9- إدارة النزاع:
نَمَت بعد الحرب العالمية الثانية مراكز الأبحاث الخاصة بقضايا الحرب والسلام.
ففي نهاية الأربعينات وبداية الخمسينات رعت منظمة الأمم المتحدة مؤتمرات دولية وشجعت نشاطات متنوعة عائدة لقضايا النزاعات وطرق تسويتها. وعلى موضوع الحرب والسلم ركزت منظمات عديدة ومراكز أبحاث دولية نشاطها الجديد، وكرست أبحاثها وأعمالها ومن بين تلك المراكز البحثية نذكر على سبيل المثال فقط، مركز حل النزاعات في جامعة ميتشغن، ومعهد أبحاث السلام في النروج، ومركز دراسة النزاعات الدولية في جامعة ستانفود، ومركز الأبحاث في جامعة كولومبيا، ووكالة الولايات المتحدة لمراقبة السلاح والتسلح، ومركز الدراسات في جامعة شيكاغو، ومؤسسة الأبحاث المتعلقة باللام والتربية والتنمية في جامعة كولورادو، ومركز الدراسات للمؤسسات الديمقراطية في سانتا بربرا، بالإضافة إلى مركز مراقبة التسلح في السويد والأمم المتحدة. وقد قدمت لنا كل هذه المراكز والمؤسسات رؤية قيمة مفادها أن إدارة النزاعات هي قضية عامة تهم المجتمع الدولي بأسره، لذلك يجب أن تتخذ بقرار مشترك، وتنفذ بعمـل مشترك أيضاً. من هنا تناوب الأفكار من فكرة قيادة النزاع إلى فكرة إدارة النزاع([16]).
أ-أدوات النزاع: تتميز أدوات النزاع بأربع مكونات رئيسية وهي قائمة على:
- مجموعة سلوك،
- موجهة لأهداف خارجية،
- إحصاء الوسائل والغايات المرجوة،
- إدارة مشتركة.
أولاً: مجموعة سلوك:
إن القرار باللجوء إلى أدوات النزاع ممكن أن يتطور من خلال عملية تدريجية.
وفي كتابه "الرأي العام في الفيضان" أظهر (كانتريل Cantril,H) عملية تطور اتخاذ قرار الولايات المتحدة الأميركية بدخولها الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا، قائلاً:" بأن تأييد الرأي العام الأميركي لإعلان الحرب، تطور خطوة خطوة في خلال سنتين ونصف السنة أي بين هجوم الألمان على بولندا في أيلول 1939، وبين الدخول الرسمي للولايات المتحدة الحرب في عام 1942".
وأشار كانتريل في دراسته إلى القضايا التدريجية لتطور القرار والتي جاءت كأسئلة جدية طرحت على الرأي العام وذلك من خلال الصحافة الأميركية ومن تلك الأسئلة:
- بيع الأسلحة للدول الديمقراطية!
- التخلي عن الحياد لمساعدة المملكة المتحدة!
- مقاومة النازية يعني المساعدة في تقصير فترة الحرب!
- مقاومة النازية بأي ثمن!
- متى سوف نقاتل؟
وفي ربيع عام 1942 اتخذ الرئيس الأميركي روزفلت والكونغرس الأميركي القرار الشهير بإعلان الحرب على ألمانيا([17]).
ثانياً: موجهة لأهداف خارجية:
توجه أدوات النزاع باتجاه تحقيق أهداف معينة وهي تقع أحياناً خارج دائرة الصراع نفسه. ومن الممكن أن يوظف النزاع لإزالة توتر ما أو إعلان شعور أو موقف معين. وهذه سمات عريضة، أما النزاع فهو كما نلاحظه أداة لربح مركز أو قوة أو موارد نادرة.
ثالثاً: إحصاء الوسائل والغايات المرجوة:
يحتل العقل أي الإدراك، المركز الثالث في مكونات أدوات النزاع.
لقد فكر المتنازعون ولا شك في أسباب النزاعات ورسموا وخططوا تكتيك للعمليات العسكرية، ولقد أدركوا وأحصوا أيضاً الوسائل والغايات المرجوة من نزاعهم. كما أنهم فكروا بأن الحرب ربما قد تكون الطريق الأفضل لحل وتسوية مشاكلهم، وبالتالي ستكون الطريقة الفضلى والمناسبة للاستيلاء على الموارد النادرة التي يبحثون عنها ويخططون للحصول عليها.
رابعاً: إدارة مشتركة:
ممكن لإدارة النزاع أن تفعّل بواسطة التنظيم المتقن، وبواسطة تنسيق لجهود الأطراف المشتركة في المسعى الجماعي.
وتفعيل إدارة النزاع تتحقق بواسطة القادة، ومن خلال تقسيم الأعمال بينهم، وبواسطة الفهم المشترك لأهداف العمل الجماعي.
ب- طرق إدارة النزاع:
أولاً: منع النزاع:
- طبيعة المنع: أشار (بولدينغ Boulding) في كتابه (النزاع والدفاع) عن منع النزاع قائلاً:" إنه إذا وجد نظام اجتماعي ديناميكي ينمو باتجاه نزاع غير قانوني، فإذا لم يتخذ أي شيء لإعاقة العملية السائدة، فإن الصراع حينئذ سيكون محتماً".
وناقش أيضاً (بولدينغ) موضوع منع النزاع عن طريق تغيير الوضع القائم أي باستبدال النظام الاجتماعي الموجود بنظام آخر([18]).
- منع النزاع عن طريق المنظمات والهيئات: يفهم من هذا العنوان على أنه يدل على عملية إخضاع النزاع لإدارة المبادئ القانونية الدولية الملزمة والتي يوافق عليها كطريقة لمنع اللجوء إلى النزاع غير القانوني.
أما الستراتيجية التي يقوم عليها منع النزاع عن طريق المؤسسات فتتخلص بثلاث:
* الموافقة على إدارة النزاع القانوني، يهدف إلى تشجيع ومساعدة الأطراف المتنازعة للوصول إلى نهاية قانونية للنزاع.
* البحث عن نموذج لإدارة النزاع بحيث تجعل منه شاملاً وقابل للتنبؤ به.
* ممارسات الهيئات والمنظمات تتكفل بإعطاء بعض الضمانات المعنوية والمادية، بأن النزاع سيدار بهذا النمط المنظم وسوف يؤدي إلى النجاح.
أما مبادئ منع النزاع عن طريق المنظمات فتتطلب تأسيس نظام من المبادئ الملزمة من أجل دفع الأطراف المتنازعة للمشاركة في إطار الهيئات والمنظمات وذلك من أجل المصلحة والفائدة الشاملة.
وتكلم (بامغرتنر Baumgartner) في كتابه "الخاص بالرقابة" عن علاقة الرقابة كوسيلة لإدارة النزعات الدولية([19]). والمبادئ في أي نظام يجب أن تكون خاضعة للقانون وتغطي على الأقل القضايا الأربعة التالية:
* تغيير في التكتيك القانوني وغير القانوني.
* الموافقة على الأسلوب القانوني من أجل الوصول إلى أهداف قانونية.
* إجراءات للتعويض عن الأذى الحاصل.
* طرق أو إجراءات لإعادة النظر في/أو إصلاح هذه المبادئ، فالظروف تتغير، والمبادئ المنصوصة، يجب أن تنقّح أو تبدّل مع الوقت([20]).
وطالب (ورنيتي Wernette) بخلق وإنشاء منظمات جديدة مختصة بمنع النزاعات وتطبق مضامين ومحتويات الأبحاث والدراسات الخاصة بالسلام، وتكون خاضعة لستراتيجية قانونية دولية واحدة ذات مرجعية واحدة، على غرار محكمة العدل الدولية ومنظمة الأمم المتحدة([21]).
ثانياً: حل النزاع:
- طبيعة حل النزاع: طبّقت عبارة حل النزاع على كل أنواع الجهود المشتركة والمحاولات الهادفة إلى التقليل من خطر الحرب وإلى التخفيف من النزاعات والخصومات ما بين الأطراف والجماعات المتنازعة، وإلى توسيع إمكانيات الصداقة والسلام وبناء الثقة بين الدول والشعوب. وعرّفنا (غالتونغ Galtung) في كتابه (قانون حل النزاعات) باثنتي عشرة آلية لحل النزاعات تتوزع ما بين المحنة والوساطة وما بين المحاكم والاقتراع. وبعض هذه الآليات هي آليات تكتيكية والبعض الآخر هي أعمال قمعية([22]).
ووضع (لاتور Latour) قائمة أسماها (حلول أوتوقراطية) لتسوية النزاعات ومن بينها التحكيم، والمناظرة، والمساومة. وهي تعتبر كستراتيجيات لتسوية النزاعات([23]).
وعندما نتحدث عن حل النزاع، فالنزاع غير القانوني المتفاقم هو الموجود. والتسوية تعني، انتهاء مثل هذا النزاع غير القانوني، وإعادة العلاقات بين الأطراف المتنازعة إلى حظيرة الشرعية الدولية. من هنا، يمكننا أن نعرّف حل النزاع على أنه عملية اتصال وتبادل للرأي بين أطراف متورطين في نزاع غير قانوني، مع أو بدون، وسيط، وتبحث هذه العملية في إنهاء النزاع غير القانوني، وإعادة العلاقات بين الأطراف المتنازعة.
ثالثاً: قمع النزاع:
عرّف (ولف Wolfe) في كتابه (منطق الإخفاق) قمع النزاع بأنه "عندما تعتقد الأمم المتحدة، بأن المبادئ الدولية قد انتهكت، وأن الأمن والسلم الدوليين قد هدّدا، بواسطة دولة أو عدة دول، فإن الأمم المتحدة عبر مجلس الأمن ستتخذ تدابير وإجراءات لقمع العدوان وإنهاء التهديد"([24]).
أما أشكال قمع النزاع فهي:
أ- إكراه مادي:
1- هجوم بأسلحة فتاكة.
2- هجوم بأسلحة رادعة غير فتاكة.
3- فترة هدوء ودخول بمقدمات منطقية.
4- تدمير أو حجز ممتلكات.
ب- تدخل قسري.
ج- تسلل وتنسيق.
د- الدعاية.([25]).
ملحق رقم (1)
ستراتيجية النزاع
أولاً: عامل مشترك، مهاجم، أو جماعة مناهضة
أ- باعث مشترك:
1- تجديد أو نزع.
2- الاعتقاد بأن التغيير ممكن.
3- رغبة في تعويض أو مكافأة إجمالية.
ب- مستوى الأهداف:
1- وسائل النزاع (قوة، هيئات، أفراد، الخ).
2- تغييرات بنيوية (تسوية مراكز، قوة).
3- رغبة في تعويض أو مكافأة.
ثانياً: ستراتيجية: وسائل
أ- خطط ستراتيجية:
1- خطوات عملية ناجحة.
2- امتلاك تكتيك للنزاع.
3- خطط طارئة لتطورات غير متوقعة.
ب- شروط الستراتيجية:
1- خصائص أطراف النزاع.
2- قوة التدخل للطرف الثالث.
3- معلومات مناسبة.
4- الوضع الثقافي والاجتماعي.
5- التماسك الداخلي والحالة النفسية للجماعات أو الدول الأخرى.
ثالثاً: مقاومة، عوائق، دفاع، معارضة
1- إدارة للموارد المطلوبة (معدنية، أفراد، هيئات).
2- عوائق في طريق الأهداف المرجوّة من النزاع.
3- هجوم مضاد.
المصدر:Joseph Hi, Conflict and Conflict Management, Athens, 1980.
ملحق رقم (2)
ستراتيجية منع النزاع
أ- أعمال تمهيدية:
قراءة وتفسير الإشارات التحذيرية.
ب- تحقيقات:
1- التحقيق في أسباب النزاع.
2- المقارنة مع ظروف مماثلة.
3- الموارد التي يمكن الاستفادة منها.
ج- برنامج عمل لمنع النزاع:
1- تخفيف الأسباب (أعمال على المدى القصير).
2- إزالة الأسباب (أعمال على المدى الطويل).
المصدر: المرجع السابق.
المراجع
أ- المراجع العربية:
1- دليل مرجعي ومادة تعليمية في مجال حل النزاعات، باريس، 1994.
2- شارل روسو، القانون الدولي العام، بيروت، 1982، معرّب.
3- أحمد سرحال، قانون العلاقات الدولية، بيروت، 1990.
4- أحمد يوسف أحمد، الصراعات العربية-العربية 1945-1982،بيروت 1996.
5- إسماعيل صبري مقلد، الستراتيجية والسياسة الدولية، بيروت،1979.
6- كمال حماد، النزاع المسلح والقانون الدولي العام، بيروت،1997.
7- كمال حماد، القانون الدولي العام المعاصر، بيروت،1995.
ب- المراجع الإنكليزية:
1- R.J.Barnet, The Lean Years, Politics in the Age of Scarcity, N.Y. 1980.
2- Baumgartner T., Relational Control: The Human Structuring of Cooperation and Conflict, N.Y. 1975.
3- Boulding, K., Conflict and Defense, N.Y. 1962.
4- Cantril H., Public Opinion in Flux, U.S.A, 1942.
5- Joseph H., Conflict and Conflict Management, Athens, 1980.
6- Wernette, D., Creating Institutions for Applying Peace Research, N.Y. 1972.
7- Galtung, J., Institutionalized Conflict Resolution, U.S.A.,1965.
8- Latour, S., Some Determinants of Performance for Modes Of Conflict Resolution, N.Y., 1976.
9- Wolfe, C., The Logic of Failure, Vietnam Lesson, U.S.A.,1972.
[1]- دليل مرجعي ومادة تعليمية في مجال حل النزاعات، باريس 1994، صفحة 11.
[2]- آلة للتحقق من مركز السفينة بالنسبة إلى خطوط الطول والعرض.
[3]- H.Joseph, Conflict and Conflict Management, Athens, 1980, P.13.
[4]- المرجع السابق، صفحة 12.
[5]- دليل مرجعي، مرجع سابق ذكره، صفحة 12.
[6]- أحمد سرحال، قانون العلاقات الدولية، بيروت، 1990، صفحة 283.
[7]- أحمد يوسف أحمد، الصراعات العربية - العربية، 1945-1982، بيروت 1996، صفحة 162.
[8]- إسماعيل صبري مقلد، الستراتيجية والساسة الدولية، بيروت، 1979، صفحة 100-101.
[9]- المصدر السابق.
[10]- أحمد يوسف أحمد، مرجع سبق ذكره، صفحة 161.
[11]- R.J.Barnet, The Lean Years, Politics in the Age of Scarcity, NewYork, 1980
[12]- كمال حمّاد، القانون الدولي العام المعاصر، بيروت 1995، صفحة 42-45.
[13]- كما حمّاد، النزاع المسلح والقانون الدولي العام، بيروت، 1997، صفحة 64-65.
[14]- غسان رعد، النزاعات الانثية في الدول التعددية، بيروت، 1997، صفحة 31-40.
[15]-Joseph, Himes, Conflict and Conflict Management, Athens, 1980, Wright Q, International law and the United Nations, Bombay, 1960.
[16]- المرجع السابق، صفحة 166.
[17]- Cantril, Hadley; public opinion in Flux, U.S.A, 1942, p. 136-150.
[18]- Boulding, Kenneth E. , Conflict and Defense, A general theory, NewYork, Harper, 1962.
[19]- Baumgartner T. , Relational Control: The Human Structurting of Coorperation and Conflict, N.Y. 1975.
[20]- Joseph, Himes, op.cit, P.224.
[21]- Wernette, Dee, Creating Institutions for applying Peace Research, NewYork, 1972.
[22]- Galtung J., Institutionalized Conflict Resolution, U.S.A., 1965, PP.348-397.
[23]- Latour S., Some Determinants of Performance for Modes of Conflict Resolution, N.Y. 1976, PP.319-355.
[24]- Wolfe C., The Logic of Failure: VIETNAM Lesson ,U.S.A , 1972 , P. 927-937.
[25]- Joseph, Himes. , op.cit. P.230