اما في مصر، فلقد رأينا في عدة مناسبات، استخدام النظام للسياسات الطائفية، من خلال القمع الوحشي الذي تعرضت له مظاهرات الاقباط، مثلاً في احداث ماسبيرو، في نوفمبر/ت2 ٢٠١١، حيث عمد النظام الى تأجيج جو من المعاداة، ضد الاقباط، من خلال حرق الكنائس، الذي ثبت لاحقاً تورّط حبيب العادلي، وزير الداخلية الاسبق، فيه.
والنظام السوري لم يكن بعيداً عن هذه الممارسات خلال الاربعين عاماً الماضية، ليس فقط على المجتمع السوري، بل على المجتمع اللبناني ايضاً. فسياسة النظام السوري اعتمدت على ثلاثة محاور اساسية:
- مركزة القوة السياسية بيده، من خلال السيطرة على الحركة النقابية والحركة السياسية، واحتواء المعارضة وتفريغها.
- انشاء شبكة من العلاقات مع التجّار واصحاب الاعمال، ومع المؤسسات الدينية والطائفية، وتشجيع نمط العلاقات القبلية في التمثيل السياسي.
- بالاضافة الى ذلك انتهاج سياسات اقتصادية نيوليبرالية، أدت الى تراجع خدمات الدولة، امام صعود مؤسسات الرعاية الدينية، والعائلية.
كل هذه السياسات ادّت بطبيعة الحال الى انتاج بيئة وثقافة طائفيتين قائمتين، ولهما مساحتهما في الواقع السوري، التي تظهر اليوم بشكل فظّ، اثر القمع الوحشي الذي يقوم به النظام يومياً ضد الجماهير المنتفضة، محاولاً من خلال هذه الوحشية دفع المجتمع السوري نحو حرب اهلية طائفية، يستطيع من خلالها اعادة انتاج هيمنته، التي يفقدها يوماً بعد يوم.
وما سنقدمه هنا هو شرح لكيف قام النظام بإنتاج تلك البيئة، على مدى الاربعين عاماً الماضية:
١- السيطرة على الحركة العمالية: وقد بدأت سياسات السيطرة على الحركة النقابية، منذ مجيء حافظ الاسد الى السلطة، فقام بحلّ نقابات الاطباء، والمحامين، والمهندسين، والصيادلة، في العام ١٩٨٠، حيث كان لهذه النقابات دور قيادي، في النضال من اجل الديمقراطية والحريات السياسية، ومن اجل الغاء قانون الطوارئ. واعيد فتح هذه النقابات بعد ذلك، واستبدال قياداتها بقيادات معيّنة من قبل النظام، وتابعة له، واعتمدت هذه السياسة في مجمل الحركة النقابية. 7
وهذا ما سهّل للنظام لاحقاً إنشاء علاقات متينة مع البرجوازية السورية، وايضاً تسهيل تمرير السياسات النيوليبرالية، منذ العام ٢٠٠٠، وهي التي ادّت بطبيعة الحال الى انحدار المستوى المعيشي لغالبية السكان، انحداراً مخيفاً. ورغم ذلك، وتبياناً للعمق الاقتصادي لأزمة النظام السوري، فلقد شهد العام ٢٠٠٦ تحرّكين عماليين بارزين، اولهما كان اعتصام مئات من عمال البناء، امام الشركة العامة للبناء في دمشق، وثانيهما كان اضراب سائقي السيارات العمومية في حلب، وقد قمعا بشكل قاسٍ.
ونستطيع ان نرى هذا البعد الاقتصادي والعمالي، في الثورة السورية، رغم ان الكثير من وسائل الإعلام، والقوى السياسية، تغفل هذا الجانب وتشارك بدورها في التحريض الطائفي. فخلال شهر كانون الاول/ديسمبر، من العام ٢٠١١، شهدنا اضرابات عامة وعصياناً مدنياً شلّت اجزاء كبيرة من سوريا، ما ادى الى ردود وحشية من قبل النظام، والى سياسات طرد جماعية ضخمة، بحيث قام النظام بطرد اكثر من ٨٥،٠٠٠ عامل/ة، ما بين كانون الاول/ديسمبر ٢٠١١ وكانون الثاني/يناير ٢٠١٢، وقد اقفل اكثر من ١٨٧ مصنعاً (بحسب احصائيات النظام) لكسر حركة العمال.
٢- اما على المستوى التعليمي فاستهدف النظام الاساتذة والمعلمين/ات اليساريين/ات، بينما في نفس الوقت أعطى مساحة اكبر للتيارات الدينية الاصولية. 8 فمثقفون مستقلون من امثال ميشيل كيلو، ووادي اسكندر، واساتذة جامعيون كرفعت السيوفي وآصف شاهين، كانوا نقديين تجاه النظام، فتم استهدافهم ايضاً. 9
٣- وعلى المستوى السياسي، قام النظام بقمع واضطهاد اي حركات سياسية، او احزاب معارضة لا تلتزم بمظلّة الجبهة الوطنية الديمقراطية، التي انشأها حافظ الاسد. والاحزاب المنتمية للجبهة لا تتمتع بأي حقوق سياسية فعلية، بل تتحرك وفق ارادة النظام. ففي بداية السبعينيات من القرن الماضي، قام النظام بضرب الاحزاب والتنظيمات العلمانية واليسارية، كحركة23شباط (تيار راديكالي من أصول حزب البعث)، وكذلك حزب العمل الشيوعي (بصيغته القديمة، وقبل سحق النظام له، في الثمانينيات، وأوائل التسعينيات)، هذين الحزبين اللذين كان معظم اعضائهما من الطائفة العلوية، فضلاً عن ضرب الحزب الشيوعي–المكتب السياسي، بقيادة رياض الترك. 10
استكمل هذا النهج مع مجيء بشار الاسد الى السلطة، فقام النظام حينها بقمع كل حركة طالبت بالحريات السياسية والديمقراطية، ما بين العام ٢٠٠٠ والعام ٢٠٠٦، وكانت تضم عدداً من المثقفين والفنانين والكتاب والاكاديميين والسياسيين. وترافق هذا الامر مع بداية نشوء منتديات نقاشية كانت شكلت منطلقاً لها المنابر التي نشأت مباشرة بعد وصول بشار إلى الحكم. وقد ترافق ذلك مع عدة اعتصامات شكّلت حالة جديدة في الواقع السياسي السوري، وقامت بالدعوة لهذه الاعتصامات الاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، في نفس الوقت. وعلى اثر ذلك قام نظام بشار الاسد بقمع هذه التحركات واقفال المنتديات واعتقال الكثير من المثقفين/ات والناشطين/ات المبادرين/ات إليها.
وقد أدى هذا الوضع، بطبيعة الحال، وذلك منذ أيام حافظ الاسد في السلطة، إلى احكام سيطرة حزب البعث على معظم تفاصيل الحياة السياسية في سوريا. واصبح الحزب الوحيد الذي يحق له تنظيم النشاطات السياسية، والمحاضرات والمظاهرات في الجامعات، كما في شتى المجالات، والمواقع، وكان الوحيد الذي يملك الحق بتوزيع جريدته في الجامعات والثكنات، وحتى الاحزاب الموالية للنظام لم يكن لها الحق بالدعاية السياسية، وحتى بمكتب في حرم الجامعة. وقام حزب البعث بإنشاء منظمات شعبية مكنته من إحكام سيطرته على أقسام مختلفة من المجتمع، كالشباب والنساء. وبالإضافة الى مركزة القوة السياسية، قام حافظ الاسد بعد مجيئه الى السلطة بالسيطرة ايضاً على حزب البعث، فتم تغيير النظام الداخلي للحزب، بحيث اصبحت قيادة النظام والسلطة الامنية هي من يقرر ويعيّن القيادات الحزبية، وبالمقابل تم قمّع اي معارضة حزبية داخلية.
وفي المؤتمر السابع لحزب البعث، قام رفعت الأسد بتلخيص الامر بشكل جيّد، بينما كان يشرح رؤيته لكيفية عمل الحزب، بقوله: «القيادة تعيّن، والحزب يوافق والشعب يهتف، هكذا تعمل الاشتراكية في الاتحاد السوفياتي، ومن لا يهتف يذهب الى سيبيريا». 11
هذا وقد كانت شهدت فترة السبعينيات من القرن الماضي تحوّل القيادات الحزبية للبعث من مناضلين ملتزمين وناشطين متحمسين، كما كان الامر في الخمسينيات والستينيات، من القرن الماضي، الى موظفين تابعين. 12
وفي الفترة التي تلت السبعينيات، عمدت قيادة الحزب الى توسيع القاعدة الحزبية بحيث اصبح الحزب الاداة الاهم في بسط سيطرة النظام على تفاصيل الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، في سوريا، وبالطبع تعززّ هذا الدور للحزب، من خلال ربط التوظيف، والترقي الوظيفي في مؤسسات الدولة، بالانتساب، ما شجّع تضخّم القاعدة الحزبية من ٦٥،٣٩٨ في ال١٩٧١، الى ٣٧٤،٣٣٢ في ال١٩٨١، ومن ثم الى ١،٠٠٨،٢٤٣ في حزيران/يونيو من العام ١٩٩٢. 13
إعادة تعريف العلاقات المدنية والسياسية من خلال الخطاب الديني والطائفيوفي ظل سيطرة شبه كاملة على تفاصيل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في سوريا، عمد النظام الى انشاء شبكة من العلاقات تنمّي، بطبيعتها، العلاقات الدينية والطائفية والعائلية، بدلاً من العلاقات المدنية. فلقد عمد النظام الى تقوية وتمتين علاقته مع رجال الاعمال السنّة، وانتهاج سياسات ليبرالية مضبوطة، سعت الى تمكين النظام من تجميع الثروات، في ما بينه وبين شبكة العلاقات التي يرعاها، والتي لم تقتصر فقط على رجال الاعمال، بل شملت ايضاً الاجزاء الاكثر رجعية في المجتمع السوري.
هكذا تمت ترقية رجال الاعمال الى مواقع قيادية في الحزب، فضلاً عن ترقية عدد كبير من التكنوقراط غير الحزبيين، في الدولة. 14
ففي مجلس الشعب، أُعطي مجال اوسع، وصوت أعلى، لأصحاب المصالح والشركات، كما رجال الدين، بالإضافة الى زعماء العشائر في المقاعد المستقلة وغير المنتسبة الى البعث. وقد شكّل هؤلاء حوالى ال٣٣،٢٪ من مجلس الشعب، منذ ال١٩٩٤. 15 وقد هدف حافظ الاسد من هذه السياسات إلى تأمين استقرار النظام، عبر تجميع الرساميل والثروات، في مواقع مضمونة، وفي نفس الوقت استقطاب المجتمع التجاري، وخاصة رجال الاعمال، الى جانبه. 16
وقد تمّ تثبيت البعد الطائفي للنظام الحاكم في سوريا، من خلال تقوية هيمنة المؤسسات الطائفية والدينية على المجتمع، خاصة في الطائفة السنية، بينما على مستوى العلويين، تم الربط المباشر ما بين العائلة الحاكمة (آل الاسد) وجموع العلويين في سوريا، وفي نفس الوقت انتهاج نهج اقصائي وقمعي تجاه الاكراد. وهو، بطبيعة الامر، ما أسس لعلاقات تجعل من الدين والطائفة والعائلة مسرحاً لتعبيرها السياسي، بدلاً من المساحة المدنية.
وبالرغم من ان النظام قام بقمع حركة الاخوان المسلمين في سوريا، بوحشية، بين السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، لم يمنعه ذلك من انتهاج سياسات محافظة دينية، بتعارض مباشر مع ما يدَّعيه من طبيعة مدنية وعلمانية. فقام النظام ببناء عدد كبير من المساجد، ودعم مدارس الشريعة الاسلامية، ورفع اجور الائمة والمدرسين والخطباء ورجال الدين السنّة، وذلك بالإضافة الى الترويج للإسلام في الإعلام الرسمي، بينما في نفس الوقت، حاول تشجيع بناء مؤسسة دينية اسلامية محافظة، لاستقطاب التيارات الاسلامية المتعددة، ولبناء شرعية اسلامية للنظام. 17
ومنذ العام١٩٧٣، ونتيجة لاحتجاج بعض الشخصيات الدينية السنية، كالشيخ حسن حبنتكة، قام حافظ الاسد بتعديل الدستور، بعد تبنيه من مجلس الشعب، وأعلن من خلاله أن «دين الرئيس هو الاسلام». 18 وأُبقي على هذا البند الدستوري في الدستور الجديد، الذي اعتمده نظام بشار الاسد في آذار/مارس ٢٠١٢، وكذلك اضيفت عبارة «الشريعة الاسلامية هي مصدر كل التشريعات»، للتأكيد على العمق الاسلامي للنظام الحاكم.
تراجع خدمات الدولة امام انتشار اوسع للمؤسسات الدينية غير العلويةمع تبني «الاقتصاد الاجتماعي الجديد»، وكان الغطاء الايديولوجي للسياسات النيوليبرالية، التي بدأ باعتمادها النظام، منذ العام ٢٠٠٠، عنى ذلك انسحاب الدولة من مرافق اساسية وحياتية، وترافق مع ازدياد كبير لعدد مؤسسات الرعاية الدينية، وكذلك تدني المستوى المعيشي للسكان، بصورة فاضحة. ففي الفترة التي سبقت الثورة، مباشرة، كان يرزح ٣٠،١٪ من السكان تحت خط الفقر، وحوالى المليونين (اي ١١،٤٪) من السكان كانوا غير قادرين على تأمين حاجاتهم الاساسية. 19 كما ان الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي كان يتناقص، منذ بدايات التسعينيات، من القرن الماضي، وهذا ما دفع النظام الى انتهاج سياسات نيو ليبرالية أكثر جرأة، واستكمال البحث عن رساميل خاصة. 20
وكمثال اساسي على هذه السياسات، شهدنا تراجعاً كبيراً في القطاع الصحي، امام ازدياد كبير لمؤسسات الرعاية الدينية خاصة. ففي العام ٢٠٠٤، حوالى ال٣٠٠ مؤسسة رعائية كانت تعطي اكثر من ٨٤٢ مليون ليرة سورية لأكثر من ٧٢،٠٠٠ عائلة. 21 احدى اشهر واهم هذه المؤسسات كانت جماعة زيد، التي كانت تربطها علاقات متينة مع البرجوازية السنية الدمشقية، ويديرها الاخوان الرفاعي، الذين وإن كانوا ينتهجون اليوم خطاباً مناهضاً للنظام، فهذا لم يمنعهم (ما قبل الثورة) من بناء علاقات متينة ومصالح مشتركة بينهم وبين النظام، من خلال تمكين النظام لهم من السيطرة على الجوامع الجديدة على حساب المؤسسات الاخرى، بينما حصل الكثير من اعضائهم على مراكز هامَّة في المؤسسة الدينية الرسمية. 22 ما ادى بطبيعة الحال الى تعمّق دور المؤسسات الدينية، المسيحية والاسلامية، في المجتمع السوري.
فلقد تم بناء حوالى ال١٠،٠٠٠ جامع، ومئات مدارس الشريعة، واكثر من ٢٠٠ مؤتمر ديني تم عقدها، في المراكز الثقافية، في العام ٢٠٠٧. وفي نفس الوقت، قامت قيادات المؤسسات الدينية الرسمية بلعب دور المجتمع المدني السوري، وتأكيد الولاء للنظام، وكانوا، بإيعاز من النظام، يمثلون صورة توافقية وحداثية عن المجتمع السوري، امام الوفود الاجنبية. وتأكيداً لهذين الدور والبعد الاسلاميين، قام بشار الاسد، في ال٢٠٠٩، بالاجتماع بيوسف القرضاوي في دمشق، ضمن فعاليات مؤتمر لاتحاد العلماء المسلمين في العالم.
وترافقت هذه السياسات مع ازدياد الرقابة على الاعمال الفنية والادبية، العلمانية واليسارية، بينما ازدادت اعداد الكتب الدينية والاسلامية في المكتبات، وكذلك تمت أسلمة التعليم العالي. وهذا يظهر بشكل صارخ في العلوم الإنسانية، حيث تمت بشكل منهجي الاشارة الى الدين في قراءة الظواهر والمسائل العلمية والاجتماعية والثقافية. وقامت الحكومة ايضاً بسحب رخصة منظمتين نسويتين في ال٢٠٠٧، استجابة لضغط عدد من المؤسسات والشخصيات الدينية. 23
فسياسة التقرّب من المؤسسات الدينية، كانت احد الروافد الاساسية التي شكلّت المساحة البديلة من المساحات السياسية المدنية، ما ادى الى اعادة تعريف التعبير السياسي، في شكل ديني وطائفي. وتأكيداً على ذلك، رأينا كيف ان النظام، في نيسان/أبريل ٢٠١١، وفي محاولة منه لاستقطاب الاقسام المحافظة في المجتمع السوري، قام بإقفال الكازينو الوحيد في البلاد، والغى القرار الذي كان يمنع المنقبات من دخول صفوف الدراسة في الجامعات.
محاولة احكام السيطرة على الطائفة العلوية وربطها مباشرة بآل الاسدبينما كان النظام يقوم بتشجيع العلاقات الاعتمادية، ما بين السنّة والمؤسسات الدينية، عمل على الربط ما بين الجموع العلوية والنظام مباشرة، ان لم نقل بعائلة الاسد. فقام النظام باعتماد سياسات مختلفة، منها ضرب اي حالة اعتراضية على النظام، ضمن العلويين، بالإضافة الى محاولة تحويل الطائفة العلوية الى طائفة سياسية، مربوطة مباشرة بعائلة الاسد.
فقد كان حافظ الاسد قد قام، اولاً، بالقضاء على اي بديل عسكري لحكمه، كالجنرال محمد عمران الذي اغتيل في بيروت في العام ١٩٧١، والذي كان يتمتع بعلاقات جيدة مع البرجوازية السنية الدمشقية. وقام حافظ الاسد بسجن صلاح جديد، منذ استلامه الحكم وحتى العام ١٩٩٣، عام وفاة هذا الأخير.
وقام النظام ايضاً بتأسيس مؤسسة الامام علي المرتضى، في العام ١٩٨١، التي كان الهدف منها استقطاب الطاعة في جموع العلويين، والزيادة من سلطة جميل الاسد، اخ الرئيس، في منطقة اللاذقية. وكان هدف المؤسسة، بحسب تعريف جميل الاسد، هو بناء شخصية علوية. واستخدمت المؤسسة بشكل اساسي من اجل ترشيح شخصيات علوية تابعة لآل الاسد، بمقابل المرشحين البعثيين الآخرين. ولكن لم تعش تلك المؤسسة طويلاً وانتهت في العام ١٩٨٣، على اثر انتقادات كبيرة من قبل اعضاء من حزب البعث ومن النظام. ولم يسمح بعدها لأي مؤسسة رعائية اخرى بالنشوء في المجتمع العلوي، خلافاً لما كان يتمّ في الطوائف الاخرى. فعائلة الاسد عمدت حينها الى الربط ما بينها وبين الجموع العلوية، من خلال العلاقات الزبائنية والعائلية. وبالإضافة الى ذلك لم يسمح النظام بنشوء المجلس العلوي الأعلى، على غرار المجلس الشيعي الاعلى، او المجلس الاسماعيلي الاعلى، ولم يسمح بأي اشارة رسمية الى المجتمع العلوي، وهذا الامر لا يأتي من منطلق «علمانية» النظام، بل من اجل الغاء امكانية نشوء اي جسم يمنع او يحدّ من سيطرة آل الاسد على الطائفة العلوية. كما عمد النظام الى تشجيع الولاءات العشائرية في الطائفة العلوية، ما شجّع التفرقة في ما بين أبنائها. 24
في المقابل، فإن ظروف الفقر المدقع التي عاناها العلويون، بفعل السياسات الاقتصادية لنظام الاسد، دفعت الكثير منهم نحو الالتحاق بالجيش، او بالأجهزة الامنية، التي كانت تحت سيطرة العائلة الحاكمة مباشرة. ففي تقرير لمجموعة الازمة الدولية (انترناشيونال كريسيس غروب):
- اقتباس :
- «بقي الريف العلوي من دون اي إنماء؛ والكثير من السكان التحقوا بالجيش؛ لغياب اي بديل اقتصادي فعلي؛ وموظفو الاجهزة الامنية كانوا ذوي دخل قليل، بينما يعملون لفترات طويلة. والافراد حديثو السن من العلويين، انتسبوا في غالبيتهم الى القوى العسكرية والامنية، لكون النظام لا يسمح لهم بأي خيار ثانٍ. هذا وإن العلويين العاديين نادراً ما استفادوا من الفساد، في اعلى هرم النظام، وخاصة تحت حكم بشار الاسد». 25
فهذا الربط، او احكام السيطرة على الطائفة العلوية، اتخذ شكله الفعلي بمحاولة نظام الاسد عسكرة العلويين تحت سيطرته، فأصبحت بالتالي الطائفة العلوية خزاناً بشرياً لنظام حكم حافظ الاسد، ومن ثم ابنه بشار، وهذا الواقع كان احد ابرز الامور التي اسست للبيئة الطائفية الناتجة من الصراع مع النظام الامني للأسد، في الثورة السورية، اليوم.