مجلة الجيش
العدد 212 - شباط, 2003
ملكية الشقق والطوابق في الأبنية المفرزة
إعداد: رلى صفير
كيف تتحدد أسس التعامل بين ملاّكي البناء الواحد؟
في ظلّ الإرتفاع المستمر في عدد السكان, ومع تزايد حركة النزوح الى المدن وتمركز الأغلبية الساحقة من السكان في الأوساط المزدهرة إقتصادياً, حيث وفرة فرص العمل, وسهولة المواصلات, وتنوّع مجالات التعليم وتعدد أماكن الإستشفاء والنوادي الرياضية والمحلات التجارية والترفيهية... وسواها, نشأت الحاجة الى تنظيم الملكية العقارية لتصبح أكثر ملاءمة مع الكثافة السكانية, فظهرت فكرة الأبنية المقسمة الى طوابق, والى شقق عدّة في الطابق؛ هكذا يتسّع العقار الواحد الى أكبر عدد ممكن من الناس, وتكون كلفة شراء المسكن فيه أقلّ بكثير مما قد يتكبّده المرء فيما لو اشترى عقاراً لا يحتوي إلا على منزل واحد للسكن.
إلاّ أنّه لا يُخفى ما قد ينجم عن هذا الوضع من مشاكل ومنازعات في حال تخطى أصحاب الملك حدود حقوقهم وحرياتهم, أو لم يتمموا واجباتهم وفقاً للأصول, فتصرّفوا وفقاً لمزاجهم, غير عابئين بمصالح المجموعة ومتطلباتها.
لذا, كان لا بد من تحديد أسس التعامل بين ملاّكي البناء الواحد, فصدر في العام 1983 ما يُعرف بـ”قانون تنظيم الملكية المشتركة في العقارات المبنية”.
خصصنا هذه الصفحات لإستعراض أهمّ ما ورد في هذا القانون, لناحية كيفية توزيع الملكية, نظام إدارة العقار, جمعيات المالكين, مجالس الجمعيات, مجلس الإدارة, والى ما هنالك.
تنظيم الطوابق والشقق من ناحية العقار
يُقصد بملكية الطوابق والشقق, الملكية المتعلّقة بالأبنية المقسّمة الى عدة طوابق, أو عدة شقق (في الطابق الواحد), أو الى عدة طوابق وشقق في آن واحد, والعائدة الى أكثر من شخص, بحيث يمتلك كل منهم طابقاً أو شقة على الأقل ملكية خالصة.
إن ملكية الطـوابق والشقق, باعتبارهــا حقوقـاً عينية عقاريـة, لا يمكن أن تتحقـق قانوناً إلاّ بإتمام قيود السجل العقـاري. لذا, فعلى مالك العقار المبني, الذي ينوي التفرّغ عن ملكية الطوابق والشقق الكائنة في بنائه, أن يعمد الى إفراز هذا العقار وقيده في السجل العقاري؛ علماً أن هكذا إجراء يتطلب أن يكون البناء مُشيّداً وفقاً لأحكام قانون البناء (رخصة إشغال...).
فور إتمام عملية الإفراز والقيد, تُصبح ملكية كلّ قسم مؤلّفة من 0024 سهم, وينشأ لكل قسم صحيفة عينية إضافية خاصة.
من أهم نتائج عملية الإفراز, نشوء نوعين من الملكية: الملكية الخاصة والملكية المشتركة. (إشارة الى أن أحكام القوانين المتعلقة بالشفعة لا تُطبق على العقارات المؤلفة من عدة طوابق وشقق).
● الملكية الخاصة:
هي ملكية الأجزاء المفرزة في البناء, أو ما يُسمى بـ”الأقسام الخاصة”, أي الطوابق والشقق التي يمتلكها أصحاب الملك بصورة مستقلة وتامّة, وعلى سبيل الإستئثار.
تشمل الطبقة أو الشقة كلّ ما هو موجود بداخلها ومُعدّ للإستعمال الخاصّ بالمالك, كالأبواب والشبابيك, وقساطل المياه والأسلاك الكهربائية والأدوات الصحية, والأوجه الداخلية للجدران الفاصلة بين شقتين والتي لا تعتبر جزءاً من هيكل البناء, ووجه السقف الذي يغطي فضاء الشقة, وموطئ القدم على سطح الطابق الأسفل وكل ما يغطي المساحات الداخلية من بلاط وأخشاب وسواها... الخ.
إشارة الى أن قيمة الشقة تحدّد على أساس نسبة معينة من أصل مجموع البناء الذي يُعتبر موازياً لألف (1000), فتكون قيمة الشقة أجزاءً من ألف (مثلاً خمسين أو سبعين من ألف...).
● الملكية المشتركة:
هي ملكية الأجزاء المشتركة, أو ما يسمى بـ”الأقسام المشتركة” التي تعود ملكيتها الى جميع ملاكي الطوابق والشقق في البناء بصورة مشتركة, وتكون معدة, إما بطبيعتها أو وفقاً لتخصيصها, للإستعمال المشترك في ما بينهم, بمعنى أنها تتبع ملكية الأقسام الخاصة, وبالتالي لا تقبل التجزئة ولا القسمة, ولا يمكن ترتيب حقوق عليها بالإستقلال عن هذه الأقسام الخاصة.
من الأقسام المشتركة بطبيعتها, نذكر على سبيل المثال:
- أرض العقار.
- هيكل البناء والأساسات والركائز والأعمدة والجدران التي تحمل البناء أو السقوف.
- المداخل والواجهات والسلالم وأقفاصها.
- مجاري ومناور التهوئة والمداخن.
- المصاعد.
- السطوح الأخيرة حسب أحكام قوانين البناء.
أما الأقسام المشتركة بالتخصيص, وهي تلك التي لا تكون مشتركة بين الجميع إلا إذا تمّ تخصيصها للإستعمال المشترك في نظام إدارة البناء, فأهمها ما يلي:
- الأنفاق والتجاويف والمرائب.
- الطرقات والساحات والفسحات والحدائق والممرات والمماشي على اختلافها.
- المنشآت الرياضية والسياحية والمنشآت المعدة للتسلية, وما شاكلها.
- التمديدات على اختلافها.
- غرف البوابين.
- جميع التجهيزات والأجهزة التي تُقدّم خدمات مشتركة, والأماكن التي توجد فيها هذه الأشياء.
إشارة الى أنه, وبالرغم من أن الأقسام المشتركة بالتخصيص كانت لتكون أقساماً خاصة لولا تخصيصها في نظام البناء للإستعمال المشترك, فإنه يُمتنع على مالك العقار المبني أن يغيّر من طبيعتها ويخصصها للإستعمال الخاص.
تنظيم ملكية الطوابق والشقق من ناحية المالكين
خصّ القانون اللبناني ملكية الطوابق والشقق بأحكام مميزة, فأوجد ما يسمى بـ”نظام إدارة البناء”, ونصّ على تأليف جمعية للمالكين ومجلس للجمعية ومجلس إدارة, ونظّم حقوق المالكين وإلتزاماتهم تجاه الأقسام المشتركة.
● نظام إدارة البناء:
إن وضع نظام لإدارة البناء يكون إختيارياً في حال لم يتجاوز عدد الطوابق أو الشقق الإثنين. أما إذا كان عددها ثلاثة أو أكثر, فقط إشترط القانون وضع هذا النظام وضمّه الى طلب القيد في السجل العقاري. ومن شروطه أن يكون مكتوباً, ومُصدّقاً لدى الكاتب العدل ومُسجّلاً في السجل العقاري.
تتجلّى أهمية النظام المذكور في كونه يتضمّن أهمّ التفاصيل, وقد ترك له المشترع أمر معالجتها والبتّ بها.
واللافت أنّ هذا النظام هو عقد إذعان, بمعنى أنه يُطبّق حُكماً على كلّ شخص يتملّك شقة أو طابقاً في البناء المفرز, بالرغم من أن وضعه قد تمّ بمعزل عن إرادة هذا الشاري الذي لا يستطيع التخلّص من أحكامه.
يتألف النظام من بعض المستندات المصدقة لدى الكاتب العدل, منها:
- جدول يُبيّن رقم العقار, المنطقة العقارية, أرقام الأقسام بالتسلسل, تعيين البناية التي يقع فيها القسم, محتويات القسم, نسبة حقوق كلّ قسم خاص في كل من الأقسام المشتركة (وذلك بعدد من أصل ألف)... إلخ.
- خريطة للبناء المطلوب قيده, تُبيّن موقع وشكل وعناصر كلّ قسم.
- أحكام إدارة العقار, على أن تتضمن بصورة خاصة: تأليف جمعية المالكين, وانتخاب رئيس لها, الدعوات والتبليغات, عقد الإجتماعات, تنظيم المحاضر, إتخاذ القرارات وتنفيذها, إنشاء مجالس الإدارة وتحديد صلاحياتها وكيفية عزلها, إدارة البناء وصيانته والمحافظة عليه, كيفية فصل الخلافات التي قد تنشأ بين المالكين, تمثيل الجمعية أمام المحاكم والدوائر وتجاه الغير, أصول تعديل النظام, وبصورة عامة, كل ما من شأنه أن يؤدي الى حُسن إدارة العقار والإنتفاع به على الوجه الأفضل.
لا يجوز أن يتضمّن النظام أيّ نصّ يتعارض مع أحكام القوانين والأنظمة الإلزامية, ولا سيما أحكام قوانين وأنظمة البناء, تحت طائلة إعتباره غير نافذ حتى بين الفرقاء.
يمكن تعديل النظام بأكثرية 75% على الأقلّ من أصوات المالكين, ما خلا حالة تعديل نسب حقوق الأقسام الخاصة في الأقسام المشتركة وواجباتها تجاهها, وحالة تغيير وجهة إستعمال القسم الخاص وشروط الإنتفاع به, حيث لا بد (في هاتين الحالتين) من إجماع أصوات المالكين (أي موافقتهم جميعاً).
● جمعية المالكين:
في البناء المقسوم الى طوابق أو شقق, عددها أربعة أو أكثر, تتكوّن بحكم القانون, بين مالكي هذه الطوابق أو الشقق, جمعية لإدارة الأجزاء المشتركة في البناء. تتمتع هذه الجمعية بالشخصية المعنوية, ويكون لها بالتالي ذمة مالية مستقلة وأهلية للتعاقد وإكتساب الأموال والمثول أمام المحاكم بصفة مدعية أو مدعى عليها... الخ.
تُعتبر الجمعية الهيئة الأساسية المولجة بالإشراف على البناء وإدارته وتولّي جميع شؤونه, وتُقسم أعمالها الى ثلاثة أنواع:
- الأعمال الإدارية المحضة: كإتخاذ الإجراءات الضرورية المتعلقة بالبناء والملكية المشتركة, وعقد إجتماع عام على الأقل مرة واحدة في السنة...
- الأعمال الإدارية المادية: كصيانة وتصليح واستبدال جميع التجهيزات والتمديدات والمنشآت, في إطار المصلحة المشتركة للمالكين.
- الأعمال التصرّفية: كشراء وتركيب تجهيزات وآلات تقتضيها مصلحة المالكين, أو بيع العقار إذا تهدّم البناء وتعذّر إعادة بنائه, وغير ذلك.
تتخذ الجمعية قراراتها بالإجماع أو بالأكثرية, تبعاً لنوع القرار الجاري التصويت عليه. ويكون لكلّ مالك من مالكي الأقسام الخاصة عدد من الأصوات مواز لنسبة قيمة ملكيته في العقار.
● مجلس الجمعية:
يمكن لجمعية المالكين, بناءً على طلب رئيسها, أن تنتخب مجلساً من بين المالكين وأزواجهم أو ممثليهم الشرعيين القانونيين, تكون مهمته مساعدة رئيس الجمعية وإعطاؤه الرأي ومراقبة أعماله, على ألا يقل عدد أعضائه عن ثلاثة ولا يزيد عن إثني عشر عضواً.
إن العلة من إنشاء مجلس الجمعية هي أنه يتعذر, في الجمعيات السكنية والأبنية الضخمة, على رئيس الجمعية أن يقوم بمفرده بما وضعه القانون على عاتقه من مهام, عندما يحوي البناء العشرات من المساكن. وقد ترك القانون أمر تقدير الحاجة الى مثل هذا المجلس لرئيس الجمعية نفسه. هذا إذا لم يتجاوز عدد الأقسام الخاصة الخمسين قسماً.
أما إذا زاد عددها على خمسين, أصبح إنتخاب مجلس الجمعية أمراً إلزامياً.
● مجلس الإدارة:
في المشاريع غير السكنية أو التي تغلب فيها الصفة غير السكنية, يمكن لجمعية المالكين العامة أن تنتخب مجلساً للإدارة, يتولى إدارة المشروع بأكمله, على أن يتراوح عدد أعضائه بين ثلاثة وإثني عشر. فور إنتخاب مجلس الإدارة, تنتهي حُكماً ولاية رئيس الجمعية, ويحلّ محلّه رئيس مجلس الإدارة المعيّن من قبل المجلس ومن بين أعضائه, علماً أنه لا مانع من أن يُنتخب رئيس الجمعية بالذات لهذا المنصب. يُشترط أن يكون كلّ من رئيس وأعضاء مجلس الإدارة من المالكين, ولا يمكن أن تتجاوز مدة ولايتهم ثلاث سنوات, قابلة للتجديد.
لمجلس الإدارة الصلاحيات الواسعة لإنفاذ مقررات جمعية المالكين والقيام بجميع الأعمال التي تستوجب إدارة العقار على الوجه المألوف؛ وليس لهذه الصلاحيات من حدود أو تحفظات إلا ما هو منصوص عليه في القانون أو في النظام.
● حقوق المالكين وإلتزاماتهم بالنسبة الى الأقسام المشتركة:
لكلّ مالك في البناء, وضمن شروط النظام, الحق في استعمال الأقسام المشتركة في ما أُعدت له, على ألاّ يحول ذلك دون إستعمال باقي المالكين لها.
ولا يجوز لأي مالك أن يقوم بأي عمل من شأنه تهديد سلامة البناء أو تغيير شكله أو مظهره الخارجي. ولا يجوز له أن يُحدث أي تعديل في القسم المشترك, حتى عند تجديد البناء, أو أن يمس بما هو ضروري بتآلف وتناسق البناء, وإن كان من الأجزاء غير المشتركة, كأبواب المداخل والشبابيك والشرفات وسواها, إلا بقرار تُصدره الجمعية العمومية بأكثرية 75% على الأقلّ من الأصوات.
يتوجب على كل من مالكي الأقسام الخاصة المساهمة في نفقات حفظ وصيانة القسم المشترك, كإعادة طرش ودهان الأقسام المشتركة من فترة الى أخرى, وإصلاح ما يتلف منها, وصيانة المصعد... إلخ, ويتوجب عليهم أيضاً المشاركة في تكاليف الإدارة, كنفقات تعيين بواب للبناية يتولى الإشراف على مدخلها والحفاظ على النظافة فيها ويعمل على تشغيل معدّات التدفئة وإنارة المصابيح الكهربائية وإطفائها عند الإقتضاء, وغير ذلك... أما بالنسبة الى توزيع نفقات صيانة وإدارة الأقسام المشتركة بين مالكي الأقسام الخاصة, فإنه يجري بنسبة قيمة الملكية في العقار (أجزاء من أصل ألف) كما هي مبيّنة في نظام إدارة البناء.
إذا لم يدفع المالك ما يُصيبه من النفقات المشتركة, خلال عشرة أيام من تبلّغه الإنذار بالدفع الموجّه إليه بواسطة البريد المضمون, ىُعتبر الإنذار بمثابة سند خطي, ويحقّ لرئيس الجمعية أو للمدير أن يراجع دائرة التنفيذ لتحصيل قيمة هذه النفقات.
في الختام, ننوّه بضرورة الإلتزام بما تفرضه القوانين والأنظمة, تحقيقاً للصالح العام, ولمجموع المصالح الفردية, وعدم التستر وراء شعار الحرية وحق الملكية الفردية لارتكاب أعمال مُسيئة للغير وللمجتمع, ذلك أن حرية الفرد تنتهي عند حدود حرية الآخرين.