الدكتور عبداللطيف بوروبي
أستاذ بكلية العلوم السياسية ، جامعة قسنطينة 3.
الدبلوماسية و التفاوض
-مقدمة:
تعتبر مرحلة استقرار الإنسان في ظل جماعات بشرية الأثر في بلورة أفكار، وتصورات، ومعتقدات لأنماط معيشية تختلف من فرد لأخر، ومن جماعة بشرية لأخرى،ومن منطقة لأخرى،ومن فترة تاريخية لأخرى،بحيث كان هذا الاستقرار بهدف تلبية حاجيات ورغبات أنية أو الاستعداد لمواجهة تلك المستقبلية.إلا أنه اصطدم بمشاكل كانت الحاجة إلى تفاديها ،أو إيجاد حلول لها الإطار النظري الذي يحدد المجال الفكري والمعرفي لماهية أي موضوع من مواضيع دراستنا المرتبطة في ظل علاقة تكاملية ،ودون التحليل من منطلق اختزالي، بالبحث عن كيفية تنظيم الأفراد ،أو الجماعات على حد سواء لبعضها البعض في ظل اعتبار أن مختلف الظواهر التي تصنف ضمن خانة الفلسفة التنظيمية مترابطة ومتكاملة من حيث التفاعل أو الأهداف.
تفهم مختلف التصورات، والأفكار، والمعتقدات المحددة للفلسفة التنظيمية للمجتمعات البشرية في ظل ارتباط بمتغير تفسيري أساسي والمتمثل في عامل الاستقرار، الذي كان ولا يزال له الأثر البارز في ماهية التنظيم ومختلف أشكاله، أو أنواعه.
يظهر في عالم يقوم على نذرة في المواد الأولية أحيان ،أو قلتها ،أو غيابها تصور تناقضي من حيث أن الإشكالية تكمن في المفارقة التناقضية،من انه في ظل عالم يعاني من صعوبة في إيجاد طريقة لتلبية الحاجيات والرغبات المختلفة للأفراد أو الدول على حد سواء سينجر عن ذلك إمكانية ظهور لمشاكل نتيجة تضارب المصالح ،وتناقضها أحيانا .
تفسر المستويات العدة والمراحل المختلفة المرتبطة بالفلسفة التنظيمية للأفراد والجماعات والمحددة، إذن في ظل علاقة متناقضة قائمة على الحاجة /النذرة،و على اكتشاف القوانين ،وبناء النظريات ،كإطار للمعرفة المتعلقة
بتطور ظاهرة الدبلوماسية، فثمة حاجة إلى إيجاد حلول للمشاكل المطروحة.
تفهم ظاهرة الدبلوماسية في ظل عدة مقاربات وصفية متعددة الاختصاصات، حيث تظهر في دراستنا المقاربة القانونية الأقرب إلى الفهم من خلال:
تصور أول داخلي:يرتبط هذا التصور بمختلف القوانين المنظمة للجماعة البشرية، وكيفية تنظيم الأفراد داخلها، فتجد كل جماعة لنفسها تنظيم وفق مبادئ، وأسس، وقواعد معينة قد يختلف، أو يتشابه،أو يتناقض أحيانا مع الجماعات البشرية الأخرى . تصور ثاني خارجي:يقوم على تنظيم الجماعات البشرية بمختلف أشكالها، وأنواعها فيما بينها وفق عادات ،وتقاليد ،وأعراف ،وقوانين دولية المنظمة لشكل هذا التفاعل الدولي ،من خلال السعي إلى إيجاد الإطار القانوني المقبول من الجميع.
إن الهدف من التصور الأول، والتصور الثاني المزاوجة بين مختلف القوانين الداخلية المسيرة للأفراد داخل الجماعة في حد ذاتها، والقوانين الأخرى الخارجية المسيرة للتفاعلات الدولية بالبحث عن القاسم المشترك والمتمثل في سمو القانون الدولي على القانون الداخلي وخضوع الثاني للأول.
أ- مستويات التحليل:ترتبط مستويات التحليل في دراستنا بعدة مفاهيم مثل رجل الدولة، والسياسي ،والدبلوماسي ..وكيفية تفاعلهم على المستوى الداخلي والدولي.حيث مجال دراستنا محدد في إطار السياسة الدولية من منطلق الربط بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية،ومن ثم قايس الأثر والتأثير في بنية المجتمع الدولي من خلال :
1 /يحمل المستوى الأول من التحليل في طياته العناصر الفرعية التالية:
- أن مفهوم القانون الداخلي مرتبط بتنظيم المجتمع الدولي في ظل وحدات سياسية مستقلة.
- أن مفهوم القانون الداخلي مرتبط بتنظيم المجتمع الدولي في ظل تفاعل الوحدات السياسية فيما بينها.
- أن تنظيم المجتمع الدولي يقوم على تفاعل المستوى الداخلي والمستوى الخارجي من خلال المزاوجة فيما بينهما.
2/يحمل المستوى الثاني من التحليل في طياته العناصر الفرعية التالية:
- تركيزنا في الدراسة يكون على جزء والمتمثل في الدبلوماسية من كل الذي هو القانون الدولي.
- اختلاف مصادر القانون الدولي من خلال مقاربة تاريخية -الدراسة وفق فترات تاريخية متتالية محددة بعقلانية زمنية،ووفق الشروط،و الظروف التي أوجدت لنا مختلف التصورات المحددة لمفهوم القانون الدولي-
- الدراسة لآلية من آليات تنفيذ السياسة الخارجية والمتمثلة في الدبلوماسية، وأثرها في توجيه السياسة الدولية.
ب-أدوات التحليل:تعنى دراستنا بمجال معرفة مرتبط بآلية من آليات تنفيذ السياسة الخارجية، من جهة كأداة تنظيم لبعض من التفاعلات الدولية المحددة لبنية المجتمع الدولي،ومن جهة أخرى إيجاد حلول للمشاكل الدولية المطروحة،أو محاولة تفاديها .
تظهر الحاجة إلى الوسائل العلمية الممكنة و المتاحة التي تمكننا من فهم ،وتفسير مختلف التفاعلات الدولية والتي
تعنى بالجانب الأمني والسلمي .ففي ظل غياب نظرية عامة في العلوم الاجتماعية والإنسانية ،ستغيب عن الجزء والمتمثل في ظاهرة الدبلوماسية ،وليس العكس. ج-مستويات النقد: نحاول في المرحلة الأخيرة من بحثنا ،والمرتبطة بالمقاربة الغائية من التحليل ،وضع إطار
للتقييم من خلال انتقاد مستويات التحليل في حدا ذاتها ،أو انتقاد الجزء والمتمثل في المقاربة التي انطلقنا منها،أو ننتقد النتيجة التي وصلنا إليها،إذن حتى النقد مستويات.
الفرضيات:يمكن أن نبلور مجموعة من الفرضيات تختلف باختلاف مراحل الدراسة التي تتفاعل في ظل كل والمتمثل في الإطار النظري للدراسة من خلال وضع:
- الفرضية: من نوع ...إذا كان ...فإن...
- الفرضية: من نوع ...فإن...فإن...
- الفرضية: من نوع إذا حدث أ في س يحدث ب في ع.
المنهجية :نعتمد في دراستنا على خطة تحليل تاريخية من خلال التركيز على تطور ظاهرة الدبلوماسية من فترة تاريخية لأخرى وفق عقلانية زمنية محددة للظروف والشروط التي أوجدت الظاهرة،وهذا لا يمنعنا كذلك كإضافة من الاعتماد على خطة جدلية والقائمة على اعتبار أن الدبلوماسية تفهم في مرحلة السرية،ومرحلة مناقضة لها وهي مرحلة العلنية ،ويمكن الاستعانة كذلك بخطة تصنيفية من خلال اعتبار أن الدبلوماسية تصنف ضمن خانة آلية من آليات تنفيذ السياسة الخارجية.
المنهج:يغلب على دراستنا لتتبع تطور ظاهرة الدبلوماسية،استقراء التاريخ من خلال فترات تاريخية متعاقبة ومتتالية ،حيث يظهر المنهج التاريخي الأقرب إلينا،فالدراسة تكون وفق تصور شمولي من خلال اعتبار أن مختلف الظواهر التي تعنى بالجانب السلمي والأمني في العلاقات الدولية تصنف ضمن خانة الدبلوماسية ،ولا نستني ظاهرة عن أخرى ،وإنما نعتبرها مكملة لبعضها البعض،وتشكل ماهية هذه الأخيرة.
الأهداف:يقوم التحليل للظواهر المتفاعلة في السياسة الدولية في عالم ميزته الندرة في الموارد الأولية، والحاجة والرغبة في تحقيق المصالح الوطنية للوحدات السياسية والامتدادات الصادرة عنها، على تصور للكيفية الأنجع التي تمكننا من تحقيق التوزيع المتكافئ لهذه الموارد وفق تصور للمصالح المختلفة للدول ،من خلال تصورين أما سيكون ذلك عن طريق الصراع والحرب ،أو عن طريق السلم والتعاون.
إن تنظيم الفواعل الدولية المختلفة في بنية المجتمع الدولي تحدد بشكلين أساسين من التفاعلات إما بالتعاون الدولي،أو بالصراع الدولي .تركيزنا في الدراسة يكون على الآلية الأولى لتحقيق الأهداف المرجوة، من خلال اعتبار أن الأصل هو التعاون والحرب استثناء حيث يغلب على التحليل المنظور الإيجابي بالتركيز على الوسائل السلمية في العلاقات الدولية، أي دراسة الدبلوماسية ومختلف المؤثرات الموجهة للظاهرة
مفهوم الدبلوماسية:تقوم الحالة الطبيعية للسياسة الخارجية للوحدات السياسية المختلفة، ومختلف الفواعل الدولية الأخرى في السياسة الدولية على طبيعة سلمية تعتمد في إعدادها على مفاهيم، وتصورات كالدبلوماسية، والتي تعتبر ذات أهمية في تحديدها.
يفسر تطور الدبلوماسية وفق عقلانية زمنية، محددة بتطور العلاقات الدولية باعتبارها جزء من هذا الكل.تعتبر مرحلة استقرار الإنسان في ظل جماعات بشرية، مرحلة أساسية من مراحل الفلسفة التنظيمية للإنسانية،حيث المرحلة الثانية مرتبطة باحتكاك الجماعات البشرية ببعضها البعض وإدراكها للقيم المشتركة وأحيانا التشابه أو للاختلاف ،وأحيانا التناقض ،والتي يمكن أن تكون سببا للصراع والحرب.
تحدد ماهية الدبلوماسية من خلال المراحل التاريخية المتعاقبة والمتتالية ،وفق إطار معرفي محدد بقواعد ،وقوانين التراكم المعرفي ،والذي أعلى مراحله هو اكتشاف القانون المحدد للتفاعلات المرتبطة بمفهوم ظاهرة الدبلوماسية،والمتمثل في القانون الدبلوماسي ،والذي هو جزء من الكل والمتمثل في القانون الدولي.
إذن تقوم الدبلوماسية كظاهرة ،أو كتصور على مايلي :
- أن ماهية الدبلوماسية تحدد وفق تصور معرفي قائم على البحث والتقصي في التصورات العلمية.
- أن مفهوم الدبلوماسية يحدد وفق معاهدات واتفاقيات دولية، فسرت الإطار والمجال الذي تتفاعل فيه.(اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية 1961،واتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية 1963،واتفاقية فيينا للبعثات الخاصة 1969،واتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لخاصة بالمنظمات الدولية1975)
- أن مفهوم الدبلوماسية يرتبط ببعض المفاهيم الأخرى مثل رجل الدولة، والدبلوماسي، والسياسة الخارجية، والسياسة الدولية.
- أن مفهوم الدبلوماسية هو جزء من العلوم الاجتماعية والإنسانية،حيث تأثر على مفهوم بعض العلوم الأخرى مثل الاقتصاد،والاجتماع،والانتبرولوجيا...
بعد قيامنا بتحديد الخطوات المنهجية التي يقوم عليها البحث العلمي ،والمتمثلة في تحديد الإشكالية ،و الكيفية التحليلية التي سنتناول من خلالها ظاهرة الدبلوماسية ،نحتاج إلى تحديد هذا المفهوم من خلال تحديد المقاربة المفاهيمية والتي تعتبر مدخل إلى الدراسة من المداخل النظرية الممكنة والمتاحة .
تقوم مقدمتنا على مايلي:
- طرح إشكالية.
- طرح تساؤلات.
- فرضيات.
- منهجية .
- منهج.
- أهداف الدراسة.
2- المقاربة المفاهيمية: يقصد بالمقاربة المفاهيمية التأصيل للمفهوم من خلال تحديد المرجعية الفكرية
والمعرفية التي حددت مجال الدراسة،ومختلف الأفكار والتصورات التي قام عليها ،من منطلق تحليل تركيبي ،وتطوري ،وبنائي.
تعريف الدبلوماسية:نحتاج في تعريفنا لظاهرة الدبلوماسية إلى تحديد المقاربة المفاهيمية،والتي تقوم على ثلاثة مستويات حيث المستوى الأول مرتبط بالدلالة اللغوية،أما المستوى الثاني مرتبط بالدلالة الاصطلاحية،وفي الأخير المستوى الثالث مرتبط بقياس الأثر والتأثير بين المفاهيم من خلال مفهوم الدبلوماسية وبعض المفاهيم الدالة عليه.
الدلالة اللغوية:يعتبر الاشتقاق اللغوي لمفهوم الدبلوماسية من اللغة اليونانية والذي معناه DIPLOMA ،والذي مصدره الاشتقاقي DIPLOME والذي يعني الوثيقة الرسمية التي تصدر عن السلطة الحاكم ?،والتي تمنح لحاملها حصانة معينة ،ومزايا .
حسب هارولد نيكولسن أنها مشتقة من اللغة اليونانية DIPLONEوالتي تعني فعل الطي أو طوى مستشهدا باستقراء التاريخ أنه في مرحلة هيمنة الإمبراطورية الرومانية ،كان المرور عبر أراضيها يكون بمنح لأشخاص معينين صفائح معدنية مطوية ذات وجهين مخيطين سويا بطريقة خاصة على نقيض التعريف الأول ،والذي ذهب أن الفعل DIPLONE من أصل إغريقي دخل على اللاتينية ومعناه وثيقة مزدوجة.
في تعريف أخر تعرف الدبلوماسية على أنها مشتقة من DUPLICATA ،وهي نسخة عن الأصل باعتبار أن الأصل يبقى عند الحاكم أو السلطة الحاكمة – نسخة عن الأصل- والأخر يمنح للشخص الذي يحملها.
ذهب راؤول جينيه أن المفكر الروماني شيشرون 106 /43 ق.م استخدم مصطلح دبلوما بمعنى التوصية الرسمية التي تمنح لحاملها القادم إلى الإمبراطورية الرومانية مزايا وعناية خاصة.
نستنتج إذن مما سبق أن الدلالة اللغوية لمفهوم الدبلوماسية في إطار تحليل شمولي دون إقصاء للظواهر المشكلة له، ذات أصول لاتينية وتدل على الوثيقة،أو جواز السفر ،أو حق المرور.فهو كتابة على صفيحة معدنية مطوية ،و استعمل المفهوم في ظل تصورين يمثلا المستوى الأول المرتبط بالدلالة اللغوية :
- في اللغة اللاتينية ثم ربطها بالوثيقة ذاتها ،وما تمنح لحامليها من حصانة ،ومزايا ،وعناية خاصة.
- عند الرومان ثم ربطها بحامل الوثيقة.
- أما في اللغة الإنجليزية فهناك غياب للإجماع حول تعريف الدبلوماسية. فهناك من عرفها بإرجاعها إلى سنة 1796.( الأستاذ نوملين).على النقيض الأستاذ أرنست ساتو من ذلك هناك من يرجعها إلى فترة تاريخية أبعد من ذلك إلى الحرب الأهلية في بريطانيا ،وحرب الثلاثين عام 1618- 1648وبالتحديد (1645) . - أما في اللغة الفرنسية فهناك شبه إجماع من أن أول من أستعمل هذا المصطلح كان من قبل
RICHELIEU عندما كان يعمل كوزير خارجية للويس 14 في القرن السابع عشر،وكانت تشير إلى مفهوم Envoyé ،والذي في محتواه هو دلالة وإشارة إلى مفهوم أخر ذو أصل لاتيني والمتمثل في Missius ،أو مفهوم Légatus والذي كان يدل على الشخص الذي يرسل في مهمة .أما مصطلح سفير فكان يدل على كنية ،والتي مفادها أن يكون خادما أو أن يكون تابعا ،وهو اللقب الذي كان يمنح لممثلي الملوك.
إذا اعتبرنا أن مفهوم الدبلوماسية سواء في اللغة الإنجليزية أو اللغة الفرنسية يقوم على إجماع أو دون ذلك،فإن في اللغة الإسبانية كانوا أول من أستخدم مصطلح سفارة أو سفير بما للدلالة من معاني متداولة حديثا،حيث المفهوم مأخوذ من الفكر الكنسي،والذي يعني AMBACTUS،والذي يشير إلى الشخص التابع أو الخادم لambassy ،والتي تعني السفارة .
تعرف الدبلوماسية في اللغة العربية حسب ابن منظور في لسان العرب يعرف السفر:هو الرسول المصلح بين القوم، فأسفر ،وسفر بين القوم ،إذا أصلح.
في تعريف أخر فإن مفهوم الدبلوماسية يشار إلى مفهوم الكتاب، حيث ذهب الشيباني في كتابه السير الكبير،حيث قال :أرأيت الرجل من أهل الحرب يوجد في دار الإسلام فيقول أن رسول ويخرج كتاب الملك معه؟قال :إذا عرف أنه كتاب الملك كان آمنا حتى يبلغ رسالته ويرجع ،وان لم يعرف أنه كتاب الملك فهو هالك وجميع من معه.
نستنتج مما سبق أن مفهوم الدبلوماسية لغة يعاني من غياب الإجماع ،رغما أن المفهوم في محتواه ودون الفصل بين الظواهر من منطلق تحليل تطوري بنائي ذو طابع تركيبي يعنى بالجانب الأمني والسلمي في العلاقات بين الأفراد أو الدول.إن مفهوم الدبلوماسية مرتبط بمفهوم أخر والمتمثل في السلم .إن لفهم ماهية مفهوم الدبلوماسية ،يجب فهم مفهوم السلم و الأمن،من منطلق قياس الأثر والتأثير بين المتغيرات.
الدلالة الاصطلاحية:استنتجنا غياب الإجماع حول توحيد وتحديد ماهية مفهوم الدبلوماسية لغة،فهل سينعكس ذلك على الدلالة الاصطلاحية؟ يكون ذلك من خلال التركيز على العوامل المحددة في كل
تعريف.
عرف معاوية بن أبي سفيان العلاقات السلمية الودية (الدبلوماسية بمفهومها الحديث)من منطلق أن: لو أن بيني وبين الناس شعرة لما قطعتها ،إن أرخوها شددتها ،وإن أرخوها شددتها.يركز هذا التعريف على طبيعة العلاقة التي يجب أن تكون بين الحاكم والمحكوم شبيهة بحالة اللاحرب واللاسلم،حيث العامل المحدد في هذا التعريف هي العلاقة. ذهب ارنست ساتو في تعريف الدبلوماسية :أنها استعمال الكياسة ،والذكاء في إدارة العلاقات الرسمية بين حكومات الدول المستقلة. يركز هذا التعريف على الفرد كعامل محدد في بلورة العلاقات، ومن ثم التركيز
على الاستعدادات الفطرية والمكتسبة للدبلوماسي.
أما شارل كالفو فيعرفها على أنها :علم العلاقات القائمة بين مختلف الدول وفن التفاوض ،فهي ذات تحليل مركب ينشأ من تفاعل مفاهيم مثل المصالح ،القانون الدولي.. يركز هذا التعريف على الفرد كعامل محدد من خلال استعداداته الفطرية والمكتسبة هذا من جهة، ومن جهة أخرى على إدراك العلاقات بين الأفراد والدول.
كما يعرف بردييه فودرير الدبلوماسية :هي فن تمثيل الحكومة ومصالح البلد تجاه الحكومات والبلدان الأجنبية.إن العامل المحدد في تعريف الدبلوماسية هو اعتبارها كفن.
أما راؤول جنيه يعرفها:ََفن تمثيل الحكومة ورعاية مصالح البلاد لدى الحكومة الأجنبية والسهر على أن تكون مصالحها مضمونة ًًًَ.حيث التركيز في هذا التعريف على اعتبار أن الدبلوماسية تعنى بإدارة الشؤون الدولية .
تعتبر الدبلوماسية إذن طريقة في إدارة العلاقات الدولية عن طريق المفاوضات،فهي تفهم في ظل التصورات المختلفة المحددة للمفهوم كفن ،وكعلم ،وكلاهما. حيث من الدلالة الاصطلاحية نستنتج:
- أنها علم وفن تمثيل الدول.
- آلية من آليات تنفيذ السياسة الخارجية.
- الدبلوماسية سلك ومهنة الدبلوماسي.
الدبلوماسية وبعض المفاهيم الدالة عليها:استنتجنا مما سبق أن مفهوم الدبلوماسية يغيب عنه الإجماع في جانبه اللغوي والاصطلاحي ،هذا ما يجعلنا نتساءل هل يؤثر ذلك على المفاهيم الدالة عليه من حيث التشابه ،أو التداخل ،أو التكامل ؟
الدبلوماسية والقانون الدبلوماسي:تعتبر الدبلوماسية آلية من آليات تنفيذ السياسة الخارجية، فهي جزء من العلاقات الدولية، والتي تحدد بهيكل تنظيمي والذي هو القانون الدولي.فأسبقية الكل على الجزء من حيث الوجود تجعل من القانون الدولي هو الكل الذي وجد في ظله القانون الدبلوماسي،فهو الهيكل التنظيمي الذي تحدد في ظله العلاقات الخارجية للدول،بحيث يقوم على مجموعة المبادئ القانونية الموجهة لتنظيم العلاقات الخارجية للوحدات السياسية والفواعل الدولية الأخرى.أما الدبلوماسية هي طريقة إدارة الشؤون الخارجية لمختلف الفواعل الدولية المشكلة لبنية المجتمع الدولي . إن طبيعة العلاقة بين القانون الدبلوماسي والدبلوماسية هي ذات طبيعة تكاملية من منطلق أن التحليل لمختلف الآليات التي تحدد السياسة الخارجية تفهم في ظل تحليل شمولي بالبحث عن السلم والأمن الدوليين ،
ولا يكون بالفصل بين الظواهر والمفاهيم .
الدبلوماسية والتاريخ الدبلوماسي: تقوم المعرفة المرتبطة بالجانب الدبلوماسي ،حول فلسفة تنظيمية لمختلف المراحل التاريخية المرتبطة باستقرار الإنسان في ظل جماعات بشرية ،و عبر فترات تاريخية متتالية ومناطق مختلفة من حيث التطور الذي يقوم على طبيعة بنائية مركبة .فطبيعة العلاقة بين المفهومين ذات طبيعة مترابطة تلازمية من حيث الظهور ،بحث التاريخ الدبلوماسي هو استقراء لتطور المفهوم (الظاهرة) من منطلق تحليل تركيبي.
الدبلوماسية والسياسة الخارجية:تعتبر الدبلوماسية آلية من آليات تنفيذ السياسة الخارجية، فالطريقة التي تحضر بها كجزء من السياسة العامة للدولة من رسم، وصناعة، وتنفيذ، وتجسيد هو إعداد ضمنيا لمختلف التوجهات الدبلوماسية.
نستنج مما سبق أن مفهوم الدبلوماسية يفهم في ظل مقاربة مفاهيمية تحدد بثلاث مستويات:
- يفهم مفهوم الدبلوماسية في ظل نقاش نظري،حيث المقارنة لمختلف الأفكار التي أسهمت في تطوره.
- يقوم مفهوم الدبلوماسية في ظل المزاوجة بين النقاش النظري والممارسة.
- يعتبر مفهوم الوظيفة الدبلوماسية العامل المحدد في تطور الظاهرة .
- يفسر مفهوم الدبلوماسية وفق مستويات تحليل مختلفة تختلف باختلاف المنطلقات، والأهداف المرجوة من البحث.
- يعتبر القانون الأداة التحليلية الأقرب إلينا لدراسة تطور المفهوم ،من منطلق هيمنة الطابع القانوني في دراستنا.
- نعاني من صعوبة في ظل غياب الإجماع حول مفهوم الدبلوماسية ،فهو مفهوم مركب ،ومعقد ،يغيب عنه التوحيد والتحديد.
3- المقاربة التنظيمية:يقصد بالمقاربة التنظيمية اعتماد طريقة تحليل وفق منطلق تبني طرح وليس إصدار حكم ،حيث المنهجية المتبعة والأهداف المرجوة القائمة على منطلقات معينة تحدد لنا ذلك.يقوم بحثنا بالاعتماد على خطة تاريخية، مع وجود ضمنيا للخطط أخرى ممكنة كالخطة التصنيفية، والخطة الجدلية.
التطور التاريخي لمفهوم الدبلوماسية: يعتبر استقرار الإنسان في ظل جماعات بشرية العامل المحدد في تطور مفهوم الدبلوماسية،بحيث لا يمكن تحديد هذا التطور إلى وفق خطة تاريخية قائمة على تتبع مختلف المراحل التاريخية المتتالية للتطور من منطلق اعتبار أن كل الظواهر ،والمفاهيم السابقة الذكر تشكل لنا الإطار الفكري للدراسة ،ولا تكون وفق تصور اختزالي ،وإنما تحليل تركيبي ،وتطوري ،وبنائي.
الدبلوماسية البدائية:يعتبر ظهور مفهوم الدبلوماسية كظاهرة ملازمة للاستقرار الإنساني، تصور قديم عند
البعض من المفكرين، على النقيض من ذلك هناك اعتقاد سائد عند البعض الأخر من أنه تصور حديث. كيف ذلك؟
التصور الأول :يمثله كورنيليوس بلاغا،والذي مفاده أن الدبلوماسية ظهرت بظهور البعثات الدبلوماسية الدائمة ،والتي أحسن نموذج لها هو التبادل التاريخي بين الكرسي البابوي في القرن 13 ،حيث كانت المدن الإيطالية مزدهرة وبلورت فيما بينها علاقات ودية وسلمية (مدينة البندقية كمثال) هناك اعتقاد ثان من أن الدبلوماسية ظهرت بعد نهاية حروب 100عام،في نفس السياق هناك اعتقاد ثالث في التصور الأول من أنها وليدة العصر الحديث مع ظهور الدبلوماسية العلنية.
إن الدبلوماسية هي أسلوب من التطور للأنماط المعيشية المختلفة ،ولا يمكن اعتبار أن الأمثلة هي حجج ،فهي تفهم في تطور السياسة الخارجية ،والتي تفهم في تطور كل والمتمثل في الأنظمة السياسية المختلفة،والتي بدأت التشكل منذ القديم وليست وليدة العصور الوسطى أو الحديثة.
التصور الثاني:يمثله مجموعة من الباحثين من أمثال هارولد نيكولسن ، عكس التصور الأول ينطلقون من أن الدبلوماسية هي وليدة مرحلة الاستقرار البشري ،فظهور رغبات وثمة حاجة إلى تلبية حاجيات يقوم على فلسفة تنظيمية معينة تختلف من مجتمع إلى أخر ،ومن فترة تاريخية إلى أخرى .يعتبر ظهور نظام العلاقات بين الجماعات ،العشائر ،والقبائل كحجة عن ذلك.فوجدت أثار ودلائل تاريخية في مناطق مختلفة من المعمورة مثل الألواح الأشورية،وأثار في الصين ،والهند ،والإغريق ،والرومان ،وجدت منذ 3500 ق.م أكدت على مايلي :
- وجود أشكال لعلاقات ودية وسلمية.
- وجود لعلاقات تمارس وفق ضوابط قانونية.
- أن الدبلوماسية هي وليدة ظهور مفهوم النظام السياسي، واعتبارنا أن النظام القبلي هو كذلك.
- أنمن مميزات الدبلوماسية القبلية أنها تظهر عند الإعلان عن تولي زعيم جديد للسلطة،أو تتويج ملك ،أو وفاة ملك.
- تبرز علاقات ذات طبيعة دبلوماسية بمفهومنا الحديث بهدف المصاهرة،أو الزواج .
- تبرز علاقات ذات طبيعة دبلوماسية لغرض الدعوة للصيد أو الأعياد.
- تبرز علاقات ذات طبيعة دبلوماسية لإعلان السلم أو الحرب،أو عقد صلح .
- إقرار لمبدأ الحصانات والامتيازات.
- يقوم بهذا النوع من النشاط الدبلوماسي في فترة تاريخية الكاهنة ،وهناك ن استعمل النساء خاصة بعض القبائل الأسترالية في فترة تاريخية.
الدبلوماسية في المجتمع الأسيوي القديم:وجدت في هذه الفترة التاريخية بعض الأدلة على وجود نوع من التفاعلات القائمة على علاقات ودية سلمية بين المجتمعات،مثلا في بلاد ما بين النهرين قبل 3000 عام ق.م احتوت على بعض النقوش المسمارية فيشكل مخروطات ،كالاتفاق بين مدينة لاغاش و أوما من جهة ،ومن جهة أخرى مدينة شط الحي من مدن بابل من جانب أخر 2850ق.م,حيث وجدت أكثر من 16 اتفاقية كان أولها الاتفاق بين مصر وبابل سنة 1450 ق.م ،تدون هذه الاتفاقيات على ألواح فضية ،وجاءت مثلا معاهدة قدش 1278 ق.م بين الفراعنة والحثيين تنص على مايلي:
- منح أهمية للمبعوثين.
- ظهور مبادئ مثل الاحترام المتبادل لأراضي الطرفيين، وصيانة التحالف والدفاع المشترك.
- أهمية عدم النكت بالعهود للطابع الديني الذي صبغت به المعاهدة.
- أن هذه المعاهدة جاءت في شكل مقدمة،صلب موضوع وخاتمة .
الدبلوماسية في حضارة الشرق القديم
الهند القديم والصين القديم):
كان لقانون مانو منذ القرن 10 ق.م في الهند القديم الأثر الجلي في تحديد الفلسفة التنظيمية لمفهوم الدبلوماسية،حيث كان له عداء للأجانب وظهرت أفكاره في : -أن من يتولى العمل الدبلوماسي كسفير يجب أن يكون يتمتع ببعض القواعد الدينية والتي كانت تعرف
ب ألتا ساسترا.
- حسب المادة65 من قانون مانو إعلان الحرب والسلم يكون على عاتق السفير.
- أن يتمتع السفير باستعدادات فطرية من كياسة، وذكاء لمساعدته على الإلمام بمشاريع الآخرين.
أما في الصين القديم كان لكونفوسيوس في القرن 06 ق.م الأثر الكبير في بلورة و تحديد الفلسفة التنظيمية لمفهوم الدبلوماسية ،حيث دعا إلى الكيفية التي يتم على أساسها اختيار السفير بأن يكون يتمتع باستعدادات فطرية وأخرى مكتسبة على أساس الكفاءة .
نستنتج مما سبق أن العامل المحدد في تحديد البناء التطوري للمفهوم يقوم على أساس اعتبار الدين كدافع ذاتي لأي نشاط دبلوماسي.
الدبلوماسية عند الإغريق: تقوم دراستنا للدبلوماسية وفق منهجية مرتكزة على خطة تاريخية ،حيث تظهر الدراسة عبر فترات تاريخية متتالية ،لكل فترة ظروف وشروط أوجدتها.إلا أن نلحظ في دراستنا للدبلوماسية اليونانية أنها تقسم إلى ثلاثة فترات تاريخية مختلفة داخل نفس الفترة.
المرحلة الأولى مرحلة المنادينHerault: تعرف هذه المرحلة بتسمية أخرى وهي حملة الأعلام البيضاء.حيث كانت تقوم على اختيار أشخاص يتمتعون باستعدادات فطرية من صوت مسموع جهوري وذاكرة قوية ،دورهم يكمن في تبليغ المواطنين اليونانيين عن رغبات الحاكم حول موضوع معين ،أما عن الرعاية الدينية التي كانت يخضعون لها فهي رعاية الإله Hermes وهو إله السحر ،والخديعة ،والمكر ،والخيانة عند اليونان القدامى.
المرحلة الثانية مرحلة الخطباء Aurator: يتم اختيار من يقوم بالنشاط الدبلوماسي في هذه المرحلة من بين الأفراد الذين يتمتعون بكفاءة كالخطباء، والفلاسفة، والحكماء،فهذه المرحلة أكثر تنظيما من المرحلة التي سبقتها.
المرحلة الثالثة مرحلة تطور المدن اليونانية: عرفت المدن اليونانية ازدهارا كبيرا في شتى المجالات أنعكس على النشاط الدبلوماسي، حيث ظهر نوع من الأشكال التنظيمية الشبيهة بدبلوماسية البعثات الدائمة من خلال:
- ظهور لأنماط تنظيمية مرتبطة بحالة السلم بين المدن اليونانية، تجلت في استمرار التعامل وفق معاهدات تقر بإبقاء الدبلوماسيين المبعوثين.
- ظهور لأنماط تنظيمية مرتبطة بحالة الحرب بين المدن الإغريقية بحيث كان لها تنظيم خاص قائم على القواعد والضوابط التالية: حرمة المعابد والملاعب، وان الجرحى والأسرى يتلقون معاملة خاصة،ولا يتعدى عليهم .
نستنتج مما سبق أن دبلوماسية اليونان لها خصائص:
- غياب مفهوم الدبلوماسية الدائمة لأن المبعوث الدبلوماسي يعين لمدة زمنية محددة، ولموضوع محدد.
- أن المبعوث الدبلوماسي يكون معين من قبل الجمعية العامة لدولة المدينة.
- أن المبعوث الدبلوماسي كان ينظر إليه بنظرة ريب وشك، حيث لا يبعث وحده وإنما في جماعة من الأفراد يمثلون مناطق مختلفة من دولة المدينة.
- أن المبعوث الدبلوماسي يتمتع بحصانة (مدنية وجنائية) و امتيازات خاصة.
- كانت تمنح لهم تراخيص سفر هي الضامن لنفقاتهم.
- أن المبعوث الدبلوماسي لا يجب أن يقبل الهدايا مدة القيام بمهامه في البلد الموفد إليه.
- كان للدبلوماسية اليونانية فيما بعد الأثر الكبير في ظهور الفلسفة التنظيمية للدبلوماسية الدائمة.
الدبلوماسية عند الرومان: استفاد الرومان من الزخم الفكري الذي قدمه الفكر اليوناني، كما هو الحال بالنسبة للنشاط الدبلوماسي ،حيث اعتمدوا على فكر واقعي بعيد عن عامل المثل اليوناني (رغم تأثير الفكر اليوناني على الفكر الروماني )من خلال تطبيقه لأفكارهم في واقع ليس بواقع دولة المدينة،حيث انطلقوا من أهمية فكرتي القوة والمصلحة في تحديد لأي شكل من التعاملات الخارجية، (في ظل انقسام العالم إلى قانون لروما و قانون للأجانب).
جاءت أفكارهم الدبلوماسية في ظل سياسة واقعية تقوم على :
- يقوم المبدأ العام في تحليل الدبلوماسية على القوة في التعامل .
- أعطوا أهمية للنظام على فكرة النظام .
- أن المسئول عن النشاط الدبلوماسية هو مجلس الشيوخ الذي كان له ديوان لتسير الأمور الخارجية،ثم تطور التصور مع إدخال الأباطرة إلى جانبه في تسير الشؤون ، لكن الثاني يخضع للأول.
- تكمن أهمية مجلس الشيوخ في إعلان الحرب والسلم ،كما أنه هو المسئوول عن استقبال السفراء أو رفضهم.
- تتكون البعثة الدبلوماسية من مجموعة أفراد يتراوح عددهم ما بين 3إلى 10، حيث تشكيل البعثة لم يعد يحتوي ممثلي الأحزاب كما كان عند اليونان.
- أن المبعوث الدبلوماسي يتمتع بحصانة (مدنية وجنائية) و امتيازات خاصة لأن المسؤولية تكون في بلده الأصلي، ثم تطور المفهوم ليشمل موظفيهم ،ومراسلاتهم، و اتصالاتهم ،وخدمهم ،و مجبرون عن تقديم تقارير عن مهامهم لمجلس الشيوخ.
- الدبلوماسية عند البزنطيين:انقسمت الإمبراطورية الرومانية بعد انهيارها في القرن 05 ميلادي إلى غربية عاصمتها ميلانو ،وشرقية عاصمتها القسنطنطنية.فبرزت دول أخرى عملت على إقامة علاقات مناقضة لسياسات روما ،من ذلك بيزنطة التي بلورت فكر دبلوماسي قائم إقامة علاقة ودية سلمية مع باقي الدول ،في ظل ظهور لمفهوم توازن القوى بين الدول الموجودة آنذاك(الفرس والعرب ) ،حيث كل طرف العمل على كسب امتدادات جديدة من خلال التفاوض والسلم لا الحرب ،وجاءت دبلوماسية البيزنطيين بالخصائص التالية:
- العمل على إقامة علاقات ودية سلمية من خلال إتباع إستراتيجيات هجومية مثل التفرقة وإثارة التنافس بين الشعوب من أجل إضعافهم.
- العمل على نشر المسيحية عكس الرومان كوسيلة من وسائل السلم والتعاون لكسب الشعوب.
- إدخال الاحترافية في النشاط الدبلوماسي من خلال إيجاد نخبة تعمل بطريقة سلمية على الامتداد للنفوذ البيزنطي.
- إيجاد مؤسسات جديدة منوطة بالعمل الدبلوماسي من خلال إنشاء ديوان خاص بالشؤون الخارجية وديوان خاص بالأجانب.
- أن من يمتهن النشاط الدبلوماسي يتحمل نفقات المدة التي يقضيها في البلد الموفد إليه من خلال حمل بعض السلع لبيعها والاستفادة منها هذا من جهة،و إقامة علاقات تجارية مع البلد الموفد إليه من جهة أخرى.
الدبلوماسية في المجتمع العربي الإسلامي: عمل العرب منذ القديم على إقامة علاقات ودية سلمية مع الجيران لطبيعة تعاملاتهم والمرتكزة على العلاقات التجارية، والتي تحتاج إلى التفاوض وحسن المعاملة لا القوة.أما عند العرب المسلمين فاتخذت العلاقات طبيعة متشابهة الأهداف مزدوجة الوسائل، تجلت في الكيفية التي تنظم بها دار الإسلام، والكيفية التي تنظم بها دار الحرب(المجال الذي يحدد النشاط الدبلوماسي ذو طبيعة مغلقة دار الإسلام/دار الحرب).فكيف نحلل هذين التصورين؟
- التصور الأول:يقوم هذا التصور على اعتبار أن الجهاد فرض عين، وان العلاقة بين المسلمين وعير المسلمين يحددها عامل محدد هو الحرب، ومن ثم هي الأساس والسلم معهم هو الاستثناء.
- التصور الثاني:يركز هذا الاتجاه على ضرورة تطبيق التعاليم الإسلامية بالتركيز على دار الإسلام،ومن ثم العمل على نشر ها في دار الحرب بطرق سلمية ودية.
- التصور الثالث:شبيه بالتصور الأول ولكن جعل السلم والتعاون هو الأصل والحرب استثناء.
- التصور الرابع :يعتبر هذا الاتجاه أنه لا يجب حصر المواجهة بين دار الإسلام ودار الحرب ،ولكن العمل على إيجاد نوع من التوازن من خلال إيجاد دار ثالثة وهي دار العهد (دار الصلح) ،والتي تعتبر كحل لإشكالية المواجهة والحرب بين المسلمين وغير المسلمين.
ورد في القرآن الكريم لكلمة سلام (مشتقة من سلم ،وسلامة ،ومسالمة ) لأكثر من 100 آية ،أما كلمة حرب ومشتقاتها جاءت في 06آيات.
الدعوات السلمية للإسلام:سورة الغاشية الآيتان رقم21 و22،سورة البقرة الآية 216,سورة المائدة الآية16،سورة النحل الآية 125 ،سورة الكهف الآية 29،سورة الكافرون الآية 06....
الدعوات إلى الحرب :سورة البقرة الآية 216،سورة محمد الآية 35,سورة الإسراء الآية 15.
أم الاستعمال للسلاح أثناء الفتوحات في حالات ثلاث:
-الدفاع ضد الاعتداء سورة البقرة الآية 190.
- حماية الضعفاء وإنقاذهم من الهلاك سورة النساء الآية 75
- حيث يكون البداية في استعمال السلاح من قبل المعارضين سورة البقرة الآية 193.
تنقسم إذن الدبلوماسية في المجتمع العربي الإسلامي إلى تصورين أول مرتبط بالممارسة الدبلوماسية عند العرب حيث تجلت في أشكال للعلاقات الودية السلمية.أما في الإسلام فنظرا لازدهار الدولة الأموية التي بلورت نوع من العلاقات الودية السلمية مع البيزنطيين كما كان حاصل مع معاهدة معاوية معهم عام م 677،ومعاهدة عبد المالك بين مروان عام 689م ,ثم تلتها معاهدات مع الصليبين مثلا لعام 1189م لمدة ثلاث سنوات ،ثم أثناء حصار عكا ،واتفاقية الهدنة لمدة ثماني سنوات عام 1218م ...
حيث تجلت خصائص الدبلوماسية العربية الإسلامية في :
- الدعوة السلمية للإسلام،من أجل الاستعلام ،أو الاستخبار ،من أجل التهاني .
- البعثة تتألف من السفير وحاشيته.
- اعتماد ورقة الطريق.
- السفراء يتشكلون من فئة عمال الدولة يتقاضون أجر.
- في العهد الأموي السفراء يختارون من فئة القضاة، والفقهاء، والعلماء.
- الحصانة التامة للسفراء طول مدة إقامتهم في الدولة الإسلامية.
- استقبال السفراء يكون على حدود الدولة الإسلامية ،ومن إن تم أخدهم إلى العاصمة يكون قبول لهم.
الدبلوماسية الحديثة:امتازت الدبلوماسية القديم في تصور شمولي بتصورات يمكن حصرها فيما يلي:
-أنها كانت غير منظمة، وغير ثابتة.
- محدودة جغرافيا نتيجة تأثير بعض الأسباب منها ضعف وسائل الاتصال والمواصلات .
على النقيض مما سبق نلحظ أن الدبلوماسية الحديثة كنتاج لعصر النهضة أنها كانت دائمة، ومستقرة.إلا أن دراستها تكون وفق إشكالية المنهجية المتبعة هل تكون الدراسة عبر فترة تاريخية واحدة من منطلق أن مضمون الدبلوماسية هو نفسه ومن ثم لم تتغير ؟أم تكون عبر فترات تاريخية مختلفة لأن مضمونها اختلف ،وأحيانا تناقض مع ماسبق ،أو مع ما يلحق؟دراستنا تكون وفق تطورا عبر فترات تاريخية.
تنقسم الدبلوماسية الحديثة إلى فترتين:الفترة الأولى تبدأ من عصر النهضة حتى الحرب العالمية الأولى،حيث
كانت ميزتها أنها قامت على علاقات ثنائية وذات طابع سري،وأنها كانت في يد الملك وحاشيته.التحول بدأ من القرن 15 مع معاهدة وستفاليا1648 ،ففي ظل صعود الإمبراطوريات إلى الحكم (خاصة بعد الثورة الفرنسية 1789)والتي أظهرت مفاهيم جديدة مثل الدولة ذات السيادة ،والحرة في إبرام المعاهدات والاتفاقيات التي أسهمت في تقنين العمل الدبلوماسي مع فيينا 1815.
الدبلوماسية الإيطالية والفرنسية:
المنهج الإيطالي:كان للزخم الفكري الذي عرفتها الدويلات الإيطالية الأثر في ظهور منهج إيطالي في العمل
الدبلوماسي.فكان لقناصله مثل دانتي وميكيافلي من جهة ،وتطور العلاقات التجارية بين الدول الإيطالية خاصة مع ازدهار البندقية بسفراء ها المحنكين خاصة في تعامله مع بيزنطة ودول البحر المتوسط من جهة أخرى ،الأثر في ظهور أشكال وأنماط للنشاط الدبلوماسي من خلال :
- تنظيم نشاط السفير من خلال مثلا أنه لا يحق لهم مغادرة مقرهم ولو ليوم واحد قبل أن يأتي من ينوبهم (بموجب مرسوم عام 1268)،مع إرجاع كل الهدايا التي تسلم لهم،ويمكن أن يأخذ معه زوجته (شرط أن لا تفشي سره) وطاهيا خوفا من دس السم،هي نوع من بداية الدبلوماسية الدائمة.مع التمييز بين الجرائم ،وأنشأ ديوان لحفظ المحفوظات وتسجيلها.
- البعثة لا تتجاوز 4 أشهر في القرن 13 ،واستخدمت السرية في المراسلات ،وفي القرن 15 و16 تحولت إلى سنتين وثلاثة سنوات (أهمية الاستقرار).
المنهج الفرنسي:لقد كان للمنهج الدبلوماسي الإيطالي لفترة طويلة الأثر في البلورة العلاقات الودية والسلمية بين الدول قبل ظهور المدرسة الفرنسية في القرن 17.بدأت بوصولRichelieu ودخوله إلى مجلس الوزراء عام 1624،حيث أصبح وزير للخارجية في 11 نوفمبر 1626،في مرحلة الحكم المطلق حيث نادى بتطبيق التفاوض كمبدأ وليس كاستثناء.
الدبلوماسية المعاصرة:تمتد الفترة التاريخية التي تعنى بدراسة هذه المرحلة من الحرب العالمية الأولى وحتى الآن.ميزت هذه الدبلوماسية أنها لم تعد تعبر عن رغبات شخصية وفي يد الملوك،بحيث أصبحت الحكومات مسؤولة أما البرلمان خاصة بعد معاهدة فيينا 1815.جاءت هذه الدبلوماسية وفق الخصائص التالية :
- التركيز على الدبلوماسية العلنية من خلال مرسوم السلام الذي طرحه لينين في 1971،ووثيقة ودرو ويلسون ومبادئه14 بتاريخ 18/1/1918.(سرية المفاوضات علنية النتائج-مفاوضات مؤتمر باريس 1919) ارتبطت الدبلوماسية بأهداف السياسة الخارجية ،وكانت عصبة الأمم تعمل على نشر الاتفاقات والمعاهدات من قبل أمانة العصبة حسب المادة 18 من ميثاقها،وأستمر نفس المبدأ والعمل على نشر وعلنية المعاهدات في المادة 102 من ميثاق الأمم المتحدة.
- ارتبطت هذه الدبلوماسية بظهور نظام دولي عالمي عوض ارتكازه على المركز الأوروبي.
- ظهور المنظمات الدولية، وتطور العلاقات الدولية، والسياسة الخارجية للدول.