الشهداء المنسيون:
رؤية غربية مغايرة: لماذا توجد قلة إرهابية من المسلمين؟
تشارلز كورزمان
عرض : نوران شفيق علي
معيدة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة
Charles Kurzman ,The Missing Martyrs:Why There Are So Few Muslim Terrorists,(USA: Oxford University Press, 2011).
للإرهاب عدة صور، يعد من أبرزها الإرهاب الديني، الذي تكمن وراءه أسباب ودوافع دينية. بيد أن الرؤية الغربية في تفسير الظاهرة الإرهابية على المستوى الحكومي والأكاديمي دائما ما ربطت ما بين الإرهاب الديني والإسلام، وهو ما أدى إلى ظهور مصطلح "الإرهاب الإسلامي" وتزايد المخاوف الغربية، خاصة الأمريكية، من تنامي خطر الإرهابيين المسلمين منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر وحتي الآن.
ولكن على النقيض من ذلك، قدم تشارلز كورزمان في كتابه "الشهداء المنسيون : لماذا توجد قلة إرهابية من المسلمين؟ "رؤية مغايرة. فالفكرة الرئيسية التي يطرحها كورزمان هي أن المخاوف الأمريكية من خطر الإرهاب الإسلامي لا تتناسب مع الحجم الحقيقي للظاهرة، وذلك بالنظر إلى أعداد الإرهابيين من المسلمين، والتي تقل بكثير عن العدد الإجمالي للمسلمين حول العالم، والذي يصل إلى مليارات، إذ لم يستجب إلى دعوات الجهاد المسلح سوي مائة ألف مسلم فقط في الربع الأخير من القرن الماضي.
وانطلاقا من هذا الطرح، تساءل كورزمان عن أسباب عدم زيادة أعداد الإرهابيين من المسلمين، وانخفاض عدد العمليات الإرهابية التي يقومون بها في الدول الغربية، على الرغم من مشاعر الكراهية للدول الغربية التي تسود المجتمعات الإسلامية، نتيجة للتدخل السياسي والعسكري الغربي في شئونها، والهيمنة الاقتصادية عليها.
رؤية المسلمين للإسلام الراديكالي:
يرى الكاتب أن أول أسباب عدم زيادة أعداد الإرهابيين من المسلمين هو أن تأييد المسلمين للإسلام الراديكالي هو مجرد تأييد رمزي وليس استراتيجيا. فعلى الرغم من تعاطف جزء كبير من المجتمعات الإسلامية مع بن لادن بعد أحداث سبتمبر، وتأييدهم له باعتباره رمزا لمناهضة الإمبريالية الغربية، خاصة مع اعتقاد الكثيرين أن هذه الأحداث ما هي إلا مؤامرة أمريكية - إسرائيلية لتبرير الحرب على الإسلام، فإن هذا التعاطف لم يتطور إلى تأييد أيديولوجي، ولم يدخل إلى حيز النشاط الفعلي بمعني الانخراط في العمليات التي تقوم بها القاعدة أو منظمات إرهابية أخرى.
ورأى كورزمان أن هناك فئتين من المسلمين تقفان حائلا أمام قدرة المنظمات الإرهابية على تجنيد أعضاء جدد بسبب معارضتهما لاستراتيجية الجهاد المسلح. الفئة الأولي تتمثل في العلمانيين الرافضين للحكم الإسلامي بشكل قاطع، والثانية تتمثل في الليبراليين المطالبين بحكم إسلامي على أسس ديمقراطية، وهم يمثلون نحو نصف المجتمعات الإسلامية، على عكس الاعتقاد السائد لدي الحكومات الغربية بأنهم أقلية. فضلا عن أن سقوط ضحايا من المسلمين، جراء العمليات الإرهابية، يدفع البعض، خاصة الليبراليين، إلى انتزاع صفة "الإسلامية" عن هذه الجماعات.
العولمة والمجاهدون الجدد:
ميز كورزمان بين نوعين من الإرهابيين، النوع الأول يتمثل في أنصار العولمة، وهم أولئك الذين تلقوا تعليما جيدا، ودربوا بطريقة علمية، ويتحدثون لغة أوروبية أو أكثر، ويتطلعون إلى تأسيس دولة إسلامية تتخطي الحواجز الجغرافية. ومثال ذلك القاعدة، والمحليون وهم الأقل تعليما والأقل معرفة باللغات الأوروبية ويؤمنون بضرورة تأسيس حكم إسلامي فقط داخل حدود الدولة، ومثال ذلك طالبان.
فلقد أثرت العولمة في أفكار المجاهدين الجدد، مما ترتب عليه تعدد التفسيرات الخاصة بالنصوص الدينية، وغياب سلطة دينية مركزية تكون لها الكلمة العليا على المسلمين. بل إن العديد من التنظيمات الإرهابية أصبحت تحاكي النماذج الغربية في الهياكل الداخلية لها، وتؤكد أهمية المساواة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان، حتي مع استمرار رفضها للعديد من القيم الغربية. أدي ذلك إلى وجود خلافات فكرية وأيديولوجية ما بين التنظيمات الإرهابية التقليدية والتنظيمات الحديثة، والتي ظهرت في صورة تنافس فيما بينها في عدد كبير من الدول. هذا الصدع في علاقة التنظيمات الإرهابية بعضها بعضا تستطيع أن تستغله الدول المناهضة للإرهاب لإضعاف قوي الإرهاب الإسلامي.
الإسلام الليبرالي والإسلام الثوري:
رأي كورزمان أن أحد أهم التحديات التي تواجهها المنظمات الإرهابية في تجنيد أعضاء جدد هو الإسلام الليبرالي ومعتنقوه. فنسبة كبيرة من المسلمين تؤمن بأهمية الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، وترفض النماذج الثورية للحكم الإسلامي كتلك التي طبقت في الحالتين الإيرانية والأفغانستانية. ولقد أظهرت استطلاعات الرأي أن تأييد بعض المسلمين لفكرة الحكم الإسلامي لم يتحول إلى اختيارات سياسية، ولذا دائما لم تتمكن الأحزاب الإسلامية المتشددة من تحقيق مكاسب كبيرة في الانتخابات.
وبما أن هذه الأفكار تتعارض جذريا مع الأفكار الثورية التي تتبناها المنظمات الإرهابية، فكثيرا ما يوجه قادة هذه المنظمات الانتقادات للمسلمين الليبراليين، ويرون أن وجودهم هو مؤامرة ضد الأفكار التي تعتنقها تلك التنظيمات، وهو ما يدفعهم إلى اغتيال عدد من رموز الإسلام الليبرالي في الكثير من الدول.
السياسة الأمريكية والرأي العام الإسلامي:
يرى الكاتب أن الرأي العام الإسلامي يتسم بعدم مرونته فيما يتعلق بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة، أي أنه لا يتأثر سلبا أو إيجابا بالتغيرات التي تحدث في السياسة الأمريكية. فعلى سبيل المثال، توقع الكثيرون أن التدخل الأمريكي في العراق وأفغانستان سيؤدي إلى تعاطف المسلمين مع القاعدة وطالبان.
هذا التعاطف، وإن حدث بالفعل، لم يترجم إلى مواقف واضحة كالخروج في مظاهرات تأييدية لأي من هذه التنظيمات، أو زيادة العمليات الإرهابية ضد الولايات المتحدة. وكذلك عندما بدأ بوش سياسة "الدبلوماسية الشعبية" لتحسين صورة الولايات المتحدة، رأي المسلمون أن هذه السياسة ما هي إلا غطاء للحرب على الإرهاب. فالنسبة الكبري من المسلمين تعارض السياسات الأمريكية، ونسبة صغيرة منهم تؤيدها، بغض النظر عن التغيرات في السياسة الأمريكية، وفقط 20 بالمائة منهم يتأثرون بهذه التغيرات.
وتوصل كورزمان في الخاتمة إلى نتيجة، مفادها أنه بالرغم من صعوبة التنبؤ بما قد تئول إليه الظاهرة الإرهابية في المستقبل، فمن المتوقع أن تستمر القاعدة في مهاجمة الولايات المتحدة، كلما سنحت لها الفرصة لذلك. ولكنه أكد أيضا أن هذه التوقعات لا تبرر زيادة المخاوف من الهجمات المستقبلية للقاعدة لما سبق طرحه من أسباب، خاصة أن التنظيمات الإرهابية لا تزال تعتمد على أسلحة تقليدية، ولا تمتلك أسلحة نووية أو بيولوجية لها قدرة تدميرية عالية.
وقدم الكاتب توصية للإدارة الأمريكية بألا ينصب تركيزها فقط على تحقيق الأمن، حتي وإن انتقص ذلك من حرية المواطنين بدعوي مكافحة الإرهاب، وأن تضع ظاهرة الإرهاب في حجمها الحقيقي، بعيدا عن التخوفات المبالغ فيها، وأن تسعي إلى الاعتماد على المسلمين المعتدلين، باعتبار أنهم القوي المعارضة الأكثر تأثيرا وفاعلية في مواجهة الإرهاب الإسلامي.
تعريف الكاتب:
خبير أمريكي في شئون الإرهاب