الجودة في الإسلام
الاثنين 30 سبتمبر 2013 الدكتور عبد الحقّ حميش
إنّ العمل قيمة إنسانية وحضارية ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية ونفسية ودينية يتزايد دوره في بناء الحضارات والتّنمية وتحقيق الرفاهية. ولا يكفي الفرد أن يؤدّي العَمل فحسب، بل لا بدّ أن يكون العمل صحيحًا.. ولا يمكن أن يكون صحيحًا إلاّ إذا كان متقنًا. فالإتقان في مفهوم الإسلام سلوك حضاري دعَا إليه الإسلام وحثّ عليه.
فالمفهوم الإسلامي للجودة فينطلق من منظومة المفاهيم الأساسية في الإسلام المبنية على توحيد الله والعبودية له، وعلى فرضية طلب العمل واستمراريته على اعتبار أنّه وسيلة لإعمار الأرض والخلافة فيها.
ويمكننا تعريف الجودة في الإسلام بأنّها المواصفات والخصائص المتوقّعة في المنتج وفي الأعمال والأنشطة الّتي من خلالها يتحقّق رضا ربّ العالمين أوّلاً، ثمّ تتحقّق تلك المواصفات الّتي تساهمت في إشباع رغبات المستفيدين وتتضمّن السّعر والأمان والتوفر والموثوقية والاعتمادية وقابلية الاستعمال.
إنّ ديننا الحنيف قد أصّل لفكر الجودة أو لثقافة الإتقان أو الإحسان. فالمسلم في جميع أعماله الدينية والدنيوية مطالب ليس في مجرّد الانصياع والقيام بالعمل فحسب، بل يتعدّاه إلى العمل المتقن وإحسان العمل. كما ورد في الحديث النّبويّ الشّريف: ”إنّ الله كتب الإحسان في كلّ شيء” رواه مسلم.
وإنّ الإحسان مفهوم واسع، ولكن إذا أطلق اللّفظ، فإنّ المراد به فعل ما هو حسن والحسن صفة كمال ضده القبح، والإحسان: هو فعل الإنسان ما ينفع غيره بحيث يصير الغير حسنًا به، أو يَصير الفاعل به حسنًا بنفسه”.
والإحسان يقتضي من المسلم إتقان العمل المنوط به إتقان مَن يعلم علم اليقين أنّ الله عزّ وجلّ ناظِرٌ إليه مُطَّلِعٌ على عمله، وبهذا الإتقان تنهض الأمم وترقَى المجتمعات. ومن هذه النّصوص قول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: ”إنّ الله يحبّ إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه” رواه الطبراني، وهنا أطلق الرّسول صلّى الله عليه وسلّم كلمة العمل بحيث تعني أيّ عمل سواء كان عملاً دينيًا أو عملاً اجتماعيًا أو عملا اقتصاديا أو عملا تربويا أو عملا عسكريا.
والسِّيرة النّبويّة بكامل مواقفها تدلّ على أنّ رسولنا الكريم صلّى الله عليه وسلّم كان ديدنه الإتقان في كلّ أموره يأخذ بالأسباب متوكّلاً على الله تعالى، ويراقب ربّه عزّ وجلّ، ويُراعي الأولويات... إلخ.
ومتطلبّات تحقيق إدارة الجودة الشّاملة هي متطلبات للعمل عامة في التّصوّر الإسلامي وضرورات لتحقيق نجاحه وقبوله ابتداء من الاقتناع والإيمان بأهمية الجودة، والتّعاون والعمل الجماعي لتحقيق الجودة، والتّخلُّق بأخلاقيات القيادة الإدارية النّاجحة، والسَّير على طريق واضح من بيانات واضحة، وكوادر مؤهّلة، وإمكانيات متوفّرة، كلّ ذلك على اعتبار أنّ تحقيق الجودة مطلب إسلامي ملح.
وإنّنا ندعو من خلال هذا المقال -إذا أردنا لهذه الأمّة اللِّحاق بالرّكب الحضاري وعدم التخلّف عمّا وصلت إليه الأمم من تقدّم علمي وتعليمي واقتصادي وسياسي- إلى أن نهتم بموضوع الجودة والإحسان والإتقان من خلال وسائل الإعلام بأنواعها، ومن خلال مدارسنا نربّي طلاّبنا عليه، وجامعتنا وجوامعنا نخصّص له النّدوات والمحاضرات والملتقيات الّتي تسلّط الضّوء عليه فنحرِّك في نفوس المسلمين الشّعور بأهمية الإحسان والجودة في الأعمال حتّى يقوموا بأعمالهم أحسن قيام كما أمرنا ديننا الحنيف وبالله التوفيق.