النظام المخزني المغربي وسياسات التهميش والتفقير
بـقـلم/ عماد لبوز:
على الشعوب المغاربية ألا تندم على تخلفها سواء العقلي، الفكري، النفسي، الاجتماعي، الاقتصادي، والعلمي لأنه ساعدها على أن تجعل من نفسها عبيدا، ومن الطواغيث طواغيثا، عاشت/تعيش وستعيش دائما في سبات عميق، يجعلها عندما تستفيق لهنيهات تتحسر للأمر الواقع المزري، ثم تعود لاستكمال نعاسها، فرغم كل الوقائع والكوارث اليومية من سرقة ونهب للمال العام ومال الأبرياء، على الرغم من التسبب بقتل الأرواح البريئة، على الرغم من سياسة تغبية الأطفال في المدارس، على الرغم من استغلال الدين، على الرغم من المتاجرة بأجساد وعورات النساء والأطفال، على الرغم من سياسة التهجير وسياسة البطالة وتبطيل الشباب…..الخ، فإن الشعب مازال نائما، فتحية لنا ولنا على صمودنا واجتهادنا في تقديم التعازي وايجاد فن التحسر والمواساة.
في دلالة النظام المخزني المغربي
يوحي مدلول ومعنى كلمة ومفهوم المخزن على مكان خاص يستعمل لحفظ كل ما هو ناتج عن الضرائب والإتاوات والزكاة ومختلف أشكال الادخار، ثمتحولت وانتقلت هذه الكلمة البسيطة المعبرة عن كيفيات تنظيم ومواجهة إعادة إنتاجالحياة إلى تحولت إلى مصطلح مكثف ترتبط به حياة الدولة بأكملها .
لقد تم تناول هذا المفهوم في العديد من الدراسات التاريخية والسوسيولوجية (الاجتماعية) من طرفباحثين ومختصين مغاربة وأجانب من جنسيات مختلفة حاولوا من خلالها مقاربة هذا الموضوع المعقدوالإجابة عن عدة أسئلة تم طرحها سواء على المستوى المعرفي أو على المستوىالتاريخي بتمفصلاته وتمظهراته العديدة في أنساق متعددة كالأنساق الثقافية والسياسيةوالاجتماعية المغربية، نظرا للدلالات والمضامين التي يحملها منها،اقتصادية دينيةواجتماعية … وهذا يعني أن البحث عن نوعية المخزن في الدولةالمغربية وخصائصه البنيوية يتطلب اتجاها يجمع بين الاقتصادي والاجتماعي… وفي القرن 19 كانت الوثائق تورد لفظة المخزن مرادفا لاسم السلطان أو أحدممثليه.
للمخزن المغربي عدة طقوس تكرس شرعيته وتغذي صورته في الخيالالشعبي وكذا في ثقافة النخبة، كرمز للوحدة وممثل للدين ومركز احتكار كلشرعية حتى لا تنهض قبيلة أو جماعة لتطالب بشرعية حكمها للشعب أو لجزء منه،أي عدم ترك أي سبيل للانفصال، ومن بين هذه الطقوس الرمزية الزي، تقاليد وعاداتتقبيل اليد والانحناء للتحية التي شكلت مؤخرا محور نقاش بين مجموعة من الأطر والفاعلين الجمعويين المغاربة نظرا لتعارضه مع القيم الديمقراطية السمحة وتكريس لدولة الرعايا، ترأس الأحداث الدينية الكبرى، ذبح أضحيةالعيد، رئاسة الفتوى، أبوة الأمة، الرضا والغضب، العطف والعفو.
نجد فيممارسة المخزن المغربي للسلطة جميع مقومات السلطة المهيمنة غير الديمقراطية: السلطةالمطلقة للعاهل، الارتكاز على الجيش،الذي يشكل نواة قوية في المعمار السياسي المخزني، حيثيقول “ميشو بيلير”: “إن تكوين مؤسسة مركزية مستبدة يفرض حضور بنية إدارية وسياسية وعسكرية ذات جدوى في التدبير اليومي وجمع الضرائب”، وبذلك يحدد وظيفته في الدفاع عن النظام وحمايته من وسط اجتماعي معاد، وكذا القيام بالجهاد ضد أعداء الإسلام وخارج فترات الجهاد يقوم الجيش بدور الشرطة.استعمال جميع الموروثات الداعمة للسيطرة وقمع المتظاهرين والمحتجين بوسائل غير مشروعة وغير مسموح بها تخالف المواثيق والاتفاقيات الدولية لحرية وحقوق الإنسان.
أزمة التعليم
أثارت وما تزال تثير المسألة التعليمية بالمغرب اهتماما كبيرا في مختلف الأوساط الفكرية والتربوية والسياسية والاجتماعية (من مفارقات هذه المسألة تناولها سياسيا أكثر من مقاربتها سوسيولوجيا أو تربويا(، فلن نكون مبالغين إذا قلنا أن البقاء في هذا الوضع سياسة متعمدة من لدن الجهات الوصية على هذا القطاع بالنظر لأسباب عدة نجملها في:1)غياب سياسية حقيقة حول حقل التعليم وازدواجية تسييره ما بين وزارة الحكومة ووزارة الظل. 2(التبعية التاريخية للنظم التعليمية الفرنسية البالية وغير الملائمة للخلفية الثقافية التي غرست فيها بعد استيرادها. 3(أزمتي المعرفة والمنهج التي تتخبط فيها البرامج والمقررات التعليمية بالمغرب في كل المستويات بدء بالابتدائي وصولا إلى الجامعي.4(ضحالة الميزانية المرصودة للبحث العلمي المحصورة عند سقف %0.8 من الناتج القومي مقابل تخصيص دول كالصين ل%9 و أمريكا ل% 7 و جنوب إفريقيا ل% 3 من الناتج القومي.
أزمة السكن غير اللائق
تتعدد وتتنوع مظاهر التهميش والإقصاء اللذان يعيشهما الشعب المغربي جراء سياسة النظام المخزني الرامية إلى تكريس سلطته وتثبيت ركائز مشروعيته وشرعيته، حيث نجد المستوى المعيشي للفرد والأسر المغربية يتدهور يوما بعد يوم، ارتفاع نسبة البطالة، استفحال ظاهرتي السكن غير اللائق والتسول وأطفال الشوارع، و بحسب آخرالإحصائيات
يوجد ما يزيد عن ألف حي صفيحي في 70 مدينة مغربية، و الأحياء العشوائية فيبلغ عددها 1250 حي، وتأوي أكثر من 450 ألف أسرة. وفي ظل ارتفاع أسعار العقارات ومستوى المعيشة بشكل عام، رأت هذه الأسر التي لا تدر الدخل الكافي الذي يلبي حاجاتها الاقتصادية والمعيشية، اللجوء إلى هوامشالمدينة لتستطيع البقاء، والاندماج في حياة أطلق عليها الإعلام المغربي أحزمة البؤس أو أحزمة الفقر.
أزمة البطالة
لقد ظل معدل البطالة في المغرب، تحت سقف 10 في المائة، حيث وصل إلى 9,8 في المائة سنة ,2007 مقابل 9,7 في المائة سنة ,2006 وبذلك ارتفع عدد العاطلين بالمغرب إلى 1,092 مليون عاطل، بعدما تراجع التشغيل في العالم القروي. ويسهم الارتفاع الملحوظ في نسبة البطالة في تعميق مظاهر الفقر والعوز، إذ تصبح معاناة الأسر أشد وطأة حينما ترتبط كثرة عددها بأخطبوط البطالة الذي يلاحق كل الأسر المغربية بدون استثناء.
ظاهرة التسول
يعاني المغرب من وجود نصف مليون متسول في شوارعه، وذلك بسبب ارتفاع وتنامي معدل الفقر، الذي طال نحو 5 ملايين مواطن، وحسب البحث الذي قامت به (((((وزارة التنمية الاجتماعيةوالأسرة والتضامن))))) سنة ,2007 فالتسول يبلغ نسبة 8,51 في المائة،سببه الفقر ويخص الأشخاص المهمشين والمحتاجين الذين لم تتح لهم فرص الشغل والعمل وهو ما يعني أن الظاهرة تولد جراء الفقر والتهميش الاجتماعي، وتستمر في الاتساع الكمي (تزايد عدد المتسولين) والنوعي (تزايد وتنامي طرق التسول)، أي أن المتسول هو بمثابة عنوان بارز لمستوى الإقصاء الاجتماعي الذي تعاني منه فئات عريضة من المجتمع، ولم تستطع المساعدات المالية (تقدر بمبلغ 38 مليون درهم)، التي تقدمها (((((الحكومة المغربية))))) (((((للجمعيات الأهلية))))) للتنقيص والحد من هذه الظاهرة.
ظاهرة تشغيل الأطفال
يوجد في المغرب أزيد من 600 طفل تسلب منهم طفولتهم الآمنة، ويتحولون بفعل قهرالهشاشة الاجتماعية والتهميش إلى عمال في غير موعدهم مع العمل. وهذا دون احتساب الأطفال غير المصرح باشتغالهم، والذين يتعذر حصرهم، من الذين وصفهم تقرير منظمة ”هيومن رايتش”Humain Right الأخير، بأنهم أطفال داخل البيوت بخارج القانون ونفس الأرقام تؤكد أن 78 في المائة من الأطفال المشغلين هم من آل العالمالقروي، وهو ما يعني أن مفتاح الظاهرة يكمن في الفقر كعطب وإشكالية اجتماعية منتجةلمثل هذه الاختلالات، والتي تنحدر في مطلق الأحوال من أسر جد فقيرة ومعوزة، التي تدفعها الفاقة إلى تقرير مصير الأبناء، بحيث تصبح هذه الأسر لا تتمثل في الطفل إلا مشروعا استثماريا و يدا عاملة، تكتسب قيمتها من الإفادات المادية المباشرة التي توفرها لصالح الأسرة، وما يزيد الطين بلة، هو أنا لمغرب لا يتوفر، حاليا، على سياسة شاملة لتحويل الأموال وتوجيهها نحوالعائلات الفقيرة التي لديها أطفال.
أزمة إيواء المسنين
يتزايد عدد الأشخاص المسنين بشكل مطرد في المغرب، وبحلول 2030، سيشكل المواطنون المسنون 15% من سكان المغرب بزيادة من 2.5 مليون إلى 8 مليون، ويقول المسؤولون الحكوميون والنشطاء الاجتماعيون إنه يجب تعزيز هذا القطاع المهمشمن المجتمع قبل أن يجد المزيد من المسنين أنفسهم في الشارع،حيث يوجد أزيد من مليون و340 ألف شخص مسن بالمغرب يعيشون في وضعية صعبة بنسبة 56% من العدد الإجمالي للمسنين بالمملكة.
وبالإضافة إلى ارتفاع نسبة الأمية في صفوف الأشخاص المسنين والتي تقدر ب84%، وأمام قلة المراكز الاجتماعية والصحية التي تهتم بهذه الفئة بالمغرب، فإن 7% فقط من الأشخاص المسنين هم الذين يستفيدون من التغطية الاجتماعية، وهو ما يهدد 39% منهم بالتعرض للمرض والفقر،علما أن نسبة 17% منهم أي 408 آلاف مسن يعانون من الفقر المدقع.
ويبلغ عدد الأشخاص المسنين في المغرب مليونين و400 ألف شخص، أي ما يشكل نسبة 8,1% من إجمالي سكان المغرب، وفق آخر إحصاءأجرته المندوبية السامية للتخطيط سنة 2004، وحسب توقعات مركز الدراسات والأبحاث الديمغرافية، فإن هذا الرقم سيتضاعف ليصل سنة 2024 إلى 4 ملايين و800 ألف، ثم إلى 6 ملايين و530 ألف شخص مسن سنة 2034، وطبقا لتوقعات المركز فإن عدد الأشخاص المسنين سيتجاوز عدد الأطفال في أفق سنة 2040، وأمام هذا الارتفاع الكبير في التحول الديمغرافي في المغرب، فنلاحظ انعدام الاهتمام بهذه الفئة وعدم إعطائها الأولوية وكذا رد الاعتبار للأشخاص المسنين باعتبارهم شريحة مهمة ضمن المجتمع.
الميزالعنصري ضد إيمازيغن
تتبنى الدولة المغربية والنظام المخزني عموما منهج التذويب والانسلاخ الهوياتي في تدبير تنوعها الثقافي وترحب بكل فرد من ينخرط في خدمة ((((ثقافتها الرسمية )))) و يستعمل لغتها الدستورية أو أية لغة أجنبية قوية أخرى ، كما تسمح له بأن يتولى ويبلغ أعلى المناصب شرط أن يتنصل من لغته الأصلية و لا يبدي أي ارتباط بها أو ميل إلى الحفاظ عليها، ولأجل ذلك تمارس التضييق و التهميش و الميز ضد من يصر على استعمال لغته و يطالب بحمايتها قانونيا و بالحصول على خدمات هذه الدولة بتلك اللغة سواءفي الإعلام أو التعليم أو غيرهما من المرافق الحيوية والحياتية، وبين مظاهر هذا التمييز بالموجه بالخصوص ضد الشعب الأمازيغي، نجد، 1) عدم استحضار العرف كأحد مصادر التشريع، و توحيد القضاء و تعريبه و منع استعمال الأمازيغية في المحاكم إلغاء المحاكم العرفية بعد ((((الإستقلال)))) مباشرة، 2) إلغاء المعهد العالي للدراسات الأمازيغية الذي كان موجود اخلال الحماية، و توقيف تدريس الأمازيغية كمادة اختيارية في عدد من الثانويات بعد (((الإستقلال)))، 3) عرقلة عملية تدريس الأمازيغية من طرف الوزارات الوصية، مما أدى إلى إفشال وفشل تدريس هذه اللغة في مختلف ربوع ومناطق الدولة، 4) الحفاظ على الإذاعة الأمازيغية في أدنى مستويات البث لضمان تغطية محدودة و إرسال غاية في الرداءة، 5) عدم هيكلتها في شكل مديرية مستقلة و الحفاظ عليها تحت وصاية العربية، 6) التقليص من عدد البرامج التلفزيونية المنتجة بالأمازيغية، وإضفاء الطابع الفولكلوري عليها، 7) اعتماد اللغتين العربية و الفرنسية في الإدارة العمومية و تجاهل الأمازيغية، و التمادي في منع تسجيل أسماء أمازيغية في دفاتر الحالة المدنية،
الاستمرار في إعلان المغرب ك “بلد عربي” و قطر من “الأمة العربية” و عضو في جامعة الدول العربية مما يمثل ميزا بينا ضد أغلبية الشعب المغربي المتنوع (الأمازيغ، اليهود…)، 9) استمرار تزوير تاريخ المغرب وحصره في12 قرنا و إشاعة أسطورة الأدارسة ك ((((مؤسسين للدولة المغربية)))) و التعامل مع تاريخ المغرب القديم بآلية حجب وإخفاء الحقيقة ،10) منع أنشطة ثقافية و فكرية للجمعيات الأمازيغية و حظر السلطات المحلية في بعض المناطق الكتابة بالحروف الأمازيغية في اللافتات و اللوحات،11) قمع وقفات الأمازيغ الاحتجاجية و الاعتداء على المناضلين واعتقالهم، مع الترخيص لكل التظاهرات ذات الصلة بقضايا العرب و ثقافتهم، 12) عدم القيام بالواجب أمام استمرار الأوضاع اللا إنسانية للفقر و الحرمان الشديد الذي يؤدي في الظروف الطبيعية القاسية بالمناطق الجبلية إلى ارتفاع نسبة الوفيات في صفوف الأطفال الأمازيغ و النساء الأمازيغيات (منطقة أنفكو بالأطلس)، الذين تحولت محنتهم منذ سنوات إلى فرجة تلفزيونية، مع الإسراع بجمع المساعدات للشعب الفلسطيني بوصفه شعبا عربيا شقيقا.
محنة ساكنة إميضر
بدأ استغلال بئر ” آنو ن تارڭيط ” من طرف الشركة المنجمية منذ ماي 1986، بعد أن أقدمت على حفره بشكل تعسفي بحماية من القوات العمومية التي طوقت المكان آنذاك و منعت مسيرات احتجاجية للساكنة المحلية من الوصول إلى موقع الحفر، ليتم اعتقال 6 من المحتجين بشكل تعسفي وزج بهم في السجن لشهر كامل بدون محاكمة.
ويقع البئر على بعد أمتار من البساتين و الضيعات الفلاحية للساكنة المحلية، هذا ما أدى إلى تجفيف أزيد من 170 بئر وموت أزيد من 15000 شجرة مختلفة الأنواع فتحولت هذه الضيعات إلى أراضي قاحلة جرداء وآبار جافة شاهدة على زمن قريب كانت فيه هذه الأراضي تحقق الاكتفاء الذاتي للساكنة المحلية من الخضروات و الفواكه، بل و يتم بيع منتجاتها في الأسواق الأسبوعية للبلدات المجاورة كتنغير و بومالن، فأضحى بذلك النشاط الفلاحي المورد الاقتصادي الأساسي للأهالي المنطقة.
طوال السنوات الماضية لاستغلال البئر راسل ممثلوا الساكنة و أصحاب الضيعات الفلاحية العشرات من الشكايات و العرائض إلى الشركة و الجهات المعنية، لكن أصواتهم لم تلق آذانا صاغية وقوبلت بالتجاهل و اللامبالاة ليجد المواطنون أنفسهم محرومين من مصدر قوتهم و عيشهم اليومي دون أي تعويض يذكر ; ليكون بذلك من أهم الأسباب التي اضطرتهم إلى الاعتصام عام 1996 في مرحلته الثانية بالقرب من البئر لأزيد من شهر، لينتهي يوم 10 مارس 1996 بتدخل الأجهزة القمعية لفض الاعتصام السلمي دون الاستجابة لحقوق الساكنة.
سنوات توالت، و الإقصاء الممنهج وسياسة التفقير بكامل مقوماتها هي العنوان البارز في اليوميات البالية اليومية لإميضر وساكنتها، حيث لم تعد نلمس ونسمع في إميضر إلا معاناة وآلم يزحفان إلى مركز القلب النابض في الإنسان، فاستمرار حياتهم أصبح مرهونا بالنضال و انتزاع حقوقهم بأيديهم من السلطات و الشركة المستغلة لمناجم إميضر، الوحش الذييمتص دماءهم يوميا في صمت وسط جمعيات تهتم باللسان أكثر مما تهتم بالإنسان.
في إميضر مثال حي لبشاعة الأنظمة غير الديمقراطية حين تتحول السلطات من أنتكون في خدمة المواطن، إلى سلطات لاستعباد المواطن وسرقة ونهب ثرواته، حين تتحول السلطات من ساهرة على رعاية العدل و الحقوق والحريات،إلى سلطات تساعد على ترسيخ ثقافة الظلم و وضع اليد فييد المفسدون و اللصوص، وتعمل جاهدة على حماية شذوذهم السلوكي الفاسد، وما يزيد في تأزم الوضع يكمن في أن الشركة تغلق أبوابها في وجه العمال الموسميين من الطلبة ف يستمر النزيف و يستمر إسقاط البنود الملزمة للشركة احترامها، وغدت لا ترى في إميضر وساكنته إلا فريسة حلال، وحتى المجلس الجماعي الذي كان دوره أن يتوسط لحل مشاكل الناس رفض الحوار مع الساكنة، وتنصل من كامل مسؤوليته أيضا في ما يقع بإميضر من إقصاء ممنهح و من استنزاف ثرواته المعدنية و الرملية والمائية و البيئية، فتمر الأيام و الاستماتة في النضال هو مذهب ساكنة إميضر، مسيرات يومية على الأقدام قاطعة كيلومترات وسط حرارة الأجواء، و قساوة المناخ في المنطقة ، و عطش وجوع في شهور رمضان.
فوضعية إميضر و الدواوير المحيطة بها و معاناة الساكنة مع التهميش و الفقر و غياب البنيات التحتية الضرورية للحياة الكريمة ، في منطقة غنية بمعدن نفيس ، تفضح بالملموس الخطاب الرسمي حول مقاربات التنمية البشرية و التنمية المستدامة، وسياسة الحكومة في ممارسة الاعتقالات الكيدية و الترهيبة في حق السكان و الانحياز التام والمطلق لمصالح الشركة المستغلة للمنجم، وعدم تبني مشروع تنموي يرد الاعتبار إلى القرية ضمن مقاربة تعطي الأولوية للإنسان و لمستقبله.
من خلال جرد كل هذه الأحداث المتعلقة بالنظام المخزني ومختلف آلياته من أجل تهميش، تفقير وإقصاء الشعب المغربي والمناطق الأمازيغية بالخصوص، يتبين لنا أن المفاهيم (التنمية البشرية، التنمية المستدامة، الديمقراطية، العهد الجديد، الحداثة، المغرب الجديد…) التي يتم التهليل والترويج لها دائما بطبيعة الحال من طرف أبواق هذا النظام الإعلامية بعيدة المدى وبعيدة التحقق ما دام هذا النظام يحاول دائما وبشتى الوسائل والطرق المشروعة وغير المشروعة و ترسيخ وتكريس سلطته وفرض شرعية وهمية وسط مجتمع اعتاد على / واستسلم لثقافة الجهل والتجاهل والخوف من ردود الفعال العنفوانية والعدوانية لهذا النظام.