رؤيته وتصوره لقضايا مجتمعه.. فهناك موقف سلفي محافظ يملي على المثقف الانغلاق في الماضي.. يسلبه القدرة على الإبداع والتجديد.. بل يجعله عاجزاً عن مواجهة قضايا العصر.. وهناك موقف آخر يعبر عن أيديولوجيا مغتربة.. تركز على رؤية الحاضر في ضوء المستقبل.. وفي هذه الحالة ينعزل المثقف عن الواقع العربي وقضاياه الأساسية.. ويصبح غير ملتزم ويفقد هويته الأصلية.. وهناك أيديولوجيا أخرى راديكالية تشير إلى اتخاذ موقف ورؤية تقدمية تسعى إلى تحرير التراث والتاريخ وغربلته من مظاهر الخرافة والتزييف.. وتخليصه من القداسة والتوثن.. وتؤكد على تبني المنحى الجدلي السليم المرتبط بقضايا الواقع العربي المعاصر19.. وهناك أيضاً من تلك الأقطاب التي تتنازع المفكر العربي.. ما يقوم من صراعات فكرية في الوطن العربي: أي الصراع بين الاتجاهات الفكرية القائمة بين فئات النخبة المثقفة.. فإذا كان الحوار أمراً طبيعياً في مجتمعات تتميز بالفكر الديمقراطي الحر الذي يقوم على منحى الجدل العلمي الجيد – كشرط أساسي لتراكم المعرفة – فإنه على مستوى الواقع الثقافي العربي يقوم على خلاف ذلك مما يشكل جوانب إشكالية في البناء الثقافي تنقل المثقف من دائرة تحليل بؤرة قضايا الواقع الأساسية إلى البحث في هامشية هذه القضايا 19.
نظام العولمة والتوجه الإسلامي
أولا / العولمة من منظور إسلامي
لا يختلف التقدير الإسلامي لمفهوم العولمة عما رصدناه من تعريفات متفرقة.. فالرؤية الإسلامية ما هي ببعيدة عن التحليل المنطقي والعلمي السليم.. متخذة سبيل العلم والتحليل والتنظير لما يصادفها من مهمات إنسانية كثيرة ومتنوعة على اعتبار أن النظرة الإسلامية للأشياء والحياة والعالم هي نظرة واقعية وقيمية تنبع من أصل الأشياء ذاتها واحتكامها لمنطق العقل والدين.. فكثيرا ما جاءت أحكام العلماء المسلمين فيما يتبنوه من قضايا اجتماعية أحكاماً بينة.. أساسها المرجعية الإسلامية التي تحترم العلم وتحترم العلماء.
والعولمة كظاهرة تاريخية متطورة تفرض نفسها فرضاً على واقعنا العربي والإسلامي.. فكان لا بد من رصد ظواهرها السلبية والإيجابية معاً على واقع المجتمعات العربية والإسلامية بغية وضع حلول لكل ما يستجد من مظاهر لا تتفق ومنطق إسلامنا الرشيد والإنساني الهدف والغاية..
فإن قراءة التاريخ – العربي عامة والإسلامي خاصة – يصور مدى ما اتخذه الصراع بين الإسلام وأعدائه من الغرب ألواناً شتى وأشكالا كثيرة كانت غايتها هو الإجهاز على ديننا الحنيف.. والعمل على إفراغ قوتنا وطاقتنا في محاولات لرد العدوان والهجوم الدائم من قبل هذا الغرب.. وبالرغم من هذه الصورة المعتمة من تاريخ علاقتنا بالغرب إلا أن الإسلام.. كمنهج دين ودنيا.. لم ولا ينكر قط حق الإنسان في تكوير نفسه وتحريره من كل ما يعمل على استلابه وقتل عزيمته وتدهور قوته.. فبالرغم من أن الغرب بما ينجزه من تطورات تقنية وأدوات تساعد على تنمية القدرات وتكنولوجيا تسهل له الحياة.. والتي يحاول من خلالها أن يفرض على البلاد العربية والإسلامية منهجاً مغايراً لوجهة الإسلام وبعيدة كل البعد عن أهدافه الإنسانية.. إلا أن ذلك لم يمنع الإسلام من الدعوة البناءة إلى الأخذ من الغرب ما يمنحه من فرص وإمكانات لحياة أفضل وتنمية أوسع.. لذا كانت العولمة في أوجهها الإيجابية مقبولة من وجهة النظر الإسلامية ولم تصادر حق الإنسان العربي في أن يأخذ نصيبه من هذه التطورات والتحولات والتغيرات.. إلا بما يتعارض ومرجعيتنا الثقافية والفكرية والدينية التي هي أهمهم جميعاً.
من هنا نستطيع القوم أن الإسلام كمنهج حياة وعبادة وجد نفسه اليوم مطالباً بأن يراجع مكان العالم العربي والإسلامي وسط هذا التداخل البين والمتشابك لثقافات كثيرة.. وعوالم متنوعة تتهدد الهوية.. (ثقافية كانت أم دينية أم تاريخية).. فكان توجه نحو قراءة موضوعية لواقع هذه الظاهرة وتفاعلها مع الأمم لإمكان تحديد السلبيات والإيجابيات بهدف وضع خطط عملية ومنهجية بإمكانها إسعاف موقفنا وسط عالم يتخبط لا سبيل له.
وسنعتمد في رصد هذه الرؤية ,, وتحديد الوجهة الإسلامية على قراءات إسلامية متنوعة.. ياـي التعريف كبداية منهجية ضرورية لمعرفة وتحديد الموقف العام من العولمة وهو الشيء الذي سيشيد موقفاً وفقاً له هذا النقاط..
إذ أن التعريف قد يحدد ناطاً أساسية يحتاجها البحث.
يقدم لنا البحث تعريفين هما:
التعريف الأول وهو مفهوم العولمة كما ينبغي أن تكون: وهو تعريف أو تصور للعولمة التي من المفترض أن يتكافأ فيها الشمال والجنوب.. أي العالم الغربي والعالم العربي والإسلامي.. ويمكن فهم العولمة – على وجه العموم – من الناحية الاصطلاحية بأنها (حركة تهدف إلى تعميم تطبيق أمر ما على العالم كله) وقد أورد الباحث عدة تفريعات متداخلة لهذا التعريف منها (عولمة تنقية البيئة) أي جعل البيئة في جميع أنحاء العالم بيئة نظيفة ومناسبة لأن تحيا الكائنات فيها حياة صحية.. ومن المفترض أن الباحث هنا يقصد بالبيئة بشكل عام من جهة سلوك واخلاق وقيم.. إلخ.. وهناك تعريف (عولمة الاقتصاد) أي جعل الاقتصاد في جميع أنحاء العالم يتبع النظام نفسه.. ويطبق الأساليب ذاتها ويستخدم آليات بعينها لصالح جميع الشعوب دون تمايز بينها.. أما مصطلح (عولمة السلام) أن تتعاون جميع الدول لحفظ السلام في العالم.. كما نتعاون على قتال المعتدين. ويشترط الباحث في نهاية هذا التعريف المثالي للعولمة والتي من المفترض أن تكون عليه.. أن تكون جميع دول العالم قد اشتركت في صياغة أسسها وتخطيط أساليبها وتحديد آلياتها.. إلى جانب ضرورة أن تتمتع بكامل حريتها في قبول العولمة أو رفضها فإن ذلك سيكون دلالة على أن ظاهرة العولمة ظاهرة صحية.. من هنا يمكن تطوير مفهومها ليكون: حركة قامت على اختيار جميع دول العالم اختياراً حراً لتعميم تطبيق أمر ما عليها جميعاً دون تمايز بينها.
يرى الباحث أن العولمة: ليست جديدة ولا هي وليدة وقتنا الحاضر.. فهي ظاهرة نشأت وتطورت مع ظهور الإمبراطوريات في القرون الماضية.. حيث أن الإمبراطورية الرومانية والفارسية حاولت أن تصبغ الشعوب التي تبسط نفوذها عليها بثقافتها.. وتسعى لترسيخ هذه الثقافة في مختلف جوانب حياة هذه الشعوب.. كما عملت على توجيه قيم هذه الشعوب وتقاليدها.. وحضارتها وفق أنماط الحياة التي تريدها.. فكانت هذه الخطو نحو العولمة.. فالعولمة قد لبست عدة أثواب.. منها العسكري ومنها الاستعماري ومنها استنزاف الموارد.. إذ أن الشمال قد قام باحتلال بلاد الجنوب متعللاً بأسباب كثيرة.. وعن طريق هذا الاحتلال كان قد سيطر على كافة مقدرات البلاد واستنزاف مواردها وغرس ثقافته فيها وهذا كله خطوة أخرى نحو العولمة بصورتها الحالية بخلاف تفوق هذا الشمال حيث أصبح مصدراً لإنتاج حديث في كل المجالات.. وأصبح الجنوب في المقابل مستهلكاً لهذا الإنتاج فقط.. ويرى الباحث أن الشمال ولكي يقنن هذه العلاقة والتي هي شكل جديد من أشكال الاستعمار القديم.. أطلق نداء العولمة وأخذ بأسباب تحقيقها في مختلف الميادين. ويطرح لنا الباحث هنا عدة أطروحات عن مفهوم العولمة المعاصرة فيقول لنا: إن البعض يرى في العولمة آليات اقتصادية وأسواق عالمية.. وجدت إطارها المقنن في اتفاقية التجارة العالمية التي تضع الاقتصاد أمام الإنسان.. وتهدر سيادة الدولة ومصلحة الفرد لحساب السيطر