مستقبلنا بعد البشري - عواقب ثورة التقنية - فرانسيس فوكوياما -
أدرك الناس منذ البداية أن الأسلحة النووية والطاقة النووية أمور خطرة، لذلك خضعت لتنظيم صارم منذ اللحظة التي نجح فيها مشروع مانهاتن في صنع أول قنبلة ذرية عام 1945. وأظهر المراقبون مثل بيل جوي (Bill Joy) مخاوفهم من التقانة الدقية (Nanotechnology)، وهي الآلات ذات الحجم الجزيئي التي يمكنها نسخ أنفسها والتكاثر دونما قيد لتدمير صانعيها. لكن هذه التهديدات في الحقيقة هي الأسهل في مواجهتها لأنها واضحة للغاية. فإذا كان هناك احتمال لأن تقتلك إحدى الآلات التي صنعتها بنفسك؛ فستتخذ الاحتياطات اللازمة لحماية نفسك. وهناك حتى الآن سجل معقول من التحكم في الآلات، ولكن قد تظهر منتجات للتقنية الحيوية بالوضوح نفسه فيما يتعلق بالمخاطر التي تهدد بها البشرية، مثل الجراثيم الفائقة، والفيروسات الجديدة، أو الأغذية المعدلة وراثياً التي تسبب تفاعلات سامة.
ومثل الأسلحة النووية والتقانة الدقيقة، تعد هذه، بصورة ما، الأسهل في مواجهتها؛ لأنه بمجرد التعرف على خطورتها، يمكننا التعامل معها كتهديد مباشر، ومن ناحية أخرى، فالتهديدات الأكثر نمطية التي تثيرها التقنية الحيوية هي تلك التي تلخص في عنوان للروائي توم وولف: "آسف، لكن روحك قد ماتت للتو"، فالتقنيات الطبية تقدم للإنسان في كثير من الأحيان صفقة شيطانية: حياة أطول؛ ولكن مع قدرات ذهنية منقوصة، التحرر من الاكتئاب، لكنه مقرون بالتحرر من الإبداع أو النشاط، معالجات تجعل الحد الفاصل بين ما ينجزه الإنسان بنفسه وما يحققه بفعل مستويات مواد كيماوية معينة في أدمغته ضبابياً، وهذه جميعها احتمالات واضحة المعالم يرى فرانسيس فوكوياما بأنها قد تتحقق خلال الجيل التالي أو الذي يليه.
يتعلق الأول منها بالأدموية الجديدة، والثاني فإن التطورات الحادثة في أبحاث الخلايا الجذعية للعلماء ستتيح تجديد أي نسيج في الجسم تقريباً، بحيث تدفع معدلات العمر المتوقع للسكان إلى أكثر من مئة سنة، ويتجلى الاحتمال الثالث بقيام الأغنياء روتينياً بفرز الأجنة قبل الانغراس لجعل الأطفال الذين سينجبونهم في المستوى الأمثل.
ومهما يكن من أمر فإن فوكوياما يرى بأن أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر إنما تشير إلى حقيقة وهي أن العلم والتقنية، وهما أساس العالم الحديث، يمثلان أهم مواضع الضعف في الحضارة اليوم؛ فقد تحولت الطائرات التجارية وناطحات السحاب ومختبرات الأحياء، وجميعها من رموز الحداثة، إلى أسلحة في لحظة إبداع خبيث.
وفوكوياما في كتابه هذا لا يتناول الأسلحة البيولوجية، إنما يتناول بزوغ الإرهاب البيولوجي كتهديد حيّ يشير إلى الحاجة، كما عرضها في كتابه هذا، إلى تحكم سياسي أكبر في استخدامات العلم والتقنية
رابط الكتاب