تعريف السياسة:
سوف يتم التطرق في هذا الجزء إلى معني السياسة من الناحيتين : اللغوية والاصطلاحية
(أ)السياسة لغة:-
جاء في لسان العرب لابن منظور ان السياسة مصدر للفعل ساس يسوس ، وساس الأمر سياسة: قام به ، وسوسه القوم:جعلوه يسوسهم (1)
يقول الفيروزآبادي- صاحب القاموس المحيط - سست الرعية سياسة، أي أمرتها ونهيتها (2)
وقال ابن حجر: يسوس الشئ أي يتعهده بما يصلحه (3)
والسياسة فعل السائس الذي يسوس الدواب سياسة ، أي يقوم عليها ويروضها ، والوالي يسوس الرعية أي يأمرهم (4)
وجاء في الحديث النبوي الشريف "كان بنو اسرائيل يسوسهم أنبياؤهم" أي يتولون أمورهم كما يفعل الولاة بالرعية.
كما وردت كلمة سياسة ومشتقاتها في شعر العرب ، تقول الخنساء :
ومعاصم للهالكين وساسة قوم محاشد
ويقول ابو العلاء المعري :
يسوسون الأمور بغير عقل فينفذ أمرهم ويقال ساسة
وقال الحطيئة :
يسوسون أحلاماً بعيداً أناتها وإن غضبوا جاء الحفيظة والجد
وبشكل عام يمكن القول إن السياسة في اللغة العربية تشير إلى معنى الرياسة والقيادة والذكاء والفطنة والكياسة والدهاء .
أما مصطلح السياسة في اللغات الغربية ومنها الانجليزية ((Politics والفرنسية Politique)) فهو مشتق من ثلاث كلمات لاتينية هي:
(1)Polis وتعني المدينة ، وقد كانت المدينة هي الوحدة السياسية في اليونان القديمة ، حيث عرفت اليونان آنذاك ما أطلق عليه اسم دولة المدنية City – State )) .
(2) Politica وتعني الأشياء السياسية والمدنية النظرية ، وكل ما إذا ذكر تبادر إلى الذهن معنى السياسة كالدستور والحكومة والسيادة وغيرها من الكلمات .
(3) Politike وتعني السياسة كفن او كممارسة يقوم بها السياسيون . (5)
كذلك يميز العلماء بين مصطلح السياسة المعرف بالألف واللام والذي تقابله كلمة(Politics) ومصطلح سياسة المجرد من الألف واللام والذي تقابله كلمة Policy) )لان الأخير يشير الى ما تصنعه الدولة وتنفذه من خطط وبرامج عمل ، كان نقول سياسة خارجية Foreign Policy)) و سياسة مالية Financial Policy)) وسياسة اجتماعية ((Social Policy و سياسة اقتصادية (Economic Policy) وتشكل – مجتمعة - سياسات(Policies ) الدولة ، وتمثل الجوانب العملية الهادفة الى تحقيق غايات الدولة (6).
(ب) السياسة اصطلاحاً:-
أولاً: في الفكر الغربي :
هناك اختلافات واسعة بين العلماء والمفكرين الغربيين حول تعريف معنى السياسىة من الناحية الاصطلاحية ، ولا يمكن لأي باحث واحد أن يحصي التعريفات الواردة بشأن السياسة لكثرتها وتباين اتجاهات القائلين بها ، وحينما يتم استعراض الاراء المختلفة حول السياسة ، يلاحظ المرء أن هناك اختلافات واسعة حول المفهوم ، لكنها تعني – كقدر مشترك بين المفكرين – كل ما يتعلق بالدولة والسلطة الحاكمة وعلاقتها بالمواطنين ، ولكن من منطلقات مختلفة ، ومتعارضة في بعض الاحيان ،وما ذلك إلا بسبب اختلاف الزوايا التي ينظر من خلالها كل مفكر إلى الموضوع ، ومنطلقه نحو دراسته .لكن ، ورغم الاختلافات الواسعة حول هذا الموضوع ، وتشعب الاراء حوله ، يمكن التمييز بين الاتجاهات التالية في تعريف السياسة :
الاتجاه الأول : السياسة هي فن الحكم :
طبقاً لهذا الاتجاه ، فإن السياسة هي فن حكم الناس ، وهو اتجاه قديم برز في كتابات اليونانيين القدماء من أمثال: سقراط وإفلاطون، ، حيث يرى سقراط 469-399 ق. م ) أن " السياسة هي فن الحكم والسياسي هو الذي يعرف هذا الفن " . وبالتالي فان السياسة عند سقراط هي (فن ) يتفاوت الناس في كسبهم منه ، فمنهم السياسي البارع الذي يجيد هذا الفن ، ومنهم من لا يجيده ، بينما يرى افلاطون (428-347 ق.م) ان ( السياسة هي فن حكم الافراد برضاهم ، والسياسي هو الذي يعرف هذا الفن )
يلاحظ ان هذا الاتجاه يركز – بشكل مباشر – على ما يعرف اليوم في الادبيات السياسية بالرضا الشعبي ((Popular Consent ، حيث أكد هذا الاتجاه على ان الحكم يكون برضاء المحكومين وليس عن طريق القوة ، ولا غرو في ذلك فقد عاش هؤلاء المفكرون في كنف الديمقراطية الاثينية ، وشاركوا في حياتها العامة ، وأسهموا في تطويرها ، وكانت لهم فيها صولات وجولات .
الاتجاه الثاني :السياسة هي الصراع على الحكم :
يرى اصحاب هذا الاتجاه ان السياسة هي صراع مستمر بين الافراد والجماعات من أجل الوصول الى السلطة ، فقد قال هانز مورجنثاو (1904-1980) إن (السياسة هي مجال السلطة والعمل السياسي هو الكفاح من أجل القوة) (7) .
بينما يرى ميكافيللي (1469- 1527) " ان السياسة ما هي الا معركة ، بل هي معركة مستمرة تتمثل في الصراع على القوة" (
.
وكذلك يرى اغلب الاشتراكيين ان السياسة تعني الصراع، فعلى سبيل المثال يعرفها تروتسكي (*) على انها : النشاط الاجتماعي المرتبط على نحو وثيق بالكفاح من أجل السلطة " .وهي عند جورج كلاوس "صراع بالدرجة الاولى بين الطبقات حول السلطة الاقتصادية والدولية يهدف الى استخدام سلطة الدولة لتحقيق المصالح الطبقية وصيانتها والدفاع عنها " (9) .ومع ذلك فان بعض الاشتراكيين من امثال روبرت أوين وفورييه برودون ، رغم ايمانهم بالصراع الطبقي ، فانهم يرفضون فكرة الصراع السياسي ويعولون على التدابير الاقتصادية
الاتجاه الثالث :السياسة هي النفوذ السلطوي :
طبقاً لهذا الاتجاه ، فإن السياسة هي السعي للسلطة من أجل بسط النفوذ ، وعلى الرغم من الاتفاق حول هذا الهدف ( بسط النفوذ ) ، الا ان هناك اختلافاً حول الهدف من بسط النفوذ ، فبينما يرى البعض انه لتحقيق مصالح ذاتية ، يرى اخرون ان الهدف هو السعي لتلبية احتياجات المجتمع ، وتحقيق الصالح العام .
الاتجاه الرابع :السياسة هي فن الخداع :
يرى البعض ان السياسة هي " فن حكم البشر عن طريق خداعهم " وان السياسة هي المكر والخداع والمساومة ، والسياسي هو الذي يجيد المكر والخداع ، وكلما كان السياسي مخادعاً ، كلما كان ناجحاً وقادراً على الاحتفاظ بالسلطة لفترة أطول (10) .