تفعيل أخر لمقولات هانز مورغانثو لتوازن القوى وهو الدور الذي يلعبهُ ” المُمُسك ” بزمام الأمر، أو كما وصفهُ با ” “Balancer ، ويقصدُ به أن الوظيفة الاساسيه لهذا “Balancer” هو إتباع أنظمة الفحص ، من خلال سياسات وآليات، لمنع حالة اللأتوازن للقوى في النظام السياسي الدولي أن تنجح. لأن حالات اللأتوازن في القوة بين الدول متوقع حدوثها عندما دوله وطنيه معينه أو مجموعه متحالفة تُمارس سياسة القوة على دولة أخرى أو” قيام إمبراطوريه” أو تكتل جديدة، ومن الطبيعي دول أخرى يمكن أن تخسر كيانها السيادي الوطني من داخل هذا النظام.
وبناءاً على فرضيات مورغانثو، “فالمُمُسك ” بزمام النظام الدولي يحتل المركز الرئيسي في توازن القوى ، باعتباره القادر على “ردع وتحديد” اى صراع نحو اكتساب القوة ، وذلك من خلال إتباعه الوسائل التالية: المشاركة مع الدول الوطنية الممتلكة للقوه المميزة، أو مع تحالفات لحفظ السلم، أو السعي إلى تحقيق أهدافه العليا، أو المزج بينهما في كل موقف، بشرط المحافظة على توازن القوى في سابق عهده .
وبعيدا عن الواقع، نظرياً اى تحالف للقوة أو دوله وطنيه أو حتى كيان سياسي يستطيع ” كمُمُسك ” أو (Balancer) إن يوفر شرطين أساسين: الأول عزل تأثيراته ودوره في حالات ” الأمر الواقع” ومن الصراع نحو القوة، والثاني قدرته على امتلاك القوة الضرورية لكي يستطيع التأثير بها في الأطراف الأخرى ألمتصارعة.
يختلف مورغانثو عن سابقه روسو في موضوع “ترتيبات الأمن الجماعي” و ” وتحالفات توازن القوى” ، و مورغانثو يقدم الفرق بينهما. فعملية التحالف لترتيبات الأمن الجماعي بين الدول تتشكل تلقائياً على قاعدة من الالتزام القانوني والأخلاقي عندما الدول تتفق على أن هناك خطراً مشتركاً يهددها ، وهنا لا يعملون على وضع نظام جديد ” للتوازن القوى” ، ولكن للتعبير عن ” وجوده ” في حين أن ” تحالفات توازن القوى” تشكلهُ دول شخصيه ضد دول شخصيه أخرى( مثال معاصر: الائتلاف الامريكى الأوروبي في الكويت ضد العراق 1991) وعلى “قواعد من الإدراك الذاتي للمصالح الوطنية، إلا أن هذا النظام لا يعمل أوتوماتيكيا، ولكنهُ يعتمد على طبيعة الحلف السياسي في نقطه معينه وفى توقيت تاريخي معين” ((Morganthau ,Politics Among Nations,1961 .
ويستمر مورغانثو في تعليلهِ لتواجد نظام توازن القوى لأنهُ ليس غاية مستهدفه ولكنه مرغوباً بقدر ما يحفظ للدول سيادتها ومن ثم يحقق مصالحها ، ولأن النظام الدولي تتحكم فيه ظاهرة التهديد ) (Threat System ، ومن هنا يعتقد مورغانثو أنه إذا فشلت سياسات الاحتواء للصراع، فذلك وفى حد ذاته مبرر لقيام وممارسة سياسة توازن القوى العالمي. ويشير أيضاً في عرضهِ لتصوراته لنظرية توازن القوى” أن العلاقات الدولية تقوم أساساً على ديمومة الصراع واستمراره ، أم التعاون الذي تتبناه معظم الدول فهو استثناء لقاعدة السياسة الدولية “، وهو ليس كمثل “ترتيبات الأمن الجماعي” ، وفى سياق تعريفه لمصالح الدول يؤكد أن ” المصلحة الوطنية معيارها القوة ،بالرغم من تغير مفهوم المصلحة عند بعض الدول ” .
وقبل أن نصل إلى خلاصة القول و تقديم تأسيس نظري لهذه المقارنة لتوازن القوى بين المفكرين، وجب التنويه أن أفكار كل منهما تعرضت إلى العديد من الانتقادات خصوصاً في جزئيات الأخلاق، والقوة ،والإنسان، والمصلحة، ومفهوم ألدوله الوطنية، وثبوت الدافع ( Motivation)في العلاقات الدولية ، ومحدودية دور العامل العقائدي في السياسة الدولية، والإخفاقات التي تمتعت بها نظرية توازن القوى بمعيار القوة كاداه أو نتيجة ؟ وكذلك الصور المختلفة لتوازن القوى التي قدمها المفكران، كل ذلك لا يدخل في صلب اهتمامات هذه الدراسة.
ومن نافلة القول يجب التنويه أن ُأولى استعمالات نظرية توازن القوى في البحث العلمي، خصوصاً في حقل السياسة الدولية، كانت في الكتابات التي تتبعت تاريخ التطور الدبلوماسي لدول أوروبا وعلاقات القوى التي تتحكم في سلوكها الخارجي.
وأخيراً، من خلال ما تم تقديمه من سيناريو أن المفكرين وصل بالفعل إلى نتائج متشابهه ومفهوم يتفق عليه الاثنان بالرغم من الفارق الزمني بينهما، وأن نظرة الاثنين إلى الإنسان ( ألمواطنه ) تختلف وأن الظروف الدولية التي سادت عصر روسو هي ليست مثيله لفترة مارغانثو ،إلا أنهما المكتشفان لفكرة توازن القوى التقليدي والواقعي. ليس ذلك فقط، ولكن اكتشافهما لأهمية دور هذا التوازن للقوى بين الدول في تحقيق الاستقرار والسلم لنظام الدول الدولي، وأهمية دور إل( (Balancer أو المُمسك بزمام الأمر فيه .
ويبقى القول أن الدول السيادية قد تأثرت بفرضيات هولاء في أن توازن القوى لا يمكن انتهاكهُ وينبغي أن يكون باقياً ، وهى تعي تماماً أن تغييرهِ ممكن، ولكن في ظل التعهدات والقانون والتحالفات الدولية الجماعية. ولهذا السبب فاءن المُفكّرين لم يُخفيا شكوكهما من ترتيبات “الأمن الجماعي” والجهود الدبلوماسية لتُحقن بها الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والاقليميه لإقامة السلم والأمن الدولي.
ولقد اتضحت رؤيتهما لفكرة توازن القوى أكثر عندما أشاروا في تحليلاتهم إلى أن تحقيق التوازن صعب تحقيقه كآلية لبقاء الأمر الدولي، وأن غيابه يؤثر كثيراً على الاستقرار والأمن ما بين الدول. ووصل الاثنان إلى أتفاق أن توازن القوى يحتوى على نظام مُعرف ويُوضح كيف القوة تتوزع بين الوحدات السيادية أو الكيانات السياسية.
بشكل موجز، يبقى كل من روسو مورغانثو أمثله أساسيه لفكر نظريات توازن القوى، التقليدي والواقعي، ذلك الحقل العلمي المهمل في الوطن العربي، ويبقى إسهامهما نموذج مركزي في السياسة والتحليل الدولي.
مراجع مختارة:
اعتمدت هذه الدراسة، فيما يتعلق بأفكار روسو، على كتابه ” العقد الاجتماعي المترجم إلى العربية سنة 1972، ترجمة دوقان قرقوط وكذلك الاستناد إلى شروحات هوفمان ستانلى وديفيد فيدلر، إما أفكار مورغانثو فتم الاعتماد على كتبه الاصليه باللغة الانجليزية في جزئية القوة والسياسة الدولية وتوازن القوى، ونقل أفكاره من الانجليزية إلى العربية مباشرة لصالح الدراسة.
– مقلد، صبري ، نظريات السياسة الدولية، منشورات ذات السلاس ، الكويت، 1987.
– روسو ، جان جاك ، العقد الاجتماعي (ترجمة ذوقان قرقوط)، دار القلم ، بيروت ، لبنان، 1972.
• -Hans, J.Morganthau, Politics Among Nations: The Struggle for Power ,
Oxford: Clarendon Press, 1978.
• …, the Failure of Democracy, Alfred A.Knop, 1979.
• ……………….., Power and Ideology of International Politics, in –
International Politics and Foreign Policy, (The Free Press, New
York, 1961).
• ………………………., International Politics and Foreign Policy( The Free
Press. New York, 1961.
• Hoffmann, Stanly, Contemporary Theory in International Relations, (Prentice Hall, Inc, N.J., 1960).
• Hoffmann, Stanly & Fiddler, David, Rousseau on International Relations, Oxford: Claredon Press, 1991.
• Sheehan, Michael, the Balance of Power: History and Theory, London: Rutledge, 1996.
• Zinnes, Dina, “An Analytical Study of the Balance of Power Theories”, Journal of Peace Research.1 (4), 1967.
* قسم العلوم السياسية/كلية الاقتصاد/ جامعة بنغازي