الكتاب:الحرب والتغيير في السياسة العالمية تأليف: روبرت غيلبن ترجمة: عمر سعيد الأيوبي الناشر: دار الكتاب العربي 2009
الكتاب دراسة تحاول وضع إطار فكري يحلل مشكلة التغيير في السياسة العالمية واثر الحرب انطلاقا من منهجين للتنظير (اجتماعي واقتصادي).
والكتاب رحلة في مجال العلاقات بين التجمعات السياسية التي شكلها البشر (النظام الدولي) ودهاليزه حيث يحاول الكاتب عبر دراسته هذه وضع تعريفات أو الخروج بمقولات لهذه العلاقات الدولية التي ينشأ منها النظام الدولي قارئا حالة الفوضى والصراع التي تقود إلى تغيير الوضع السياسي العالمي.
يسعى الكاتب الإجابة عن أسئلة عديدة تظهر كلما حدث اضطراب نتيجة التطورات المعاصرة وهذه الأسئلة هي:
"كيف يحدث التغيير على مستوى العلاقات الدولية، وما الظروف التي يحدث فيها؟ ما الأدوار التي تلعبها التطورات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية في إحداث التغيير في النظم الدولية؟ أين يكمن خطر الصراع العسكري الحاد في أوقات الاضطراب الاقتصادي والسياسي السريع؟ والاهم كله هل الإجابات المستقاة من تفحص الماضي صالحة للعالم المعاصر؟".
تشخص الدراسة ان علم السياسة أهمل مسألة التغيير السياسي واعتبرها طارئة وقتية في حين عندما نجري قراءة للتاريخ نجد ان فترات السلام دائما تكون اقل من حالة الاضطراب والفوضى التي تقود حتما إلى التغيير، واعتمد علم السياسة في تحليله على الساكن الذي من السهل أثبات مقولاته كما يقول (غيلبن)، لكنه لم يقدم دراسة جدية في تحليل المتحرك ويضيف (غيلبن) قائلا "من هذا المنظور فان الدراسات المنهجية للعلاقات الدولية مجال فتي وكثير مما يعتبر قوة محركة ما هو في الحقيقة سوى جهود لفهم سكونيات تفاعلات نظم دولية معينة"
ينطلق الكاتب من تفسيره للعلاقات الدولية على إنها شبيه بالنظام الاجتماعي والسياسي وهي المقولة التي يطرحها الكاتب (النظام الدولي ينشأ لنفس الأسباب التي ينشأ من اجلها أي نظام اجتماعي سياسي).
ويضع إطار لفهم التغيير السياسي الدولي الذي يوجزه بعدد من الافتراضات وهي:
1-يكون النظام الدولي مستقرا (أي في حالة توازن) إذا لم تعتقد أي دولة بان من الأفضل محاولة تغيير النظام.
2- ستحاول دولة ما تغيير النظام الدولي إذا كانت المنافع المتوقعة تزيد على التكاليف المتوقعة (أي إذا كانت هناك مزايا محددة متوقعة).
3- ستسعى دولة ما إلى تغيير النظام الدولي عن طريق التوسع الإقليمي والسياسي والاقتصادي حتى تتساوى التكاليف الحدية لأي تغيير إضافي مع المنافع الحدية أو تزيد عليها.
4- عندما يتم التوصل إلى توازن بين التكاليف والمزيد من التغيير والتوسع ومنافعه يصبح هناك ميل لان ترتفع التكاليف الاقتصادية للمحافظة على الوضع الراهن بصورة أسرع من القدرة الاقتصادية على دعم الوضع الراهن.
5- إذا لم يحل انعدام التوازن في النظام الدولي سيتغير هذا النظام وينشأ توازن جديد يعكس إعادة توزيع القوى.
وهذه الافتراضات مرهونة بمصالح المسيطرين، لكن هناك صراع بين مجموعتين سياسيتين في تحديد هذه المصالح، أو أولوية هذه المصالح، التقليديون والحداثيون، حيث يذكر في الكتاب قائلا "يرى الأولون وهم واقعيون سياسيون أساسا ان الأمن القومي والسلطة كانا في الماضي ولا يزالا في الحاضر الأهداف الأساسية للدول، غير ان الحداثيين يردون بأنه أيا تكن صحة ذلك في الماضي فان تحقيق الاستقرار الاقتصادي الداخلي وضمان رفاه السكان أصبحا أهم أهداف الدول في العالم المعاصر".
ويرى (غيلبن) ان المجموعتين حرفا القضية لأنه لا يمكن وضع الأهداف في ترتيب هرمي فمصالح الدول تقوم أساسا على المقايضة "ان كل عمل أو قرار ينطوي على المقايضة".
وكي يدرك (غيلبن) النظام الدولي فانه يقسمه إلى ثلاث جوانب أساسية:
أولا/ الكيانات المتعددة والتي يمكن أن تكون عمليات أو هياكل أو جهات.
ثانيا/ التفاعلات المنتظمة وهنا تتباين طبيعة هذه التفاعلات وانتظامها وشدتها والمربوطة بنظام اتصالات غير المتواترة بين الدول.
ثالثا/ أشكال السيطرة وفي هذا الجانب يذهب اغلب المهتمين (الكتاب) "ان من التناقض التحدث عن السيطرة على النظام".
ويعتبر (غيلبن) ان هذه مقولة مركزية في دراسته.
ويؤكد الكاتب ان أمريكا لم تعد تمتلك القدرة على حكم النظام (النظام الدولي) رغما عن كونها لا تزال الدولة المهيمنة والأكثر هيبة، لكن غيلبن يشخص ان أمريكا في تراجع، كون تكاليف الاستمرار بقيادة النظام أصبحت تفوق قدرتها.
"سعت الولايات المتحدة، عبر التراجع السياسي والعسكري إلى خفض التزاماتها الدولية مثلما فعلت بريطانيا العظمى في العقود التي سبقت نشوب الحرب العالمية الأولى"
بالطبع هذه الاستنتاجات صاغها المؤلف في نهاية القرن الواحد والعشرين، وعلى القارئ تفحص (مقولات) الدراسة عبر إجرائه مقارنة تحليلية للأحداث في نهاية القرن (20) وبداية القرن (21).
والحكم على صحة (مقولات) الدراسة يحددها القارئ بعد قراءة الكتاب.