منتدى قالمة للعلوم السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم .. أخي الزائر الكريم ..أهلآ وسهلآ بك في منتداك ( منتدى قالمة للعلوم سياسية ) إحدى المنتديات المتواضعة في عالم المنتديات والتي تزهو بالعلم الشرعي والمعرفة والفكر والثقافة .. نتمنى لكم قضاء أسعد الأوقات وأطيبها .. نتشرف بتسجيلك فيه لتصبح أحد أعضاءه الأعزاء وننتظر إسهاماتكم ومشاركاتكم النافعة وحضوركم وتفاعلكم المثمر .. كما نتمنى أن تتسع صفحات منتدانا لحروف قلمكم ووميض عطائكم .. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه , وجنبكم ما يبغضه ويأباه. مع فائق وأجل تقديري وإعتزازي وإحترامي سلفآ .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . المشرف العام
منتدى قالمة للعلوم السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم .. أخي الزائر الكريم ..أهلآ وسهلآ بك في منتداك ( منتدى قالمة للعلوم سياسية ) إحدى المنتديات المتواضعة في عالم المنتديات والتي تزهو بالعلم الشرعي والمعرفة والفكر والثقافة .. نتمنى لكم قضاء أسعد الأوقات وأطيبها .. نتشرف بتسجيلك فيه لتصبح أحد أعضاءه الأعزاء وننتظر إسهاماتكم ومشاركاتكم النافعة وحضوركم وتفاعلكم المثمر .. كما نتمنى أن تتسع صفحات منتدانا لحروف قلمكم ووميض عطائكم .. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه , وجنبكم ما يبغضه ويأباه. مع فائق وأجل تقديري وإعتزازي وإحترامي سلفآ .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . المشرف العام
منتدى قالمة للعلوم السياسية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولصفحتنا عبر الفيسبوكمركز تحميل لكل الإمتدادات
منتدى قالمة للعلوم السياسية يرحب بكم
تنبيه:إن القائمين على المنتدى لا يتحملون أي مسؤولية عن ما ينشره الأعضاء،وعليه كل من يلاحظ مخالفات للقانون أو الآداب العامة أن يبلغ المشرف العام للمنتدى ، أو بتبليغ ضمن قسم اقتراحات وانشغالات
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» امتحان تاريخ الفكر السياسي جانفي 2024م
الطغيان والاستبداد والدكتاتورية Emptyمن طرف salim 1979 الثلاثاء يناير 16, 2024 8:08 pm

» عام ينقضي واستمرارية في المنتدى
الطغيان والاستبداد والدكتاتورية Emptyمن طرف salim 1979 السبت مايو 27, 2023 1:33 pm

» الإقرار وفق القانون الجزائري
الطغيان والاستبداد والدكتاتورية Emptyمن طرف salim 1979 الخميس مايو 11, 2023 12:00 pm

» امتحان تاريخ العلاقات الدولية جانفي 2023
الطغيان والاستبداد والدكتاتورية Emptyمن طرف salim 1979 الجمعة يناير 20, 2023 10:10 pm

» امتحان تاريخ الفكر السياسي جانفي 2023
الطغيان والاستبداد والدكتاتورية Emptyمن طرف salim 1979 الأربعاء يناير 11, 2023 9:15 pm

» كتاب : المؤسسات السياسية والقانون الدستورى
الطغيان والاستبداد والدكتاتورية Emptyمن طرف ammar64 الثلاثاء نوفمبر 08, 2022 10:47 pm

» الفكر السياسي عند الرومان
الطغيان والاستبداد والدكتاتورية Emptyمن طرف salim 1979 الأحد أكتوبر 16, 2022 7:32 am

» الفكر السياسي الاغريقي بعد أفلاطون
الطغيان والاستبداد والدكتاتورية Emptyمن طرف salim 1979 الأحد أكتوبر 16, 2022 7:31 am

» الفكر السياسي الاغريقي
الطغيان والاستبداد والدكتاتورية Emptyمن طرف salim 1979 الأحد أكتوبر 16, 2022 7:29 am

أنت زائر للمنتدى رقم

.: 12465387 :.

يمنع النسخ
الطغيان والاستبداد والدكتاتورية Ql00p.com-2be8ccbbee

 

 الطغيان والاستبداد والدكتاتورية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
salim 1979
التميز الذهبي
التميز الذهبي



تاريخ الميلاد : 27/05/1979
العمر : 44
الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 5278
نقاط : 100012160
تاريخ التسجيل : 06/11/2012

الطغيان والاستبداد والدكتاتورية Empty
مُساهمةموضوع: الطغيان والاستبداد والدكتاتورية   الطغيان والاستبداد والدكتاتورية Emptyالإثنين أغسطس 31, 2015 12:30 pm

[rtl]الطغيان والاستبداد والدكتاتورية:  قول في الفوضى المفاهيمية السائدة وفي التباس مفهوم الانتقال الديمقراطي[/rtl]
[rtl]محمد عادل مطيمط  [/rtl]
[rtl]يبدو ان غالبية الصحفيين والسياسيين بل والكتاب المهتمين بالشأن السياسي عندنا لا يأبهون لضرورة التمييز عند استخدامهم لمصطلحات هامة مثل الطغيان TyrannieوالاستبدادDespotisme والدكتاتورية[/rtl]
[rtl]  Dictature أو الشمولية Totalitarisme، [/rtl]
[rtl]رغم أنها مفاهيم ذات مدلولات دقيقة ومتمايزة في حقل الفكر السياسي قديمه وحديثه. فهم يوظّفونها في خطبهم أو في مقالاتهم كما لو كانت تحيل إلى اسلوب واحد ومتجانس في الحكم يكون مناقضا للديمقراطية باعتبارها النظام الوحيد الذي يكفل المواطنة والحرّيات السياسية... بل يتلازم ذلك مع انعدام للوضوح في تمثل الديمقراطية نفسها التي قد تتحوّل لدى البعض منهم إلى “ديمقراطية شعبية” Démocratie plébiscitaire قائمة على ما اسماه ألكسيس دو توكفيل” بطغيان الأغلبية (المقصود هو دكتاتورية الاغلبية Dictature de la majorité) دون وعي بأنهم من حيث يتحدثون عمّا يعتبرونه ديمقراطية، لا يفعلون سوى أنهم يشرّعون لأحد أبشع انماط القهر السياسي بتحويل الديمقرطية نفسها إلى نظام شمولي أو إلى “ثيوقراطية” Théocratieمرعبة. [/rtl]
[rtl]وكمثال على هذه الفوضى المفهومية في الخطاب السياسي والصحفي السائد، نسمع أو نقرا تصنيفات شتى لحكم الرئيس السابق في تونس على انه حكم “دكتاتوري”Régime dictatorial احيانا، وعلى انه حكم “استبدادي” Régime despotiqueاحيانا أخرى. بل ان البعض يفضّل تسميته ب نظام الطاغية”Régime tyrannique ! فما هو “بن علي” خلال حكمه لتونس على وجه الدقة؟ هل كان“طاغية” Tyran حقّا ؟ ام تراه كان “مستبدّا” Despote ؟ وهل يمكن اعتباره “دكتاتورا” Dictateur؟ ام تراه كان “قائدا كليانيا”ِ Chef totalitaire كما يتسنى ان نفهم ذلك من تصنيف آخرين للحزب الحاكم في عهده على انه “حزب كلياني Parti totalitaire؟؟ وهل يمكن القول انه قد جمع كلّ هذه الصفات في آن واحد؟__ أفلا يدلّ ذلك على اننا لم نفلح بعدُ حتّى في تحديد طبيعة الحكم السياسي الذي كان قائما في بلادنا؟
ويصل هذا التخبّط المفهومي في الخطاب السياسي السائد إلى حد الجمع بين هذه المفاهيم في نفس الصيغ. كأن يُقال لنا أن النظام الفلاني هو نظام”دكتاتوري وفاشي واستبدادي“، في صيغ دعائية توحي للقارئ بأنّ هذه الكلمات مترادفة الدلالة. بل ان احد مشاهير المرحلة الراهنة كان قد ذهب إلى حدّ ابتكار يصف فيه الانظمة العربية الجمهورية في تونس وسوريا ومصر، بأنها أنظمة”جملوكية“(حيث لا مقابل للعبارة في اللاتينية)، مستوحيا ذلك من اسلوب توريث الحكم الذي توخاه بعض الرّؤساء المتأخّرين في هذه الدول. والحال ان ذلك لا ينمّ في رأينا عن عبقرية و سعة خيال بل على تشويش مفاهيمي واضح. فشتان بين النظام الجمهوري والنظام المونارشيMonarchie ، ثم ان الانحراف داخل النظام الجمهوري لا يتمّ بالانزياح نحو الملكية بل بفساد يصيب مؤسسات الجمهورية[/rtl]
[rtl]فما هي أسباب هذا الخلط؟ وما هي نتائجه على صعيد الخطاب والممارسة السياسيين؟ ثم ما هي تعريفات تلك الانظمة وما أوجه الشبه والاختلاف فيما بينها؟ وهل يمكننا ان نستفيد من ذلك في تصوّرنا لتجارب الانتقال الديمقراطي Transition démocratique اليوم مثلا؟[/rtl]
[rtl]
1-
بعض اسباب هذا الخلط: ولع ساذج بالديمقراطية[/rtl]
[rtl]يبدو لنا ان السبب الأول هو اشتراك هذه الانظمة (الاستبداد والطغيان والدكتاتورية) في معاداتها للحرية السياسية. فهي كلّها انظمة للسلطات التامّة تخلو من اي فصل بين مؤسسات السلطة ومن اية رقابة متبادلة على السلطة. أي انها لا تخضع لمبدأ الفصل بين السلطات اللازم لكل ديمقراطية. هذا الشبه يجعل الناشطين في الحقل السياسي يميلون إلى المماهاة بين مدلولات اسمائها فيتعاملون معها باعتبارها مترادفات تحيل إلى مسمّى واحد ودون تدقيق في الفروقات بينها. ومن الطبيعي انه إذا كان هدف الجميع المعلن هو الديمقراطية فان كل اشكال الانظمة الأخرى تتساوى في القيمة وتزول الفروقات في ما بينها ايّا كانت درجة أهميتها. فلا تغدو هذه المصطلحات دالة على حقائق سياسية متمايزة معجميّا وتاريخيا بل على اسماء مختلفة لحقيقة واحدة تتمثل في كلّ نظام قائم على الاستئثار بالسلطات وقمع الحرّيات السياسية. فلدى العائلات السياسية المدافعة فعلا عن الديمقراطية، من حقوقيين و احزاب ليبرالية وغيرها، تمثل الديمقراطية الهدف المنشود الذي يجب ان يتحقق كبديل لنظام قهري تُكال له كلّ نعوت الاستبداد والفاشية و الدكتاتورية والطغيان دون تمييز. اما لدى التيارات التي تتبنّى فكرا معاديا للديمقراطية، فان الديمقراطية اصبحت تّرفع كشعار تعبوي وانتخابي يصاحبه نعت للنظم التي اضطهدتها في مراحل سابقة بأنها نظم طغيانية، دون ان يستوضح الناس طبيعة النظام الذي تقودهم اليه تلك الحركات فعلا. فلا وضوح في خطابها لا في ما تسميه ديمقراطية ولا في ما تسميه طغيانا ولا كذلك في توصيف البديل الذي تبتغي ترسيخه. أمّا السبب الثاني للخلط فهو برأينا الجهل. فهؤلاء الكتاب أو السياسيين الذين يماهون بين تلك المفاهيم لم يستوعبوا جيّدا مثلما يبدو ما درسوه في نصوص التاريخ والعلوم السياسية مثلا. ثم ان الجمهور الذي يسمعهم أو يقرؤهم يبدو هو الآخر ، في قسم كبير منه، غير مهيّأ لمواجهة جهلهم أو تمويههم عند استخدامهم لهذه المفاهيم. [/rtl]
[rtl]وفي خضمّ هذا”الضجيج“تطفو”الديمقراطية“وحدها على السّطح، دون أن تكون هي الأخرى متمثلة بوضوح في الاذهان (حيث تفهمها الغالبية على انها الغلبة في حين يفهمها آخرون على انها الحرّية الفردية التامة) ، فيعمّ الخلط بين كل تلك الاصناف من الانظمة لتختفي سيّئاتها ومناقبها وراء أسماء لمسمّى واحد يبدو ان لا وجود له إلا في اذهان اصحابه. لذا يتوجب التوقف برأينا للتذكير بتعريفات هذه الانماط من الحكم عسى أن يصبح الوعي بالواقع السياسي اكثر وضوحا ودقّة ونجاعة.[/rtl]
[rtl]
2-
سلطة الطاغية بما هي سلطة للخرابDésolation : [/rtl]
[rtl]إذا احترمنا معجم المفاهيم السياسية، فإنّ الطغاة هم الطغاة وهم ليسو بمستبدين ولا دكتاتوريين ولا بقادة كليانيين، فلا يستقيم نظريا ان نصف رئيسا لدولة تنظّم شؤون محكوميها بنصوص دستورية وقانونية، ايّا كانت درجة القهر السياسي فيها، بأنها تمثل حكما طغيانيا إلا اذا كان ذلك على سبيل التشبيه. لأن الطغيان في المجال السياسي هو بحصر الكلمة، سلطة فرد أو مجموعة افراد على مجموعة، لا تخضع في ممارستها لأي رادع قانوني أو عرفي. انه السلطة”السياسية التي يتصرف بموجبها من يسمّى”طاغية“ وفقا لأهوائه فقط ودون اعتبار لدستور أو لمبادئ أخلاقية تقوم رقيبا عليه وتكون حاميا للأشخاص الذين يتعرّضون له. انه بإيجاز سلطة بلا عقد Contrat ينظّمها. وهي بحصر العبارة، سلطة نزويةPouvoir capricieux لا تهدف إلى شيء آخر سوى إلى الهيمنة والبطش. وان شئنا هنا قلنا ان ماهية الطغيان تكمن في الهيمنةDomination/Asservissement : الهيمنة بما هي هدف في ذاته وبما تستدعيه من استهانة وتنكيل بالبشر وليس بما هي حيلة لإنقاذ الشعب من ازمة ما كما هو الحال في الدكتاتورية. ويمكننا ايضا ان نقول عن هذا الصنف من السلطة السياسية أنّه يعبّر عن ضرب من مجّانية السلطة La vanité du pouvoir التي تتجسّد في ضرب من النرجسية واللامبالاة المطلقتين. فالطاغية لا يرى الاّ رغباته ومصالحه.[/rtl]
[rtl]ولذلك يمكننا القول ان سلطة الطاغية ليست سلطة تسيير وتنظيم للفضاء المدني مثل سلطة المستبد أو الدكتاتور، لأنه لا تواصل حقيقيّ لها مع هذا الفضاء ولأن الطغيان لا يمكنه ان يستقرّ إلا على حطام هذا الفضاء. فلا يهمه مثلا انتشار الفساد أو الفقر أو الجريمة في المجتمع الذي يحكمه، بل انه قد يساهم في تكريس الحالة المزرية لذلك المجتمع بغية الاطمئنان على ضعف القدرة على ردّ الفعل لديه. مما يعنى ان الطغيان يتلازم مع انعدام تامّ للمقأومة والقدرة على الفعلDésolation . ويدلّ ذلك ايضا على ألاّ”رعيّة“للطاغية بالمعنى الدقيق للكلمة، لأن الرعيّة تفترض”راعيا“Despote يرعى شؤونها فيتدبّر امر أمنها وقُوتها. في حين ان الطاغية لا يرعى شيئا سوى أهوائه. ومثلما لاحظ ج. لوكJ. Locke ، فانه”كلّما استُغلت السلطة لإرهاق الشعب وإفقاره تحولت إلى طغيان “ .[/rtl]
[rtl]ولهذا السبب أيضا يكون حكم الطاغية قاسيا ودمويا دائما بما يسمح بتصنيفه كنظام للبطش اللّامبرّر Un Régime d’oppression gratuite لا حدود لفظاعته ولا رقابة على ما يقترفه في حقّ محكوميه. ويرى مفكر الأنوار، الايطالي الاصل، فيكتور آلفييري Victor Alfieri ( 1749-1803) ان جوهر الطغيان انّما يكمن في تجأوز القانون أو بالأحرى في انعدامه. فالإغريق القدامى أطلقوا اسم الطاغية”على كل أولئك الذين يسمّون ملوكا Rois و درجوا على ان يستخدموا دون تمييز مصطلحي الملوك” و“الطغاة” للدلالة على كل أولئك الذين يستولون على مقاليد السلطة اما بالقوة أو بالحيلة... ثمّ يعتبرون، و قد كانوا كذلك بالفعل ، انهم فوق القوانين“. غير ان التسمية ستتغير قليلا بعد ذلك عند المحدثين حيث لم يعد اسم الطاغية يطلق”إلا على أولئك الامراء الذين يسلبون افراد الشعب حياتهم وممتلكاتهم و شرفهم دون اية ضوابط. في حين اُحتُفظ باسم “الامير”Prince أو الملك” للدلالة على أولئك الذين لا يسلبون الناس أملاكهم رغم كونهم قادرين على ذلك. وان فعلوا، فإنهم لا يفعلون إلا بغطاء قانوني“. إنهم يستطيعون لو شاءوا ان يستولوا على كل شيء دون خوف من عقاب ولكنهم يتعفّفون ويخيّرون التظاهر باحترام القوانين ورعاية مصالح الرّعية. أي ان الاستخدام الحديث لكلمتي أمير وملك اصبح يتعلّق بوصف الاستبداد ولم يعد ينطبق على الطغيان.[/rtl]
[rtl]خلاصة القول ان الطغيان سلطة فاسدة بموجب طبيعتها النزوية تلك. ولذلك فإنها لا تعمّر طويلا. فعلى خلاف النظم الاستبدادية والدكتاتورية أو التوتاليتارية، التي امكن لها ان تعمّر لفترات طويلة في التاريخ قد تعدّ مئات بل آلاف السنين (مصر أو روما قديما مثلا)، يمثل الطغيان انحرافا طارئا ومؤقتا لا يستطيع ان يجد لنفسه مرتكزا صلبا في وعي المحكومين الذين لا يتأخرون بسبب ذلك في الاطاحة به. فقصر عمر الطغيان هو نتيجة حتمية لكونه في جوهره نظاما نزويا ديدنه البطش وليس نظاما للبناء والتسيير. فهل ينطبق ذلك على حكم الفراعنة مثلا؟ اذا كان الطغيان هشّا إلى هذا الحدّ، فكيف نفسّر تعمير حكم الفراعنة الذين اعتدنا على اعتبارهم طغاة( بناء على ما تعلّق بهم في التوراة والقرآن ) ليمتد إلى ما يقارب الثلاثة آلاف سنة (3150 ق.م - 50ق.م )؟ ام انّ طبيعة السلطة السياسية لملوك مصر القديمة لم تكن طغيانا بالمعنى الذي نصطلح عليه اليوم؟ (...)[/rtl]
[rtl]3-سلطة المستبد بما هي سلطة للرعاية Protection:[/rtl]
[rtl] الاستبداد سلطة مطلقة مثله في ذلك كمثل الطغيان. فلا رادع لسلطات المستبد هو الآخر. وهو ما يسمح بوصف الحكم الاستبدادي بالنزعة الاطلاقية Absolutisme كما نتبيّن ذلك لدى”منتسكيو“في نقده للسلطة السياسية المطلقة مثلا . لذا فانّ الفارق بين المستبد Despote والطاغية ليس مقدار السلطة أو القدرة على البطش بالشعب، اذ ان كليهما قادر تماما على ذلك. الفارق بينهما يكمن في كون المستبد يضع حدودا لسلطانه لكي يظهر كراع لمصالح شعبه (وهو المعنى الاصلي لعبارة”despotês“الاغريقية: الاب أو الراعي الذي يرعى شؤون عائلته). ذلك هو ما يجعل الاستبداد المستنير Despotisme éclairéممكنا حيث لا معنى بناء عليه للحديث عن طغيان مستنير. وبعبارة أخرى فان حكم المستبد، خلافا للطغيان، يختصّ بهذا التناقض المكوّن له جوهريّا كونه مطلقا Absolu ولكنه محدودLimité . مطلق، لكون المستبد يستأثر بكلّ السلطات أو يحتكرها احتكارا تامّا (على نقيض الديمقراطية التي تقوم على الفصل بينها)، ومحدود، لأنه يتقيّد بضوابط قانونية أو عرفية. [/rtl]
[rtl]صحيح ان”مونتسكيو“لا يتفق تماما مع هذا التحديد لمعنى اللفظ مستبد – اذ يماهي بين الاستبداد والطغيان بتمييزهما معا عن نظام الحكم الفرديMonarchie معتبرا ان هذا النظام الفردي يتميّز باحترامه للقوانين خلافا للاستبداد الذي لا يتقيد بأية ضوابط:” فالحكومة المونارشية (الملكية) حسب قوله، هي تلك التي يمارس فيها شخص واحد الحكم، ولكن عبر قوانين ثابتة ومؤسسة، في حين يكون في الاستبداد شخص واحد يتحكم بإرادته وبنزواته في كل شيء دون قانون ولا قاعدة“. ويبدو ان آخرين مثل عبد الرحمان الكواكبي قد عملوا هم ايضا بهذا الخلط بين الاستبداد والطغيان بالارتكاز على صفة الاطلاقية في الحكم . غير انه يمكننا ان نحتفظ هنا بالتمييز السابق لاعتماده من قبل اكثر الدارسين لهذه المسالة. [/rtl]
[rtl]4-سلطة الدكتاتور بما هي سلطة للإنقاذ Salut:[/rtl]
[rtl]للوقوف على معنى هذا المفهوم يكون من الاجدر العودة إلى السجل الدستوري الروماني الذي شهد نشأة هذه الوظيفة السياسية لأول مرة في التاريخ. فالدكتاتور Dictātǒr في الجمهورية الرومانية هو ذلك الشخص الذي يعينه مجلس الشيوخ Senat لكي يشغل خطة”الحاكم“( صاحب السلطة التنفيذية Le Magistrat ) بالسلطات التامّةPleins pouvoirs و بشكل استثنائي Magistrature extraordinaire لمدّة لا تتجأوز ستّة أشهر . ويعود تاريخ احداث هذه الخطة في الدستور الروماني القديم إلى سنة 501 ق.م.، حيث تتميز خطة الحاكم/الدكتاتور Le Magistrat-dictateur (Magister populi) في روما القديمة ليس فقط بطابعها المؤقت والاستثنائي بل بكونها ذات سلطات تامّة. وهو ما يعني ان الدكتاتور ليس حاكما طاغية يفتكّ السلطة بطرق غير شرعية (انقلابUsurpation de pouvoir ) ولا هو كذلك بالملك المستبد الذي يتسلّم السلطة في اطار التوارث العرفي، وإنما هو موظّف تعيّنه الادارة الجمهورية للدولة في اتفاق تام مع ما ينصّ عليه قانونها الاساسي (الدستور). و اذا عدنا إلى مراحل تاريخ الجمهورية الرومانية في القرون الخمسة التي عمّرتها قبل الميلاد (من 509 ق.م إلى حدود 44 ق.م.)، فسنلاحظ وجود قائمة مطوّلة من الحكام الدكتاتوريين تبدأ بتيتيوس فلافيوس (501 ق.م.) وتنتهي بيوليوس قيصر (44ق.م) الذي سينحرف عن وظيفته الجمهورية كدكتاتور مؤقت ليتحوّل إلى امبراطور طاغية ولينهار النظام الجمهوري بمقتله. فسبب الصراع الذي ادى إلى قتل الطاغية”يوليوس قيصر“ (Tyrannicide)هو تحديدا هذا الانحراف عن ضوابط خطة الدكتاتور التي حددها له مجلس الاعيان دستوريا عند تسميته. ويعني ذلك ان سلطة الدكتاتور هي سلطة دستورية ومقيّدة ولا ينطبق عليها وصف الإطلاقية الذي يمكن حمله على الاستبداد أوالطغيان. ثمّ انه يعني ان احداث المؤسسة الدكتاتورية لا يهدف في الاصل إلى انهاك الشعب أو اضطهاده كما هي الحال في الطغيان بل إلى انقاذه من وضع متأزم ما. الدكتاتور بهذا المعنى هو شخص يفوضه الشعب عبر مؤسساته لخدمة الجمهورية في اطار ضوابط قانونية صارمة. وبعبارة أخرى فان سلطة الدكتاتور التامة والتي تبدو في ظاهرها مطلقة انما هي سلطة محدودة في جوهرها. أما اذا حاد الدكتاتور عن شروط التكليف فانه يتوقف عندئذ عن ان يكون دكتاتورا .
ولكنّ خطة الدكتاتور لم تندثر من سياسات ودساتير الشعوب والدول الحديثة. فهيئة الخلاص الوطني Le Comité de salut public التي تشكلت بُعيد الثورة في فرنسا هي الهيأة التأسيسية لحكومة الثورة التي تم التواضع عليها بهدف مواجهة الاخطار التي تهدد الجمهورية خلال النصف الثاني من سنة 1793. وفضلا عن هذه الهيأة، تشكلت هيأة أخرى عرفت بهيأة الأمن العامComité de sûreté générale / غير ان هذه الثانية انحرفت انحرافا خطيرا كما معروف بنشرها لما اصبح يعرف فيما بعد بالرعب الثوري La terreur révolutionnaire الذي ادى إلى مقتل واضطهاد الآلاف من الفرنسيين في تلك الفترة. ويمكننا القول ان الدكتاتورية، رغم ظهورها المبكّر في الجمهورية الرومانية القديمة، هي الوريث المعاصر للأنظمة السياسية القهرية التي كانت تظهر كطغيان أو كاستبداد في الدول القديمة والوسيطة والحديثة. غير انها تختلف عنها كثيرا من جهة آليات اشتغالها.[/rtl]
[rtl]ولعلّ المثال الابرز على استنساخ هذه الآلية الدستورية الرومانية وعلى انحراف الدكتاتورية في الزمن المعاصر يتمثل في سنّ الرّايشستاغ Reichstag في المانيا لقانون السلطات التامةLa loi des pleins pouvoirs لفائدة”أدولف هتلر“يوم 23 مارس 1933. ذلك هو القانون الذي حوّل هتلر فيما بعد، كما هو معروف، من مجرّد رئيس وزراءChancelier لدولة ديمقراطية يتمتع حزبه بأغلبية نسبية في الانتخابات العامة التي أطاحت بحكومة”وايمار“، إلى فوهرر Fuhrer يدّعي تجسّد الإرادة الكلّية للشعب الالماني في شخصه (قائد كليانيChef totalitaire) ويدعو إلى بناء رايخReich الالف سنة، رغم ان الفصل الخامس من قانون السلطات التامة يحدد مدة صلاحية هذا القانون بأربع سنوات: من 23 مارس 1933 إلى 01 أفريل 1937. فخطّة الدكتاتور خطيرة بهذا المعنى لأنها تحتوي على التهديد الكامن بتحوّل الدكتاتور من منقذ Salvateur إلى طاغية أو إلى قائد كلياني. ولكن معنى الانقاذ يظل مقوما لمفهوم الدكتاتور خلافا للطغيان ومعنى المحدودية يظل مقوما له خلافا للاستبداد.[/rtl]
[rtl]5-من الخلط إلى الاختلاط (أو التخبّط السياسي لنظم الحكم في العالم العربي):[/rtl]
[rtl]التخبط ليس سمة الخطابين السياسي والصحفي السائدين بل هو يتعلّق بمنطق الممارسة السياسية للأنظمة القائمة في العالم العربي دون ان يعني ذلك بطبيعة الحال ان الخلط الذي يتسم به خطاب السياسيين أو الصحفيين هو انعكاس مباشر لذلك. فبعض الحكام يتصرّف احيانا كمستبدّ يتمتّع بسلطات مطلقة يسخّر جزءا منها لخدمة وطنه ( وهو ما ينطبق على كلّ الحكّام في العالم العربي اليوم)، ولكنّه يبدو احيانا أخرى كطاغية يسلك ازاء شعبه سلوكا مدمّرا. ليس من الصعب العثور على الامثلة في سلوك الحكام طيلة العقود التي تلت تأسيس الجمهوريات والممالك والإمارات العربية. بل ان بعض تلك الانظمة القهرية تتوخى احيانا اسلوب الانظمة الشمولية عبر اعتمادها على التعبئة الشاملة Mobilisation totale و على عسكرة مجتمعاتها وتعميم الرقابة الامنية عليها بشكل توتاليتاري. مما يدفع المرء إلى الدهشة ازاء انظمة تقليدية ذات بنية قروسطية من جهة، ولكنها، من جهة أخرى، تستخدم آليات حكم اختصّت بها انماط أخرى من انظمة سياسية ظهرت في القرن العشرين. وإذا عدنا إلى مثال”بن علي“المذكور اعلاه، فانه من البيّن ان بداية عهده شكّلت – أو هكذا تمّ تقديمها على الأقلّ –”مرحلة انقاذ دكتاتورية“واضحة بدا فيها وكأنه يضطلع بمهمة اصلاحية مؤقتة يهيّأ من خلالها البلاد لمرحلة ديمقراطية مستقرة بعد الانحراف الطغياني العارض الذي طبع أواخر المرحلة البورقيبية. (الميثاق الوطني مثالا). ولكننا نعرف ما حدث فيما بعد من انحراف جعل”دكتاتورية الانقاذ“تتحوّل إلى”رقابة توتاليتارية“شاملة احيانا وإلى”طغيان فردي“احيانا أخرى (الفساد والنزعة الأوليغارشية Olgarchiqueواستفحال البلوتوكراسيّة ploutocratique ). وقد جاء كلّ ذلك وراء غطاء من البروباغاندا الديمقراطية المثيرة للاستغراب. كذلك هو الشأن بالنسبة إلى ليبيا أو العراق: فالتحسّر الذي يبديه العراقيون والليبيون على نظامي الشهيدين صدّام حسين ومعمر القذافي يشهد على ان حكمهما لم يكن طغيانا بأتم معنى الكلمة وعلى انه كان يتضمّن بعدا استبداديا ودكتاتوريّا وطنيّا ايجابيا في علاقتهما بشعبيهما. وتوجد امثلة أخرى في العالم العربي المعاصر على انظمة تبدو في ظاهرها مونارشيات استبدادية تقليدية ولكنّها تستخدم في ممارستها للسلطة على شعوبها آليات تشبه تماما تلك التي تمارس في الانظمة الشمولية. فأين نحن من مفهوم الاستبداد الشرقي لدى ماركس؟ لذا فان القول بان نظاما ما استبدادي وطغياني وشمولي في نفس الوقت قد لا يخلو من وجاهة نظرا لتعقيد الانظمة نفسها على صعيد الواقع. غير انه لا يبدو مرتكزا لدى كثرة غالبة من الكتاب والسياسيين على تمثل واضح لمدلولات تلك المفاهيم... [/rtl]
[rtl]-6  في الانتقال الديمقراطيTransition démocratique : ”سلطة ديمقراطية“أم”مرافقة حذرة للفوضى":
هل يمثل الانتقال الديمقراطي ديمقراطية؟ نحن هنا نستعيد السؤال الذي طرحه كريستيان بيدغارايِ Christian Bidegaray سنة1993 في مقال له حول الانتقال الديمقراطي في أوروبا الشرقية ( –Peut-on qualifier la transition de démocratique ? ) والجواب طبعا لا. فالمجتمع الذي يجري ما يسمّى انتقالا ديمقراطيا يكون قد خرج للتوّ من مرحلة نظام قهري غير انه لم يتمكن بعد من تركيز المؤسسات الدائمة للديمقراطية المستقرّة. ولكن ما هي على وجه الدقة طبيعة هذه المرحلة التي قد تستغرق سنوات طويلة من تاريخ الشعوب؟ فإذا لم تكن ديمقراطية، هل يصحّ ادراجها ضمن احد اصناف الانظمة السياسية الأخرى؟ المؤكد انها ليست استبدادا ولا طغيانا لتناقضهما جوهريا مع فكرة التحول نحو الديمقراطية. ومن المؤكد ايضا انها ليست توتاليتارية لان ذلك يعني استحالة هذا الانتقال نهائيا. فما هي اذن؟ ألا تكون في النهاية عصيّة عن كل تصنيف؟ هلاّ تكون ضربا من الفوضى التي لا يمكننا التنبّؤ بمفضياتها ؟ [/rtl]
[rtl]يرى نيكولاي غيو Nicolas Guilhot، وجوب ربط هذا المفهوم بجذور نظرية ماركسية. اذ ان فكرة الانتقال هي فكرة ماركسية ترتبط بتصور خلاصيMessianique أو مسيحي للتاريخ وبنظرية المرور من الرأسمالية إلى الشيوعية. ويعني ذلك ان واضعو هذه الفكرة يستلهمونها من سجلّ نظري مادي تاريخي. ولكنّ آلية الانتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية في التصور الماركسي للتاريخ هي الدكتاتورية التي يسميها ماركس بدكتاتورية البروليتاريا، في حين ان الاقدار قد لعبت هنا دورها لكي ينعكس اتجاه الانتقال التاريخي بعد ثورات 1989 من انتقال نحو الشيوعية إلى انتقال من الاشتراكية إلى الديمقراطية. أي استبدال ما يمكن ان نسميه بالانتقال الدكتاتوري ( دكتاتورية البروليتاريا) نحو الشيوعية بانتقال ديمقراطي نحو الديمقراطية. ولكن السؤال يبقى هنا متعلقا بطبيعة آلية هذا الانتقال. اذ أي ضرب من السلطة السياسية يرافق الانتقال الديمقراطي؟ هل يمكننا القول انها سلطة سياسية ديمقراطية؟[/rtl]
[rtl]البيّن كما يظهر وكما تدل التسمية على ذلك انه يُراد منها ان تكون مرحلة اعداد للديمقراطية تهدف إلى تفادي الانحراف نحو الدكتاتورية أو الطغيان وإلى تجنّب منزلق ما يسمى بالرعب الثوري (ذلك الرعب الذي يكون مصاحبا لدكتاتورية الانتقال الاشتراكي نحو الشيوعية مثلا : الستالينية، ولا يعقل طبعا ان يكون مرافقا للانتقال نحو الديمقراطية). و هو ما يفسّر اهمية هذه السيرورة في تجارب بعض الشعوب اليوم. غير انه من المفيد التذكير انه لم يحدث ابدا في التاريخ ان نشأت ديمقراطيات مستقرة عبر مثل هذه الآليات المفتعلة. الديمقراطيات العريقة المعروفة لم تنشأ فجأة ولم تكن نتاجا لعملية مصطنعة كالتي نسمّيها اليوم انتقالا ديمقراطيا، بل كانت ثمرة لتراكم ثقافي واجتماعي وسياسي طويل الامد لم يكن ممكنا دونها قيام ذلك الهيكل المؤسسي الذي تتجسّد من خلاله الديمقراطية المستقرة. فما الذي اعدّته مجتمعاتنا فعلا للديمقراطية حتّي تقيم مسارا مؤسساتيّا نحوها؟ ألا يكون الانتقال Transitionمجرّة نقلة Translation صورية لا غير؟ ألا يقودنا ذلك إلى اعادة النظر في اسس الديمقراطية الدائمة وفي علاقاتها بكل من الانتقال الاصطناعي اليها من جهة، ودكتاتورية الانقاذ وضرورة البناء طويل الأمد من جهة أخرى؟[/rtl]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
salim 1979
التميز الذهبي
التميز الذهبي



تاريخ الميلاد : 27/05/1979
العمر : 44
الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 5278
نقاط : 100012160
تاريخ التسجيل : 06/11/2012

الطغيان والاستبداد والدكتاتورية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الطغيان والاستبداد والدكتاتورية   الطغيان والاستبداد والدكتاتورية Emptyالإثنين أغسطس 31, 2015 3:28 pm

الطغيان والاستبداد والدكتاتورية:

قول في الفوضى المفاهيمية السائدة وفي التباس مفهوم الانتقال الديمقراطي

الأحد 16 آذار (مارس) 2014
محمد عادل مطيمط  







الطغيان والاستبداد والدكتاتورية Arton12989-4e98a
 يبدو ان غالبية الصحفيين والسياسيين بل والكتاب المهتمين بالشأن السياسي عندنا لا يأبهون لضرورة التمييز عند استخدامهم لمصطلحات هامة مثل الطغيان Tyrannieوالاستبداد Despotismeوالدكتاتورية Dictature او الشمولية Totalitarisme، رغم انها مفاهيم ذات مدلولات دقيقة ومتمايزة في حقل الفكر السياسي قديمه وحديثه. فهم يوظّفونها في خطبهم او في مقالاتهم كما لو كانت تحيل الى اسلوب واحد ومتجانس في الحكم يكون مناقضا للديمقراطية باعتبارها النظام الوحيد الذي يكفل المواطنة والحرّيات السياسية... بل يتلازم ذلك مع انعدام للوضوح في تمثل الديمقراطية نفسها التي قد تتحوّل لدى البعض منهم الى “ديمقراطية شعبية” Démocratie plébiscitaire قائمة على ما اسماه “ألكسيس دو توكفيل” بطغيان الأغلبية (المقصود هو دكتاتورية الاغلبية Dictature de la majorité) دون وعي بأنهم من حيث يتحدثون عمّا يعتبرونه ديمقراطية، لا يفعلون سوى أنهم يشرّعون لأحد أبشع انماط القهر السياسي بتحويل الديمقرطية نفسها الى نظام شمولي او الى “ثيوقراطية” Théocratieمرعبة.
وكمثال على هذه الفوضى المفهومية في الخطاب السياسي والصحفي السائد، نسمع أو نقرا تصنيفات شتى لحكم الرئيس السابق في تونس على انه حكم “دكتاتوري”Régime dictatorial احيانا، وعلى انه حكم “استبدادي” Régime despotiqueاحيانا اخرى. بل ان البعض يفضّل تسميته ب “نظام الطاغية”Régime tyrannique ! فما هو “بن علي” خلال حكمه لتونس على وجه الدقة؟ هل كان“طاغية” Tyran حقّا ؟ ام تراه كان “مستبدّا” Despote ؟ وهل يمكن اعتباره “دكتاتورا” Dictateur؟ ام تراه كان “قائدا كليانيا”ِ Chef totalitaire كما يتسنى ان نفهم ذلك من تصنيف آخرين للحزب الحاكم في عهده على انه “حزب كلياني Parti totalitaire؟؟ وهل يمكن القول انه قد جمع كلّ هذه الصفات في آن واحد؟__ أفلا يدلّ ذلك على اننا لم نفلح بعدُ حتّى في تحديد طبيعة الحكم السياسي الذي كان قائما في بلادنا؟
ويصل هذا التخبّط المفهومي في الخطاب السياسي السائد الى حد الجمع بين هذه المفاهيم في نفس الصيغ. كأن يُقال لنا أن النظام الفلاني هو نظام”دكتاتوري وفاشي واستبدادي“، في صيغ دعائية توحي للقارئ بأنّ هذه الكلمات مترادفة الدلالة. بل ان احد مشاهير المرحلة الراهنة كان قد ذهب الى حدّ ابتكار يصف فيه الانظمة العربية الجمهورية في تونس وسوريا ومصر، بأنها انظمة”جملوكية“(حيث لا مقابل للعبارة في اللاتينية)، مستوحيا ذلك من اسلوب توريث الحكم الذي توخاه بعض الرّؤساء المتأخّرين في هذه الدول. والحال ان ذلك لا ينمّ في رأينا عن عبقرية و سعة خيال بل على تشويش مفاهيمي واضح. فشتان بين النظام الجمهوري والنظام المونارشيMonarchie ، ثم ان الانحراف داخل النظام الجمهوري لا يتمّ بالانزياح نحو الملكية بل بفساد يصيب مؤسسات الجمهورية. 
فما هي أسباب هذا الخلط؟ وما هي نتائجه على صعيد الخطاب والممارسة السياسيين؟ ثم ما هي تعريفات تلك الانظمة وما اوجه الشبه والاختلاف فيما بينها؟ وهل يمكننا ان نستفيد من ذلك في تصوّرنا لتجارب الانتقال الديمقراطي Transition démocratique اليوم مثلا؟

1- بعض اسباب هذا الخلط: ولع ساذج بالديمقراطية

يبدو لنا ان السبب الاول هو اشتراك هذه الانظمة (الاستبداد والطغيان والدكتاتورية) في معاداتها للحرية السياسية. فهي كلّها انظمة للسلطات التامّة تخلو من اي فصل بين مؤسسات السلطة ومن اية رقابة متبادلة على السلطة. اي انها لا تخضع لمبدأ الفصل بين السلطات اللازم لكل ديمقراطية. هذا الشبه يجعل الناشطين في الحقل السياسي يميلون الى المماهاة بين مدلولات اسمائها فيتعاملون معها باعتبارها مترادفات تحيل الى مسمّى واحد ودون تدقيق في الفروقات بينها. ومن الطبيعي انه إذا كان هدف الجميع المعلن هو الديمقراطية فان كل اشكال الانظمة الاخرى تتساوى في القيمة وتزول الفروقات في ما بينها ايّا كانت درجة أهميتها. فلا تغدو هذه المصطلحات دالة على حقائق سياسية متمايزة معجميّا وتاريخيا بل على اسماء مختلفة لحقيقة واحدة تتمثل في كلّ نظام قائم على الاستئثار بالسلطات وقمع الحرّيات السياسية. فلدى العائلات السياسية المدافعة فعلا عن الديمقراطية، من حقوقيين و احزاب ليبرالية وغيرها، تمثل الديمقراطية الهدف المنشود الذي يجب ان يتحقق كبديل لنظام قهري تُكال له كلّ نعوت الاستبداد والفاشية و الدكتاتورية والطغيان دون تمييز. اما لدى التيارات التي تتبنّى فكرا معاديا للديمقراطية، فان الديمقراطية اصبحت تّرفع كشعار تعبوي وانتخابي يصاحبه نعت للنظم التي اضطهدتها في مراحل سابقة بأنها نظم طغيانية، دون ان يستوضح الناس طبيعة النظام الذي تقودهم اليه تلك الحركات فعلا. فلا وضوح في خطابها لا في ما تسميه ديمقراطية ولا في ما تسميه طغيانا ولا كذلك في توصيف البديل الذي تبتغي ترسيخه. أمّا السبب الثاني للخلط فهو برأينا الجهل. فهؤلاء الكتاب او السياسيين الذين يماهون بين تلك المفاهيم لم يستوعبوا جيّدا مثلما يبدو ما درسوه في نصوص التاريخ والعلوم السياسية مثلا. ثم ان الجمهور الذي يسمعهم او يقرؤهم يبدو هو الآخر ، في قسم كبير منه، غير مهيّأ لمواجهة جهلهم او تمويههم عند استخدامهم لهذه المفاهيم.
وفي خضمّ هذا”الضجيج“تطفو”الديمقراطية“وحدها على السّطح، دون أن تكون هي الاخرى متمثلة بوضوح في الاذهان (حيث تفهمها الغالبية على انها الغلبة في حين يفهمها آخرون على انها الحرّية الفردية التامة) ، فيعمّ الخلط بين كل تلك الاصناف من الانظمة لتختفي سيّئاتها ومناقبها وراء أسماء لمسمّى واحد يبدو ان لا وجود له إلا في اذهان اصحابه. لذا يتوجب التوقف برأينا للتذكير بتعريفات هذه الانماط من الحكم عسى أن يصبح الوعي بالواقع السياسي اكثر وضوحا ودقّة ونجاعة.

2- سلطة الطاغية بما هي سلطة للخرابDésolation :

اذا احترمنا معجم المفاهيم السياسية، فإنّ الطغاة هم الطغاة وهم ليسو بمستبدين ولا دكتاتوريين ولا بقادة كليانيين. فلا يستقيم نظريا ان نصف رئيسا لدولة تنظّم شؤون محكوميها بنصوص دستورية وقانونية، ايّا كانت درجة القهر السياسي فيها، بأنها تمثل حكما طغيانيا إلا اذا كان ذلك على سبيل التشبيه. لأن الطغيان في المجال السياسي هو بحصر الكلمة، سلطة فرد او مجموعة افراد على مجموعة، لا تخضع في ممارستها لأي رادع قانوني او عرفي. انه السلطة”السياسية “التي يتصرف بموجبها من يسمّى”طاغية“ وفقا لاهوائه فقط ودون اعتبار لدستور او لمبادئ أخلاقية تقوم رقيبا عليه وتكون حاميا للأشخاص الذين يتعرّضون له. انه بإيجاز سلطة بلا عقد Contrat ينظّمها. وهي بحصر العبارة، سلطة نزويةPouvoir capricieux لا تهدف الى شيء آخر سوى الى الهيمنة والبطش. وان شئنا هنا قلنا ان ماهية الطغيان تكمن في الهيمنةDomination/Asservissement : الهيمنة بما هي هدف في ذاته وبما تستدعيه من استهانة وتنكيل بالبشر وليس بما هي حيلة لإنقاذ الشعب من ازمة ما كما هو الحال في الدكتاتورية. ويمكننا ايضا ان نقول عن هذا الصنف من السلطة السياسية أنّه يعبّر عن ضرب من مجّانية السلطة La vanité du pouvoir التي تتجسّد في ضرب من النرجسية واللامبالاة المطلقتين. فالطاغية لا يرى الاّ رغباته ومصالحه.
ولذلك يمكننا القول ان سلطة الطاغية ليست سلطة تسيير وتنظيم للفضاء المدني مثل سلطة المستبد او الدكتاتور، لأنه لا تواصل حقيقيّ لها مع هذا الفضاء ولأن الطغيان لا يمكنه ان يستقرّ إلا على حطام هذا الفضاء. فلا يهمه مثلا انتشار الفساد او الفقر او الجريمة في المجتمع الذي يحكمه، بل انه قد يساهم في تكريس الحالة المزرية لذلك المجتمع بغية الاطمئنان على ضعف القدرة على ردّ الفعل لديه. مما يعنى ان الطغيان يتلازم مع انعدام تامّ للمقاومة والقدرة على الفعلDésolation . ويدلّ ذلك ايضا على ألاّ”رعيّة“للطاغية بالمعنى الدقيق للكلمة، لأن الرعيّة تفترض”راعيا“Despote يرعى شؤونها فيتدبّر امر أمنها وقُوتها. في حين ان الطاغية لا يرعى شيئا سوى أهوائه. ومثلما لاحظ ج. لوكJ. Locke ، فانه”كلّما استُغلت السلطة لإرهاق الشعب وإفقاره تحولت الى طغيان “ .
ولهذا السبب أيضا يكون حكم الطاغية قاسيا ودمويا دائما بما يسمح بتصنيفه كنظام للبطش اللّامبرّر Un Régime d’oppression gratuite لا حدود لفظاعته ولا رقابة على ما يقترفه في حقّ محكوميه. ويرى مفكر الأنوار، الايطالي الاصل، فيكتور آلفييري Victor Alfieri ( 1749-1803) ان جوهر الطغيان انّما يكمن في تجاوز القانون او بالأحرى في انعدامه. فالإغريق القدامى أطلقوا اسم الطاغية”على كل أولئك الذين يسمّون ملوكا Rois و درجوا على ان يستخدموا دون تمييز مصطلحي “الملوك” و“الطغاة” للدلالة على كل اولئك الذين يستولون على مقاليد السلطة اما بالقوة او بالحيلة... ثمّ يعتبرون، و قد كانوا كذلك بالفعل ، انهم فوق القوانين“. غير ان التسمية ستتغير قليلا بعد ذلك عند المحدثين حيث لم يعد اسم الطاغية يطلق”إلا على اولئك الامراء الذين يسلبون افراد الشعب حياتهم وممتلكاتهم و شرفهم دون اية ضوابط. في حين اُحتُفظ باسم “الامير”Prince او “الملك” للدلالة على أولئك الذين لا يسلبون الناس أملاكهم رغم كونهم قادرين على ذلك. وان فعلوا، فإنهم لا يفعلون إلا بغطاء قانوني“. إنهم يستطيعون لو شاءوا ان يستولوا على كل شيء دون خوف من عقاب ولكنهم يتعفّفون ويخيّرون التظاهر باحترام القوانين ورعاية مصالح الرّعية. أي ان الاستخدام الحديث لكلمتي أمير وملك اصبح يتعلّق بوصف الاستبداد ولم يعد ينطبق على الطغيان.
خلاصة القول ان الطغيان سلطة فاسدة بموجب طبيعتها النزوية تلك. ولذلك فإنها لا تعمّر طويلا. فعلى خلاف النظم الاستبدادية والدكتاتورية او التوتاليتارية، التي امكن لها ان تعمّر لفترات طويلة في التاريخ قد تعدّ مئات بل آلاف السنين (مصر او روما قديما مثلا)، يمثل الطغيان انحرافا طارئا ومؤقتا لا يستطيع ان يجد لنفسه مرتكزا صلبا في وعي المحكومين الذين لا يتأخرون بسبب ذلك في الاطاحة به. فقصر عمر الطغيان هو نتيجة حتمية لكونه في جوهره نظاما نزويا ديدنه البطش وليس نظاما للبناء والتسيير. فهل ينطبق ذلك على حكم الفراعنة مثلا؟ اذا كان الطغيان هشّا الى هذا الحدّ، فكيف نفسّر تعمير حكم الفراعنة الذين اعتدنا على اعتبارهم طغاة( بناء على ما تعلّق بهم في التوراة والقرآن ) ليمتد الى ما يقارب الثلاثة آلاف سنة (3150 ق.م - 50ق.م )؟ ام انّ طبيعة السلطة السياسية لملوك مصر القديمة لم تكن طغيانا بالمعنى الذي نصطلح عليه اليوم؟ (...)
3- سلطة المستبد بما هي سلطة للرعاية Protection:
الاستبداد سلطة مطلقة مثله في ذلك كمثل الطغيان. فلا رادع لسلطات المستبد هو الآخر. وهو ما يسمح بوصف الحكم الاستبدادي بالنزعة الاطلاقية Absolutisme كما نتبيّن ذلك لدى”منتسكيو“في نقده للسلطة السياسية المطلقة مثلا . لذا فانّ الفارق بين المستبد Despote والطاغية ليس مقدار السلطة او القدرة على البطش بالشعب، اذ ان كليهما قادر تماما على ذلك. الفارق بينهما يكمن في كون المستبد يضع حدودا لسلطانه لكي يظهر كراع لمصالح شعبه (وهو المعنى الاصلي لعبارة”despotês“الاغريقية: الاب او الراعي الذي يرعى شؤون عائلته). ذلك هو ما يجعل الاستبداد المستنير Despotisme éclairéممكنا حيث لا معنى بناء عليه للحديث عن طغيان مستنير. وبعبارة اخرى فان حكم المستبد، خلافا للطغيان، يختصّ بهذا التناقض المكوّن له جوهريّا كونه مطلقا Absolu ولكنه محدودLimité . مطلق، لكون المستبد يستأثر بكلّ السلطات او يحتكرها احتكارا تامّا (على نقيض الديمقراطية التي تقوم على الفصل بينها)، ومحدود، لأنه يتقيّد بضوابط قانونية او عرفية.
صحيح ان”مونتسكيو“لا يتفق تماما مع هذا التحديد لمعنى اللفظ مستبد – اذ يماهي بين الاستبداد والطغيان بتمييزهما معا عن نظام الحكم الفرديMonarchie معتبرا ان هذا النظام الفردي يتميّز باحترامه للقوانين خلافا للاستبداد الذي لا يتقيد بأية ضوابط:” فالحكومة المونارشية (الملكية) حسب قوله، هي تلك التي يمارس فيها شخص واحد الحكم، ولكن عبر قوانين ثابتة ومؤسسة، في حين يكون في الاستبداد شخص واحد يتحكم بإرادته وبنزواته في كل شيء دون قانون ولا قاعدة“. ويبدو ان آخرين مثل عبد الرحمان الكواكبي قد عملوا هم ايضا بهذا الخلط بين الاستبداد والطغيان بالارتكاز على صفة الاطلاقية في الحكم . غير انه يمكننا ان نحتفظ هنا بالتمييز السابق لاعتماده من قبل اكثر الدارسين لهذه المسالة.
4- سلطة الدكتاتور بما هي سلطة للإنقاذ Salut:
للوقوف على معنى هذا المفهوم يكون من الاجدر العودة الى السجل الدستوري الروماني الذي شهد نشأة هذه الوظيفة السياسية لأول مرة في التاريخ. فالدكتاتور Dictātǒr في الجمهورية الرومانية هو ذلك الشخص الذي يعينه مجلس الشيوخ Senat لكي يشغل خطة”الحاكم“( صاحب السلطة التنفيذية Le Magistrat ) بالسلطات التامّةPleins pouvoirs و بشكل استثنائي Magistrature extraordinaire لمدّة لا تتجاوز ستّة أشهر . ويعود تاريخ احداث هذه الخطة في الدستور الروماني القديم الى سنة 501 ق.م.، حيث تتميز خطة الحاكم/الدكتاتور Le Magistrat-dictateur (Magister populi) في روما القديمة ليس فقط بطابعها المؤقت والاستثنائي بل بكونها ذات سلطات تامّة. وهو ما يعني ان الدكتاتور ليس حاكما طاغية يفتكّ السلطة بطرق غير شرعية (انقلابUsurpation de pouvoir ) ولا هو كذلك بالملك المستبد الذي يتسلّم السلطة في اطار التوارث العرفي، وإنما هو موظّف تعيّنه الادارة الجمهورية للدولة في اتفاق تام مع ما ينصّ عليه قانونها الاساسي (الدستور). و اذا عدنا الى مراحل تاريخ الجمهورية الرومانية في القرون الخمسة التي عمّرتها قبل الميلاد (من 509 ق.م الى حدود 44 ق.م.)، فسنلاحظ وجود قائمة مطوّلة من الحكام الدكتاتوريين تبدأ بتيتيوس فلافيوس (501 ق.م.) وتنتهي بيوليوس قيصر (44ق.م) الذي سينحرف عن وظيفته الجمهورية كدكتاتور مؤقت ليتحوّل الى امبراطور طاغية ولينهار النظام الجمهوري بمقتله. فسبب الصراع الذي ادى الى قتل الطاغية”يوليوس قيصر“ (Tyrannicide)هو تحديدا هذا الانحراف عن ضوابط خطة الدكتاتور التي حددها له مجلس الاعيان دستوريا عند تسميته. ويعني ذلك ان سلطة الدكتاتور هي سلطة دستورية ومقيّدة ولا ينطبق عليها وصف الإطلاقية الذي يمكن حمله على الاستبداد أوالطغيان. ثمّ انه يعني ان احداث المؤسسة الدكتاتورية لا يهدف في الاصل الى انهاك الشعب او اضطهاده كما هي الحال في الطغيان بل الى انقاذه من وضع متأزم ما. الدكتاتور بهذا المعنى هو شخص يفوضه الشعب عبر مؤسساته لخدمة الجمهورية في اطار ضوابط قانونية صارمة. وبعبارة اخرى فان سلطة الدكتاتور التامة والتي تبدو في ظاهرها مطلقة انما هي سلطة محدودة في جوهرها. أما اذا حاد الدكتاتور عن شروط التكليف فانه يتوقف عندئذ عن ان يكون دكتاتورا .
ولكنّ خطة الدكتاتور لم تندثر من سياسات ودساتير الشعوب والدول الحديثة. فهيئة الخلاص الوطني Le Comité de salut public التي تشكلت بُعيد الثورة في فرنسا هي الهيأة التأسيسية لحكومة الثورة التي تم التواضع عليها بهدف مواجهة الاخطار التي تهدد الجمهورية خلال النصف الثاني من سنة 1793. وفضلا عن هذه الهيأة، تشكلت هيأة اخرى عرفت بهيأة الأمن العامComité de sûreté générale / غير ان هذه الثانية انحرفت انحرافا خطيرا كما معروف بنشرها لما اصبح يعرف فيما بعد بالرعب الثوري La terreur révolutionnaire الذي ادى الى مقتل واضطهاد الآلاف من الفرنسيين في تلك الفترة. ويمكننا القول ان الدكتاتورية، رغم ظهورها المبكّر في الجمهورية الرومانية القديمة، هي الوريث المعاصر للأنظمة السياسية القهرية التي كانت تظهر كطغيان او كاستبداد في الدول القديمة والوسيطة والحديثة. غير انها تختلف عنها كثيرا من جهة آليات اشتغالها.
ولعلّ المثال الابرز على استنساخ هذه الآلية الدستورية الرومانية وعلى انحراف الدكتاتورية في الزمن المعاصر يتمثل في سنّ الرّايشستاغ Reichstag في المانيا لقانون السلطات التامةLa loi des pleins pouvoirs لفائدة”أدولف هتلر“يوم 23 مارس 1933. ذلك هو القانون الذي حوّل هتلر فيما بعد، كما هو معروف، من مجرّد رئيس وزراءChancelier لدولة ديمقراطية يتمتع حزبه بأغلبية نسبية في الانتخابات العامة التي أطاحت بحكومة”وايمار“، الى فوهرر Fuhrer يدّعي تجسّد الإرادة الكلّية للشعب الالماني في شخصه (قائد كليانيChef totalitaire) ويدعو الى بناء رايخReich الالف سنة، رغم ان الفصل الخامس من قانون السلطات التامة يحدد مدة صلاحية هذا القانون بأربع سنوات: من 23 مارس 1933 الى 01 أفريل 1937. فخطّة الدكتاتور خطيرة بهذا المعنى لأنها تحتوي على التهديد الكامن بتحوّل الدكتاتور من منقذ Salvateur الى طاغية او الى قائد كلياني. ولكن معنى الانقاذ يظل مقوما لمفهوم الدكتاتور خلافا للطغيان ومعنى المحدودية يظل مقوما له خلافا للاستبداد.
5- من الخلط الى الاختلاط (أو التخبّط السياسي لنظم الحكم في العالم العربي):
التخبط ليس سمة الخطابين السياسي والصحفي السائدين بل هو يتعلّق بمنطق الممارسة السياسية للأنظمة القائمة في العالم العربي دون ان يعني ذلك بطبيعة الحال ان الخلط الذي يتسم به خطاب السياسيين او الصحفيين هو انعكاس مباشر لذلك. فبعض الحكام يتصرّف احيانا كمستبدّ يتمتّع بسلطات مطلقة يسخّر جزءا منها لخدمة وطنه ( وهو ما ينطبق على كلّ الحكّام في العالم العربي اليوم)، ولكنّه يبدو احيانا أخرى كطاغية يسلك ازاء شعبه سلوكا مدمّرا. ليس من الصعب العثور على الامثلة في سلوك الحكام طيلة العقود التي تلت تأسيس الجمهوريات والممالك والإمارات العربية. بل ان بعض تلك الانظمة القهرية تتوخى احيانا اسلوب الانظمة الشمولية عبر اعتمادها على التعبئة الشاملة Mobilisation totale و على عسكرة مجتمعاتها وتعميم الرقابة الامنية عليها بشكل توتاليتاري. مما يدفع المرء الى الدهشة ازاء انظمة تقليدية ذات بنية قروسطية من جهة، ولكنها، من جهة أخرى، تستخدم آليات حكم اختصّت بها انماط اخرى من انظمة سياسية ظهرت في القرن العشرين. وإذا عدنا الى مثال”بن علي“المذكور اعلاه، فانه من البيّن ان بداية عهده شكّلت – أو هكذا تمّ تقديمها على الأقلّ –”مرحلة انقاذ دكتاتورية“واضحة بدا فيها وكأنه يضطلع بمهمة اصلاحية مؤقتة يهيّأ من خلالها البلاد لمرحلة ديمقراطية مستقرة بعد الانحراف الطغياني العارض الذي طبع اواخر المرحلة البورقيبية. (الميثاق الوطني مثالا). ولكننا نعرف ما حدث فيما بعد من انحراف جعل”دكتاتورية الانقاذ“تتحوّل الى”رقابة توتاليتارية“شاملة احيانا والى”طغيان فردي“احيانا اخرى (الفساد والنزعة الأوليغارشية Olgarchiqueواستفحال البلوتوكراسيّة ploutocratique ). وقد جاء كلّ ذلك وراء غطاء من البروباغاندا الديمقراطية المثيرة للاستغراب. كذلك هو الشأن بالنسبة الى ليبيا او العراق: فالتحسّر الذي يبديه العراقيون والليبيون على نظامي الشهيدين صدّام حسين ومعمر القذافي يشهد على ان حكمهما لم يكن طغيانا بأتم معنى الكلمة وعلى انه كان يتضمّن بعدا استبداديا ودكتاتوريّا وطنيّا ايجابيا في علاقتهما بشعبيهما. وتوجد امثلة اخرى في العالم العربي المعاصر على انظمة تبدو في ظاهرها مونارشيات استبدادية تقليدية ولكنّها تستخدم في ممارستها للسلطة على شعوبها آليات تشبه تماما تلك التي تمارس في الانظمة الشمولية. فأين نحن من مفهوم الاستبداد الشرقي لدى ماركس؟ لذا فان القول بان نظاما ما استبدادي وطغياني وشمولي في نفس الوقت قد لا يخلو من وجاهة نظرا لتعقيد الانظمة نفسها على صعيد الواقع. غير انه لا يبدو مرتكزا لدى كثرة غالبة من الكتاب والسياسيين على تمثل واضح لمدلولات تلك المفاهيم...
6- في الانتقال الديمقراطيTransition démocratique : ”سلطة ديمقراطية“أم”مرافقة حذرة للفوضى":
هل يمثل الانتقال الديمقراطي ديمقراطية؟ نحن هنا نستعيد السؤال الذي طرحه كريستيان بيدغارايِ Christian Bidegaray سنة1993 في مقال له حول الانتقال الديمقراطي في أوروبا الشرقية ( –Peut-on qualifier la transition de démocratique ? ) والجواب طبعا لا. فالمجتمع الذي يجري ما يسمّى انتقالا ديمقراطيا يكون قد خرج للتوّ من مرحلة نظام قهري غير انه لم يتمكن بعد من تركيز المؤسسات الدائمة للديمقراطية المستقرّة. ولكن ما هي على وجه الدقة طبيعة هذه المرحلة التي قد تستغرق سنوات طويلة من تاريخ الشعوب؟ فإذا لم تكن ديمقراطية، هل يصحّ ادراجها ضمن احد اصناف الانظمة السياسية الاخرى؟ المؤكد انها ليست استبدادا ولا طغيانا لتناقضهما جوهريا مع فكرة التحول نحو الديمقراطية. ومن المؤكد ايضا انها ليست توتاليتارية لان ذلك يعني استحالة هذا الانتقال نهائيا. فما هي اذن؟ ألا تكون في النهاية عصيّة عن كل تصنيف؟ هلاّ تكون ضربا من الفوضى التي لا يمكننا التنبّؤ بمفضياتها ؟
يرى نيكولاي غيو Nicolas Guilhot، وجوب ربط هذا المفهوم بجذور نظرية ماركسية. اذ ان فكرة الانتقال هي فكرة ماركسية ترتبط بتصور خلاصيMessianique او مسيحي للتاريخ وبنظرية المرور من الرأسمالية الى الشيوعية. ويعني ذلك ان واضعو هذه الفكرة يستلهمونها من سجلّ نظري مادي تاريخي. ولكنّ آلية الانتقال من الرأسمالية الى الشيوعية في التصور الماركسي للتاريخ هي الدكتاتورية التي يسميها ماركس بدكتاتورية البروليتاريا، في حين ان الاقدار قد لعبت هنا دورها لكي ينعكس اتجاه الانتقال التاريخي بعد ثورات 1989 من انتقال نحو الشيوعية الى انتقال من الاشتراكية الى الديمقراطية. أي استبدال ما يمكن ان نسميه بالانتقال الدكتاتوري ( دكتاتورية البروليتاريا) نحو الشيوعية بانتقال ديمقراطي نحو الديمقراطية. ولكن السؤال يبقى هنا متعلقا بطبيعة آلية هذا الانتقال. اذ أي ضرب من السلطة السياسية يرافق الانتقال الديمقراطي؟ هل يمكننا القول انها سلطة سياسية ديمقراطية؟
البيّن كما يظهر وكما تدل التسمية على ذلك انه يُراد منها ان تكون مرحلة اعداد للديمقراطية تهدف الى تفادي الانحراف نحو الدكتاتورية أو الطغيان والى تجنّب منزلق ما يسمى بالرعب الثوري (ذلك الرعب الذي يكون مصاحبا لدكتاتورية الانتقال الاشتراكي نحو الشيوعية مثلا : الستالينية، ولا يعقل طبعا ان يكون مرافقا للانتقال نحو الديمقراطية). و هو ما يفسّر اهمية هذه السيرورة في تجارب بعض الشعوب اليوم. غير انه من المفيد التذكير انه لم يحدث ابدا في التاريخ ان نشأت ديمقراطيات مستقرة عبر مثل هذه الآليات المفتعلة. الديمقراطيات العريقة المعروفة لم تنشأ فجأة ولم تكن نتاجا لعملية مصطنعة كالتي نسمّيها اليوم انتقالا ديمقراطيا، بل كانت ثمرة لتراكم ثقافي واجتماعي وسياسي طويل الامد لم يكن ممكنا دونها قيام ذلك الهيكل المؤسسي الذي تتجسّد من خلاله الديمقراطية المستقرة. فما الذي اعدّته مجتمعاتنا فعلا للديمقراطية حتّي تقيم مسارا مؤسساتيّا نحوها؟ ألا يكون الانتقال Transitionمجرّة نقلة Translation صورية لا غير؟ ألا يقودنا ذلك الى اعادة النظر في اسس الديمقراطية الدائمة وفي علاقاتها بكل من الانتقال الاصطناعي اليها من جهة، ودكتاتورية الانقاذ وضرورة البناء طويل الأمد من جهة أخرى؟
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
salim 1979
التميز الذهبي
التميز الذهبي



تاريخ الميلاد : 27/05/1979
العمر : 44
الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 5278
نقاط : 100012160
تاريخ التسجيل : 06/11/2012

الطغيان والاستبداد والدكتاتورية Empty
مُساهمةموضوع: رد: الطغيان والاستبداد والدكتاتورية   الطغيان والاستبداد والدكتاتورية Emptyالإثنين أغسطس 31, 2015 5:05 pm

الطغيان والديكتاتورية كمؤسسة

د. ضرغام الدباغ
الثلاثاء 18 رجب 1434

الديكتاتورية ( Dictation / وهو مصطلح غربي يقابل الطغيان في الثقافة العربية) وتعني: سلطات غير محدودة، وانتهاج سياسة الإملاء، أو فرض الإرادة، أو التصور المسبق، وأوامر خارجة عن المداولة. ويمكن أن يمارس الطغيان من قبل شخص، أو حزب، أو طغمة وهو مصطلح سياسي بالدرجة الأولى، وهو يعني التفرد بالحكم، بأستخدام القوة، وتجاهل أراء الإطارات السياسية في أي بلد، وقمع المعارضين، وإرادة الشعب في التغير، من أجل تداول سلمي للسلطة وتقديم الأفضل، والهيمنة على الرأي العام بوسائل عديدة. وعلى هذا النحو فهم هذا المصطلح في الشرق والغرب على حد السواء، ومورس بأساليب وأشكال مختلفة، إلا أنها كانت متشابهة في جوهرها.
 
وبتقديرنا أن الطغيان كالديمقراطية مؤسسة، وإذا كان للديمقراطية مؤسساتها العامة المفتوحة للشعب كالبرلمان الفعال، والصحافة الحرة، والتعددية الحزبية، والقوانين التي تحترم حقوق الإنسان، ودستور يصون الحريات الديمقراطية ويكفلها، فالطغيان له مؤسساته (وإن كانت تفتقر إلى شرعية النظام الديمقراطي الدستوري) التي تتمثل بأجهزة عديدة للمخابرات والأمن، وهي مؤسسات نظمها القانون، ولكنها تتوجه إلى معادة الشعب في النظم الديكتاتورية، مهمتها مراقبة أصغر التحركات حتى التافهة منها بين صفوف الشعب واتجاهات الرأي العام، وتتغلغل في أفكار وتصورات الشعب، وتصادر كل شيئ معنوي. وتفعل ذلك بحرفية عالية جداً، وقد تعمل الأجهزة غالباً من وراء الستار، ولكنها تمد أذرعها في كافة مفاصل الدولة والمجتمع. وأجهزة الأمن هي محصورة للنخبة وأبنائهم، وحاشية السلطة ومن العناصر المضمون ولائها الشخصي.
 
الطغيان والأنظمة الديكتاتورية استفادت من التجارب في بلدان عديدة، ومن اللافت أن الطغاة يعتقدون أن العلة تكمن في خطأ تكتيكي أرتكبه أحد رجال النظام، ويأبى الاعتراف بأن الخطأ هو في جوهر النظام الطغياني الديكتاتوري، كما يأبى الاعتراف أن الأنظمة الطغيانية آلت إلى الزوال ولقى الطغاة مصائرهم على أيدي المضطهدين والمسحوقين، وغالباً بصورة بشعة هي أقل بكثير من بشاعة النظام الطغياني الذي مارسوه.
 
والطاغية (Dictator)، وهو يمثل ابتداء ميل جارف للتسلط، وهذا الميل قد يكون قد رافق الطاغية منذ طفولته، فعاش الهاجس في تكوينه النفسي وأثر على كل تصرفاته اللاحقة، فإبداء اللين والموالاة والطاعة، ربما كانت السبيل لما يمور في دواخله، ولكنه لم يبرز لدية إلا في لحظة تاريخية مواتية، وأبرز دليل على ذلك هو الديكتاتور الباكستاني الجنرال ضياء الحق(1924 ــ1988)، الذي كان موالياً لرئيس الوزراء ذوالفقار بوتو، بل وظن أنه من بطانته، حتى سلمه قيادة الجيش، فقام بأنقلابه العسكري وزج ببوتو في السجن وأعدمه لاحقاً بعد محاكمة مشكوك في نزاهتها. ومثله أيضاً الديكتاتور الجنرال أوغستو بينوشيت(1915 ــ2006) (تشيلي) الذي هو نسخة مطابقة للجنرال الباكستاني لضياء الحق، الذي سار في تأييد الرئيس سلفادور اليندي، ثم قاد أنقلاباً عليه، وقصف مقره مما أدى إلى مصرعه. ومثلهم فعل الجنرال الاندنوسي سوهارتو(1921 ــ 2008)، الذي أستغل ظروف أمنية معينة، فأستلم مقدرات البلاد من الرئيس أحمد سوكارنو، وما لبت أن أنقلب عليه وعزله وأحتجزه حتى وفاته.
 
 
(الصورة: الرئيس سوكارنو يولي الجنرال سوهارتو صلاحيات كبيرة)
 
ويجزم الكاتب الكولمبي غارسيا ماركيز، أنه تتبع الأصول العائلية لطغاة أميركا اللاتينية فوجد أن جلهم يعاني من طفولة شقية، ومن اضطهاد أسري أو بيئي، رافقت مراحل مهمة من حياتهم، فالطغيان هو هو نزعة عصابية غير طبيعية، تمثل تنفيساً لعقد وكوامن نفسية، ظاهرة أو خفية، وتعويض لما تمثله هذه العقد من حفرة عميقة في النفس، هي من بين العوامل الرئيسية التي تمثل المحرك الخفي للسلوك الطغياني اللاحق.
 
والدراسة والتعليم تمثل بصفة عامة جانباً غير مشرق في حياة الطغاة، فغالباً ما يكون شخصاً قد نال حظاً قليلاً من التعليم، إما بسبب التأثيرات المباشرة وغير المباشرة لبيئته الاجتماعية المتواضعة، أو لانغماسه الكثيف في العمل السياسي، واستهلكت المناورات، والأنشطة السرية، والتخطيط للتفرد من قواه، فلذلك فإن الديكتاتور (على الأغلب) شخص لم ينل فرصة كبيرة من التعلم، ويميل الديكتاتور والطاغية إلى احتقار أراء الخبراء والعلماء، لأنهم يناقضون آراؤه السطحية، ويحاول إضفاء مظاهر العلم مزيفة (كعقدة نفسية) على شخصه، فيحاول طرح نفسه كمفكر، أو كعبقري في الرؤية المؤسسة على ألمعية لا يتواني بعضهم أن ينسبها إلى قوى غيبية أو خفيه، تبلغ عند بعضهم أن يقرنها بعلامات إلهية ، فوفقاً لروايات رسمية، أو القوس والقزح قد بزغ في السماء على أثر ولادة الزعيم  كيم جونغ ايل (نجل الرئيس كيم الأول، وجد الرئيس الحالي كيم أون) في 16 /  شباط ــ فبراير / 1942 الذي ولد (تحريفاً عن الحقيقة) على سفح جبل باكيدو الأسطوري المقدس.
 
 
(الصورة : صورة الطاغية الكوري كيم أيل سونغ على العملة الورقية)
 
ومن أجل تكريس زعامة شاملة، لا يتواني الطغاة عبر التاريخ من وضع أسمائهم بصفة هالة من التقدير والتقديس، وتساهم أجهزة الدولة الرسمية بهذا الجهد، فتمنح الطاغية ألقاباً وأسماء، ناهيك عن الرتب العسكرية والأوسمة لمزيد من الهيبة، ويضعون صورهم الشخصية على العملات الورقية والمعدنية، وربما صياغة قصصاً وأساطير. ففي التاريخ الشرقي القديم (في بلاد الرافدين، ومصر القديمة، وحتى في الحضارات الأخرى كالأزتيك والمايا والأولميك في أميركا اللاتينية)، كان الملوك يشبهون أنفسهم بالملائكة، فقد أدخل الملوك بناتهم وزوجاتهم في خدمة المعابد وأصبحن كاهنات، بل وأن ابنة الملك الأكدي الكبير سرجون، كانت كبيرة كاهنات(نانا)، وكان يحظر على الكاهنات إقامة الاتصالات الجنسية مع الرجال في الظروف الاعتيادية، وذلك هو السبب في أسطورة ولادة الملك سرجون إذ وضعته أمه الكاهنة في سلة من والقصب في تيار النهر (كما حدث للنبي موسى) وأنقذه بستاني. وهناك ما يشير إلى الافتراض الواضح أن الملوك كانوا يمارسون الاتصال الجنسي الطقوسي مع الكاهنات، حيث تقوم الكاهنة بدور الآلهة أينانا ويمثل الملك دور الإله دوموزي(تموز) وفي الأساطير كان هذا الإله في الأصل بشراً، لذلك فقد كان الاعتقاد سارياً وسائداً بأن الحكام(ملوك وأمراء) إنما يحكمون بتفويض من الآلهةDivine Right ، أو أن الآلهة قد حلت فيهمIncarnation  بصورة من الصور، والحكام هم أصلاً كانوا ممثلين اكبر القبائل والأعراق عدداً وقوة (من حيث المحاربين) وهم بالتالي أكثرها ثراء، ولذلك يحوزون على القوى المادية التي تترجم سلطانهم إلى هيمنة على الفعاليات التي تدور في المجتمع.
 
والطغاة (الديكتاتوريين) في العصور الراهنة، يمارسون هذه بوسائل أخرى ولكن بذات النتائج، وأن تقلصت بدرجة كبيرة جداً إمكانية تأسيس أنظمة طغيانية، بسبب وعي الشعوب، وتطور العلاقات الدولية التي بات من المستهجن قبول أنظمة ديكتاتورية والتعامل معها على قدم المساواة كالأنظمة الديمقراطية، برغم أن المصالح الانتهازية للدول تتغاضى أحياناً عن أنظمة كهذه، إلا أن هذه الأنظمة فقدت احترام شعوبها والمجتمع الدولي على حد السواء، بسبب التطور الكبير في الفقه القانوني والدستوري، وتطور نظم الدول إلى مستوى رفيع بات معه تنظر وتتعامل مع النظم الديكتاتورية كنظم متخلفة، وشعوبها تستحق العطف.
 
والطغيان هو نتاج ومزيج(Product & Combination) لعناصر اجتماعية / اقتصادية / سياسية، فالديكتاتورية الفاشية في إيطاليا (أكتوبر 1922/ ابريل 1945) والنازية في ألمانيا (يناير 1933 / أيار 1945) فشهدت إيطاليا وألمانيا في أعقاب تطور صناعي تطورات نقلها إلى مصاف الدول الصناعية، وباتت الدولتان تطالبان بمزايا الدول العظمى، وتشير التجربة التاريخية إلى أن قادة كهتلر وموسوليني نجحا بإثارة المشاعر العدائية لشعوبهم إلى الحد الأقصى، مستخدمين ببراعة  الموقف السياسي والاقتصادي والاجتماعي التي تمر بها بلدانهم(فساد السياسيين التقليديين، كساد وتضخم اقتصادي، مرحلة تمفصل طبقي/ أجتماعي)، ونجحوا بتأسيس أنظمة طغيانية يحكم في ظاهرها الحزب، ولكن في واقع الأمر كان (الدوتشي/ القائد) موسوليني و(الزعيم /الفوهرر) هتلر هما من يقودان البلاد بديكتاتورية، مع تجاهل المؤسسات الحكومية الشرعية .
 
 ولم ينفع العلم الذي تلقاه طغاة عديدون في الجامعات الأوربية الراقية، أو في مؤسسات تعليمية رفيعة في بلدانهم، ولم يحل دون أن يتصرفوا كحكام همجيين، مارسوا قمع خصومهم  بأسوء حالاته وفي أساليب الحكم والإدارة عامة، والأمر مثار للدهشة، فمثلاً ديكتاتور الارجنتين خورخه رافائيل فيديلا (Jorge Rafael Videla)، (1925/ 2013) الحاكم العسكري المطلق للارجنتين من 1976 إلى 1981 وصل إلى السلطة نتيجة انقلاب عسكري أطاح برئيسة الجمهورية الشرعية، كان قد تلقى تعليمه العسكري في معاهد عسكرية رفيعة،  ولكن سنوات حكمه اعتبرت بالسوداء من قبل منظمات حقوق الإنسان حيث سجن وقتل وشرد ما يقارب 30,000 من المعارضين له، أو سالازار ديكتاتور البرتغال الذي كان أستاذاً جامعياً، وهو أمر نادر الحدوث على أية حال .
 
وإذا كان القائد الكوري الشمالي قد نجح بتأسيس نظام عائلي قائم على أساس ديكتاتورية الحزب، مستغلاً وضع السلام الهش في شبه القارة الكورية التي شهدت حرباً ضروس (1950 / 1953) حيث دارت هناك معارك طاحنة بين قوى دولية، كادت أن تؤدي إلى حرب عالمية جديدة وأستخدام الأسلحة الذرية، بالمقابل شهد التاريخ السياسي المعاصر في البلاد العربية، تأسيس ديكتاتورية عائلية إحداها في مشرق الوطن العربي(سوريا) والأخرى في مغربه (ليبيا). وتحققت التجربتان في ظروف متفاوتة بدرجة كبيرة.
 
وبالرغم من أن سورية كقطر تتمتع تاريخياً بتقدم سياسي واجتماعي وثقافي، وكانت بدايات مرحلة الاستقلال الوطني تبشر بخير بعد رحيل الاستعمار الفرنسي، فتأسس نظام قائم على الديمقراطية، ولكن مشكلات التنمية والتطور اللاحقة قادت إلى صراعات داخلية، ساهم فيها القادة العسكريون بدرجة رئيسية بوصفهم يمتلكون القوة الأكثر ضاربة في البلاد (الجيش) وبين الأحزاب والكتل السياسية، ولم تكن أصابع المستعمرون بعيدة من إلهاب الصراعات ومنحها أبعاداً تناحرية. وعندما أستلم حزب البعث العربي الاشتراكي السلطة، ساد اعتقاد بأن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة أستقرار، ولكن الحزب لم يتمكن من إرساء معالم نظام ديمقراطي، والأخطر من ذلك، أن الصراعات بواجهات مختلفة انتقلت داخل الحزب، ولم تكن النتيجة إلا مزيد من تراجع الآمال بإحراز تطور سياسي واقتصادي حقيقي كعناصر ذاتية / داخلية،  في ظل وجود تحديات موضوعية / خارجية أيضاً ساهمت بالمزيد من الإعاقة لبلوغ هذا الهدف.
 
في هذه الظروف من التناحر السياسي، أستلم السلطة الفريق حافظ الأسد، وهو شخصية سياسية / عسكرية له إسهامه في تاريخ الحزب الحديث في سورية، وبدا أن الأسد يهدف إلى أكثر من عملية تصحيحية داخل الحزب، وبأحتكاره السلطات الرئيسية في البلاد (رئاسة الجمهورية / الأمانة العامة للحزب / القيادة العامة للقوات المسلحة / الأمانة القطرية للحزب / رئاسة الجبهة الوطنية) وأنتهاجه منذ البداية منهجاً طغيانياً رغم أنه قاد حركة على أساس إنهاء التسلط في الحزب ..! وما لبث أن تحول الحكم والحفاظ عليه إلى غاية الدولة والحزب والأجهزة الأمنية التي تضخمت وتشعبت، وصار لها وجودها المادي الملموس في حياة كل مواطن، بما في ذلك الحزبيون منهم، بل ما لبث أن تحول الحزب نفسه إلى ديكور في الحياة السياسية ليس إلا.
 
ووفق مؤشرات عديدة، أن الرئيس الأسد قد فكر مبكراً بأستخلاف الحكم إلى أبناؤه، مع تلاشي تدريجي لكل جهة ذات قرار في البلاد، فلم تعد المؤسسات الدستورية (الحكومة / البرلمان / الاستفتاءات) سوى أطر شكلية للممارسة طغيان لم يسبق أن شهدته البلاد من قبل. وهكذا أورث الحكم وكأنه شأن شخصي للغاية، إلى نجله الأكبر الذي يفتقر إلى التأهيل واللياقات الضرورية ومستحقات المناصب القانونية قبل كل شيئ، فما كان منه إلا أن سعر الشأن الطائفي، ليضمن (قدر الامكان) ولاء طائفة، واللعب على التناقضات وإثارة الصراعات، في سياسة قادت إلى تقويض منجزات الشعب منذ الاستقلال وحتى الآن.
 
وبنفس الاتجاه تقريباً مضى الحكم الديكتاتوري في كوريا الشمالية، بأستخدام شعارا الحزب، وتاريخه من أجل تأسيس دولة لا تنتمي لهذا العصر، تحول البشر فيه إلى روبوتات(الإنسان الآلي) تدور كافة الفعاليات حول محور الزعيم وهواجسه.
 
الطغاة والديكتاتوريين حكموا بلدانهم بأساليب القمع المعروفة أو تلك المبتكرة، سيان: بقوانين طوارئ، بالحزب الواحد، الكتاب الأخضر، فلماذا لجأ الطغاة لتدريس أبناؤهم في الجامعات الأوربية إذن ...؟ وبتقديري أن الأمر لا يتعلق بمحاكاة النموذج الغربي بتفاصيله، ولكن في أصعدة لم تعد اليوم موضع خلاف في العالم من احترام الحريات الديمقراطية للبشر، وقواعد حقوق الإنسان التي ما تزال تنتهك بشكل مزري في الكثير من الأنظمة الطغيانية.
 
ويقول العالم السياسي غونتر ماير " أولاد الحكام الطغاة لا يأتون إلى الغرب لتعلم الديمقراطية ". بل وعوضاً عن ذلك يتعرفون على ظروف المعيشة في الغرب، ويتلقون تكوينا تعليميا جيدا. وبعد الحصول على الشهادة الدراسية يعودون أدراجهم بنفس العقلية وبنفس التصورات القديمة. ويقول الخبير السياسي:" إنهم منغمسون في بنية سلطوية، من الصعب عليهم الانعتاق منها " لأنهم  إذا أرادوا اعتماد بنية ديمقراطية، سيعرضون بذلك سلطتهم وسلطة حاشيتهم للخطر.
 
وفي الغرب، وضعوا الآمال أن أبناء الطغاة عندما يدرسون في المعاهد الأوربية، سيعودون لبلدانهم متأثرين بالتجارب الكبيرة التي عاشوها في بلدان متطورة سياسياً واجتماعياً وثقافياً قبل الاقتصادي. ولكن الأمل في تصدير الديمقراطية لأبناء الحكام الطغاة عن طريق دراسة أبناءهم هو أمر مضلل جدا، فالطغاة الذين يورثون الحكم لأبناءهم، يورثونهم في ذات الوقت أجهزة معقدة التركيب والتشكيل، أستغرق بناؤها سنين طويلة ربما تبلغ عقود من الزمن، وفيها ومن خلالها تعشعشت مجاميع واستقرت كالفيروسات يصعب أقتلاعها، فالطغيان مؤسسة، والطاغية الأبن عندما يستلم السلطة من والده الطاغية، فمن العبث انتظار أن بسلك الأبن سلوكاً مناقضاً لما تربى عليه أولاً، ولما أعتبرها مبادئ ومثل عليا ثانياً، ووراثته مؤسسات كاملة لها تقاليدها الصارمة المتمثلة بالأجهزة الأمنية على اختلاف تشكيلاتها مما تشكل لمفردها هيكلاً سياسياً / إدارياً يصعب إلغاؤه أو تجاوزه ثالثاً.
 
وهكذا سرعان ما يدرك الطاغية الأبن صعوبة تقارب الاستحالة ممارسة الحكم بعلاقاتها المتشعبة، دون الاستعانة بذات الأجهزة التي يدرك أن والده لم يؤسسها هباء، ويستوعب نظرية أن الحكم في واقع الأمر لا يستمد قوته من صناديق الأنتخاب، بل ما تؤمنه له الأجهزة. ويستسلم لهذه النظرية طائعاً مختاراً أو تسليماً بالأمر الواقع، لمؤسسة صار لها جذورها وفروعها، وأعداد كبيرة أرتبطت مصيرياً بهذه الأجهزة، ومنهم من تورط بعمليات لا توصف بالنظافة، من اغتيال وقتل، وتهريب وغسيل أموال، وصارت هناك ثروات سوداء مودعة في بنوك سرية، وأنشطة اقتصادية الكثير منها يدخل في إطار الممنوعات، وهكذا فالطغيان أفرز الفساد كمحصل ضروري، وكثر أعداد من يرتبط بهذا الفساد، حتى أصبح النظام الديكتاتوري والفساد وضروب القمع قطعة واحدة متلاحمة يصعب فصمها.
 
طغاة وأولادهم درسوا في أرقى المعاهد الأوربية
 
ـــ الطاغية الكوري كيم أيل أون درس في سويسرا.
 
ومن الطغاة المعاصرين اللذين درسوا في أوربا ديكتاتور كوريا الشمالية كيم جونغ أون، الذي تلقى دروساً في اللغة الألمانية في مدرسة "ليب فيلد شتاين هولتسي" السويسرية القريبة من برن، وذلك ليلتحق بالصف السادس الابتدائي، الذي قدم نفسه هناك على أنه أبناً لأحد الدبلوماسيين الكوريين في ذالك البلد عام 1997، ويشاع أنه درس علوم الكومبيوتر في كوريا سراً.
 
 
 
 
 
 
(الصورة : الطاغية الكوري الشمالي كيم جون أون)
المارشال كيم جونغ أون،  (ولد عام 1983 أو بداية عام 1984) وهو الابن الثالث والأصغر لزعيم كوريا الشمالية السابق كيم جونغ إل ، وحفيد مؤسس الأسرة كيم أيل سونغ( 1912 /   1994) وليست هناك أية معطيات رسمية عن حياته قبل الزعامة.
وبقي كيم جونغ أون في سويسرا حتى  سنة 2011 ظل التلميذ الكوري الشمالي في المدرسة السويسرية، و لم تظهر حتى الآن أية إشارات توحي بتأثر الديكتاتور الذي ورث الحكم عن والده وجده، أي تأثر بثقافة وبأساليب الحكم الغربية. ربما يفضل استخدام أدوات ومعدات (كاميرات تصوير وهواتف نقالة، وأجهزة سمعية) مصنوعة في الغرب، غير أن الأهم بالنسبة له هو التمسك بالسلطة وبأي ثمن كان.
بعد إعلان وفاة والده كيم جونغ إل(وكان قد ولد عام 1942) في 19 ديسمبر 2011، تم إعلان خبر توريث رئاسة كوريا الشمالية لكيم جونغ أون بمسمى "الوريث العظيم" كما جاء على شاشة التلفزيون الرسمي الكوري الشمالي.
 
 
 
*****************************
 
ـــ الطاغية السوري بشار الأسد.
 
بشار حافظ الأسد (1965 -     )، رئيس الجمهورية العربية السورية، وهو ابن الرئيس السابق حافظ الأسد، استلم الرئاسة في عام 2000 بعد وفاة أبيه إثر استفتاء. وهو في ذات الوقت، قائد الجيش والقوات المسلحة السورية منذ عام  2000 ويحمل رتبة الفريق وهي أعلى رتبة في الجيش السوري.، والأمين العام والقُطري لحزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم في البلاد منذ 1963. تخرج من كلية الطب في دمشق، ودرس لمدة سنتين في لندن في تخصص في طب العيون عاد إلى دمشق عام 1994 بعد وفاة أخيه باسل الأسد في حادث سيارة ضمن ترتيبات ليخلف والده.
 
والرئيس الأسد الأبن هو مثال آخر على أبناء الحكام الطغاة، والذي قضى أيضا جزءا من شبابه في الخارج، حيث درس الطب في لندن لمدة قاربت 18 شهرا (دون إنهاء أي شهادة). وعندما تولى بشار الأسد الحكم وراثة عن والده الرئيس حافظ الأسد، آمل العديد من المراقبين في أوربا والغرب، أن يقوم الطبيب الشاب بإجراء إصلاحات ديمقراطية. " لقد كان يُنظر إليه حينها كحاكم ليبرالي سيجلب الديمقراطية إلى سوريا "، ويكتب الخبير في شؤون الشرق الأوسط غونتر ماير : " سرعان ما تعرض الأسد لضغوط مرتبطة بالظروف السياسية التي تضمن بقائه في السلطة وبضغط من حاشيته ومن الأجهزة الأمنية، فلم تعد له أي إمكانية للخروج من ذلك الوضع، فهو أمام خيارين: أما البقاء في السلطة أو أن يعرّض نفسه و حاشيته للخطر." وبذلك أكمل بشار الأسد مسيرة والده المتسمة بالاستبداد، بل وفاق والده طغياناً وقمعاً للشعب .
ومن المرجح أن الطاغية بشار، أمضى حياته الدراسة منذ طفولته ووالده في مواقع القوة، (وزير دفاع / رئيس جمهورية/ الأمين العام والقطري للحزب الحاكم) دون دراسة وسعي علمي حقيقي، وتؤكد صفحة سيرته الذاتية أنه : انتسب إلى القوات المسلحة وتدرج في سلك الخدمات الطبية العسكرية إذ كان يحمل في كانون الثاني / يناير 1994 رتبة ملازم أول، ورفع في تموز / يوليو 1994 إلى نقيب، وفي تموز / يوليو 1995 إلى رتبة رائد، وفي تموز / يوليو 1997 إلى رتبة مقدم، وأعلن في كانون الثاني / يناير 1999 عن ترقية بشار إلى درجة عقيد.
 
مع وفاة والده في 10 / حزيران / يونيو 2000 تمت ترقيته وعمره 34 عاماً و10 أشهر إلى رتبة فريق. حينما عدّل مجلس الشعب السوري الدستور بإجماع أعضاءه لخفض الحد الأدنى لعمر الرئيس من 40 عاماً إلى 34 عاماً لتمكينه كقيادي في حزب البعث العربي الاشتراكي من عرض ترشيحه على مجلس الشعب لمنصب الرئاسة. وأصبح بذلك أول رئيس عربي يخلف والده في حكم جمهورية.
انتخب بعدها أميناً قطرياً في المؤتمر القطري التاسع لحزب البعث العربي الاشتراكي في 27 حزيران / يونيو 2000. ثم انتخب رئيساً للجمهورية في 10 تموز / يوليو 2000 عبر استفتاء شعبي، وتم إعادة انتخابه لولاية رئاسية أخرى تستمر 7 سنوات.
والطاغية الأسد الأبن هو شبيه الطاغية الكوري بنسخة عربية، وهو خير مثال على النظام الأسري الذي يستولي على الحزب والبلاد ويحول كل شيئ في البلاد من مؤسسات إلى نظام ذا طبيعة تنطوي على ولاء شخصي للرئيس القائد مع إسباغ ألقاب تضفي عليه هالة شبه مقدسة " الرئيس القائد، القائد الضرورة، هبة الله، الرئيس أو نحرق البلد، لا إله إلا الرئيس .. وما شابه ذلك من محاولات للتأليه وجعل امكانية تغيره مستحيلة.
 
**************************
 
القذافي الأبن درس في مدرسة لندن للاقتصاد العريقة !
سيف الإسلام معمر القذافي  (مواليد 5 يونيو 1972) نجل الزعيم الليبي معمر القذافي رئيس مؤسسة القذافي للتنمية. ولد في معسكر باب العزيزية  بطرابلس‏ حيث تقيم أسرة والده حاكم ليبيا الطاغية العقيد معمر ‏القذافي.
درس سيف الإسلام مراحله الدراسية في مدارس طرابلس الحكومية. وتخرج سنة 1994 من كلية الهندسة جامعة الفاتح بطرابلس مهندسا. ولكنه التحق بكلية الاقتصاد بجامعة إمادك بالنمسا سنة 1998 وحصل على درجة الماجستير منها سنة 2000. ثم التحق (كلية لندن للاقتصاد) لنيل شهادة الدكتوراه. عمل بعد تخرجه لمركز البحوث الصناعية في طرابلس‏. كما عمل في سنة 1996 في المكتب الاستشاري الوطني. وانشأ مؤسسة القذافي العالمية للجمعيات الخيرية والتنمية التي أنشئت سنة 1998. وفي تخطيط وراثته لوالدة، أشترك بحل الكثير من المشاكل الدولية مثل قضية الرهائن الأوربيين بالفليبين.
 
الأمل في تصدير الديمقراطية لأبناء الحكام الطغاة عن طريق الدراسة أمر مضلل جدا، فسيف الإسلام القذافي، نجل الديكتاتور الليبي القذافي، درس وتعلم  في أحدى أرفع المعاهد البريطانية: كلية لندن للاقتصاد (London School of Economy and political Science ) كتب أطروحة تنم عن آمال بعنوان: "دور المجتمع المدني في دمقرطة مؤسسات الحكم العالمية." ولكن العنوان الجيد لم يصمد أمام وقائع الصراع من أجل التغيير، وبعد نجاح الثورة وجهت العديد من الملاحظات إلى المعهد البريطاني العريق بأنه تساهل مع القذافي الأبن لقاء مساعدات سخية قدمت للمعهد الذكور، وهذه إشارة إلى احتمال أن يفسد الطغاة المعاهد الراقية بأموالهم.
 
ولاحقاً في الصراع حول السلطة الذي شهدته ليبيا في أيام الثورة، ظهرت شخصية القذافي الابن الحقيقية، الذي نسي أو تناسى كل ما تعلمه في الغرب، وحمل السلاح ضد الشعب الليبي، بل وكان أول من ظهر على التلفزيون الليبي مع انطلاق شرارة الثورة مهددا ومتوعدا الثوار.
 
*************************
 
 
ـــ الديكتاتور الكمبودي بول بوت من الطغاة الذين درسوا في أوروبا.
كان بول بوت نجل مزارع ورود أمضى ست سنوات من طفولته في دير بوذي، من بينها سنتان راهبا. وفي سن السادسة تم إرساله إلى أقارب لهم في العاصمة بنوم بنه للعيش هناك. وهناك ​​وتعلم التجارة وأنظم عام 1946 إلى الحزب الشيوعي الكمبودي، ثم أصبح بين الأعوام 1963-1975 سكرتيراً للحزب.
 
وفي باريس (1949-1953) درس بول بوت في السوربون بباريس، ثم تعلم الالكترونيات الإذاعية. وهناك طور أفكاره الشيوعية، وشارك في الحركة الطلابية اليسارية وانضم الى الحزب الشيوعي المحلي، وفي باريس أيضاً، تزوج بول بوت صديقته، ولكنهما أنفصلا بالطلاق عام 1985 لدى عودته إلى كمبوديا، وحتى عام 1963 كان يعمل في التدريس في مدرسة خاصة في بنوم بنه. حاول إقناع طلابه بأفكاره الشيوعية. وهرب من العاصمة عندما كانت حكومة الأمير نورودوم سيهانوك ضد الشيوعيين في البلاد، فلجأ بول بوت إلى الغابات القريبة من الحدود الفيتنامية.
 
مسألة أن لا يتعلم الطغاة الديمقراطية والمبادئ الإنسانية من أوروبا، ليست بالمسألة الجديدة، فقبل عقود أظهر الديكتاتور الكمبودي بول بوت ذلك، حينما تحول إلى قاتل جماعي، بالرغم من دراسته في إحدى أرقى الجامعات الفرنسية ألا وهي جامعة السوربون..
مارس بول بوت طغياناً دموياً، ولكن نظام الخمير الحمر أنهار بعد اجتياح القوات الفيتنامية،  هرب بول بوت مرة أخرى إلى منطقة الغابات شمال غرب كمبوديا. وضمن محاسبات داخل الخمير الحمر، أحتجز بول بوت معتقلاً. وتوفي عام 1998 وهو في الاعتقال.
****************************
 
ــ ديكتاتور ليبيريا تشارلز تايلور.
 
ولد تشارلز تايلور في 1939، وهي قرية على نهر سانت بول بالقرب من سد جبل القهوة. ينتمي والده تايلور نيلسون إلى لليبريين الأمريكان، Amerikoliberianern، وكان والدته زوي لأعضاء غولا. درس تشارلز تايلور في الولايات المتحدة الأمريكية - لأول مرة في كلية Chamberlayne  Newفي نيوتن (ولاية ماساتشوستس)، وبين 1972-1977 الاقتصاد في كلية بنتلي في بوسطن.
 
وتايلور متهم بقضايا فساد عديدة، وتلك قادته لأن تكون فترة هيمنته تنطوي على سلب ونهب، بين فصائل أخرى تسعى للهيمنة والنفوذ والسيطرة على ثروات البلاد خاصة خام الحديد والخشب والمطاط.

كما جند تايلور ضمن قواته أطفالا يرتدون بزات وشعرا مستعارا أشقر اللون وكانوا تحت تأثير المخدرات في معظم الأحوال، ما جعلهم يتصفون بالوحشية حيث تشير بعض الإحصاءات إلى أن ما يقرب من 200 ألف شخص قتلوا في هذه المرحلة من الحرب وطرد أكثر من مليون شخص من منازلهم. أنتصر تايلور في القتال كقوة مهيمنة اكتسحت انتخابات خاصة جرت عام 1997 فاز فيها الحزب الوطني الذي كان يتزعمه.

أدين تايلور في يونيو 2003 من قبل محكمة جرائم حرب تابعة للأمم المتحدة بتورطه في تأييد متمردين أثناء حرب أهلية وحشية كانت تدور رحاها في سيراليون المجاورة، حيث وجهت له المحكمة تهما بتسليح وتدريب متمردين وتهريب الألماس، وصدرت بحقه مذكرة إدانة وتوقيف أثناء حضوره محادثات في غانا لإنهاء التمرد في بلده. وعلى غير توقع عرض تايلور أثناء المحادثات تنحيه عن السلطة إذا كان ذلك سيؤدي إلى خطة سلام.
وفي السادس من يوليو2003 قبل تايلور عرضا باللجوء السياسي من الرئيس النيجيري، غير أنه قال إنه لن يرحل إلا بعد قدوم قوات دولية لحفظ السلام لمنع حدوث أي فوضى في البلاد بعد رحيله.
 
**********************************
 
ـــ الجنرال أوغستو بينوشيه أوغارتا .
ولد بينوشيه عام 1915 وتوفي عام 2006، درس في مدارس العاصمة سانتياغو دي تشيلي ودخل المدرسة العسكرية في 1933 ليتخرج منها بعد أربع سنوات برتبة ملازم ثان في المشاة. ولكنه عاد إلى الأكاديمية العسكرية في خمسة وأربعين ليواصل دراساته فيها، وقوطعت هذه الدراسات في 1948 عندما اتجه لإخماد تمردات مناطق الفحم في لوتا، وتدرب على القمع منذ مطلع حياته المهنية.
حصل عام 1951على لقب ضابط ركن في اتجه بعدها إلى التدريس في الأكاديمية العسكرية، وفي نفس الوقت عمل كمساعد أستاذ في أكاديمية الحرب، وكان اختصاصه الخرائط الجغرافية، كما نشط في تحرير مجلة  عسكرية.
أوفد في بداية 1953 إلى أمريكا برتبة عسكرية عليا، ثم عُين بعدها أستاذاً في أكاديمية الحرب، وعاد إلى سانتياغو عاصمة تشيلي ودخل كلية الحقوق في تشيلي.
شغل عام 1956 منصب الملحق العسكري في السفارة التشيلية في الاكوادور وساعد على بناء الأكاديمية العسكرية المحلية. 1959 و 1965 ثم تردد بينوشيت ولعدة مرات مراكز تدريب للجيش الأمريكي، ويعتقد أن علاقاته الوثيقة مع قادة الجيش الامريكي ووكالة المخابرات المركزية قد أبتدأت من ذلك الوقت.
 
في عام 1970 رقي إلى رتبة العميد. ثم عينه الرئيس سلفادور اليندي  في يناير 1971 في قيادة حامية الجيش في سانتياغو دي شيلي، وعين بمنصب القائد الأعلى للجيش في الثالث والعشرين من أغسطس 1973 من قبل الرئيس سلفادور ألليندي، الذي سرعان ما تآمر عليه بالتنسيق مع المخابرات الأمريكية.
ومارس الجنرال بينوشيت  منذ العام 1973 وحتى العام 1990 حكماً عسكرياً مطلقاً، تنسب إليه وإلى عهده الكثير من المفاسد السياسية والمالية، ويتهم بالديكتاتورية، والتعذيب، واستخدام الاغتيال السياسي، والإخفاء، والتشويه ضد معارضيه وخصومه السياسيين.
ويلاحظ بالرغم من أهمية المراكز الذي شغلها بينوشيت، وسعة أطلاعه، إلا أنه تآمر لمصلحة دولة أجنبية، التي غضت النظر عن حكمه الديكتاتوري الفاسد ومارس حكماً ديكتاتورياً فاسداً طيلة 27 عاماً.
 
*********************************
ـــ ديكتاتور البرتغال أنطونيو سالازار.

أنطونيو دو أوليفيرا سالازار ( 1889 / 1970)
وتجربة الطغيان البرتغالي لها نكهة تختلف بعض الشيئ عن سائر الديكتاتوريات، ذلك أن مؤسس الدولة الديكتاتورية سالازار، لم يكن ضابطاً في الجيش، ولم يعتمد على القوة في الوصول للحكم، فالديكتاتور سالازار هو أستاذ جامعي في علم الاقتصاد، عندما أستعين به كوزير للمالية في الحكومة للتغلب على المشكلات المالية التي تواجه الدولة، رفض العرض وتذرع أنه لا يمتلك الصلاحيات الكافية للشروع بمهمات وصفها بناء " الدولة الجديدة "، وهكذا سلمت إليه رئاسة الوزراء عام 1932، فسن دستوراً شرع بموجيه الديكتاتورية (الحزب الواحد)، والميليشيات الفاشية، وتأسيس أنظمة الشرطة السرية للقمع السياسي، مثلت أهم الأدوات التي تمكن بها من بناء دولة ديكتاتورية تواصلت حتى عام 1968.
المشكلات الاقتصادية الخانقة كانت المدخل إلى ننفق الديكتاتورية المظلم الذي دخلت إليه البرتغال، وبلغ الانهيار الاقتصادي درجة أن أستجيب إلى طلب أستاذ الاقتصاد الجامعي، وأستلم رئاسة الوزراء، وأستهل الإصلاحات بالقمع، فعمد إلى تأسيس مؤسسات الطغيان، من أجهزة القمع والاستعانة بالقوى البوليسية والعسكرية، وسيطر على الحركات الشعبية والعمالية، وأنهى حرية الصحافة والحريات السياسية، والنظام الاقتصادي الجديد لم يكن إلا على حساب شقاء الغالبية من الشعب، وفي الصراعات الداخلية بين القوى السياسية، ملكيين وجمهوريين، والجيش، بدا أن خيار سالازار هو الأقل سوءاً من بين الأسوء، ولكن هذا الخيار كشر عن أنيابه، وعاشت البرتغال عصراً ديكتاتورياً، لم تستفق نه إلا بنهاية العهد السالازاري.

وجدير بالملاحظة أيضاً، أن الطغاة الديكتاتوريين يفعلون كل شيئ للبقاء على كراسيهم، ففي غضون الحرب العالمية الثانية، اتخذت البرتغال موقف الحياد، ولكنها في واقع الأمر كانت تقف مع المحور النازي / الفاشي، ولكنه أستطاع أن يحتفظ بعلاقات خفية مع الدول الغربية، كانت تشتد كلما ضعف موقف المعسكر الفاشي، ثم أنحاز نهائياً للغرب، وفي مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية حيث ابتدأت مرحلة الحرب الباردة وقف إلى جانب الغرب، ومنحهم قواعد حوبة وبحرية في غاية الأهمية الاستراتيجية منها قواعد في جزر الآزور البرتغالية في المحيط الأطلسي.   
وكانت سياسة سالازار حيال المستعمرات وموقفه العنصري، أحد الأسباب المهمة في تتصاعد المعارض ضده، لا سيما في الستينات من القرن المنصرم، حين أصر على الحفاظ على المستعمرات البرتغالية في أفريقيا، في سياسة مناهضة لحركة التحرر والاستقلال في أفريقيا، فتصاعدت المعارضة السياسية ضده في البرتغال في أواخر الخمسينيات.
أصيب سالازار عام 1968 بشلل في الدماغ خفف من قبضته الحديدة، ثم أبعده عن الحكم، تواصلت الدولة التي أنشأها سنتين ببعده حتى بلغت البرتغال عصر الديمقراطية.
 
المراسلات :
Dr. Dergham Al Dabak
/ Tel: 0049 - 30 - 66 302 184 drdurgham@yahoo.de E-Mail:
 
المركز العربي الألماني
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الطغيان والاستبداد والدكتاتورية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى قالمة للعلوم السياسية :: ******** لسا نـــــــــــــــــــــــس ******** :: السنة الثانية علوم سياسية ( محاضرات ، بحوث ، مساهمات )-
انتقل الى:  
1