عبدالناصر بعيشو : أشخاص حول القذافي: نموذج للاستخفاف بالعقول
محرر المنارة
10 أبريل 2012
لكتاب “أشخاص حول القذافي” للسيد عبدالرحمن شلقم أهمية كبيرة، لا لأنه يؤرخ للحقبة الماضية، ولكن لأنه مثال نموذجي على الاستخفاف بعقولنا الذي يمارس علينا علنًا إلى اليوم.
لم أقرأ كتاباً بأكمله منذ أكثر من عشر سنوات، ومع هذا أكملت منذ اسبوعين هذا الكتاب في وقت قياسي فقد كنت أعرف سلفًا محتوياته التي تحتاج إلى معرفة، باستثناء المعلومات الغثة مثل قصة فوزية شلابي وأزواجها الأربعة، وهدى بن عامر وحملها الثوري، وأمانة س. ص. وعلاقتها بنواقض الوضوء. اليوم أردت مراجعة الفصل الأخير فوجدت مغالطتين جديدتين أضفتهما إلى هذا المقال.
الأدهى من ذلك أن هذا الكتاب ليس كتاباً مهنياً يعكس خبرة الكاتب وعمله السابق. هذا الكتاب لغو، فهو ليس وثيقة قانونية، ولا مرجعًا تاريخيٍا، ولا هو حتى بالعمل الأدبي.
هذا الكتاب الغثاء ليس إلا امتداداً للحقبة السابقة، التي نريد تجاوزها اليوم. حقبة المفارقات المضحكة المبكية المزرية التي كان فيها ملك الملوك لا يحكم، ووزير الخارجية يشعل السجائر، والمثقف يتبحّح بعدد الكتب المغبرة في صالونه.
السياسيون بصفة عامة وفي كل مكان مراوغون، ولا نتوقع منهم الحقيقة الكاملة، لكن السيد شلقم تعسّف في تطبيق هذه القاعدة وصال وجال فيها ، فكتب عن أمور معروفة لنا أساساً وأمور غير هامة وأمور غير مؤكدة ، وترك كل الأمور التي نود معرفتها، التي تهمنا، التي يستطيع هو تأكيدها.
هذا ليس بالكتاب الذي نتوقع من سياسي محنك ومثقف كالسيد عبدالرحمن شلقم، الذي شغل العديد من المناصب الهامة لسنوات طويلة. فقد كان السيد شلقم وزيرا للإعلام (وكلنا يعي أهمية الإعلام لمجنون بالعظمة كالقذافي) ، وكان سفيرًا لواحدة من أكبر وأهم سفارات ليبيا، ووزيرا للخارجية ، ومندوبا في الأمم
المتحدة، بل كان أيضَا يمتلك 23,846 كتاباً.
مِن السفير الوزير المندوب ، نريد أن تكون مهامه ومناصبه السابقة هي محور الكتاب: أن يشرح لنا كيف كانت هذه المواقع تدار؟ وكيف أفسدها النظام السابق؟ وكيف كانت مُسخّرة لأمجاد القذافي الشخصية؟ أن يحدثنا عن حجم القرصنة التي تعرض لها الوطن. هذه المعلومات يمكن أن تساعدنا في فهم المزيد عن الأخطاء والفساد في تلك الفترة، وإلى أن نتجنبها الآن.
مِن السفير الوزير المندوب ، لا نريد كتابا عن رجال القذافي. مثل هذا الكتاب قد يكتبه مدير مخابرات للقذافي مثل عبدالله السنوسي، أو مدير مكتب للقذافي مثل بشير صالح، أو مدير مراسم القذافي أيًا كان.
توقعت أن تكون الأحداث هي محور الكتاب لا الأشخاص..
كنت أتمنى أن يحدثنا السيد شلقم عن الأحداث الكبيرة التي ما زلنا لا نعرف عنها شيئاً، مثل لوكيربي وبقية تفجيرات الثمانينات وتعويضاتها، مؤازرة ليبيريا وجرائم الحرب فيها ، قتلى سجن أبي سليم ، أطفال الأيدز ومسرحية الممرضات البلغاريات، حروب تشاد وأوغندا والاتفاقيات قبلها وبعدها، قتلى جامع
القصر ومزرعة الهضبة ومزرعة العنب وغياهب مخابرات الإذاعة وإلى آخر القائمة العلني منها والسري
حتى الأشخاص الذين ذكرهم في الكتاب ، اختارهم بعناية،
لقد اشتغل السيد شلقم مع موسى كوسة أحد أكبر جزاري ليبيا، ولم يتناوله إلا عرضًا، رغم أنه كان من المحرضين ضد ثورة 17 فبراير. حلّل لنا السيد شلقم شخصية العديد من أعضاء ومنسقي اللجان الثورية، ومع هذا كان حريصا على ألا يذكر مؤسس اللجان الثورية عبد السلام جلّود بسوء. مَن لم يسمع بجلّود
قديماً سيخرج من هذا الكتاب بأن عبد السلام جلّود كان أحد كبار الإصلاحيين في تلك السنين المظلمة. فحتى عندما ذكر تأسيس اللجان الثورىة في الفقرة الأخيرة من صفحة 632 كتب “أسست اللجان الثورية” وبنى الفعل على المجهول وكأن ذلك السرطان و تأسيسه كان غلطة مطبعية ا.
دوّخنا الكتاب بالتحليلات الساذجة من نوع هذا أصله من تونس ولهذا فهو كذا وكذا، هذا من قبيلة المقارحة ولهذا فهو كذا وكذا، هذا جدّه من قبيلة الصيعان وهذا أمّه من سرت.
تحليلاته ليست سوى استهزاء بعقولنا, فمعادلة أعوان القذافي في غاية البساطة: قم بتقبيل اليد وتقبيل … تحصل على ما تريد. كلها مبنية على التزلف والجشع والخوف. ليس هناك جديد. الأمر هكذا منذ أيام الإسكندر الأكبر إلى عصر القذافي، ومروراً بجنكيز خان إلى هتلر. لا نحتاج إلى محللٍ – حقيقيًا
كان أم مزيفّا — لفهم نفسيات الذين عاصرناهم لأربعة عقود. بل إن بعض تحليلاته ترسّخ في ذهن القارئ أن تلك الشخصيات كانت حقًا لأناس طبيعيين واعدين لولا وقعوهم في براثن شيطان مريد.
ما الذي ” كتبه ووثقه” السيد شلقم في كتابه؟ نكته ودعاباته و”قفشاته” في خيمة القذافي! وعدد كتبه! اقرأ مذكرات أي سياسي في الخارج، ستجد فيها مراجع ووثائق — وعلى الأقل تواريخ–. لم نر إشارة لأي من اجتماعاته داخل الوزارة أوالسفارة، ورسائله الرسمية ومذكراته السرية وتوصياته. هل نسمي مثل هذا الغثاء توثيقاً؟ أخبرني البغدادي أن السنوسي قال له … قلت للشامخ أن خيشة قال لي… قالت لي الحاجّة أم فوزية أن ابنتها… وكأنك تستمع إلى”هدرزة” في “مربوعة”. نعلم أن ليبيا كانت تدار كمربوعة، ولكن شلقم مصّر على استخدام طريقة المربوعة في كتابه. فهو أخطأ حتى في سرد تواريخ مناصبه فيقول
في الفقرة 2صفحة 633 “اعفيت سنة 1982 …إرتحت ببيتي إلى غاية 1989 ” وفي السطر الذي يليه يواصل الهدرزة ويقول “عينت أمينا للمكتب الشعبي بروما سنة 1984م”.
كنت أتوقع منه أن يحترم عقولنا، وألا يفسر فظائع هدى بن عامر بأنها شغفت بالقذافي وأفكاره لدرجة أنها أصرت أن تحتفظ بشيء منه في أحشائها!!
ألا يحدثنا عن أزواج فوزية شلابي. فهي ليست عارضة أزياء أو مطربة ليخبرنا عن غرامياتها! لا يهمنا إن تزوجت فوزية شلابي أربعة أو أربعين. نريد أن يخبرنا عن جرائمها في الشنق وفي إهمال مدينة طرابلس القديمة وفي الإعلام . . . لا عن أزواجها وأصهارها.
لا نريد منه ترديد شعر المتنبئ، نريد أن نعرف من ألّف البيت الشهير”سير ولا تهتم نصفّوهم بالدم”.
لا ينسى السيد الكاتب أن ينبّهنا في نهاية كل فصل من كتابه ، أن أشخاص الكتاب لم ينشقوا، فهم ليسوا إلا مصاصي دماء (بينما شلقم بطل لأنه إنشق على القذافي والإنشقاق يجبُّ ما قبله). ويؤكد أنهم مجرمون لأنهم أرادوا قمع ثورة 17 فبراير، ناسيا أو متناسيا حقيقة هامة، وهي أن ثورة 17 فبراير قامت نتيجة لسلسلة طويلة من الجرائم البشعة. جرائم ارتكبت خلال الفترة من سنة 1969 إلى سنة 2011، الفترة التي كان فيها الكاتب أحد صناع القرار في جماهيرية القذافي.
هكذا، وبكتاب هزيل في محتوياته متورّم في كلماته ، يريد السيد شلقم أن يعيد كتابة تاريخنا، أن ينسينا ما شاهدناه في التلفزيون من شنق لخيرة أبناء ليبيا، وما عشناه من مذابح الواحدة تلو الأخرى .. أن نحصر جرائم العهد السابق فيما بعد 17 فبراير فقط وفحسب، أي عندما استيقظ ضمير الكاتب من سباته.
هناك حقيقة أخرى يجب ألا نغفلها، وهي أن الكاتب ليس سياسيًا متقاعدًا، بل هو موظف رسمي يحتاج إلى موافقة حكومته عند كتابته لمثل هذا الكتاب. مما يجعلنا نتساءل: هل هذا كتاب أم تقرير رسمي؟
كتاب بهذا الحجم وإن كان مملوءا بالغثاء فهو يحتاج إلى جهد ووقت وتركيز. هل تحصل مندوبنا على تفرّغ رسمي للكتابة عن شخصيات إنتهى دورها ومعلومات سطحية؟ في هذه الفترة الحرجة؟ أم ان كل مسئولينا لديهم أوقات فراغ تكفي للكتابة عن الشعر وجغرافية المدن وغرف النوم؟ أليس من الأجدر أن يركّز مندوبنا على عمله خاصة وأن الفترة الحالية استثنائية بكل المقاييس؟ وألا يضيع وقته وووقتنا في ترديد القيل والقال؟ ألم يجد مندوبنا ألذي ما فتئ يحذرنا عن دسائس الدول الصديقة العدوّة موضوعًا أفضل من موضوع هذا الكتاب؟
أما آن الأوان لتحقيق أمنية شلقم وإعفاءه من منصبه ليتفرغ للكتابة والأدب حسبما حاول إفهامنا في صفحة 634 ؟