المجموعة الصفرية":الرابحون والخاسرون في نظام دولي مضطرب
إيان بريمر
عرض :محمد عبدالله يونس
معيد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة
Ian Bremmer,Every Nation for Itself: Winners and Losers in a G-Zero World,(New York: Penguin Group/ Portfolio, 2012)
"يشهد النظام الدولي تحولات هيكلية باتجاه حالة فراغ، لا تمكن أي دولة كبرى أو تحالف دولي من مواجهة التبعات والتحديات اللازمة لقيادة العالم" .. هذه هي المقولة المركزية التي ينطلق منها إيان بريمر، محلل المخاطر ورئيس مجموعة أوراسيا، في كتابه الجديد الصادر في مايو 2012 (كل دولة لنفسها
الرابحون والخاسرون في عالم المجموعة الصفرية) ، حيث يشير الكاتب إلى أن الأزمة المالية العالمية عام 2008 كانت بمثابة نهاية النظام العالمي القائم على العولمة والانفراد الأمريكي، نتيجة لعجز الولايات المتحدة عن تحمل تبعات ومسئولية القيادة الدولية، وعزوف الناخب الأمريكي عن تحمل التكلفة التي تلزم الاحتفاظ بتلك القيادة.
ونتيجة لافتقاد دول العالم والتكتلات الدولية للقوة اللازمة لقيادة العالم، تبلورت معضلة فراغ القوة في ظل الافتقاد لقيادة عالمية قادرة على فرض القواعد الناظمة للتفاعلات الدولية.
نظام دولي أكثر فوضوية:
يبدأ الكاتب أطروحته بتوصيف ملامح هيكل النظام الدولي في عصر انعدام القيادة، فيؤكد افتقاد الولايات المتحدة للقدرة على فرض الأجندة الدولية أو قيادة العالم، ويستشهد بافتقادها القدرة على مواجهة تحديات دولية عابرة للحدود، مثل الانتشار النووي، والأوبئة، والاحتباس الحراري، والأزمة المالية العالمية، وندرة الموارد، والتدخل الدولي لإنقاذ المدنيين في سوريا، في ظل موجة انسحابية من الشئون العالمية، تشهدها الولايات المتحدة بالانسحاب من العراق، والتمهيد للانسحاب من أفغانستان.
في المقابل، فقدت المنظمات الدولية والتحالفات قدرتها على وضع القواعد المنظمة للتفاعلات الدولية. فمجموعة الدول الثماني الكبري باتت تفتقد الفاعلية، ومجموعة دول العشرين تسيطر عليها الخلافات المحتدمة وصدامات المصالح بين أعضائها، بما يفقدها الفاعلية. كما فقدت الأمم المتحدة قدرتها على حفظ الأمن السلم الدوليين، وفرض التعاون والتعايش الدولي بانحسار القيادة الأمريكية، وعدم قدرة أي دولة صاعدة، خاصة الصين، على أداء الدور القيادي بما يتطلبه من التزامات.
أدى تكامل تلك المعطيات إلى نشأة عالم "مجموعة الصفر" تعبيرا عن نظام دولي أكثر اضطرابا وفوضوية يفتقد للتعاون والتنسيق الدولي، لاسيما في ظل انهيار نموذج السوق الحر، وعودة السياسات الحمائية الإغلاقية لتسيطر على اقتصادات دول العالم.
وفي هذا الإطار، يستدعي الكاتب مقولات انعدام القطبية لريتشارد هاس، وانتشار القوة في السياسة الدولية لجوزيف ناي، ومقولات الطابع الصراعي لانتقال القوة لروبرت جلبن.
الرابحون والخاسرون:
يري بريمر أن النظام الدولي في ظل افتقاد القيادة يتيح فرصا عديدة لفئات من الفاعلين الدوليين، بينما يتحمل فاعلون آخرون خسائر ناتجة عن التغير في هيكل النظام الدولي وفوضوية التفاعلات الدولية. وتأتي القوى الإقليمية الصاعدة أو "الدول المحورية" على رأس الفاعلين الرابحين من التحولات الدولية، مثل تركيا والبرازيل، نتيجة انفرادها بالتأثير في منظومات التفاعلات الإقليمية دون تدخل من قيادة عالمية. كما تتمكن "الدول المارقة" الإقليمية من الإفادة من غياب القواعد الدولية التي تفرض قيودا على تطلعاتها.
ويتحدث الكتاب عن الشركات الدولية التي ستتمكن من نقل أنشطتها الاقتصادية بالكامل للأسواق الناشئة للإفادة من توافر الموارد والأيدي العاملة، وغياب القيود القانونية على أنشطتها. ويركز بريمر على شركات السلاح وشركات الأمن الخاصة والميليشيات التي ستعتمد عليها الدول للحفاظ على أمنها، في ظل فوضوية النظام الدولي، وتعقد الصراعات المحلية والإقليمية.
أما الأطراف الدولية الخاسرة في النظام الدولي الفوضوي، فتتمثل في الدول المعتمدة على الحماية العسكرية الأمريكية، مثل اليابان وتايوان، لاسيما في ظل الانسحاب الأمريكي من الشئون الدولية باتجاه العزلة والانغلاق على الذات، و"دول الظل"، وهي الدول المجاورة للقوى الدولية والإقليمية الكبري مثل المكسيك وأوكرانيا. ويضيف بريمر إلى قائمة الخاسرين القارة الإفريقية بأكملها لافتقادها لفرص الإفادة من النظام الدولي الفوضوي.
رؤية متشائمة لمستقبل العالم:
يرفض بريمر التسليم بأن واقع الفوضوية سيفرز قيادة جديدة للنظام الدولي بعد الانعزالية الأمريكية، لاسيما في ظل ما يكتنف الصعود الصيني من إشكاليات تتعلق بالنمو غير المتوازن، والمشكلات الاقتصادية والاجتماعية، وحالة العداء الدولي المتنامية تجاه الدور الصيني، ومشكلات التكامل الأوروبي، والصراعات الإقليمية التي تحجم أدوار الهند والبرازيل وكوريا الجنوبية، وافتقاد اليابان للموارد والعمق الاستراتيجي اللازم لقيادة عالمية. ويري بريمر أن مستقبل النظام الدولي سوف يشهد أحد السيناريوهات الأربعة التالية:
أولا- سيناريو القيادة الثنائية، من خلال تبلور تحالف وثيق بين الولايات المتحدة والصين، بحيث تتكامل أدوارهما الاقتصادية والأمنية في قيادة العالم. ويستبعد بريمر هذه الاحتمالية، نتيجة للتناقضات وصدام المصالح بين الولايات المتحدة والصين.
ثانيا- الحرب الباردة الثانية، فيتحدث عن احتمالية نشوب صراع دولي معقد بين الولايات المتحدة والصين، وعودة الاستقطاب الثنائي ليسيطر على التفاعلات الدولية.
ثالثا- النزعة الإقليمية، فيشير الكتاب إلى صعود القيادات الإقليمية، وانقسام النظام العالمي لمجموعة نظم إقليمية فرعية تشكل جزرا منعزلة، لكل منها دولة محورية تقودها، وتضع القواعد المنظمة للتفاعلات في إطارها.
رابعا- الفوضوية، ويري بريمر هذا السيناريو الأسوأ، حيث تنهار الدولة القومية، ويتعاظم دور الحكومات المحلية والميليشيات، وتسود الصراعات الأهلية مختلف بقاع العالم، نتيجة للتشظي في أدوار الفاعلين، وإخفاق الحكومات في أداء أدوارها التنموية.
واستمرارا لإعادة إنتاج الأطروحات القديمة، يختتم المؤلف كتابه بتقديم توصيات تقليدية لصانع القرار الأمريكي، تقوم على الاستثمار في العولمة، والتجارة الحرة، والإفادة من مكامن القوة الاقتصادية والعسكرية الأمريكية، والترويج للنموذج الأمريكي القائم على الديمقراطية الليبرالية، والشفافية، وحرية المبادرة، والتركيز على المصالح الحيوية الأمريكية، وعدم التوسع في الالتزامات الدولية.
ويتضح من الكتاب الخلط الواضح للأفكار والمفاهيم، فلا يوضح مفهوما محددا للمجموعة الصفرية بالمقارنة بالتجمعات الدولية الأخري، ويدرج مقولات متناقضة حول تراجع القيادة الأمريكية، وعدم إمكانية تجاوز التفوق الأمريكي اقتصاديا وعسكريا. وإجمالا، لا تتجاوز أفكار بريمر موجة الكتابات عن تحولات النظام الدولي بعد الأزمة المالية العالمية حول تراجع التفرد الأمريكي على المستوى الدولي، وصعود قوى دولية جديدة مناوئة للولايات المتحدة، وتغير الخريطة الجيوسياسية للعالم.
تعريف الكاتب: خبير في العلاقات الدولية