ينتمي موضوع الإدراك إلى المداخل النفسية لنظرية العلاقات الدولية ، ويمثل روبرت جيرفيس Robert Jervis أهم مساهم في دراسته ، حيث قدم نظرية التصاعد اللولبي في عمله عن الإدراك والإدراك الخاطئ ، مستعينا في ذلك بمفهوم الردع المنبثق عن أنظمة التهديد والتعهدات المشروطة بتنفيذ العقوبة ، وهذه النظرية ناقشت العلاقات القائمة بين المعسكرين (الشيوعي والرأسمالي) إبان الحرب الباردة ، وأثارت قضية معضلة الأمن Security dilemma كأحد جوانب الإدراك ، وهذه المعضلة معتقد مركزي للواقعية.
الإدراك Perception
تعددت التعاريف المقدمة لمفهوم الإدراك ، ويورد الباحث أهم ثلاث تعريفات تمكن من الإطلاع عليها وهي على النحو التالي :
- يرى رودولف رومل[url=#_ftn1]*[/url] Rudolph Rommel أن الإدراك نزاع ديناميكي بين محاولاتِ عالمِ خارجيِ لفَرْض حقيقةَ علينا ، وجُهودنا لتَحويل هذه الحقيقةِ إلى وجهة نظر أنانية.[url=#_ftn2][sup][1][/sup][/url]
- وفي وقت يجعل فيه رومل Rommel الإدراك حالة نزاعية تبدأ خارج ذهن الأفراد ،يرى ناصيف يوسف حتي أن الإدراك هو النظارات التي يرى من خلالها صانع القرار أو أي شخص آخر بيئته ، ويؤكد في الآن نفسه أن الإدراك عملية اختيار دون أن يعي الشخص أنه يختار النظارات التي يرى من خلالها بيئته.[url=#_ftn3][sup][2][/sup][/url] إن هذا التعريف يتضمن إقرارا بوجود حالة إكراهية للفرد وانعدام لحرية التصرف ، ونوعا من الآلية بين عنصري البيئة وصنع القرار، وفي اعتقاد الباحث أن الحقيقة أعمق وأشمل من ذلك وهو ما سيحاول إثباته عبر البحث.- في مساهمة ثالثة يقدم " روبرت جيرفيس" Robert Jervis تعريفا للإدراك في السياسة الدولية حيث يعتبره العملية النفسية الأساسية التي تؤدي إلى تحديد الموقف، فجميع الإدراكات في صنع القرار هي افتراضات أو استنتاجات مشروطة بشأن شخص أو أشخاص آخرين، وهذه الاستنتاجات تعزو بعض النوايا للآخرين ويتم بناء على هذا الأساس التصرف بشكل معين.[url=#_ftn4][sup][3][/sup][/url]
إن " روبرت جيرفيس"Robert Jervis يعد الباحث الأكثر تعمقا في دراسة موضوع الإدراك في العلاقات الدولية ، وبالرغم من أن التعريف الذي يقدمه قد مرت على اعتماده أكثر من ثلاثة عقود(منذ 1976) إلا أنه مازال المنطلق الأول في التعامل مع موضوع الإدراك وصنع القرار.
البيئة النفسية والبيئة العملية كتعبير عن الخريطة الإدراكية يمكن التمييز في إطار دراسة السياسة الخارجية بين عالم صانع القرار الإدراكي الحسي والسياق غير المدرك حسياً الذي تجري فيه هذه العمليات السيكولوجية، وهذا العامل السياقي الأخير هو المقصود بمصطلح "البيئة/ الوسط العملية/ العملي". ويطلق مصطلح البيئة السيكولوجية على الشكل الأولوقد أدخل فكرة البيئة العملية الزوجان سبراوت Harold and Margaret Sprout، ،في حين أن بريشر Brecher استخدم التمييز بين البيئتين في دراساته المتعلقة برسم السياسة الخارجية في إسرائيل في السبعينات، والمواءمة بين البيئتين تسمى الاتساق الإدراكي Cognitive consistency ويكون هذا الاتساق بين النظرية والمعطيات حيث يميل الأفراد إلى رؤية ما يريدون رؤيته ، ولاستيعاب وصول المعلومات إلى الصور السابقة تحدث عملية تصفية Filtration ،وهناك نمطين من الاتساق الإدراكي[url=#_ftn1][1][/url]: 1- اتساق إدراكي عقلاني Rational Cognitive consistency حيث ديمومة نمط السلوك تفترض تقليل تعقيد البيئة، فلصانعي القرار فرضيات حول البيئة الدولية وحول الفاعلين الآخرين، ومن خلالها يتم استنتاج التوقعات، والمعلومات القادمة ستكون مدركة ومصنفة من خلال موشور هذه الفرضيات .2- اتساق إدراكي غير عقلاني Irrational Cognitive consistency ، و الذي يشير إلى دافع داخلي نحو الميل لتفادي صراع المصالح من خلال اللجوء إلى المقايضة في سبيل ما يعتقد أنه ضروري للانسجام مع محيطه والتماسك في الموقف، و هذا الدافع قد يقود إلى ما يسمى الإدراك غير الناضج Premature Cognitive حيث يفهم الحافز ويستوعب عبر فهم أولي ، مما يقود نحو صور محدودة للنوايا، ويطرح أيضا في إطار التعامل مع هاتين البيئتين مفاهيم تحدد انطلاقا من الفروق بينهما:1- التنافر الإدراكي Cognitive Dissonance وهو محاولة الجمع بين وضعيات إدراكية متناقضة ، ففي الوقت الذي يسعى فيه صانع القرار إلى وضع فإنه يمارس نقيضه.2- الانحياز الإدراكي Cognitive Biases ،وذلك من خلال ممارسة عملية تصفية للمعطيات Filtration والانحياز للمعلومات التي تؤيد ما يعتقد صانع القرار أنه الحقيقة[url=#_ftn2][2][/url].3- الاندفاع الإدراكي Cognitive Impulsiveness وذلك من خلال غمر الفرد بالنتائج والمعلومات الفورية، فينشأ لديه إدراك متسرع للبيئة .إن أفضل إدراك للبيئة العملية هو اعتبارها تقييداً أو تحديداً لما يمكن أو لا يمكن لصانعي السياسة أن يفعلوه، ومع أنه لا يمكن اعتبارها ذات صلة في وقت اتخاذ القرار، فإن أثرها سيكون واضحاً في مرحلة التنفيذ، فإذا بدأت البيئة العملية عندئذ في الانتقال إلى ما هو سيكولوجي عبر عملية التغذية الارجاعية feedback فعندها يجب أن يكون السلوك التكيفي ممكنا، فيمكن إجراء التعديل والتصحيح و يتحقق الترابط بين الوسطين، ومن جهة عكسية فإن عدم توفر التطابق بين البيئتين يؤدي إلى الإدراك الخاطئ ، أو ما يعرف بسوء الإدراك
[ltr][url=#_ftnref1]
[1][/url] - Robert Jervis ,
Signaling and perception ,op.cit
, p. 37.[/ltr]
[ltr][url=#_ftnref2]
[2][/url] - Barry F. Anderson, op.cit
, p20.[/ltr]
[ltr] [/ltr]
[url=#_ftnref1]
*[/url]
رودولف رومل أحد مفكري نظرية السلم الديمقراطي ، صاحب كتاب : القوة تقتل : الديمقراطية كطريقة لللاعنف (1997).[rtl][url=#_ftnref2][/url]R.J. Rummel, UNDERSTANDING CONFLICT,le08/07/2008 sur : -[1][/rtl]
[rtl]http://www.hawaii.edu/powerkills/DPF.CHAP7.HTM[/rtl]
[url=#_ftnref3]
[2][/url] - ناصيف يوسف حتي، مرجع سابق ، ص181.
[ltr][url=#_ftnref4]
[3][/url]- Robert Jervis,
Perception and Misperception in International Politics, (Princeton, New Jersey: Princeton University Press, 1976).p145.[/ltr]
[url=#_ftnref1]
[1][/url] - جيمس دورتي ، روبرت بالتسغراف ،
النظريات المتضاربة في العلاقات الدولية ،ترجمة ناصيف يوسف حتي (بيروت: دار الكتاب العربي ، ط01 ، 1985). ص308.