على صفحتها الإلكترونية، أشارت مجلة السياسة الدولية في عددها رقم 191 الصادر في يناير عام 2013 إلى أن العرض وكتبه الصحفي المصري أيمن حسونة، عن كتاب سامي ريفيل (أول مدير لمكتب التمثيل الدبلوماسي الإسرائيلي في الدوحة): حسابات التطبيع: ملاحظات دبلوماسي إسرائيلي على العلاقة مع قطر. (صدر الكتاب باللغة العبرية تحت عنوان إسرائيل على جبهة الخليج العربي، عن دار يديعوت أحرنوت. وترجم من اللغة العبرية إلى اللغة العربية تحت عنوان قطر وإسرائيل.. ملف العلاقات السرية. وصدر عن دار جزيرة الورد، لمحمد البحيري، رئيس وحدة الشئون الإسرائيلية بصحيفة المصري اليوم). ونشر بتاريخ 16/3/2012 هو من بين مواد المجلة الأكثر قراءة. ولأهميته أعيد قراءته مع تعليقات وأقدمه لعناية الأهل والأصدقاء الأكارم.
وجاء في العرض الذي كتبه الصحفي المصري أيمن حسونة: تنبع أهمية كتاب قطر وإسرائيل.. ملف العلاقات السرية من كونه محاولة لتقييم حسابات المكسب والخسارة للدولتين، بعد أن خاضتا تجربة التطبيع من القمة أكثر منه رصدا للخفايا والأسرار بين الدوحة وتل أبيب، ناهيك عن أن كاتبه سامي ريفيل يعد ممن كان لهم باع طويل في دفع التطبيع بين إسرائيل والعديد من الدول العربية، بالإضافة لكونه أول دبلوماسي إسرائيلي يعمل في قطر، وكان رئيس أول مكتب لتمثيل المصالح الإسرائيلية في الدوحة خلال الفترة من عام 1996 إلى عام 1999.
كما عمل سامي ريفيل في مكتب مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية، ضمن فريق كانت مهمته دفع علاقات التطبيع الرسمية الأولى بين إسرائيل ودول الخليج العربي، وتنمية التعاون الاقتصادي بين إسرائيل والعالم العربي بأسره. وأخيرا، ترأس ريفيل قسم العلاقات الإسرائيلية مع الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو بوزارة الخارجية الإسرائيلية، ويعمل اليوم وزيرا مفوضا بسفارة إسرائيل في العاصمة الفرنسية باريس.
وغلبت على الكتاب اللهجة الأدبية المنمقة في مواضع غير قليلة، في نهج ينزع لوصف مؤلفه وكأنه أقرب إلى سندباد إسرائيلي في أرض الدوحة، ذلك العالم المجهول لدولة متناهية الصغر، وقائمة على نظام سني وهابي.
ويتقمص ريفيل دور المؤرخ، حيث يعرج للحديث عن تاريخ شبه الجزيرة العربية، ونشأة المملكة العربية، والتحالف الغربي مع آل سعود في السعودية، ومنه لنشأة قطر، فيؤكد أنها جاءت مختلفة عن ولادة المملكة العربية السعودية. حيث تم إنشاء قطر عام 1820 بانضمام أسرة آل ثاني لسلسلة تحالفات عقدها البريطانيون مع جيران قطر، وكان هدفها مكافأة قراصنة البحر (والغريب هنا استخدام عبارة مكافأة وليس عقاب قراصنة البحر)، وتحرير التجارة البحرية، بينما كان هدف أسرة آل ثاني هو مواجهة قبيلة آل خليفة التي تحكم جارتها دولة البحرين، والتي اعتادت مهاجمة المدن الساحلية لقطر.
إرهاصات العلاقات القطرية – الإسرائيلية: وكشف ريفيل في كتابه عن مجموعة من الحقائق المتعلقة بالعلاقات بين إسرائيل وقطر، يمكن من خلالها تفسير الأطر الحاكمة للسياسية الخارجية التي تبنتها قطر، بعد انقلاب الشيخ حمد على والده عام 1995 وانفراده بالحكم.
وأولى هذه الحقائق، وأهمها على الإطلاق، أن قطر كانت البادئة والأحرص والأكثر تمسكا بالعلاقات مع إسرائيل أكثر من تل أبيب نفسها (وهي إشارة صريحة إلى أن العرب يهرولون لإقامة علاقات مع إسرائيل وليس العكس) ، ويتضح ذلك من خلال المراحل التي مرت بها العلاقات بين الدوحة وتل أبيب. ويطلق المؤلف على أول إرهاصات العلاقات القطرية - الإسرائيلية مرحلة جس النبض، والتي قد يختلف حول تسميتها الكثيرون، إذا ما تبين لاحقا أنه تمت خلالها لقاءات بين دبلوماسيين رفعي المستوى من الجانبين، وبوادر اتفاق على مشاريع تجارية. ومثلت هذه الاتفاقات واللقاءات بوادر علاقات على قدر كبير من التعاون بينهما، وليست لجس النبض، سعيا لبدء اتصالات تمهد لاحقا للقاءات.
ففي هذه المرحلة، يظهر رسميا الإعلان عن هذه العلاقة في شهر سبتمبر 1993، أي بعد أيام قليلة من توقيع اتفاقات أوسلو في حديقة البيت الأبيض بواشنطن، والمصافحة الشهيرة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين، وياسر عرفات. وفي هذا الإعلان، جرى الحديث عن لقاء بين وزير الخارجية الإسرائيلي، شيمون بيريز، ونظيره القطري، الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني. وتحدثت تقارير عن اتصالات تجري حول مشروع توريد الغاز الطبيعي من قطر إلى إسرائيل.
لقاء المصالح الإسرائيلية والخليجية: ويرى المؤلف أن المصالح التقت بين إسرائيل والخليج في هذه الفترة، حيث أبدى رجال الأعمال من الخليج الاهتمام الكبير بالتكنولوجيا والأفكار والمشروعات الإسرائيلية، إيمانا منهم بضرورة خفض ارتباط بلادهم الشديد بتصدير النفط، وتنمية مجالات اقتصادية وصناعية بديلة لوضع أسس قوية للتصدير، ومن جانب إسرائيل التي فتحت بالعلاقات مع دول الخليج أبوابا على اقتصادات قريبة ومهمة، وحملت هذه العلاقات في طياتها إمكانية تقصير الطريق أمام السلع الإسرائيلية إلى الأسواق الكبيرة الموجودة في آسيا عن طريق النقل إلى المواني التجارية الكبيرة والمتقدمة في الخليج.
وإضافة إلى كل تلك المميزات، فإن الأنباء عن العلاقات بين إسرائيل والخليج زادت من اهتمام الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا بالفرص الاستثمارية الممكنة في المنطقة التي اكتسبت صورة مكان آمن للاستثمار.
المكاسب الاقتصادية القطرية: ولكن في خلفيات الصورة، كانت الدوحة، كما يرصدها ريفيل، تحاول تحقيق مكاسب اقتصادية أكثر منها سياسية في علاقاتها بتل أبيب، حيث تأتي الاتصالات المتلاحقة مع إسرائيل كجزء من جهود قطر لجذب الانتباه العالمي إلى مشروعها الضخم لتحويل الغاز إلى سائل، والمشروع الذي كانت تخطط له لتنمية حقول الغاز بإنشاء المدينة الصناعية في رأس لافن لتطوير أكبر حقل غاز طبيعي في العالم تحت البحر، ويقدر حجمه احتياطيه بـ 25 تريليون متر مكعب.
وشكك الكثيرون في قدرة دولة صغيرة، مثل قطر، على تنفيذ مثل هذه المشروعات الضخمة بسبب الاستثمارات الهائلة المطلوبة لتنفيذها، والاتفاقات طويلة المدى المطلوب إبرامها مع الجهات المستهلكة. إضافة إلى ذلك، كانت أسعار النفط في ذلك الوقت منخفضة للغاية، وتلقي بظلالها على الجدوى الاقتصادية للمشروع.
وبالتالي، فإن العلاقة مع تل أبيب - خاصة إذا عرفنا أن شركة إنرون الأمريكية التي كانت من كبرى شركات الطاقة في الولايات المتحدة هي التي خططت لتنفيذ المشروع القطري – ستكون بابا مهما للدعاية للدوحة، وبالتالي تجاوز المشروع أبعاده الاقتصادية، ودفع العلاقات بين قطر وإسرائيل، وكمحفز لتعميق التعاون في مجالات حيوية وضرورية، ومنها اتفاق قطري- إسرائيلي لإقامة مزرعة حديثة تضم مصنعا لإنتاج الألبان والأجبان، اعتمادا على أبحاث علمية تم تطويرها في مزارع إسرائيلية بوادي عربة، التي تسودها ظروف مناخية مشابهة لتلك الموجودة في قطر.
والمشروع الأخير تحديدا له بعد مهم لقطر، حيث يقول ريفيل إنه يأتي بسبب الرغبة في زيادة إنتاج وأرباح المزارع القطرية، ولأسباب تتعلق بالكرامة الوطنية المرتبطة بالسعي لزيادة الإنتاج الوطني، من أجل منافسة منتجات المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، التي تغرق أرفف المتاجر القطرية.
ورغم أنه في 31/10/1995 تم - في أجواء احتفالية - توقيع مذكرة تفاهم لنقل الغاز الطبيعي من قطر إلى إسرائيل، إلا أنه تدهورت العلاقات الخليجية - الإسرائيلية بعد عملية عناقيد الغضب الإسرائيلية على لبنان، وما تلاها من اندلاع انتفاضة الأقصى، لتعلن تل أبيب رفضها استيراد الغاز من الدوحة، ولم تبرر ذلك سوى أنها ستبحث عن استيراده من مصادر أخرى.
ولم يكشف المؤلف عن الخلفيات وراء هذا القرار، رغم أن قطر تمسكت بالاتفاق، رغم الضغوط من قبل دول الخليج، خاصة من قبل السعودية لإغلاق مكاتب التمثيل الإسرائيلية الدوحة، وقطع العلاقات والاتصالات مع إسرائيل، وإعلان الدوحة في أكثر من مناسبة أنها أغلقت المكاتب، وقطعت العلاقات، ولكنها في الحقيقة لم تكن قد أوصدت الباب، أو قطعت العلاقات تماما.
صعود الشيخ حمد وتوطيد العلاقات: ويربط الدبلوماسي الإسرائيلي بين صعود الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، أمير قطر، إلى سدة الحكم، بعد انقلابه على والده، وتسريع نمو العلاقات بين قطر وإسرائيل، فيقول إن الأمير سارع إلى توطيد علاقات بلاده مع الولايات المتحدة الأمريكية عبر توقيع اتفاقية دفاع مشترك معها، والسماح لها بإقامة قواعد عسكرية أمريكية في قطر، الأمر الذي وفر حماية أمريكية للإمارة في مواجهة أي ضغوط قد تتعرض لها من جانب الكبار المحيطين بها، لاسيما إيران والسعودية.
وأشار إلى تصريح أدلى به الأمير القطري الجديد لقناة إم بي سي، بعد 3 أشهر فقط من توليه الحكم عام 1995، قال فيه “هناك خطة لمشروع غاز بين قطر وإسرائيل والأردن ويجري تنفيذها”، وطالب الأمير بإلغاء الحصار الاقتصادي المفروض من جانب العرب على إسرائيل.
ويؤكد ريفيل صعوبة نسج العلاقات القطرية- الإسرائيلية التي شارك فيها هو بنفسه، لولا المساعدة التي حظي بها من مسئولين كبار في قصر الأمير، ووزارة الخارجية القطرية، وشركات قطرية رئيسية. ويقول عملت خزائن قطر الممتلئة وعزيمة قادتها على تحويلها إلى لاعب مهم في منطقة الشرق الأوسط، بما يتعدى أبعادها الجغرافية وحجم سكانها.
ويدعي ريفيل أن التوترات التي شهدتها العلاقات المصرية- القطرية ترجع إلى الضغوط التي مارستها مصر على قطر لكبح جماح علاقاتها المتسارعة باتجاه إسرائيل، بسبب قلق القاهرة على مكانتها الإقليمية من الناحية السياسية، وخوفا من أن تفوز الدوحة بصفقة توريد الغاز لإسرائيل بدلا من مصر، وهي الصفقة التي كانت- ولا تزال- تثير الكثير من الجدل في الأوساط السياسية والاقتصادية والشعبية أيضا.
ولكن الملحوظة الجديرة بالذكر أن العلاقات كانت تطبيعا كاملا عن مستوى رأس السلطة، بينما كانت الجماهير رافضة لذلك. وأشار الكاتب إلى صعوبة الأمر، بعد أن اختلف شركاء العقار الذي تم تأجيره ليكون بمثابة مكتب التمثيل الدبلوماسي الإسرائيلي في الدوحة، ورفع أحدهما قضية وكسبها، وتم تصويره على أنه بطل قومي، واضطرت الحكومة القطرية للبحث عن مكان آخر، وكذلك الصعوبة التي واجها المؤلف نفسه، عندما قرر فتح حساب في بنك قطري.
وتطرق لخطب الشيخ يوسف القرضاوي، وتصريحات المفكر الإسلامي عبد الله النفيسي، التي طالب فيها الحكومة القطرية بقطع العلاقات مع إسرائيل، ليخلص الكاتب في النهاية إلى أن الحكومة القطرية تواجه ضغوطا سياسية لاستمرار علاقات التطبيع بين البلدين.