كتّاب الأمم وفنانوها ومفكروها هم قلبها النابض ورأسها القائد وعقلها المدبر الذي يوجهها الى ما فيه تقدمها ورقيها وفلاحها ونجاحها ونهضتها وصلاحها.
وتعطل العقل المدبر والرأس المفكر عن التدبر والتفكر يؤدي الى التراجع والتخبط والجنون، كما حدث لأولئك الذين دفعهم عدم الاتزان الى المبادرة الى فعل ما سرعان ما ارتد ندماً وحسرات عليهم، وهي الاساءة لمن لم يعترضهم من المسلمين ونبيهم الذي لا يستحق ازاء ما له من فضلٍ على الانسانية الا الصلاة والسلام عليه.وفعل الاساءة الى نبي الإسلام (صلى الله عليه وسلم)، والذي تورط فيه بعض أبناء الغرب من دون وجه حق وبلا منطق وبأساليب قميئة وسافرة، أقل ما يمكن ان تقضي به العدالة الطبيعية في شأنه ان ترتد شرور ما اقترفوا ذلاً وحسرات عليهم، فعلى الباغي تدور الدوائر، هذه حقيقة مجربة.
يتجه العقلاء من ذويهم الى البحث المخلص بدافع الفضول عن ماهية المساء إليه وهو سيدنا وحبيبنا ونور قلوبنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعن طبيعة الرسالة التي تكبد كل مشقه في سبيل تبليغها وهي دين الإسلام، فتكون النتيجة دائماً مزيداً من المسلمين وبوادر تحقق ذلك نفاد جميع نسخ القرآن الكريم من مكتبات البلدان التي حملت لواء الريادة في تعمد الاساءة الى محمد (صلى الله عليه وسلم)، وبالتالي مزيداً من القلوب ستنضم الى رابطة محبيه عليه الصلاة والسلام وتتأكد رسالتنا «على الباغي تدور الدوائر».
تشغل مسألة الشتم والسب جانبا من التاريخ الإسلامي بدأ في حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم) الذي كان في قومه الصادق الأمين، حتى جهر بالدين فانهالت عليه (صلاة الله وسلامه عليه) الاساءة بكل الطرق الممكنة وهو يتلقاها بالصبر والحكمة والحرص التام على ألا يتورط بدعاء الله ان ينتقم ممن آذاه، وظل على صموده حتى أوصل الرسالة وأدى الامانة ورفع الله به الإسلام الى أعلى مكانة، ومن حوادث التابعين ما كان من الرومان في عهد عبدالملك بن مروان 73-86هـ الخليفة الأموي الذي اكتشف ان القراطيس المعمولة في الأواني والثياب، عليها شعار يرمز الى الشرك فقال: «ما أغلظ هذا في أمر الدين الإسلامي» فكتب الى عامله في مصر حيث تعمل بإبطال ذلك الطراز واستبداله بـ «أشهد أن لا إله إلا الله» ووصل ذلك الى ملك الروم فغضب، وكتب الى عبدالملك يقول: «إن أبطلت فإنك تعلن بذلك أن كل من تقدمك من الخلفاء كانوا على خطأ» وأرسل له مع التوجيه كثيراً من الهدايا ورجاه أن يرد ذلك الطراز الى ما كان عليه، فلما رد عبدالملك الهدايا كتب اليه الرومي مجدداً «أحلف بالمسيح لتأمرن برد الطراز الى ما كان عليه أو لآمرن بنقش شتم نبيك على الدنانير والدراهم التي لا ينقش شيء منها الا في بلادي..».
فما كان من عبدالملك بعد قراءة الرسالة إلا أن جمع أهل الرأي واستشارهم، فقال أحدهم: «إن الله عز وجل لم يكن ليطلق ما يُهددك به صاحب الروم في رسول الله (صلى الله عليه وسلم)» واتفقوا على أن الخروج من الأزمة يكون باستقطاب صناع الدراهم والدنانير ليضعوها في ديار المسلمين، وينقش على أحد وجهيها سورة التوحيد وعلى الوجه الآخر ذكر رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وأن يُجعل في مدار الدرهم والدينار ذكر البلد الذي يُضرب فيه والسنة التي ضرب فيها، ولم يفعل ملك الروم ما هدد به، لأنه لم يعد يتحكم في حاجة من حاجات المسلمين وبدلاً من أن ينتصر خسر مصدراً مهما من مصادر تحكمه في معيشة المسلمين، والعاقبة عندنا بأمر الله لأنه على الباغي تدور الدوائر، وسجل التاريخ ان عبدالملك بن مروان هو أول من صك العملة العربية الإسلامية.
ومع ذلك فإن سلسلة الاعتداءات على سيرة الهادي الكريم لن تنتهي طالما استمر تقدم مسيرة الإسلام، ومن الخطر أن تتوقف، لأن ذلك يعني أنه لاخوف من الإسلام، وهذا بفضل الله وبلا جهد منا مستحيل، لذلك علينا فقط أن نستعد لمواجهة أي اعتداء على السيرة العطرة بالثقافة الدينية الملتزمة بالمنطق والموعظة الحسنة لإجابة من يهتم من المسلمين وغيرهم بالبحث عن الحقائق التي جعلت قلوب الكثير من الناس تتجه كل يوم نحو الإسلام بلا حول ولا قوة من المسلمين الذين يمرون بواحدة من أسوأ مراحل ضعفهم و تراجعهم بسبب تشتتهم وتفرقهم على عكس ما أمروا به بقوله تعالى {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً..}(آل عمران: 103).
والمطالع لحكايات انضمام هؤلاء المسلمين الجدد يرى أنها حدثت لأجل الإسلام ذاته، ذلك الدين القيم المنعّم أهله بنعمة الانتساب إليه، تلك النعمة التي يحسدهم عليها غيرهم فيلجأون الى الشتم والتحرش والهجوم بهدف زرع الشك والبغضاء والحقد في قلوب مواطنيهم الفارين الى الإسلام، لكن لن ينالوا ما يبغون لأنهم {يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}(الأنفال:30)، وسترتد عليهم آمالهم آلاما وينالوا ما لا يحبون.
وقد تنبأ الكاتب المسرحي الايرلندي الشهير برنارد شو بما سيجري من إقبال الغرب على الإسلام بقوله «إن العالم أحوج ما يكون الى رجل في تفكير محمد (صلى الله عليه وسلم) هذا النبي الذي وضع دينه دائماً موضع الاحترام والإجلال، فإنه أقوى دين على هضم جميع المدنيات، خالد خلود الأبد، وإني أرى كثيراً من بني قومي قد دخلوا هذا الدين على بينة، وسيجد هذا الدين مجاله الفسيح في هذه القارة - يعني أوربا-».
وقد تحققت النبوءة، حيث ذكرت أحدث الدراسات الاستراتيجية الغربية ان أوروبا تخشى سيطرة المسلمين عليها خلال أقل من نصف قرن.
أما برنارد شو فبسبب شهادته عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) منع كتابه «محمد» من التداول في بريطانيا لأنه كتب فيه أيضاً: «إن رجال الدين في القرون الوسطى ونتيجة للجهل أو التعصب قد رسموا لدين محمد صورة قاتمة، لقد كانوا يعتبرونه عدواً للمسيحية، لكني اطلعت على أمر هذا الرجل فوجدته أعجوبة خارقة، وتوصلت الى انه لم يكن عدواً للمسيحية، بل يجب ان يُسمى منقذ البشرية، وفي رأيي انه لو تولى أمر العالم اليوم لوفق في حل مشكلاتنا بما يؤمن من السلام والسعادة التي يرنو البشر إليها».
ولأجل شهادة الحق هذه، ورغم منع تداول بعض كتاباته استمر المفكر الكبير برنارد شو في الانطلاق نحو النجاح وكُللت جهوده الأدبية والفكرية بالحصول على جائزة نوبل للآداب عام 1926، لأن ربنا سبحانه وتعالى لا يضيع أجر من أحسن العمل، وإن كان من غير المسلمين.
وفي شهادة المفكر الفرنسي لامارتين عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وعن الإسلام يقول: «إذا كانت الضوابط التي نقيس بها عبقرية الإنسان هي سمو الغاية والنتائج المذهلة لذلك رغم قلة الوسيلة فمن ذا الذي يجرؤ أن يُقارن أياً من عظماء التاريخ الحديث بالنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في عبقريته؟ فهؤلاء المشاهير قد صنعوا الأسلحة وسنوا القوانين وأقاموا الإمبراطوريات، فلم يجنوا إلا أمجاداً بالية لم تلبث أن تحطمت، لكن هذا الرجل لم يقد الجيوش ويسن التشريعات ويقم الامبراطوريات ويحكم الشعوب ويروض الحكام فقط وانما قاد الملايين من الناس فيما كان يعد ثلث العالم حينئذ، ليس هذا فقط، بل إنه قضى على الأنصاب والأزلام والأفكار والمعتقدات الباطلة، لقد صبر النبي وتجلد حتى نال النصر من الله».
وأسهب لامارتين في وضعه لما اعتبره من أسباب عظمة رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) ثم اختتم كلماته قائلاً: «.. بالنظر الى مقاييس العظمة البشرية أود أن أتساءل: هل هناك أعظم من النبي محمد - عليه الصلاة والسلام؟».
وفي شهادة الفيلسوف والزعيم الهندي غاندي عن محمد (صلى الله عليه وسلم) يقول: «أردت أن أعرف صفات الرجل الذي يملك بدون نزاع قلوب ملايين البشر.. لقد أصبحت مقتنعاً كل الاقتناع بأن السيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها اكتسب الإسلام مكانته، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول (صلى الله عليه وسلم) مع دقته وصدقه في الوعود وتفانيه وإخلاصه لاصدقائه واتباعه وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته، هذه الصفات هي التي مهدت الطريق وتخطت المصاعب وليس السيف..».
كثيرة هي شهادات اهل الرأي والحكمة من أعلام الغرب وما اخترناه هو أقل القليل وبقدر ما يسمح المقال، والعبرة بالواقع الذي يشهد زيادة مستمرة في اعداد المسلمين بعد ان سطعت شمس الإسلام وغمرت بنودها الأرض فبددت الظلمات ولن يقدر كائن من كان ان يُطفئ نور الله الذي قال في كتابه الكريم {يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون}(الصف:
.
وإنهم بما يفعلون ليسوا إلا أدوات يوظفها الخالق لإظهار دينه لرفد الإسلام بمزيد من المسلمين واحاطة محمد (صلى الله عليه وسلم) بمزيد من الاتباع المخلصين من ابناء الشتامين ومن أزواجهم وزوجاتهم حتى تزداد فجيعتهم ويُصبحوا على ما ارتكبوا من إثم نادمين، ولعلهم يتدبرون حكمة الخالق سبحانه وتعالى.