المسألة الرابعة: هل يثبت في هذا الماء حق الشرب؟
اختلفت آراء الفقهاء وذهبوا إلى قولين:
القول الأول: لا يثبت فيه حق الشرب، إلا أن يتطوع بذلك صاحب الماء، وهو قول الحنفية([143])، وقول الشافعي في الأم([144])، والصحيح عند الشافعية([145])، ورواية عن أحمد([146])، والشيعة الإمامية([147])، وأبو عبيد ابن حربويه([148]).
واستدلوا بـ:
1. أن الزرع لا حرمة له في نفسه، ولهذا لا يجب على صاحبه سقيه، بخلاف الماشية([149])، أي إنّ الماشية ذات أرواح يخشى من عطشها موتها بخلاف الزرع([150]).
ويرد عليه: أن الزرع، لصاحبه حرمة، فلا يجوز التسبب إلى إهلاك ماله، ويحتمل إن منع نفي الحرمة عنه فإن إضاعة المال منهي عنها وإتلافه محرم وذلك دليل على حرمته([151]).
القول الثاني: يثبت في هذا الماء حق الشرب، وهو قول المالكية([152])، وأبي إسحاق من الشافعية([153])، ورواية عند الحنابلة([154]).
واستدلوا بـ:
1. ما روي عن عبد الله بن عمرو: "أن قيم أرضه بالوهط([155])، كتب إليه يخبره أنه قد سقى أرضه وفضل له من الماء فضل، يطلب بثلاثين ألفا فكتب إليه عبد الله بن عمرو أقم قلدك([156])، ثم اسق الأدنى فالأدنى فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم" ينهى عن بيع الماء"([157]).
2. وعن جابر: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمنع فضل الماء"([158]).
الرأي المختار:
أن حق الشرب يثبت في فضل هذا الماء ، ولكن يقدم حق الشفة على الشرب لزيادة حرمة روح الإنسان والحيوان، على الشجر والزرع فإن زاد ثبت حق الشرب، لعموم الأدلة الدالة على حرمة منع فضل الماء، وإن كان واقع الحال الذي صدر فيه النهي يتعلق بالماشية، إلا أنه شمل الإنسان من باب أولى، وكذلك يشمل الزرع من باب قياس الأدنى على الأعلى، والله أعلم بالصواب.
النوع الثالث: ماء الأنهار الخاصة:
وهو ماء الأنهار أو الجداول الصغيرة المملوكة لبعض الناس([159]).
وثبوت حق الشفة في هذا الماء، كثبوته في ماء العيون والآبار الذي ذكرناه سابقا، وأما حق الشرب، فإنه يثبت بين الشركاء في النهر المملوك في أصل الماء لا في الفضل، وذلك حسب توزيع الأنصبة بين الشركاء كما سنرى عند الحديث عن الأحكام العامة للانتفاع بمياه الأنهار المملوكة في الصفحات المقبلة، وأما لغير الشركاء في النهر المملوك، فإن ثبوت حق الشرب يجري فيه الخلاف الذي ذكرناه في الآبار والعيون سابقا. ولا يفوتنا هنا أن نذكر ما ذهب إليه المتولي([160])، من الشافعية من عدم ثبوت حق الشفة في الأنهار المملوكة([161])، إلا أن هذا القول لا وجه له؛ لعموم الأدلة الدالة على ثبوت حق الشفة في المياه عموما، إلا ما خصه الدليل، والله الموفق إلى الصواب.
النوع الرابع: ماء الأنهار العامة:
وهو الماء الذي يجري في مجار عامة غير مملوكة لأحد، وإنما هي للجماعة، مثل النيل ودجلة والفرات، ونحوها من الأنهار العظيمة([162])، ويلحق بحكمها مياه البحار، والمحيطات([163]).
وحكمها: أنها لا ملك لأحد فيها لا في الماء ولا في المجرى- إلا من أحرز شيئا منها بإناء- بل هو حق لجماعة المسلمين بلا خلاف([164]).
ويثبت فيها حقي الشفة والشرب، ولكل أن يشرب منه، ويتوضأ، وأن يغسل ثيـابه، أو أن يشق جدولاً ، أو مجرى إلى ملكه([165]).
دليل ما سبق:
قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الناس شركاء في ثلاثة الماء، والكلأ، والنار"([166])، وبناء عليه من سبق من الناس إلى شيء منه كان أحق به لقوله صلى الله عليه وسلم: "من سبق إلى ما لم يسبق إليه فهو أحق به"([167])، والله أعلم بالصواب.
الفرع الثالث: حق المجرى:
أولا: تعريفه:
لغة: مأخوذ من جري الماء جريا، وجريانا، إذا سال، والمجرى يطلق على الموضع الذي يجري فيه الماء، ومنه قوله تعالى
بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا) [41: هود]، ويقال جرت الشمس وسائر النجوم، أي سارت من المشرق، إلى المغرب([168]).
اصطلاحا:
"هو أن يكون لعقار حق إجراء الماء الصالح، ومروره في عقار آخر، مالكه غير مالك العقار الأول"([169]).
ويتميز هذا التعريف باستخدامه كلمة العقار بدل كلمة الحق ليتفق مع التعريف العام لحق الارتفاق.
وقد يكون المجرى نفسه مملوكا لصاحب المجرى، أو لصاحب الأرض التي هو فيها، وهو الكثير، أو لهما معا أو مشتركا بين كثيرين([170]).
ثانيا: حكم إجراء الماء في أرض الغير:
إذا كان العقار متصلا بموضع شربه، كأن يكون ملاصقا للنهر العام، أو ملاصقا للنهر المشترك الذي له فيه حق شرب، فإن العقار ليس بحاجة إلى استعمال أرض الغير لإجراء الماء فيها، فهو يستخدم أرضه لإجراء الماء فيها لسقي زرعه وغيره، أما إذا أراد أن يجري الماء في أرض غيره ليصل إليه لكون موضع شربه بعيدا عن أرضه فهل له الحق في ذلك([171]).
اختلف الفقهاء في ذلك وذهبوا إلى الأقوال الآتية:
القول الأول: يمنع الشخص من إجراء الماء في أرض غيره ولو لضرورة، ولا يجبر الجار على تمكينه من إجراء الماء في أرضه، وهو قول الحنفية([172])، ومالك في رواية([173])، والشافعي في الجديد، وهو المعتمد([174])، والحنابلة في المذهب([175])، وابن حزم الظاهري([176])، والزيدية([177])، والإباضية([178])، والشيعة الإمامية([179]).
واستدلوا بـ:
1. أحاديث تدل في عمومها على حرمة مال الغير منها:
أ. قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس"([180]).
ب. قوله صلى الله عليه وسلم: "كل المسلم على المسلم حرام دمه، وماله، وعرضه"([181]).
وجه الدلالة، فيهما أن دماء المسلمين وأموالهم من بعضهم على بعض حرام، وإجراء الماء في أرض الغير استحلال لأموالهم والأصول في ذلك كثيرة من الكتاب والسنة([182]).
ويرد على هذه الأدلة، أنها في معنى التمليك، والاستهلاك، وليس القضاء في المرفق من قبيل التمليك، والنبي صلى الله عليه وسلم فرق بينهما في الحكم، في حديث "لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره"([183])، فقد خصص النبي صلى الله عليه وسلم تلك العموميات([184])، وقد خصصت أشياء كثيرة في عمومها، كأخذ الزكاة كرها، وإطعام المضطر، ونفقة القريب المعسر، وكثير من الحقوق المالية التي لا يخرجها المالك إلا برضاه فإنها تؤخذ منه كرها([185]).
2. قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحلبن أحد ماشية امرئ بغير إذنه، أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فتكسر خزانته، فينتقل طعامه؟ فإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم، فلا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه([186])، ووجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أخذ اللبن مع أنه يتجدد في الضرع ويخلفه غيره، والأرض التي تمر في الساقية لا يعتاض عنها فكان المنع من إحداث الساقية من باب أولى([187])، والحديث فيه نهي عن أخذ المسلم من المسلم شيئا إلا بإذنه ، وقد خص اللبن بالذكر لتساهل الناس فيه فنبه به على ما هو أولى منه([188]).
3. أن في ذلك تصرفا بأرض الغير بغير إذنه فلم يجز، كالزرع فيها([189]).
4. لأنه حمل على ملك غيره فلم يجز من غير إذنه، كالحمل على بهيمته([190]).
5. لأن حرمة التصرف في المملوك لا تقف على الإضرار بالغير([191]).
ويرد على هذه الأدلة ما ورد على الدليل الأول.
القول الثاني: يجوز إجراء الماء في أرض الغير عند الحاجة مع انتفاء الضرر، ويجب على صاحب الأرض المراد إجراء الماء فيها تمكين صاحب الأرض المراد إجراء الماء إليها، وهو قول مالك في رواية([192])، والشافعي في القديم من مذهبه([193])، ورواية عند الحنابلة([194])، والزيدية([195])، والإباضية في المذهب([196]).
واستدلوا بـ:
1. قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبة في جداره، ثم يقول أبو هريرة: مالي أراكم عنها معرضين، والله لأرمين بها بين أكتافكم"([197]).
وجه الدلالة، أن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب على الجار أن لا يمنع جاره من وضع الخشب في جداره، وهذا الحديث عام يتعدى إلى كل ما يحتاج الجار إلى الانتفاع به من دار جاره، وأرضه فإذا احتاج الجار إلى إجراء الماء في أرضه لا يمنعه([198]).
ويرد عليه، أن هذا القياس متوقف على مسألة غرز الخشبة في جدار الجار، وهل النهي يفيد وجوب عدم ممانعة الجار أن يغرز خشبة في جداره أم ندب عدم الممانعة، وللفقهاء خلاف في هذه المسألة فالحديث لا يلزمهم، ولو سلم بأن هذا الحديث على الوجوب، فلا يتعدى هذا الحكم إلى مسألة إجراء الماء في أرض الغير؛ لأن الضرر الحاصل للجار بوضع الخشبة غير الضرر الحاصل من إجراء الماء في أرضه([199]).
2. ما روي عن الضحاك بن خليفة أنه ساق خليجا ، له من العريض، فأراد أن يمر به في أرض محمد بن مسلمة فأبى محمد، فقال له الضحاك: لم تمنعني وهو لك منفعة تشرب به أولا وآخرا ولا يضرك فأبى محمد فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطاب محمد بن مسلمة فأمره أن يخلي سبيله فقال محمد، لا فقال عمر: لم تمنع أخاك ما ينفعه وهو لك نافع تسقي به أولا وآخرا، وهو لا يضرك، فقال محمد: لا والله، فقال عمر: "والله ليمرن به ولو على بطنك" فأمره عمر أن يمر به ففعل الضحاك"([200]).
وجه الدلالة، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حكم على محمد بن مسلمة في إجراء الماء في أرضه رغما عنه، ولم يرد له مخالف من الصحابة([201]).
ويرد عليه أن دعوى عدم مخالفة أحد من الصحابة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه غير مسلم، فقد خالفه محمد بن مسلمة وقد أبى ما رآه عمر، حيث قال: لا والله، ومعلوم أن محمد بن مسلمة لو كان رأيه ومذهبه كمذهب عمر ما امتنع عن ذلك، ولو علم أن ذلك من قضاء الله أو من قضاء رسول الله على الإيجاب للجار لما خالفه ولكن رآه على الندب خلافا لمذهب عمر، وإذا وجد الخلاف في ذلك، وجب النظر، والنظر يدل على ما ذهب إليه محمد بن مسلمة فهو موافق للأصول وهي الأحاديث التي تدل على حرمة مال المسلم وعرضه([202]).
ويجاب: بأن رأي عمر تقويه السنة بحديث "لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز...الحديث"([203]).
ويرد عليه: أيضا أنه يحتمل، أن عمر لم يقض على محمد بذلك، وإنما حلف عليه؛ ليرجع إلى الأفضل؛ ثقة منه أن محمد لا يحنثه([204]).
ويمكن أن يجاب: بأن هذا احتمال لا دليل عليه، وظاهر الأثر يدل على أنه قضاء([205]).
3. ما رواه مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنه قال: كان في حائط جده ربيع لعبد الرحمن ابن عوف فأراد عبد الرحمن أن يحوله إلى ناحية من الحائط هي أقرب إلى أرضه، فكلم عبد الرحمن بن عوف عمر بن الخطاب في ذلك، فقضى لعبد الرحمن بن عوف بتحويله([206]).
ووجه الدلالة: أن عمر رضي الله عنه قضى بتحويل المجرى في أرضه، وعداه إلى كل ما يحتاج الجار إليه من أرض جاره([207]).
ويرد عليه ما يأتي:
أ. أن الأنصاري الذي حكم له، وهو جد عمرو بن يحيى المازني كان رأيه مخالفا لرأي عمر وإذا اختلف الصحابة رجع إلى النظر([208]).
ب. إن هذا قضاء بتحويل المجرى، وليس بإجراء الماء ابتداء، فالحق كان ثابتا لعبد الرحمن بن عوف، وإنما قضى بتحويله إلى ناحية أقرب فالدليل خارج محل النزاع([209]).
- ويمكن الإجابة عن الاعتراض الأول، بأن قضاء عمر كان موافقا للسنة([210]).
- أما الاعتراض الثاني فيجاب عنه: بأن كلا الأمرين تصرف في أرض الغير سواء كان بتحويل المجرى، أم بإجرائه ابتداء فيتجه الاستدلال به([211]).
4. ما روي أن غلاما استشهد يوم أحد، فجعلت أمه تمسح التراب عن وجهه، وتقول هنيئا لك الجنة، فقال صلى الله عليه وسلم: وما يدريك لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه ويمنع ما لا يضره([212]).
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل المنع مما لا يضر الإنسان، سببا في منعه من دخول الجنة، وعدم تمكين الجار من إجراء الماء في أرضه منع مما لا يضر، بدليل قول عمر في قضاءه على محمد بن مسلمة: "لم تمنع أخاك ما ينفعه وهو لك نافع([213]).
ويرد عليه: أنه لو سلم بأن هذا الحديث صحيح فإن إجراء الماء في أرض الغير، قد لا يكون فيه منفعة لصاحب الأرض كأن تكون هذه الأرض غير مخصصة للزراعة من قبل صاحبها([214]).
5. لأن إجراء الماء نفع لا ضرر فيه فأشبه الاستظلال بالحائط([215]).
ويرد عليه أن الاستظلال بالحائط انتفاع لا يضر بصاحبه أما إجراء الماء في الأرض فقد لا ينفع صاحب الأرض بل قد يضره إذ لم يكن قد خصص هذه الأرض للزراعة([216]).
الرأي الراجح:
والذي أميل إليه أن ننظر إلى كل واقعة بمعزل عن الأخرى؛ ليكون لها قضاء حسب معطياتها مع اعتماد الضرورة والضرر في الحكم، أما الضرورة ففي قطع الماء عن أرضه إهلاك لزرعه ثم إن الضرر لا يدفع بضرر مثله، فإن كان في إمرار الماء إضرار بأرض جاره فلا، والدليل على الشق الأول (الضرورة)، قضاء عمر رضي الله عنه، إذ إنّ الضرورة لإمرار الماء في الحادثة واضحة جلية إذ لولا الضرورة لما رفعت القضية أمام عمر، وأما نفي الضرر فإن الأحاديث التي تحرم مال المسلم، والتي استدل بها المانعون تنادي بذلك، وللجمع بين الحكم لصاحب الضرورة، مع تلافي الضرر بالغير، فلابد من إمرار الماء في أرض جاره إذا لم يكن له مجال غير أرض جاره وأما الضرر فإن كان شديدا منع من إمرار الماء قطعا، وإن كان يسيرا- حسب ما يقدره الخبراء- ففي هذه الحالة يسمح له بإمرار الماء مع التعويض، لضمان الحقين- حق صاحب الأرض الذي أجري إليها الماء، وحق صاحب المجرى- وما ذكرته هو خطوط عامة تختلف من قضية إلى أخرى، والله الموفق إلى الصواب.
الفرع الرابع: حق المسيل:
أ. تعريفه:
في اللغة: المسيل المكان الذي يسيل فيه ماء السيل، والسيل الماء الكثير السائل، ومنه قوله تعالى: (وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ)[12: سبأ]، أي أساله الله تعالى([217]).
اصطلاحا:
"هو حق تصريف الماء الزائد عن الحاجة أو غير الصالحة إلى المصارف العامة في عقار الغير"([218]).
ب. الفرق بين حق المجرى وحق المسيل.
من خلال تعريف حق المجرى وحق المسيل يتضح أن حق المجرى يهدف إلى جلب المياه الصالحة للري والسقي، وأما حق المسيل فيهدف إلى صرف المياه غير الصالحة، أو الزائدة عن الحاجة، واستبعادها عن الأرض، إلا أنهما يجتمعان في أن كلاً منهما يستخدم عقار الغير في تحقيق هذا الهدف([219])، وذلك لكونهما نوعين من أنواع حقوق الارتفاق.
ج. شروط المصالحة على تسييل الماء الزائد.
يشترط في المصالحة على تسييل الماء الزائد في عقار الغير شروطا منها:
1. أن يكون ماء معلوما إما بالمشاهدة، وإما بمعرفة المساحة؛ لأن الماء يختلف بصغر السطح وكبره ولا يمكن ضبطه بغير ذلك عند الحنابلة([220]).
وقيل بجواز المصالحة على تسييل الماء مع الجهل بمقدار ماء المطر، لأنه لا يمكن معرفته وهذا عقد جوز للحاجة وهو قول الشافعية([221])، والشيعة الإمامية([222]).
2. يشترط معرفة الموضع الذي يجري فيه الماء إلى السطح لأن ذلك يختلف([223]).
وأما تعيين مدة لتسييل الماء فإنها غير مشروطة؛ لأن الحاجة تدعو إلى ذلك([224]).
المبحث الثاني
الأحكام العامة للانتفاع بالمياه وعمارة الأنهار
المطلب الأول: الانتفاع بالمياه لسقي الأراضي الزراعية:
الانتفاع بالأنهار غير المملوكة، وله حالات عدة منها:
الحالة الأولى:
إذا كان النهر عظيما وغير مملوك ويفي بالجميع ففي هذه الحالة يسقي من شاء متى شاء([225]).
الحالة الثانية:
إذا كان النهر صغيراً، أو كان يجري من ساقية غير مملـوكة، بأن انحرفت بنفسها، فقد اختلف آراء العلماء في كيفية السقي على قولين:
القول الأول: يسقي الأسفل ثم الأعلى وهو قول السادة الحنفية([226]).
واستدلوا بـ:
1. ما روي عن محمد بن اسحق يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا بلغ الوادي الكعبين لم يكن لأهل الأعلى أن يحبسوه عن الأسفل([227]).
وجه الدلالة: أن في موضع الوادي سعة فإذا بلغ الماء فيه هذا المقدار فهو كثير يتوصل كل واحد إلى الانتفاع به فإذا أراد أهل الأعلى أن يحبسوه عن أهل الأسفل فإنما قصدوا بذلك الإضرار بأهل الأسفل فكانوا متعنتين في ذلك لا منتفعين([228]).
2. ما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "أسفل النهر آمر على أهل أعلاه حتى يرووا"([229])، وفي رواية: "أهل الشرب أمراء على أهل أعلاه"([230]).
وفي هذين الأثرين أدلة منها:
أ. أنه ليس لأهل الأعلى أن يغلقوا النهر ويحبسوا الماء عن أهل الأسفل لان حقهم جميعا ثابت فلا يكون لبعضهم أن يمنع حق الباقين ويختص بذلك([231]).
ب. إذا كان الماء في النهر بحيث لا يجري في أرض كل واحد منهم إلا بالإغلاق؛ فانه يبدأ بأهل الأسفل حتى يرووا، ثم بعد ذلك لأهل الأعلى أن يسكروا؛ ليرتفع الماء إلى أراضيهم؛ لأن في السكر إحداث شيء في وسط النهر المشترك، ولا يجوز ذلك مع حق جميع الشركاء وحق أهل الأسفل ثابت ما لم يرووا، فكان لهم أن يمنعوا أهل الأسفل من السكر، ولهذا سماهم آمراً؛ لأن لهم أن يمنعوا أهل الأعلى من السكر وعليهم طاعتهم([232]).
القول الثاني: يسقي الأعلى فالأعلى أي يسقي الأول أرضه ثم يرسله إلى الثاني ثم إلى الثالث وهكذا، وهو قول المالكية([233])، والشافعية([234])، والحنابلة([235])، والزيدية([236])، والشيعة الإمامية([237]).
واستدلوا بـ:
1. ما روى عروة بن الزبير أن رجلا خاصم الزبير في شرج([238]) الحرة([239]) التي يسقون بها، فقال الأنصاري: شرج([240]) الماء يمر، فأبى عليه الزبير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير اسق ثم أرسل إلى جارك، فغضب الأنصاري فقال يا رسول الله: إن كان ابن عمتك؟ فتلون وجه النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال اسق ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر فقال الزبير: فوالله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ)[65: النساء]([241])، فدل على أن الأقرب أولى بالماء فإذا سقى الأول أرسله إلى من يليه([242]).
2. عن ثعلبة عن أبي مالك أنه سمع كبراءهم يذكرون أن رجلا من قريش كان له سهم في بني قريظة فخاصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مهزور السيل الذي يقتسمون ماءه وفصل بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الماء إلى الكعب لا يحبس الأعلى على الأسفل"([243]).
3. ولما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في سيل مهزور أن تمسك حتى يبلغ الكعب، ثم يرسل الأعلى على الأسفل([244]).
قال الطوسي([245]) "وليس بين الحديثين تنافر (الثاني، والثالث)؛ لأن الأرض إذا كانت مستوية حبس الماء إلى الكعبين فإنه يبلغ الجدر فالحديثان متفقان([246])، إلا أن هذا فيه نظر؛ لأن الماء قد يبلغ الكعبين ولا يبلغ الجدر حسب ميل الأرض واستوائها.
ويرد على الحديثين السابقين -وكلاهما في واقعة واحدة-، تضعيف ابن عبد البر([247]) لهما فقد قال([248]): "لا أعلم هذا الحديث في سيل مهزور ومذينب([249])، هكذا يتصل عن النبي صلى الله عليه وسلم، من وجه من الوجوه"
4. ولأن من أرضه قريبة من فوهة النهر، أسبـق إلى الماء، فكان أولى به، كمن طبق إلى المشرعة([250]).
فإن لم يفضل عن الأول شيء أو عن الثـاني أو عمن يليهم فلا شيء للباقين؛ لأنه ليس لهم إلا ما فضل عنهم، كالعصبة([251]) بالميراث([252]).
القول الثالث: يقسم حسب الحصص، ونسبه النووي([253]) للداركي([254])، وقال هذا غريب باطل([255]).
والحق في المسألة أن يكون السقي حسب طبيعة الأرض وكمية المياه المتوفرة، لضمان العدالة في التوزيع([256])، وسيظهر معنا في الصفحات القادمة أن توزيع المياه في سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، اختلف من حالة إلى أخرى، سواء في تقدير السقي بالكعب، أو في القسمة في المهايأة أو الكوى، مما دل على أن العدالة في التوزيع هي الهدف لا التوزيع بحد ذاته ولذلك فقد تكون القسمة بالحصص مناسبة لحالة دون أخرى وكذلك البدء بالأسفل قبل الأعلى أو العكس، والله الموفق إلى الصواب.
مقدار الحبس للماء؟
اختلف الفقهاء في ذلك وذهبوا إلى قولين:
القول الأول: يحبس حتى يبلغ الكعب وهو قول الجمهور([257]).
واستدلوا بـ:
ظاهر الأحاديث التي ذكرناها سابقا.
القول الثاني: يرجع في قدر السقي إلى العادة، والحاجة وهو قول الحنفية([258])، والماوردي([259])، من الشافعية([260])، وابن حزم الظاهري([261])، الزيدية([262])، والشيعة الإمامية([263]).
واستدلوا بـ:
أنه ليس التقدير بالكعبين في كل الأزمان والبلدان لأنه مقدر بالحاجة، والحاجة تختلف باختلاف الأرض، وباختلاف ما فيها من زرع وشجر، ووقت الزراعة ووقت السقي([264])، وقد روي عن الصادق قال قضى رسول الله في سيل وادي مهزور أن يحبس الأعلى على الأسفل للنخل إلى الكعبين، وللزرع إلى الشراك([265]).
الرأي المختار:
ما نختاره في المسألة أن يكون التقدير بالحاجة وحسب ما يقدره أهل الخبرة في السقي فليس من المعقول أن يحكم رسول الله، للزرع إلى الكعبين([266])، وهو بحاجة إلى أكثر من ذلك كأن تكون الأرض فيها انبساط، وارتفاع في نواحي مختلفة لما في ذلك من ضرر، ومعلوم أن الضرر مدفوع، وحكم رسول الله فيما سبق فيه أمران:
الأول: أنه حكم بالماء إلى الكعب.
الثاني: أن الحكم كان مناسبا لطبيعة الأرض المحكوم لها.
فلا يجوز أن نغفل الاعتبار الثاني، فيكون الحكم به تحكيما للسنة بذاتها، وليس اجتهادا راجعا إلى السنة، والله أعلم.
الحالة الثالثة: إذا استوى اثنان بالقرب من أول النهر قسم الماء بينهما إن أمكن([267]).
وإن لم يمكن قسمة الماء بينهم، ففي المسألة قولان:
القول الأول: يقرع بينهما، ومن تقع له القرعة([268])، يسقى بقدر حصته، وليس له أن يسقي بجميع الماء، وهو الوجه الصحيح للشافعية([269])، والحنابلة([270])، والأقرب عند الإمامية([271]).
واستدلوا بـ:
- أن الآخر يساويه في الاستحقاق، والقرعة للتقديم في استيفاء الحق، لا في أصل الحق([272]).
القول الثاني: يقسم بينهما، ولا يقرع، وهو قول سحنون([273])، من المالكية([274])، ووجه للشافعية([275]).
واستدلوا بـ:
- تساويهما في وجه الاستحقاق([276]).
القول الثالث: يقدم الإمام من يراه مناسبا في وجه للشافعية([277]).
الرأي الراجح:
الراجح في المسألة أن ننظر إلى طبيعة الزرع ومدى تحمله للعطش فإذا وجدت مزرعتان في الأولى شجر الزيتون وفي الأخرى نبات البندورة، فالأولى أن نقدم البندورة في السقي لأن الزيتون أصبر على تأخر الماء من البندورة والله أعلم بالصواب.
مسألة: لو أراد رجل إحياء موات على نهر فهل لهم منعه من ذلك؟
في المسألة قولان:
القول الثاني: لهم منعه من الإحياء، وهو قول المالكية([278])، والشافعية([279])، ووجه للحنابلة([280])، ووجه للشيعة الإمامية([281]).
واستدلوا بـ:
- لئلا يصير ذلك ذريعة إلى منعهم حقهم من السقي؛ لتقديمه عليهم بالقرب إذا طال الزمان، وجهل الحال([282]).
القول الأول: ليس لهم منعه وهو قول الحنابلة([283]).
واستدلوا بـ:
* أن حصتهم في النهر لا في الموات([284]).
الانتفاع بالأنهار المملوكة:
تتم ملكية النهر-لا ماءه- إذا اتصل الحفر بالنهر العام، وكمل الإحياء، سواء أجرى الماء فيه، أو لا؛ لأن الإحياء يحصل بأن يُهيأه للانتفاع به دون حصول المنفعة([285]).
ويشترك الحافرون بالنهر، والعين والبئر المحفورة، ويكون نصيب كل واحد على حسب العمل والنفقة؛ لأنه ملك بالعمارة والعمارة بالنفقة([286]).
وأما كيفية الانتفاع بمياه الأنهار المملوكة لسقي الأراضي فله حالات:
الحالة الأولى: إذا كفى ماء النهر جميعهم فلا كلام حينئذ إذ لا قسامة في الماء، إذ يسقي كل واحد على قدر شربه([287]).
الحالة الثانية: إذا لم يكفهم الماء.
ففي المسألة قولان:
القول الأول: يقسم الحاكم الماء بينهم على قدر أنصبائهم فيه وليس للأعلى أن يحبس على الأسفل عند
الجمهور([288]).
القول الثاني: يجوز أن يحبس الأعلى على الأسفل، وهو قول العلامة الحلي([289]).
واستدل بـ:
- أن الأسبق أحق بالسقي منه ثم الذي يليه ثم الذي يليه؛ لأن الماء لا يملك فكأن الأسبق أحق([290]).
الحالة الرابعة: أن يتراضى الشركاء على قسمة الماء:
1. إما بالمهايأة أي النوب بالأيام، والليالي، والساعات على قدر ما يصلح أو بكمية الماء ([291])، بشرط أن يكون نصيب كل واحد معلوما([292]).
دليل جوازها:
• ما حكى الله عز وجل في كتابه في قصة صالح مع قومه([293]): (وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ)[28: القمر].
• قوله تعالى: (قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ)[155: الشعراء].
ووجه الدلالة: أن الآيتين تدلان على قسمة الماء بين الناقة وقوم صالح لكل نوبة من الشرب وهذا شرع من قبلنا وشرع من قبلنا شرع لنا([294]).
وقيل لا تجوز القسمة بالمهايأة، في وجه للشافعية([295])؛ لأن الماء يقل ويكثر وتختلف فائدته بالسقي بالأيام([296]).
وقيل تلزم المهايأة في وجه آخر للشافعية([297]).
2. وأما أن تقسم بالكوى([298]): وهي فتحات جانبية للماء إلى المزارع، والجداول بما يتناسب ومساحة أرض كل منتفع بهذا الماء([299]).
مسألة: إذا حصل نصيب إنسان في أرض، فهل له أن يسقي أرضاً ليس لها رسم شرب من النهر؟
في المسألة قولان:
القول الأول: له ذلك وهو قول الحنفية([300])، وبعض الشافعية([301])، والحنابلة([302])، والشيعة الإمامية([303]).
واستدلوا بـ:
- إن هذا ماء انفرد باستحقاقه فكان له أن يسقي منه ما شاء، كما لو انفرد من أصله([304]).
القول الثاني: ليس له ذلك إلا برضا الشركاء، وهو قول الشافعية([305])، والقاضي من الحنابلة([306]).
واستدلوا بـ:
- أنه يحصل لنفسه شربا لم يكن([307])، كما لا يجوز لمن له داران متلاصقان في دربين أن يفتح من أحدهما بابا إلى الأخرى فيجعل لنفسه طريقا لم يكن([308]).
ويرد عليه: أن هذا غير مسلم به، ولو سلمنا به فالفرق بينهما أن كل دار يخرج منها إلى درب آخر مشترك؛ لأن الظاهر أن لكل دار سكانا فيجعل لسكان كل واحدة منهما استطراقا إلى درب غير ثابت لم يكن له استطراقا، وههنا إنما يسقي من ساقيته المنفردة التي لا يشاركه غيره فيها، فلو صار لتلك الأرض رسم من الشرب من ساقية لم يتضرر أحد([309]).
والحق في المسألة أن ذلك جائز ولكن بالشروط الآتية:
1. أن لا يؤدي إلى الخلاف بين الشركاء.
2. أن تكون الأولوية للشريك.
3. أن يكون الطرف الآخر مضطرا، والله أعلم بالصواب.
المطلب الثاني: عمارة الأنهار، وكريها:
كري الأنهار: إخراج الطين من أرض النهر، وحفره وإصلاح ضفتيه، ويلحق به إصلاح الجسور، ونحوها([310]).
وأحكام العمارة تختلف باختلاف النهر:
أولا: عمارة الأنهار غير المملوكة.
يجوز أن يبني على الأنهار العامة من شاء قنطرة([311]) لعبور الناس إن كان الموضع مواتا([312])، وأما ما بين العمران فهو كحفر البئر في الشارع لمصلحة المسلمين، ويجوز بناء الرحى([313])، عليها إن كان الموضع ملكا له، أو مواتا محضا وإن كان في أرض مملوكة، وتضرر الملاك لم يجز ذلك([314])، وإذ لم يتضرر الملاك ففي المسألة قولان:
القول الأول: يمنع من ذلك وهو قول الحنفية([315])، ووجه للشافعية([316])، والشيعة الإمامية([317]).
لأن التصرف في الملك المشترك لا يقف على الإضرار بالمالك([318]).
القول الثاني: الجواز وهو الأصح عند الشافعية([319]).
واستدلوا بـ:
- القياس على إشراع الجناح في السكة([320]).
القول الثالث: يحتمل اعتبار إذن الإمام في بناء القنطرة على النهر العام، عند الحنابلة([321]).
ثانيا: عمارة الأنهار المملوكة.
وأما الأنهار المملوكة فليس لأحد من الشركاء أن ينصب عليها رحى، أو دالية([322])، أو سانية([323])، أو آلة نزح، أو جسر، أو يوسع فم النهر؛ لأنه يرفع ضفة النهر المشترك من الجانبين وهو ممنوع، أو بناء قنطرة، أو غرس شجرة على حافة النهر إلا برضى الشركاء([324]).
وذكر القاضي من الحنابلة خلافا في المسألة وبناه على الخلاف في إجراء الماء في أرض الغير([325]).
مؤنة كري الأنهار:
أما مؤنة كري النهر فهي بحسب نوع النهر:
أولا: النهر العام غير المملوك لأحد، كالفرات والنيل فعمارته من بيت مال المسلمين([326])، وذلك من الخراج([327])، والجزية([328])، دون العشور([329])، والصدقات([330])، والفيء([331]).
وفي مثله قال عمر رضي الله عنه: "لو تركتم لبعتم أولادكم"([332])، لأن منفعتها ترجع إلى عامة الناس فيكون مؤنة ذلك في مال العامة وهو مال بيت المال([333])، وإن لم يكن في بيت المال شيء أجبر الحاكم الناس على إصلاح النهر دفعا للضرر ، وتحقيقا
للمصلحة([334])، وتكون على المياسير منهم([335]).
ثانيا: النهر المملوك، أو الساقية المشتركة بين جماعة.
تكون عمارته، وتنقيته وتجصيصه على الشركاء بحسب الملك([336]).
عمارة الموضع المتسفل:
- هل على كل واحد عمارة الموضع المتسفل؟
في المسألة قولان:
القول الأول: لا يجبرون على عمارة الموضع المتسفل، وبه قال أبو حنيفة([337])، وقطع به ابن الصباغ([338])، من الشافعية([339])، والحنابلة([340])، والشيعة الإمامية([341]).
واستدلوا بـ:
- أن فوهة النهر مشتركة لا يتوصل أحدهم إلى الانتفاع بشربه، إلا بحفرها وكذا حفر ما بعدها، فإذا تجاوز شرب أحدهم، فلا حق له في حفر ما بعد أرضه؛ لأن ذلك ملك الباقي لا ملكه إنما له حق تسييل الماء فيه فتكون المؤنة على المالك، لا على صاحب الحق كما في مسيل الماء على سطح مملوك لغيره([342]).
القول الثاني: يجبر جميع الشركاء على عمارته، وهو قول محمد بن الحسن، وأبو يوسف من الحنفية([343])، وبعض الشافعية([344]).
واستدلوا بـ:
- اشتراكهم وانتفاعهم([345])، جميعا بممر الماء فيه، وبيانه: "أن لصاحب الأعلى منفعة في حفر الأسفل فإنه مسيل مائه كما أن لصاحب الأسفل منفعة في الأعلى، ثم إن حفر الأعلى مشترك وكذلك الأسفل([346]).
الرأي المختار:
الذي اختاره مما سبق، أن نفرق بين تعدي صاحب الأسفل في تخريب الساقية، أو تقصيره بذلك وبين خرابها لأمر خارج عن إرادته، كتدفق المياه القوي المؤدي لتخريبها، فإذا كان الأول، فلا يجبرون على عمارته لتقصيره، وإذا كان الثاني أجبرهم الحاكم على التكافل في تصليحها؛ لأنه لا مدخل له في التعدي في هذه الحالة، والله أعلم.