محمد نبيل الشيمي
الحوار المتمدن-العدد: 3113 - 2010 / 9 / 2
تقديم :
تحتل دراسة النخبة أهمية كبيرة في إطار موضوعات علم الاجتماع السياسي ذلك لأهمية ما تملكه النخبة من أدوات مؤثرة في تكوين واستقرار المجتمعات وتشكيل نسق الحكم والفكر والتوجه العقيدي .... إلخ ... ولم تعد دراسة النخب قصراً علي علم الاجتماع السياسي بل تعدي ذلك إلي العديد من العلوم فهي الان أحد أهم محاور الدراسات السياسية والاقتصادية ... النخب تضطلع بالعديد من الوظائف ... ومنها أو أهمها صياغة اليات الحكم وتغيير القيم والسلوكيات ... وهكذا فإن دراسة النخبة تعني إلقاء الضؤ علي مكون أساسي في صنع الواقع السياسي والثقافي والديني في مجتمع ما
تاريخية المصطلح :-
لم يتفق علماء الاجتماع والسياسة على تاريخ ونشأة مفهوم النخبة وإن اتفقوا على أن ظهور النخبة ضارب في القدم واستندوا في ذلك على تصميم الفيلسوف أفلاطون على أهمية أن تقود المجتمع فئة من النابهين رآهم في الفلاسفة فضلا عن التأكيد على أن النخب كانت موجودة في كافة المجتمعات فهناك الكهنة المصريون والذين إلى جانب الملوك كانوا يمثلون صفوة المجتمع المصري باعتبارهم نوابا موفدين من قبل الملوك للمحافظة على الآلهة في المعابد .. وهكذا كان الأمر في المجتمعات القديمة حيث كان رجال الدين يمثلون نخبة المجتمع إلى جانب الأمراء والحكام وعلى هذا السياق يمكن التأكيد على أن ظاهرة النخبة ظاهرة ارتبطت بالإنسان منذ بدء الخليفة وان اختلفت صورها ونوعية النخبة نفسها فهي مرتبطة بسياق زماني وسياق مكاني يحددان نوعها ودورها .... إلخ .
... يقول د. محمد مالكي ( عن النخبة وأدوارها صحيفة أوان عدد 716) (1) .
يعتبر اصطلاح النخبة أكثر الاصطلاحات تداولاً في التخاطب والكتابة ليس مع ولوجه دائرة الاستعمال الأكاديمي والعلمي في العقد الثالث من القرن التاسع عشر (1832) كما قدر ذلك بوتومور في قاموس اكسفورد ولكن منذ نشوء الفلسفة السياسية وتشكل وعي الظواهر مناط اهتمامها ففي القديم وكما سبق الإشارة إليه يؤكد د. مالكي على أن أفلاطون دافع عن ضرورة أن تقود المجتمع ثلة من النابهين حددها في فئة الفلاسفة وبعده بقرون جاء سان سيمون كأول من وضع الخطوط العامة لتحليل الصفوة حيث نظر إلى المجتمع كهرم في قمته توجد صفوة سياسية ورأى أن الصفوة واقع لا مهرب منه لأي مجتمع وأن إصلاح أي نظام حكم لا يكون إلا بتغيير التخبة ولذا ينبغي أن تسند مهمة الحكم إلى العلماء والفنانين وكبار رجال الصناعة وهو بذلك على قناعة بضرورة ارتكاز النخبة على المؤهلات وليس الانتماء الأسري (د. كمال المنوفي ـ أصول النظم السياسية
المقارنة) (2) بيد أن أول استعمال للكلمة كان في القرن السابع عشر لوصف السلع ذات النوعية الممتازة ثم ما لبث أن توسع ليشمل الجماعات العليا كبعض الوحدات العسكرية أو المراتب العليا من النبالة قبل أن يتم تأصيله في متن البحث الاجتماعي والسياسي مع القرن التاسع عشر وكان الفضل الأكبر في هذه النقلة العلمية لمفهوم النخبة لكوكبه من العلماء والمفكرين من أمثال باريتو وتوماس ، وتوم بوتومور ، ورايت ميلز ، وروبرت دال .
كان أفلاطون يرى أن أول مهمة للفيلسوف إضفاء صفة العلم على الأخلاق والسياسة لتطابقهما في منطلقهما وعلى الخير والحق لعدم اختلافهما وهو في هذا الصدد كان يرى أن هذه النخبة لابد أن تؤمنها تنشئة دقيقة تتحمل الدولة تكاليفهما والواقع أن المقصود بالنخبة عند أفلاطون هي النخبة السياسية التي تمتلك معرفة العلم السياسي الذي لا علم بعده عنده أنه علم الحق والخير أي أنه العقل المستنير تماماً (جان توشار ـ تاريخ الفكر السياسي ) (3) .
ما هي النخبة وما هي علاقتها بقضايا الناس والأمة وهل من معنى لديها لكلمات مثل التنمية والتنوير ونهضة الأمة ؟ بل لنقل هل يوجد إجماع على تعريف النخبة وقضايا الأمة ؟ بقدر ما يبدو هذا السؤال سهلا بقدر ما هو معقد وشأنك ومتعدد القراءات.
في دراسة للجنة العربية لحقوق الإنسان كتب الأستاذ هيثم مناع دراسة بعنوان "النخب أمام تحديات النهوض" (4) .
خلال عقود طويلة كان تعريف النخبة نفسه موضوع ازدراء ورفض من قبل الفكر الماركسي الذي آثر عليه مصطلحات أخرى مثل : الطليعة في التراث اللينيني والمثقف العضوي عند انطونيو غرامشي أما الفضاء الفكري المتسع بين ما عرف بالأحزاب الاشتراكية الديمقراطية والديمقراطية المسيحية فقد استعمل بأريحية كلمة المثقف للدلالة على النخبة بالمعنى الواسع في حين استعاد الفكر الإسلامي السياسي منذ المودودي فكرة الدعاة للتعبير عن المثقفين المجهزين المدربين الأخصائيين كما يصفهم حسن البنا النخبة المؤمنة الملتزمة بالإسلام نظاماً وإماماً وديناً ودولة .
إن التتبع الميداني والمعرفي لموضوع النخبة يظهر بوضوح أنه لا مجال لتعميم تعريف تحليلي صالح لكل زمان ومكان فهناك مراحل تاريخية كانت النخب فيها تلعب دوراً كبيراً في وعي قضايا المواطن والمجتمع والأمة في مجتمعات محددة ولم يكن ذلك مرتبطاً بالضرورة بمجموع الشبكة الاجتماعية التي تشملها هذه الكلمة بأكثر تعريفاتها عملية بل غالباً بالمنسلخين اجتماعياً وسلطوياً عن هذا الوضع أي ليس بمن يفكر بالثقافة كمشروع سلطة بل بإدراك دوره النقدي كسلطة مضادة بامتياز وهنا محك العلاقة بين النخبة والمجتمع بين الثمقف والمشروع الحضاري لمجتمعه .
ويشير د. أدريس لكريني في دراسته "النخبة السياسية وأزمة الإصلاح في المنطقة العربية" (5) كان للباحثين الإيطاليين موسكا وباريتو الأثر الكبير في ذيوع مفهوم النخبة من خلال دراساتهم الاجتماعية في بداية القرن العشرين فقد أكدا معاً على أن المجتمعات تنقسم عادة إلى طبقتين أو جماعتين : الأولى حاكمة والثانية محكومة و كان موسكا يفضل استعمال مصطلح الطبقة السياسية ليعبر به عن الفئة الأولى في حين أن باريتو يفضل مصطلح الطبقة الحاكمة للتعبير عنها .
والنخبة من منظورهما هي مجموعة قليلة من الأشخاص الذين توافرت لديهم شروط موضعية (الثروة والقدرة) وأخرى ذاتية (المواهب) بالشكل الذي يجعلها متميزة عن باقي أفراد المجتمع .
أما لازويل فقد اعتبر أنها "تلك الطبقة التي تتميز بقدرتها على التأثير أكثر من غيرها مع جنيها لنتائج ملموسة بفعل هذا التأثير "
أما رايت ميلز فقد ركز على المجتمع الأمريكي في دراساته ومن ثم يقيم علاقة وطيدة بين النخبة وامتلاك إمكانية اتخاذ القرار حيث توصل إلى أن هناك مجموعة من المؤسسات تتحكم في مسار الولايات المتحدة حددها في المؤسسة العسكرية ، المؤسسة السياسية ، مؤسسة الشركات الكبرى ، من خلال نخبة تحتل مكانة مهمة داخل هرم اتخاذ القرار داخل هذه المؤسسات ... ويضيف د. أدريس لكريني أن القواميس الإنجليزية تعرف النخبة باعتبارها "أقوى مجموعة من الناس في المجتمع ولها مكانتها المتميزة وذات الاعتبار بينما القواميس الفرنسية فإنها تحدثت في هذا الشأن عن أشخاص وجماعات تتيح لهم إمكانية امتلاك القوة أو التأثير ، المشاركة في صياغة تاريخ جماعة معينة عبر وسائل وسبل عديدة (اتخاذ القرارات ، اقتراح الأفكار ، إبداء المشاعر) .
ويرى أن هناك مجموعة من الاعتبارات الذاتية (الذكاء ، الإبداع ، الاجتهاد ، الطموح) والموضة (الإمكانيات الاقتصادية والعلمية والوظيفية) التي تجعل النخبة ـ باعتبارها أقلية تتحكم في فئات عريضة من المجتمع ، ولعل أبرز ما تتميز به هذه الأقلية هو تلك القوة أو القدرة على التأثير على الآخرين فتقنعهم أو تغريهم أو تهددهم وتنتهي إلى توجيههم وقيادتهم والاستفادة منهم حسب أهداف معينة ويؤكد د. إدريس على أنه على الرغم من الصعوبات التي تعتري تحديد مفهوم قاطع للنخبة بالنظر لتعدد التعريفات الواردة بشأنها فإنه يرى أن المصطلح يحيل إلى مجموعة من الأفراد الذين يتموقعون في مراكز سياسية واجتماعية واقتصادية عليا داخل المجتمع تسمح لهم بصناعة القرارات في مختلف المجالات أو التأثير في صياغته ... وينهي الكاتب إلى أنه كان من الطبيعي أن تتوافر لكل مجتمع من المجتمعات بغض النظر عن درجة نمائه وتطوره نخبة تحظى بأهمية كبرى على مستوى قيادة الحياة الاجتماعية أو السياسية أو الثقافية أو العسكرية أو الاقتصادية .
ويرى د. إدريس أن البعض يعتقد أن ترتيب وموقع أنماط الصفوة يختلف من حيث الأهمية والقوة من مجتمع إلى آخر كما يختلف في المجتمع الواحد من مرحلة إلى أخرى ففي المجتمع البدائي أو البدوي كانت الشجاعة والفروسية والكرم والشعر والثروة وحدها تشكل قيم وإمكانات الصفوة وفي مجتمع أكثر تطوراً وتحضراً يصبح أهل العلم والرأي والحكمة والفراسة هم صفوة المجتمع ويجري حل الأمور تحت رعايتهم ومشورتهم .
النخبة لغة وتعريفاً :-
يشير الأستاذ / معن حمدان على في دراسته "نظرية النخبة والسلطة السياسية" (6) في شأن المدلول اللغوي لمصطلح النخبة في القواميس العربية نجد أن انتخب الشىء اختاره والنخبة ما اختاره منه ونخبة القوم ونخبتهم خيارهم
والانتخاب . الانتزاع . والانتخاب . الاختيار والانتقاء ومنه النخبة وهم الجماعة تختار من الرجال فتنتزع منهم ومن هنا تعرف النخبة بأنها جماعة (أو جماعات) من الأفراد الذين لهم خصائص مميزة تجعلهم يقومون بأدوار أكثر تميزاً في حياة مجتمعاتهم ومؤثر هذا التميز في الأدوار يجعل لهم تأثير بالغ على مجريات الأمور وتوجيهها كما ينعكس في تأثيرهم على عمليات صنع القرار المهمة في مختلف مجالات الحياة .
... أما د. منير السعيداني فيرى في دراسته النخب الفكرية العربية : بحث في إجرائية المفهوم في قضايا تسمية المصطلح (7) .
إن المعاني الاشتقاقية للفظ نخبة في لغات مختلفة تدل على الندرة والقلة إذ هي تحيل على الاصطفاء والاختيار والانتخاب والقطف والانتزاع من رأس الشيء أو من أساسه وتمتد تلك الإحالة إلى ما يمثل خصيصة الشيء الأكثر تمييزاً له عما عداه وعلى أساس التميز والنقاوة والصفاء والرفعة وعدم الاختلاط مع ما هو عام ومبذول ومبتذل وعادي ويضيف أنه في العربية يستخدم مصطلحان في ما نحن بصدده وأولهما النخبة من نخب الرجل الشيء نخباً وانتخبه أي اختاره وانتقاه وأخذ نخبته وتأسيساً على ذلك تكون النخبة وجمعها نخب المختار من كل شيء بحيث تجمع النخبة وجمعها نخبات المنتخبين من الناس في مجال أما ثاني المصطلحين هو الصفوة وهو ينحدر اشتقاقاً من صفا فلان القدر أي أخذ صفوها واستخلص ما فيها فالمصطفى هو المختار والصفى هو النقي من كل شيء .
أما في غير اللسان العربي فأصل الاشتقاق كلمة النخبة في الفرنسية يعني قطف واختر وجمع... أما ويكيبديا الموسوعة الحرة تتعرف النخبة على النحو التالي /
النخبة مفردة جمعها (النخب)
وتعبر كلمة النخبة عن طبقة معينة أو شريحة منقاة من أي نوع عام .
كما أن هناك مصطلح التزاوج الانتخابي في علم الأحياء .
وهي تعني أيضاً الأقلية المنتخبة أو المنتقاه من مجموعة اجتماعية (مجتمع أو دولة أو طائفة دينية أو حزب سياسي) تمارس نفوذاً غالباً في تلك المجموعة عادة بفضل مواهبها الفعلية أو الخاصة المفترضة .
- ويشير الأستاذ / بيزيد يوسف في دراسته "دور النخبة في ظل التحديات الراهنة) (
إلى أنه على الرغم من تسارع التقنيات الحديثة لاكتساح حياة الإنسان والهيمنة عليها يبقى دائماً دور الإنسان ضرورياً وحيوياً ولكن أي إنسان؟ انه إنسان يتمتع بمميزات وخصائص روحية معرفية ومادية تمكنه من التحكم في مختلف المجالات والسيطرة على حاضره ومستقبله متصلاً بماضيه هذا الإنسان الذي يتأثر ويؤثر وينفعل ويغير أو يسعى إلى التغيير هو ما يطلق عليه النخبة والنخبة بطبيعة الحال أقلية في المجتمع تتميز بجملة من المميزات والخصائص وكما جاء في لسان العرب "انتخب الشيء : اختاره .
والنخبة ما اختاره منه ونخبه القوم خيارهم وغيرها من التعاريف التي تميز النخبة على أنها صفوة المجتمع التي يفترض فيها أن تقود المجتمع وفق ثقافة وهوية ومبدأ وهدف محدد .
والنخب تختلف من عسكرية إلى سياسية وثقافية ودينية وعلمية ويرى د. كمال المنوفي في مؤلفه السابق الإشارة إليه (9) أن وضع النخبة هو نتيجة حيازة أعضاءها شيئاً ما يقدره المجتمع كالثروة والمكانة الأدبية ... إلخ إلا أن الفصل في قوة وسيطرة النخبة يعود بالدرجة الأولى إلى ما لديها من قدرات تنظيمية كبيرة أي على قدرتها على التماسك في مواجهة القوة الأخرى في المجتمع .
أما المفكر المغربي محمد سبلا فيرى في دراسته "النخبة السياسية والنخبة الثقافية في مغرب ما بعد الاستقلال " (10) أن مفهوم النخبة مفهوم وصفي تقربي يشير إلى الفئات التي تخطي بنوع من التميز داخل حقل اجتماعي ما كما تمارس نوعاً من الريادة داخل هذا الحقل يكتسب أفراد هذه الفئة بعض هذه السمات إما عبر آلية التوارث أو عبر آلية الاكتساب وفي كلتا الحالتين يكون عملية الحصول على الصفة ناتجة عن مجهود وخاضعة لسياق تناسبي وصراعي وبالتالي فإن النخبة خاضعة موضوعياً لدينا فيه الصراع الاجتماعي ببعديه الأفقي والعمودي ومن ثمة قانون التنافر وعم التجانس سواء داخل النخبة الواحدة أو بين النخب .
... ويرى الكاتب أن مفهوم النخبة يعاني من التباسات كبرى فيما يتعلق بالتصنيف حيث يؤكد على وجود تضارب في تصنيف النخب فهي على المستوى البسيط القطاعي توجد النخبة السياسية / النخبة المالية / التخبة العسكرية .
ثم على المستوى الموضعي فهناك النخبة المحلية والنخبة الوطنية أما على المستوى الموضوعي فهناك نخب الثروة ونخب القوة ونخب المعرفة ونخب الاستحقاق ونخب السلطة إلا أنه يرى أن التصنيف المتواتر هو التصنيف القطاعي المتداول حيث يتسم بالبساطة والوضوح النسبي .
الكاتب العراقي سعد محمد رحيم دراسة له تحت عنوان " نخب سياسة نخب ثقافية " (11) يشير إلى أن النخب عموماً هي الفئات التي تتميز عن بقية أفراد المجتمع من خلال قدرتها على الفعل والإنتاج في مجالها المحدد ـ سياسة واقتصاد ثقافة علوم، الخ ـ وحين نقول نخب سياسية فلابد أننا نعني بها الأفراد والجماعات التي تمتلك خطاباً سياسياً وتفترض نفسها قائدة أو موجهة للمجتمع أو لمكونات منه وتسعى من ثم إلى الفوز بالسلطة السياسية عبر وسائل مشروعة أو غير مشروعة وبالمقابل فإن عبارة نخب ثقافية تحيلنا إلى أفراد وجماعات أيضاً تهتم بالشأن الثقافي وتسعى لممارسة التأثير على ذهنية المجتمع وقيمة ومعتقداته وأفكاره وأخلاقه وحتى عاداته وتقاليده ولسوء الحظ لا توجد معايير دقيقة أو حدود صارمة ونهائية يمكننا من خلال اعتمادها معرفة وفرز من هم في ضمن النخب لسياسية أو الثقافية ومن هم خارجها ويشير الكاتب إلى ما تضمنه معجم علم الاجتماع الذي حرره البروفيسور دينكن ميشيل عن النخبة "بأنها جماعة أو نخبة من الأفرد يعترف بعظمتها في التأثير والسيطرة على شؤون المجتمع وهي الأقلية الحاكمة التي تتمتع بسلطان القوة والنفوذ والتأثير أكثر مما تتمتع به الطبقة المحكومة" والنخب بهذا المعنى تكون أقلية متماسكة ويرى الكاتب أن البروفيسور ميشيل عاد ليعطي تعريفاً للنخبة يتعدى مفهوم السيطرة السياسية ليعني أي جماعة أو صنف من الناس أو مجموعة من الأفراد يملكون بعض الصفات والقابليات التي يتمنها المجتمع كالقابلية العقلية العالية المراكز الإدارية الحساسة القوة العسكرية السلطة الأخلاقية أو السمعة العالية والتأثير الكبير لكن هؤلاء الأفراد الذين يتمتعون بهذه الصفات قد يتميزون بالتماسك أو الفرقة والانقسام وقدراتهم في التأثير في الجماهير تفوق قدراتهم في حكم الجماهير ويمكن التأكيد علي أن للنخب صفات تتسم بها وأهمها /
- قلة العدد نسبياً باعتبارهم الصفوة ومن ثم فهي متجانسه متحده وواعية وتتميز بخاصية الحفاظ علي ذاتها .
- التمتع بمكانه اجتماعية مرموقة (السياسيون ورجال الدين والمثقفون ورجال الأعمال) .
- الإمساك بمصادر القوة السياسية (النخبة السياسية) ولها دور فاعل في صناعة السياسة وتنفيذ ما تتضمنه من برامج .
- القدرة على صنع القرارات .
- توجيه المواطنين إلى القيم الاجتماعية التي تؤمن بها .
- تشكل عناصرها وتؤيدها لتولي المناصب المهمة في المجتمع (مقاليد السلطة) .
- القدرة على توجيه المشاركة في توجيه النشاط الاقتصادي من خلال السيطرة على وسائل الإنتاج .
- التأثير في العقيدة من خلال الدعاه أو النخبة الدينية ) .
- القدرة على تعديل سلوكيات المواطنين وترويج الأفكار التي تخدم النظام الحاكم وإضفاء الشرعية على أدائة وهناك من يرى في النخب أنها خليط فئات وتناقضات . تدافع عن مصالح كما تدافع عن أفكار وتوجهات .
- الاستقلالية بمعني أنها لا تسأل عن أفعال أمام أي طرف أخر فهي وحدها تتولي حسم القضايا وحل المشكلات حسب مصالحها وتصوراتها .
... على أن هناك من الباحثين كما يقول د. إدريس لكريني (12) يرون أن هناك فرق أساسي بين النخبة السياسية وباقي النخب يكمن في كون النخبة السياسية تتمتع بمجموعة من الصلاحيات تجعلها هي المقررة الأولى للمجتمع بحيث تختار له توجيهاته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية أحياناً مما يجعل سلطاتها واسعة وتأثيرها لا محدوداً أما النخب الأخرى فإنها تمارس نفوذها وسلطتها داخل مجالاتها الخاصة دون أن تستطيع التأثير على التوجهات السياسية بشكل قوي وفعال ومن هذا المنطلق فالنخبة السياسية تحتل مركزاً متميزاً ضمن قائمة مختلف النخب الأخرى باعتبارها تملك القوة والقدرة داخل النظام السياسي للدولة وتسهم بشكل محوري في صناعة القرارات (مرجع سبق الإشارة إليه) .
ويؤكد د. محمد مالكي على أن وظيفة النخبة لا تتعلق بالمعارضة وحدها أو بالموالاة فقط فالأمر لا يتعلق بالأبيض أو الاسود ولكن المشكل يرتبط بمدى قدرة النخبة بحسبها فئة مميزة بما لها من وجاهة مادية ورمزية على ممارسة حد أدنى من الاستقلالية في التأثير في المجتمع المنتمية إليه من دون أن تفقد كنه وجودها أو تتحول إلى دمية أو إمعة لا حول لها ولا قوة (دور النخبة وأدوارها) (13)
وعودة إلى د. محمد سيلا الذي يرى أن النخبة السياسية هي "نخبة النخب" بمعنى تكويني لا بمعنى معياري النخبة اليساسية هي العصارة أو الخلاصة النهائية لتفاعل النخب بمعنى أن كل النخب تصب في النهاية في النخبة السياسية وتتجه بشرائحها العليا إلى الانخراط فيها وهو ما يفسر عدم تجانس النخبة السياسية لأن أصولها وتدرجاتها تعود إلى كافة القطاعات الاجتماعية حتى وإن بدا أن هناك نخباً ذات تواتر أكبر في دائرة النخبة السياسية كأصحاب المهن الحرة (كالمحامين ـ والأطباء ـ والفنيين ... ) (14)
بهذا المعنى تكون النخبة السياسية قطاعاً واسعاً باتساع مفهوم السياسة ولا يقتصر فقط على بيروقراطية الدولة ورجال السلطة في المركز والإقاليم خاصة مع مأسسة الديموقراطية في مجالس بلدية وقروية ومجالس النواب والمستشارين وكذا البيروقراطيات الحزبية وأفراد المجتمع المدني الفاعل والمنشغل بقضايا الشأن العام .
وهذه النخبة هي بدورها متراتبة ومتدرجة وهرمية فهي تعكس إلى حد كبير هرمية جهاز الدولة كما تخضع بدورها لقانون المنافسة الشرسة والناعمة التي تحكم الحقل السياسي عامة والفضاء الاجتماعي برمته وبالتالي فهي ليست متجانسة في مشاربها السياسية ولا في موقعها الاجتماعي .
لكن للنخبة السياسية ميلاً عضوياً قوياً إلى أن تصبح هي "نخبة النخب" بالمعنى المعياري أي سيدة النخب" فهي النخبة التي تهفو إليها كل النخب الفرعية النخبة التي تعتبر نفسها قوى كل النخب وربما فائدة المجتمع ورائدة النخب .
ولعل هذه المكانة المتميزة التي تحتلها السياسة تعود إلى أن مسار السياسة هو السلطة وأن تمحور الصراع حول حيازة السلطة يؤشر إلى درجة سلطوية المجتمع إي إلى ضخامة كمية السلطة المتوزعة في ثنايا الجسم الاجتماعي وإلى كون السلطة تقليديا في المجتمع هي البوابة الكبرى إلى الوجاهة الاجتماعية والتميز والأمن والثروة والنفوذ .
ولعل جاذبية التميز والريادة التي تتحكم موضوعياً في دينامية النخبة السياسية تعود من جهة إلى قوة السلطة وتميزها في اتخاذ القرارات مما يدفعها إلى الاستعلاء عن النخب الأخرى عن طريق امتصاص رحيقها عبر استدماج فئاتها أو نخبها العليا واستعمال خبرتها وفكرها واستخدامه وكأنه متولد عن النخبة السياسية ذاتها بعد صهره وتكييفه ... وهناك من يري أن النخبة السياسية تحديداً تتشكل من تركيبة متجددة تتبادل تمثيل المجتمع والدفاع عن المصالح الخاصة والعامة داخله وهي محلية النفوذ وليست بدائمة ... كما أن هناك فرق اساسي بين النخبة السياسية وباقي النخب حيث تتمتع هذه النخبة بصلاحيات تمكنها من اختيار السياسة التي تحقق طموحاتها واهدافها مما يوسع من سلطاتها ويمنحها تأثيرات غير محدده عكس النخب الاخري التي تمارس نفوذها وسلطتها داخل مجالاتها الخاصة دون أن تستطيع التأثير علي التوجهات السياسية بشكل قوي وفعال .
... والواقع أن من الكتاب من لا يجد فروقاً بين مفهوم النخبة ومفهوم الصفوة وهو تصور واقعي ولم يختلف العلماء في ذلك ... في حين أن هناك من يرى أن الارستقراطية هي النخبة ... وهو خلط يراه البعض خاطئاً .. ونعرض فيما يلي لأوجه الاتفاق بين النخبة والصفوة ... والنخبة والارستقراطية على أن هناك من يرى أن رجال السياسة هم المقصودين بالصفوة وإن كنا نرى أن هناك أيضاً الصفوة الاقتصادية والصفوة الثقافية والصفوة الدينية .... فضلاً عن الصفوة العسكرية والامنية والرياضية ... إلخ وهم من يمكن أن تقول عنهم النخب ولغوياً فإن الصفوة كما جاء في الوجيز : الصفاء من الشيء خيارة وخالصة والصفوة من كل شيء أحسنه ... وصفاً صفواً وصفاء يعني الخلص من الكدر واصطفاه أي فضله واختاره (15) .. ووفقاً لما جاء في معجم ألفاظ القرآن الكريم الجزء الرابع صـ82 (16) أن أصل الصفا الخلوص من الشوب وتشير الموسوعة إلى مفهوم الصفوة بشكل عام يشير إلى جماعة من الأشخاص يشغلون مراكز النفوذ والسيطرة في مجتمع معين ويستخدم بشكل أكثر تحديداً للإشارة إلى النفوذ الذي تمارسه هذه الجماعة خاصة القلة الحاكمة في مجال محدد لذلك تكون الصفوة أكثر الطبقات هيبة وأثراً وقد يشير المصطلح أيضاً إلى أعلى فئة في أحد ميادين التنافس ومن ثم تتألف الصفوة من المبرزين المتفوقين بالقياس إلى غيرهم ولذلك فهم يعدون قادة في ميدان معين وبهذا المعنى تكون هناك صفوة سياسية وصفوة في الفن وصفوة علمية ودينية ... إلخ وللصفوة تأثير مهم في تشكيل القيم وفي تحديد اتجاهات قطاعات المجتمع التي تمثلها أو الميادين التي برزت فيها .
ومن ثم فإن الصفوة هي أقلية من الشعب تستحوذ على عملية اتخاذ غالبية القرارات المؤثرة داخل المجتمع ونظراً لاتساع مجالات القرارات فإنها تؤثر على المظاهر العامة للمجتمع أيضاً ويكون ذلك بوجه خاص في مجال القرارات السياسية ولذا فإن للصفوة من القوة والنفوذ ما يتعدى نطاق أية جماعة أخرى في المجتمع بأسره ومن ثم فهي في تصور بعض الناس مصدر القيم ومنبع المعايير والاتجاهات ومن ثم فهي العامل الأساسي لتحقيق التماسك الاجتماعي .
وتشير الموسوعة (17) إلى أن البعض يميز بين حكم الصفوة وحكم الطبقة ويركز المفهوم الأول على أسلوب الاختيار لمن يضطلعون بمهام الحكم والإدارة بينما يركز المفهوم الثاني على أسلوب توصيفهم وتفترض الصفوة وجود توافق حركي بين أعضائها ـ سواء بشكل مقصود أو غير مقصود حفاظاً على وضعهم الاجتماعي أو امتيازاتهم السياسية ويثير الحديث عن الصفوة موضوعات معينة ، مثل شرعية الصفوة بمعنى الأسس التي تبني عليها ممارستها للسلطة ومسألة دوران الصفوة التي تشير إلى درجة انفتاح الصفوة أمام عناصر جديدة أو انغلاقها على عناصر بينها فترات زمنية قد تطول .
ويميل عدد ليس قليل من علماء الاجتماع المعاصرين إلى التمييز بين الصفوات المختلفة طبقاً لطبيعة القوى والنشاطات التي تسيطر عليها فعلى سبيل المثال ميز ناديل بين ثلاثة أنماط من الصفوات هي : الصفوات الاجتماعية ، والصفوات المتخصصة ، الصفوات الحاكمة .
فالصفوات الاجتماعية تمارس تأثيراً غير مباشراً فهي لا تحتكر اتخاذ القرارات ولكن يرجع مصدر قوتها إلى محاكاة الناس لقادتها ... أما الصفوات الحاكمة فتضم القادة السياسيون الذين يمارسون قوتهم من خلال وضعهم القانوني واحتكار اتخاذ القرارات ... وأخيراً الصفوات المتخصصة التي تضم القطاعات العليا من ذوي المهن الفنية العليا ، كالأطباء والمحامين والمهندسين .
وتختلف طبيعة الصفوات باختلاف مستوى التطور الاجتماعي والاقتصادي للمجتمعات فالصفوات في مجتمع كالمجتمع المصري تختلف بطبيعة الحال عن قريناتها في المجتمع الأمريكي بل أنه في داخل المجتمع الواحد قد تختلف الصفوات من فترة لأخرى ففي المجتمع المصري ظهرت صفوات معينة خلال فترة الاستعمار الإنجليزي مثل كبار ملاك الأراضي وأصحاب المشروعات الصناعية وكبار موظفي الحكومة ثم ما لبثت هذه الصفوات أن تعرضت لمؤثرات مهمة بعد الحصول على الاستقلال السياسي وقيام ثورة يوليه المجيدة ومن الطبيعي أن يؤدي ذلك إلى أضعاف الصفوات القديمة وظهور صفوات جديدة تتلاءم مع التطورات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية (نرى الآن على سبيل التنويه أن المجتمع المصري حالياً يشهد صعوداً لرجال الأعمال على حساب المثقفين ورجالات الطبقة الوسطى من الصناع والتجار كصوره لحالة التحول الذي تشهده مصر منذ بدء مرحلة الانتاج الاقتصادي) .
ويتفق بعض علماء الاجتماع في أن مكانه الصفوة وبناءها لا يتوقفان على مواهب الأفراد أو خصائصهم السيكولوجية ولكنهما يتحددان في ضوء البناء الاجتماعي لمجتمع معين وينظر البعض إلى الصفوة من خلال المؤسسات المهمة أو الاستراتيجية ففي المجتمع الأمريكي يشكل قادة هذه المؤسسات في مجالات الجيش والصناعة والحكومة يشكلون صفوة على المستوى القومي حيث تنشأ بينهم صلات وروابط وثيقة وهذه الروابط تكون في أوج قوتها حينما يتبادل الأفراد فيما بينهم الوظائف العليا الممثلة لقطاعات المجتمع المختلفة ولذا يفضل استخدام تعبير صفوة القوة للإشارة إلى أولئك الذين يشغلون الأوضاع القيادية كرؤساء الشركات والقادة السياسيين والقادة العسكريين ومن ثم فإن الصفوة هي التي تتخذ القرارات المصيرية مبقية الجماهير في حالة سكون وهدوء مستعينة لتحقيق ذلك بمدح الجماهير وخداعها والتفنن في الترويح عنها وتشير الموسوعة إلى أن الفساد المتفشي داخل الصفوة ذاتها وهو فساد يعود إلى الحالة التي لا تكون فيها الجماهير منظمة تنظيماً دقيقاً يسمح لها باتخاذ القرارات الملائمة .
وتنتهي الموسوعة بوضع تعريف الصفوة السياسية بشكل محدد بوصفها أقلية مسيطرة تتحكم في القرارات السياسية والاقتصادية ويخضع الأإلبية لهذه القرارات وللصفوة من القوة والنفوذ ما يتعدى نطاق أي جماعة أخرى في المجتمع بأسره ولذلك فهي تتمتع بمكانه اجتماعية متميزة داخل المجتمع .
... أما الارستقراطية وفقاً للموسوعة العربية (18) فهي تعني كلمة مركبة من كلمتين يونانيتين وتعني الفاضل أو الجيد وتعني القوة أو السلطة وكانت الكلمة من مدلولها الأصلي تعني حكم أفضل المواطنين لفائدة جميع الشعب فالارستقراطية إذن "حكم الأفضلين" وبهذا المعنى استخدمها أفلاطون في الجمهورية وارسطو وفي السياسة وكان كلاهما يعتقد أن الحكومة الارستقراطية أفضل انواع الحكومات وأكثرها عدلاً ولكنهما أدبدياً ارتياباً في قدرتها على الديمومة يقول أفلاطون في الكتاب الثامن من الجمهورية "إذا انحرفت الارستقراطية وتحول أبناؤها إلى إيثار الثروة على الشرف تحولت إلى الأوليغارشية (حكم القلة) (19) التي لبابها جعل الثروة أساس الجدارة وهوإثم فظيع ويعد أرسطو الارستقراطية حكومة الأقلية الفاضلة العادلة إلا أن الأوليغارشية فساد طبيعي لها .
وتجدر الإشارة إلى أن مفهوم أفلاطون للروح الارستقراطية مفهوم قيمي أكثر من كونه مفهوماً طبقياً فالارستقراطية حكم الأقلية الفضلى لأنها تضم المتفوقين أخلاقياً وعقلياً ويحكمون لخير الشعب .
إلا أن كلمة الارستقراطية استعملت بعد ذلك بتوسع واتخذت دلاله جمعية على قيادة أشخاص (شرفاء أو نبلاء أو كهنة) لدولة أو على مجموعة من أصحاب المنزلة متميزين في المولد أو الموهبة أو الذهن أو الغنى ويمكن الإشارة إلى مدلولات ثلاث للكلمة في استخدامها الشائع يدل الأول على حكومة سياسية تمارس فيها السلطة العليا طبقة اجتماعية ذات امتيازات وهي وراثية في معظم الأحيان ويدل الثاني على طبقة من النبلاء أو الإشراف أصحاب الامتيازات أما الثالث فأدبي وعام فلكل ميدان ارستقراطية وهم نفر قليل من الأشخاص يتمتعون بتفوق يميزهم في مجالهم (ارستقراطية الأدب أو الفن الارستقراطية الصناعية أرستقراطية المال الارستقراطية العمالية وهي الشريحة العمالية العليا التي تتكون من أكثر الفئات مهارة وأعلاها من مجموعة الطبقة العاملة والمنفصلة عنها من حيث التكوين الأيديولوجي والنفسي) .
والمبدأ الديموقراطي نقيض للمبدأ الارستقراطي والواقع أن كلمة ارستقراطية أصبحت تستعمل بصورة عامة بالمعنى الاجتماعي أكثر مما تستعمل بالمعنى السياسي ومنذ الثورة الفرنسية أسبغ المصطلح الثوري على كلمة ارستقراطية صفة انتفاضية تشير إلى زمرة من أصحاب الامتيازات بسبب مولدهم أو أملاكهم أو نقودهم وهم بسبب ذلك "جائرون وقمعيون وأعداء للشعب والأمة .
ومن ثم نرى اقتراب مفهومي النخبة والصفوة بل يكاد أن يمثلان مفهوماً واحداً فإن الارستقراطية تختلف عنهما تماماً فهي تنحصر في حكم أقلية تفتقر بأنها الأفضل بين الناس دون أن يكون لهذه الفئة تأثراتها على حركة المجتمع فضلاً عن أنها تنحصر فقط في صنف واحد هم الحكام ... دون أن يكون هناك فضائل أخرى سياسية أو مكانية ... إلخ
ربما يتساءل البعض عن العلاقة بين مفهومي النخبة والطبقة ... فماذا عن مفهوم الطبقة ؟
بداية فإن المقصود بالطبقة في هذه الدراسة الطبقة الاجتماعية ووفقاً للموسوعة العربية (20) يرى الأستاذ أديب عقيل أن استخدام مفهوم الطبقة الاجتماعية هو للدلالة على مجموعة من الناس تتشابه في جملة من الخصائص الاجتماعية والثقافية التي تميزها من غيرها من الجماعات المكونة للمجتمع ولغوياً كما جاء في الوجيز فإن الطبقه هي الجيل بعد الجيل أو القوم المتشابهون في سن أو عهد والمرتبه والدرجه وتطابقا بمعني توافقا وتساويا ( الوجيز ص 386 ) وعلى الرغم من ان استخدام المفهوم يعود إلى فترات زمنية بعيدة غير أن الدلالات العلمية التي ينطوي عليها تختلف باختلاف الرؤى الفلسفية للمجتمع وللعلاقات السائدة بين الأفراد المكونين له ويشير ثامر عباس في جريدة الصباح العراقية في دراستها " الطبقات الاجتماعية من حراكها الوظيفي إلى دلالاتها السياسية " (21) أنه غالباً ما اقترن مفهوم الطبقة الاجتماعية بظاهرة الصراع الطبقي التي شهدها المجتمع الأوروبي عشية انطلاق الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر على خليفة الانشطار الاجتماعي والاستقطاب السياسي والتخندق الأيديولوجي الحاصل في بيئة المجتمع الغربي آنذاك .
وتؤكد الموسوعة العربية (22) على أنه وفي الوقت الذي كان يستخدم فيه مفهوم الطبقات الاجتماعية بمعنى شمولي ليدل على التمييز بين الأثرياء والفقراء في المجتمع الواحد فيقال الطبقات الثرية أو الغنية والطبقات الفقيرة يأخذ التحليل الماركسي بالتمييز بين الطبقات الاجتماعية على أساس الموقع الاجتمعي الذي تشغله الشريحة السكانية في العملية الإنتاجية والطبقة بتعريف لينين "عبارة عن جماعة من الناس كبيرة العدد ، تتميز عن بعضها تبعا لموقعها في أحد أنساقالإنتاج الاجتاعي التاريخي وتبعاً لعلاقة كل منهما بوسائل الإنتاج وهي علاقة يمكن التعبير عنها وصياغتها في قوانين محددة واضحة وتبعاً لدورها في التنظيم الاجتماعي للعمل ومن ثم تبعاً لنوع حصولها على نصيبها من الثروة وحجم هذا النصيب .
ولما كانت الطبقات الاجتماعية تتباين في مواقعها بالنسبة إلى العملية الإنتاجية وبالنسبة إلى علاقاتها بوسائل الإنتاج فإن الطبقات التي تحظى بالمواقع الأقوى بالنسبة إلى الإنتاج هي المؤهلة لأن تكون المسيطرة اقتصادياً وغالباً ما تكون هي الطبقات المالكة لوسائل الإنتاج أيضاً والطبقات الاجتماعية ـ وفق هذا التصور ـ هي في حقيقة الأمر جماعات اقتصادية لا تخضع لتحديد قانوني أو ديني كما أنها مفتوحة نسبياً إذ تنتقل مجموعات من الأفراد من الطبقات العليا إلى الطبقات العليا إلى الطبقات الدنيا أو عكس ذلك تبعا لمجموعة واسعة من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية وغيرها .
يحدد ماركس الطبقة الاجتماعية بأنها جماعة من الأشخاص يؤدون العمل نفسه في إطار عملية الإنتاج ويعتقد أن وضع الإنسان داخل عملية الإنتاج يمثل بالنسبة له أخطر تجارب حياته التي تحدد معتقداته وأفعاله والطبقة عنده ليست جماعة كبيرة من الناس وحسب تشغل الموقع نفسه داخل البناء الاقتصادي للمجتمع إنما تتميز بوجود الوعي الذاتي شرطاً ضرورياً لدخولها في أي نضال سياسي اقتصادي ناجح ولهذا فإن من أهم سمات نظرية ماركس في الطبقة تحليله للتفاعل بين الظروف الموضوعية المشتركة للأفراد المحيطة بعملية الإنتاج من ناحية والمشاعر والأحاسيس التي يكونونها عن مواقفهم وعن اتجاهات الحركة الاجتماعية والسياسية بالنسبة إليهم من ناحية أخرى .
... وفقاً لرؤية جريدة الصباح العراقية السابقة الإشارة إليها (23) فإنها ترى أن جميع الطبقات الاجتماعية ذات المنزع السياسي تميل بالفطرة ـ أن صح التميز ـ صوب غواية السلطة التي يستلزم الإمساك بناصيتها والاحتفاظ بانتهاء انتهاج مختلف ضروب الممارسات والفعاليات التي تبتدىء بلغة الخطاب الإيديولوجي الهادىء وتنتهي بأسلوب الصراع السياسي العنيف الأمر الذي يضفى على مواقف تلك الطبقات ويسم أهدافها بطابع البرغماتية / النفعية تعبيراً عن تقاطع الإيرادات وتناقض الغايات وتعارض المصالح ، ويأخذ عدد كبير من علماء الاجتماع المعاصرين بدراسة الطبقات الاجتماعية بطريقة مختلفة ذلك أنهم يتناولون موضوع الطبقة بما تنطوي عليه من أبعاد نفسية واجتماعية بالنسبة إلى الأفراد وبما تنطوي عليه من وظائف بالنسبة إلى المجتمع بصورة عامة وبالنسبة إلى الطبقات نفسها خاصة (الموسوعة العربية ) (24) .
وتضيف الموسوعة إلى أن أميل دوركهايم ذهب إلى أن المجتمع الصناعي الحديث يتميز بالتعقيد الشديد ويعتمد على مجموعة من الأدوار الاجتماعية المتعددة والمتباينة التي يتعين على الأفراد اداؤها إذ يستمدون منها مكانتهم الاجتماعية التي تعطيهم الهيبة والاحترام وعليها تبني أشكال التدرج الاجتماعي وذلك لن الكائنات الإنسانية تسعى دائماً إلى إشباع ذواتها بما تناله من تقدير من الآخرين واعتراف متبادل بينهم ذلك أن المكافآت الاقتصادية بعد حد معين لا تكسب أهميتها في نظر الناس لذاتها بل بوصفها مؤشراً يرمز إلى المكانة الاجتماعية التي يتمتع بها الفرد .
وعليه فإن التدرج الاجتماعي ـ وفق هذا التصور يعد مظهراً أساسي من مظاهر المجتمع الحديث والتفاوت الطبقي وسيلة تؤكد أن أكثر الأوضاع الاجتماعية أهمية هي تلك التي يشغلها أكثر الأشخاص كفاءة وهناك عوامل عديدة تظهر أهمية التدرج الطبقي من وجهة النظر الوظيفية فالأوضاع الاجتماعية العليا تتطلب مؤهلات وكفاءات خاصة وتدريبات معمقة لا تتاح إلا لقلة من الأفراد وتصبح الندرة النسبية سبباً من أسباب التباين الطبقي . وتتمثل المعايير التي تقوم عليها تصنيفات الطبقات الاجتماعية في ثلاثة معايير أساسية تصنيف يأخذ بمعيار الدخل ونمط الاستهلاك وأسلوب الحياة عموماً ويقسم الطبقات في المجتمع إلى ثلاث عليا ومتوسطة وكادحة وتصنيف يقوم على معايير سياسية ومؤسسية ويقسم الطبقات في المجتمع إلى ثلاث حاكمة أو متنفذة ومتوسطة وكادحة وتصنيف ماركسي يقوم على العلاقة بوسائل الإنتاج ويقسم الطبقات في المجتمع إلى ثلاث برجوازية وبرجوازية صغيرة ومتوسطة كادحة .
إن مفهوم الطبقة يختلف جذرياً مع مفهوم النخبة أو الصفوة ... ووفق هذا التحليل فقد لا يكون بين طبقة ما نخبة أو صفوة يكون لها أي دور مجتمعي أو ذات تأثير في مجمل الحياة .
النخبة في العالم العربي :- (أ. الفترة السابقة لظهور الإسلام)
يرى الأستاذ / سامح المحاريق في دراسته (النخب العربية) الحوار المتمدن (31/8/2004) (25) أن فترة الجاهلية خاصة المتأخرة والسابقة لظهور الإسلام بحوالي مائة وخمسين عاماً لم تشهد نخباً عدا تلك التي استطاعت أن تمسك بزمام الزخم التجاري في طريق رحلة الشتاء والصيف بين الشام واليمن في المدينة ومكة وثقيف وكان طبيعياً أن تتعالى هذه النخب حتى على أكثر القبائل العربية شوكة وبالتالي فقد حملت القبائل الضغينة لأهل الحجاز وعبرت عنها حروب الردة وثورة الخوارج وأصبحت هذه القبائل تتصيد الغصاصات التاريخية لإثارة الشقاق وتهييج الناس ضد قريش على اختلاف بطونها بل وضد مضر بأكملها التي تشرفت باتتماء النبي (ص) لها واعتزازه بهذا الانتماء وفي فترة حياة الرسول يمكن القول أن النخبة كانت تتمثل في الصحابة ووجهاء الأنصار الذين بايعوا الرسول وكانت هذه النخبة تستند على علاقاتها المتميزة مع الرسول وتعمل وفقاً لرؤيته التي كانت تستند إلى ما ينزل عليه بعد الوحي وكانت سلطة الرسول وتعاليمه بمثابة دستور لهذا النخبة ولم يكن لها أية امتيازات على جمهور المسلمين ...وبعد وفاة الرسول وفقاً لما يذكره الأستاذ سامح المحاريق في دراسته المشار إليها أن سقيفة بني ساعدة أتت بسلطة قريش التي لا تقبل النقض أو النقاش لدى العديد من الفقهاء على مؤسسة الخلافة وأتت كذلك بنخبها الطفيلية التي سارعت إلى التحلق حول مؤسسة الخلافة والاعتداء عليها وأدت إلى تدمير مؤسسة الخلافة الراشدة في النهاية بنقلها لخلافاتها التي سبقت الإسلام إلى الواجهة وشهدت الفترة التي تبعت رحيل الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابتعاداً للنخبة الحقيقية من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم لأسباب تراوحت بين الزهد والصراع المرير على السلطة والذي أدى في النهاية إلى استشهاد عثمان وعلي وانتهاء عصر تداول السلطة في الإسلام بعد وصول الأمويين ومن بعدهم بني الياس إلى سده الحكم .
ويشهد تاريخ الدولة الأموية ومن بعدها الدولة العباسية ظهور النخبة المستندة على رعاية النص الديني والأسبقية للإسلام والتي سببت هزة في المجتمع العربي الذي تعود الأذعان لسلطة القبيلة وشيوخها ومنحهم على أصفائيهم ولم يستطع أن يهضم فكرة الدولة التي ترعى التوزيع العادل لمكاسبها على كافة أفرادها المتمثلين في جمهور المسلمين ولكن ذلك لم يمنع حفنة من الانتهازيين والتجار وأصحاب السلطان القدامي من الصعود بالتحايل على روح الإسلام وتكوين نخبة طفيلية هذه النخبة لم تكن طارئة بل كانت نخبة مراوغة وقديمة لم يتمكن الإسلام في صعوده من تقويضها والقضاء عليها وعلى قيمها والمفارقة أنها كانت الأكثر استفادة من الإسلام بعد أن كانت الأكثر ضراوة في حربها ضده إذ رأته تهديدا لامتيازاتها في مجتمع قريش القديم فالنبي (ص) لم يكن ينتمي إلى نخبة قريش وفق المعيار الجاهلي الذي حصر امتياز الانتماء إلى السادة أو النخبة التقليدية للثراء والقدرة على الاتفاق ببذخ فرأوا أن الدعوة إذ ما هي موجهة للعبيد وأرقاء الحال والفقراء لمزاحمتهم على الامتيازات والمغانم القبلية ولقد أدى فساد النخب خلال حكم الأمويين إلى قيام حركات الممانعه التي قادها الإمام الحسين بن علي زمن قبله ثورة الخوارج علي الاسلوب الذي كان سائداً في أختيار الخليفة ومن تصرفات الأمويين خاصة عقب وصول معاوية إلي الحكم بعد الخدعة الكبري ...ثم من بعد ذلك ما قام به القرامطة من حركات أحتجاجية ضج العباسيين في نهاية القرن التاسع الميلادي بما يعني فساد النخبة السياسية العربية خلال هذه المرحلة .
النخب العربية في العصور الحديثة :-
يقدم السيد / رياض الصبراوي في دراسة له تحت عنوان "ما الذي أفشل النخب السياسية العربية وجعلها عاجزة " (26) (مع ملاحظة أن الكاتب قصر رؤيته على النخبة السياسية دون غيرها من النخب ) رؤيته المتمثلة في مرور النخب العربية عبر حقبات ثلاث .
الحقبة الأولى : النخبة الإصلاحية
هي مرحلة بداية الوعي وبروز مفهوم الإصلاح مع مصلحين من أمثال رفاعة الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني وعبد الرحمن الكواكبي ومحمد عبده في مصر وخير الدين التونسي وأحمد بن ابي الضياف في تونس ويلاحظ الكاتب أن مصر كانت في كل الحقب المنبع الأول لحراك المخب السياسية ولنشأة الفكر السياسي وتطوره هذه النخبة كان لها مشروع إصلاحي يعتمد على الإجابة على سؤالين لماذا تقدم الآخر الغرب مثلاً في البلدان الأوروبية وتخلف الآنا ممثلاً في البلدان العربية والإسلامية ؟ وكيف يمكننا أن نتقدم نحن أيضاً ونستدرك التفاوت الهائل العلمي والسياسي بين الغرب والشرق ؟
وحدثت لهذه النخب تجربة إنسانية خاصة حيث سافر أغلبها إلى فرنسا للدراسة ضمن مشروع محمد علي باشا ومن بعده ورثته في إيفاد طلبة مصريين إلى باريس للتعلم وتوصلت إلى ضرورة التوفيق بين الإسلام وما حققه الغرب من تقدم أي ضرورة إحداث تركيب بين تراثنا الحضاري وديننا والحداثة التي أنجزها الآخر والتي لا يمكن التعامي عن تفوقها العلمي والسياسي فكانت نخباً إصلاحية توفيقية لعالمين مختلفين وكانت مواقفها السياسية مشرفة حيث اتسمت بالوطنية وشاركت الحاكم في السلطة حينا بهدف الإصلاح واختلفت معه أيضاً أحياناً لنفس الغاية .
ومع اكتمال احتلال فرنسا وبريطانيا للبلدان العربية وترسخه فيها برزت نخب جديدة هدفها هو الاستقلال وتحرير البلاد من الاستعمار من جهة ومن ثمة بناء الدولة الوطنية الحديثة .
الحقبة الثانية : النخبة الثورية :-
وهي المرحلة الممتدة من الحرب العالمية الأولى سنة 1914 وحتى وفاة الزعيم جمال عبد الناصر وهي التي شهدت اندلاع ثورة 19 في مصر وثورة رشيد على الكيلاني في العراق والهيات الثورية ضد الحكم الفرنسي في الشام والثورة المصرية التي فجرت لدى العرب كل معاني العزة والكرامة وتصدت بقوة وعزم لقوى الاستعمار العالمي والرجعية العربية (رأي الكاتب) إلى غاية إبرام الرئيس أنور السادات لاتفاقية كامب دافيد سنة 1979 وسنة لسياسة الانفتاح الاقتصادي تميزت هذه الحقبة بظهور الأفكار الثورية بدل الإصلاح بدعوى أنه يتطلب الكثير من الوقت بينما الثورة سريعة ويمكنها أن تنجز بسرعة .
وركزت أغلب جهدها على عملية التحرر الوطني من الاستعمار من جهة ثم بناء الدولة الوطنية من جهة أخرى واختار أغلبها النموذج الاشتراكي لسبب أن المعسكر الاشتراكي كان صديقاً لحركة التحرر العربي ودعمها بالمال والسلاح حيث استفادت الثورة الجزائرية (1954-1962)من هذا الدعم وكذلك مصر الناصرية وسوريا والعراق واليمن وليبيا ... وبخاصة الثورة الفلسطينية المسلحة .
تميزت هذه النخب رغم صراعاتها الداخلية وأخطائها الفادحة في كثير من الأحيان بالصدق والإخلاص الوطنيين ... حيث لم ينخر الفساد النخب إلا في المرحلة الثالثة .
الحقبة الثالثة : النخب وفسادها
النكسة الأولى التي منيت بها النخب العربية الحالمة بالتحرر وبناء الاشتراكية كانت في هزيمة يونيو 1967 حيث أصيب الحلم العربي السياسي في التحرر والوحدة بأضرار كبيرة لكنه حاول الصمود ومراجعة الذات ونقدها من أجل التدارك ورفعت حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل من سنة 67 إلى 1970 من معنويات هذه النخب وكذلك قمة الخرطوم التي رفعت الشعارات الثلاث (لا صلح لا اعتراف لا مفاضات) كما أعطى الانتصار النسبي للعرب في حرب أكتوبر / تشرين الأول 1973 آمالا كبيرة لكن حدثت تطورات دراماتيكية في جبهة الحكم في مصر غيرت من المشهد كلية فالرئيس الراحل انور السادات قرر أن 99% من أوراق الحل هي بيد الولايات المتحدة الأمريكية وأجرى صلحاً منفرداً إسرائيل توج باتفاقية كامب دافيد والأهم من ذلك انتهاجه لسياسة الانفتاح العشوائي الواسع وقيامه بضرب القيم القديمة لدى النخب والسعي لغرس قيم جديدة طفيلية .
فأحدثت بسبب ما يتمتع به من صلاحيات هائلة وبسبب الدعم القوي الذي تلقاه من الولايات المتحدة الأمريكية تحولا هائلاً لدى النخب السياسية المصرية أولا ثم انتقل النموذج المصري لأغلب البلدان العربية .
وفي دراسة لمنتديات روسيا اليوم تحت عنوان النخب السياسية العربية (27) .. أزمة مشروع أو هوية ترى الدراسة أن النخبة العربية مرت بعدة مسارات قبل وخلال وبعد حقبة الاستعمار وهي /
1. مرحلة النزوع للاستعمار / حين وجدت نفسها تعيش واقعاً عربياً مأساوياً ومتخلفاً على المستويين المدني والحضاري ووجدت أن الفرق صار