منتدى قالمة للعلوم السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم .. أخي الزائر الكريم ..أهلآ وسهلآ بك في منتداك ( منتدى قالمة للعلوم سياسية ) إحدى المنتديات المتواضعة في عالم المنتديات والتي تزهو بالعلم الشرعي والمعرفة والفكر والثقافة .. نتمنى لكم قضاء أسعد الأوقات وأطيبها .. نتشرف بتسجيلك فيه لتصبح أحد أعضاءه الأعزاء وننتظر إسهاماتكم ومشاركاتكم النافعة وحضوركم وتفاعلكم المثمر .. كما نتمنى أن تتسع صفحات منتدانا لحروف قلمكم ووميض عطائكم .. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه , وجنبكم ما يبغضه ويأباه. مع فائق وأجل تقديري وإعتزازي وإحترامي سلفآ .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . المشرف العام
منتدى قالمة للعلوم السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم .. أخي الزائر الكريم ..أهلآ وسهلآ بك في منتداك ( منتدى قالمة للعلوم سياسية ) إحدى المنتديات المتواضعة في عالم المنتديات والتي تزهو بالعلم الشرعي والمعرفة والفكر والثقافة .. نتمنى لكم قضاء أسعد الأوقات وأطيبها .. نتشرف بتسجيلك فيه لتصبح أحد أعضاءه الأعزاء وننتظر إسهاماتكم ومشاركاتكم النافعة وحضوركم وتفاعلكم المثمر .. كما نتمنى أن تتسع صفحات منتدانا لحروف قلمكم ووميض عطائكم .. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه , وجنبكم ما يبغضه ويأباه. مع فائق وأجل تقديري وإعتزازي وإحترامي سلفآ .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . المشرف العام
منتدى قالمة للعلوم السياسية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولصفحتنا عبر الفيسبوكمركز تحميل لكل الإمتدادات
منتدى قالمة للعلوم السياسية يرحب بكم
تنبيه:إن القائمين على المنتدى لا يتحملون أي مسؤولية عن ما ينشره الأعضاء،وعليه كل من يلاحظ مخالفات للقانون أو الآداب العامة أن يبلغ المشرف العام للمنتدى ، أو بتبليغ ضمن قسم اقتراحات وانشغالات
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» امتحان تاريخ الفكر السياسي جانفي 2024م
التنمية السياسية : Emptyمن طرف salim 1979 الثلاثاء يناير 16, 2024 8:08 pm

» عام ينقضي واستمرارية في المنتدى
التنمية السياسية : Emptyمن طرف salim 1979 السبت مايو 27, 2023 1:33 pm

» الإقرار وفق القانون الجزائري
التنمية السياسية : Emptyمن طرف salim 1979 الخميس مايو 11, 2023 12:00 pm

» امتحان تاريخ العلاقات الدولية جانفي 2023
التنمية السياسية : Emptyمن طرف salim 1979 الجمعة يناير 20, 2023 10:10 pm

» امتحان تاريخ الفكر السياسي جانفي 2023
التنمية السياسية : Emptyمن طرف salim 1979 الأربعاء يناير 11, 2023 9:15 pm

» كتاب : المؤسسات السياسية والقانون الدستورى
التنمية السياسية : Emptyمن طرف ammar64 الثلاثاء نوفمبر 08, 2022 10:47 pm

» الفكر السياسي عند الرومان
التنمية السياسية : Emptyمن طرف salim 1979 الأحد أكتوبر 16, 2022 7:32 am

» الفكر السياسي الاغريقي بعد أفلاطون
التنمية السياسية : Emptyمن طرف salim 1979 الأحد أكتوبر 16, 2022 7:31 am

» الفكر السياسي الاغريقي
التنمية السياسية : Emptyمن طرف salim 1979 الأحد أكتوبر 16, 2022 7:29 am

أنت زائر للمنتدى رقم

.: 12465387 :.

يمنع النسخ
التنمية السياسية : Ql00p.com-2be8ccbbee

 

 التنمية السياسية :

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
عبدو مخلوف
عضو فعال
عضو فعال
عبدو مخلوف


تاريخ الميلاد : 28/06/1991
العمر : 32
الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 153
نقاط : 447
تاريخ التسجيل : 08/11/2012
الموقع : abdouoppj@yahoo.fr
العمل/الترفيه : طالب + ممارسة الفنون القتالية

التنمية السياسية : Empty
مُساهمةموضوع: التنمية السياسية :   التنمية السياسية : Emptyالخميس ديسمبر 13, 2012 9:47 pm

التنمية السياسية :
نظرة في المفاهيم والنظريات
د. صالح بلحاج
جامعة الجزائر
تميزت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، في جملة ما ميزها، بسمتين بارزتين، الأولى هي تصاعد حركات التحرر الوطني واستقلال عدد متزايد من البلدان التي شكلت ما عرف لاحقا بدول العالم الثالث، والسمة الثانية هي انقسام العالم إلى معسكرين، أحدهما اشتراكي بزعامة الاتحاد السوفيتي، والآخر ليبرالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وبين المعسكرين صراع وتنافس في مجالات مختلفة ومنها عمل كل منهما على جذب البلدان الحديثة العهد بالاستقلال إليه. في الوقت نفسه أدركت هذه البلدان حقيقة أوضاعها المتخلفة وضرورة مواجهة تحدي التنمية وتقليص الفارق بينها وبين البلدان المتقدمة في شتى المجالات. بالنظر إلى ضخامة الإمكانيات اللازمة لتحقيق التنمية في هذه البلدان اتضح بسرعة أنها بحاجة إلى "مساعدة" الدول التي سبقتها في التقدم والقوة وعلى رأسها الولايات المتحدة وأوروبا والاتحاد السوفيتي.
في هذا السياق الدولي المتميز إذاً بوجود بلدان متقدمة تسعى من أجل الهيمنة ونشر نموذجها الاقتصادي والاجتماعي والإيديولوجي والحضاري بوجه عام، وبلدان متخلفة تبحث عن نفسها وعن السبل والإمكانيات اللازمة لتحقيق تقدمها، واتفاق بين الجميع ـ الأقوياء والضعفاء معاً ـ على أن التنمية الاقتصادية شرط لا غنى عنه للخروج من التخلف، واتفاق عام أيضا على حاجة العالم الثالث إلى "مساعدة" الغرب أو الشرق حسب الحالة، بدأ اهتمام علماء الاقتصاد والسياسة بتطور العالم الثالث وظهرت الدراسات والأبحاث والنظريات عن التنمية الاقتصادية في وقت أول. ثم إنه سرعان ما تبين أن التنمية الاقتصادية ينبغي أن تكون في جميع الميادين، الاقتصادي والاجتماعي والسياسي معاً، خاصة وأنه كان قد ظهر تفاوت كبير بين الجهود المبذولة من قبل البلدان النامية في ميدان التنمية الاقتصادية من جهة وفي المجال السياسي من جهة أخرى، وتأخر الثاني عن الأول، وكان تمسك قطبي العالم المتطور شديداً بتصدير نموذجهما السياسي. وهكذا، على غرار التنمية الاقتصادية، ظهر مفهوم "التنمية السياسية" وصارت أبحاث التنمية السياسية ونظرياتها حقلا من حقول علم السياسة.
منذ البداية إذاً كانت العلاقة قوية بين نظريات التنمية السياسية وواقع النظام السياسي العالمي، وستظل هكذا إلى وقتنا الحاضر، فالمقولات والمصطلحات والانشغالات التي تكوّن هذه النظريات تعكس واقع النظام المذكور وتطوراته، فبعد انهيار المعسكر الاشتراكي وظهور الأحادية القطبية سيصبح الحديث عن التنمية السياسية حديثا عن كيفيات التحول إلى الديموقراطية وبنائها.
أولا : مفهوم التنمية السياسية
"التنمية السياسية" مفهوم شديد الغموض لأكثر من سبب. أولا لأنه كثيرا ما يقع الخلط بينه وبين مفاهيم أخرى قريبة منه، وربما رآها البعض مرادفة له مثل التحديث السياسي، والانفتاح السياسي، والإصلاح السياسي، والانتقال السياسي، والديموقراطية. وثانيا لأنه يضم مفاهيم فرعية غامضة بدورها، مفاهيم سياسية وإيديولوجية وأخلاقية وفلسفية غير قابلة للقياس الدقيق والملاحظة العلمية، مثل العدل والمساواة والقدرة وغيرها. السبب الثالث، وفيه يتجلى غموض المفهوم أكثر من غيره، هو تعدد التعاريف التي وضعت للتنمية السياسية واختلافها، وجزئيتها أحيانا وعموميتها وتجريدها في أحيان أخرى.
تعاريف متعددة
وضعت تعاريف عدة تفوق الثمانية لمفهوم التنمية السياسية ؛ فمنهم من ركز على العلاقات الاجتماعية والروابط السياسية في المجتمع، العلاقات بين الناس والعلاقات بين المؤسسات الحكومية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والعلاقات بين هذه وأولئك. ومنهم من ركز على بنية الأجهزة والهياكل السياسية وطبيعتها ومكانتها ودورها في الدولة، ومنهم من اهتم خاصة بقدرات النظام السياسي وفعالية الأداء الحكومي، ومنهم من أولى عنايته لاستقرار النظام السياسي وشرعيته في المجتمع. وهكذا ظهرت تعاريف كثيرة فيها القصير والطويل يمكن اختصار مضمونها في :
التنمية السياسية هي نماذج العلاقات بين الناس من خلال المؤسسات الحكومية السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
التنمية السياسية هي زيادة المساواة وقدرة النظام السياسي وتمايز البنى السياسية .
النظام المتطور سياسيا هو الذي يواجه بنجاح الضرورات الوظيفية لكل نظام سياسي وهي عند بعضهم وضع رموز سياسية متغيرة ورموز لتوطيد الهوية الوطنية، وبنية مركزية قانونية وسياسية، وقنوات لتنظيم الصراع السياسي .
التنمية السياسية هي قدرة النظام على التعامل مع بيئته الداخلية والخارجية.
التنمية السياسية هي قدرة النخبة الحاكمة على تحقيق التنمية.
التنمية السياسية هي عملية بناء الديموقراطية.
في العقد الأخير من القرن الماضي وإلى اليوم هيمن موضوع الديموقراطية على انشغالات الساحة السياسية الدولية وعلى أبحاث علماء السياسية وظهر "علم التحول الديموقراطي وتوطيد الديموقراطية" حتى إن التنمية السياسية احتجبت من اللغة السياسية الراهنة وأصبحت مرادفة لبناء الديموقراطية وبات قياسها يتم بالخطوات التي تخطوها الدول غير الديموقراطية في هذا البناء.
إيديولوجية المفهوم
بنظرة سريعة إلى المصطلحات وصفات النظام السياسي الواردة في هذه التعاريف ندرك أنها سمات ملازمة حقا أو منسوبة إلى نظام الديموقراطيات الغربية. فالمساواة والقدرة العالية على الأداء، وتمايز البنى السياسية والاستقرار والشرعية، والاضطلاع الجيد بالضرورات الوظيفية للنظام السياسي والعلاقات الحديثة في المجتمع وفي المؤسسات، والثقافة السياسية التعددية وثقافة المواطنة، والقدرة الجيدة للنظام في تعامله مع البيئة الداخلية والخارجية، وعلى إشباع حاجات المجتمع، وتنظيم قنوات الصراع السياسي القائم على التفاوض والمساواة، وفض الخلافات بطرق سلمية، و"المساواة" و"العدالة الاجتماعية"، هذه كلها صفات حقيقية أو مفترضة لأنظمة الديموقراطيات الغربية.
الشحنة الإيديولوجية للمفهوم تظهر في التعاريف المقدمة، فهي ليست نظرية سياسية علمية موضوعية مكتفية بتفسير واقع، وإنما هي تفسر هذا الواقع بنظرة معينة، تقترح اتجاها وتوحي بعمل لتطوير الأنظمة السياسية بما يتفق مع هذه النظرة، نظرة أصحاب التعاريف القائمة على افتراض أن النظام المتطور هو نظامهم.
مصطلحات أخلاقية وفلسفية غير قابلة للقياس
العدالة، والمساواة، والقدرة، والاستقرار، والشرعية، هذه المفاهيم المترددة بكثرة في تحديدات التنمية السياسية ليست دقيقة، تنقصها المقاييس العلمية والموضوعية لأن دلالتها تختلف باختلاف المجتمعات، واختلاف نظرة الباحث والمحلل، وهي غير قابلة للتقدير في جميع الحالات بمقياس واحد.
المساواة : لم يتمكن علماء السياسة من وضع مقياس دقيق للمساواة عند تطبيقها على النظام السياسي. ما معنى المساواة من جهة التنمية السياسية ؟ مساواة في الحقوق أم في توزيع الدخل أم في إمكانيات القيام الفعلي بنشاطات سياسية أم في الكفاءة والجدارة أم في فرص صعود درجات السلم الاجتماعي ؟ وما هي دلالة المساواة في مجتمع معين ؟ ثم ماذا عن البعد الدولي للمساواة ؟ هل هي مساواة بين المواطنين فقط أم مساواة بين جميع البشر، بين الشعوب والأمم أيضا ؟ والعدوان على الأمم والشعوب، هل هو متفق مع المساواة أم مخالف لها ؟
ومفهوم القدرة غامض كذلك. ما هي مثلا قدرة النظام الأمريكي في النزاعات الدولية ؟ وقدرة الأنظمة الاستبدادية في التعامل مع المعارضة ؟ وهل المقصود قدرة النظام على إشباع حاجات المواطنين أم قدرته على التحكم في المطالب بالحيلولة دون تراكمها وتحولها إلى انقسامات تضاعف الصراعات وتهدد الاستقرار، أم قدرته على إدماج مختلف الجماعات المتصارعة في عملية تسوية تعددية قائمة على المساواة والحوار لفض الخلافات سلميا ومنح مختلف الأطراف نصيبا معينا من السلطة لتحقيق مطالبه ؟
من ناحية أخرى، يلاحظ أن متغيرات العدالة والمساواة والقدرة والاستقرار والشرعية ليست متلازمة، ولا يستلزم بعضها البعض الآخر منها بالضرورة. فالواقع يدل على أن الفوارق في نظام معين قد تكون صارخة، وقدرته ضعيفة وعجزه كبيرا، ويكون مع ذلك نظاما مستقرا حائزا على قبول الناس ورضائهم أي نظاما شرعيا. وهناك أنظمة ذات قدرة لا بأس بها في المجال المادي، مستقرة وشرعية، لكنها استبدادية وقدرتها شبه معدومة في ميدان الحقوق والحريات. كيف نحكم عليها من نظر التنمية السياسية بتطبيق مفهوم القدرة ؟
مفهوم مطاطي
من التعاريف العديدة لمفهوم التنمية السياسية والأشياء الكثيرة التي اشتمل عليها يتبين أنه مفهوم مطاطي، واسع للغاية، وهذا ليس من صفات المفهوم العلمي. فالمفهوم العلمي ينبغي أن يكون واضحا، وضيقا نسبيا ليتم التعرف بسهولة على الأشياء التي توضع فيه، أما المفهوم الغامض، الواسع الذي يضم أشياء كثيرة ـ في موضوعنا هذا تقريبا جميع متغيرات النظام السياسي وخصائصه ـ فتكون قدرته التفسيرية والتحليلية ضعيفة. المفهوم الذي يدل على كل شيء لا يدل دلالة واضحة على أي شيء.
ولعل هذا الغموض والاتساع في المفهوم هو السبب في أن دراسات التنمية السياسية لما أتت إلى تصنيف الأنظمة السياسية وضعتها في فئات واسعة وغامضة بدورها، فميزت الأنظمة الغربية المتطورة سياسيا وسمتها "نظام المصالحة" وأنظمة العالم الأخرى، وهي على قولها في طور "المجتمعات الانتقالية"، المنقسمة بدورها إلى "أنظمة الأتوقراطيات التحديثية" و"أنظمة التعبئة". وهناك أيضا تصنيف آخر نجده في أبحاث التنمية السياسية ميز بين "الأنظمة التعددية" و"الأنظمة التقليدية" و"أنظمة التعبئة" و"الأنظمة العسكرية". وقسم دافيد أبتر، D. Apter، من جهته الأنظمة السياسية إلى أربعة "نماذج مثالية" هي الأنظمة التيوقراطية والأنظمة التعبوية وأنظمة المصالحة، والأنظمة البيروقراطية، بالنظر إلى خصائصها المعيارية والبنيوية.
لاشك أن كل واحد من هذه المفاهيم يشير إلى خصائص الأنظمة التي يقع عليها غير أنها من ناحية أخرى تظل واسعة بما يجعلها غير كافية لتحليل جميع الأنظمة الملموسة التي يطبق عليها المفهوم، ذلك أن كلا من هذه الفئات يضم عددا كبيرا من الأنظمة الملموسة، مختلفة فيما بينها من نواحي عديدة رغم اجتماعها في عدد من الخصائص المبررة لوضع المفهوم، من هذا مثلا فئة الأنظمة العسكرية، فهي تضم عشرات من الأنظمة على قدر من الاختلاف فيما بينها، وينبغي لتحليلها أكثر من السمات التي سجلتها تصنيفات التنمية السياسية.
ثانيا : نظريات التنمية السياسية
في حقل التنمية السياسية ظهرت نظريات لم تثبت صحة أي منها بصورة تامة ومقنعة، تعرض بعضها للنقد في وقت ظهورها أو بعده، وتمت مراجعة بعضها أو مناقضته من قبل أصحاب النظريات أنفسهم. من هذه النظريات نذكر : في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي كانت النظريات الأكثر رواجا هي "نظرية التحديث" ونظرية التنمية الاقتصادية، ونظرية الثقافة السياسية ؛ وابتداء من نهاية الثمانينيات خاصة صار الحديث مركزا على "نظريات التحول الديموقراطي" وبناء الديموقراطية بوجه عام، وفي مقدمتها نظرية "الديموقراطية أولا" ونظرية "الاختيار العقلاني". وحدث هذا في ارتباط وثيق مع تطورات الوضع الدولي خاصة في العالم الثالث وفي المعسكر الاشتراكي سابقا. في ما يلي نلقي نظرة على كل من النظريات المذكورة.
نظرية التحديث
الإطار الفكري العام لهذه النظرية يقوم على تقسيم المجتمعات إلى "مجتمعات تقليدية" هي المجتمعات المتخلفة و"مجتمعات حديثة" هي البلدان المتطورة، والإيمان بتصور خطي مستقيم وحتمي للتطور التاريخي يسير بالمجتمعات من التقليد إلى الحداثة، وهو المقابل الليبرالي للنظرية الماركسية القائلة آنذاك بوجود حتمية تاريخية أخرى تنتقل بموجبها المجتمعات الرأسمالية إلى الاشتراكية. إلى جانب هذا السياق النظري العام تتميز نظرية التحديث بسمتين هما العمومية والشمول، لأن التحديث مفهوم شامل يتناول التنمية السياسية في حركية واحدة شاملة للمجتمع بأسره من دون التركيز على المجتمع السياسي وحده. والسمة الأخرى أن نظرية التحديث تركز على العوامل الخارجية من حيث أنها على قول أصحابها تقوم بدور كبير في نقل المجتمعات المعنية من التقليد إلى الحداثة، وتحقيق التنمية السياسية نتيجة لذلك.
في عرض هذه النظرية شدد أشهر القائلين بها وهو دافيد أبتر، D. Apter، على التفريق بين التنمية والتحديث . فالتنمية تقتضي أنّ عملية التصنيع يتبعها وينجم عنها تغير في مبادئ التدرج الاجتماعي وفي توزيع المراكز والأدوار الاجتماعية، بصورة عقلانية متدرجة تنقل المجتمع من التقليد إلى الحداثة عبر مراحل متتالية تختلف فيما بينها من حيث مبادئ التدرج الاجتماعي وفي توزيع المراكز والأدوار الاجتماعية السائدة في كل منها إلى أن تبلغ الطور الأخير، طور الحداثة المتميز بسمات المجتمع الغربي الحديث، يكون فيه بفعل عوامل متعددة على رأسها الحراك الاجتماعي انتماء الأفراد غير معتمد فقط على العلاقة بوسائل الإنتاج، بل تحدده أيضا الإقامة وأساليب الترفيه والتسلية والقيم المادية الاستهلاكية والمعنوية الأخلاقية، وبصفة عامة سلسلة من "مصالح مرتبطة بالمراكز الاجتماعية" تؤدي إلى تشكيل "مجموعات مصلحية متخصصة". عندئذ يتجه الوعي الطبقي نحو الزوال ويسود "نظام وظيفي" أو "مهني" تكون فيه النخب مجتمعة بـ "مركز وظيفي متخصص" تحدده الكفاءات والتعليم والتربية ونوعية التكوين والقيم المرتبطة بكل هذا، وهي كلها من خصائص الحداثة.
أما التحديث السياسي فهو عند أنصار المذهب التنموي "نقل الأدوار المهنية والتقنية والإدارية... والمؤسسات كالمدارس والمستشفيات والشركات مثلا إلى مجتمعات غير صناعية". ومقتضى التحديث في هذه النظرية أنه "تحت تأثير مجتمع صناعي تظهر أدوار اجتماعية في مجتمع غير صناعي". هذه الأدوار أنتجها المجتمع الصناعي واستوردتها المجتمعات السائرة في طريق التحديث. في هذه الأخيرة تقوم الأدوار والمؤسسات المستوردة بدور تجديدي ريادي استراتيجي، وتكمن أهميتها الاستراتيجية في أنها آتية من عالم خارجي متطور ولأن المجتمع غير المتطور بحاجة إليها لتحقيق تنميته .
في عملية التنمية هناك انتقال تدريجي، وأدوار المجتمع الحديث ومؤسساته تأتي بعد سلسلة من الأطوار أما في عملية التحديث فهناك "حرق المراحل" حيث تصير هذه الأدوار مهيمنة ومتقدمة على تطور قوى الإنتاج وعلى التنمية المادية للمجتمع، ومع ذلك فهي بنظر القائلين بها مفيدة وضرورية لأنها حاملة للتجديد والانتقال إلى الحداثة.
انطلاقا من هذا التصور رأى دافيد أبتر في الاستعمار "قوة تحديثية" و"نموذجا صار التحديث بواسطته كونيا" . بعد استقلال المستعمرات ودخول العالم الثالث مرحلة التنمية، ليس سرا أن في هذه النظرية دعوة إلى التصنيع وتوسيع التعاون التقني والثقافي وبشكل عام تكثيف الوجود الغربي في هذه البلدان باعتباره ضروريا للمجتمعات "التقليدية" السائرة في طريق التصنيع والنمو الاقتصادي، وكذلك التحديث الاجتماعي والسياسي على ما أعلنه أصحاب النظرية.
بعد عقود من التصنيع والبرامج التنموية، و"نقل التكنولوجيا" و"المساعدة التقنية" وطواف المتعاقدين التقنيين الأجانب في البلدان النامية، ودفعات الطلبة من هذه للتكوين في البلدان المتطورة، ما هي حصيلة التحديث ؟ لاشك أن أثره في نقل المجتمع باتجاه الحداثة يختلف من بلد إلى آخر وأن تقدير حجم التحديث الحاصل في كل بلد يحتاج إلى دراسات خاصة بكل منها، لكن بوجه الإجمال لا نظن أن أحدا باستطاعته أن يقول إن التحديث قد حقق التنمية الاجتماعية والسياسية في البلدان غير المتطورة. في البلدان العربية على وجه الخصوص لم تتأثر الأنظمة السياسية بالتحديث ولم تحدث فيها التنمية السياسية بأي وجه من الوجوه.
مدرسة الثقافة السياسية
أشهر الباحثين وواضعي مقولات هذه المدرسة غابرييل ألموند المنتمي في الوقت نفسه إلى المدرسة الوظيفية في العلوم السياسية. يعتقد ألموند أن أي ثقافة من الثقافات تضم ثلاثة جوانب، جانب معرفي يتعلق بمعارف المرء عن النظام السياسي، وجانب شعوري يخص التعلق الشخصي بالقادة والمؤسسات، وجانب تقييمي يشمل الأحكام والآراء التقييمية عن الظواهر السياسية. ومنه يمكن تعريف الثقافة السياسية بأنها عند هذا المنظّر مجموع ما يملكه الفرد من معارف عن النظام السياسي، ومشاعر إيجابية أو سلبية نحو القادة والمؤسسات وأحكام تقييمية بشأن الظواهر والعمليات السياسية. وهناك تعريف آخر أشمل وأوجز مفاده أن الثقافة السياسية هي "الجوانب السياسية للثقافة السائدة في مجتمع من المجتمعات باعتبار أن هذه الجوانب تشكل جملة متناسقة الأجزاء" .
يعود تاريخ هذه المدرسة إلى نهاية الخمسينيات من القرن الماضي لما قام ألموند وفيربا في فترة 1958 ـ 1963 بتحقيق شمل خمسة بلدان هي أمريكا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا والمكسيك، وسئل فيه 5000 شخص. كان موضوع الدراسة في الحقيقة البحث في الثقافة "المدنية" تحديدا وليس الثقافة السياسية عامة، يعني دراسة الثقافة السياسية بالنظر إلى القيم الديموقراطية لمعرفة ما إذا كانت هذه الثقافة تساعد على تنمية الديموقراطية أو تعرقلها، بخلفية أن الهدف المثالي هو الديموقراطية الأمريكية والبريطانية.
من أجل القيام بالمهمة كان لابد من إعداد نظري سابق. ألموند حلل الثقافة السياسية فميز بين ثلاثة أصناف منها سماها "ثقافة محلية، culture localiste" و"ثقافة التبعية، culture de sujétion" و"ثقافة المشاركة، culture participante".
الثقافة المحلية تكون متجهة نحو الأنظمة الفرعية المحلية مثل القرية والعشيرة والقومية والمنطقة من دون النظام السياسي برمته، وثقافة التبعية أو الخضوع تجعل الناس يعلمون بوجود النظام السياسي لكنهم يقفون منه موقفا سلبيا، ينتظرون منافعه وخدماته ويخشون تجاوزاته ولا يرون أنفسهم قادرين على التأثير فيه. أما ثقافة المشاركة فهي على النقيض من ذلك. هنا يعتقد المواطنون أنه باستطاعتهم أن يؤثروا في سير النظام وفي العملية السياسية بطرق ووسائل شتى كالانتخابات والمظاهرات والعرائض وتنظيم الجماعات الضاغطة.
في نظر ألموند كل صنف من الثقافة السياسية يقابله نوع من البنية السياسية أي نظام حكم خاص به، فالثقافة المحلية تكون في نظام غير ممركز تماما، فيه لامركزية واسعة وظاهرة. وثقافة الخضوع في نظام ممركز سلطوي، وثقافة المشاركة في نظام ديموقراطي. التطابق بين الثقافة السياسية وبنية النظام السياسي ضروري عنده لاستقرار النظام وعمله بشكل جيد والتفاوت بينهما يسيء إلى النظام ويهدد استقراره.
ألموند أوضح أن ما حدده من أصناف الثقافة السياسية إنما هو "نماذج مثالية" لا توجد بصورة خالصة في أي نظام من الأنظمة الملموسة. في هذه نجد مزيجا من الثقافات الثلاث، والمهم بنظره أن يكون المزيج "جيدا"، وهو الذي تغلب عليه ثقافة المشاركة. انطلاقا من التحقيق انتهى ألموند إلى أن بريطانيا وأمريكا تحققان مزيجا جيداً ومتوازنا من الثقافة السياسية تسوده ثقافة المشاركة بما يجعله ملائما للديموقراطية، وهو ما جعله يعلن أن "التنمية السياسية ناتجة من تطور المجتمع المدني". إلا أنه عاد في 1980 فناقض نظريته وقلب المعادلة قائلا إن التنمية السياسية أو التطور الديموقراطي هو الذي ينتج المجتمع المدني، فصار السبب في 1963 (المجتمع المدني يلد الديموقراطية) نتيجة في 1980 (التطور الديموقراطي ينجب المجتمع المدني).
وجهت انتقادات عديدة لنظرية الثقافة السياسية كما قدمها أصحابها كل منها شمل وجها من وجوهها، فكان مما عيب عليها خلفية واضعيها وتفضيلهم لنماذج بلدانهم، وترددها بشأن الأسبقية في ثنائية الديموقراطية والمجتمع المدني، غير أن هذه النظرية لم تكن من غير فائدة لأنها فتحت حقل البحوث في الثقافة السياسية لرصد العلاقة بينها وبين الديموقراطية.
في ما يخص البلدان العربية، بحكم الارتباط القوي بين الثقافة السياسية والثقافة بوجه عام من جهة، ولجوء البعض من دعاة هذه المدرسة إلى التاريخ لتفسير طبيعة الثقافة السياسية السائدة ضمن مجتمع معين في زمن معين، وعندما تبين أن البلدان العربية تبدي مقاومة شديدة للديموقراطية في عالم تزايدت فيه تجارب التحول الديموقراطي واتسع نطاقها، وكثرت الدراسات السياسية والاجتماعية حولها، كان من الطبيعي أن يُقبل العديد من الباحثين من العرب وغير العرب على النظر في الثقافة العربية الإسلامية، خاصة من جهة اتفاقها أو تناقضها مع الديموقراطية . وانقسموا في ذلك فرقا فقال بعضهم إن الثقافة العربية لا يمكن أن تتعايش مع الديموقراطية وأنها من أهم معوقات قيامها في هذه البلدان، وقال آخرون العكس جاعلين الموانع والعقبات أمام الديموقراطية بهذه البلدان على مستوى الحكام والأنظمة.
كائنا ما كان الأمر، فضرورة انتشار القيم الديموقراطية ومفاهيمها من أمثال المواطنة والمساواة والتعددية وقيمة الفرد وحريته في المجتمع وحقوق الإنسان وحريات الفكر والتفكير وما شابه ذلك، لقيام الديموقراطية وتوطيدها ليست موضوع نقاش عند الديموقراطيين، بيد أن السؤال الأهم يبقى قائما برمته، وهو سؤال الطرق والأساليب والوسائل والقوى القادرة على زرع هذه القيم وتنميتها.
نظرية التنمية الاقتصادية
هذه النظرية تطبيق لمقولات المدرسة السلوكية الشاملة في العلوم الاجتماعية على علم السياسة عامة والعلاقة بين التنمية الاقتصادية والتنمية السياسية خاصة. من المعلوم أن النظرية السلوكية في علم السياسة تقدم "كيف" على "لماذا"، وهي تسعى لبناء نظريات انطلاقا من ملاحظة سلوكيات منتظمة متكررة ثابتة تشاهد في العمليات السياسية. أدواتها التقديرات الكمية عن طريق الإحصاء، من دون أحكام تقييمية ولا اهتمام بتفسير الدوافع الداخلية التي تحمل الأفراد على نماذج معينة من التصرفات. المقدمة الفلسفية والمعرفية لهذه النظرية أنه لا يمكننا أن نحلل إلا السلوكيات والتصرفات المشاهدة بالعين المجردة، وهو ما يؤدي إلى اتخاذ المنهج التجريبي بواسطة التقنيات الكمية أداة للبحث واعتماد نتائجه لوضع المقولات.
من ناحية الأداء يرى القائلون بنظرية التنمية الاقتصادية أن توسيع التصنيع والتحديث وتزايد نطاق التعليم وارتفاع مستوياته وزيادة التمدين ونشاطات الإعلام تزيد النظام فاعلية وشرعية بالنتيجة. فيما يخص التركيبة الطبقية للمجتمع وتدرج شرائحه، يركزون على نمو الطبقة الوسطى وتعاظم دورها في المجتمع ذاهبين إلى أن تحقيق التنمية الاقتصادية بما تعنيه من مستويات عالية في التعليم والتمدين وتزايد الدخل الفردي وتغير أنماط المعيشة وتبدل القيم الاجتماعية والثقافية والسياسية تؤدي إلى نشوء طبقة وسطى تملك روحا مدنية عالية، مهتمة بسير الشأن السياسي وأحواله، راغبة أن يكون أصحاب الوظائف العامة في مستوى المسئوليات المسندة إليهم ومطالبة باختيار الأشخاص الملائمين، المنتخبين منهم والمعينين. فالطبقة الوسطى تُنسب إليها فضائل الروح المدنية وروح المشاركة والمبادرة والنقد والمحاسبة والمطالبة، أي ثقافة ديموقراطية ليس يقدر النظام على تجاهلها.
اتفق أصحاب هذه النظرية في أشياء أولها دور الطبقة الوسطى في تحقيق التحول الديموقراطي، واختلفوا في أمور أخرى منها أهمية هذا الدور وقوته ونوع العلاقة بين التنمية الاقتصادية والتنمية السياسية. أقوى المدافعين عن هذه النظرية، وهو سيمور مارتن ليبست قال بعلاقة إيجابية طردية ومباشرة بين التنمية الاقتصادية والديموقراطية، مؤكدا أن العامل الاقتصادي هو سبب استقرار الديموقراطيات الغربية بينما ذهب آخرون، في مقدمتهم صامويل هنتنغتون ، ومن دون إنكار دور الطبقة الوسطى في قيام الديموقراطية، إلى أن التنمية الاقتصادية واحد من العوامل وليس العامل الوحيد في العملية، لكنه سلم بأن الديموقراطية ستكون في نهاية المطاف إذا كانت التنمية الاقتصادية ملخصاً ما رآه من أهمية نسبية للمتغير الاقتصادي وللمتغيرات الأخرى بمسلمة عبارتها "التنمية الاقتصادية تجعل الديموقراطية ممكنة والزعامة السياسية تجعلها حقيقية" أو فعلية.
نتائج الدراسات الخاصة بالبلدان المعنية بمسألة الديموقراطية كان فيها ما يتفق مع نظرية التنمية الاقتصادية وما يناقضها. فهناك بلدان منها الهند وسريلانكا حققت قدرا من الديموقراطية لفترات طويلة وهي في مستويات ضعيفة من التنمية الاقتصادية بمؤشرات المركز الاجتماعي الاقتصادي المعروفة، وفيها نسبة عالية من الأمية، وخصائصها خصائص المجتمعات الزراعية وليس الصناعية. فههنا إذاً ما يجيز القول إن التنمية الاقتصادية ليست شرطا لا غنى عنه للممارسة الديموقراطية. وهناك بلدان عديدة أخرى من أمثال نيجيريا والمكسيك وتايلاندا وكوريا الجنوبية أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية متفقة مع مقولات هذه النظرية.
في البلدان العربية، بالمقابل، سجل تناقض بين مستويات التنمية وبوادر التحول الديموقراطي. في كثير من بلدان المنطقة اتخذت مؤشرات "المركز الاجتماعي الاقتصادي" منذ فترة منحى تصاعديا مستمرا. في نحو 12 دولة منها يعيش أكثر من نصف السكان بمناطق مدينية، غالبية رجالها متعلمون، ونسبة الطلبة مقارنة بإجمالي السكان في العديد من البلدان العربية ليست أقل من نسب الدول الأوروبية. من جهة الدخل وحجم الطبقة الوسطى، فئات الإطارات في قطاع الصناعة وذوي المشاريع الخاصة وأصحاب المهن الحرة، والعاملين في الصناعة من ذوي الأجور العالية، هذه الشرائح، وجميعها من مكونات الطبقة الوسطى، تضخمت بشكل ملحوظ. ومع ذلك لم تنجب هذه المراكز الاقتصادية الاجتماعية الجديدة و"الحديثة" على توقعات نظرية التنمية الاقتصادية أي تحديث ولا حداثة في المجتمعات ولا أي شيء مما يمكن تسميته توجها ديموقراطيا في أنظمتها.
في البلدان العربية إذاً إخفاق نظرية التنمية الاقتصادية واضح بين. هذه النظرية كما تقدم تشدد على دور التمدين وزيادة حجم الطبقة الوسطى باعتبارها حاملة للتجديد والتحديث في المجال الاجتماعي وفي الثقافة السياسية وفي الموقف من الشأن السياسي، وما ينجم عن ذلك من ضغط باتجاه الحداثة على مستوى النظام السياسي. والحال أن الجهود التنموية المبذولة في البلدان العربية طوال عقود من الزمن لم تنتج أي شيء من هذا. فأين المجتمع المدني ؟ وأين ضغط المثقفين باتجاه التحديث والتنوير ؟ وأين الثقافة السياسية والمدنية العقلانية الحديثة ؟ وأين خصائص الحداثة في العلاقات الاجتماعية وفي سلوك الأفراد ؟ هناك جديد في القيم المادية من دون الثقافية ولا المدنية.
وهذا التمدين الذي راهن عليه أصحاب هذه النظرية، ما أثره من جهة التنمية السياسية ؟ لا شيء. في الجزائر مثلا سار الناس بأعداد كبيرة من الأرياف إلى المدن، و"سارت" المدن نحو الأرياف بتوسيع المدن الكائنة وتكوين مدن جديدة من دون أثر لجهة التنمية السياسية. فكان التمدين شكليا جسديا ظاهريا، أما في السلوكيات ونماذج التصرفات والقيم السياسية والمعنوية فكانت العملية بترييف المدن أشبه منها بتمدين الأرياف.
فيما يخص الأنظمة السياسية بهذه البلدان كان التفاوت أظهر وأشد بين التنمية الاقتصادية والتنمية السياسية. فلم يسجل تغير في هذه الأنظمة بجمهورياتها الأوتوقراطية أو العسكرية وملكياتها المطلقة أو الدستورية. وتجارب الانفتاح التي تمت هنا أو هناك في بعضها تعود إلى أسباب عديدة لكنها ليست من إفرازات التنمية الاقتصادية ولا من نتائجها.
نظرية "الديموقراطية أولا"
هذه النظرية نقيض النظرية السابقة. انطلاقا من دراسات عن بلدان عديدة فقيرة متقاربة المستوى من حيث الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لكنها مختلفة في أنظمتها السياسية، بعضها أخذ بقدر معين من الديموقراطية وبعض آخر ظل خاضعا لأنظمة سلطوية، لاحظ عدد من علماء السياسية، في مقدمتهم سيغل وفاينزشتاين وهالبرين أن الديموقراطيات الفقيرة حققت نموا لا يقل سرعة وحجما عما حققته الأتوقراطيات الفقيرة، وتفوقت الأولى على الثانية في الأداء وحسن التسيير كما أنها لم تقع فيما وقعت فيها الاستبداديات الفقيرة من إفلاس. فالكوارث كالمجاعات والأوبئة الفتاكة واستشراء الفساد وتفاقم البطالة والبؤس كانت من نصيب الحكومات العسكرية في أمريكا الجنوبية وإفريقيا والدول الشيوعية في أوروبا الشرقية. في إفريقيا وآسيا مثلا لوحظ أن البلدان التي خاضت تجربة ديموقراطية لفترة مثل الهند والموزمبيق والسنغال كانت أفضل حالا من أتوقراطيات أنغولا والكونغو وزيمبابوي وأوزبكستان، سواء في معدلات نمو الاقتصاد الوطني ونمو الدخل الفردي أو مقاييس الرفاهية الاجتماعية وأحوال المعيشة والصحة والتعليم ونوعية الإدارة والخدمات.
نتائج هذه الدراسات حملت أصحابها على التصدي بنقد شديد لنظرية التنمية الاقتصادية ومعاكستها بتقرير أسبقية الديموقراطية على التنمية الاقتصادية. وكان الطعن الأكبر الذي قدموه ضد هذه الأخيرة أنها وطدت الاستبداد وأطالت عمره وأجلت قضية الديموقراطية، ذلك أن في مقولة التنمية أولا إقصاء لقضية الديموقراطية وغض للبصر عن ممارسات أنظمة سلطوية رفعت شعار التنمية الاقتصادية واعتلت به لاستبعاد المطالب الديموقراطية داعية إلى "حشد القوى وتعبئة الجهود الوطنية كافة من حول النظام للانتصار في معركة التنمية".
أما أسباب تفوق الديموقراطيات على غيرها في الأداء والتنمية فرآه أصحاب هذه النظرية في عوامل منها أن بنية النظام الديموقراطي ومؤسساته تفسح المجال لمحاسبة شعبية مستمرة وفعالة في الأسفل من ناحية، ولتوازن ورقابة متبادلة بين المؤسسات والسلطات في الأعلى من ناحية أخرى. فالضغط الشعبي عن طريق الانتخابات الحرة الدورية المغيّرة للحكام، وعن طريق النقد والتحرك من خلال منظمات المجتمع المدني يجعل الحكام يقدمون الكفاءة والجدارة على المحسوبية ويحمل النخب السياسية على تحسين البرامج الاقتصادية والسعي من أجل الأداء والفاعلية. في ما يخص مؤسسات الدولة وسلطاتها، يذكّر أصحاب النظرية أن الديموقراطية عدو التركيز في السلطات واحتكارها، وأنها تقوم على توزيع السلطة والتوازن بين المؤسسات والتأثير المتبادل فيما بينها، خاصة منها السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، فيصبح التصحيح والتعديل والتحسين ممكنا وضرورة دائمة لتسيير الشئون العامة. ثم إن الديموقراطية في نظر القائلين بأسبقيتها تعمل بمبدأ الشفافية في وقت الاختيار والتقرير وأثناء التسيير. والشفافية بما تقتضيه، في جملة أمور أخرى، من إعلام واسع واطلاع على الخيارات المطروحة تجعل التصحيح ممكنا وتحول دون وقوع أخطاء كبيرة ربما أدت إلى أضرار وأزمات اقتصادية أو سياسية.
في العقدين الأخيرين، منذ نهاية الثنائية القطبية، قل الحديث عن التنمية السياسية وصارت مفاهيم الديموقراطية والتحول الديموقراطي والانفتاح الأكثر رواجا وترددا في اللغة السياسية المتحدثة عن بلدان العالم الثالث سابقا، واتجهت أبحاث جزء كبير من علماء السياسة إلى وضع "نظريات التحول" نحو الديموقراطية وتوطيدها، وخصص للبلدان العربية قدر لا بأس به من هذه الدراسات. غير أنه، بالنظر إلى معطيات الواقع السياسي العربي في الماضي القريب والحاضر، هناك ما يجيز القول إن مصير "نظريات الانتقال" هذه لن يكون أفضل من مصير نظريات التنمية السياسية من قبلها.
خاتمة
بخلاف التنمية الاقتصادية، تميزت أدبيات التنمية السياسية بكثرة التعاريف وغموض المفاهيم, وضعت بشأنها نظريات عديدة لم تثبت صحتها في الواقع، ومع ذلك فهي مهمة من ناحيتين على الأقل :
أولا، لأن عدم ثبوت نظرية في الواقع لا يعني أن جميع مقولاتها خاطئة جملة وتفصيلا. وفي هذا المعنى تكون نظريات التنمية السياسية قد ساهمت في معرفة الأنظمة السياسية التي وضعت من أجلها، وقدمت أدوات نظرية لدراستها وتحليلها، وكشفت العديد من نقائصها وعيوبها. ثم إن بعض مقولاتها الجزئية تظل صحيحة وسيبقى تحقيقها في هذه الأنظمة مطلوبا ومفيدا لأهلها، مثل ضرورة العقلنة والرشاد والفاعلية والشفافية والمشاركة والرقابة والحس المدني ومحاربة تركيز السلطة وسوء استعمالها وغيرها...
ثانيا، لأن في سقوط النظريات المذكورة ما يدعو إلى مواصلة البحث. فسؤال التنمية السياسية في البلدان العربية لا يزال قائما برمته، ومحاولة الإجابة عنه ضرورة علمية، وعملية خاصة لأن شعوب المنطقة بحاجة إليها لتحقيق تنمية شاملة ترتكز على اقتصاد قوي، وإنسان متطور وأنظمة سياسية عربية صالحة مستقرة، خالية من الاستبداد والأزمات، قوية و
شرعية بصل
احها وأدائها.

هوامش
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
التنمية السياسية :
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى قالمة للعلوم السياسية :: ******** فضاء جامعة 08 مــــــاي 1945 ******* :: قسم خاص بالملتقيات والمنتديات-
انتقل الى:  
1