اتجاهات إعداد الدولة والقوات المسلحة للدفاع «1» - اليمن نموذجا-
الأربعاء, 21 نوفمبر 2012
العميد الركن/ عبدالله محمد الدداء
1. إن مفهوم الأمن القومي لم يعد شعاراً يرفع في المناسبات المختلفة لاستثارة الهمم أو لتبرير بعض الإجراءات الاستثنائية التي قد تضطر لها دولة من الدول، بل أصبح ميداناً واسعاً للدراسات السياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية والجيوبولوتيكية، وهذا النمط من تهيئة العوامل المختلفة سمي بالاصطلاح العسكري (إعداد الدولة للدفاع). 2. ثمة سمات يتميز بها وطننا العربي الكبير تكسبه أهمية بالغة, وتجعله بحق من أهم وأخطر مناطق العالم, لاحتوائهِ على مخزونٍ هائلٍ من الطاقة، ولموقعهِ الاستراتيجي للمواصلات والتحركات الدولية, وتبعاً لذلك فهو عرضة للعديد من التحديات والتهديدات التي تستوجب الإعداد لمواجهتها, ولو أنعمنا النظر حول إعداد الدولة للدفاع في معظم الدول العربية، لوجدناها استعدادات متواضعة- مع تفاوت يسير- رغم اقتناع قادتها باحتمال وقوع صراع مسلح في أية لحظة، في حين أن الواقع والتجارب تؤكد بأن درء ومواجهة المخاطر لا يمكن أن يتحقق دون إعداد الدولة إعداداً كاملاً ومبكراً يتضمن جميع عناصرها, ينطلق من قناعات متجذرة لدى المعنيين بأن الإعداد ليس خيارا, بل هو ضرورة وطنية, وأنه يهدف في النهاية إلى تحقيق الأمن الوطني للبلاد, كما أن الإعداد على نحو ما ألمحنا إليه ليس كافياً ما لم تؤازره إرادة سياسية راسخة لمتخذي القرار بضرورة تحقيق ذلك وممارسته وتطبيقه, وليس ثمة تعسف أو مبالغة القول أن الأمر يتلاشى عندما يقف عدم التطبيق عائقاً في سبيل تحقيقه وممارسته واقعاً معاشاً.
3. تتمثل إشكالية الدراسة في تحديد اتجاهات إعداد الدولة والقوات المسلحة للدفاع وهل هنالك علاقة بين اتجاهات إعداد الدولة وإعداد القوات المسلحة؟ وما هو دور أجهزة الدولة المختلفة في الإعداد للدفاع؟ وما مقدار إسهامات أجهزة الدولة المختلفة في الإعداد على أرض الواقع كما هو موجود في أكثر بلدان العالم؟.
4. تكمن أهمية ورقة العمل هذه وتنبع من أهمية موضوعها كونه أحد الموضوعات الحيوية والمهمة الذي يتناول بالمناقشة مسألة على جانب كبير من الأهمية ألاَ وهو إعداد الدولة والقوات المسلحة للدفاع, وتتعاظم أهمية الورقة بتعاظم أهمية موضوع الندوة ((إعادة هيكلة القوات المسلحة اليمنية)) حيث يمثل- في جوهره- أهمية بالغة في الوقت الراهن, وبات يحظى باهتمام بالغ ويشغل قدراًً كبيراً من الاهتمام محلياً, وأضحى محل اهتمام لدى المهتمين بالشأن اليمني, إقليمياً ودولياً.
5. اعتماداً على موضوع الورقة ودرجة أهميتها فإن الدراسة تهدف إلى بيان وتحديد اتجاهات إعداد الدولة والقوات المسلحة للدفاع ومناقشة وتحليل عناصرها ومكوناتها كما تهدف الدراسة في النهاية- في محاولة من الباحث- إلى تقديم رؤية مقترحة لأفضل أسلوب لإعداد الدولة والقوات المسلحة اليمنية للدفاع. معتمداً على المنهج الوصفي لبيان وتحديد الاتجاهات والمنهج الاستنباطي في الرؤية المقترحة. وارتباطاً بما تقدم فقد تمت مناقشة موضوع الورقة من خلال ثلاثة محاور, المحور الأول تضمن مدخل عام لموضوع الدراسة, وخُصص المحور الثاني لبيان وتحديد اتجاهات إعداد الدولة والقوات المسلحة للدفاع, وتضمن محورها الثالث الرؤية المقترحة.
6. لعله من الضروري هنا قبل الشروع في تناول الموضوع أن نشير إلى ما يلي:
أ. تركز اهتمام الدراسة حول إبراز الجوانب والمسائل الهامة التي تمثل في حقيقتها- من وجهة نظر الباحث- أمراً أساسياً ومحورياً, يعود بالفائدة على موضوع الإعداد ويلامس جوهرها, وأغفلت الدراسة العديد من المسائل إلاّ في حدود ما تدعو الحاجة إليه, وبما يحقق في النهاية هدف الدراسة.
ب. ثمة أمر آخر جدير بالملاحظة وهو أن إعداد القوات المسلحة للدفاع في الأساس يندرج ضمن عناصر إعداد الدولة للدفاع واتجاهاتها, وتبعاً لذلك, سيتم بحث اتجاهات إعداد الدولة للدفاع بضمنها إعداد القوات المسلحة كأحد بنودها, وبالتالي سينال هذا الأخير قدراً كافياً من الإيضاح- تحت عنوان مستقل- وهو اتجاهات إعداد القوات المسلحة للدفاع.
7. التأثيرات على إعداد الدولة والقوات المسلحة للدفاع
أ. هنالك عناصر تؤثر على إعداد الدولة للدفاع وهي ذاتها التي تؤثر علي إعداد القوات المسلحة للدفاع, في ثنايا كل عنصر من العناصر تأثيره ولكن بدرجات متفاوتة وذلك على النحو التالي:
(1) الهدف السياسي العسكري والأهداف الإستراتيجية
تؤثر بالدرجة الأولى على إعداد القوات المسلحة وإدارة السياسة الخارجية، إضافة إلى تأثيرها على إعداد أجهزة الدولة وإعداد الشعب, وإن عدم وجود الإحساس بالخطر المنتظر يشكل عبأً كبيراً على أجهزة الدولة نحو إقناع الشعب بأهمية إعداد الدولة للدفاع.
(2) الإمكانيات الاقتصادية للدولة
ثمة مؤثرات جمة اقتصادية تؤثر بالدرجة الأولى على إعداد القوات المسلحة، يليها إعداد أراضى الدولة كمسرح للعمليات الحربية، ثم على إعداد الشعب, أبرزها: ضعف الاستثمارات والإدارة, ونقص الموارد وضعف الأداء الاقتصادي, وارتفاع نسبة البطالة والغلاء (ارتفاع الأسعار) وعدم ضبط الأسواق, وعدم المشاركة الجدية للقطاع الخاص في دعم الاقتصاد الوطن-ي- كل ذلك وغيره كثير- سلبيات تنعكس كلها وبدرجات متفاوتة على إعداد الدولة للدفاع.
(3) الطاقة البشرية ومستوياتها التعليمية والصحية
هنالك مشكلات اجتماعية عديدة في المجتمع اليمني تؤثر سلباً بالدرجة الأولى على إعداد الشعب وعلى إعداد القوات المسلحة، ثم على إعداد أجهزة الدولة, أهمها: ضعف دخل الفرد وضعف المستوى التعليمي والصحي, وضعف مستوى الخطاب الإعلامي والديني, وضعف الوعي البيئي والأمني وازدياد الاستهلاك الترفي, وضعف بعض القيم الأسرية وضعف أخلاقيات العمل, وضعف الأبحاث والتخصصات العلمية والزيادة السكانية.
(4) التطور في الأسلحة والمعدات, وقوة وتسليح العدو المنتظر, والتطور في التكتيكات والعمليات الحربية
بالنظر إلى تأثير هذه العناصر الثلاثة سنجدها تؤثر في المقام الأول على إعداد القوات المسلحة, وعلى إعداد أراضي الدولة كمسرح للعمليات، وعلى إعداد الشعب والإعداد التكنولوجي, فضعف المستوى العلمي والتكنولوجي للشعب وأجهزة الدولة للدفاع يعد من أشد المؤثرات على التقدم العلمي, وبالتالي على تطور أجهزة الدولة وأفراد الشعب, وينعكس سلباً حالة قيام الصراع المسلح على كل عناصر إعداد الدولة للدفاع.
(5) مدى اقتناع القادة وأجهزة الدولة بإعدادها للدفاع, ومدى قدرة مختلف أجهزة الدولة على تنفيذ/متابعة/تقويم جهود إعداد الدولة للدفاع.
يؤثر هذان العنصران بالدرجة الأولى على إعداد أجهزة الدولة، يليها التأثير على إعداد القوات المسلحة، ثم التأثير على إدارة السياسة الخارجية بما يتلاءم مع أهداف الدولة السياسية والعسكرية, حيث أن توفر القناعة أو عدم توافرها لدى القيادات في مختلف أجهزة الدولة- في مقدمة ذلك دون أدنى شك القيادات السياسية والعسكرية- كذلك القول فيما يتعلق بقوتها أو بضعف قدرتها على الاضطلاع بدورها يمثلان في حقيقة الأمر محور وجوهر الأمر كله,, حيث سيؤثران ذلك بلا ريب- في حالة كهذه أو تلك- سلباً أو إيجاباً على العناصر الثلاثة سالفة الذكر, بل يمكنها التأثير على عملية الإعداد في مجملها.
ب. هنالك عنصرين أخريين يمكن إضافتهما إلى المؤثرات السابقة وهما:
(1) الواقع الحالي لعناصر إعداد الدولة للدفاع.
(2) التصنيف الدولي الراهن للدولة, في ضوء المتغيرات والتحولات الإقليمية الدولية.
- اتجاهات إعداد الدولة والقوات المسلحة للدفاع
- اتجاهات إعداد الدولة للدفاع
8. مفهوم وأسس إعداد الدولة للدفاع
أ. مفهوم إعداد الدولة للدفاع.
(1) إن مفهوم إعداد الدولة للدفاع, يشير إلى ضخامة الجهد المبذول, وهو ما يتطلب مشاركة أجهزة ومؤسسات عديدة في الدولة فيه, واشتراك القيادات, بكل مستوياتها, ومشاركة الشعب بمختلف طوائفه, وإنفاق المال والجهد, واستخدام كل الإمكانيات المتاحة والطاقات الممكنة, الفعالة والكامنة في كافة أبعاد قوى الدولة المادية والمعنوية.
(2) الإعداد- لغة- هو التأهب والتهيؤ، يقال: ما أٌعد لأمرٍ يحدث، مثل التأهب لهذا الأمر، بالإعداد له. ويقال أَعْدَدَتُ للأمرِ عِدَّتَهُ، بمعنى تهيأت لمواجهة هذا الأمر بما يناسبه.
(3) جاء في تعريف مصطلح “إعداد الدولة للدفاع” وعلى نحو أكثر بساطة، على أنه “جميع التدابير والإجراءات والجهود، التي تتخذها الدولة زمن السلم، في سبيل تحقيق خاتمة مظفرة للصراع المسلح”.
(4) ووفقاً لهذا المفهوم فإن جوهر إعداد الدولة للدفاع هو (علم وفن) تطوير وإعداد واستخدام القدرات الاقتصادية والعسكرية والمعنوية والاجتماعية والسياسية والدبلوماسية والتكنولوجية والإعلامية للدولة لصالح تنمية وتطوير قدراتها الدفاعية، لتكون قادرة على تحقيق متطلبات الأمن القومي, وبالتالي قادرة على تحقيق النصر في أسرع وقت وبأقل خسائر ممكنه، وذلك في إطار تحقيق الأهداف والغايات العليا للدولة. وهو ما يعني- ضمناً- ضرورة التطوير لما سبق إعداده كلما تغيرت واستجدت المعطيات والمؤثرات.
(5) تأسيساً على ما سبق واعتماداً عليه فإن مفهوم “إعداد الجمهورية اليمنية للدفاع” هو قدرة الدولة على تلبية متطلبات القوات المسلحة للحرب...ولكنه الآن يعني “ تطوير واستخدام قدرات الدولة الشاملة لتحقيق متطلبات القوات المسلحة سلماً وحرباً وما بعد الحرب وتحقيق متطلبات الدولة أيضا “
(6) أي بمعني أوسع واشمل “ قدرة الدولة في تنمية مواردها الشاملة لتلبية متطلبات الصراعات المنتظرة بما يحقق أهداف الأمن القومي.
ب. أسس إعداد الدولة للدفاع
رغم اختلاف الظروف الموضوعية التي تحكم عملية إعداد كل دولة من الدول لإعداد نفسها للدفاع، فإنه بشكل عام يمكن عند إعداد الدولة للدفاع اعتماد الأسس والمبادئ التالية:
(1) من المعروف بداهة أن درء المخاطر وصد العدوان, وتحقيق النصر وإحرازه في أي صراع كان, لم يكن ليحدث أو ليتحقق إلا بإعدادٍ مبني على أسس علمية سليمة مع توفير كافة الإمكانيات وبذل أقصى جهد لتحقيق النصر.
(2) من اللازم أن ينجز الإعداد في الوقت المناسب, حتى لا تفاجأ الدولة بالعدوان عليها من حيث لا تحتسب, أو تتورط في صراع دون أن تحسب له حساب أو تعد له عُدة (الإعداد اللازم وفي الوقت المناسب).
(3) إن إعداد الدولة ليست مجموعة من الإجراءات تتم وتنفذ, ومن ثم تنتهي بانتهاء ظروف ومبررات ذلك الإعداد, أو أنها مرتبطة بتوقيت محدد, بل هي عملية مستمرة وممتدة تساير وتواكب التطورات المختلفة, وتلاحق الأحداث والمتغيرات وتتابعها, بل وتسبقها لتستعد لها.
(5) إن إعداد الدولة عملية متكاملة وشاملة، فهي ليست مسؤولية جهة أو جهاز معين في الدولة أو نشاط منفرد لبعضها, بل هي عملية تتعاون في تحقيقها جميع أجهزة ومؤسسات الدولة طبقا لخطة شاملة ومدروسة بعمق, ومسايرة لواقع وطبيعة الدول ذاتها ومحققة لغايتها وأهدافها.
(6) إن عملية الإعداد تتوقف أساساً على طبيعة الصراع المنتظر, مما يحتم النظر العميق والواعي, والدراسة الشاملة للأحداث الدولية والإقليمية, وبصفة خاصة ما قد يؤثر منها على موقف الدولة, مع التحديد الدقيق لغايتها وأهدافها وسياساتها, وبالتالي الإعداد بصورة سليمة وناجحة لدرء المخاطر ومواجهتها.
9. العوامل المؤثرة على إعداد الدولة للدفاع تتلخص في الآتي:
أ. المتغيرات والتوازنات والتكتلات العالمية والإقليمية وأهدافها ومصالحها بالمنطقة.
ب. طبيعة ونوع التحديات والتهديدات المنتظرة.
ج-. طبيعة وأبعاد الحرب المقبلة. وأوجه التطور في مجال المعلومات والتسليح.
د. قدرة وكفاءة وإمكانيات ودرجة استعداد القوات المسلحة على تحقيق التوازن مع القوى المضادة.
ه-. طبيعة مسرح العمليات المقبل والمجال الحيوي, وانعكاس ذلك على بناء وتطوير القوات المسلحة من حيث الحجم والنوعية.
و. موقف وتقييم القوى الشاملة للدولة (السياسية, الاقتصادية, العسكرية, الاجتماعية, التكنولوجية, الثقافية, المعنوية) ومدى تحقيق التفوق أو التوازن مع القوى المضادة.
ز. الإرادة الوطنية وروح التحدي, واستقلالية القرار (السياسي, العسكري).
ح. القدرة على مواجهة الصراع الحديث بمختلف صوره (الاجتماعي, الثقافي, الأيديولوجي, التكنولوجي).
01. اتجاهات ومحاور إعداد الدولة للدفاع أ. ببحث العناصر المتعلقة بإعداد الدولة للدفاع ومكوناته, يمكننا القول بصفة عامة أن اتجاهات إعداد الدولة للدفاع تتضمن إعداد ما يلي:
(1) الإعداد السياسي للجمهورية اليمنية للدفاع (إدارة السياسة الخارجية اليمنية بما يتلاءم وأهداف الدولة السياسية والعسكرية)
(أ) يتركز حول إعداد الرأي العام العالمي وتحقيق الصفة الشرعية الدولية لصالح قضايا الدولة والعمل على إضعاف موقف وقدرات العدو السياسية والاقتصادية والعسكرية.
(ب) إن إدارة السياسة الخارجية للدولة تعد من أهم العوامل التي تؤثر في إعداد الدولة للدفاع ككل. بل لعلها اللبنة الأولى في الأعداد والتي يدور حولها أو على أساسها باقي نواحي الإعداد, خاصة وأن الهدف السياسي للدولة هو المنبر الأساسي الذي على أساسه تصدر وتبنى جميع الأهداف الأخرى للدولة (الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والحضارية).
(2) إعداد القوات المسلحة وأراضي الجمهورية اليمنية للدفاع.
يتمحور إعداد القوات المسلحة اليمنية في مجالات عدة أهمها: (التنظيم,التسليح,التدريب,التخطيط) باعتبارها الأداة الرئيسية للدفاع عن الدولة, كما يتأتى إعداد أراضي الجمهورية اليمنية للدفاع بتوفير الظروف المناسبة لسرعة الفتح الإستراتيجي والتعبوي طبقاً لأسبقيات اتجاهات التهديد المحتملة مع تحقيق التأمين المادي والمعنوي للقوات المسلحة.
(3) الإعداد الاقتصادي للجمهورية اليمنية للدفاع.
(أ) بات معلوماً لدى المهتمين والمعنيين بشأن إعداد الدولة للدفاع أن الاقتصاد القومي هو المؤثر الرئيسي على محاور واتجاهات إعداد الدولة للدفاع, فكلما زادت معدلات التنمية والإنتاج كلما زاد الدخل القومي, وبالتالي زادت إمكانات تخصيص الموارد المالية اللازمة لتطوير وبناء إعداد الدولة للدفاع, خاصة القوات المسلحة التي هي معنية- بالدرجة الأولى- في الحفاظ على كيان الدولة وبقائها, يتم ذلك ويتأتى من خلال تعظيم القدرة الاقتصادية, وتحقيق النمو في ظل الظروف الحالية والمتغيرات المتوقعة في العلاقات الدولية وذلك بإعداد شتى المكونات الاقتصادية للدولة.
(ب) وأن مشكلة إعداد اقتصاديات الدولة للدفاع سوف تنشأ طبقاً لعدة اعتبارات داخلية وخارجية كما يلي:
((1)) الاعتبارات الداخلية. تتعلق بمستوى الدولة وكيانها وهيكلها وإمكانياتها الاقتصادية, وهذا يعني ببساطة نظامها الاقتصادي العام والأجهزة المهيمنة عليه.
((2)) الاعتبارات الخارجية. وتتعلق بطبيعة الحرب المقبلة ونطاقها (أبعادها المختلفة) وموقف الدول المعادية والصديقة وأثر سياسات هذه الدول على الدولة المعنية اقتصادياً.
(ج) نخلص من كل ما سبق أن الاقتصاد القومي من أهم العناصر المؤثرة بدرجة عالية في إعداد الدولة للدفاع عن أراضيها وأمنها وأيضا إعدادها لمواجهة أي حرب تفرض عليها وأن التخطيط الاقتصادي بالضرورة من أهم عوامل نجاح الاقتصاد القومي في مواجهة متطلبات إعداد الدولة واستعدادها في الوقت المناسب وبأنسب أسلوب وبأقل خسائر اقتصادية.
(4) إعداد الشعب.
من المعلوم بداهة أن الموارد البشرية (القوة البشرية) تعد من الأهمية بمكان, والتي تعنى بها الدول وتوليها عظيم اهتمامها, باعتبارها من أهم دعائم ومتطلبات التنمية الشاملة, وبالتالي- ومن المنظور ذاته للأهمية- فإن إعداد الشعب في إطار إعداد الدولة للدفاع يتمتع بنفس القدر من الأهمية, وهو يعني غرس وترسيخ وتعميق مفهوم الانتماء والولاء الوطني, والإيمان بعدالة قضايا الدولة, والقدرة على توجيه ذلك والاستفادة منه, لتصبح تلك المعاني وتتحول إلى قوة فاعلة لإدارة عملية الإنتاج, وتلبية احتياجات القوات المسلحة مادياً, وتعضيدها معنوياً أثناء التوترات وإدارة الأزمات والصراعات.
(5) إعداد أجهزة الدولة:
يقصد به إعداد سلطات ومؤسسات الدولة وأجهزتها المختلفة بما يضمن الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة, واستمرار سيطرتها على نشاطاتها المختلفة وتلبيتها لمطالب الشعب وقواته المسلحة معاً, ويتضمن إعداد أجهزة الدولة النواحي الآتية:
(أ) إعداد الجهاز الكفء القادر على التخطيط ووضع الخطة الشاملة الأساسية لإعداد الدولة والخطط المرحلية ورسم السياسات الإستراتيجية التخصصية وتحديد أهدافها وإصدار التوجيهات اللازمة للأجهزة التنفيذية ثم متابعة ومراقبة عملية التنفيذ مع الاستعداد لتطوير الخطط وتعديلها وإضافة ما يستجد عليها طبقاً لتطورات المواقف المختلفة.
(ب) تحديد المسئوليات التفصيلية لكل جهاز من أجهزة الدول-ة وكذا أسلوب التعاون بينها وأسلوب السيطرة الكاملة للقيادة السياسية عليها جميعاً.
(ج) إعداد كل جهاز من أجهزة الدولة نفسها للعمل تحت ظروف الحرب ويشمل ذلك وضع الخطط التفصيلية والفرعية الخاصة به لتنفيذ مطالب المجهود الحربي والشعب مع القدرة على التنفيذ والحركة والسيطرة تحت ظروف المعركة وإنشاء غرف العمليات اللازمة لذلك مع وضع الخطط التبادلية لمواجهة أي مطالب أو مواقف مفاجئة.
(6) إعداد الدولة تكنولوجياً لمواكبة الثورة في الشئون العسكرية.
يتحقق ذلك بتلبية مطالب التطور التكنولوجي المبني على التخطيط العلمي في شتى المجالات, بما يحقق التفوق أو التوازن بين الدولة وقواتها المسلحة, وما يواجهها من مخاطر, وبالتالي تتسنى المحافظة على أمن وسلامة الدولة.
ب. تعتمد الجمهورية اليمنية في تحضيرها وإعدادها للدفاع على إمكاناتها وقدراتها البشرية والاقتصادية والعلمية والتقنية والثقافية، بما في ذلك حجم وإمكانيات قواتها المسلحة، لأن إعداد الدولة للدفاع- كما مر معنا- هو عمل متكامل لا يقتصر على جهة أو قطاع بمعزل عن قطاعات وأجهزة مؤسسات الدولة الأخرى، بل ت-نفذه عناصر قوى الدولة الشاملة بالكامل، ويتطور هذا العمل تبعاً للتحولات السياسية، وتطورات الموقف وعلاقاتها مع الدول الأخرى، آخذة بعين الاعتبار دعم ومساندة الدول العربية الشقيقة.
اتجاهات إعداد القوات المسلحة للدفاع
11. غني عن البيان بأن إعداد القوات المسلحة- نظراً لأهميته- يحتل مكانة مركزية في التفكير الإستراتيجي السياسي والعسكري وذلك للاعتبارات التالية:
أ. يمثل إعداد القوات المسلحة المحور الأساسي والمحرك الرئيسي لباقي اتجاهات إعداد الدولة للدفاع.
ب. تعد القوات المسلحة أهم ما تملكه الدولة من قدرات وطاقات ذاتية, لعِظمِ وجسامةِ المهمة الملقاة على عاتقها, فهي الدرع الواقي والحصن المنيع للدولة ضد أي عدوان قد يقع عليها, والأداة الفاعلة في الحفاظ على أمن وسلامة واستقلال أراضيها.
ج-. إلى جانب أن إعداد القوات المسلحة يُعدُ تجسيداً فعلياً وترجمةً حقيقية للمبدأ والمفهوم العام لإعداد القوة “ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل......الآية”, ووفقاً لهذا المفهوم فإنَّ الإعدادَ للقوة يعد فريضة شرعية وضرورة واقعية, ذلك يستوجب على الدولة أن تولي إعداد القوات المسلحة للدفاع جُل اهتمامها- ليس ذلك وحسب- بل ينبغي أن يحتل القمة في سلم أولوياتها.
12. من المعلوم بأنَّ العبء في إعداد القوات المسلحة لا يقع على أجهزة وزارة الدفاع بمفردها, وإن كانت تقوم بالجزء الأكبر منه, بل إن جميع مؤسسات وأجهزة الدولة يجب أن تشترك وتساهم في هذا الإعداد, وتعمل جاهدة على تلبية وتوفير مطالبه ليصبح البناء والإعداد متكاملاً, وعلى أسس متينة وراسخة.
13. تعتنق اليمن إستراتيجية عسكرية ذات صبغة دفاعية تتوافق مع أهدافها القومية وإمكانياتها الاقتصادية, وتؤمن لقواتها المسلحة ولشعبها قوة الردع التي تجعل أي طامع في أراضيها أو النيل من استقلالها أن يفكر مرات قبل الإقدام على أي عدوان