المنظمة السويدية لرعاية الطفولة
في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
دراسة حول منظمات المجتمع المدني
المعنية بالطفولة
في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
إعـــداد
محمـد عبـده الزغيـر
سبتمبر2005
محتويات الدراسة
الموضوع الصفحة
مقدمه 1
أولاً : الإطار السياسي الذي تعمل فيه منظمات المجتمع المدني
4
ثانياًً : واقع منظمات المجتمع المدني في الاقليم
6
أ- النشأة
6
ب-القوانين المنظمة
8
ج- مجالات عمل المنظمات 12
ثالثاًً : الصعوبات التي تواجه منظمات المجتمع المدني
أ) خارجيه : قانونية، حرية التعبير، الموارد، الفساد، التنافس بين المنظمات
ب) داخلية: القدرات، التنظيم الإداري والمالي، اللوائح، الهياكل التنظيمية، المخرجات (الاستراتيجية)، العلاقات البيئية والخارجية 15
رابعاً:ً تصورات اتجاهات العمل القادم مع منظمات المجتمع المدني 17
- الهوامش 19
- المراجع 21
- الملاحق:
ملحق (1) 23
ملحق (2) 28
ملحق (3) 29
دراسة حول منظمات المجتمع المدني
المعنية بالطفولة
في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
مقدمة
لقد قامت المنظمة السويدية لرعاية الطفولة ومعها عدد من المنظمات الدولية والاقليمية في السنوات الماضية بدعم الكثير من مبادرات منظمات المجتمع المدني العاملة في مجالات حقوق الطفل، المرأة، والإنسان، ونفذت العديد من الفعاليات مثل دعم تشكيل هيئات تنسيق، وعقد دورات تدريبية في الإدارة والنظام المالي والمحاسبي للجمعيات، وبرامج المناصره، ومشاركة الأطفال والمرأة .. وغيرها في قضايا وبرامج التنمية .
كما شاركت في دعم عقد العديد من المؤتمرات والندوات وورش العمل في مناطق مختلفة من الاقليم، واضحى تعبير المجتمع المدني إشكالية فكرية ومنهجية وعملية لقوى التغيير في المنطقة، وبدأ المثقفون العرب يتحدثون عن دور ممكن للمجتمع المدني في التحول الديمقراطي في الوطن العربي .
وفي ضوء تلك الأهمية تحددت أهداف البحث الأساسية في الآتي:
• تحليل عام لمنظمات المجتمع المدني في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
• وضع تصور باتجاهات العمل مع منظمات المجتمع المدني لتعزيز حقوق الإنسان في برامجها.
وهناك أهداف فرعية للبحث تتمثل في الآتي:
• التعريف بأدوار ومجالات عمل منظمات المجتمع المدني
• تحديد أدوار الداعمين للمجتمع المدني
• إبراز نقاط التقاء دور المنظمة السويدية ببقية الشركاء، وتحديد تداخل الأدوار مع الداعمين الآخرين.
• وضع تصور بالبرامج والمشاريع التي يمكن ان تعمل من خلالها المنظمة لتحقيق اكبر الأثر على صعيد عمل المجتمع المدني .
وتحدد المجال المكاني للبحث بمنظمات المجتمع المدني في أقطار اقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (15 دوله فقط) هي: المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، مصر، سوريا، الأردن ، العراق ، الكويت، السعودية، قطر، البحرين، الإمارات، سلطنة عمان، واليمن .
وسوف يحاول الباحث عرض المفاهيم الرئيسية المرتبطة بموضوع البحث، وذلك على النحو التالي:
1) مفهوم المجتمع المدني
ظهر مصطلح المجتمع المدني في قاموس البشرية قديما عند الرومان، ومن ثم اختفى ليعود بعد ذلك الى الظهور في القرنين السابع عشر والثامن عشر، وربما يكون جون لوك، أول من استخدمه بعد الثورة الإنكليزية 1688،[1] في نصه المشهور (رسالة التسامح، 1689)، ثم توالي على دراسته ونقده واستقصاء أبعاده المختلفة عدد من الفلاسفة وعلماء الاجتماع، والساسة الغربيين مثل هوبز ، وروسو وهيجل. وغيرهم، فكانت ولادته في ظل التحول الجذري الذي اجتاح أوروبا والانتقال من عصر الظلام الى عصر الدولة الحديثة والنظام الجديد. ثم عاد للظهور ثانية ليوافق بدايات التحول في أوروبا الشرقية، فأنطلق من بولونيا (1982)، عندما طرحت نقابة التضامن نفسها باعتبارها أحد التنظيمات للمجتمع المدني .
أ) التعريف لغوياً: تتألف عبارة المجتمع المدني من مصدرين "مجتمع"، وهو صيغة ترد في اللغة العربية أما إسم مكان أو إسم زمان أو مصدراً ميمياً، بمعنى أنها إما حدث بدون زمان (اجتماع)، وإما مكان أو زمان حصول هذا الحدث (مجتمع القوم، اجتماعهم أو مكانه أو زمانه)، وبالتالي فهو لا يؤدي معنى اللفظ الأجنبي الذي نترجمه بـ Society، والمصدر الآخر "مدني" فهو يميل في اللغة العربية الى المدينة الى "الحاضرة" (قارن: بدو وحضر، بادية ومدينة).
ويرى الجابري أن عبارة المجتمع المدني، بالنسبة للغة العربية، تكتسب معناها من مقابلها الذي هو "المجتمع البدوي"، تماماً كما فعل ابن خلدون حينما استعمل "الاجتماع الحضري" ومقابله "الاجتماع البدوي" كمفهومين إجرائيين في تحليل المجتمع العربي في عهده والعهود السابقة له (أيضاَ اللاحقة). وبما أن القبيلة هي المكون الأساسي في البادية العربية فإن "المجتمع المدني" سيصبح المقابل المختلف، الى حد التضاد لـ "المجتمع القبلي" .
وفي اللغة اللاتينية يعد لفظ “CIVIL” والذي يترجم بـ "مدني"، فإنه يستند في الفكر الأوروبي عدة معان رئيسية هي بمثابة أضداد له معنى "التوصيف" قارن عبارة الشعوب البدائية/المتوحشة في مقابل الشعوب المتحضرة)، ومعنى الإجرام (قارن مدني "في مقابل جنائي" في المحاكم)، ومعنى الانتماء الى الجيش (قارن مدني في مقابل عسكري)، ومعنى الانتماء الى الدين (قارن التعاليم الدينية في مقابل القوانين المدنية)، وهكذا فعبارة المجتمع المدني في الفكر الأوروبي هو بناء على ذلك مجتمع متحضر، لا سلطة فيه لا للعسكر ولا للكنيسة، وهنا يبرز الفارق الكبير بين مدلول عبارة "المجتمع المدني" في اللغة العربية وبين مفهومها في الفكر الأوروبي .[2]
إن الفكر العربي لم يعرف مفهوم المجتمع المدني بحد ذاته بل جاء هذا التعرف عبر الاهتمام المتزايد الذي لاقته مؤلفات انطونيو غرامشي في العالم العربي بعد السبعينيات . وبدرجة أقل مفردات الفلسفة والفكر الليبرالي عبر ترجمة بعض أعمال الفلاسفة الكلاسيكية (العقد الاجتماعي لروسو، في الحكم المدني لجون لوك)، مما يعني أن الفكر العربي لم يتعامل مع المفهوم قبل تلك الفترة باعتباره ظاهرة مستقلة بحد ذاتها. لا على مستوى التأصيل النظري ولا على مستوى الاستخدام الادائي الأيديولوجي . وبالتوازي مع ذلك، بدأ مفهوم المجتمع المدني يتسرب الى الفكر العربي المعاصر من ثمانينيات القرن العشرين وخصوصاً في دول المغرب العربي، حيث ارتبط المفهوم بالتفكير في ظروف التحول من الحزب الواحد الى التعددية (تونس، الجزائر).
وانطلاقاً من الرؤية المفاهيمية وارتباطها بالاختلافات اللغوية في الفكر الأوروبي والعربي، فقد وجد مفهوم المجتمع المدني العربي مقاومة واعتراض في التبني، وأستبدل ببدائل (كالمجتمع الأهلي مقابل المجتمع المدني)، وهي حالة خاصة من حالات مقاومة ومعارضة الفكر الغربي، التي لازمت مرحلة التحرر الوطني وبناء الدولة الوطنية بالاتجاهات القومية والدينية والفكرية. ولقد لعبت مقولة المجتمع الأهلي التي طرحت كبديل لمفهوم المجتمع المدني في الأدبيات العربية، رواجاً واسعاً بسبب قربها من الخبرة العربية الحديثة، وبسبب انتسابها الى المخزون الثقافي العميق للعرب.
ب) التعريف إصطلاحاً: يشير حسنين توفيق الى "المجتمع المدني" على أنه عبارة عن مجموعة من الأبنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانونية التي تنتظم في إطارها شبكة معقدة من العلاقات والممارسات بين القوى والتكوينات الاجتماعية في المجتمع، ويحدث ذلك بصورة ديناميكية ومستمرة من خلال مجموعة من المؤسسات التطوعية التي تنشأ وتعمل باستقلالية عن الدولة.[3]
ووسع سعد الدين ابراهيم لاحقاً مفهوم "المجتمع المدني" بأنه مجموعة من التنظيمات التطوعية الحرة التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة لتحقيق مصالح افرادها ملتزمة في ذلك بقيم ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح والإدارة السلمية للتنوع والخلاف" . وتشمل تنظيمات المجتمع المدني كلا من الجمعيات والروابط والنقابات والأحزاب والأندية والتعاونيات. أي كل ما هو غير حكومي وكل ما هو غير عائلي أو إرثي (وراثي) .[4]
وتعرف اماني قنديل المجتمع المدني باعتباره "مجمل التنظيمات الاجتماعية التطوعية غير الارثيه وغير الحكومية، التي ترعي الفرد وتعظم من قدراته على المشاركة في الحياة العامة، وتقع مؤسسات المجتمع المدني في مكان وسيط من مؤسسات الدولة والمؤسسات الارثية.[5]
ويشير تقرير اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي اسيا (الأسكوا) الى المجتمع المدني بأنه "مجموعة من التنظيمات التطوعية الحرة التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة لتحقيق مصالح أفرادها أو منافع جماعية، ملتزمة في ذلك بقيم ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح والإدارة السليمة للتنوع والاختلاف. وتضم مؤسسات المجتمع المدني المنظمات غير الحكومية والأحزاب والنقابات العمالية والمعاهد والجامعات المهنية والتجمعات الاجتماعية والدينية والصحافة وكل منظمات القاعدة الشعبية والنوادي الاجتماعية وما الى ذلك من مؤسسات أو تجمعات. ومن اهم أركان المجتمع المدني الأساسية ينبغي التركيز على الفعل الإرادي الحر والطوعي، والتنظيم والاعتماد على الاخلاقيات والسلوك أو قبول الاختلاف بين الذات والآخر .[6]
ويطرح مفهوم المجتمع المدني في السياق التاريخي الراهن للمجتمعات العربية مسألة ما يسمى المنظمات الأهلية التي تتشكل من كل التنظيمات ذات الطابع التقليديى مثل الجمعيات الدينية (التي تشكل الغالبية بين تنظيمات المجتمع الأهلي) والجمعيات الثقافية المعبرة عن خصوصيات المجتمعات المحلية أو الأقليات، وبين التنظيمات الخاصة بالأوقاف العائلية، وقد بدأ عددها يتزايد مع نهاية التسعينات (مثل مؤسسة الأمير عبدالقادر، محمد بوضياف، الشيخ زايد، ... الخ).
ويبدو أن هناك جدلاً قوياً بين الباحثين حول العلاقة بين المجتمع المدني والمجتمع الأهلي والتنظيمات التي تشكل كل واحد منها، فبينما يدافع برهان غليون مثلاً عن أطروحته التطابق بين المفهومين، وبالتالي مدلولاتها في المجتمعات العربية، نجد من يرفض ذلك مثل عزمي بشاره، الذي يميز بينهما باعتبارهما يشيران الى مستويين مختلفين من التطور المجتمعي، لكن دون استبعاد فكرة أن تكون التنظيمات الأهلية جزءاً من المجتمع المدني، في سياق الوضع العربي الراهن.[7]
وهكذا نرى أن المفهوم يستبعد المؤسسات الاجتماعية الأولية كالأسرة والقبيلة والعشيرة والطائفة الاثنية، كما يستبعد منه المؤسسات الحكومية ويبقى في نطاق المجتمع المدني المؤسسات والمنظمات غير الحكومية التي يقوم نشاطها على العمل التطوعي، وتكشف محاولة تأمل تعريفات المجتمع المدني عن وجود بعض العناصر المشتركة بينهـا، نذكر منها ما يلي:
1. يقوم المجتمع المدني على الرضا والاختيار من جانب الأفراد الداخلين فيه.
2. يتضمن وجود جماعات ومنظمات ومؤسسات تتمايز عن الدولة .
3. يقوم الإنتماء الى المجتمع المدني على أساس المساواة.
4. يتمتع المجتمع المدني بقدر من الاستقلالية في مواجهة الدولة .
ويرى الباحث أن الحركات الدينية تعد جزءً من المجتمع المدني، وأن إقصاء هذه الكتلة الاجتماعية لا علاقة له بالتقييم العلمي وانما يرتبط بوجهة النظر الأيدلوجية .[8]
وتتباين استخدامات ودلالات مفهوم المجتمع المدني وفقاً لاختلاف المرجعيات الفكرية والأيدلوجيه. ومع ذلك، فهناك قدر كبير من الاتفاق على القواسم والخصائص المشتركة للمصطلحات الدالة على المجتمع المدني واهمها ما يلي:
المجتمع الأهلي، المنظمات غير الحكومية، القطاع الثالث، القطاع الجزئي، القطاع المستقل، القطاع المعفي من الضرائب، المنظمات التطوعية، القطاع غير الهادف للربح، وأخيراً منظمات التنمية المحلية .[9]
واستناداً الى الاستخلاص لما سبق الإشارة اليه حول مفهوم المجتمع المدني، ينظر البحث الحالي الى المجتمع المدني باعتباره تلك التنظيمات الاجتماعية التطوعية التي ينظم إليها الفرد باختياره والتي تتمثل في الجمعيات الاهلية والنقابات المهنية، والأحزاب السياسية، وما شابهها من التنظيمات التطوعية، فهي التنظيمات التي تتوسط العلاقة بين التنظيمات الرسمية للدولة والتنظيمات الارثية التي يوجد بها الفرد بحكم نشأته[10]. وسيتناول البحث مفهوم المجتمع المدني مركزاً على المنظمات غير الحكومية أو التنظيمات الأهلية المعنية بحقوق الطفل والمرأة والإنسان إجمالاً.
أولاً : الإطار السياسي الذي تعمل فيه منظمات المجتمع المدني في الإقليم
سنعرض في هذا المحور استعراض الفضاءات السياسية في المنطقة، والتي تلعب دوراً هاماً إما في النهوض أو عرقلة مسيرة المجتمع المدني .
أوضحت تقارير التنمية الإنسانية العربيه (2002-2004) في إطار معالجتها لأزمة التنمية في الوطن العربي، الى تشخيص يفضي بأن ثلاثة نواقص جوهرية تعوق إقامة التنمية الإنسانية في البلدان العربية وهي النواقص في اكتساب المعرفة، وفي الحرية والحكم الصالح، وفي تمكين النساء.
ورغم أن الأقطار محل البحث تجمعها قواسم مشتركة نتيجة للثقافة العربية الإسلامية والتاريخ المشترك والتفاعلات المستمرة التي أنتجت ما نسميه بالهوية العربية، الى جانب قاسم اقتصادي مشترك هو ارتباط اقتصاديات هذه الدول بالاقتصادي الرأسمالي العالمي مما ينعكس على سياساتها وتوجهاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مع اختلاف الاشكال والدرجات . ومع ذلك فهناك بعض الاختلافات في نظمها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، الى جانب وجود درجة من الخصوصية لكل مجتمع من هذه المجتمعات مما يساهم في تشكيل البيئة أو الإطار الذي تتفاعل فيه منظمات المجتمع المدني في هذه الدول .
فمن الناحية الاقتصادية تتميز دول الخليج بمستوى عال من النمو الاقتصادي وتراكم الثروة مما زاد من قدرة الدولة على إشباع حاجات المواطنين، كما ساعد كذلك على ارتفاع مستوى الدخل الفردي وقدرته على توفير مستوى معيشة عال، في حين تعاني بقية الدول، رغم انتقال جزء من الثروة النفطية وغير النفطية اليها عن طريق هجرة العماله، من ضعف الهيكل الانتاجي وانخفاض معدلات النمو الاقتصادي .[11]
وسيعرض الباحث في هذا الجزء بعض الجوانب المرتبطة بالإطار السياسي الذي تعمل فيه منظمات المجتمع المدني في كل دولة، معتمداً بذلك على ما جاء في التقرير السنوي (الأخير) للمجتمع المدني والتحول الديمقراطي في العالم العربي عام 2004، والجدول (ملحق 1) يبين بعض المؤشرات ذات العلاقة بالمستوى السياسي في هذه الدول .
حيث يتضح من القراءة العامة للمؤشرات السياسية أنه من مجموع الـ (15) دولة عربية هناك 7 دول نظامها السياسي جمهوري، و 8 دول نظامها ملكي تشكل دول مجلس التعاون الخليجي الحجم الأكبر منها، ويلاحظ أن أغلب الدول نالت استقلالها خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وأن تجربة الانتخابات وممارسة التداول السلمي للسلطة لا تزال حديثة على هذه المجتمعات. كما أن الأمية تحتل مؤشرات كبيرة في بعض الدول كالعراق 60%، واليمن 50%، والمغرب 48%، ومصر 43%، وتتفاوت في بقية الدول بين 30% في الجزائر، 9% في الأردن، مما يعني أن قطاع واسع من سكان هذه الدول أمي، وبالتالي تنعكس هذه الحالة على الثقافة والمشاركة السياسية.
وتنتشر الظاهرة الحزبية في (
دول، ولا تتواجد أحزاب أو الاعتراف أو السماح (بالتشكيل) في 7 دول أخرى، حيث تشترك دول مجلس التعاون الخليجي بهذه الظاهرة وكذلك ليبيا، رغم أن الكويت والبحرين تشهد حراكاً سياسيا لتيارات وتكتلات سياسية نشطة وفعالة.
ويوضح التوزيع العرقي والديانات التنوع الظاهر في بعض المجتمعات، والتي تشكل التعددية في سماتها، إلا أنه يبرز أيضاَ وجود أقليات لا تعبر عن مصالحها، ويتم إقصاءها في العملية السياسية .
وبمتابعة مستوى المشاركة السياسية يتضح التباين الكبير، ففي بعض دول الخليج (الكويت وقطر) تجري إنتخابات المجالس التشريعية (البرلمانات) من قبل المواطنين مباشرة، في حين حصل المواطنون على وعود بهذا الشأن، في كل من البحرين وعمان، وتمارس دول عديدة أخرى درجة أكبر في حرية التعبير ووجود التعددية الحزبية.
وكثيراً ما تلجأ بعض دول الإقليم إلى فرض حالة الطوارئ التي تحد من ممارسة العديد من الحقوق المدنية والسياسية للمواطنين مما يجعل المواطنين يشكّون في جدوى المشاركة السياسية، والذي ينعكس في انخفاض معدل حضور الناخبين في الإنتخابات على المستويين الوطني والمحلي. فقد انخفضت معدلات المشاركة الإنتخابية إلى النصف في بعض الدول، التي تتيح إجراء إنتخابات تشريعية تنافسية (لبنان، والأردن، ومصر). كما انخفضت معدلات التصويت في الإنتخابات الأخيرة في اليمن والمغرب ومصر .[12]
أما على صعيد تنامي حركة حقوق الإنسان في الإقليم خلال النصف الأول من العقد الحالي يتضح تأسيس عدداً من الهيئات الرسمية وغير الحكومية على مستوى دول المنطقة، حتى في المناطق الأكثر محافظه (دول مجلس التعاون الخليجي)، وبرزت وزارات تعنى بحقوق الإنسان في كل من المغرب واليمن والعراق (ألغيت الوزارة في المغرب وتحولت الى هيئة رسمية وغير حكومية)، كما شكلت مجالس قومية (وطنية) لحقوق الإنسان في كل من مصر، تونس، الأردن، البحرين، قطر، السعودية، وبدأت عدداً من الدول في إصدار تقارير رسمية عن أوضاع حقوق الإنسان (مصر، اليمن، الأردن، المغرب) وهناك تقارير مقابله تصدر عن بعض منظمات المجتمع المدني وتتوافر معلومات بذلك في كل من البحرين ومصر والمغرب. وهي من الظواهر الإيجابية التي بدأت تتجذر في بعض المجتمعات. وفي الوقت ذاته برزت تشكيلات عديده لمنظمات حقوق الإنسان (غير حكومية) في كل من مصر، المغرب، تونس، الجزائر، الأردن، سوريا، العراق، البحرين، واليمن، وتعد المنظمة العربية لحقوق الإنسان (مصر) الإطار الاقليمي الذي يتابع ويرصد واقع حقوق الإنسان في المنطقة، بينما يهتم المعهد العربي لحقوق الإنسان (تونس) ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان (مصر) بالجوانب التثقيفية والإعلامية والتدريب والتطوير المؤسسي للمنظمات المعنية بحقوق الإنسان والطفل والمرأة .
ثانياًً: واقع منظمات المجتمع المدني في الإقليم
شهدت وتشهد منظمات المجتمع المدني في الإقليم نشاطاً واسعاً في العقود الأخيرة من القرن الماضي ومع بداية الألفية الجديدة، حيث تحاول تلك المؤسسات تعبئة الرأي العام حول قضايا هامة تتعلق بالمجتمعات العربية وبسياسات الحكومات ذات التأثير على القطاعات الشعبية بشكل أو بآخر، وسنتعرض هنا لبعض المسائل المرتبطة بأوضاع منظمات المجتمع المدني في الإقليم، وذلك على النحو التالي:
أ- النشــأة:
تَشكَّل العمل الأهلي العربي منذ بداياته وحتى الآن متأثراً بالظروف الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والثقافية للمجتمع العربي في مساره التاريخي، وهناك عدد من العوامل التي كانت لها تأثير واضح على توجهات وأهداف وحجم دور العمل في المراحل التاريخية المختلفة. فمن ناحية كان للقيم الدينية والروحية في المنطقة العربية، تأثيراً كبيراً على العمل الأهلي حيث تعتبر الجمعيات الخيرية وهي أقدم الأشكال امتداداً لنظام الزكاة ومفهوم الصدقة الجارية الذي تمثل في الوقف في الإسلام ولنظام العشور في المسيحية، انعكاسا لقيم التكافل الإجتماعي التي تحض عليها الأديان. وقد قامت هذه المنظمات الدينية بدور كبير في نشر التعليم والثقافة الدينية إلى جانب تقديم الخدمات والمساعدات الإجتماعية .
كما شهد القطاع الأهلي العربي تطوراً أثناء فترات النضال ضد الإستعمار الأجنبي أو الحروب أو الكوارث التي شهدتها المنطقة، مما عزز التكاتف الشعبي واستنفار الجماهير وانتظامها من أجل الحفاظ على إستقلالها وهويتها الوطنية ضد محاولات الهيمنة الثقافية والإستعمارية وفي درء مخاطر التحديات الطبيعية وغيرها.
لقد تأثر العمل الأهلي العربي أيضاً بالتطورات الإقتصادية والسياسية العالمية والإقليمية والمحلية، بحيث تطور دوره حديثاً تحت إلحاح مطلب التنمية، في إطار ظروف إقتصادية وسياسية وثقافية غير مواتية، إلى دفع تنظيماته لأن تكون إطاراً محركاً للجماهير للمشاركة في العملية التنموية، ولتقديم بعض الخدمات بدلاً من الدولة. وقد أدى هذا التطور إلى تسليط الضوء على هذا القطاع سواء على المستوى الإجتماعي أو السياسي أو الفكري. كما ظهرت في الآونة الأخيرة منظمات دفاعية Advocacy تعمل من أجل دعم الحريات وحقوق الإنسان والتحول الديمقراطي.[13]
تشير أماني قنديل في هذا الاتجاه الى أن العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر، وهي المرحلة الحاسمة التي صاغت ملامح هذه المنظمات الأهلية، وتبرز في هذا الصدد ثلاث ملاحظات لازمت عملية التشكل التاريخي للجمعيات الأهلية وذلك كالتالي:
1) اتسم التطور التاريخي لهذه المنظمات بالإستمرار والشمول، وقد ترتب على ذلك التعايش والتفاعل بين الأنماط الدينية والأنماط العلمانية عن هذه المنظمات من ناحية، والتعايش والتفاعل بين المنظمات التطوعيه الحديثة والمنظمات الشعبية غير الرسمية (الطرق الصوفية) من ناحية اخرى.
2) هناك اختلاف بين الأقطار العربية في النشأة الأولى لهذه المنظمات، والتي عرفت منذ بدايتها باسم الجمعيات، بعضها يعود الى بدايات القرن التاسع عشر (مصر 1821)، وبعضها الآخر يعود الى الربع الأخير من القرن التاسع عشر، أو أوائل القرن العشرين (تونس 1867، العراق 1873، لبنان 1878، الأردن 1912، وفلسطين 1920). أما في أقطار الخليج العربي، فقد كانت نشأة المنظمات التطوعية الخاصة من خلال النوادي الثقافية في البحرين (1919)، الكويت (1923)، ثم كانت الطفرة في الستينات والسبعينات من القرن العشرين، حيث توالي إنشاء هذه المنظمات في السعودية، الكويت، قطر، وسلطنة عمان. أما بالنسبة لليمن، فقد كان للتعاونيات التي استندت على العمل التطوعي والجماعي-، أثره في التأخير النسبي لتشكل الجمعيات والمؤسسات الخاصة حتى الأربعينيات من القرن العشرين.
3) تمثلت القوى الفاعلة التي قادت حركة التطور في الجمعيات في العالم العربي، في المثقفين ورجال الدين (خاصة في مصر وسوريا ولبنان والعراق وأقطار المغرب العربي) وبعض فئات النخبة التقليدية مثل الأعيان والأمراء . ويلاحظ أن العنصر النسائي قد أسهم في قيادة وريادة حركة التطور هذه في بعض الأقطار العربية مثال ذلك في السعودية حيث كان للمرأة دور رائد في تأسيس الجمعيات الخيرية., وكذلك في فلسطين في العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين (بسبب الظروف السياسية). ولعبت المرأة أيضاَ دوراً رائداً في قيادة العمل الاجتماعي والسياسي من خلال الجمعيات في مصر .
ويمكن ايجاز العوامل التي صاغت التشكل التاريخي لهذه المنظمات فيما يلي:
أ) تأثير الإرساليات التبشيرية الدينية الوافدة من الغرب:
ب) تأثير الأقليات الدينية والعرقية في الأقطار العربية.
ج) تأثير الاستعمار على تشكيل الجمعيات الأهلية وأنماط نشاطها
د) تأثير المثقفين العرب والقضايا الفكرية والسياسية .[14]
ويرى سعد الدين ابراهيم أنه رغم الطبيعة التسلطية التي ميزت أنظمة الحكم في العديد من دول الاقليم طوال تاريخها منذ الإستقلال، الا أن البذور الجنينية للمجتمع المدني الحديث قد ظهرت فيها جميعاً تقريباً. فبعض المؤسسات المدنية الجديدة، وخاصة في الجزء الشمالي من الوطن العربي –تعود في تاريخها الى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، لكنها ازدادت عدداً وازدهرت في فترة ما بين الحربين العالميتين (1918-1939) وكانت الطبقة المتوسطة الوليدة بمثابة العمود الفقري لهذه التنظيمات المدنية. وفي ظل الحكم الاستعماري، لعب عدد من هذه التنظيمات دوراً سياسياً ملموساً من اجل تحرير بلادها، ومن بين صفوف هذه التنظيمات ظهر زعماء الإستقلال .
وبعد سنوات الاستقلال شهدت عدة دول عربية موجة من السياسات الراديكالية التي صاحبت انقلابات عسكرية شعبية – في سوريا ومصر والعراق والسودان واليمن والجزائر وليبيا وموريتانيا والصومال، وقامت هذه الأنظمة "الراديكالية" بإنهاء التجارب الليبرالية الوجيزة التي مرت بها بعض مجتمعاتهم قبيل الاستقلال وبعده مباشرة . وصار حكم الحزب الواحد أو حكم النخبة الصغيرة هو النمط السائد . وأضفت هذه النخب على نفسها صفة "شعوبية" ، وأضفت على الدول دوراً اجتماعياً واقتصاديا توسعيا، وتمت صياغة عقد اجتماعي صريح أو ضمني أصبح على الدولة بمقتضاه أن تقوم "بالتنمية" وضمان "العدالة الاجتماعية"" والوفاء بالاحتياجات الاساسية لمواطينها وغيرها، وفي المقابل كان على شعوبها أن تكف عن المطالبة بالمشاركة السياسية الليبرالية، ولو الى حين . وتم استغلال الأيديولوجيات النوعية والاشتراكية والوحدوية للدعاية لهذا العقد الاجتماعي ، وللتعبئة السياسية تأييداً للنظم الحاكمة. وبهذا فقدت مؤسسات المجتمع المدني كل أو معظم استقلاليتها في ظل الحكم الشعبوي. وتحول بعضها الى مجرد تنظيمات قائمة على الورق فقط، بينما تكيفت قلة قليلة منها مع المعادلة الشعبوية الجديدة.
الا أن هزيمة نظم الحكم الشعبوية في 1967 وما تلاها من انتكاسات متوالية، بلغت ذروتها في أزمة الخليج (1990-1991) أدت الى تهاوي البقية الباقية من الثقة في العقد الاجتماعي الشعبوي.
ويرى أنه مع بداية تقهقر دور الدولة في السبعينات نتيجة فشل السياسات الاقتصادية والاجتماعية وظهور الضعف الهيكلي، شهدت منظمات المجتمع المدني تطوراً ملموساً، الا أن الحركات الإسلامية (مصر والجزائر) أو الحركات الانفصالية (السودان والصومال والعراق) استفادت من الأوضاع القائمة أنذاك بشكل اكبر.
ومع تراجع دور الدولة العربية (أي في السبعينات والثمانينات) انتعشت بعض المؤسسات المدنية السابقة للحقبة الشعبوية، ونشأت مؤسسات جديدة ومن بين هذه المؤسسات منظمات حقوق الإنسان، كما تكاثرت مئات من التنظيمات التطوعية الخاصة، وهيئات تنمية المجتمعات المحلية في العقدين الماضين من القرن العشرين، وهناك عدة عوامل دعمت هذا النمو الكمي المشهود ومن بينها:
• تزايد احتياجات الأفراد والجماعات المحلية، التي لم تعد تلبيها الدولة العربية.
• اتساع نطاق التعليم بين السكان العرب .
• زيادة الموارد المالية الفردية .
• نمو هامش الحرية .[15]
ويعزي هيثم مناع الإشكاليات التي أخرت من وجود وانتشار منظمات حقوق الإنسان في المنطقة، الى عامل وجود إسرائيل (في عام النكبة) حيث كان مصادفاً لعام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وما رافق ذلك من خلق حالة شك عامة بالأمم المتحدة ومؤسساتها في الشارع العربي، وفي حين كان العالم يعاود اكتشاف روابط حقوق الإنسان لم تتشكل أية منظمة عربية حتى بداية الستينات.[16]
ب – القوانين المنظمه:
كفلت بعض الدساتير العربية للمواطن حق تكوين المنظمات الأهلية منذ مطلع القرن العشرين ومن ذلك الدستور المصري عام 1923، والدستور اللبناني عام 1926. وفي آواخر القرن التاسع عشر وجدت تشريعات في بعض الأقطار العربية (تونس عام 1888) تنظم وتراقب تأسيس هذه المنظمات. وهذا يعني توافر قرار قانوني لدى بعض الأقطار، يعترف بالمكانة القانونية لمنظمات هذا القطاع.
ولإعطاء صورة عن القوانين والتشريعات والإجراءات المنظمة لعمل منظمات المجتمع المدني (الحديثة والمستمرة) في الاقليم (أنطر الملحق 2)، حيث يلاحظ أن جميع دول الأقليم – التي توجد بها دساتير مكتوبة – نصت في دساتيرها على حق تكوين الجمعيات، والحق في المشاركة والاجتماع السلمي لأهداف مشروعة، وذلك اتساقاً مع القوانين الدولية، ومع ذلك برزت بعض الصعوبات هنا وهناك وتحديداً مع المنظمات الحقوقية، التي تنادي بحقوق المرأة والإنسان.
ووفقاً للملحق رقم (2) يتضح أن كل دول الاقليم، أصدرت قوانين تنظم عمل التنظيمات الأهلية، وتعد مصر والمغرب وتونس، من أعرق الدول التي وضعت قوانين وتحديداً بعد الحرب العالمية الثانية، ويلاحظ بشكل عام أن جميع الدول عدلت قوانينها خلال السنوات العشر الأخيرة مستوعبة بذلك أهمية هذا القطاع، رغم التفاوت بين دولة وأخرى بشأن درجة السماح او القيود لعمل هذه المنظمات .
وفي مصر أثار صدور قانون الجمعيات رقم 84 لسنة 2002 نقاشاً وجدلاً واسعاً بين حركة المجتمع المدني، وعقدت العديد من المؤتمرات والندوات، المعبره عن انتقادها للقانون، الذي ربط مؤسسات المجتمع المدني بالحكومة، وقيد نشاطها او أية خطوة الا بعد اذن وترخيص او موافقة الجهة الإدارية المختصة وفقا لعبارات القانون .[17]
ويشير التقرير السنوي للمجتمع المدني والتحول الديمقراطي في العالم العربي عام 2004 بأن المجتمع المدني المصري وحرية التنظيم مازالت مقيده بقانون الطوارئ ومجموعة من القوانين الاستثنائية، التي تعطي الفرصة للحكومة والإجهزة الأمنية في التحكم والسيطرة على النشاط المدني المصري. وينظر القانون رقم 32 لعام 1964 المتعلق بالجمعيات والمؤسسات الخاصة والمعدل بالقانون 84 لعام 2002، عملية تأسيس منظمات المجتمع المدني ونشاطه في مصر. ولم تعدل الصيغة المعدله من القانون القيود على نشاط المنظمات عبر الحكومة، بل في بعض البنود كان التعديل الى الأسوأ. وبالإضافة الى ذلك يحظر القانون على المنظمات غير الحكومية المشاركة في أي نشاط سياسي أو نقابي، ويضع القانون قيوداً على ادارات المنظمات غير الحكومية وعملياتها وشئونها المالية، ولا تستطيع أي جمعية مدنية ممارسة نشاطها الا بعد أخذ موافقة السلطات عليه .
وفي العراق يكفل قانون إدارة الدولة الحالي للمواطنين العراقيين الحق في تكوين الجمعيات والانضمام اليها، ويقنن عملها الدستور المؤقت، الذي تم تبنية في مارس 2004، والذي يعطي في مادته (21) الحرية لمؤسسات المجتمع المدني، وشجع الوضع الجديد في العراق العديد من المنظمات التي تأسست في الخارج على إعادة تنظيم نفسها من جديد بما يتلاءم والمرحلة الراهنة وأصبح نشاط العديد منها يتركز في العمل التطوعي وجمع التبرعات في الداخل والخارج، الى جانب العمل السياسي، إلا أن بقاء الإحتلال يشكل عقبة كبيرة أمام عمل ومصداقية منظمات المجتمع المدني .
وفي سوريا ازداد نشاط المجتمع المدني السوري خلال الأعوام 2003/2004، وظهرت بشكل علني المطالب بإنهاء الطوارئ وإطلاق الحريات العامة، وشكلت عدد من الجمعيات ضغط على الحكومة للإفراج عن عدد من المعتقلين السياسيين. وفي المقابل فلا تزال جميع أنشطة الحرية العامة تعاني من الخطر والتضييف الشديد من قبل السلطات السورية، كما تتزايد أحكام الاعتقال على نشطاء المجتمع المدني والمدافعين عن الحريات وحقوق الإنسان . وما تزال السلطات تمنع قيام جمعيات أو منتديات أو ترخيصها.
وفي الأردن ينظم قانون الجمعيات والمؤسسات للعام 1996 حركة المجتمع المدني، والذي اعطى الحق الكامل في تشكيل المنظمات المدنية وفي الإنضمام اليها، ويحظر استخدام الجمعيات للعمل الحزبي، ولا يضع القانون العراقيل امام قيام الجمعيات الأهلية ما دامت لا تعمل بالعمل السياسي ويقتصر عملها على النشاط التنموي او الاجتماعي. أما بالنسبة للنقابات المهنية فيمنحها القانون حرية العمل ولكن يمنعها من الاشتغال بالعمل السياسي.
وفي تونس يضمن الدستور حرية التجمع لكن قوانين الطوارئ الحالية تقيد ذلك، ويلزم القانون التونسي جميع المنظمات غير الحكومية بإخطار الحكومة بمواعيد المؤتمرات التي ستنظمها تلك المنظمات في الأماكن العامة وذلك قبل ثلاثة أيام من عقدها وتلزم أيضاَ تلك المنظمات بتقديم لائحة كاملة بأسماء الحضور الى وزارة الداخلية.
وتضع الحكومة قيوداً كبيرة على منظمات حقوق الإنسان وأنشطتها وتعتبر تونس من الدول العربية القلائل التي تتمتع بقدر عالي من القمع في جميع الحريات ما عدا تلك التي تتعلق بالمرأة .
وفي ليبيا تمنح الحكومة حق تأسيس الجمعيات والنقابات الأهلية بموجب القانون الصادر سنة 1972، الا أنها تسيطر على المجتمع المدني من خلال المؤسسات الحكومية "الثورية" المتعددة التي تنتشر في مختلف قطاعات المجتمع الليبي .
وفي الجزائر يكفل الدستور حرية التجمع وحرية تكوين الجمعيات، ولكن قانون الطوارئ لا زال يفرض العديد من القيود على المجتمع المدني وحرية التجمع. وتخضع حرية التنظيم لأحكام "الأمر التشريعي الخاص بسن قانون عضوي ينظم عمل الأحزاب السياسيه، ولقانون الاتحادات العمالية لعام 1990، ولقانون الطوارئ لسنة 1992 الذي يحرم على النقابات والاتحادات الإتصال بالأحزاب السياسية. ولقانون الوئام المدني لعام 1992. وتمنع الحكومة أو ترفض السماح لبعض منظمات المجتمع المدني من التسجيل لأسباب امنية أو بدون أسباب أصلاً . وهناك بعض المنظمات غير الحكومية التي لا تزال تعمل بالرغم من موقفهم غير القانوني.[18] وقانون الجمعيات لسنة 1990 حقق بعض المميزات لمنظمات المجتمع المدني كما خفف من بعض الإجراءات الخاصة بالتأسيس الا أنه اعطى الإدارة امكانية (مفتوحة) لإقصاء أو تجميد أية جمعية اذا كانت أهدافها تخالف النظام التأسيسي أو الآداب العامة، وهو ما طبق فعلاً سنة 1993 على كل الجمعيات الإسلامية . [19]
وفي المغرب ينظم قانون الحريات العامة إنشاء الجمعيات والمنظمات الأهلية ونشاطها، ويضمن الدستور المغربي حرية التجمع، وحق تكوين الجمعيات، ولكن ذلك لا يطبق فعلاً على أرض الواقع وذلك لأن جميع المنظمات والجمعيات مقيدة بموافقة وزارة الداخلية حتى تتمكن من تسجيل نفسها، ولا تقوم الحكومة بتعطيل تسجيل الجمعيات الأهلية عدا تلك التي تنتمي الى الإسلاميين واليساريين.
وشهدت المغرب حراكاً مهماً لصالح تعديل قانون الجمعيات، واتاحت المناقشات المنظمة في عدة مناطق الى رفع توصيات من اجل تغيير القانون، وتم في هذا الاتجاه وضع دراسة قانونية مقارنة حول قانون الجمعيات مكنت من ابراز محاور اطار قانوني يراعي المعايير الدولية المتعلقة بحرية الجمعيات .
وفي السعودية لم يكن للجمعيات التطوعية المستقلة ولا للأتحادات المهنية او الأحزاب السياسية وجود في المملكة طوال العقود السابقة، وشهد عام 2003 تحركات ايجابية تمثلت في السماح بانشاء هيئة للصحافيين السعوديين، والموافقة على انشاء لجنة غير حكومية لحقوق الإنسان، كما اسست الحكومة مركزاً للحوار ومكافحة التطرف، ولكن تظل السعودية تفتقر الى ابسط ما يمكن تسميته مجتمع مدني مستقل عن الدولة أو الى الحريات المدنية المتعارف عليها في المواثيق الدولية . وفي الأعوام 2003/2004 أغلقت السعودية عدد من المؤسسات الدينية(كالحرمين الخيرية) والمتهمة بتمويل المنظمات الإرهابية، كما اوقفت نشاط عدد من المنتديات الثقافية، وتعرض عدد من المثقفين الداعيين للإصلاح الى الاعتقال. وبدأت تباشير أول انفراج بعد تولي الملك عبدالله، بالإفراج عن المعتقلين الإصلاحيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، وإقرار إنشاء هيئة حكومية لحقوق الإنسان في المملكة .
وفي الكويت يكفل الدستور حرية المجتمع وإنشاء الجمعيات الأهلية، ولكن هذه الحريات مقيدة على الصعيد العملي فكل المنظمات لابد أن تحصل على ترخيص لمزاولة عملها وتسجل تحت وزارة الشئون الاجتماعية وتتحكم هذه الوزارة في كل منظمات المجتمع المدني ولها الحق في سحب ترخيص أي منظمة لو ثبت ان نشاطاتها غير مقبولة اجتماعياً أو سياسياً، أو رأى النظام أنها ساءت استخدام مواردها المالية. ويحرم قانون الجمعيات الأهلية ممارسة العمل السياسي الا أن النظام يغض الطرف عن بعض الممارسات السياسية لبعض الجمعيات .
وفي الإمارات يضمن الدستور حق المواطنين في مخاطبة السلطات العامة وحق تشكيل الجمعيات، ولكن حرية الإجتماع العام وتكوين الجمعيات الأهلية تخضع لموافقة الحكومة. وان كان هناك تساهل في تطبيق هذا الشرط في بعض الإمارات. ووضعت وزارة الشئون الاجتماعية والعمل خطة للتفتيش على الجمعيات ترتكز على تحديد نوعية وفئة كل جمعية ومراقبة أداءها من خلال تكوين مجلس ادارة لها ونظاماً أساسياً يحدد وسائل جمع التبرعات وفق معايير دقيقة تمهيداً لتحديد حجم المعونات التي تستحقها من الوزارة .
ويجري حالياً إعداد قانونين جديدين للجمعيات الأهلية ذات النفع العام، تضمنت بعض التعديلات الجديده لقانون عام 1974، بهدف إفساح المجال أمام منظمات المجتمع المدني للمشاركة في العمل التطوعي والخيري والأهداف المشابهة .
وفي البحرين ينظم قانون الجمعيات والمرسوم رقم (21) الصادر سنة 1989 ، والمرسوم رقم (1) الصادر سنة 1990 اللوائح الداخلية للجمعيات الأهلية وعلاقتها بالدولة ونشاطها في مجال جمع التبرعات، ومنذ تطبيق الدستور الجديد تشكلت العديد من منظمات المجتمع المدني. ويسجل بشكل عام مناخ الحرية الذي تتمتع به الجمعيات الأهلية ، بما يتجاوز تقييدات قانون الجمعيات والأندية لعام 1989. الا أن هذا القانون الذي ينتمي الى فترة قانوني الطوارئ وأمن الدولة ، يعيق عمل الجمعيات متى ما رغبت السلطة في تفعيل بنوده المقيدة لحريات العمل في الجمعيات. وتطالب الجمعيات الأهلية بإصدار قانون للجمعيات دون الأندية يكون اكثر تطوراً ويلاحظ أن بعض الأحزاب والتنظيمات السياسية نظراً لعدم وجود قانون للأحزاب سجلت نفسها كجمعيات سياسية، وقد تم الترخيص لها (13) جمعية حسب قانون الجمعيات الأهلية، وهو الأمر الذي قيد حركتها وجعلها في مرتبة ادنى من الأحزاب السياسية . وتبرز بين الحين والآخر إجراءات تقييدية وتحفظ من قبل الحكومة على عمل هذه الجمعيات .[20]
وفي قطر يؤكد الدستور على حرية تأسيس الجمعيات ووفقا للشروط والظروف التي حددها القانون، وفي مايو 2004 منح القانون رقم (12) لعام 2004) ، الذي حل محل القانون رقم (
لعام 1998، المواطنين حق تأسيس جمعيات المهن الحرة وغيرها. ولكن القانون الجديد يفرض موافقة الحكومة الى جانب مجموعة من الرسوم الباهظة على الجمعيات لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد يجري دفعها مرة اخرى بعد انتهاء المدة كما يشترط دعوة الحكومة للموافقة مرى اخرى على التمديد.
وتشهد قطر حالياً العديد من الإصلاحات (انتخابات، التحول الى ملكية دستورية، اقرار ادستور) وتتيح هامشاً أوسع للحريات والمشاركة السياسية، وإصدار مجموعة من القوانين الجزئية المتعلقة بحرية التنظيم وحق الأحزاب، ومراجعة القوانين التي تخالف حقوق الإنسان وحريته.
وفي سلطنة عُمان يقر الدستور حق تأسيس الجمعيات الأهلية تحت اشراف وزارة الشئون الاجتماعية "على أساس وطني لأهداف مشروعة وبطريقة ملائمة لا تتعارض مع بنود القانون الأساسي" ويمنع تأسيس جمعيات ذات نشاط معاد للنظام الاجتماعي القائم أو ذات نشاط سري. كما يمنع تأسيس جمعيات حقوق الإنسان والنقابات العمالية، ولكن في عام 2004 سمح بتكوين "جمعية للصحافيين العمانيين" .
وفي اليمن تنظم عدة قوانين الجمعيات الأهلية والنقابات المهنية والعمالية في اليمن. وهذه القوانين لا تجيز للمنظمات غير الحكومية الانخراط في النشاط السياسي، ولا يميز قانون الأحزاب والمنظمات السياسية رقم (66) لعام 1991 بين الأحزاب السياسية والجمعيات السياسية[21]. وينظم القانون رقم (1) لعام 2001، عمل الجمعيات والمؤسسات الأهليةوالقانون الأخير هو محاولة لتبني فلسفة جديدة للعمل المدني الأهلي، ومع ذلك تضمنت بعض نصوص القانون الغموض مما قد يفسر لمصالح الجهات الحكومية خاصة فيما يتعلق بمصادر التمويل وعلاقات الجمعيات الأهلية المحلية بالجمعيات والمنظمات الأهلية الأجنبية. [22]
وخلاصة لهذا العرض، يلاحظ أن منظمات المجتمع المدني هي محور إهتمام القوانين العربية، وفي ضوء ذلك فإن القوانين تحدد شروطاً معينة لاشهار الجمعيات وتسجيلها، وتضع قواعد للرقابة على انشطتها، كما تضع قواعد لتنظيم العلاقة بين هذه المنظمات والدولة، وقد تضيق أو تتسع من دولة الى آخرى .
وفي دراسة ميدانية أجرتها شهيده الباز (1997) وجد أن مطالب المنظمات العربية قد ركزت كلها على المزيد من الديمقراطية، الدعم المالي وتخفيف القيود على انشاء المنظمات وتخفيف رقابة الدولة عليها.[23]
إجمالاً يلاحظ أن تطوراً كبيراَ شهدته المكانة القانونية لمنظمات المجتمع المدني في العديد من دول الاقليم ، وظهر ذلك بوضوح في حركة التعديلات والتحديث للقوانين السابقة، ومع ذلك تبقى بعض الصعوبات المقيدة لعمل هذه المنظمات منها ذاتية خاصة بمنظمات المجتمع المدني، وأخرى موضوعية ترتبط بالدولة وغيرها، وهو ما سنتطرق اليه لاحقاً.
ج- مجالات واهتمامات عمل منظمات المجتمع المدني:
تزخر المنطقة باختلافات تبدو متعددة، ليس من حيث وجود أو حضور المجتمع المدني فيها بحسب، وانما من حيث تنوع وفاعلية أدواره ونشاطاته وقدرته على أن يكون مؤثراً في عملية التنمية اجمالاً .
وربط باقر النجار تنوع مجالات عمل منظمات المجتمع المدني بمستوى الفضاء الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي وبالتالي مساحة الحرية المتوافرة في هذه الدولة أو تلك مشيراً الى انه في حين يتسم الفضاء المجتمعي اللبناني والمصري والشمال أفريقي بشكل عام بقدر كبير من الاتساع والمرونة الاجتماعية، فإن الفضاء الاجتماعي في الخليج والجزيرة العربية يتسم بقدر من المحافظة .
وبالنظر الى مجالات عمل منظمات المجتمع المدني في الأقليم نجدها تتوزع على خارطة واسعة من مختلف الأنشطة الاجتماعية والثقافية والمهنية والرعائية والسياسية والنسوية .. الخ. كما يتباين عددها من دولة لآخرى، وتتصدر الجزائر القائمة بنحو 57959 جمعية منها حوالي 842 على المستوى الوطني و57117 على المستوى المحلي، تليها المغرب بقرابة 30 ألف جمعية، ثم مصر التي يفوق عددها 16 الف جمعية، فتونس بحوالي 7560 جمعية، فلبنان 3656 جمعية، ثم اليمن 2713 جمعية، ويقل عدد الجمعيات في دول الخليج ليصل أدناه في قطر حيث لا يتجاوز عددها عشر جمعيات، في حين يبلغ أعلاه في البحرين بحوالي 321 جمعية، ثم المملكة العربية السعودية فيصل الى نحو 230 جمعية على المستويين الوطني والمحلي. ويستثنى من هذه الأرقام في الغالب المنظمات السياسية والنقابات العمالية (انظر الملحق رقم 3).
وعلى المستوى الاقليمي تصنف المنظمات الى نوعين:
1) منظمات عربية غير قطرية: وهي رغم كثرتها العددية الا أن انتاجيتها العملية محدودة المدى والتأثير ولا يذكر منها الا المنظمة العربية لحقوق الإنسان، واتحادات المحامين والمهندسين والأطباء والكتاب والصحفيين العرب. وقد لعبت هذه المنظمات أدواراً مهمة فيما يتعلق بقضايا تطوير المهنة وفي مجال المطالبة بتحسين أوضاع حقوق الإنسان والتطور الديمقراطي. وفي هذا السياق أهتمت جامعة الدول العربية بالمجتمع المدني وعملت على إنشاء مفوضية للمجتمع المدني تواجدت اسمياً ولم تقدم أية برامج أو أنشطة حتى الآن (عدا حلقة التشاور لوضع خطة عمل)، وهي بحاجة إلى تفعيل لدورها أسوة بجامعة الدول العربية، كما أوجدت جامعة الدول العربية إدارة لحقوق الإنسان تتابع تحقيق الميثاق العربي لحقوق الإنسان (لم يحظى بالمصادقة المطلوبة)، وواقع حال الإدارة وأدائها يتسم بالضعف وعدم الفاعلية، كما أن دور إدارة الأسرة والطفولة لا يزال عشوائياً وبحاجة إلى كوادر متخصصة.
ونرى هنا من المهم الإشارة الى جهود بعض المؤسسات العاملة في المجتمع المدني على مستوى الوطن العربي وهي:
أ) الشبكة العربية للمنظمات الأهلية:
وهي منظمة عربية انمائية، غير حكومية وغير هادفة للربح، ومقرها في القاهرة، وتهدف الى المساهمة في تعزيز علاقات التعاون والتنسيق والتفاعل بين الاتحادات والمنظمات الأهلية العربية العاملة في التنمية البشرية المستدامة، والمساهمة في بناء قدرات المنظمات الأهلية العربية وتطويرها، وكذلك ايضاَ المساهمة في تطوير العمل الأهلي العربي، وتصدر الشبكة تقارير سنوية عن أوضاع المنظمات الأهلية العربية، ولديها برنامج للتطوير المؤسسي تنفذها مع عدد واسع من منظمات المجتمع المدني في الاقليم .
ب) مركز ابن خلدون للدراسات ا