موقف الإسلام من الضبط الاجتماعي :
الدين هو \" وضع إلهي سائغ لذوي العقول السليمة باختيارهم إلى الصلاح في الحال والفلاح في المآل \" ( السمالوطي ، ج2 ، 1981 ، ص21) .
والدين الذي ارتضاه الله لعباده هو الدين الإسلامي﴿ إن الدين عند الله الإسلام ﴾
آل عمران:19) \" فالإسلام منهاج للحياة وطراز خاص للتفكير والعمل ، وهو يعني طاعة الإنسان لربه وإسلام وجهه إليه ، وأن يقبل المسلم المنهاج الفكري والعملي الذي أنزله الله لهداية البشر ، ويتبعه منقاداً له منسلخاً من الفوضى الفكرية والعملية \" ( السمالوطي ، ج2 ، 1981 ، ص22) .
ويعني الضبط الاجتماعي في المجتمع المسلم الامتثال للقواعد والمعايير والقيم الإسلامية التي تحصل بها تقوى الله ، وما مجموعة الأعراف والتقاليد والقيم الاجتماعية وطرائق التربية التي تنشأ في المجتمع الإسلامي إلا أساليب ضابطة ، فإذا كانت في حدود تعاليم الإسلام ومتفقة معه فهي مقبولة والامتثال لها يدعم التماسك الاجتماعي ، أما إذا خالفت قواعد شرعية فيجب نبذها واستبدالها بما يتوافق مع تعاليم الدين الإسلامي ( السالم ، 2000) .
إن مفهوم الضبط الاجتماعي من منظور إسلامي يتضح في إدراك أن الإنسان لم يخلق في هذه الحياة عبثاً ، وإنما جاء للقيام بمهمة تتمثل في العبادة الخالصة لله وحده وخلافة الأرض وعمارتها ، وهذا يقتضي أن يلتزم الإنسان بالضوابط المحددة لسلوكه والتي تضمن له ولمجتمعه الخير والسعادة وتحفظهم من الشرور وتحقق لهم الأمن والاستقرار وتقيهم من الانحراف والفوضى .
ويتدرج الضبط الاجتماعي في الإسلام بدءاً من الانضباط الذاتي للمسلم الذي يراقب تصرفاته ويحسن سلوكه انطلاقاً من حقيقة ثابتة أقرها قول الرسول  : \" أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك \" ( الحامد والرومي ، 2001) .
وخضوع الفرد للنظام الإسلامي بمجرد انتمائه للإسلام يفرض عليه تنفيذ أوامره واجتناب نواهيه في السر والعلن ليس خوفاً من السلطة ولا نفاقاً للمجتمع ، وإنما حباً في هذا النظام وإيماناً واقتناعاً بمبادئه ، وهذا بدوره يزيد من طاقة الفرد وشعوره بالانتماء للجمـاعة ( الحامد والرومي ، 2001) .
وينطوي الضبط الاجتماعي في الإسلام على معنى الطاعة والامتثال لأمر الله تعالى ، والطاعة قد تكون فردية أو اجتماعية . والمراد بالطاعة الفردية كل ما يقوم به الإنسان بإرادته الشخصية امتثالاً لأحكام الله المتعلقة بحياة الإنسان ذاته ، قال تعالى ﴿ وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً ﴾ (الأحزاب:36) . والطاعة الاجتماعية هي امتثال أفراد المجتمع للأحكام الشرعية الاجتماعية التي جاء بها الإسلام ويباشرها الحاكم أو ولي الأمر ، قال تعالى : ﴿ يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً ﴾ (النساء:59) ( الخطيب وآخرون ، 1995) .
ثانياً : أساليب الإسلام في ضبط المجتمع
وضع الإسلام أسس كثير من الأمور الاجتماعية ، كقواعد الإرث والزكاة وغنائم الحروب وأصول المبايعات والمفاوضات ، ودعا إلى مكارم الأخلاق ، كما بين علاقة الفرد بالمجتمع ومعاملة الأفراد ، وما يتعلق بالحدود والقصاص ، كما هدا إلى الآداب العامة كبدء التحية بالسلام ، واحترام المسنين والرفق بالنساء والصبيان ، وحتم على أتباعه عامة طاعة الله ورسوله وأولي الأمر في غير معصية الله ( الرفاعي ، 1998) .
وتنبثق تلك الأسس من مصادر معروفة في الإسلام والمجتمعات ، حيث \" إن مصادر الضبط الاجتماعي في الإسلام هي القرآن والسنة والعرف والعادة ، وفي إطار هذه المصادر تتحدد التشريعات والقواعد الخلقية والقيم التي توجه علاقات الفرد بالآخرين في المجتمع الإسلامي \" ( العمايرة ، 1999 ، ص289) .
وأول هذه المصادر وأهمها على الإطلاق هو القرآن الكريم ، ذلك الكتاب المعجز بآياته ، المحكم في تشريعاته ، المتحدي بعظمته . وقد حدد القرطبي إعجاز القرآن في عشرة أوجه ، عدَّ من بينها تشريعاته ، فتشريعات الكتاب الكريم منها ما هو تنظيم اجتماعي ، ومنها ما هو خاص بالسياسة والحكم ، ومنها ما هو خاص بالنظام المالي والأنظمة المدنية ، ومنها ما هو خاص بأمن الجماعة وسلامتها ، ومنها ما هو خاص بنظام الحرب والسلم وعلاقة غير المسلمين بالدولة الإسلامية . ومن هنا يتبين أن تشريعات القرآن هي باب عظيم من أبواب إعجاز البشر وتحديهم ( الرفاعي ، 1998) .
ويعد الدين الإسلامي أقوى الأديان ضبطاً للمجتمع . وتشمل تعاليم الدين الإسلامي مجموعة الضوابط التي يحتاج إليها الفرد متمثلة في العبادات والمعاملات .
فالأوامر والنواهي الخاصة بالمعاملات تحفظ النظام الاجتماعي بطريق مباشر ، وذلك بإيقاف كل فرد عند حدود لا يتعداها . أما الأوامر والنواهي الخاصة بالعبادات فهي تحفظ النظام الاجتماعي بطريق غير مباشر ، وذلك بتهذيب الفرد كي يستطيع الرضوخ للأوامر والنواهي الخاصة بالمعاملات ( سليم ، 1985) .
وقرر الإسلام ثلاثة ضوابط اجتماعية تشكل منهجاً متكاملاً لحياة آمنة مستقرة ، فهناك ضابط ذاتي مصدره داخل النفس الإنسانية حيث تشكل تعاليم الشريعة ضابطاً خلقياً يحاكم الإنسان نفسه إذا أخل بها . أما الضابط الثاني فهو ضابط اجتماعي مصدره المجتمع ، فعندما يكثر تداول أحكام الشريعة على المستوى الاجتماعي تصبح بعض الأحكام أعرافاً ومصطلحات اجتماعية تحدد نوع السلوك المقبول والمرفوض في المجتمع . والضابط الثالث هو ضابط السلطة حيث تتولى تطبيق العقوبات الشرعية المقررة لأنواع المخالفات . تتكامل هذه الضوابط لتحقق حياة أقرب إلى السعادة والكمال ( السالم ، 2000) .
ويمكن تقسيم الضوابط الاجتماعية في الإسلام إلى أربعة مجالات ، تشمل جميع جوانب حياة الفرد وعلاقته بالجماعة ، ويتضمن كل مجال مجموعة من الضوابط ، وهذه المجالات هي :
1- العبادات .
2- المعاملات .
3- الآداب والأخلاق .
4- العقوبات .
وفيما يلي ، نلقي الضوء على بعض ضوابط الإسلام في المجالات السابقة ، ولا يمكن بأي حال حصر الضوابط الإسلامية كلها ، فالإسلام لم يترك كبيرة ولا صغيرة في حياتنا إلى وضع لها ضابطاً يحميها .
1- العبادات :
إن العبادات في الإسلام تعتبر ضوابط اجتماعية إيجابية ، فهي ليست مقصورة أو مفروضة لمجرد التعبد ، وإنما لتنظيم وضبط علاقة الفرد بالله ، ولتنظيم معاملات وعلاقات أفراد الجماعة بعضهم بالبعض الآخر .
فالصلاة مثلاً ، تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ﴿ إن الصلاة تنهى عن الفحشـاء والمنكر ﴾ ( العنكبوت:45) فهي وإن كانت فريضة دينية ، إلا أنها تهدف إلى تحقيق أهداف ومثل خلقية في ضبط السلوك الإنساني ( الخشاب ، د.ت ) فالصلاة لها أكبر الأثر في تطهير النفس وردعها عن الرذائل ، والمحافظ على صلاته هو محافظ في سلوكه وواجباته وتعاملاته المختلفة وقد شبه الرسول الكريم  أثر الصلوات الخمس في تطهير النفس كأثر النهر الجاري في تطهير البدن حين قال : \" أرأيت لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه في يومه خمس مرات ، هل يبقى من درنه شيء ؟ قالوا : لا يا رسول الله . قال : فكذلك الصلاة \" .
مما سبق نرى \" أن العبادات تخدم المعاملات ، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، والصوم يهذب النفس ويشعرها بمرارة الحرمان فيجود الفرد على البائس والمحروم ، والزكاة تذهب أساساً للمحتاجين على اختلاف أنواعهم ، والحج لا يخرج الفرد إليه إلا بعد أداء ما عليه من واجبات نحو الآخرين \" ( سليم ، 1985 ، ص74) .
2- المعاملات :
إن الشريعة الإسلامية عرضت لقواعد وضوابط اجتماعية تتعلق بنظام الحكم ، والعلاقة بين الحاكم والمحكومين ، وانطوت على كثير من الضوابط القانونية التي تعتبر من طبيعة مدنية ، مثل قواعد العقوبة على الجرائم الاجتماعية كالقتل أو الشروع فيه ، والسرقة وجريمة الزنا ، كما انطوت على ضوابط حتى فيما يتصل بالأطعمة والأشربة من حيث إباحتها أو عدمه كتحريم أكل الخنزير وشرب الخمر ( الخشاب ، د.ت ) .
كما وضع الإسلام في شئون الاقتصاد نظماً حكيمة ، تقر الملكية الفردية وتحيطها بسياج من الحماية ، وتذلل أمام الفرد سبل التملك والحصول على المال ﴿ هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ﴾ (الملك:15) وشجع الإسلام على العمل ، وفسح المجال أمام المنافسة الشريفة ، وبذلك يتحقق للناس تكافؤ الفرص ، ولكن من جهة أخرى فإن الضوابط الاقتصادية في الإسلام تكبح رأس المال وتجرده من وسائل السيطرة والنفوذ بدون أن تعوقه عن القيام بوظيفته ، وتعمل على استقرار التوازن الاقتصادي وإذابة الفوارق بين الطبقات ، وتحول دون تضخم الثروات . وتقوم العلاقات الاقتصادية في الإسلام بين الناس على دعائم متينة من التكافل والتعاون والتواصي بالبر والإحسان ، وتضع أمثل نظام للضمان الاجتماعي ( سليم ، 1985) .
ومن مظاهر الضبط في الإسلام النهي عن قول الزور واتهام الآخر ظلماً ،ويتضح ذلك في قوله تعالى : ﴿ ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم بها بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً ﴾ (النساء:112) ، وأمر بالعدل في جميع الأحوال ، فبالعدل يستقر المجتمع وينتشر الأمان : ﴿ يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً ﴾ (النساء:135) ونلاحظ في كل مرة مخاطبة الإسلام للنفس والضمير الإنساني حيث يتذكر الإنسان رقابة الله في كل ما يقوم به (الأخرس ، 1997) .
وهكذا يتضح ضبط الإسلام للمعاملات بين الناس وخاصة ما يتعلق منها بالكليات الخمس والتي حرص الإسلام على حفظها ، وضمن لها حقوقها ، وتتمثل هذه الكليات في : حفظ الدين ، والنفس ، والعرض ، والعقل ، والمال . وسوف نتعرض لهذه الكليات وحفظها بشيء من التفصيل عند حديثنا عن ضبط العقوبات في الإسلام .
3- الآداب والأخلاق :
اهتم الإسلام بالمجتمع والتكافل الاجتماعي ، فنهى عن البغيضة والظلم والعدوان بين المسلمين ، ووضع لذلك ضوابط عديدة . وقبل كل ذلك شدد على الأخوة الإسلامية التي من خلالها ينبع كل فعل سليم ، وكل خلق كريم ﴿ إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم ﴾ (الحجرات:10) ورسم الإسلام الإطار العام لطبيعة العلاقة بين المؤمنين بقوله تعالى:﴿ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ﴾ (التوبة:71) .
ويدعو الإسلام إلى مكارم الأخلاق وحسن التعامل مع الآخرين كما بلغ النبي الكريم \" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق \" ويضع لذلك ضوابط كثيرة ، والقرآن مليء بمثل تلك الضوابط الاجتماعية ، نذكر منها على سبيل المثال :
في آداب الزيارة : ﴿ يأيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غر بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ﴾ (النور:27) . وفي آداب المجالس : ﴿ يأيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم ﴾ (المجادلة:11) .
وقد بلغ من حرص الله على عبده المؤمن أن حماه من التعرض لأي أذى ولو بمجرد الكلام أو الإهانة أو السخرية أو الغيبة والنميمة والتنابز بالألقاب ، كما نهى عن ظن السوء بالمؤمن والتجسس وتتبع عوراته ويتضح ذلك من قوله تعالى : ﴿ يأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون ، يأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن سوء ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم ﴾ (الحجرات:11،12) ( الأخرس ،1997) .
ونلاحظ التركيز على روابط الإيمان والأخوة عند الحديث في القرآن عن الآداب والمعاملات بين المؤمنين ، مما يؤكد حرص الإسلام على مخاطبة المشاعر وتكوين الضمير ومراقبة النفس وضبطها ذاتياً قبل أن تضبط خارجياً .
وكما دعا الإسلام إلى السمو بالآداب الإنسانية ، دعا كذلك إلى التخلق بالأخلاق الفاضلة من كرم وحلم وعفو وغيرها : ﴿ الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ﴾ (آل عمران:134) ، ونبذ الصفات المقيتة التي تؤدي إلى النفاق من كذب وغدر وخيانة وخلف للوعد فقد ذكر الرسول الكريم  صفات المنافق : \" أربع من كن فيه كان منافقاً ، ومن كان فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من النفاق : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا عاهد غدر ، وإذا أؤتمن خان \" .
والحديث عن ضوابط الأخلاق والآداب في الإسلام لا يمل ولا ينقطع ، فالإسلام سعى إلى تكوين الشخصية الصالحة الكاملة المتكاملة ، الإنسان المسلم المتصف بفضائل الأخلاق ، المبتعد عن رذائل الصفات ، المعتدل في سلوكه ، المؤهل لدعوة الناس في كل زمان ومكان إلى الحق والفلاح ﴿ وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً ﴾ (البقرة:143) .
4- العقوبات :
يستخدم المجتمع لحماية نفسه من الجريمة نوعين من الضوابط : المنع والردع ، وقد أقر الإسلام هاتين الوسيلتين واستخدمهما ، ووسيلة المنع تمنع المجرم من الاعتداء ، فهي وسيلة حماية للمجرم والمجتمع على السواء ، فلا يصبح المعتدي مجرماً ، ولا ينال المجتمع اعتداءً . ويتضح اهتمام الإسلام بهذه الوسيلة والتركيز على المنع عن طريق تكوين الضمير المسلم الواعي السليم ( كما سبق أن بينا ) . أما وسيلة الردع فيلجأ إليها الإسلام مع أصحاب النفوس المريضة والضمائر المتبلدة ، وهنا جعل الإسلام العقوبات المتنوعة رادعة لأولئك النوع من البشر ( حسنين ، 1394هـ) ، فالإسلام يستخدم أسلوب الترغيب والترهيب معاً ، فلا يركز على الترغيب وحده لأن ذلك قد يؤدي إلى سيطرة الأمل في رحمة الله فيدعوها إلى التواكل والتهاون ويفضي بها إلى الأمن من مكر الله ، بينما الترهيب وحده قد يؤدي إلى طغيان الرهبة على النفس فتيأس من روح الله مما يفضي إلى القنوط من رحمة الله ، لذا يسلك الإسلام مسلكاً وسطاً ( إسماعيل ، 1416هـ) .
وتصنف العقوبات في الإسلام إلى ثلاثة أنواع :
1- الحدود : وتشمل أفعالاً محرمة شرعاً بما فيها تحديد نوع وكم العقوبة المقررة لكل منها على حدة صراحة وتفصيلاً في القرآن والسنة . ومنها : حد الزنا ، والسرقة ، والردة .
2- التعازير : وتشمل الجرائم التي ترك أمر تحديد نوع وكم عقوبتها المقررة بناءً على رأي أولياء أمور المؤمنين طبقاً لمتطلبات المصلحة واعتباراً للتغير الزماني والمكاني .
3- القصاص : ويشمل الجرائم التي تتعلق بالإصابات البدنية أو الاعتداءات على الأرواح والأعضاء ، وهنا لا يتطلب الأمر أن تتطابق عقوبة الحد مع نوع الضرر المادي فقط بل قد تتجاوزه إلى آثاره المعنوية أيضاً ﴿ وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص ﴾ (المائدة:45) ( الأخرس ، 1997) .
والحدود هي حق خالص لله ، ولا يسمى القصاص حداً لأنه حق للعبد ، كما لا يسمى التعزير حداً لأنه مقدر من ولي الأمر وليس من الله تعالى ( حسنين ، 1394هـ) .
والعقوبة في الإسلام مرتبطة بصياغة الحقوق الإنسانية العامة والمعروفة بالكليات أو الضروريات الخمس التي أمرنا بحفظها ، وهي الدين ، والنفس ، والعرض ، والعقل ، والمال .
ويتمثل جزاء الاعتداء على الدين في قوله تعالى : ﴿ إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم ﴾ (المائدة:33) .
كما يتمثل جزاء الاعتداء على النفس في قوله : ﴿ يأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى ﴾ (البقرة:178) ، ومن الضوابط الإسلامية أنه لا يجوز لأهل القتيل الثأر بأيديهم حتى لا ينتشر القتل ، بل عليهم الالتجاء إلى ولي الأمر كي يقتـص لهم من القـاتل وتعهد الله بنصره ﴿ ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصوراً ﴾ (الإسراء:33) .
وجزاء الاعتداء على العرض بالزنا : ﴿ الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة﴾ (النور:2) ، وجزاء الاعتداء على العرض بالقذف : ﴿ والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ﴾ (النور:3) .
والاعتداء على العقل يكون بإذهابه عن طريق شرب الخمر والمسكرات ، وشارب الخمر جزاؤه تعزيراً ثمانون جلدة ، ويقول الله في تحريم الخمر : ﴿ إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ﴾ (المائدة:90) .
أما الاعتداء على المال فيتمثل الجزاء فيه بقوله تعالى : ﴿ والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله ﴾ (المائدة:38) .
\" ويقرر الإسلام مبدأ التشهير بالعقوبة ﴿ وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ﴾ (النور:2) والغرض من المشاهدة هو التشهير بالمذنب من جهة وضرب المثل للغير من جهة أخرى ، وحيث أن الإنسان حريص دائماً على كرامته واحترامه بين الناس ، لذلك فإنه يبتعد عن الوقوع في الخطأ الذي يعرضه للعقوبة والتشهير به \" ( الدباغ ، 1979 ، ص98) .
ومما سبق نرى أن العقوبة في الإسلام تحرص كل الحرص على أمن الجماعة ، فهي جزاء يرد به المجتمع على جريمته . والجريمة هي عدوان على حق المجتمع في الأمن والسلامة ، وعدوان على المجني عليه بحرمانه من حقه في الحياة أو الحرية أو التملك ، وهي أخيراً عدوان على نسيج العلاقة التي تربط الأفراد فيما بينهم ( الأخرس ، 1997) .
ثالثاً : الإسلام منهج اجتماعي متكامل
يعتبر الدين الإسلامي منهجاً في الحياة تتبعه كل جماعة ويرتضيه كل مجتمع ، فهو يهذب النفوس الإنسانية ، ويوجه الحياة وجهة الحق والخير كما أنه ضرورة من ضرورات الإنسانية ، لا تغني عنه فكرة عقلية ولا تنظيم وضعي فقد اشتمل القرآن على الأصول العامة والقواعد الكلية كضوابط منظمة لشئون المجتمع ، وهذه الأصول والقواعد ثابتة لا تختلف باختلاف المكان والزمان ، أما التفصيلات الجزئية والتطبيقات العملية ( أساليب تطبيق هذه القواعد ) هي أشياء نسبية . لذا فالتشريع الإسلامي يتلاءم دائماً مع ظروف البيئة الاجتماعية لما يتميز من مرونة وقابلية للتطور والتوافق ( سليم ، 1985) .
وإذا كان الالتزام الديني يحقق وظيفة النظام والضبط الاجتماعي ، فليس معنى هذا أنه عنصر أو سلاح تستخدمه الطبقة الحاكمة لإخضاع المحكومين في كل زمان ومكان ، فالدين الإسلامي الحنيف يحقق وظيفة الضبط والنظام والعدالة والمساواة ، ويقيم مجتمعاً متكاملاً متكافلاً من خلال معايير ومبادئ يلتزم بها الحاكم والمحكوم معاً في اتساق معجز( السمالوطي ج2 ، 1981) .
ومنذ العصور الأولى للإسلام كانت السلطة الدينية والمدنية تتمثل في شخص واحد هو أمير المؤمنين ، فهو إمامهم وحاكمهم العادل والمسئول عن مصالحهم الدينية والدنيوية ، والحكم والإمارة في الإسلام هي تكليف وليس تشريف ، فالحاكم يقوم بدور كبير في تصريف شئون الرعية والرعاية على مصالحهم ، ومن ذلك المحافظة على الضوابط في المجتمع الإسلامي . ويبرز ذلك في وصف الحسن البصري للإمام العادل عندما طلب منه ذلك عمر بن عبد العزيز ، فكان مما ذكره له : « الإمام العدل يا أمير المؤمنين هو القائم بين الله وبين عباده ، يسمع كلام الله ويسمعهم ، وينظر إلى الله ويريهم ، وينقاد إلى الله ويقودهم ، واعلم يا أمير المؤمنين أن الله أنزل الحدود ليزع بها عن الخبائث والفواحش ، فكيف إذا أتاها من يليها ، وأن الله أنزل القصاص حياة لعباده ، فكيف إذا قتلهم من يقتص لهم » ( مرسي ، 1986) .
\" فالإسلام فكرة جامعة ، فهو دين ودولة ، دنيا وآخرة ، حكم وسياسة ، اقتصاد واجتماع ، الأمر فيه شورى ، والإمامة العظمى بيعة واختيار ، والمسلمون أخوة متساوون \" ( سليم ، 1985 ، ص151) .
ويتميز الضبط الاجتماعي في الإسلام بخصائص تميزه عن غيره من الضوابط ، فالتشريع الإسلامي يستمد سلطته من الله سبحانه ، ويعتمد في ضوابطه على وازع الضمير الذي يعمل كموجه للإنسان في تصرفاته ، فيكون الضمير على يقظة في جميع الأوقات بأنه مراقب إلهياً في السر والعلن . فالضمير الحي خير عاصم من الزلل وقوة كبيرة لحفز الإنسان على العمل ، وتربية ضمير الإنسان التي حرص عليها الإسلام هي تربية لإرادته بحيث يصبح متحكماً في جميع أعماله وليس عبداً لنزواته وشهواته ( السالم ، 2000) . والإيمان تربية ذاتية ، تبدأ من تغيير الإنسان لذاته وتنتهي إلى أفراد المجتمع عامة ، فالتغير يبدأ من سلوك الإنسان ، والنفس الإنسانية قاعدة التغيير ومحوره ، وهذا هو السر وراء المكانة العظيمة للعقيدة في الإسلام ﴿ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ﴾ (الرعد:11) . ومن تربية الضمير قوله  لمن جاءه سائلاً عن تعريف البر والإثم : \" استفت نفسك ، البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب ، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك \" .
\" كل هذه المبادئ الإسلامية تنبئ عن متانة البناء الاجتماعي وقوة أركانه وصلاحيته للرجوع إليه والاحتكام له في كل زمان ومكان بين جميع الناس \" ( سليم ، 1985 ، ص159) .
شمول الضوابط الإسلامية وقصور الضوابط الوضعية :
يدعي أعداء الإسلام أن في تطبيق الحدود قسوة لا تتفق مع حقوق الإنسان ، ولا مع التطور الحضاري في هذا الزمان ، وهم ينادون باستبدال تلك الحدود بقوانين وضعية بحجة أن الحدود وضعت لزمان غير زماننا ،ولكننا نرد بقوله تعالى : ﴿ وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ﴾ (المائدة:49) .
فالله أنزل الشريعة الإسلامية لتلائم كل زمان ومكان ، وحدود الله التي فرضها إنما تناسب طبيعة النفوس الضعيفة التي جبلت على الخوف من العقوبة الحاضرة الظاهرة بشكل أشد وأردع من الخوف من عقوبة الآخرة ، وعليه فإن الأثر الاجتماعي للحدود لا يقف عند مرتكب الجريمة وحده وإنما يتعداه إلى غيره ، فلو طبق الحد على زانٍ أو سارق أو شارب خمر جهاراً أمام الناس في مجتمع تنتشر فيه هذه الآثام ، كان في ذلك أكبر وازع وأقوى عامل من عوامل الحد من تلك المشكلات الاجتماعية الأخلاقية ، والبعد عن ارتكابها والتفكير ألف مرة قبل التردي في مستنقعاتها . وهكذا تبرز حكمة الإسلام ونظرته العميقة للمجتمع ، حيث جعل الحدود جزاءً رادعاً لجرائم خطيرة تمس أمن المجتمع ، وجعل القصاص مساواة تامة بين الجرم والعقوبة ، أما التعزير فقد جعله أمراً متروكاً لاجتهاد العالم المسلم فيراعي طبيعة المجرم والجريمة والظروف المحيطة . ويكفي قوله  : \" ادرءوا الحدود بالشبهات \" للرد على كل لسان يعادي الإسلام وشريعته ، فهذا الحديث يدل على السماحة المتأصلة في الشريعة الإسلامية ، والتسامح والتعاطف البالغ مع أبنائها ( إسماعيل ، 1416هـ) .
إن الإسلام حين وضع ضوابط اجتماعية ، لم يهمل احتياجات الفرد وخصائص طبيعته البشرية ، فجاءت الضوابط الإسلامية مرنة ملائمة لكل عصر وكل حالة إنسانية ، ولنأخذ مثلاً ضوابط الزواج والطلاق في الإسلام :
دعا الإسلام إلى الزواج وتكوين أسرة لما في ذلك من دعم للمجتمع المسلم وحفظ لكيانه ، ولما للزواج من فوائد عديدة للفرد والجماعة ﴿ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ﴾ (الروم:21) . وأباح الإسلام للرجل الزواج بأكثر من امرأة إذا دعت الحاجة لذلك بشرط العدل بين الزوجات ﴿فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ﴾ (النساء:3) وأبغض الإسلام الطلاق ونفر المسلمين منه ودعا إلى الإصلاح بين الزوجين بشتى الوسائل ، ولكنه مع ذلك لم يحرمه ، بل يصبح الطلاق ضرورة إذا تأزمت الحياة الزوجية واستحالت العشرة بين الزوجين ، حينئذٍ يكون الطلاق حلاً مطلوباً ومخرجاً من حياة لا تطاق ، مع الاحتفاظ بحقوق الزوجة وحسن المعاملة حتى بعد الطلاق ﴿ فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ﴾ (البقرة:299) . وهنا تظهر سماحة الإسلام في عدم الضغط على أفراده ، بل مراعاة ظروفهم إلى أقصى حد ، كما يظهر الفرق بين الإسلام والقوانين الوضعية الغربية التي تمنع الزواج بأكثر من واحدة ، كما تمنع الطلاق بين الزوجين بأي حال من الأحوال ، وبنظرة سريعة إلى مظاهر الانحراف والشذوذ وسوء الأخلاق بين الزوجين وانتشار الخيانة الزوجية والتفكك الأسري القائم في الأسر الغربية ، يتضح لنا مدى تسامح الإسلام ومرونة ضوابطه الاجتماعية .
إن الضوابط الاجتماعية والأخلاقية والدينية في الإسلام صادرة من نبع واحد أصيل ، ومصدر ثابت لا يتغير ولا يعرف الزلل أو الخطأ ، ومن ثم لا يقع المسلم بين ضغوط الاختلافات التي تقوم في المجتمعات الأخرى ، والتي تتعارض فيها الفضائل الاجتماعية الضابطة لسلوك أفرادها ، فالمؤسسات الاجتماعية تفرض ضوابط ، والمؤسسات الدينية تفرض ضوابط أخرى ، وهناك من ينادي بحرية الفرد في أخلاقياته وعدم الخضوع لأي ضوابط إلا ما يراه هو مناسباً . وهنا أصبح الناس منقسمين ، ويعيش الفرد فيهم بأكثر من شخصية ، ولذا شاع عندهم الأمراض النفسية كالفصام وعمليات الانتحار . ولنضرب مثلاً على حالة التناقض التي يعيشون فيها : في بريطانيا هناك أستاذ فقه القانون الأستاذ هارت Hart ينادي في كتابه \"القانون والحرية والفضيلة \" بضرورة الحفاظ على حق الفرد أن يفعل ما يريد ما دام عمله لا يترتب عليه ضرراً للآخرين ولو كان فعله جريمة أخلاقية ، بينما على الطرف الآخر ينادي كبير قضاة بريطانيا لورد دفلن Devlin في كتابه \" ضرورة فرض الفضيلة على الناس \" بضرورة فرض الفضائل على الناس أرادوا أو لم يريدوا . وثار الجدل حول هذه الآراء ، ولم يزل ثائراً ، وسيظل كذلك ما دام القانون المنظم للمجتمع من وضع الناس لا من وضع العلي العظيم خالق الناس ( حسنين ، 1394هـ) .
ويشهد المنصفون منهم على قصور قوانينهم وكمال إسلامنا حيث يتناول كتاب (القادة الدينيين Religions Leaders ) لمؤلفيه \"هنري ودانالي توماس\" ثلاثة أنبياء : موسى وعيسى ومحمد (عليهم الصلاة والسلام) وغيرهم من الأئمة والمصلحين في كافة الديانات والمذاهب . فذكر عند حديثه عن الرسول عليه الصلاة والسلام : « إن القرآن واضح في منهج السلوك الذي يتطلبه من المسلم فإن واجبه الأول أن يرتفع غاية الارتفاع . وقد عمل على إدماج النزاع بين الأفراد والقبائل في أخوة إسلامية ، وتوسل إلى تحقيق هذه الأخوة بتعليم كل رجل وكل امرأة وكل طفل منهجه الكامل من السلوك المستقيم ، فجاء بتحريم الخمر والميسر والخداع والأثرة والقسوة على أي وجه من الوجوه ، وألهم المسلمين أن يفرقوا بين حدود العبادة ، وحدود الأخلاق والنيات ، فليس البر أن يولوا وجوههم قبل المشرق والمغرب ، وإنما البر في الإيمان والإحسان ، وعلى المسلم أن يدفع عن نفسه ، وأن يقاتل من يقاتلـه ، ولكنه لا يعتـدي لأن الله لا يحب المعتدين » ( صبح ، د.ت ) .
\" إن الإسلام هو الكفيل بتحقيق أمل الإنسان في الأمن والرخاء والعدل والمساواة وتكافؤ الفرص والمشاركة الواعية البناءة في صنع واقعه وتنمية مجتمعه اقتصادياً واجتماعياً، وتخليصه من كل ألوان القلق والصراع والحقد والزيف الذي تعاني منه المجتمعات غير الإسلامية \" ( السمالوطي ، ج2 ، 1981 ، ص154) . وبذلك تقر الدكتورة لورا فاجليزي في كتابها ( تفسير الإسلام ) : « بينما كان الناس يعانون قبلاً من الفوارق الاجتماعية ، أعلن الإسلام المساواة بين البشر ، ولم يصبح للمسلم امتياز على مسلم بأصله ، أو بأي عامل آخر لا يتعلق بشخصه ، وإنما الميزة خشية الله ، والعمل الصالح ، والقيم الخلقية » ( صبح ، د.ت ) .
إن الإسلام هو المصدر الأصيل لجميع الضوابط الاجتماعية ، وفيه تنبثق جميع آدابنا وأخلاقنا ، وعن طريقه نكتسب سلوكياتنا ، فالإسلام لم يترك صغيرة ولا كبيرة في حياة المجتمع إلا بينها ووضحها ورسم طريقها وضوابطها ، وحيث يكون الإسلام هو أساس القيم ومصدر التشريع ، وتكون تعاليمه هي بذاتها قواعد التربية التي ينبثق منها ما يعرف بالرأي العام والعرف والتقاليد ، هذا المجتمع لا يحتاج إلى تعدد مصادر الضبط الاجتماعي ، فالمصدر واحد حق هو شرعة الإسلام ، ويمكن اعتبار المصادر الأخرى هي مظاهر تتعدد تعدد ألوان الطيف الذي يصدر من نور واحد أصيل ( حسنين ، 1394هـ) .
الخاتمة
الحمد لله الذي بنعمه تتم الصالحات ..
تعرضت في بحثي إلى مفهوم الضبط الاجتماعي وضرورته ونظرياته ، وأساليبه المستخدمة قديماً وحديثاً ، كما تطرقت إلى دور التربية في الضبط الاجتماعي ، ثم أفردت حديثي عن الضبط الاجتماعي في الإسلام من خلال إبراز دور الدين عامة في ضبط المجتمع ودور الدين الإسلامي بشكل خاص في ضبط المجتمع المسلم ، والذي ظهر أنه يتمثل في الاهتمام بجميع جوانب الفرد والجماعة .
ومن خلال الاستعراض السابق يتضح لنا تهميش الدين في العالم الغربي ، وعلى الرغم من اهتمم القلة من علماء الغرب بالدين ، إلا أن الغالبية منهم أهمل دوره في الضبط الاجتماعي ، ويظهر ذلك في آرائهم ونظرياتهم ، فقد احتل الدين كوسيلة ضابطة عند روس المركز الخامس ، بينما جاء في المرتبة الثانية بعد القانون عند جيرفيتش ، في حين أن كلاً من لابيير وبارسونز لم يذكراه أو يتعرضا له أصلاً كوسيلة من وسائل الضبط الاجتماعي واقتصرت وسائل الضبط الاجتماعي عند سمنر على الأعراف والتقاليد . كما ظهر انفصال كبير بين الدين والقانون ، واحتلت القوانين الوضعية مكان الأديان السماوية في ضبط المجتمع فنتج عن ذلك تخبط دائم وفساد مستمر في المجتمع الغربي . فالقوانين الوضعية لا تنبع من ذات الفرد بل هي من سلطة خارجية ، تستعبدها الأهواء والمصالح الشخصية ، لذا فالفرد لا ينقاد لها بإرادته بل مجبراً ، بينما الضوابط في الإسلام تركز على ذات الفرد وتعمل على تزكيته وتنقيته وتنمية ضميره كي يصبح ضابطاً لنفسه قبل أن يضبطه المجتمع .
الغرب يبنون النظريات ويتعبون في وضع القوانين والأنظمة لتشمل جوانب حياتهم ، وينتج عن ذلك تعارض بين الآراء والأهواء والرغبات ، وتنافر بين الأجيال وتمرد على القوانين، ولذا فالضوابط غير مستقرة ، بل تتعرض للتغير دائماً ، ونسمع عن الإضراب والمظاهرات المختلفة نتيجة الاعتراض ، كل هذا لأن القوانين وضعية ، والضوابط بشرية لا تنجو من الخلل والزلل . بينما نحن وفر لنا ديننا الراحة من العناء والتعب ، فلا ضوابط نضعها ، ولا قوانين نبتكرها، كلها من عند رب العالمين ، الخبير بعباده، العالم بشئونهم أكثر منهم ، فنحن لا نحتاج إلى خلق نظام لحياتنا ، فالإسلام نظامنا وحياتنا ، فهو الدين الكامل ، ومنهج الحياة الشامل ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً﴾ (المائدة:3)
المراجع
أولاً / المراجع العربية :
1. ابن منظور ، أبو الفضل جمال الدين (ت711هـ ، ط1994م) : لسان العرب . المجلد السابع ، بيروت ، دار صادر .
2. أبو زيد ، محمود (1980) : الشائعات والضبط الاجتماعي . الاسكندرية ، الهيئة المصرية العامة للكتاب .
3. الأخرس ، محمد صفوح (1997) : نموذج لاستراتيجية الضبط الاجتماعي في الدول العربية . الرياض ، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية .
4. إسماعيل ، زكي محمد (1416هـ) : الحدود الشرعية وآثارها الاجتماعية . الأمن ، العدد43 ، (56-59) .
5. بدران ، شبل (1999) : التربية والمجتمع . الاسكندرية ، دار المعرفة الجامعية .
6. بنكس ، أولفا (1988) : اجتماعيات التربية . ترجمة محمد علي المرصفي ، د.ن .
7. جابر ، سامية محمد (1984) : القانون والضوابط الاجتماعية . الاسكندرية ، دار المعرفة الجامعية .
8. الحامد ، محمد بن معجب . الرومي ، نايف بن هشال (2001) : الأسرة والضبط الاجتماعي . الرياض ، د.ن .
9. حسنين ، مصطفى محمد (1394هـ) : الضبط الاجتماعي في الإسلام . أضواء الشريعة ، العدد الخامس ، الرياض ، كلية الشريعة ، (201-208) .
10. الخريجي ، عبد الله (1979) : الضبط الاجتماعي . جدة ، دار الشروق .
11. الخشاب ، أحمد (د.ت) : الضبط والتنظيم الاجتماعي . القاهرة ، مكتبة القاهرة الحديثة .
12. الخطيب ، محمد شحات وآخرون (1995) : أصول التربية الإسلامية . الرياض ، دار الخريجي للنشر والتوزيع .
13. الدباغ ، عفاف (1979) : العقوبة في التربية الإسلامية . مجلة الخدمة الاجتماعية ، العدد الثاني ، الرياض ، (95-99) .
14. دياب ، فوزية (1980) : القيم والعادات الاجتماعية . بيروت ، دار النهضة العربية.
15. الرشدان ، عبد الله (1999) : علم اجتماع التربية . عمان ، دار الشروق .
16. الرفاعي ، أنور (1998) : النظم الإسلامية . دمشق ، دار الفكر .
17. السالم ، خالد بن عبد الرحمن (2000) : الضبط الاجتماعي والتماسك الأسري . الرياض ، د.ن .
18. سليم ، سلوى (1985) : الإسلام والضبط الاجتماعي . القاهرة ، دار التوفيق النموذجية .
19. السمالوطي ، نبيل محمد توفيق (1981) : الدين والبناء الاجتماعي . الجزء الأول ، جدة ، دار الشروق .
20. السمالوطي ، نبيل محمد توفيق (1981) : الدين والبناء الاجتماعي . الجزء الثاني ، جدة ، دار الشروق .
21. السيد ، سميرة أحمد (1997) : مصطلحات علم الاجتماع . الرياض ، مكتبة الشقري.
22. شطارة ، أسعد سليم (1995) : أنسنة النظم الاجتماعية ( تصور لعالم أفضل ) . بيروت ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر .
23. شفشق ، محمود عبد الرزاق وآخرون (1989) : التربية المعاصرة : طبيعتها وأبعادها الأساسية . الكويت ، دار القلم للنشر والتوزيع .
24. شفيق ، محمد (1997) : الإنسان والمجتمع . الاسكندرية ، المكتب الجامعي الحديث.
25. صبح ، محمد أحمد جاد (د.ت) : التربية الإسلامية ( دراسة مقارنة ) . القاهرة ، مكتبة الكليات الأزهرية .
26. الطبيب ، أحمد محمد (1999) : أصول التربية . الاسكندرية ، المكتب الجامعي الحديث .
27. العمايرة ، محمد حسن (1999) : أصول التربية التاريخية والاجتماعية والنفسية والفلسفية . عمان ، دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة .
28. مرسي ، محمد منير (1986) : التربية الإسلامية : أصولها وتطورها في البلاد العربية . (د.م) ، دار المعارف .
ثانياً / المراجع الأجنبية :
29. Gibbs , Jack P. (1981) : Norms , Deviance & Social Control .
New York , Elsevier .
30. Janowitz , Morris (1991) : On Social Organization & Social
Control . Chicago , The University of Chicago . الرسالة