وثائق:
- 1. فرحات عباس:
على هامش الوطنية، فرنسا هي أنا! (*)“… نحن أصدقاء الدكتور بن جلول السياسيون، قد نكون وطنيين فليست هذه التهمة بجديدة، لقد تحدثت في هذه المسألة مع شخصيات مختلفة فموقفي معروف. إن الوطنية عاطفة تدفع شعبا من الشعوب إلى العيش معا داخل حدود معينة وهي التي أدت إلى قيام سلسلة الأمم الحاضرة. ولو أني اكتشفت وجود “الأمة الجزائرية” لكنت وطنيا. فالرجال الذين ماتوا من أجل طموحهم الوطني يكرمون يوميا ويحترمون، ولا قيمة لحياتي أكثر من حياتهم، على أني غير مستعد لهذه التضحية، -
فالجزائر كوطن ليست سوى أسطورة، أنا لم أكتشفه-(1). سألت عنه التاريخ، سألت عنه الأموات والأحياء، زرت المقابر: لم يحدثني عنه أحد. دون شك وجدت “الإمبراطورية العربية” و”الإمبراطورية الإسلامية” اللتين شرفتا الاسلام وشرفتا جنسنا، … ولكنهما ولدتا لعصر غير عصرنا ولأناس غير أناسنا.
هل يمكن لجزائري مسلم أن يفكر جديا في بناء المستقبل بغبار الماضي؟ فدونكيشوت ليس من زماننا.
لا يقام البناء على الريح. قد أبعدنا نهائيا السحب الكثيفة والأوهام لنربط نهائيا مستقبلنا بصنيع فرنسا في هذه البلاد….
ليس هناك من يفكر جديا في وطنيتنا. وما يراد محاربته من وراء هذه الكلمة هو تحررنا الاقتصادي والسياسي… فبدون تحرر الأهالي ليس هناك جزائر فرنسية دائمة. فرنسا هي أنا، لأنني أنا الغالبية، أنا الجندي، أنا العامل، أنا الحرفي، أنا المستهلك….”
سطيف، في 23 فبراير 1936 (2)
(*) اعتمدنا في نقل هذا المقتطف على النص الأصلي للمقال (أرشيف ولاية قسنطينة) الصادر ضمن: (L’Entente Franc-Musulmane n. 24, du 27 février 1936.)، حيث اتضح أنه “مطابق تماما” للنص الذي أوردته الدكتورة ليلى بن عمار بن منصور ضمن كتابها: (Ferhat Abbas, l’injustice, 3
e édition, Alger-Livres Editions, Alger 2010, p.90-93 )، وهو النص الذي نشره بحسبها عمار نارون: (Amar Naroun, Fehat Abbas ou les chemins de la souveraineté. Denoel. Paris. 1961. p. 162-166. )
(1) العبارة بين مطتين كانت محل خلاف بين العديد من المراجع، مثلا ترد في بعضها: “ولكني غير مستعد أن أموت من أجل وطن جزائري، لأن هذا الوطن لا وجود له”، أنظر مثلا المقتطف الذي أورده:
أبو القاسم سعد الله، الحركة الوطنية الجزائرية، ج 3، ط 4، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1992، ص 72. حيث اعتمد على:
Sarrasin, Paul-Émile, la crise algérienne, Paris 1949, p. 169-171.
Julien, Ch-André, l’Afrique du Nord en marche, Paris, 1952, p.111.
(2) في النسخة الأصلية للمقال (أرشيف ولاية قسنطينة) حصل خطأ مطبعي حيث وردت سنة 1935 بدل 1936، وقد أشير إلى السنة الصحيحة بقلم الرصاص.
نقله إلى العربية وعلق عليه: فارس بوحجيلة
- 2. الامام عبد الحميد بن باديس:
كلمة صريحة (*)“قال البعض من النواب المحليين، ومن الأعيان ومن كبار الموظفين بهذه البلاد، أن الأمة الإسلامية الجزائرية مجمعة على اعتبار نفسها أمة فرنسية بحتة، لا وطن لها إلا الوطن الفرنسي، ولا غاية لها إلا الاندماج الفعلي التام في فرنسا، ولا أمل لها في تحقيق هذه الرغبة إلا بأن تمد فرنسا يدها بكل سرعة، فتلغي جميع ما يحول دون تحقق هذا الاندماج التام· بل لقد قال أحد النواب النابهين: إنه فتش عن القومية الجزائرية في بطون التاريخ فلم يجد لها من أثر، وفتش عنها في الحالة الحاضرة فلم يعثر لها على خبر، وأخيرا أشرقت عليه أنوار التجلي فإذا به يصيح: فرنسا هي أنا! حقا إن كل شيء يرتقي في هذا العالم ويتطور، حتى التصوف، فبالأمس كان يقول أحد كبار المتصوفين:
فتشت عليك يا الله
وجدت روحي أنا الله
واليوم يقول المتصوف في السياسة
فتشت عليك يا فرنسا
وجدت روحي أنا فرنسا
فمن ذا الذي يستطيع بعد اليوم أن ينكر قدرة الجزائري العصري على التطور والاختراع؟
إن هؤلاء المتكلمين باسم “المسلمين الجزائريين” والذين يصورون للرأي العام الإسلامي بهذه الصورة، إنما هم مخطئون، يتصورون الأمور بغير صورتها، ويوشكون أن يوجدوا حفرا عميقا بين الحقيقة وبين الذي يجب أن يعرفها· فهم في واد والأمة في واد، ويريدون أن يضعوا رجال الإدارة العليا في واد ثالث·
لا يا سادتي! نحن نتكلم باسم قسم عظيم من الأمة، بل ندعي أننا نتكلم باسم أغلبية الأمة فنقول لكم ولكل من يريد أن يسمعنا، ولكل من يجب عليه أن يسمعنا، إن أراد أن يعرف الحقائق، ولا يختفي وراء أحكام الخيال: نقول لكم إنكم من هذه الناحية لا تمثلوننا ولا تتكلمون باسمنا، ولا تعبرون عن شعورنا وإحساسنا·
إننا نحن فتشنا في صحف التاريخ وفتشنا في الحالة الحاضرة، فوجدنا الأمة الجزائرية المسلمة متكونة موجودة، كما تكونت ووجدت كل أمم الدنيا، ولهذه الأمة تاريخها الحافل بجلائل الأعمال، ولها وحدتها الدينية واللغوية، ولها ثقافتها الخاصة، وعوائدها وأخلاقها بما فيها من حسن وقبيح، شأن كل أمة في الدنيا·
ثم إن هذه الأمة الجزائرية الإسلامية ليست هي فرنسا ولا يمكن أن تكون فرنسا، ولا تريد أن تصير فرنسا، ولا تستطيع أن تصير فرنسا ولو أرادت، بل هي أمة بعيدة عن فرنسا كل البعد في لغتها، وفي أخلاقها، وفي عنصرها، وفي دينها، لا تريد أن تندمج· ولها وطن محدود معين هو الوطن الجزائري بحدوده الحالية المعروفة، والذي يشرف على إدارته العليا السيد الوالي العام المعين من قبل الدولة الفرنسية”
(*) الشهاب جزء 1 مجلد 12 غرة محرم 1355 ـ أبريل 1936م.
- 3. مالك بن نبي:
مثقفون أو متثيقفون، أفول الأصنام (*)هل هو مأتم على الجزائر إحياؤه؟ فبعد المعجزة المزيفة للمتصوفة، هل على السراب الثقافي أن ينجلي بدوره؟ “نخبتنا” تموت! … نخبتنا… باعت ضميرها. يصلح موضوعا لغوته. للأسف الشديد، ليست سوى هالة مبتذلة. إلى حد الآن، كنا نعتقد بأن متثيقفينا(1) سيكتفون بإغراق سوق السياسة بمواهبهم التهريجية.
لكن التهريج الساخر وحده لا يكفي… فهاهو يتعالى عن الدراما الغنائية، وفجأة يحاول المهرجون إظهار جديتهم. ها هو فرحات عباس يكشف عن موهبة في علم الآثار، لينبش المقابر.
عرفته قبلا كمهرج في “الشاب الجزائري”. ألم يدلنا من خلال كتابه على سياسة البكاء كحل لمشاكلنا؟ أليس منها “البكاء كابنة هملكار(2)”؟
إضافة لما تعرفه الجزائر من انحطاطات، ها هي تعرف مرضا جديدا ألا وهو “التَّثَيقُف”(3). الزاوية والمطبعة تسببتا في نفس الدمار والضرر. آفاتانا هما جهل الشعب و”تمدرس” المتثيقفين. بالأمس التمائم واليوم الكتب. من هو الأخطر؟
أين هو الفرق يا عباس؟
بالأمس أجدادك باشاوات قسنطينة، كانوا يجبرون اليهود على خلع أحذيتهم عند المرور أمامهم. كان أمرا فظيعا. اليوم للرد على “الوقت”(4)، صارت الورقة اليهودية التمويه الأحسن والأكثر تداولا. تتخلى عن ضميرك وتعبث بماضيك، إنها لخساسة.
يتهموننا بالإسلاموية العنصرية؟ لماذا ليس بالإسلام بكل بساطة؟ فالإعلام المرتشي بالعجل الذهبي يجيد اختلاق الأساطير العنصرية المرهبة. لأهداف مبيتة، يعطى الإسلام صورة عنصرية لإحداث الذعر في أوساط متثيقفينا! لكن يا عباس إما أنك مخطئ أو أنك تقوم بخداعنا. الأمس ليس ماضينا! فماضينا قبل النرجيلة والحريم، قبل المتزلفين والمقربين، قبل الدراويش والمتثيقفين. ماضينا هو روحنا المضرجة بالدماء التي سالت في صفّين. وهو مستقبلنا كذلك.
(*) Intellectuels-Intellectomanes, le crépuscule des idoles.
الشطر الثاني من العنوان يوافق عنوان كتاب لنيتشه، مقال غير منشور في حينه، حرر سنة 1936 بباريس وأرسل إلى “الدفاع” (La défense) الصحيفة الناطقة بالفرنسية لجمعية العلماء المسلمين التي كان يصدرها لمين لعمودي بالجزائر ردا على مقال فرحات عباس: “فرنسا هي أنا!” المنشور في صحيفة “الوفاق” (L’entente) بقسنطينة.
الترجمته العربية نشرت أول مرة في مجلة “الرّواسي” التي كانت تصدر في باتنة، عدد شهر جمادى الأول 1412 هـ، نوفمبر1991- تعذر علينا الحصول عليها لذلك اعتمدنا في نقله إلى العربية على النص الأصلي باللغة الفرنسية المنشور في:
Malek Bennabi, Colonisabilité, Dar El Hadhara, Alger, 2003.p36-37.
هي مجموعة مقالات صحفية للمفكر الراحل، من جمع واختيار وتعليق وتقديم الأستاذ عبد الرحمان بن عمارة. يُرجّح أنه حُصِل عليه عن طريق الفقيد حمودة بن الساعي كما يعتقد السيد نور الدين بوكروح (L’Islam sans L’Islamisme, Samar, 2006. p.87).
(1) على وزن “المتفيقه”، تم اختيار هذه اللفظة كمقابل للفظة الفرنسية المبتكرة من قبل المفكر الراحل (intellectomane) والتي استعملها للدلالة على أدعياء الثقافة وأشباه المثقفين.
(2) هملكار قائد الجيوش القرطاجية بعد الحرب البونيقية الأولى ووالد حنيبعل، فجعت فيه ابنته صلاميو بعد غرقه في اسبانيا لتفجع أيضا بعد سنوات في زوجها المغتال الذي خلف أباها على رأس الجيوش القرطاجية.
(3) تم اختيار هذه اللفظة كذلك كمقابل للفظة الفرنسية المبتكرة (intellectomanie).
(4) يشير إلى الصحيفة الباريسية (Le temps)، التي جاء مقال فرحات عباس ردا على هجوماتها بسبب مطالب الجزائريين الخاصة بتعليم اللغة العربية.
نقله إلى العربية: محمد شيخي
مراجعة وتعليق: فارس بوحجيلة
- 4. تصريحات مثيرة لفرحات عباس (*)
1931: “الجزائر أرض فرنسية ونحن فرنسيون، -كون الجزائر إقليم فرنسي- (1)”
1936: “فرنسا هي أنا!”: “لو أني اكتشفت وجود “الأمة الجزائرية” لكنت وطنيا. فالرجال الذين ماتوا من أجل طموحهم الوطني يكرمون يوميا ويحترمون، ولا قيمة لحياتي أكثر من حياتهم، على أني غير مستعد لهذه التضحية،
فالجزائر كوطن ليست سوى أسطورة، فقد بحثت عنه ولم أجده. سألت عنه التاريخ، سألت عنه الأموات والأحياء، زرت المقابر: لم يحدثني عنه أحد.”
جويلية 1946: لمحرر جريدة”القناص- FRANC-TIREUR ” السيد “فورييه- FOURRIER” إننا، أنا وأصدقائي لا نريد بأي ثمن أن نضر برسالة التمدين التي تتولاها فرنسا في شمال إفريقيا”، ويؤكد السيد “فرحات عباس” بأنه “لا يوافق على انضمام الجزائر للجامعة العربية، لأن صحراء ليبيا عقبة أشق في اجتيازها من البحر المتوسط”
أوت 1946: كما أكد للسيد “رانكوريل- RENCUREL” في 23 أوت 1946 “بأنه هو وأصدقاؤه مخلصون لفرنسا ولا يريدون أن ينسحب العلم الفرنسي من الجزائر”
نوفمبر 1954: “هل لابد لي أن أضيف أن حركتنا تقوم على هذه الخطة الشرعية؟ معنى ذلك أن وجود فرنسا ليس هو موضوع الخلاف. وقد ذكرت ذلك في بداية بياني؛ وأؤكده هنا. وفي وسعي أن أمضي إلى أبعد من ذلك وأقول إن الجمهورية الفرنسية الديمقراطية تبقى معنا، بين ظهرانينا، وهذا هو السلام والأمن المكفولان للجميع، ويمثل لبلدنا الرخاء الأكيد”
سبتمبر 1955: مقاله الصحفي الذي ألح فيه بإصرار أن هدف الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري العام UDMA ما يزال يتمثل في” الحصول التدريجي على الشخصية السياسية الجزائرية، ومن حق الجزائر أن تكون لها حكومة تتمتع بالحكم الذاتي والاتحاد مع الشعب الفرنسي، مصدر السلام والرخاء لبلدنا”.
جانفي 1956: “لا صفة لي لأن أتناقش مع فرنسا”
فبراير 1956: :”إنني مضطر لأن أؤكد أن الأهالي المسلمين، منذ أحداث 6 فيفري في الجزائر يعتبرون أنفسهم متضامنين أكثر فأكثر مع الثوار الفلاقة.. ولكن إذا اقترحت الحكومة الفرنسية قبل الربيع الحلول المعقولة، لا يكون الأوان قد فات، ويحتمل أن يعود الهدوء حالا”
(*) نقلها الدكتور رابح بلعيد مثبتا المراجع ضمن، “فرحات عباس حصان طروادة الثورة الجزائرية”، دراسة غير منشورة متوفرة على موقعه الالكتروني، وأيضا عن مخطوط الترجمة الفرنسية للنص العربي التي قام بها وقابلها بالأصل الانجليزي الأستاذ دحمان نجار.
(1) العبارة بين مطتين وردت ضمن طبعة 1931 (ص. 24)، وتم حذفها من طبعة 1981 (ص. 45).