بسام شحادات: حروب الشرق بين السعودية وإيران
نشر في : الإثنين 26 مايو 2014 - 03:24 ص | آخر تحديث : الإثنين 26 مايو 2014 - 01:14 م
خاص – التقرير
• مقدمة
في عام 1979 قامت الثورة الإسلامية في إيران وحولت إيران من نظام ملكي يحكمه الشاه محمد رضا بهلوي إلى جمهورية إسلامية يحكمها آية الله أو الإمام، سعت السعودية قبل الثورة إلى دعم نظام الشاه واستقراره ضد الثورة، ففي ﺁﺏ 1978 أصدر وزير الدفاع السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز بيانا عبر فيه عن تأييد السعودية للشاه في إيران، متهما الشيوعية الدولية بإثارة الأزمة في إيران، وذكر وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل في تصريح لأحدى الصحف السعودية قائلاً “إن السعودية تؤيد بقاء الشاه لأنه حقق نموذجا يحتذى به”.
كانت الثورة الاسلامية في إيران صادمت لكل الأنظمة الملكية في المنطقة وساهمت في تكوين واقع سياسي جديد في المنطقة فهي ثالث نظام ملكي ينهار بعد نظام الملكية في العراق ومصر، في الوقت الذي كانت فيه إيران الشاه دولة تتنافس معها السعودية مناطق النفوذ والسيطرة، فإن إيران الثورة باتت العدو اللدود للسعودية فهي نظام ثوري إسلامي شيعي يسعى لتصدير الثورة والسعودية نظام ملكي إسلامي سني، إلا أن هذا العدو اللدود كان حليفاً عند الضرورة كما سنرى في سردنا لتفاصيل العلاقات السعودية الإيرانية والتي برزت معالمها بشدة في البحرين والعراق وسوريا ولبنان واليمن وباكستان وأفغانستان وفي الشأن الداخلي السعودي فيما يتعلق بالشيعة في السعودية والملف النووي الإيراني وتصدير النفط، في تقريرنا الحالي سنستكمل التقرير السابق “العلاقات السعودية الإيرانية حتى سقوط حكم الشاه” لنرصد أبرز معالم الحروب التي غذاها الصراع الإيراني السعودي في فترة الثمانينيات من القرن العشرين.
والجدير بالذكر أن العلاقات السعودية الإيرانية بعد الثورة الإسلامية كانت تدار ضمن فلكين منفصلين فلك الدين والمذهب وفيه تظهر مظاهر العداء التي تزكيها المؤسستان الدينيتان في إيران والسعودية التي هاجمت كل منهما الاخرى بوصف الزندقة والردة والكفر ما بين النواصب والروافض، والعلاقات الاخرى كانت تدار من طرف الأجهزة الأمنية والسيادية وكان يحكم العلاقة فيها المصلحة والتعاون المشترك فيما يخدم البلدين، ويلاحظ ان حدة التصريحات والعداء الديني بين السنة والشيعة كانت ترتفع وتنخفض بالتوازي مع تقدم وتراجع العلاقات الرسمية بين البلدين إيران والسعودية.
• حذر وترقب
في عام 1979 وفي خضم أحداث الثورة الإيرانية حدثت بين أبناء محافظة القطيف في السعودية وبين قوات الحرس الوطني السعودي مواجهات عقب مظاهرات تبعت احتفالات دينية للشيعة من أبناء المنطقة، وكان لهذه الحادثة دوافع داخلية حيث كان الجو مواتياً لقيام الشيعة السعوديين بإعلان الثورة على الحكومة السعودية، كانت مطالبات المتظاهرين هي رفع الظلم والتمييز ضد الشيعة في المنطقة الشرقية، قمعت السعودية هذه الاحتجاجات خلال 4 أيام فقط وتعاملت معها بحزم وشدة خوفاً من تمدد المطالبات وفقدان السيطرة على المنطقة، وكانت هذه الأحداث متزامنة مع بدايات الثورة الإيرانية في إيران على نظام الشاه.
في المرحلة الأولى بعد إعلان الثورة الإسلامية الإيرانية لم يكن للمملكة العربية السعودية سياسة عدائية معلنة تجاه إيران إلا السياسة التي تعمل على منع وعرقلة تصدير الثورة، وكان المسئولون السعوديون يمتنعون عن الإدلاء بوجهات نظرهم الصريحة تجاه الثورة الإسلامية في إيران، وقد انتهجت السعودية سياسة الصبر تجاه إيران لحين انتصار أي من الجناحين المتنافسين في الثورة التيار الإسلامي الأصولي والتيار الليبرالي فتتمكن من تحديد سياستها نحوه.
ففي إجابة من ولي العهد السعودي فهد بن عبد العزيز أنذاك في لقاء مع صحيفة السفير اللبنانية عن علاقة السعودية بالحكومة الجديدة في إيران قال “ليس لنا أية مشاكل مع إيران في الوقت الحاضر، ونحن مرتاحون تماما من هذه الناحية بعكس ما كنا عليه خلال حكم الشاه، ننظر إلى إيران نظرتنا إلى بلد مسلم وصديق والسعودية رحبت بعودة الخميني من منفاه في فرنسا بعد سقوط الشاه”.
وبعد نجاح الثورة الإيرانية ووصول الأصولية الدينية الشيعية لمقاليد الحكم في إيران اتبعت إيران سياسة راديكالية ثورية وأكدت على سياسة تصدير الثورة، وبدأت إيران تهتم بكسب الشعوب في دول الجوار إلى جانبها فأغلقت السفارة الإسرائيلية في طهران وعملت على دعم قضية العرب المركزية في فلسطين وأسست مكتب الجبهة التحررية لشبه الجزيرة العربية في محاولة منها لتصدير الثورة إلى شبه جزيرة العرب، شعرت السعودية بخطر تقدم إيران ومنافستها على صدارة العالم الإسلامي وبروز دورها في باكستان وأفغانستان فضلاً عن تدخلات إيران في العالم العربي وخصوصاً تحريك إيران للشيعة في السعودية في سبيل الثورة على النظام الملكي هنالك.
• بداية المواجهة
بادرت السعودية ومعها دول الخليج إلى اتخاذ خطوات سريعة وحاسمة في مواجهة مد الثورة الإسلامية الشيعية من إيران، فسارعت دول الخليج إلى دعم العراق في حربه ضد إيران التي بدأت في نهاية عام 1980 واستمرت ثمانية أعوام بدعم خليجي للعراق، فقد ذكرت صحيفة الرأي العام الكويتية أن السعودية قدمت مساعدات عاجلة للعراق حوالي 6 مليارات دولار، وأكثر من 100 دبابة نقلت على شاحنات إلى العراق عبر الكويت، وأرسلت شركة أرامكو السعودية فرقاً متخصصة لمساعدة العراقيين على إصلاح أبار النفط العراقية المتضررة نتيجة القصف الإيراني، فضلا عن مساعدات اخرى غذائية ودوائية أُرسلت للعراق من السعودية.
وفي شهر مايو من عام 1981 أعُلن رسمياً عن مجلس التعاون الخليجي الذي ضم كلاً من السعودية والكويت والبحرين والإمارات وقطر وسلطنة عمان، وجاء في ديباجة النظام الأساسي للمجلس أن ما يربط بين الدول الست من علاقات خاصة، وسمات مشتركة، وأنظمة متشابهة أساسها العقيدة الإسلامية، وإيمان بالمصير المشترك ووحدة الهدف، وأن التعاون فيما بينها إنما يخدم الأهداف السامية للأمة العربية، وكانت السعودية تستهدف من وراء تأسيس مجلس التعاون الخليجي إقامة سد دفاعي في مواجهة نفوذ الثورة الإسلامية الإيرانية في المنطقة، وقمع الحركات التحررية ومكافحة الأصولية الإسلامية الشيعية وتوسيع النفوذ السعودي في المنطقة.
بالإضافة إلى الحرب العراقية الإيرانية التي كانت تدعم السعودية فيها العراق في وجه إيران، كانت السعودية تواجه إيران أيضاً في أفغانستان عبر دعم الجهاديين العرب والأفغان في وجه احتلال الاتحاد السوفيتي التي تحالفت معه إيران بعد سقوط الشاه الذي كان حليفا لإسرائيل والولايات المتحدة الامريكية سابقاً، فعززت إيران في تلك الفترة دعمها للجماعات الشيعية المقاتلة في أفغانستان منعاً لوجود جمهورية إسلامية سنية تتبع المذهب الوهابي السلفي على حدودها في أفغانستان وتكون موالية للسعودية وأمريكا (الشيطان الأكبر).
كانت الولايات المتحدة الامريكية حاضرة دوماُ في العلاقات السعودية الإيرانية، فإيران اعتبرت تحالف الرياض واشنطن موجها ضدها خصوصاً بعدما تخلت إيران الثورة عن التحالف الامريكي لصالح تحالف الاتحاد السوفيتي والبحث عن عمق شيعي يدعم إيران في توجهاتها في تصدير الثورة، في عام 1982 بدأ ما يسمى بحرب الناقلات ضمن مجريات الحرب الإيرانية العراقية حيث سعت العراق إلى ضرب ناقلات النفط الإيرانية لإجبار إيران على وقف إطلاق النار أو السلام، مما دفع إيران للرد على مهاجمة سفنها.
حيث قامت القوى الجوية العراقية بغارات على جزيرة خرج الإيرانية في 27 فبراير 1984 التي يصدر منها حوالي حوالي 1,6 مليون برميل نفط يومياً كما قامت الطائرات العراقية بضرب 7 سفن بالقرب من خرج وكرد فعل إيراني هاجمت إيران ناقلة نفط سعودية في 7 مايو 1984 وناقلة نفط كويتية قرب البحرين في 16 مايو 1984، مما دفع قيام السعودية بتسيير دوريات جوية وحددت منطقة اعتراض جوي أطلق عليه “خط فهد” خارج حدود المياه الإقليمية للسعودية وإن أي طائرة تهدد أمن الملاحة سيتم الاشتباك معها، في 5 يونيو أعلنت السعودية أن طائراتها “الإف 15″ قد اعترضت طائرات “إف-4 فانتوم” إيرانية وأسقطت إحداها فوق مياه الخليج بعد أن اخترقت الطائرات الأجواء السعودية، بعد يومين من الحادثة فُجِرت قُنبلة في مبنى السفارة السعودية في بيروت مما اعتبر رد فعلي إيراني على إسقاط الطائرة من قبل السعودية.
في خضم هذا الجو المشحون بالتوتر شهدت الفترة بين عامي 1985 وعام 1986 جملة من المباحثات الإيرانية السعودية، فقام سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي بزيارة إيران في تموز 1986وقام بالمقابل “علي ولايتي” وزير الخارجية الإيرانية بزيارة السعودية في كانون من العام نفسه، غير أن هذه المباحثات والزيارات لم تسفر عن نتيجة تذكر.
• استغلال المواسم الدينية
شهد موسم الحج عام 1987 مقتل وإصابة أكثر من 1100 شخصا من عدد من الدول الإسلامية، وكشفت السلطات السعودية عن وجود كميات كبيرة من المتفجرات داخل حقائب الحجاج الإيرانيين، وبعد التحقق منهم وجد أنهم كانوا ينوون تفجير بعض المقدسات الدينية في السعودية. وسعوا بعد انكشاف أمر بعضهم إلى إغلاق بعض الممرات وطرق الحج، وقاموا بإطلاق غازات خانقة وتنظيم مسيرات تشجع الخميني والثورة الإسلامية في إيران، تعاملت السلطات السعودية مع الأحداث بعنف شديد سقط فيه 400 حاج أيراني قتيلاً على يد السلطات السعودية، فقام الحرس الثوري الإيراني بالاستيلاء على السفارة السعودية في طهران وأدى ذلك إلى مقتل دبلوماسي سعودي في السفارة.
وفي عام 1989 نسقت السفارة الإيرانية بالسعودية لإحداث بلبلة وتفجير في بعض المواقع التي استعصى عليهم إثارتها في عام 1987، ونجحوا في بعض المهام التي خططوا لها مع مساندة من رجال دين إيرانيين للتفجير وقاموا باستلام متفجرات، قاموا بتفجير واحدة منها على جسر قريب من المسجد الحرام، ومحاولة تفجير لنفق المعيصم المخصص للمشاة في مكة.
تقول الرواية السعودية الرسمية بأن المتهمين تلقوا تعليمات من قبل محمد باقر المهري وبالتنسيق مع دبلوماسيين إيرانيين في السفارة الإيرانية للتدبير للتفجير وقاموا باستلام متفجرات من نوع حربي “تي ان تي” من الباب الخلفي للسفارة الإيرانية بالكويت ثم نقلها إلى داخل السعودية حيث قاموا بزرعها وتفجيرها، قامت السعودية على إثر ذلك بطرد جميع الدبلوماسيين الإيرانيين من المملكة وقطعت العلاقات الدبلوماسية مع إيران.
• حرب لبنان
حرب اخرى كانت بين السعودية وإيران في لبنان المشتعل بالحرب الاهلية منذ عام 1975، فعمدت السعودية إلى دعم التيار المسلم السني وأحيانا المسيحي في وجه وجود إيران في لبنان الذي تمثل بدعم إيران للطيف الشيعي بالحرب من خلال حركة أمل وحزب الله اللبناني، وتميزت مواجهات إيران السعودية في لبنان بتغير التحالفات بشكل كبير حيث أن السعودية وإيران اعتمدوا كثيرا على كسب حلفاء من الطرف الاخر إلى صفهم، فنظام حافظ الاسد في سوريا ظل طيلة الحرب اللبنانية يتعاون مع الطرفين إيران والسعودية متأرجحاً في اصطفافه ليستقر بعد نهاية الحرب كحليف رئيسي في المنطقة لإيران.
• نهاية حرب السلاح
كان عام 1989 ميلادي عاماً حاسماً لنهاية حروب السعودية وإيران بالوكالة، فقد شهد هذا العام نهاية لمفاوضات إيران العراق في جنيف لإنهاء الحرب العراقية الإيرانية لتخرج العراق من الحرب مثقلة بالديون وتطالب دول الخليج بتسديد فاتورة الحرب ويكون نتيجة هذا الإشكال احتلال العراق للكويت كما سنرى في تقريرنا القادم، وتم أيضاً إنهاء الحرب في أفغانستان بانسحاب الاتحاد السوفيتي فيما اعتبرته السعودية نصراً مبدأياً لها، لتدخل افغانستان بعد ذلك أتون حرب صراعات داخلية تلعب السعودية وإيران تفاصيل كثيرة فيها.
وفي نفس ذلك العام عقد اتفاق الطائف لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية برعاية سعودية سورية إيرانية أمريكية ويدخل بعد ذلك لبنان في دوائر الطائفية السياسية والتعطيل لإعادة بناء الدولة ولتبقى السعودية وإيران عاملان أساسيان في معادلات الطوائف في لبنان، تبع ذلك حضور إيران لاجتماع منظمة المؤتمر الإسلامي الذي عُقد في مدينة جدة بالسعودية وعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، لتنتهي بذلك عشر سنوات من الحرب التي أشعلت الشرق في لبنان والعراق وأفغانستان وبدعم لا محدود من السعودية وإيران راح ضحيتها مئات الألوف من جميع الأطراف وشُرِد الملايين عن منازلهم ودمرت البنى التحتية لدول الصراع، والجدير بالذكر أن طرفي الصراع اللذان اهتما كليهما بإظهار حرصهما على القضية المركزية في فلسطين لم يوجهوا أي سلاح او تهديد لإسرائيل، بل إنهما استعانا بها على الطرف الاخر كما كشفت قضية “إيران-كونترا” التي اشترت إيران بها وعن طريق إسرائيل ما يقارب 3,000 صاروخ “تاو” مضادة للدروع وصواريخ “هوك” أرض جو مضادة للطائرات مقابل إخلاء سبيل خمسة من الأمريكان المحتجزين في لبنان.
مصدر المقال