نظرية النخبة السياسية
من أهم موضوعات علم الاجتماع السياسي نظرية النخبة السياسية، التي يذهب أنصارها إلى أنها حقيقة موضوعية، لأن الشواهد التاريخية وواقع المجتمعات السابقة والمعاصرة، تتميز بوجود أقلية حاكمة، محتكرة لأهم المناصب السياسية والاجتماعية، وبيدها مقاليد الأمور، وأغلبية محكومة منقادة وليس لها صلة بصنع القرار السياسي بشكل عام.
ومع أن عمر تبلور هذه النظرية قد زاد على نصف القرن، إلا أن اللبس والغموض يصاحبها من جوانب كثيرة ومهمة، منها علاقتها مع النظم الشمولية والديمقراطية، آليات اختيار وعمل هذه النخبة، العلاقة ما بين النخبة السياسية والاجتماعية وهكذا.
لقد أسهم كارل ماركس وماكس فيبر في تأسيس علم الاجتماع السياسي من خلال دراستهما لتطور النظريات السياسية وصلة ذلك بالمجتمع إلا أن تطور هذه النظرية قد وجه سهام النقد للنظرية الاشتراكية فضلا عن النظريات الديمقراطية، لأن نظرية النخبة تشكك بالصحة العلمية لكلا النظريتين، وتبني تحليلها للنظام السياسي انطلاقا من حقيقة القلة الحاكمة والأغلبية المحكومة.
ولكن ما هي النخبة؟ وهل اتفق منظورها على صياغة موحدة لتعريفها؟ ربما كانت دراسة بوتومور حول النخبة والمجتمع من أهم الدراسات التي حاولت أن تفجر كثيرا من الأسئلة حول نظرية النخبة والاجتهادات النظرية فيها تاركة الإجابة على كثير من الإشكالات للزمن الذي سيعتمد دراسة هذه النظرية وسيجد الإجابات على ما قصرت الدراسات المتواجدة عن الإجابة عنه.
ومن رواد نظرية النخبة العالم باربتو، وهو يرى أن النخبة هم اؤلئك الذين يتفوقون في مجالات عملهم في (مباراة الحياة) وحين يجد أن هذا التعريف مستوف يستدرك الأمر وينتقل إلى المجال الأضيق في تعريف النخبة، فيقوم بربط مفهوم النخبة الاجتماعية بقدرة هؤلاء المتفوقين على ممارسة وظائف سياسية أو اجتماعية تخلق منهم طبقة حاكمة ليست بحاجة إلى دعم وتأييد جماهيري لأنها تقتصر في حكمها على مواصفات ذاتية تتمتع بها، وهذا ما يميزها ويؤهلها لاحتكار المناصب.
ويأتي الرائد الثاني موسكا الذي يضيف على تعريف باربتو قائلا إن من أهم أسباب تميز الطبقة الحاكمة عن الطبقة المحكومة- وهو هنا لا يأخذ بالمدلول الماركسي لمعنى الطبقة- هو قوة تنظيم الأولى، ووجود دافع وهدف معين تسعى إليه في مواجهة أغلبية غير منظمة، إلا أنه يؤكد على أهمية اعتماد طبقة الحاكمين على موافقة ورضى الجماهير، وهذا الطرح يقرب ما بين نظرية النخبة السياسية والديمقراطية عكس ما انتهى إليه باربتو.
لقد انطلق الرائد الثالث ميشيال روبرتو في تعريف للنخبة السياسية من خلال واقع عمل الأحزاب السياسية ليكتشف بأن هناك عوامل متباينة تحدد طبيعة عمل التنظيمات بدءا من الحرب إلى الدولة، فهو يرى أن النشأة الديمقراطية للأحزاب تتحول بمرور الزمن إلى تنظيمات خاضعة إلى حكم قلة من الأفراد، لأن التنظيم يحتاج إلى أقلية منظمة، وهذه الأقلية تستحوذ على السلطة من خلال موقعها في مركز اتخاذ القرار، وهو ما يسمى بالأقلية الذي لم يلتفت إليه ماركس في دراساته السياسية.
أما الرائد الرابع رايت ملز ومن خلال دراسته لمجتمع الولايات المتحدة الأمريكية، فقد ربط بين النخبة وقدرتها على التحكم بموقع اتخاذ القرار، فهي نتاج للبناء المؤسساتي للدولة، وقد وجد أن مؤسسات ثلاث هي المتحكمة في أمريكا وهي العسكرية والسياسية والشركات الكبرى، وهذا معناه أن النخبة تتشكل من أولئك الذين يشغلون مواقع قيادية في هذه المؤسسات.
ويؤكد بوتومور في كتابه النخبة والمجتمع أن ملز متأثر في تعريفه بضغوط الصراع العالمي التي شغلت أمريكا في عصره، وتصنيفه إنما هو بالتالي إشارة إلى تتابع الإحداث.
إن هذا التباين والاختلاف في تعريف النخبة جعل بوتومور غير قادر على حسم الموضوع، أو أن يعطي تعريفا متميزا، لذلك فهو يحاول إعطاء توليفة من تعريفات من سبقوه وبشكل حذر، حيث يميز بين (النخبة) بشكل عام، والأقلية التي تحكم المجتمع، فيقول (إذا استعملنا الاصطلاح العام (النخبة) لتلك الفئات ذات الوظائف، فإننا عندها نحتاج مصطلحا نطلقه على تلك الأقلية التي تحكم المجتمع، وهي ليست فئة وظائفية بالمعنى الذي تستعمل فيه هذه الكلمة، ولكنها في أية حالة من الأحوال ذات أهمية اجتماعية عظيمة مما يجعلها جديرة بأن يكون لها اسم خاص مميز، سأستعمل هنا مصطلح موسكا (الطبقة السياسية) للإشارة إلى كل تلك الفئات التي تمارس السلطة أو التأثير السياسي والتي تمارس السلطة السياسية أو التأثير السياسي والتي تدخل في صراعات مباشرة في سبيل القيادة السياسية، وسأميز فئة صغرى ضمن الطبقة السياسية، وهي النخبة السياسية الشاملة للأفراد الذين يمارسون السلطة السياسية في مجتمع ما في وقت من الأوقات).
وهذا يعني أن بوتومور يرسم هرما نخبويا داخل المجتمع في قمته الممارسون للسلطة السياسية أو من يسميهم بالنخبة السياسية، وفي قاعدته النخبة المجتمع، أي كل الفئات ذات الوظائف المتميزة، وفي وسطه الأقلية المنبثقة من القاعدة أو النخبة الاجتماعية والتي تشترك بالحياة السياسية، ممارسة واهتماما، وتدخل في صراع مباشر للوصول إلى السلطة والاستحواذ عليها، والتي يسميها بالطبقة السياسية، وهذا يعني بشكل أو بأخر أن النخبة السياسية التي تتربع على قمة الهرم تتميز بأنها غير ثابتة في موضوعها، فيمكن أن ينماوالوا ليصبحوا من الطبقة السياسية، وحتى من عناصر عاديين في النخبة الاجتماعية.
وهو بهذا التعريف لا يميز بين النخبة السياسية وغيرها بالأفضلية والتفوق، حيث يعتبرهم من في يدهم مقاليد السلطة السياسية، إلا أنه يميز بشكل أو بآخر عقوبة النخبة السياسية بالمفهوم السابق ومن يعتبرهم (طبقة سياسية) فيقصر عقوبة النخبة السياسية بالممارسين الفعليين للسلطة أما الناشطون سياسيا من أحزاب معارضة ونقابات وجمعيات ومثقفون فهم يدمجون في إطار الطبقة السياسية.
لقد ساهمت وبشكل مباشر كل هذه الدراسات النظرية في تقارب التعريفات الأخرى مع ما جاء به بوتومور فعرفت القواميس الإنجليزية كلمة (النخبة Elite) بأنها أقوى مجموعة من الناس في المجتمع، ولها مكانتها المتميزة، وذات اعتبار، أما القواميس الفرنسية فعرفت النخبة أنها تضم أشخاصا وجماعات الذين بواسطة القوة التي يمتلكونها أو بواسطة التأثير الذي يمارسونه، يشاركون في صياغة تاريخ جماعة ما، سواء كان ذلك عن طريق اتخاذ القرارات أو الأفكار والاحساسات والمشاعر التي يبدونها أو التي يتخذونها شعاراً لهم.
----------------
المصدر :
معن حمدان علي
• مجلة النبأ http://www.annabaa.org/nbahome/nba79/007.htm
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
كلمة النخبة هي المفرد وجمعها (النخب) (بالإنجليزية: Elite)
وتعبر كلمة النخبة عن طبقة معينة أو شريحة منقاة من أي نوع عام ..
كما أن هناك مصطلح التزاوج الانتخابي في علم الأحياء
وهي تعني أيضا الأقلية المنتخبة أو المنتقاة من مجموعة اجتماعية (مجتمع أو دولة أو طائفة دينية أو حرب سياسي ) تمارس نفوذا غالبا في تلك المجموعة عادة بفضل مواهبها الفعلية أو الخاصة المفترضة.
• لا يمكننا الحديث عن النخبة إلا في داخل أحد فروع النشاط: (لنضع إذن طبقة من الذين يتمتعون بالمؤشرات الأكثر ارتفاعاً في الفرع الذي يؤدون فيه نشاطهم ولنعط لهذه الطبقة اسم النخبة). ثمة إذن عدد من النخب بقدر ما يكون لدينا من فروع للنشاطات , وتدعى النخبة التي تمارس نفوذا في أي مجموعة بنخبة المجموعة (النخبة الاجتماعية , النخبة الدينية , النخبة السياسية , ....)
النخبة الاجتماعية غالباً يقصد به الطبقة العليا من المجمتمع .. ذات الاهتمام الاجتماعي الأعلى في مجمتعهم..
النخبة الدينية استخدم هذا المصطلح من قبل مجموعات دينية كثيرة
] النخبة السياسية تعتبر نظرية النخبة السياسية من أهم موضوعات علم الاجتماع السياسي ,ولأن الشواهد التاريخية وواقع المجتمعات السابقة والمعاصرة، تتميز بوجود أقلية حاكمة، محتكرة لأهم المناصب السياسية والاجتماعية، وبيدها مقاليد الأمور، وأغلبية محكومة منقادة وليس لها صلة بصنع القرار السياسي بشكل عام.
• أسهم كارل ماركس وماكس فيبر في تأسيس علم الاجتماع السياسي من خلال دراستهما لتطور النظريات السياسية وصلة ذلك بالمجتمع إلا أن تطور هذه النظرية قد وجه سهام النقد للنظرية الاشتراكية فضلا عن النظريات الديمقراطية، لأن نظرية النخبة تشكك بالصحة العلمية لكلا النظريتين، وتبني تحليلها للنظام السياسي انطلاقا من حقيقة القلة الحاكمة والأغلبية المحكومة.
• من رواد نظرية النخبة العالم باربتو، وهو يرى أن النخبة هم أؤلئك الذين يتفوقون في مجالات عملهم في (مباراة الحياة) وحين يجد أن هذا التعريف مستوف يستدرك الأمر وينتقل إلى المجال الأضيق في تعريف النخبة، فيقوم بربط مفهوم النخبة الاجتماعية بقدرة هؤلاء المتفوقين على ممارسة وظائف سياسية أو اجتماعية تخلق منهم طبقة حاكمة ليست بحاجة إلى دعم وتأييد جماهيري لأنها تقتصر في حكمها على مواصفات ذاتية تتمتع بها، وهذا ما يميزها ويؤهلها لاحتكار المناصب.
• يضيف الرائد الثاني موسكا على تعريف باربتو قائلا إن من أهم أسباب تميز الطبقة الحاكمة عن الطبقة المحكومة- وهو هنا لا يأخذ بالمدلول الماركسي لمعنى الطبقة- هو قوة تنظيم الأولى، ووجود دافع وهدف معين تسعى إليه في مواجهة أغلبية غير منظمة، إلا أنه يؤكد على أهمية اعتماد طبقة الحاكمين على موافقة ورضى الجماهير، وهذا الطرح يقرب ما بين نظرية النخبة السياسية والديمقراطية عكس ما انتهى إليه باربتو.
• انطلق الرائد الثالث ميشيال روبرتو في تعريف للنخبة السياسية من خلال واقع عمل الأحزاب السياسية ليكتشف بأن هناك عوامل متباينة تحدد طبيعة عمل التنظيمات بدءا من الحرب إلى الدولة، فهو يرى أن النشأة الديمقراطية للأحزاب تتحول بمرور الزمن إلى تنظيمات خاضعة إلى حكم قلة من الأفراد، لأن التنظيم
يحتاج إلى أقلية منظمة، وهذه الأقلية تستحوذ على السلطة من خلال موقعها في مركز اتخاذ القرار، وهو ما يسمى بالأقلية الذي لم يلتفت إليه ماركس في دراساته السياسية.
• الرائد الرابع رايت ملز ومن خلال دراسته لمجتمع الولايات المتحدة الأمريكية، فقد ربط بين النخبة وقدرتها على التحكم بموقع اتخاذ القرار، فهي نتاج للبناء المؤسساتي للدولة، وقد وجد أن مؤسسات ثلاث هي المتحكمة في أمريكا وهي العسكرية والسياسية والشركات الكبرى، وهذا معناه أن النخبة تتشكل من أولئك الذين يشغلون مواقع قيادية في هذه المؤسسات.
• يؤكد بوتومور في كتابه النخبة والمجتمع أن ملز متأثر في تعريفه بضغوط الصراع العالمي التي شغلت أمريكا في عصره، وتصنيفه إنما هو بالتالي إشارة إلى تتابع الإحداث..
لقد ساهمت وبشكل مباشر كل هذه الدراسات النظرية في تقارب التعريفات الأخرى مع ما جاء به بوتومور فعرفت القواميس الإنجليزية كلمة (النخبة Elite) بأنها أقوى مجموعة من الناس في المجتمع
تم الاسترجاع من "http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AE%D8%A8%D8%A9"
ما بين النخبة السياسية والنخبة المجتمعية
عزمي عاشور
مدير التحرير التنفيذي- مجلة الديمقراطية
المفهوم وحركة التطور في المجتمع(1)
تعتبر دراسة المفاهيم السياسية أحد المداخل المهمة في فهم الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية, فعلي الرغم من الاختلافات بين المدارس الفكرية في نظرتها للمفهوم إلا أن هذا الاختلاف لا يقلل من القيمة التي تضيفها عملية دراسة المفاهيم في حقل العلوم السياسية بوجه عام, والنظم السياسية بوجه خاص, فعن طريق المفاهيم يمكن الاستدلال علي الديناميكية السياسية الموجودة داخل المجتمع. ولا تقتصر عملية دراسة المفهوم هنا علي رصد المفهوم وإنما أيضا تستخدم في تقييم الوضع السياسي والاجتماعي فيما إذا كان المجتمع يوجد به ديناميكية صحية ام مرضية علي مستوياته المختلفة( السياسية والثقافية والاجتماعية) أم لا. وقد شهد, علي سبيل المثال, المجتمع المصري حركة صخب لمفاهيم سياسية والتي كانت شاهدة علي ديناميكية المجتمع في فترة ما قبل ثورة1952. حيث كانت هناك مفاهيم سياسية حاكمة للحركة السياسية والاجتماعية. فعلي المستوي السياسي كانت الحركة السياسية المصرية بدءا من قيام الثورة العرابية1881 ومرورا بثورة1919 وحتي ثورة يوليو تدور حول مفاهيم أساسية مثل الدستور والمطالبة بالجلاء والنهضة والتحديث, حيث عكس وجود هذه المفاهيم حالة تفاعل صحي داخل المجتمع, قاده أقطاب النضال الوطني من ناحية ورواد التحديث والنهضة من ناحية أخري. وقد انعكست مظاهرها في مجالات مختلفة: الصحافة, والفن والأدب, وانطوت كلها تحت مفهوم النخبة بأبعاده المختلفة. فيمكن مثلا في هذه الفترة أن نتحدث عن النخبة السياسية التي كانت وراء ثورة1919 ودستور23 الليبرالي, وأيضا النخبة الفكرية سواء علي المستوي الثقافي أو الأدبي, والتي كانت بحضورها الفكري التنويري علامة مميزة علي ديناميكية المجتمع المصري في تلك الفترة وجاءت برواد في مجالاتهم مازالوا أعلاما للنهضة والتنوير حتي الآن داخل المجتمع المصري, كما يمكننا الحديث عن النخبة البرلمانية في فترة ما بين1924 و1952 والتي عكست حيوية الحياة النيابية المصرية في ذلك الوقت. هذا فضلا عن النخبة الصحفية متنوعة المشارب والاتجاهات. فالمجتمع المصري وفقا لمنظور النخبة, نستطيع أن ندرس مدي حيويته. فعلي الرغم أن المفهوم في ذلك الوقت لم يأخذ هذا التنوع والأبعاد حيث كان مقصورا علي النخبة السياسية, إلا أن هذا لا يمنع من النظر الي الماضي بعدما حدث له تطور بفضل المدرسة السلوكية وما بعد السلوكية.
فهذا المناخ السياسي الليبرالي كان بمثابة الحضانة التي جاء منها أعلام الأدب المصري أمثال طه حسين وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ. فقد عكست إبداعاتهم حركة التطور السياسي والاجتماعي والثقافي في هذا العصر.. وهذا الإشعاع الثقافي والسياسي لمصر في تلك الفترة خلق لمصر ما يشبه دور الهيمنة الثقافية في المنطقة العربية عن طريق الصحافة والأدب والإبداع السينمائي, واستمر هذا الدور حتي بعد ثورة1952, وباتت اللهجة المصرية مفهومة لكل عربي بفضل هذه الهيمنة الثقافية.
ومن هنا فإن استخدام مفهوم النخبة لدراسة المجتمع المصري في هذه الفترة يصبح مفيدا للبحث عن النخب الفاعلة التي لم تأت مصادفة وإنما كانت مرتبطة بالأساس بمفاهيم أخري, كالليبرالية والتعددية والتي صنعتها ديناميكية المجتمع في النصف الأول من القرن العشرين. والذي جعل مصر تتميز بالهيمنة الثقافية في المنطقة العربية في النصف الأول من القرن العشرين.
أولا- التأصيل لمفهوم النخبة:
سوف يتم تناول هذه الجزئية من خلال التعرض لمفهوم النخبة من حيث العناصر التالية: التأصيل اللغوي للمفهوم, والذاكرة التاريخية, وعلاقة المفهوم بالمفاهيم الأخري.
(1) التأصيل اللغوي للمفهوم:
عند البحث عن اشتقاقات كلمة النخبة في القواميس العربية نجد: انتخب الشيء: اختاره. والنخبة: ما اختاره منه. ونخبة القوم ونخبتهم: خيارهم. قال الأصمعي: يقال هم نخبة القوم, بضم النون وفتح الخاء. قال أبو منصور وغيره: يقال نخبة, إسكان الخاء, واللغة الجيدة ما اختاره الأصمعي. ويقال: جاء في نخب أصحابه, أي في خيارهم.
والانتخاب: الانتزاع. والانتخاب: الاختيار والانتقاء, ومنه النخبة, وهم الجماعة تختار من الرجال, فتنتزع منهم. وفي حديث علي بن أبي طالب, وقيل عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: وخرجنا في النخبة, النخبة, بالضم: المنتخبون من الناس, المنتقون. وفي حديث ابن الأكوع: انتخب من القوم مائة رجل. ونخبة المتاع:المختار ينتزع منه(2).
وإذا نظرنا في القاموس المحيط فسنجد: نخب ينخب نخبا: أخذ نخبة الشيء, أي المختار منه- الصيد: نزع قلبه- بالحرب فلانا: جبنته وأضعفته نخبتهم رؤية الأسلحة الحديثة عند العدو(3).
وفي معجم المحيط نجد( النخبة): المختار من كل شيء. يقال: جاء في نخبة أصحابه: خيارهم(4). وفي قاموس اكسفورد تشير كلمةElite الي الفئة الاجتماعية التي يعتقد أنها الأفضل والأهم بين غيرها بفضل امتلاكها السلطة أو الثروة أو مهارات عقلية مثل: النخبة الحاكمة, والنخبة المثقفة(5).
ومن هنا تعرف النخبة بأنها جماعة( أو جماعات) من الأفراد الذين لهم خصائص مميزة تجعلهم يقومون بأدوار أكثر تميزا في حياة مجتمعاتهم, ومؤشر هذا التمييز في الأدوار تأثيرهم البالغ علي مجريات الأمور وتوجيهها كما ينعكس في تأثيرهم علي عمليات صنع القرار المهمة في مختلف مجالات الحياة(6).
(2) الذاكرة التاريخية للمفهوم:
إن استخدام تعبير النخبة أو الصفوة قديم قدم المجتمع البشري نفسه' وتعود البدايات الحقيقية لمفهوم النخبة الي أعمال الفيلسوف اليوناني أفلاطون, عندما تكلم عن ضرورة أن يحكم المجتمع جماعة من الأفراد النابهين, كما تعود كذلك الي المذهب الذي تقوم عليه طائفة البراهمة, وهو مذهب ساد في الهند في فترة مبكرة من تاريخها. فضلا عن ذلك وجدت مذاهب ومعتقدات دينية عديدة عبرت بشكل أو بآخر عن النخبة حيث كان يستخدم قديما لإعلاء شأن الذات الجمعية مثل' شعب الله المختار' وإما للإشارة الي وضع مميز داخل التركيبة الاجتماعية نفسها كما نري في قوائم الفرسان وأولياء الله الصالحين وكان لذلك تأثير كبير في النظريات الاجتماعية(7).
كما تشير دراسات أخري إلي أن مفهوم النخبة استعمل ابتداء من القرن الثاني عشر, وتحولت حمولته إلي المعاني التالية مع القرن الرابع عشر, حيث أصبح يعني' المنتخب'Elu أو' المختار'Lechoisi و'الشهير أو المعروف'Eminent أو' المميز'Ledistingue, وهي صفة للشيء أو للشخص المميز ضمن مجموعة من الأشياء أو الأشخاص. وتأسيسا علي ذلك, يتم أحيانا الحديث عن' نخبة الجيش' و'نخبة المجتمع'... الخ, وسواء استعمل بشكل مفرد أو جمع, فهو يعني ما هو ضد الكتلة أو الجماهير, أي الأغلبية التي تتواجد في المراكز التحتية من التراتبية الاجتماعية. وظهرت مجموعة من الطروحات السياسية والفكرية تعارض بين الجماهير والنخب. وضمن هذا المنحي يمكن إدراج الفكر السياسي لكل من' أدموند بورك' و'جاك مولي ديبو' و'جوزيف ديميستر', و'لويس بونالد', و'توكفيل'. ويتساءل هؤلاء عن نتائج عودة الكتل إلي الساحة التاريخية, والأخطار التي يمكن أن تحملها هذه العودة علي السياسة والمعرفة. وفي رأيهم أن الزعماء الذين يمثلون أقلية في المجتمع هم القادرون وحدهم علي ضمان الحريات في مواجهة النزعة المساواتية الإطلاقية التي تتدافع الكتل بوعي أو بدون وعي من أجل إقرارها(Cool.
غير أن التصور الاجتماعي والسياسي الحديث للنخبة يرجع الي دفاع سان سيمون(SaintSimom) عن حكم العلماء ورجال الصناعة, إلا أن النخبة اتخذت معاني ومضامين متنوعة, وبالذات عندما أقر هذا الأخير مسالة الفروق الطبقية وأكد التفاوت بين الفقراء والأغنياء. وقد استخدمت كلمة النخبة(Elite) في القرن السابع عشر دلالة مغايرة لمعناها الحالي, فقد استخدمت لوصف السلع ذات النوعية الممتازة, وما لبث هذا الاستخدام أن اتسع للاشارة الي الجماعات الاجتماعية العليا كبعض الوحدات العسكرية, او المراتب العليا في النبالة(9).
وقد حلل' هليوليتي' حالة النظام السياسي الفرنسي قبل اندلاع الثورة الفرنسية في عام1789 من منظور النخبة التي أطلق عليها' الطبقة الحاكمة أو الطبقة الممتازة' التي تتكون من الملك والنبلاء والكهنة. واعتبر أفعال هؤلاء هي المسئولة أساسا عن نشوب الثورة(10). وبالرغم من ذلك يعد الاستعمال العملي والمنهجي في إطار السوسيولوجيا او العلوم السياسية أمرا حديثا نسبيا وبالتحديد في النصف الثاني من القرن التاسع عشر(11) عندما تم استخدامها لوصف السلع ذات النوعية الممتازة. وما لبث هذا الاستخدام أن اتسع للإشارة الي الجماعات الاجتماعية العليا, كبعض الوحدات العسكرية او المراتب العليا, وطبقا لقاموس اكسفورد فإن أقدم استخدام عرف لكلمة نخبة في اللغة الانجليزية كان سنة1823 حينما كانت تنطبق علي الجماعات الاجتماعية, بيد أن المصطلح لم يستخدم استخداما واسعا في الكتابات الاجتماعية والسياسية الاوروبية بوجه عام إلا في أواخر القرن التاسع عشر, وفي ثلاثينيات القرن العشرين في بريطانيا وأمريكا علي وجه الخصوص, حينما انتشر المصطلح وساد استخدامه في النظريات السوسيولوجية للنخبة(12).
(3) علاقة المفهوم بالمفاهيم الأخري:
إن مفهوم النخبة قد يتدخل في علاقات تقاطع سواء بشكل أفقي أو رأسي مع مفاهيم مختلفة, وهذا التقاطع يعبر عن أرضيات مشتركة بين هذه المفاهيم ومفهوم النخبة مثل مفهوم الجماعة ومفهوم الطبقة الحاكمة, والطبقة السياسية, والقيادة السياسية والارستقراطية, والأوليجاركية, أهل الحل والعقد, السراتية.
وعلي الرغم من تقاطع او ترادف مفهوم النخبة مع هذه المفاهيم وهو ما يثري المفهوم إلا أن الدراسات السلوكية وما بعد السلوكية قد أثرت المفهوم بأن جعلت من الممكن أن ينظر الي النخبة من منطلق التخصص والدور الذي تقوم به النخبة, وهو الأمر الذي جعل استخدام الاقتراب النخبوي في التحليل يقترب أكثر من الواقع. فنجد علي سبيل المثال النخبة الثقافية: والنخبة الاقتصادية, والنخبة الاعلامية, والنخبة البرلمانية, والنخبة الصحافية, والنخب المهنية, والنخب الرياضية... الخ حيث نجد هناك ما يشبه الإثراء للمفهوم, حيث يوجد داخل كل قطاع من هو مؤثر ويقوم بأدوار النخبة فيه ولا يستثني من ذلك قطاع دون الآخر. من هنا نلاحظ ان الابعاد الجديدة لمفهوم النخبة تتفوق علي المرادفات التقليدية للمفهوم.
أ- النخبة والجماعة:
تركز دراسات الجماعة علي مجموعات الأفراد التي تتفاعل فيما بينها سعيا نحو أهداف سياسية مشتركة. أي أن الاهتمام الأساسي ينصب علي الجماعة وليس الفرد ما دام المفترض انها تؤثر في الحياة السياسية أكثر منه. وعليه, تعد الجماعة وحدة التحليل. أما بالنسبة لمنهج النخبة, فيركز علي سلوك عدد صغير من صناع القرار وليس علي مؤسسات الحكم, ومن هنا يتحدي منهج الجماعة من حيث يبرز نفوذ وتأثير مجموعة واحدة بعينها( أي اولئك الذين يصنعون القرارات)(13).
ب- النخبة والطبقة:
التقي مفهوم الطبقة ومفهوم النخبة علي بعض المبادئ أبرزها التأكيد علي مفهوم الانقسام والتدرج, وارتكاز هذا الانقسام, والتدرج علي الثروة والسلطة والنفوذ أو المكانة ثم التأكيد علي ظاهرة الصراع التي تنبع من عدم المساواة وتغذي ديناميكيات التغيير الاجتماعي والسياسي.
أما بالنسبة لأوجه الاختلاف بين المفهومين, فيشير مفهوم النخبة الي جانب واحد من التدرج( جانب النخبة), هذا بينما يشير مفهوم الطبقة الي اكثر من خط للتدرج. انه يشير الي دراسة للمجتمع كله. وتحظي الشرائح الدنيا بنفس الاهتمام الذي تحظي به الشرائح الاخري, هذا فضلا عن أن التحليل النخبوي ينظر إلي المحكومين علي أنهم ذوو دور هامشي في الحياة السياسية علي عكس الاقتراب الطبقي الذي يري ان الحكام والمحكومين لهما دور إيجابي في الحياة السياسية, كما أن المنهج النخبوي يري ان عملية التحديث والتنمية تأتي من أعلي من القيادة علي خلاف المنهج الطبقي الذي يري أنه يمكن دراستها من أسفل( الجماهير) ومن أعلي( الحكام)(14).
يري الباحث ان اوجه الاختلاف السابق الإشارة اليها, ووفقا للمدرسة السلوكية وما بعد السلوكية ليست بهذه الدرجة من الاختلاف, حيث باتت أوجه الاختلاف هذه أوجه التقاء, حيث بات هناك خط للتدرج عن النظر الي النخبة فأصبح هناك دراسات معنية بالنخب الريفية, والنخب القبلية, والنخب النسوية... الخ. وهذا يشكل علامة التقاء مع اقتراب الطبقة بل يمكن القول انه داخل كل طبقة هناك نخبة معينة, فمثلا طبقة الفلاحين نجد هناك الأعيان من بينهم يشكلون نخبة.
ج- البرجوازيةBourgeoisie:
طبقة اجتماعية من أصحاب المهن الحرة نشأت في القرون الوسطي الأوروبية, سميت كذلك لأنهم كانوا يعيشون إما في المدن أو في( قري صغيرةBourgs) يتمتعون فيها ببعض الامتيازات. لعبت هذه الطبقة دورا هاما في إنجاح الثورة الفرنسية. وتتشكل البرجوازية من مجموع المالكين الفرديين أو الجماعيين لوسائل الإنتاج ومديري المؤسسات التجارية والصناعية والمالية, والمضاربين وكبار الملاك, وبشكل عام أولئك الذين يعيشون أساسا من العوائد الرأسمالية المرتفعة إلي حد ما. ومن الأنظمة الديمقراطية أصبحت البرجوازية تتميز بامتلاكها لوسائل الإنتاج ولسلطة اجتماعية تقوم علي مفهوم النخبة(15).
د-الأرستقراطية:
تعني كلمة الأرستقراطية لغويا حكم الأفضل, ووفقا لأرسطو تمثل الحكم الأكثر رشدا من أشكال الحكم, أي حكم الموهوبين لصالح الشعب. الا ان المعني التاريخي او التطبيق السياسي للأرستقراطية مختلف تماما, فإنها تحمل معاني النخبة والطبقة الحاكمة من حيث محدودية العدد والتميز(16).
هـ- الأوليجاركية:
لغويا تختلف الأرستقراطية والاوليجاركية, إذ تعني الأوليجاركية حكم الأقلية, أما الأرستقراطية فتعني حكم الأفضل. وقد استخدم روبرت داهل عالم الاجتماع الامريكي لفظ' الاوليجاركية' كمرادف للصفوة الحاكمة, أما موسكا فاعتبر الاوليجاركية شكلا من أشكال الطبقة الحاكمة(17).
و- القيادة السياسية:
يستخدم كثيرمن علماء الاجتماع مصطلح القيادة السياسية للدلالة علي مفهوم النخبة الحاكمة. فالقيادة السياسية هي السياسيون مثل رئيس السلطة التنفيذية, والوزراء بالاضافة إلي أعضاء البرلمان. وذلك للتفرقة بينها وبين القيادة الإدارية إو الإداريين الذين يحتلون قمة الهرم الوظيفي في جهاز الخدمة المدنية. ومع أن كلا من مفهومي القيادة والنخبة يتعلقان بجانب التوجيه في العملية السياسية, إلا أنه يجب التمييز بينهما من الناحية التحليلية, فالقيادة في جوهرها ظاهرة فردية والنخبة في أساسها ظاهرة جماعية(18).
ثانيا- تعدد مضامين المفهوم وأبعاده الجديدة:
لقد كان استخدام مفهوم النخبة منذ البداية لدي علماء الاجتماع والسياسة يحمل في داخله التنوع, حيث جاء في موسوعة العلوم الاجتماعية(19) أن المجتمعات الحديثة لا توجد بها نخبة واحدة متكاملة وإنما توجد بها أشكال من النخبة المتخصصة مرتبطة بالنظام الاجتماعي بطرق مختلفة وفقا لتخصص كل منها, لذلك فهي متنوعة فيما بينها فنجد هذه الأشكال للنخبة تتمثل في الرسامين, ورجال الأعمال, ونجوم السينما, والعلماء, حيث كل منهم مؤثر في مجال مختلف وهذه التعددية للنخبة تعكس وتقوي خاصية التعدد في المجتمعات الحديثة. وقد انعكس ذلك في افكار كل من سانت سيمون1807 وأيضا باريتو في عام1902 ومانهايم في عام.1935
فمصطلح النخبة كان يقصد هؤلاء المفكرون به أشكالا مختلفة وفقا للوظائف والمواقع التي يتخذها كل شكل من أشكال النخبة داخل المجتمع حيث إن العامل المهم الذي قد يميزهم عن غيرهم مواهبهم والمهارات والقدرات التي يملكونها فضلا عن الوزن الاجتماعي الذي يحظون به اكثر من غيرهم نتيجة تأثير أنشطتهم داخل المجتمع. وهذه الميزة التي يتمتع بها هؤلاء الافراد ويتركون بها تأثيرهم داخل المجتمع تجعلنا نطلق عليهم وفقا لهذا العامل النخبة الاستراتيجية التي تأخذ علي عاتقها عملية التأثير والتغيير داخل المجتمع(20).
من هنا تتدرج النخب عبر المستويات المختلفة للبناء الاجتماعي السياسي, بدءا من النخبة السياسية الحاكمة ومرورا بما يمكن أن نطلق عليه النخب الوسيطة( كجماعة المثقفين والعلماء علي سبيل المثال لا الحصر) وانتهاء بالنخب المحلية علي مستوي المدن الصغيرة والقري(21). ورغم أن هذا التدرج في تركيب النخب من المركزية إلي المحلية هو التصنيف الأكثر شيوعا. إلا أن ثمة تصنيفات أخري كأن نصنف النخب حسب المجالات او النطاقات التي تظهر فيها, فنقول نخبة اقتصادية, وأخري فنية, وثالثة مهنية, ورابعة سياسية, أو كأن نصنف النخب وفقا لوظائفها أو وفقا لنظم المجتمع المختلفة, أو كأن نصنفها الي نخب سياسية ونخب غير سياسية علي اعتبار أن النخب السياسية هي تلك الجماعات الأكثر تأثيرا في القرارات السياسية الهامة, بينما يكون للنخب غير السياسية تأثير في مجالات الحياة الأخري(22).
1- النخبة.. ما بين السياق السياسي والسياق الاجتماعي:
ينظر إلي النخب السياسة علي أنها تختلف في طبيعة تأثيرها وفقا لما تتمتع به من قوة ونفوذ. لذلك فان أقوي هذه النخب وأشدها نفوذا هي تلك النخبة التي نطلق عليها' النخبة المركزية' والتي تتكون من كبار رجال الدولة في أجهزتها التنفيذية والتشريعية والقضائية. وتدور في فلك هذه النخبة المركزية نخب سياسية واجتماعية عديدة, ومن النخب السياسية: النخب الحربية التي تتكون من قادة الأحزاب الرئيسية, والأحزاب التي في طور التشكيل, والنخب السياسية في المدن والقري المكونة من الزعماء المحليين وأعضاء المجالس المحلية والقادة المحليين.
ولقد طرأت حديثا عدة تغيرات علي مفهوم النخبة, فلقد اتسع المفهوم اتساعا كبيرا بحيث لم يعد مقصورا علي النخب السياسية فحسب, وإنما أصبح يضم ايضا فئات كثيرة وكبيرة, وجاء ذلك علي أيدي السلوكيين وعلي رأسهم روبرت دال, حيث قد افسحت الصياغات النظرية المحدثة مكانا لمفهوم النخب المتعددة وذلك من منطلق الفهم, فينطلق من فهم تعددي للحياة الاجتماعية والذي يفترض أن القوة موزعة علي كل الجماعات دون أن تحتكرها جماعة واحدة. واتضح مفهوم النخب المتعددة بشكل جلي في دراسة سوزان كيلر المنشورة عام1963 والتي افترضت فيها وجود نخب استراتيجية في ميادين الحياة المختلفة في الاقتصاد والسياسة والثقافة والمجتمع المدني, ولكل واحدة من هذه النخب وظيفة في ميدان وجودها. فلقد أصبح بمقدورنا الآن أن نتحدث عن نخب ثقافية ونخب اجتماعية تعمل في نطاق المجتمع المدني, وفي الميدان الثقافي دون أن تصل الي سدة الحكم. فالجماعات التي تحمل لواء الثقافة وتدافع عنها, وتلك التي تقود الصياغات الثقافية الحاكمة وكذلك الجماعات الرائدة في مجال حقوق الإنسان وفي مجال الدفاع عن البيئة أو الأسرة... الخ كل تلك الجماعات تتضافر جهودها مع جهود النخب الاستراتيجية في المجال الاقتصادي والنخب الاستراتيجية في المجال السياسي من أجل أن يعمل المجتمع في نسق فعال. وانطلقت من هنا دراسات النخبة من شرنقة دائرة النفوذ السياسي الي مجال أوسع وأرحب تمثل دائرة النفوذ الاجتماعي والثقافي. وأصبح في إمكاننا دراسة النخب في مجالات متعددة في القرية والمدينة والمؤسسة والتنظيم وفي المجال المدني بشكل عام(23).
ومن هنا نلحظ ان مفهوم النخبة قد يتعدد, الأمر الذي يجعل استخدام اقتراب النخبة لا يقتصر فقط علي دراسة النخبة السياسية في قمة الهرم السياسي وإنما من الممكن استخدام هذا الاقتراب في دراسة النخبة في كل مستويات الهرم السياسي والاجتماعي بدءا من قاعدته الي قمته. وذلك انطلاقا من أن أي تكوين اجتماعي بشري لا يخلو من نخبة او صفوة موجودة فيه تمتلك قدرات ومواصفات وامكانيات خاصة تميزها عن غيرها ومن ثم يظهر تأثيرها في النطاق الاجتماعي التي توجد فيه. قد يكون هذا النطاق قرية: العمدة وأعيان القرية علي سبيل المثال, أو قبيلة شيخ القبيلة ورؤوس العائلات, او في المدينة نفسها.. وهذا التعدد والتنوع للمفهوم نجد له مستويات مختلفة قد تأخذ شكلا أفقيا في تأثيرها وقد تأخذ شكلا رأسيا, أو بمعني آخر أن هناك نخبا لها تأثيراتها ووصايتها عن الحيز الاجتماعي الذي توجد فيه, القرية والقبيلة علي سبيل المثال. وهناك من النخب من تتعدي تأثيراتها الأفقية والرأسية معا وهي النخب التي تستند علي الصيت والشهرة مثل النخبة الفنية والنخبة المتعلقة بالرياضيين وبالأخص الذين يتمتعون بالشهرة, حيث إن شهرة هؤلاء جعلتهم نخبة بالسمعة والصيت اللذين يحظيان به داخل شريحة عريضة من المجتمع وهي في هذه الحالة تتعدي في شهرتها كل الأوساط الاجتماعية العليا والدنيا.
ومن هنا فإن اتساع مفهوم النخبة يساعد في اتساع نطاق الدراسة داخل المجتمع. فيمكن من خلال اقتراب النخبة دراسة ديناميكية المجتمع عن طريق التركيز علي النخبة بالشكل الذي تظهر فيه في التنظيمات السياسية والمجتمعية سواء الرسمي منها أو غير الرسمي. فالمجتمع يضم خليطا من النخب المهنية( قادة النقابات) والمدنية( قادة المؤسسات الطوعية وجماعات الضبط السياسي) والنسوية( النساء النشيطات في مجال الحقل النسوي), والدينية( كبار رجال الدين), والطلابية( قادة الطلاب ورواد الأنشطة الجامعية) وثمة تداخل كبير بين هذه النخب وبعضها البعض وبين النخب السياسية. ومن ثم فإن تصنيفا للنخب لا يكون جامعا مانعا بحال من الأحوال(24), حيث في مقابل الرأي الذي يركز علي النخبة السياسية هناك اتجاه آخر قاده كل من سان سيمون, وكارلهايم, وريمون ارون, ورايت ميلز أكد فيه أصحابه علي وجود اشكال متعددة من النخب تعمل بشكل مشترك( نخبة عسكرية, نخبة اقتصادية, وسياسية) فالمجتمع بحسب هذا الرأي الأخير ينتج ويفرز بالإضافة الي النخب السياسية نخبا أخري. غير أن الأخيرة لا تحظي بممارسة أدوار سياسية كبري. ويعتقد البعض أن الفرق الأساسي بين النخبة السياسية وباقي النخب يكمن في كون الأولي تتمتع بمجموعة من الصلاحيات تجعلها هي المقررة الأولي للمجتمع بحيث تختار له توجهاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية أحيانا بما يجعل سلطاتها واسعة وتأثيرها محدودا. أما النخب الأخري فإنها تمارس نفوذها وسلطتها داخل مجالاتها الخاصة, دون أن تستطيع التأثير علي التوجهات السياسية بشكل قوي وفعال(25).
2- شبكة المفاهيم المرتبطة بمفهوم النخبة:
يهدف الباحث من تحديد ورسم شبكة المفاهيم المرتبطة بمفهوم النخبة إلي تحديد العلاقات فيما بينها وأيهما يكون هو المفهوم الأشمل الذي تتضمن وتتفرع عنه المفاهيم الأخري.
فاذا كان المجتمع هو الحقل البحثي الذي تتوزع فيه شبكة المفاهيم فأي هذه المفاهيم التي يمكن ان يكون هو مفهوم القاعدة التي يمكن من خلالها أن تتفرع عنها مفاهيم أخري وأيهما الذي يمكن أن يأخذ الشكل المضاد للآخر, حيث إن إظهار العلاقة بين المفاهيم وبعضها البعض لا يقتصر علي مناطق التشابه, ولكن يشمل التضاد والتناقض. فعلي قدر ما أن هناك سمات مشتركة علي قدر ما أن هناك سمات تدخل في باب الاختلاف. فمثلا مفهوم النخبة قد يشترك مع مفهوم الجماعة في أنه يشير الي مجموعة من الافراد داخل المجتمع إلا أنه يختلف كل منهما عن الآخر من حيث معايير الكم والكيفية. فمفهوم النخبة يشير إلي عدد محدود ومميز وذي صفات استثنائية.
بمعني آخر ان مفهوم النخبة يمكن استخلاصه من مفهوم الجماعة. فإذا كنا علي سبيل المثال نشير الي مفهوم الجماعة بالجماعة المثقفة المصرية فهذا سوف يشمل كل ما يدخل فيها من المثقفين. أما عندما يتم الاشارة الي النخبة المثقفة, ففي هذه الحالة سوف تحدث عملية انتقاء من داخل الجماعة لأبرز عناصرها المميزة في الصفات والقدرات ونطلق عليها النخبة المثقفة المصرية. نفس الأمر ينطبق علي مفهوم الطبقة حيث في كل طبقة يمكن الحديث عن نخبة مؤثرة. كما أن المفهوم قد يتداخل ويصبح مرادفا لمفاهيم أخري مثل النفوذ, والثروة, والقوة. ومن هنا في هذا الاطار سوف يتم تقسيم المفاهيم التي ترتبط بمفهوم النخبة إلي أربع شرائح.
اولا- المفاهيم التي تتقابل مع المفهوم في منطقة مشتركة: مفهوم الطبقة, ومفهوم الجماعة... الخ.
ثانيا- المفاهيم المرادفة للمفهوم: مفهوم الأقلية, ومفهوم القيادة... الخ.
ثالثا- المفاهيم المضادة: مفهوم الأغلبية, ومفهوم المهمشين... الخ.
رابعا- المفاهيم التي تشكل ركائز لمفهوم النخبة: مفهوم القوة, والمكانة الاجتماعية, والنفوذ, والثروة... الخ.
ثالثا- التعريف النظري لمفهوم النخبة السياسية:
ترجع صعوبة التعريف النظري لكثير من المفاهيم في مجال العلوم الاجتماعية, ومنها مفهوم النخبة الحاكمة الي مصدرين أساسيين: المصدر الأول هو غموض المفهوم حيث تستخدم الكلمات ذاتها للدلالة علي معان مختلفة, ويرجع ذلك الي استخدام المفهوم عبر أزمنة متعددة وفي ظل أطر ثقافية وفكرية واجتماعية مختلفة. والمصدر الثاني هو التباس معاني ودلالة بعض الكلمات حيث تستخدم كلمات مختلفة للدلالة علي ذات المعني.
ويتم التغلب علي مشكلة غموض مفهوم النخبة الحاكمة والتباسه بفحص المصطلحات المستخدمة في الأدبيات كمرادفات لكلمة النخبة الحاكمة وتحليل مكوناتها المختلفة.. ومن استعراض عدد من الكتابات عن الظاهرة موضع البحث يتضح بجلاء تعدد المعاني التي تستخدم نفس التعبير للدلالة عليها. فيعرف هارولد لاسويل' النخبة السياسية' بأنها تشمل الحائزين للقوة في الجسد السياسي وهم القادة والتكوينات الاجتماعية التي أتي منها هؤلاء القادة والذين يتحملون مسئولية تجاهها خلال جيل محدد. فالنخبة السياسية هي قمة طبقة القوة, ويعرفها سي رايت ميلز: تتكون نخبة القوة من رجال في مناصب تسمح لهم بصنع قرارات لها نتائج وآثار كبري, انهم قمة تنظيمات المجتمع الحديث. اما روبرت داهل فيعرف النخبة الحاكمة بأنها جماعة ضبط وتوجيه أقلية من الأفراد تسود دائما تفضيلاتهم بصدد القضايا السياسية الكبري في المجتمع. كما يري جيمس ميلز إطلاق لفظ النخبة علي أي جماعة قيادية صغيرة(26).
ووفقا للتعريفات السابقة نلاحظ أن هناك مسميات مختلفة للدلالة علي ذات المفهوم. ومن ثم سوف نحاول فيما يلي تعريف مفهوم النخبة وفقا للاتجاهات النظرية المختلفة.
1- الاتجاه التنظيمي:
ويمثله موسكا وروبرت ميشلز, ويذهب هذا الاتجاه الي ان النخبة تمتلك القوة لقدراتها التنظيمية والدقة في تقدير مصادر القوة في المجتمع(27). حيث يري موسكا أن وضع النخبةElitePosition هو نتيجة حيازة اعضائها شيئا ما يقدره المجتمع: ثروة أو مكانة دينة... الخ. الا ان الفضل في قوة وسيطرة النخبة يعود بالدرجة الاولي الي ما لديها من قدرات تنظيمية كبيرة, اي الي قدرتها علي التماسك في مواجهة القوي الاخري في المجتمع. ويري موسكا ان صغر حجم الصفوة وبساطة وسائل الاتصال المتوافرة لديها يمنحانها هذه المقدرة التنظيمية العالية. وهي, لهذا تستطيع وضع السياسات واتخاذ القرارات بسرعة, والاستجابة الفورية للظروف المتغيرة والظهور بمظهر التضامن الكامل في أقوالها وأفعالها, أما الأغلبية فهي غير منظمة وتضم أفرادا ليس لهم هدف مشترك او نظام اتصال معروف او سياسات متفق عليها(28).
وقد طور' ميشلز' من الاتجاه التنظيمي الذي يتفق مع' موسكا' علي ان جوهر قوة النخبة يكمن في قدرتها العالية علي التماسك والتنظيم ولكنه اختلف معه حول بعض القضايا, من أهمها مجال استخدام النخبة. فبينما استخدم' موسكا' مفهوم النخبة بالمعني الواسع كظاهرة مفسرة للتاريخ, اهتم' ميشلز' بدراسة خصائص وتشكيل النخب في التنظيمات الكبيرة الحجم مثل الاحزاب والنقابات. فيري' ميشلز' ان كل التنظيمات الاجتماعية تتطلب وجود نخبة او قيادة لعدة أسباب, منها أسباب فنية وهي تقسيم العمل وتعقد الأعمال الإدارية مما يستلزم الحاجة الي المعرفة المتخصصة, وأسباب بيئية مثل كبر حجم التنظيم وصعوبة الاتصال بين الرؤساء والمرؤوسين والحاجة الي سرعة اتخاذ القرار. وأسباب نفسية وهي حاجة المرؤوسين الي زعامة قوية وثابتة وقادرة علي قيادتهم. وتدفع هذه الأسباب مجتمعة الي تركز القوة داخل التنظيمات في أيدي عدد من القادة, وتؤدي حاجة المرؤوسين إليهم الي اعتقادهم بأنهم يمتلكون صفات ذاتية استثنائية مما يقوي ايضا من سلطتهم داخل التنظيم. كما يميز استخدام' ميشلز' لمفهوم النخبة تركيزه علي أهمية البعد الزمني, فالنخبة ليست أقلية من الشعب تحكم في تنظيم كبير ولكن اقلية لا تتغير عبر الزمن وهو ما أطلق عليه' القانون الحديدي للأوليجاركية' فهو حكم الأقلية عبر فترات تاريخية وليست عبر فترة زمنية محدودة, فبقاء نفس الأشخاص في مواقع السلطة لفترات طويلة يسمح لهم بتملك أدوات القوة(29).
2- الاتجاه السيكولوجي:
وهذا الاتجاه تمثله كتابات باريتو(Pareto) الذي اعتبر مبحث النخبة قسما جديدا من أقسام علم الاجتماع ومجالاته, فحاول إقامته مستندا إلي أبعاد سيكولوجية خالصة, فالنخبة لديه ليست نتاجا لقوي اقتصادية كما يذهب ماركس, ولا تستند في قوتها الي قدراتها التنظيمية علي نحو ما ذهب موسكا وميشيلز, ولكنها نتاج لما أطلق عليه' الخصائص الانسانية الثابتة غير التاريخية'(30).
حيث ان باريتو ينطلق مفهومه للنخبة من البناء الفكري لطبيعة الإنسان وبيئة المجتمع, ففكرته عن البشر أنهم غير متساوين سواء في القوة الجسمانية أو في الذكاء او الإرادة وغير ذلك من الخصائص. اما بيئة المجتمع فيتحكم فيها قانون الندرة في الموارد البشرية والمادية ويتم الاستغلال الأمثل لهذه الموارد النادرة عن طريق حكم غير القادرين علي استخدام مواهبهم لتحقيق أعلي معدلات الفاعلية والأداء. فيعتبر حكم الاقلية عند باريتو هو الطريق الأمثل الذي يمكن المجتمع من التغلب والاستفادة من عدم العدالة في توزيع الموارد(31).
وقد عرض باريتو افكاره هذه في كتابه' العقل والمجتمع' وتبعا له تتكون النخبة من الاشخاص البارزين في كافة ميادين النشاط الانساني. وهو بذلك فهم النخبة بصورة أكثر شمولا واتساعا من فهم' موسكا' لها كما راي باريتو وعلي خلاف موسكا أن النخبة ليست نتاجا لمهارات تنظيمية وإنما لصفات إنسانية او عوامل نفسية وتنظيمية.. وفي هذا الإطار قد ميز باريتو بين النخبة التي تشمل اولئك الذين يشغلون المراكز القيادية في مختلف ميادين الحياة وبين غير النخبة. ثم قسم النخبة الي فريقين: الاول: نخبة حاكمةGoverningElite وهي التي تلعب دروا كبيرا في عملية الحكم إما بطريق مباشر أو غير مباشر. الثاني: نخبة غير حاكمةNon-governingElite تضم الاشخاص المرموقين في ميادين لا صلة لها بالعمل السياسي(32). وقد استخدم باريتو مفهوم الرواسبResidues التي هي بمثابة انعكاس للميول الفطرية الإنسانية, وهذه الرواسب صنفها الي مجموعتين الاولي: الرواسب التي تعكس الميل الي التأمل والتفكير. والأخري الرواسب التي تعكس الميل الي البقاء والنظام والاستقرار, حيث قد يسود النوع الاول من الرواسب لدي بعض افراد المجتمع, وهؤلاء هم أهل الذكاء والمكر, بينما يسود النوع الثاني من الرواسب لدي أفراد آخرين وهؤلاء هم أهل القوة والنظام. وتحتاج السياسة الي كلا النوعين من الرواسب, فهي جزئيا مسألة اقناع وجزئيا مسألة قوة. ويتوقف نمط الحكم في أي وقت علي ما إذا كانت الصفوة الحاكمة تضم أفرادا تسود لديهم رواسب النوع الأول أو أفرادا تسود عندهم رواسب النوع الثاني. في الحالة الأولي تحكم الصفوة عن طريق الاقناع والترغيب, انها تبتكر الأيديولوجيات لجذب الجماهير, وتتخذ سياسات لمواجهة الأزمات