منتدى قالمة للعلوم السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم .. أخي الزائر الكريم ..أهلآ وسهلآ بك في منتداك ( منتدى قالمة للعلوم سياسية ) إحدى المنتديات المتواضعة في عالم المنتديات والتي تزهو بالعلم الشرعي والمعرفة والفكر والثقافة .. نتمنى لكم قضاء أسعد الأوقات وأطيبها .. نتشرف بتسجيلك فيه لتصبح أحد أعضاءه الأعزاء وننتظر إسهاماتكم ومشاركاتكم النافعة وحضوركم وتفاعلكم المثمر .. كما نتمنى أن تتسع صفحات منتدانا لحروف قلمكم ووميض عطائكم .. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه , وجنبكم ما يبغضه ويأباه. مع فائق وأجل تقديري وإعتزازي وإحترامي سلفآ .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . المشرف العام
منتدى قالمة للعلوم السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم .. أخي الزائر الكريم ..أهلآ وسهلآ بك في منتداك ( منتدى قالمة للعلوم سياسية ) إحدى المنتديات المتواضعة في عالم المنتديات والتي تزهو بالعلم الشرعي والمعرفة والفكر والثقافة .. نتمنى لكم قضاء أسعد الأوقات وأطيبها .. نتشرف بتسجيلك فيه لتصبح أحد أعضاءه الأعزاء وننتظر إسهاماتكم ومشاركاتكم النافعة وحضوركم وتفاعلكم المثمر .. كما نتمنى أن تتسع صفحات منتدانا لحروف قلمكم ووميض عطائكم .. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه , وجنبكم ما يبغضه ويأباه. مع فائق وأجل تقديري وإعتزازي وإحترامي سلفآ .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . المشرف العام
منتدى قالمة للعلوم السياسية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولصفحتنا عبر الفيسبوكمركز تحميل لكل الإمتدادات
منتدى قالمة للعلوم السياسية يرحب بكم
تنبيه:إن القائمين على المنتدى لا يتحملون أي مسؤولية عن ما ينشره الأعضاء،وعليه كل من يلاحظ مخالفات للقانون أو الآداب العامة أن يبلغ المشرف العام للمنتدى ، أو بتبليغ ضمن قسم اقتراحات وانشغالات
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» امتحان تاريخ الفكر السياسي جانفي 2024م
نعوم تشومسكي … معالم النظام العالمي: الهيمنة عدم الاستقرار و رهاب الأجانب في عالم متغير Emptyمن طرف salim 1979 الثلاثاء يناير 16, 2024 8:08 pm

» عام ينقضي واستمرارية في المنتدى
نعوم تشومسكي … معالم النظام العالمي: الهيمنة عدم الاستقرار و رهاب الأجانب في عالم متغير Emptyمن طرف salim 1979 السبت مايو 27, 2023 1:33 pm

» الإقرار وفق القانون الجزائري
نعوم تشومسكي … معالم النظام العالمي: الهيمنة عدم الاستقرار و رهاب الأجانب في عالم متغير Emptyمن طرف salim 1979 الخميس مايو 11, 2023 12:00 pm

» امتحان تاريخ العلاقات الدولية جانفي 2023
نعوم تشومسكي … معالم النظام العالمي: الهيمنة عدم الاستقرار و رهاب الأجانب في عالم متغير Emptyمن طرف salim 1979 الجمعة يناير 20, 2023 10:10 pm

» امتحان تاريخ الفكر السياسي جانفي 2023
نعوم تشومسكي … معالم النظام العالمي: الهيمنة عدم الاستقرار و رهاب الأجانب في عالم متغير Emptyمن طرف salim 1979 الأربعاء يناير 11, 2023 9:15 pm

» كتاب : المؤسسات السياسية والقانون الدستورى
نعوم تشومسكي … معالم النظام العالمي: الهيمنة عدم الاستقرار و رهاب الأجانب في عالم متغير Emptyمن طرف ammar64 الثلاثاء نوفمبر 08, 2022 10:47 pm

» الفكر السياسي عند الرومان
نعوم تشومسكي … معالم النظام العالمي: الهيمنة عدم الاستقرار و رهاب الأجانب في عالم متغير Emptyمن طرف salim 1979 الأحد أكتوبر 16, 2022 7:32 am

» الفكر السياسي الاغريقي بعد أفلاطون
نعوم تشومسكي … معالم النظام العالمي: الهيمنة عدم الاستقرار و رهاب الأجانب في عالم متغير Emptyمن طرف salim 1979 الأحد أكتوبر 16, 2022 7:31 am

» الفكر السياسي الاغريقي
نعوم تشومسكي … معالم النظام العالمي: الهيمنة عدم الاستقرار و رهاب الأجانب في عالم متغير Emptyمن طرف salim 1979 الأحد أكتوبر 16, 2022 7:29 am

أنت زائر للمنتدى رقم

.: 12465387 :.

يمنع النسخ
نعوم تشومسكي … معالم النظام العالمي: الهيمنة عدم الاستقرار و رهاب الأجانب في عالم متغير Ql00p.com-2be8ccbbee

 

 نعوم تشومسكي … معالم النظام العالمي: الهيمنة عدم الاستقرار و رهاب الأجانب في عالم متغير

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
salim 1979
التميز الذهبي
التميز الذهبي



تاريخ الميلاد : 27/05/1979
العمر : 44
الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 5278
نقاط : 100012160
تاريخ التسجيل : 06/11/2012

نعوم تشومسكي … معالم النظام العالمي: الهيمنة عدم الاستقرار و رهاب الأجانب في عالم متغير Empty
مُساهمةموضوع: نعوم تشومسكي … معالم النظام العالمي: الهيمنة عدم الاستقرار و رهاب الأجانب في عالم متغير   نعوم تشومسكي … معالم النظام العالمي: الهيمنة عدم الاستقرار و رهاب الأجانب في عالم متغير Emptyالخميس فبراير 28, 2013 11:46 am

نعوم تشومسكي … معالم النظام العالمي: الهيمنة عدم الاستقرار و رهاب الأجانب في عالم متغير

عندما استقرينا على عنوان هذا النقاش قليلون هم من خمّنوا أنه سيكون مفيداً لاحقاً, و كم سيتغير العالم بشكل كبير و حجم العواقب الكبيرة التي سيحملها هذا النظام على النظم المحلية و العالمية. كانت حركة الديمقراطية المتصاعدة في العالم العربي عرضاً رائعاً للشجاعة و التفاني و الالتزام من قبل القوى الشعبية, و هذا توازى أيضاً و بشكل لافت مع التمرد الواسع لعشرات الآلاف ممن يدعمون حركة العمال و الديمقراطية في ماديسون و ويسكونسن و مدن أمريكية أخرى.

سأتطرق أولاً إلى حدثٍ وقع في العشرين من شباط و ذلك عندما أرسل كمال عباس16 رسالة من ساحة التحرير إلى عمال ويسكونسن يقول فيها:” نقف إلى جانبكم كما وقفتم إلى جانبنا.” و يعد كمال عباس قائد سنوات من الصراع على الحقوق الأساسية للعمال المصريين و قد حفزت رسالته التطلعات التقليدية للحركة العمالية؛ هذه التطلعات التي تدعو إلى التلاحم بين عمال العالم و بين الشعوب بشكل عام.

بغض النظر عن بعض الخلل و الأخطاء في مسيرتهم, كانت الحركات العمالية دوماً في مقدمة الصراعات الشعبية من أجل الحقوق الأساسية و الديمقراطية. في الحقيقة ترقى الحركات العمالية التي تقود القوى في ساحة التحرير و شوارع ماديسون و العديد من مناطق الصراعات الشعبية الحالية مباشرة إلى مطامح ديمقراطية حقيقية؛ أي الوصول إلى أنظمة اجتماعية سياسية حيث الناس كلهم معنيون أحرار و متساوون في إدارة المؤسسات التي يعيشون منها و يعملون فيها.

تتقاطع حالياً المسارات في كل من القاهرة و ماديسون و لكنهما تتجهان إلى منحيين مختلفين. فالهدف الأساسي في القاهرة هو الحصول على الحقوق الأساسية التي منعتها الديكتاتوريات, أمّا في ماديسون فالهدف الدفاع عن حقوق رُبحت سابقاً بعد صراع مرير و تواجه الآن هجوماً شرساً. كلاهما ( القاهرة و ويسكونسن) عالم صغير من التوجهات في مجتمع عالمي و كلاهما يتبعان مسارين مختلفين. بالتأكيد سينجم عن ذلك عواقب كبيرة على أمريكا التي أصبحت قلب العالم الصناعي المتردي بعدما كانت أغنى الدول في التاريخ البشري, و على مصر التي دعاها الرئيس أيزنهاور ” بالمنطقة الأهم استراتجياً في العالم” و”المصدر الهائل للقوة الإستراتجية”,و” الجائزة الاقتصادية الأغلى في العالم في مجال الاستثمار الأجنبي”, كما جاء في كلمات وزارة الخارجية خلال أربعينات القرن الماضي. وهي جائزة أرادتها الولايات المتحدة لنفسها و لحلفائها في النظام العالمي الجديد المتكشف المعالم منذ تلك المرحلة. بالرغم من كل التغيرات التي جرت حينئذٍ لدينا كل الأسباب للاعتقاد بأن صناّع السياسة الحاليين مخلصون بشكل رئيسي لحكمة إي إي بيرلي (A.A. Berle )- المستشار المتنفذ للرئيس روزفلت- والتي تقول بأن “التحكم بمصادر الطاقة التي لا مثيل لها في الشرق الأوسط سيؤدي إلى هيمنة قوية على العالم”. بالمقابل فإن خسارة هذه الهيمنة ستهدد مشروع السيطرة العالمية الذي تم الإفصاح عنه خلال الحرب العالمية الثانية, و الذي استمر في مواجهة كافة التغيرات التي مرّ بها النظام العالمي منذ أربعينيات القرن الماضي.

بعد اندلاع حرب 1939 توقعت واشنطن بأنها ستنتهي باحتلالها لمركز القوة العظمى الوحيدة في العالم. حيث التقى موظفون مهمون في وزارة الخارجية مع خبراء في السياسة الخارجية خلال سنوات الحرب من أجل وضع خططٍ تحدد معالم عالم ما بعد الحرب. وضعوا الخطوط العريضة ” للمنطقة الكبرى” ( Grand Area) التي من المفترض أن تسيطر عليها الولايات المتحدة بما في ذلك القسم الغربي و الشرق الأقصى و الإمبراطورية البريطانية السابقة و معها مصادر الطاقة في الشرق الأوسط. كانت روسيا أنذالك في بداية انهزامها أمام الجيوش النازية بعد معركة ستالينغراد. و قد اتسعت أهداف “المنطقة الكبرى” لتشمل ضم أكبر مساحة ممكنة من اوراسيا و مركزها الاقتصادي في أوربا الغربية على الأقل, حيث ستقوم الولايات المتحدة و ضمن حدود هذه المنطقة الكبرى بالحفاظ على ” قوة لا منازع لها” و ” تفوق عسكري و اقتصادي” و تأمين ” أقل حد ممكن لأي ممارسة سيادية “, و في الحين نفسه تحتوي الدول التي قد تتدخل في خططها العالمية. وطُبقت هذه الخطط الدقيقة لمرحلة الحرب بكل السرعة الممكنة.

كان هناك إحساس دائم بأن أوربا قد تختار إتباع مسارها الاستقلالي الخاص و لهذا فقد كانت مهمة حلف الناتو جزئياً تقويض أي تهديد من هذا النوع. فحالما انهارت الذريعة الرسمية لحلف الناتو في عام 1989 توّسع الحلف باتجاه الشرق في خرق واضح للتعهدات الشفوية التي أُعطيت لغورباتشوف. بناءً على هذا أصبح الناتو منذ ذلك الحين قوة تدخل تديرها الولايات المتحدة بمجال واسع. و قد عبّر غييب دي هووب شيفر الأمين العام للحلف آنذاك (Jaap de Hoop Scheffer) في مؤتمر للناتو عن هذه الحقيقة حين قال بأن “مهمة الناتو هي حماية أنابيب النفط التي تنقل النفط و الغاز إلى الغرب و بشكل أوسع تأمين الطرق البحرية التي تستخدمها الناقلات النفطية و حماية البنى التحتية الأخرى لنظام الطاقة.”

كما هو واضح فإن عقائد المنطقة الكبرى تعطي ترخيصاً بالتدخل الأجنبي و وفق ما يراد له أن يكون. و قد عبرت ادراة كلينتون بشكل واضح عن هذه الخلاصة التي منحت الولايات المتحدة حق استخدام القوة العسكرية من أجل تأمين ” دخول غير محدود إلى الأسواق الرئيسية و إمدادات الطاقة و المصادر الإستراتجية” و الحفاظ على قوى عسكرية كبيرة ” منتشرة مُقدماً” في أوربا و آسيا ” من أجل تشذيب آراء الشعوب بخصوصنا ” و ” التحكم بالظروف التي قد تؤثر على معيشتنا و أمننا.”

دعمت المبادئ نفسها قرار غزو العراق حين أصبح فشل الولايات المتحدة في فرض إرادتها على العراق أمراً واقعاً ولم تعد الأسباب الحقيقية وراء أي خطاب برّاق للإدارة مخفيّة. و قد أصدر البيت الأبيض في تشرين الثاني 2007 إعلاناً حول الأسباب اللازمة لبقاء القوات الأمريكية في العراق إلى أجل غير محدد و تسليم البلد إلى مستثمرين أمريكيين ( أصحاب امتيازات) ممن تدعمهم واشنطن. حيث أخطر الرئيس بوش الكونغرس بعد شهرين من هذا الإعلان بأنه سيرفض أي قانون قد يحد من التمركز الدائم للقوات الأمريكية المسلّحة في العراق أو من ” سيطرة الولايات المتحدة على مصادر النفط العراقية”. و هذا يعني , وفقاً لوجهة نظر بوش, أن يُطلب من الولايات المتحدة بعد ذلك الحد من بقاء القوات الأمريكية في العراق و الاستسلام في وجه المقاومة العراقية.

حصد الحراك الشعبي في تونس و مصر انتصارات مهمة, لكن منذ بضعة أيام خلت أوردت منظمة كارنيغي انداومنت 19(Carnegie Endowment)بأن ” التغيير في النخبة الحاكمة و نظام الحكم لا يزال هدفاً بعيداً” في دلالة واضحة إلى أن الأسماء قد تتغير و لكن النظام سيستمر. هذا و يناقش تقرير كارنيغي انداومنت العوائق الداخلية أمام الديمقراطية و لكنه يتجاهل العوائق الخارجية و هي كالعادة على القدر نفسه من الأهمية.

تملك الولايات المتحدة و حلفائها الغربيين ثقة بفعل ما يلزم لمنع قيام أي ديمقراطية حقيقية في العالم العربي, و من أجل فهم سبب هذا فمن الضروري النظر إلى استطلاعات أراء العرب التي تقوم بها وكالات الاستطلاع الأمريكية. على الرغم من أنها بالكاد تظهر في التقارير و لكنها تؤخذ في حسبان من يضع الخطط. تُظهر استطلاعات هذه الوكالات بأن العرب, الغالبية الساحقة منهم, يعتبرون إسرائيل و الولايات المتحدة مصدر التهديد الأكبر الذي يواجهونه ( 90% من المصريين و أكثر من ثلاث أرباع المنطقة؛ بالمحصلة تعتبر الغالبية أمريكا مصدر تهديد بينما يعتبر قسم نسبته 10% إيران كمصدر تهديد). إنّ المعارضة للسياسة الأمريكية قوية جداً لدرجة أن الغالبية تؤمن بأن الأمن سيتحسن لو امتلكت إيران أسلحة نووية. ففي مصر وحدها 80% يعتقدون بأن الأمن سيتحسن لو امتلكت إيران سلاحاً نووياً و هناك أرقام أخرى مشابهة في بلدان أخرى. لو كان للرأي العام في الشرق الأوسط قوة ضغط مؤثرة على السياسة لما تمكنت الولايات المتحدة فقط من عدم التحكم بالمنطقة بل كانت ستُطرد منها مع حلفائها, و بالتالي ستنهار دعائم الهيمنة العالمية للولايات المتحدة.

يُعتبر دعم الديمقراطية مجال اختصاص الأيدلوجيين و الدعاة السياسيين, بينما الوضع على أرض الواقع و في العالم الحقيقي هو كره نخبوي للديمقراطية. و هذا أكبر دليل على أن الديمقراطية مدعومة فقط بقدر ما تساهم بتحقيق الأهداف الاجتماعية و الاقتصادية كما أقرّت باستفاضة الجهات الأكثر جديّة.

كشف البغض النخبوي للديمقراطية عن نفسه من خلال ردة الفعل تجاه فضائح وثائق ويكيليكس. فالوثائق التي كانت محط الاهتمام أتت على شكل تعليقات خفيفة و مرحة لم تخفِ دعم العرب لموقف الولايات المتحدة تجاه إيران و الإشارة هنا طبعاً إلى الحكام العرب الديكتاتورين, أمّا موقف الشعب فقد كان غائباً في التسريبات. و هذا المبدأ المركزي للسياسة الأمريكية عبّر عنه مروان مشير48 وهو اختصاصي في شؤون الشرق الأوسط يعمل لصالح منظمة (Carnegie Endowment) و مسؤول سابق رفيع المستوى في الحكومة الأردنية:” لا يوجد أي خطأ فكل شيء تحت السيطرة.” باختصار إن دعمنا الحكام الديكتاتورين فماذا يهمنا غير هذا؟

ما قاله مشير عقلاني و يستوجب الاحترام, و نذكر على سبيل المثال قضية قريبة و وثيقة الصلة بما نقوله. ففي نقاش مغلق عام1958 عبّر الرئيس أيزنهاور عن قلقه من ” حملة الكره” تجاهنا في العالم العربي و هو حقد من قبل الناس و ليس من قبل الحكومات. و قد بيّن مجلس الأمن القومي وجود اعتقاد في العالم العربي بأن الولايات المتحدة تدعم الديكتاتورين و تمنع الديمقراطية و النمو من أجل التحكم بمقدرات المنطقة. ويتضح, علاوة على ذلك, أن هذا الاعتقاد صحيح بشكل أساسي كما استنتج مجلس الأمن القومي الذي أوصى بما علينا فعله بالتحديد: أي تبني ما جاءت به مقولة مشير. يتوازى هذا مع نتائج الدراسات التي أجراها البنتاغون بعد الحادي عشر من أيلول التي أوضحت حقيقة ما يحدث بالضبط في هذه الأيام.

من الطبيعي أن يرسل المنتصرون التاريخ إلى سلة القمامة و أن يتمسك به المنهزمون بشكل جدي, لذلك قد يكون من المفيد بمكان ذكر بعض الملاحظات المقتضبة بخصوص هذا الموضوع المهم. يمكنني القول بأن هذا اليوم ليس المناسبة الأولى التي تواجه فيها كل من مصر و الولايات المتحدة مشكلة متوازية و تتحركان فيها باتجاهين مختلفين فقد حصل الأمر عينه في بداية القرن التاسع عشر.

جادل المؤرخون الاقتصاديون بأن مصر مرّت سابقاً بوضع مناسب للدخول في نمو اقتصادي متسارع بالتوازي مع الولايات المتحدة. فكلا البلدين امتلكا زراعة غنية بما في ذلك محصول القطن الذي كان وقود الثورة الصناعية. على نقيض مصر كان على الولايات المتحدة أن تطور إنتاج القطن و القوة العاملة فيه عن طريق الاستعباد والإبادة والعبودية التي تبرز تداعياتها الآن في ما يجري لمن نجوا و في عدد السجون التي ازداد منذ أيام ريغان من أجل إيواء الجماعات السكانية الفائضة التي خلّفها أفول هذه الصناعة . هناك فرق واحد أساسي بينهما وهو أن الولايات المتحدة حصلت على استقلالها و بالتالي أصبحت حرة في تجاهل ما أتت به النظرية الاقتصادية التي قدمها آدم سميث(Adam Smith) بشكل أدق مما يُعبر عنه اليوم من قبل الدعاة إلى مجتمعات متطورة.

جادل سميث بأن على المستعمرات المحررة في الولايات المتحدة تصنيع المنتجات الأولية للتصدير و استيراد صناعات بريطانية متفوقة في الوقت عينه, و بالطبع لا يجب أن لا تقدم هذه المستعمرات أبداً على محاولة احتكار السلع الرئيسية بالأخص احتكار سلعة القطن.

و كان من شأن اتخاذ منحى آخر مخالف (محاولة المستعمرات المحررة احتكار السلع ) التسبب بإعاقة. فقد حذر سميث شعوب المستعمرات من أن اتخاذ هذا المنحى المخالف لن يسهل التنامي المتزايد في قيمة الإنتاج السنوي وسيكون عائقاً بدلاً أن يكون ترويجاً لنمو بلدهم باتجاه امتلاك ثروة و عظمة حقيقيتين. و حين استقلت المستعمرات أصبحت حرة في تجاهل النصيحة و اتباع طريقة بريطانيا في التطور المستقل الذي تتحكم به الدولة. و لذلك ارتفعت التعرفة لحماية الصناعة من المستوردات البريطانية و في مقدمتها ارتفعت تعرفة الصناعات النسيجية و لاحقاً الصلب و غيرها وتم تطوير العديد من الأدوات أخرى بغية دفع وتيرة النمو الصناعي. سعت أيضاً الجمهورية الأمريكية المتحدة حينذاك إلى الحصول على احتكار القطن من أجل ” وضع باقي الأمم كلها تحت أقدامنا”, بالتحديد وضع العدو البريطاني “تحت أقدامنا”, كما أعلن الرؤساء الجاكسونيون عندما كانوا يحتلون تكساس و نصف المكسيك.

بالنسبة لمصر فقد أُعيق منحى مشابه من قبل القوة البريطانية حين أعلن اللورد بالمرستون (Lord Palmerston ) بأنه ” لا يجب أن تعترض أي أفكار عن العدالة (عدالة تجاه مصر) الطريق أمام مصالح بريطانيا الكبرى و المهمة و ضرورة حماية هيمنتها الاقتصادية و السياسية. و قد عبّرت بريطانيا عن “كرهها” ” للبربري الجاهل” محمد علي الذي سعى بكل جرأة للحصول على الاستقلال, لذلك استخدمت بريطانيا الأساطيل و القوة المالية من أجل سحق سعي مصر للاستقلال و النمو الاقتصادي.

بعد الحرب العالمية الثانية و حين أصبحت الولايات المتحدة القوة العالمية المهيمنة بدلاً من بريطانيا تبنت واشنطن الموقف ذاته, و أوضحت تماماً بأن الولايات المتحدة لن تقدم أي مساعدة أو عون لمصر ما لم تلتزم الأخيرة بقوانين الطرف الضعيف المتعارف عليها. هذا الطرف الضعيف الذي استمرت الولايات المتحدة بانتهاك حقوقه من خلال فرض تعرفة مرتفعة حتى تعيق إنتاج القطن المصري و تتسبب باستنفاذ عجز الدولار حسب التحليلات المعتادة و وفق معايير السوق. إذاً ليس من الغريب أن “حملة الكراهية” تجاه الولايات المتحدة و التي أثارت قلق أيزنهاور استندت على الاعتقاد بأن الولايات المتحدة وحلفاؤها يساندون الديكتاتوريين و يمنعون الديمقراطية و التنمية.

يجب أن نضيف و ي دفاع عن آدم سميث أن الأخير أدرك ما سيحدث في حال اتبعت بريطانيا قوانين الاقتصاديات الثابتة التي تدعى الآن ب “الليبرالية الجديدة”. فهو من حذّر بأنه في حالة توجه المصنعون و التجار و المستثمرون البريطانيون إلى الخارج فأنهم سيربحون و لكن بريطانيا ستعاني. كان لدى سميث أملاً بأن المصنعين و التجار سيتحيزون للوطن, بالتالي و بيد خفية, سيوفرون على بريطانيا ما قد تؤدي إليه العقلانية الاقتصادية الداعية للتوجه إلى الخارج. من الصعب تفويت هذا المقطع ففيه الإشارة إلى العبارة الشهيرة “يد خفية في ثروات الأمم” (عنوان أحد كتب آدم سميث المثيرة للجدل). ينتهي ديفيد ريكاردو(David Ricardo), مؤسس آخر للاقتصاديات الكلاسيكية, إلى النتائج نفسها آملاً أن يقود التحيز للوطن رجال الأعمال إلى ” الاقتناع بأرباح منخفضة في بلدهم بدلاً من السعي إلى استغلال أكثر ربحاً لثرواتهم في البلاد الأجنبية و هي ثروات ستشعره بالأسى في حال واجهت التراجع”. لكن بغض النظر عن توقعاتهم فإن حدس الاقتصاديين التقليديين كان صائباً و سليماً.

يمكن مقارنة حراك الديمقراطية في العالم العربي أحياناً بما حدث في أوربا الشرقية في 1989 و لكنها ستكون مقارنة على أرضية أقل صلة بين الحدثين. ففي عام 1989 قمع الروس حراك للديمقراطية مدعوم من القوى الغربية بما ينسجم مع العقيدة الأساسية التي تقول بتوائم الديمقراطية مع الأهداف الاقتصادية والإستراتجية الغربية. آنذاك عَدّت القوى الغربية هذا الحراك انجازاً نبيلاً و حظي بالكثير من الشرف مقارنة بما حصلت عليه صراعات أخرى جرت في المرحلة نفسها كالصراعات الشعبية” الداعمة لحقوق الإنسان الأساسية لشعوب أمريكا الوسطى” حسب كلمات رئيس الأساقفة آل سلفادور الذي اغتيل و هو واحد من مئات آلالاف ضحايا القوة العسكرية المسلحة و المدّربة من قبل واشنطن. لم يكن هناك غورباتشوف في الغرب خلال هذه الأعوام المرعبة و لا يوجد غورباتشوف الآن أيضاً و لكن تبقى القوى الغربية معادية للديمقراطية في العالم العربي لأسباب وجيهة.

تستمر عقائد المنطقة الكبرى بالامتثال للأزمات والمواجهات المعاصرة ووفق مجامع صناع السياسة الغربية و التعليقات السياسية. يشكل الآن التهديد الإيراني الخطر الأكبر على النظام العالمي و بالتالي يجب أن يشغل هذا التهديد الاهتمام المحوري في سياسة الولايات المتحدة الخارجية و أوربا التي تنتهج السياسة الأمريكية بكل تهذيب.

ما هو بالتحديد التهديد الإيراني؟

هناك جواب رسمي على هذا السؤال يقدمه كل من البنتاغون و الاستخبارات الأمريكية (CIA). ففي تقرير عن الأمن العالمي العام الماضي أوضحوا بأن تهديد إيران ليس عسكرياً و استنجوا بأنّ الإنفاق العسكري الإيراني “منخفض نسبياً مقارنة بمثيله في بقية المنطقة”, و بأن عقيدة إيران العسكرية لا تتعدى كونها ” دفاعية و مصممة لإعاقة أي احتلال و فرض حل دبلوماسي في حال وجود أعمال عدائية.”

حسب اقتباسات الجميع فما تملكه إيران حقاً هو ” قدرة محدودة لإبقاء مجال الاحتمالات مفتوح أمام ممارسة القوة خارج حدودها”, و مع اعتبار الخيار النووي فإن ” برنامج إيران النووي و قابليته للإبقاء على احتمالات مفتوحة لتطوير أسلحة نووية جزء أساسي في إستراتجيتها الرادعة”.

بلا شك هذا النظام الديني القاسي يشكل تهديداً على شعبه بالرغم أنه بالكاد يضاهي ما يفعله حلفاء أمريكا في هذا المجال و لكن هذا التهديد غير حقيقي على صعيد آخر و نذير شؤم في الواقع. هناك عنصر واحد يجب ذكره و هو أنّ القدرة الرادعة لإيران و أي محاولة من قبلها لممارسة سيطرة غير شرعية قد يشكلان عائقاُ أمام حرية عمل الولايات المتحدة في المنطقة. من الواضح بما لا يخفى سبب سعي إيران لامتلاك قدرة رادعة فنظرة واحدة إلى القواعد العسكرية الأمريكية و النفوذ النووي في المنطقة كافٍ لشرح السبب. منذ سبعة أعوام مضت كتب المؤرخ العسكري الإسرائيلي مارتن كريفلد (Martin van Creveld)3 بأن ” العالم شهد كيف هاجمت الولايات المتحدة العراق من أجل لا شيء كما ظهر لاحقاً. لهذا فإن لم يحاول الإيرانيون صناعة أسلحة نووية فهم مجانين.” خاصة و أنهم تحت تهديد مستمر بالتعرض لهجوم يخرق ميثاق الأمم المتحدة. لكن سواء فعلوا هذا أم لا سيبقى السؤال مفتوحاً أمام الاحتمالات, لكن على الأغلب هم يفعلون ذلك.

و الخطر التي تشكله إيران يتجاوز سياستها الرادعة فهي تسعى إلى توسيع نفوذها في البلدان المجاورة كما يؤكد البنتاغون و السي آي ايه, و هو توسع ” يُضعف استقرار” المنطقة وفق المصطلحات التقنية لخطاب السياسة الأمريكية الخارجية. في الحين نفسه يعتبرون غزو الولايات المتحدة و الاحتلال العسكري لجيران إيران ” تحقيق استقرار” و ينظرون إلى جهود إيران لمد نفوذها على هذه المناطق ” إضعاف لهذا الاستقرار” و لهذا اعتبروه توسعاً غير شرعي. مثل هذا الاستخدام المزدوج للمصطلحات شائع, و على الأغلب استخدم محلل السياسية الخارجية البارز جيمس تشاس مصطلح ” الاستقرار” بمعناه التقني عندما وضّح بأنه و من أجل تحقيق “الاستقرار” في تشيلي فمن الضروري ” إضعاف استقرار” البلد ( من خلال الإطاحة بحكومة الليندي المنتخبة و وضع ديكتاتورية بينوشيه بدلاً منها). هناك مصادر قلق أخرى مثيرة للاهتمام أكثر من قضية توسع إيران لكن يكفي على الأغلب كشف المبادئ الأساسية و وضعها في ثقافة امبريالية كما أكد المخططون أيام روزفلت حين أرسيت عقيدة النظام العالمي المعاصر القائلة بعدم تحمل للولايات المتحدة ” لأي ممارسة مستقلة للسيادة” بما يتعارض مع مخططاتها العالمية.

تتحد كل من الولايات المتحدة و أوربا في معاقبة إيران من أجل التهديد الذي تضعه على الاستقرار و لكن من المفيد أن نتذكر كم هم معزولون في موقفهم. فقد دعمت الدول غير المتحيزة بحماسة حق إيران في تخصيب اليورانيوم و في المنطقة يبدو أن الرأي العربي العام يفضل بشدة أن تمتلك إيران أسلحة نووية. هذا و قد صوتت قوى إقليمية كبرى كتركيا ضد حركة العقوبات الأمريكية الأخيرة في مجلس الأمن بالتوازي مع البرازيل – البلد الأكثر إثارة للاحترام في أمريكا الجنوبية. و لكن هذا العصيان سبب لهم توبيخاً لاذعاً ليس الأول من نوعه. فقد كانت تركيا محط للإدانة المريرة في 2003 عندما حققت الحكومة إرادة 95% من الشعب و رفضت المشاركة باجتياح العراق؛ هذا يعني بأن قبضتها الديمقراطية ضعيفة حسب التعريف الغربي للديمقراطية.

تلقت تركيا, بعد إساءتها للتصرف في مجلس الأمن العام الماضي, تحذيراً من فيليب غوردن و هو دبلوماسي رفيع المستوى خاص بالشؤون الأوربية. و من جهته استطرد أوباما تحذير فيليب غوردن قائلاً بأنه يتوجب على تركيا “أن تظهر التزامها بالشراكة مع الغرب”. و قد تساءل أحد الباحثين في العلاقات الخارجية للمجلس عن ” كيفية إبقاء الأتراك على المسار؟” يتبعون الأوامر كديمقراطيين جيدين.

ظهر عتب على رئيس البرازيل “لولا” في عنوان بجريدة النويورك تايمز حيث أظهرت الجريدة جهود “لولا” المشتركة مع جهود تركيا في سبيل تقديم حل لقضية تخصيب اليورانيوم خارج إطار قوة الولايات المتحدة على أنها ” وصمة عار في إرث القائد البرازيلي”. باختصار: افعلوا ما نقول و إلاّ.

يتحدث العدد الحالي لمجلة ” فورن أفيرز”(Foreign Affairs):

” يتضح عرضياً و بشكل لافت احتمالية أن أوباما وافق مقدماً على الاتفاق الإيراني – التركي- البرازيلي بناءً على اعتقاد بأنه سيفشل. بالتالي فهو قد أشهر في وجه إيران سلاحاً أيدلوجياً و لكن عندما نجح الاتفاق تحولت هذه الموافقة إلى توبيخ. حاولت واشنطن التملص من موافقتها عبر قرار من مجلس الأمن و لكنه أتى قراراً ضعيفاً لدرجة أن الصين وقعت عليه فوراً و هي الآن معاقبة لأنها كانت على مستوى ما جاء فيه حرفياً و ليس على مستوى الأهداف الأحادية لواشنطن.”

في الحين الذي تحملت فيه الولايات المتحدة العصيان التركي بخيبة أمل لم يسهل عليها تجاهل موقف الصين. و حذرت الصحافة من أن ” المستثمرين و التجار الصينيين يملؤون الآن فراغاً في إيران على شكل صفقات عمل من بلدان أخرى, بالتحديد, من بلدان أوربية و قد نجحوا ” خاصة أنهم بدؤوا يوسعون دورهم المسيطر على صناعات الطاقة الإيرانية”, و يظهر أن واشنطن رضخت لهذا الوضع بمسحة يأس.

و قد حذرت وزارة الخارجية الأمريكية الصين بأنها في حال أرادت أن يقبلها المجتمع الدولي, و هذا مصطلح تقني يشير إلى الولايات المتحدة و كل من يتفق معها, فعليها ألا تلتف و تتهرب من المسؤوليات الدولية( الواضحة)؛ و نعني بذلك ” أن تمتثل للأوامر الأمريكية”. لكن من غير المرجح أن تتأثر الصين بهذا التحذير.

يتعاظم القلق أيضاً من التهديد العسكري المتصاعد للصين. فقد حذر تقرير حديث للبنتاغون من ارتفاع إنفاق الميزانية العسكرية للصين إلى ” خُمس ما أنفقه البنتاغون على الحروب في العراق و أفغانستان”. و هذا بكل تأكيد بالكاد يرقى إلى مكافئ حقيقي مقارنة بنفقات الميزانية الأمريكية العسكرية. و تحذر جريدة النويورك تايمز من أن أي توسع في القوة العسكرية للصين قد يؤدي إلى ” حرمان قدرة السفن الحربية الأمريكية من العمل في المياه الدولية قبالة شواطئ الصين “.

إذاً حرمان الولايات المتحدة من العمل قبالة شواطئ الصين مما يعني أن تقلّص من قوتها العسكرية و تحرم بالمقابل السفن الحربية الصينية من العمل قبالة شواطئ الكاريبي. و يتضح أكثر ” قصور” قدرة الصين في فهم قوانين “اللياقة الدولية” من خلال اعتراضها على خطط بناء حاملات طائرات جورج واشنطن العاملة بالطاقة النووية والتي تنضم إلى التدريبات البحرية على بعد عدة أميال من الشاطئ الصيني على أساس أنها قريبة و قادرة على ضرب بكين.

على نحو مغاير يتفهم الغرب أسباب كل هذه العمليات التي تجريها الولايات المتحدة و التي يراها ضرورية من أجل حماية استقرار و أمن أمريكا. حيث يعبّر المحافظون الليبراليون الجدد عن قلقهم بأن ” الصين قد أرسلت عشرة سفن حربية عبر المياه الدولية قبالة الجزيرة اليابانية أوكينوا”. بالتأكيد هذا عمل استفزازي من قبل الصين, و هو استفزاز لا يمكن مقارنته أبداً بذلك الاستفزاز الذي تُغفل واشنطن ذكره حين حولت الجزيرة إلى قاعدة عسكرية لها متحدية بذلك الاحتجاجات الشعبية الكبيرة ضد وجودها على الجزيرة. هذا بالتأكيد ليس استفزازاً أبداً بناءً على أساس أننا نملك العالم.

لنضع جانباً العقيدة الامبريالية المتأصلة فهناك أسباب وجيهة تدعو جيران الصين إلى القلق من قوتها العسكرية و التجارية المتصاعدة. على الرغم من أن الرأي العام العربي يدعم برنامج الأسلحة النووية الإيرانية فهذا لا يعني أننا يجب أن ندعمه. هذا و تزخر أدبيات السياسة الأمريكية الخارجية بالطروحات لمواجهة هذا الخطر. من أحد هذه الطروحات طرحٌ غير متداول إلا فيما ندر و يقوم على أساس الدعوة إلى قيام منطقة خالية من الأسلحة النووية في المنطقة.

تكرر طرح هذا الحل خلال مؤتمر “منع انتشار الأسلحة النووية” ( NPT) في مركز الأمم المتحدة أيار الماضي. حيث دعت مصر بصفتها رئيسة مئة و ثمانية عشرة دولة في حركة دول عدم الانحياز إلى مفاوضات لقيام منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط, تماماً كما جاء في الاتفاق مع الدول الغربية عقب مؤتمر مراجعة اتفاقية عدم انتشار الأسلحة عام 1995. و كان الدعم العالمي لهذا الحل كبيراً جداً إلى درجة أن أوباما وافق عليه رسمياً على أساس أنه ” فكرة جيدة”. و لكن واشنطن أبلغت المؤتمر بضرورة تأجيل الموضوع حالياً. هذا و قد أوضحت الولايات المتحدة ضرورة استثناء إسرائيل. فما من داع لوضع البرنامج النووي الإسرائيلي تحت مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA) أو نشر أي معلومات بخصوص ” المنشئات و النشاطات النووية الإسرائيلية”. و لا يسعنا القول إلّا أن هذه طريقة بعيدة كل البعد عن طريقة التعامل مع الخطر النووي الإيراني.

بما أن عقيدة المنطقة الكبرى مستمرة فإن القدرة على تطبيق هذا الحل تراجعت. وصلت قوة الولايات المتحدة إلى أقصاها بعد الحرب العالمية الثانية و ذلك عندما امتلكت نصف ثروة العالم تماماً. و لكن هذا تراجع في الوقت التي تعافت فيه اقتصاديات صناعية أخرى من دمار الحرب ومضت مرحلة ما بعد الاستعمار في طريق التعافي المؤلم. مع بداية عام 1970 انخفضت حصة الولايات المتحدة من الثروة العالمية إلى حوالي 25% و أصبح العالم تحت سيطرة ثلاثية القطب تتضمن أمريكا الشمالية و أوربا و أسيا الشرقية التي كانت اليابان مركزها حينئذٍ.

حدث أيضاً تغيير كبير في الاقتصاد الأمريكي منذ سبعينيات القرن الماضي و هذا التغيير كان باتجاه مزيد من الدعم المالي و تصدير الإنتاج. ليس لدينا الوقت الكافي للخوض في التفاصيل و لكن هناك مجموعة من العوامل تلاقت و أنتجت حلقة مفرغة من التركيز الراديكالي للثروة و بالأخص بأيدي القسم الأعلى ل 1% من السكان من مدراء تنفيذيين و من على شاكلتهم. و أدى هذا التركيز الاقتصادي إلى تركيز سياسي, أي تركيز السياسة الحكومية, من أجل مزيد من التركيز الاقتصادي و ذلك عن طريق انتهاج سياسات خاصة بالخزينة و قوانين محابية تدعم سيطرة الشركات و تحرير القيود و غيرها الكثير. و ارتفعت خلال هذا الوقت تكلفة الحملات الانتخابية بشكل كبير مما دفع الأحزاب إلى الجيوب حيث يتركز رأس المال و المقدرات المالية المتزايدة. اندفع الجمهوريون أولاً بقوة و لحقهم الديمقراطيون ممن باتوا يعرفون الآن بالجمهوريين المعتدلين.

أصبحت الانتخابات تمثيلية تديرها صناعة العلاقات العامة. فبعد فوزه في انتخابات 2008 ربح أوباما جائزة من هذه الصناعة عن فئة أفضل تسويق لحملة انتخابية ذلك العام. و كان المنتجون سعداء جداً و أوضحوا في صحف الأعمال بأنهم يسوقون المرشحين مثل أي سلعة أخرى منذ عهد ريغان و كان تسويق عام 2008 أعظم انجازاتهم و مما سيغير بلا شك من أسلوب عمل مجلس الشركة. يتوقع المراقبون أن تكلف انتخابات 2012 حوالي 2 بليون دولار و معظمه تموله الشركات و هنا لا نتعجب من اختيار أوباما لقادة رجال الأعمال لشغل مناصب رفيعة. هذا كله و الشعب غاضب و يائس و لكن ما دام “مبدأ المشير” يحكم فهذا لن يكون بذي أهمية؛ فالثروة و القوة تركزتا بشدة و تراجع مدخول الغالبية الكبرى من السكان التي بالكاد تدبر أمورها مع ساعات عمل متزايدة و ديون و تضخم و دمار ناجم عن الكوارث المالية التي تحل منذ تم تفكيك الجهاز الناظم للاقتصاد في ثمانيات القرن الماضي.

كل ما نقوله لا يعتبر مشكلة بالنسبة للأغنياء جداً ممن ينتفعون من سياسة التأمين الحكومية التي تدعى سياسة ” أكبر من أن تفشل”. يمكن للبنوك و شركات الاستثمار القيام بتعاملات خطيرة و يحققون بذلك عوائد ثمينة و لكن عندما ينهار النظام حكماً سيطلبون من الحكومة الراعية المساعدة من مال دافعي الضرائب بينما يمسكون بنسخهم من كتب (Hayek) و( Milton friedman). لقد كان هذا المسار الطبيعي منذ عهد ريغان و كل أزمة أتت كانت أخطر من سابقتها و أقصد هنا أخطر على الناس.

يوجد الآن, بالنسبة للكثير من السكان,عطالة حقيقية عن العمل تكاد تصل إلى مستويات الكساد. و في الحين عينه أصبح أحد المهندسين الرئيسين للأزمة الحالية أغنى من قبل. فقد أعلن غولدمان ساكس(Goldman Sachs)26 مؤخراً عن تعويض قيمته 17.5 مليار دولار للعام الماضي و تلقى المدير التنفيذي في الشركة لويد بلانكفين علاوة قدرها 12.6 مليون دولار بينما راتبه الأساسي أكثر من ذلك بثلاثة أضعاف.

ليس من المجدي التركيز على حقائق كهذه فالدعاية المغرضة سعت على مدى شهور قليلة خلت إلى لوم آخرين في قطاعات العمال العام على أساس أن رواتبهم كبيرة و تقاعدهم باذخ و هكذا دواليك. كل هذا مجرد أوهام تماماً مثل وهم الصورة الريغانية النمطية التي أظهرت الأم السوداء تركب سيارة ليموزين و هي في طريقها لقبض شيكات الرعاية بالإضافة إلى نماذج أخرى لا داعٍ لذكرها الآن. إذا يجب علينا جميعاً شد أحزمتنا ربما ليس جميعنا بل غالبيتنا كما هي حقيقة الأمر.

يشكل المعلمون بالتحديد هدفاً جيداً للدعاية المغرضة لأنهم جزء من الجهد المدروس الساعي إلى تدمير نظام التعليم العام من دور الحضانة إلى الجامعات و ذلك عن طريق خصخصة قطاع التعليم. مجدداً هذا جيد للأغنياء و لكنه كارثي على الناس و على الصحة المديدة للاقتصاد أيضاً. و يبقى هذا مجرد أمر واحد من الأمور الجانبية غير المهمة لصناع القرار ما دام مبدأ السوق هو ما يسود حقاً.

يشكل المهاجرون أيضاً هدفاً آخراً دائم و رائع للدعاية المغرضة. تتضح حقيقة هذا عبر تاريخ الولايات المتحدة و بشكل خاص في أوقات الأزمات الاقتصادية حين يتعاظم شعور الغضب من أن البلد يؤخذ منا ( نحن السكان البيض) فالسكان البيض سيصبحون أقلية قريباً. يمكن أن يتفهم المرء الغضب أو الأفراد الغاضبين و لكن قساوة هذه السياسة مفجعة فمن هم يا ترى المهاجرون المستهدفون؟

يتكون السواد الأعظم للمهاجرين في ماسيتشوتس الشرقية (Eastern Massachusetts) حيث أقطن من المايان الهاربين من المجازر في الأراضي الغواتمالية, و هي مجازر قام بها قتلة محببين لريغان و مهاجرون آخرون هم ضحايا مكسيكيون لاتفاقية( NAFTA)27. حيث استطاعت هذه الاتفاقية الخاصة التي وقعها كلينتون إيذاء العمال في كل من البلدان الثلاث المشاركة. و لقد تم التخلي عنها أثناء اعتراض عام للكونغرس في عام 1994. أطلق كلينتون بعدها حملة عسكرة للحدود الأمريكية المكسيكية التي كانت فيما مضى مفتوحة تماماً. كان من المعتقد بأن المزارعين المكسيكيين لا يستطيعون منافسة الصناعات الأمريكية و بأن الشركات المكسيكية لن تنجو من المنافسة مع الشركات الأمريكية المتعددة الجنسية, هذه الشركات التي يجب أن تُمنح ” معاملة وطنية” من قبل المكسيك وفق شروط الاتفاقيات المضللة للتجارة الحرة. و كان امتياز تلقي “معاملة وطنية” يُمنح فقط إلى شخصيات الشركات و ليس إلى أناس من لحم و دم. لا يفاجئنا أن تقود هذه الإجراءات إلى طوفان من اللاجئين اليائسين و إلى تصاعد هيستريا معاداة المهاجرين من قبل ضحايا سياسات الدولة/الشركات في أمريكا.

يبدو أن هذا ما يحدث في أوربا أيضاً حيث التفرقة العرقية أكثر عنفاً منها في الولايات المتحدة. لا يملك المرء إلا أن يراقب بتعجب كيف تشتكي ايطاليا من تدفق اللاجئين من ليبيا و هو يشبه مشهد المجزرة الأولى للحكومة الايطالية الفاشية بعد الحرب العالمية الأولى في الشرق المتحرر الآن. أو عندما غضت فرنسا,الحامي الأساسي للديكتاتوريات الوحشية في مستعمراتها السابقة حتى اليوم, عن أعمالها الوحشية البشعة في أفريقيا و في الوقت نفسه يحذر ساركوزي بشراسة من ” طوفان المهاجرين” بينما تعترض ماريان لي بن (Marine Le Pen ) بأن ساركوزي لا يفعل شيئاً حيال الموضوع. و لا أحتاج لذكر بلجيكا التي قد تربح جائزة على ” اللاعدالة البربرية الخاصة بالأوربيين” كما دعاها آدم سميث.

إن ظهور الأحزاب الفاشية الجديدة في معظم أوربا سيكون ظاهرة مخيفة حتى لو لم نستعرض ما حدث على القارة في الماضي القريب. فقط تخيل ردة الفعل لو أن اليهود طُردوا من فرنسا إلى البؤس و القمع و راقب حينها غياب أية ردة فعل عندما يحدث هذا في روما لأناس هم أيضاً ضحايا المحرقة و ضحايا أكثر الأوربيين تجرداً من الإنسانية. في هنغاريا حصل حزب جوبيك (Jobbik ) الحزب الفاشي الجديد على 17% من الأصوات في الانتخابات العامة. ربما هذا لا يثير العجب في حين ثلاث أرباع السكان تهاجر و أوضاعهم أسوأ مما كانت عليه أثناء الحكم الشيوعي. قد نشعر بالراحة لفوز اليميني المتطرف غورغ هيدر(Jörg Haider) بنسبة 10 % فقط من الأصوات في2008 في النمسا و لم يكن هذا ليحصل لو لم يطوقه حزب الحرية الجديد. أما لو بقي في أقصى اليمين المتطرف لربح أكثر من 17% من الأصوات.

ما يثير القشعريرة أن نتذكر أنه في عام 1928 ربح النازيون الانتخابات في ألمانيا بنسبة أصوات أقل ب 3%. أما في بريطانيا فيعد كل من الحزب البريطاني الوطني و عصبة الدفاع البريطانية في الجناح اليميني المتعصب عرقياً من أكبر القوى و ما يحدث في هولندا تعرفونه جيداً. في ألمانيا كان اتهام ثيلو سارازين (Thilo Sarrazin) للمهاجرين بأنهم يدمرون ألمانيا من أكثر الكتب مبيعاً على الرغم من أن المستشارة أنجيلا ميريكل (Angela Merkel) أدانت ما جاء في الكتاب, لكنها في الوقت عينه أعلنت بأن سياسة التعددية الثقافية ” قد فشلت فشلاً ذريعاً”, فقد فشل الأتراك المستوردون للقيام بالأعمال القذرة في التحول إلى أصحاب بشرة بيضاء و عيون زرقاء و بذلك فشلوا في التحول إلى آريين حقيقيين.

وسيتذكر من يملك حس السخرية بنجامين فرانكلين (Benjamin Franklin) أحد الشخصيات القيادية في فترة التنوير. لقد حذر فرانكلين بأن على المستعمرات المحررة حديثاً الحذر من السماح للألمانيين بالهجرة لأنهم من ذوي البشرة القذرة(Swarthy) و السويديين أيضاً على حد سواء. كانت الخرافات السخيفة عن نقاء الأنغلوساكسونين منتشرة في أمريكا خلال القرن العشرين و من بينها تلك التي تناولت الرؤساء و شخصيات قيادية أخرى. أصبحت التفرقة العرقية في الثقافة الأدبية فحش واضح و نحن بغنى عن القول أن الوضع أسوأ على أرض الواقع. قد تكون قدرتنا على التخلص من شلل الأطفال أكبر من قدرتنا على التخلص من هذا الوباء المرعب و الذي يتكاثر شيئاً فشيئاً في أوقات المحن الاقتصادية.

بهذا أكون بالكاد اقتربت من قشرة هذه القضايا الحرجة و لكن لا أريد أن أختم دون ذكر قضية أخرى تلقى الرفض في أنظمة السوق و هي قضية مصير و مستقبل الأنواع. يمكن علاج الخطر الدائم في النظام المالي بواسطة دافعي الضرائب و لكن لن يقدر أحد على إنقاذ البيئة إن دُمرت و أن يحصل دمار البيئة على يد المؤسسات أقرب إلى الحقيقة. يستوعب قادة رجال الأعمال ممن يقومون بحملة دعائية لإقناع الناس بأن الاحتباس الحراري الذي يسببه البشر هو خديعة ليبرالية حجم هذا الخطر الكبير. و لكن من شأن نشر هذه المعرفة تقليص الأرباح القصيرة الأمد و حصة السوق و إن لم يستغلوها هم أحدٌ آخر سيفعل. قد يتحول هذا إلى حلقة مفرغة مميتة و لكي تعرفوا إلى أي مدى هذا الوضع خطير فقط ألقوا نظرة إلى الكونغرس الجديد في الولايات المتحدة الذي دخل العمل بقوة أموال الأعمال و الدعاية و غالبيتهم ممن ينكرون قضية المناخ. و ها هم قد بدؤوا باقتطاع التمويل الداعم لإجراءات من شأنها تخفيف الكارثة البيئية.

و لكن الوضع أسوء بكثير فبعضهم من المؤمنين المتدينين. على سبيل المثال أوضح رئيس اللجنة الفرعية لشؤون البيئة أن الاحترار الكوني ليس مشكلة لأن الله وعد نوح بأن لا يتكرر الطوفان مرة ثانية. لو حدث هذا في بلد صغير و بعيد لضحكنا, و لكننا لا نضحك عندما يحدث في أغنى و أقوى البلدان في العالم. و قبل أن نضحك يجب علينا أن ألا ننسى بأن الأزمة الاقتصادية الحالية تعود بمقدار صغير إلى الإيمان المتعصب بهذه العقائد على اعتبار أنها فرضيات السوق الأكثر فاعلية, و هذا ما أشار إليه الحاصل على جائزة نوبل جوزيف ستيغليتز(Joseph Stiglitz) منذ خمسة عشر عام ب ” الدين” التي يؤمن به السوق بشدة. هذا ” الدين” الذي منع كل من البنك المركزي والاقتصاديين من ملاحظ الفقاعة الإسكانية التي تقدر ب 8 تريليون دولار و التي لا تستند أبداً على أساسيات اقتصادية و أدت في النهاية إلى تدمير الاقتصاد عندما انفجرت. كل هذا و الكثير أيضاً يمكن أن يستمر ما دامت عقيدة “مشير” مستمرة و ما دامت غالبية السكان سلبية و لا مبالية يلهيها الاستهلاك أو الحقد على الضعفاء, عندئذٍ فقط يستطيع الأقوياء أن يفعلوا ما شاءوا و من بقي سيُترك للتفكير بالعاقبة.

نص محاضرة ألقاها في ويستركيرك, أمستردام , هولندا ترجمة : عزة حسون – فريق الترجمة – خارج السرب

http://www.kharejalserb.com/?p=21448
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
salim 1979
التميز الذهبي
التميز الذهبي



تاريخ الميلاد : 27/05/1979
العمر : 44
الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 5278
نقاط : 100012160
تاريخ التسجيل : 06/11/2012

نعوم تشومسكي … معالم النظام العالمي: الهيمنة عدم الاستقرار و رهاب الأجانب في عالم متغير Empty
مُساهمةموضوع: دُعَاة الديمقراطية   نعوم تشومسكي … معالم النظام العالمي: الهيمنة عدم الاستقرار و رهاب الأجانب في عالم متغير Emptyالخميس فبراير 28, 2013 12:07 pm

دُعَاة الديمقراطية
David Rieff
http://nationalinterest.org/article/evangelists-democracy-7625?page=show
The National Interest

nationalinterest.org
يكاد لا يختلف برنامج ترويج الديمقراطية بشيء عن حركة حقوق الإنسان فكلاهما مشروع راديكالي يسعى نحو التغيير الاجتماعي و السياسي. أمّا مناصري برنامج ترويج الديمقراطية لا يقرّون أو بالأحرى لا يستطيعون الإقرار بالسمة الأيدلوجية أو الثورية لمشروعهم. و بناء على هذا يجب فهم ترويج الديمقراطية على أنه من ملحقات الليبرالية المعاصرة- التي تعتبر الأيدلوجية المعاصرة و الوحيدة التي تنفي فكرة أنها أيدلوجية بشكل أو بآخر. و بدقة أكبر تمثل الديمقراطية الشكل النهائي للتنظيم البشري خاصة بعد أن تراجعت الأيديولوجيات الأخرى, فهي الوضع الأخلاقي الافتراضي القادم في المستقبل. عند سماع نشطاء ترويج الديمقراطية في الغرب يتكلمون عن عملهم في ” تغيير” أنظمة الدول من أنظمة استبدادية أو فاشية إلى أنظمة ليبرالية و ديمقراطية فهم فقط يستعجلون القادم من كل بدٍ. يستقي جورج سوروس(George Soros)1صيغته عن الديمقراطية من كارل بوبر (Karl Popper)2, التي تخدم الدعامة الأيدلوجية للكينونة المرّوجة للديمقراطية التي يدعو إليها و المتمثلة بمؤسسات المجتمع المنفتح (Open Society Foundations).تتمحور هذه الصيغة حول “إطلاق المجتمعات المنغلقة و جعل المجتمعات المنفتحة أكثر قابلية للتطبيق و ترويج نموذج تفكير نقدي”. ويتضح بهذا الخصوص أنّ التاريخ يتجه باتجاه واحد- نحو المزيد من الحرية و المزيد من الانفتاح و المزيد من الديمقراطية. و بالتالي فمن الأفضل فهم الديمقراطية على أنها احتواء للمنطلق الرئيسي التي تقوم عليه مقالة فرانسيس فوكوياما (Francis Fukuyama) عام 1989 و التي أتت بعنوان“نهاية التاريخ؟“ حيث ادعى فوكوياما أن انتصار الغرب في الحرب الباردة شكّل “نهاية الثورة الأيدلوجية البشرية و بداية عولمة الديمقراطية الليبرالية الغربية كصيغة نهائية للحكم البشري“.

هذا التأكيد المغرور على الانفتاح و على الأفكار الجديدة و رفض المجتمعات اللاديمقراطية و “المنغلقة” على أساس أنها- كما اشتكى سوروس مرّة- ” تدعي امتلاك الحقيقة المطلقة” مثير للسخرية. ففي النهاية تدعي هذه الرؤية الغربية المعاصرة ذات الصبغة الديمقراطية الرأسمالية و التي تشكل أساس حركات ترويج الديمقراطية و حقوق الإنسان احتكارها للحقيقة الاجتماعية و الأخلاقية و السياسية. و يستغرق سوروس في فكرة إدراكه المبّكر أنّ الشيوعية مزيفة وهي مجرّد “دوغما”, و لكن ما الشيء الذي قد يكون مانوياً (Manichaean) أو أكثر بدائيةً فلسفياً من فكرة تقسيم العالم أجمعه إلى مجتمعات منفتحة و منغلقة؟ فما هو الأمر الأكثر عقائدية من ادعاء سوروس الجريء بأن هزيمة الشيوعية “أسست أرضية لمجتمع عالمي منفتح”؟ و في هذا الشأن هل هناك أمر أكثر ضحالة من تأكيد فوكوياما على أن الأسئلة المهمة و الباقية في حضرة التاريخ هي متى و تحت أي ظروف ستحدث عولمة الرأسمالية الليبرالية الغربية.

قد تتطلب هذه الادعاءات استخدام لغة علمانية من أجل تبرير النتيجة القائلة بأن المجتمعات المنفتحة أفضل بكثير من تلك المنغلقة و ذلك-هنا نقتبس مباشرة من سوروس- “لأنه و في أي مجتمع منفتح أن يفكر كل مواطن بنفسه هو ضرورة و ليس اختيار”. هذا الكلام يتشابه بشكل غريب مع ادعاء شهير إبان الحرب مفاده أن الله إلى جانب المرء و مع الفكرة الماركسية القائلة أن انتصار الشيوعية أمر حتمي. فقد تبجح نيكيتا كروشيكيف (Nikita Khrushchev )- زعيم الحزب الشيوعي في روسيا آنذاك- في اجتماع للسفراء الغربيين عام 1956 في وارسو بأنه “سواء أحببتم أو لم تحبوا فالتاريخ إلى جانبنا”. حينها أضاف العبارة الشهيرة,”سندفنكم“. كان هذا حقاً التعبير الأكثر فحشاً عن الحتمية التاريخية. و لكن هذا ليس أسوأ من تأكيد فوكوياما على أنّ النظام السياسي الشرعي و الوحيد هو دولة نامية يسودها القانون و حكومة مسؤولة و تتكون من ” توازن ثابت”. و كما لاحظ جون غري (John Gray )3 بدقة أن هذه الرؤية للمستقبل بالكاد تتعدى كونها “نسخة مثالية عن نظام الحكم الأمريكي”.

إذا سواء اتخذ هذا الادعاء شكل عولمة سوروس و بوبر أو شكلاً من أشكال الهيغيلية الجديدة التي يعبر عنها فوكوياما أو عقيدةّ لبرنامج ترويج الديمقراطية, فهو ادعاء يحكمه اعتقاد أن الغرب لم يكن يعيد صناعة العالم وفق صورته بل هذه الصورة لمجتمع عالمي منفتح كانت الوحيدة التي بقيت سليمة. مقارنة بهذا الكلام يظهر كروشيكيف بمظهر شخص واقعي من وجهة فلسفية.

ماذا نقول إذاً عن ترويج الديمقراطية الذي يدفع هؤلاء الناس العمليين إلى مثل هذا التطرف؟ ما الذي كان يعنيه الرئيس بيل كلينتون عندما تنبأ في خطاب توليه المنصب للمرة الثانية عام 1997 “بأنّ أعظم ديمقراطية عالمية ستقود إلى عالم من الديمقراطيات”؟ و هل حقاً اعتقدت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في خطابها عام 2012 بأن البلدان المنغلقة على “التغيير و على الأفكار و الثقافات و المعتقدات التي تختلف عن أفكارهم و ثقافتهم و معتقداتهم سيجدون أنفسهم في عالمنا الالكتروني متخلفين عن البقية؟”. بعيدا عن الطوباوية الالكترونية لوادي السيلكون (Silicon Valley) و قدر الغليان المشتعل الخاص بجورج سوروس, هل حقا اعتقدت كلينتون بأن العالم الغربي الليبرالي و الرأسمالي و الغارق في أزمة اقتصادية شديدة, و في ظل حقيقة أن الولايات المتحدة الآن الدولة الأكثر مديونية في التاريخ الإنساني, أنها كانت ترتكز على أرضية صلبة عندما حذّرت الصينيين من مغبة عدم تبني فكرة المجتمع المنفتح و بأنهم إن لم يفعلوا سينتهون في مزبلة التاريخ؟.

بعيداً عن استخدام مصطلحات شبه دينية يصعب حقاً شرح السبب الذي يدفع شخصاً ذكياً و واقعياً مثل الوزيرة كلينتون للتفوه بأمر قاطع و الأدلة الدامغة عليه قليلة و بوجود الكثير من المعطيات الواضحة التي تناقض حجتها. ربما هنا تكمن النقطة الأساسية, فالنظرة السائدة عن المشروع الأمريكي منذ تأسيسه تصبغها صفة غامضة و كأنه رسالة سماوية يميزها إيمان بالدور الفادي للولايات المتحدة في الشؤون العالمية , هذا بالإضافة إلى أنّ الحماسة التبشيرية لإعادة صناعة العالم على صورة أمريكا ليست حقاً فعل استكبار و تعالي لكنه تلبية للواجب الأخلاقي. و بالنظر إلى الأمر من منطلق الاستثنائية الأمريكية و أن الولايات المتحدة هي المدينة المتألقة على قمة الهضبة و الأمل الأخير و الأفضل للجنس البشري لن تكون للمعطيات الاقتصادية و لا التوجهات الجيوسياسية أي قيمة موازية بالمقارنة. إن كان الله إلى جانبنا فسيكون التاريخ إلى جانبنا أيضاً+, و إن فكرت بطريقة مغايرة فأنت ببساطة تخون المشروع الأمريكي. و لذلك فإن خطاب الوزيرة كلينتون يتفق تماما مع وعد”سندفنكم” الشهير.

قد تبدو لغة خطاب كلينتون معاصرة و خاصة عندما دمجت التكنولوجيا بالتحرر, لكن الخطاب بالكاد أضاف الكثير. و يعود الاعتقاد بأن ترويج الديمقراطية عامل لابدّ منه في السياسة الخارجية الأمريكية إلى عهد وودرو ويلسون (Woodrow Wilson)4 و بأشواط مهمة إلى عهد ابراهام لينكولن (Abraham Lincoln). هذا و يؤكد الصحفي جون. إل. أو سوليفان (John L. O’Sullivan)5 الذي أتى بمصطلح “قدرٌ جليّ” (Manifest Destiny) في عام 1845, بأن الرسالة التاريخية للولايات المتحدة هي “تحقيق الكرامة الأخلاقية و خلاص الإنسان على الأرض”. لكن هذا لا يعني أن دور ترويج الديمقراطية لم يشهد تغييراً جذرياً على مدى المائة عام الماضية, على العكس, فقد أطلق ويلسون وعداً بأن العالم “سيصبح أكثر أماناً لتتحقق فيه الديمقراطية” و ذلك بمجرد دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الأولى. و بعد جيل كامل أتى وعد فرانكلين.دي.روزفلت ((Franklin D. Roosevelt أنه متى هُزمت الديكتاتوريات في أوربا و آسيا (لم يذكر روزفلت شيئاً عن أنها ديكتاتوريات الاستعمار البريطاني و الفرنسي) سيقوم النظام العالمي على أساس ما دعاه روزفلت “بالحريّات الأربع”. بمعنى آخر, بناء الديمقراطية و كأنها مسيرة ثابتة أكثر من كونها نهاية مطلوبة للحرب. فقد استخدمت الولايات المتحدة فكرة صناعة الديمقراطية عبر الاحتلال العسكري في حربها الباردة مع الاتحاد السوفييتي. لم تكن هذه الفكرة هدفاً راقياً بقدر ما كان أسلوباً من بين مجموعة من الأساليب غير العسكرية للقتال في تلك الحرب.

في خمسينيات و ستينيات القرن الماضي انطلق مشروع ترويج الديمقراطية على نحو متواضع و بشكل كبير أخذ شكل التمويل غير المباشر من وكالة الاستخبارات المركزية للمشاريع الثقافية عبر مؤسسات خيرية مثل مؤسسة فورد (Ford Foundation) – بدون معرفة بالكتّاب و الفنانين المشاركين في هذه المشاريع الثقافية عادةً. و تتضمن هذه المشاريع الثقافية تأسيس مجلات راقية و مرموقة كمجلة انكاونتر(Encounter) في بريطانيا و مجلة دير مونت (Der Monat) في ألمانيا و مجلة بريفيز (Preuves) في فرنسا. و هناك أيضاً تأسيس مجلس الحرية الثقافية (Congress for Cultural Freedom) و المصمم لتوجيه قوى اليسار المعادية للشيوعية و الاتحاد السوفييتي ضد النخبة الثقافية الأوربية الغربية مثل بيكاسو و جان بول سارتر و غيرهم ممن استمر بالتعاطف مع الشيوعية أو اتخذ موقفاً محايداً. و كان الرسم بالتحديد ساحة معركة مهمة. حيث رَعت وكالة الاستخبارات المركزية خلال خمسينيات القرن الماضي معارض لفنانين تجريديين و تعبيريين أمريكيين أهمهم الرسام فيليم دي كوننغ (Willem de Kooning)6 و جاكسون بولوك (Jackson Pollock)7 و روبرت موذرويل ((Robert Motherwel8.و انخرط الفنان الشاب نيلسون روكفيلر (Nelson Rockefeller)9 تماماً في اللعبة و هو الذي ساعد في تنظيم العديد من هذه المعارض في معرض الفنون الحديثة((Museum of Modern Art في مدينة نيويورك. فقد أطلق على حركة التعبيرية المجرًدة اسم “الرّسم الاستثماري الحر”. و يستحضر توم برادن (Tom Braden)10- رئيس قسم المنظمات الدولية التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية قوله في ذلك الوقت:

أردنا توحيد كل الكتّاب و الموسيقيين و الفنانين لنبرهن للعالم أن الغرب و الولايات المتحدة مخلصان لحرية التعبير و الانجاز الفكري بدون أي عوائق قاسية على ما عليك كتابته و ما تقوله و ما تفعله و ما ترسمه كما كان يحدث في الاتحاد السوفييتي. أعتقد أن هذا القسم من أفضل أقسام الوكالة.

لم يكن برادن يتبجح آنذاك و قد يكون مصطلح “القوة الناعمة” الذي أتى به جوزيف ناي (Joseph Nye)11عام 1990 كمصطلح يختزل الطرق التي تعيد تقييمها القوة الأمريكية لمواجهة التحديات في عالم ما بعد الحرب الباردة. و يظهر مشروع ترويج الديمقراطية كمثال تقليدي على القوة الناعمة قبل نصف قرن على اصطلاحه من قبل ناي, أمّا نجاحه في تحويل المد الثقافي ليس اختراعاً أتت به مخيلة اليسار المتشددة. هذا طبعاً لا يجب أن يكون مفاجئاً, فهكذا جرت الحرب الباردة تماماَ, حيث احتل العمل العسكري المتواصل المناطق التي تقع عند أطراف الإمبراطوريتان الأمريكية و السوفيتية من بين هذه الأطراف: كوبا و كوريا فيتنام و أمريكا الوسطى و الكونغو و القرن الإفريقي. و بدلاً من العمل العسكري كانت الحرب بشكل كبير عبارة عن تنافس اقتصادي و سعي عالمي وراء القلوب و العقول, و محاولة للإجابة عن السؤال الأهم حول ما إن كانت الدول الناهضة من عالم ما بعد الاستعمار ستتبنى الشيوعية أو الرأسمالية الليبرالية. إذا كيف سيتقاتل طرفان متنازعان في حرب لا يُطلق أحد فيها النار على أحد سوى بغير استخدام القوة الناعمة أو- لمن يحب الصياغات الأقوى- باستخدام الأفكار و الأدب و الفن؟ و نستعيد هنا كلمات كلوزفيتز(Clausewitz)12 بأنه و في هذا السياق تظهر الثقافة كاستمرارية للحرب و لكن بأساليب أخرى.

مهما بدا العديد من الكتّاب و الفنانين مرعوبين من كونهم و بلا معرفة سابقة المستفيدين من هبات وكالة الاستخبارات المركزية (بعضهم كان خائفاً حقاً و آخرون ادعوا ذلك) يبقى هذا الشكل من ترويج الديمقراطية التكتيك الأقوى في الحرب الباردة. ففي سبعينات و ثمانينات القرن الماضي و بينما تحولت جاذبية الشيوعية على الطريقة السوفيتية إلى شيء من الماضي تماماً, ركزّ المشروع الأمريكي لترويج الديمقراطية بشكل متزايد على دعم المنشقين السياسيين و الثقافيين في بلدان حلف وارسو. و نجح هذا المشروع نجاحاً كبيراً فمن أهم المنشقين في الكتلة الشرقية فاسليف هيفال (Vaclav Havel)13 و شاعر روسيا الكبير جوزيف برودسكاي (Joseph Brodsky)14 و العديد غيرهم ممن كانوا ممتنين كثيراً. ربما لم “يخلق” المنشقون أحداث عام 1989 و لكنهم كانوا- كما يقول المصطلح الماركسي- في الطليعة, و ساعد الدعم الأمريكي هيفال على الاستمرار حتى أثبت التاريخ صحة حدسه و الذي وضعه لاحقاً بجملته التالية: “تبدو الأعمدة الاستبدادية في كثير من الأحيان متماسكة بقدر تماسك البيوت المصنوعة من ورق اللعب و تتساقط بسرعة تماماً مثلما تتساقط هذه البيوت أيضاً”. و أظهرت التجربة الأوربية بأن ترويج الديمقراطية قد يساهم حقاً بانتصارات الولايات المتحدة كانتصارها في الحرب الباردة.

سيكون فشل الولايات المتحدة في استخدام إستراتيجية ترويج الديمقراطية أمراً غبياً إلى أبعد حد. فقد وصف رولاند ريغان (Ronald Reagan ) بداية حقبة الثمانينات بالحقبة القائدة في “عالم الثورة الديمقراطية” و صاغت إدارته عام 1983 هذه الجهود مع مؤسسة المنح الوطنية لدعم الديمقراطية (NED)15 و منظماتها الأربعة الملحقة بها و هي المعهد الجمهوري الدولي (International Republican Institute) و المعهد الديمقراطي الوطني (National Democratic Institute (NDI)) و مركز الاستثمار الخاص و المركز الأمريكي للتضامن العمالي العالمي, و هكذا شاع استخدام مصطلح ” ترويج الديمقراطية”, لكن ما من شيء في هذا يدعو للاحترام على وجه الخصوص. في الحقيقة, كانت بعض آثار مشروع ترويج الديمقراطية مؤذية بشكل لا يدعو للشك و أخرى غيرها كانت دنيئة. لكن الحرب عمل دنيء و لهذا تبدو أسباب الدعم المستمر لجهود ترويج الديمقراطية الأمريكية مفهومة آنذاك عندما بدأ المشروع و لا تزال كذلك إلى الآن.

بغض النظر عن هذا و بعد عقدين على انهيار الاتحاد السوفيتي يدور السؤال اليوم حول غاية كل من الوكالات و الجمعيات الخيرية و المنظمات الحكومية الأمريكية, على وجه الخصوص الوكالة الأمريكية للتنمية العالمية (USAID) و مؤسسة المنح الوطنية لدعم الديمقراطية (NED) و الشركات الملحقة بها و منظمة فريدم هاوس (Freedom House) و مؤسسات المجتمع المنفتح الخاصة بجورج سوروس, من المثابرة على التوسع في مشروع ترويج الديمقراطية, و قد كان هذا التوسع ضخماً بحق. فمن بين الأهداف الإستراتيجية المعلنة للوكالة الأمريكية للتنمية العالمية (USAID) كان تخصيصها لمبلغ قدره 17 مليار دولار أمريكي في عام 2011 ( أو ما يعادل 55 بالمائة من ميزانية وزارة الخارجية و ميزانية المساعدة الخارجية للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)) للهدف الثالث من هذه الأهداف السبعة و المعروف بتحقيق “ازدياد و استدامة كل درجات ازدهار و استقرار البلدان الديمقراطية من خلال الترويج لنظام حكم فعّال و مسؤول و ديمقراطي خاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان و النمو المستدام الواسع و الصحة”.

من الواضح بمكان بأن كمّاً كبيراً من هذا المال ذهب إلى التنمية الاقتصادية و الصحة العالمية و التغذية, مع ذلك فإن تخصيص قسم كبير من المال لترويج الديمقراطية و الجهود التي قدمتها مركزية وزارات الخارجية في إدارات كلينتون و جورج دبليو بوش و أوباما إلى السياسية الأمريكية الخارجية تظهر الثقة التي لا تتزعزع في أهمية الترويج للديمقراطية في واشنطن, على الرغم من المعاناة الناجمة عن هذا المظهر في المجالات الحربية “للحرب الطويلة” و المشاكل التي انبثقت عن أجندة جورج دبليو بوش و التي دعاها بـ “أجندة الحرية العالمية“.

مع ذلك لا يجب أخذ هذا الإيمان و الالتزام على أنه سلبي, فمن المنطقي أن نسأل و نحن في عام 2012 عن إمكانية وصف ترويج الديمقراطية بشكل شرعي كعقيدة متماسكة تماماً, و نتساءل إن كانت أبداً قادرة على التعافي من الصدمات التي تلقتها منذ الأيام الأولى لسقوط جدار برلين. قد يعتقد معظم صناع السياسة و نشطاء حقوق الإنسان الأمريكيين بأن التاريخ إلى جانبهم, و لكن و للمرة الأولى منذ انهيار الاتحاد السوفيتي تلقى محاولاتهم مقاومة جديّة ليس فقط من دول استعادت عافيتها كروسيا و قوى ناهضة كالصين و لكن أيضاً من دول في القسم الجنوبي من الكرة الأرضية. بالنسبة لهذه الدول فإن ادعاءات مرّوجي الديمقراطية تبدو كرايات أخلاقية مناسبة لتحقيق مصالح الولايات المتحدة أكثر منها جهود نزيهة تحت مسمى الصالح العام العالمي.

بالرغم من هذا كلّه استخدمت إدارة جورج دبليو بوش أجندة الديمقراطية لتبرير غزوها للعراق و الملاحقة العالمية التي أطلقتها في حربها الطويلة ضد الجهاديين. و يبدو بأن الولايات المتحدة لم تكن النموذج المثالي للمعايير الديمقراطية التي تعظ بها و هذا أثار التساؤل حول حسن نواياها الأخلاقية من المشروع بأكمله, و قد برز هذا التشكيك في داخل الولايات المتحدة ذاتها. لكن و قبل أن يدرك صناع السياسة الأميركيين تماماً التهديد المحتمل لهذه التناقضات تحول مشروع الترويج للديمقراطية إلى ضحية نجاحه. هناك قول مأثور في عالم الأعمال يقول بأن أعظم خطر قد تواجهه أي شركة ناجحة هو خطر التوسع بشكل سريع, و هذا ما حدث مع مشروع الترويج للديمقراطية و لأسباب تبدو مقنعة آنذاك و غبية حالياً. و قد نظر العديد من الأذكياء من بينهم صناع السياسة في واشنطن إلى انهيار الاتحاد السوفييتي- على الرغم من أن انهياره كان محتماً كما هو مفترض غالباً- على أنه تأكيد على نزاهة أجندة الديمقراطية. و قد استمر هذا الفصل الغبي اللاحق لمرحلة ما بعد الحرب الباردة خلال إدارة كلينتون و استمر- و يا للعجب- حتى اليوم كما هو واضح في المواقف السياسية لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون و في التشديد الدائم على ترويج الديمقراطية داخل منظمة (USAID).

للحق كيف كان لنصر الولايات المتحدة في الحرب الباردة أن يشوه تصورات الناس؟ ألم يكن هذه النصر و بروز الولايات المتحدة كقوة عظمى عالمية تأكيداً على صوابية تركيبتها الاجتماعية؟ من الممكن أن يكون هذا صحيحاً لولا كارثة العراق و مستنقع أفغانستان. في الحين ذاته و بالرغم من القدرة العسكرية الأمريكية التي لا توازيها أخرى, عجزت الولايات المتحدة عن قولبة (modeling) الأحداث وفق أهواءها. بالإضافة إلى هذا فإن الخلل الوظيفي في النظام السياسي الأميركي- الذي بدأ في عهد جورج دبليو بوش و تعاظم في عهد باراك أوباما- قوّض الإيمان بتفرّد الديمقراطية الأمريكية عالمياً. و لكن على الرغم من التصريحات المتهورة للوزيرة كلينتون فإن نجاح الرأسمالية الديكتاتورية في الصين, خاصة عندما نضعها في مقارنة مع الأزمة المالية التي تعصف بالغرب, يثير الشكوك حول امتلاك الولايات المتحدة الأدوات و السلطة الأخلاقية اللازمة للانخراط بالترويج للديمقراطية على الصعيد العالمي.

لكن في تسعينيات القرن الماضي كان هذا كله في المستقبل, و كان منطقياً تماماً آنذاك الاعتقاد بأن كل الأمم ستتحول قريباً إلى ديمقراطيات ليبرالية و بأن مهمة الولايات المتحدة هي إيصالهم إلى هناك بأسرع ما يمكن. و من أجل تسهيل هذه الغاية ركز مشروع ترويج الديمقراطية في تسعينات القرن الماضي على ما يدعى غالباً بمبادرات الانتقال- و هو توجيه الدول الشيوعية سابقاً و الديكتاتوريات الأقل عقائدية في القسم الجنوبي من الكرة الأرضية نحو أرض فوكوياما الموعودة. و إن رفضت الأنظمة المتوارثة الخضوع تسارع حينها الولايات المتحدة و بعض المجموعات الخاصة ( بشكل خاص مؤسسات سوروس في جورجيا) إلى دعم و تمويل شخصيات معارضة تسعى إلى قلب الأنظمة. و بما لا يدعو للدهشة و في عهد دكتاتورية ناجحة اقتصادياً كالصين أو دكتاتورية مؤثرة سياسياً كروسيا بقيادة بوتين, أصبح يُنظر إلى فكرة واشنطن عن انتقال الديمقراطية على أنها “تغيير أنظمة”. يصعب التأكد من عدم تجاهل الولايات المتحدة لهذه الاعتبارات أو أنها فقط كانت واثقة من امتلاكها للسوط الجيوسياسي و لم تحتاج بذلك إلى الانتباه لهذه الاعتبارات. قد تكون الولايات المتحدة مقتنعة ببساطة و يظهر هذا في التصريحات الواثقة لساسة و نشطاء ترويج الديمقراطية الأمريكيين, بأن روسيا و الصين ستنضم إلى الرئيس كلينتون في سعيه لخلق “عالم من الديمقراطيات”.

هذا الاستكبار ليس بغريب و لا مثير للدهشة إن عرفنا أنّ مرحلة التسعينات في الولايات المتحدة كانت مرحلة التوهج العقائدي. و يُنظر إلى فترة رئاسة كلينتون على أنها مرحلة تتصف بالكياسة النسبية ( هذا إن تركنا جانباً أزمة الاتهام الظنّي- قضية كلينتون-لوينسكي[1]). و لكن التوهج العقائدي غذّى فكرة أننا جميعاً نشهد ولادة عالم حيث كل الناس على هذا الكوكب ستعيش في ظل نظام سياسي و اقتصادي واحد. و تحولت الديمقراطية إلى ما يشبه الإيمان أكثر منها كنظام, و في الترويج لها كانت الحكومات و المنظمات العالمية تؤدي دور المكافئ الدنيوي لعمل الله. إن قوّة المقارنة بين دعاة الديمقراطية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة و بين الإرساليات التبشيرية المسيحية تكمن في ثقة كل من الإرساليات بالمسيحية و دعاة الديمقراطية بالرأسمالية الديمقراطية على أنهما-المسيحية و الرأسمالية الديمقراطية- الحل و ليس فقط حلاً من الحلول.

لم تكن المسيحية “فكرة ما” حول أُناس عقلانيين قد يختلفون, فلقد نظرت الإرساليات التبشيرية إلى المسيحية على أنها تقديم للحقيقة و للنقاء و الوضوح. و قد لا يؤمن حقاً مناصرو صناعة الديمقراطية- التي تُعتبر بحد ذاتها إحدى فروع حركة حقوق الإنسان الدولية- بأنهم ينشرون كلمة الله, و لكن ليس من العبث أن العديد من الناس داخل و خارج حركة حقوق الإنسان الدولية يصفون الديمقراطية بالدين الدنيوي. و أثار هذا الخليط من أفكار فوكوياما و مرصد حقوق الإنسان و مؤسسات سوروس في حركة ترويج الديمقراطية ثقة أخلاقية شديدة إلى درجة أن أي عضو في منظمة وايت فاذرز(White Fathers)في كينيا أو الإرساليات الاسكتلندية التي تبشر بالمسيحية المشيخية (Presbyterian) في الصين يرى نفسه عرضة للخطأ في يتعلق بالتفاصيل و لكنه ليس على خطأ أبداً فيما يتعلق بالعقيدة الأساسية.

سيرفض العديد من دعاة الديمقراطية المعاصرين هذه المقارنة, و ليس ذلك على أقل تقدير بسبب البيان الدعائي لـ NDI الموجود على موقعها الالكتروني. فالمنظمة لا تدّعي بأنها تفرض حلولاً على الشركاء المحليين و لا تؤمن بإمكانية نسخ نظام ديمقراطي معين في كل مكان. بل على العكس فإن الـ ( NDI) تتقاسم الخبرات و تقدم مجموعة من الخيارات حتى يتسنى للقادة النشطاء اختيار الممارسات و المؤسسات التي قد تتناسب مع ظروفهم.

لكن هناك شيء في هذا التأكيد أبعد من أن يكون مجرد خدعة صغيرة. في حقيقة الأمر هو شيء من بقايا نكتة أرجنتينية قديمة حول الديكتاتور خوان بيرون(Juan Perón) الذي لاحظ عندما عَلِم بقضية سياسية مريرة و خلافية شنّجت البلد بأن كل القوى المعارضة, بغض النظر عن خلافاتها, كانوا معه. لا يمكن التقليل من شأن تأكيد((NDI بأنها لا تحمل معها خلاصة أي نظام ديمقراطية لأن هذا يعني أمراً من اثنين. أولاً, قد تعني أن القادة سيقبلون أي قرار من أي بلد لاختيار أي نظام ديكتاتوري- كالنظام في الصين- و في هذه الحالة لا يبدون التزاماً بترويج الديمقراطية. ثانياً, هذا قد يعني قولهم في سياق الرأسمالية الديمقراطية و حقوق الملكية و المعايير القانونية للأسلوب الغربي و ما إلى هنالك أنهم لا يملكون الرغبة بأخذ القرار حول أي نسخة من الديمقراطية تناسب بلدهم. يمكننا إذا في هذه الحالة إعادة صياغة الأمر بجملة دورثي باركر حول الدرجة العاطفية التي تبلغها أودري هيبورن في تمثليها…. الجميع منفتح على سلسة كاملة من الاحتمالات ( احتمالات من الألف إلى الباء).

و عندما تقول الـ (NDI) بأنها فوق السياسة فهي تعني حقاً أنها فوق السياسة الحزبية 16. و لكن هذا يرقى إلى مرتبة الادعاء بأن الديمقراطية- التي قد تكون إطاراً للسياسة- ليست سياسية بامتياز و هو ادعاء سخيف فلسفياً مهما بدا ملائماً.

على أي حال, سواء أدرك أو لم يدرك العاملون في الترويج للديمقراطية داخل و خارج الحكومة فإن ادعاء الإيثار و الغيرية لا صدى له عند الكثيرين خارج الولايات المتحدة. و من بين أكثر الصيحات الملفتة التي انتشرت في العقد الماضي التي لا تتذكرها واشنطن كثيراً هي نهضة العديد من الدول في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية كرواندا و إثيوبيا و سيريلانكا. في ثمانينات و تسعينيات القرن الماضي كان بإمكان مجموعات مستقلة مثل “أطباء بلا حدود” و “أنقذوا الأطفال” و ” لجنة الإغاثة الدولية” أن تعمل بحرية تامة في أي مكان تراه مناسباً. لكن الآن و حتى في مناطق الحروب و خلال أزمات اللاجئين للسلطات المحلية الكلمة الأولى. إذاً و في الحين الذي تشتكي فيه واشنطن من القادة الشعبيين مثل هوغو شافيز أو من القادة الأوتوقراطيين مثل فلاديمير بوتين لمقاومتهم جهود ترويج الديمقراطية الخارجية على أساس أن هذه النشاطات تهدد سلطتهم. لقد انتهى الزمن الذي كان فيه ترويج الديمقراطية بقيادة واشنطن يتمتع بقدرة كبيرة على توجيه الدفة.

و أكبر مثال على هذه الصفعة ما حدث في التاسع من أيلول و ذلك عندما طلبت روسيا من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) أن تعلق عملياتها و برامجها في روسيا الاتحادية بشكل دائم خلال عشرة أيام. كان تبرير نظام بوتين لقرار الطرد-الأول من نوعه في بلد كبير- في بيان أصدرته وزارة الخارجية الروسية ” أنه و بسبب تجاوز موظفي الوكالة للأهداف المعلنة للتنمية و التعاون الإنساني, و نحن هنا نتحدث عن محاولتهم التأثير على العملية السياسية من خلال المنح التي يقدمونها“.

كانت ردة الفعل الغاضبة جداً التي أبدتها وزارة الخارجية الأميركية على هذا الخبر نموذجاً على النفاق و التخبط الذي عانى منه برنامج الترويج للديمقراطية بعد الحرب الباردة منذ البداية. هذا و قد أعلنت فيكتوريا نولاند (Victoria (Nuland- الناطقة الرسمية لوزارة الخارجية الأمريكية- بأن الولايات المتحدة “كانت ملتزمة بدعم الديمقراطية و الحقوق الإنسانية و تطور مجتمع مدني أكثر فعالية (more robust )في روسيا”. و أضافت بتحدي بأن واشنطن تتطلع ” للاستمرار بالتعاون الوثيق مع المنظمات الروسية غير الحكومية”.

من المنطقي جداً أن تعارض إدارة أوباما حكومة بوتين و تدعم المجموعات المعارضة مثل مجموعة ميموريال ((Memorial و مجموعة مراقبة الانتخابات (NGO Golos) و منظمات أخرى تعارض نظام بوتين, و لكن من السخيف بمكان التظاهر بأن واشنطن لا تتدخل في الشؤون الداخلية الروسية. و قد يكون فلاديمير بوتين تماماً ما يقوله عنه خصومه في المعارضة الروسية الديمقراطية و لكن حقيقة أنه سيء لا تعني أنه على خطأ. فقد موّلت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) مجموعات ترغب بالوصول إلى حكومة مختلفة و أكثر ديمقراطية في الكرملين. و يخبرنا سخط الولايات المتحدة من هذه الديكتاتورية- التي ظهرت جاهزة لمنع الولايات المتحدة من التلاعب بأعدائها- الكثير عن الإيهام الذاتي و الاستحقاق المتعالي الذي يعاني منه برنامج صناعة الديمقراطية.

عاجلاً أو أجلاً ستدرك الولايات المتحدة أن قوانين اللعبة العالمية قد تغيرت و ها هي الآن عاجزة عن إدراك عدم قدرتها على أن تكون فاعلة في توجيه الصين نحو الديمقراطية. و لكن لا يبدو أن صناع السياسة الأمريكية سيتراجعون عن التزامهم بالديمقراطية. حتى الآن لا يزال مناصروا برنامج ترويج الديمقراطية يقودون العربة. و لكن العبقري توم كاروذرس (Tom Carothers) من منظمة كارنيغي انداومنيت(Carnegie Endowment)17- أكفأ شخص في البرنامج- سلّم بالمشاكل التي يعاني منها برنامج ترويج الديمقراطية. و لكن مناصرو البرنامج لا يزالون يعتقدون بأن البرنامج فعّال جداً بالرغم من تحديات بيئة عالم اليوم. إن كان هذا صحيحاً فهذا ما سيطغى على المشهد, و لكن على صنّاع السياسة الأمريكيين طرح سؤال مختلف حول إن كان لالتزامهم ببرنامج ترويج الديمقراطية أي معنى بالنسبة للمصالح الوطنية. و لا نزال نجهل إن كان جورج سوروس على حق عندما ادعى أنه و بعد التداعي المباشر لانهيار الاتحاد السوفيتي ظهرت إمكانية خلق مجتمع عالمي منفتح. و يتضح حالياً أن هذه الفرصة- إن وجدت حقاً- فهي أصبحت من الماضي. ففي عالم حيث التاريخ لم ينته من كل بد و حيث يوجد العديد من النماذج الاقتصادية المتنافسة و التي عليها أن تتعايش معاً في غياب توافق ديمقراطي عالمي, لما إذا يبقى برنامج ترويج الديمقراطية أولوية السياسة الخارجية للولايات المتحدة؟

كان هناك خلال الحرب الباردة مصلحة واضحة من برنامج ترويج الديمقراطية فقد كان سلاحاً في ذلك الصراع. و عند انتهاء الحرب الباردة كان من الممكن رؤية بروز نظام عالمي جديد تقوده الولايات المتحدة. آنذاك كان الاستمرار ببرنامج ترويج الديمقراطية قراراً حكيماً تماماً من جانب صناع السياسة لأن هذا القرار من شأنه أن يدعم ذلك النظام العالمي. و لكن الآن و بعد أن تحول النظام العالمي الجديد إلى شيء خرافي لما إذا الاستمرار بإتباع سياسة وضعت لأزمنة و ظروف أخرى؟ تاريخياً لا يمكن التشكيك بأن الولايات المتحدة تملك مفهوماً ثورياً لدورها في العالم, و لكن و في هذه الظروف العصيبة فهل من الحكمة أن تواصل الولايات المتحدة أجندة الإرساليات التي أطلقتها في مراحل معينة من الماضي؟ مرة أخرى لننظر إلى روسيا الاتحادية. ففي العديد من المناطق حول العالم تتعارض مصالح الولايات المتحدة و روسيا و في مناطق أخرى تلتقي هذه المصالح. إذا و بالنظر لهذه الظروف فما هي الأسباب التي تصب في الصالح العام من وراء دعم المعارضة الداخلية لنظام بوتين و الإصرار على استمرار الدعم مهما حدث؟ هناك مصطلح لهذا المشروع؛ مصطلح “تغيير النظام“. و حقيقة أن الأدوات المستخدمة لإجراء هذا المشروع سلمية و ليست حملات عسكرية لا تغير شيئاً من شكل الدولة النهائي الذي يسعى مشروع صناعة الديمقراطية إلى تحقيقه.

من كل بد ستكون المسألة الروسية الأولى من نوعها, و بشكل واضح سبب صعود الصين و الانحدار النسبي للولايات المتحدة زعزعة في المؤسسة السياسية الأمريكية. و لا تملك الولايات المتحدة أي خبرة في مواجهة الضربات الناجحة إلى طموحاتها بصناعة الديمقراطية و بلا شك هي تتخبط لمعرفة ما يجب أن تفعله حيال الأمر. و في زمن يتسم بالغموض فإن الغريزة الأولى عند البشر هي غالباً مواصلة ما يفعلون و كأن التغيير لم يحدث. يمكن تفهم قرار الولايات المتحدة الاستمرار بتبني ترويج الديمقراطية كشعار لها و لكن هذا لا يعني أن القرار أكثر حكمة مما هو الآن.

ديفيد رِيّف

ذا ناشونال انترست

24 تشرين الأول 2012

ت: عزّة حسون





هوامش

1- جورج سوروس(George Soros): قطب اقتصادي أمريكي من أصول هنغارية. يرأس منظمة سوروس للإدارة التمويلية. بين عامي 1979 و 2011 منح ما يقارب 8 مليار دولار لدعم حقوق الإنسان و الصحة العامة و القضايا التعليمية. لعب دورا مهما في الانتقال من الشيوعية إلى الرأسمالية في هنغارية. و قدم لأوربا أكبر برنامج منح في جامعة سنترال يوروبيان في بودابست.

2- كارل بوبر (Karl Popper): عمل بوبر كبروفيسور في كلية الاقتصاد بجامعة لندن وكتب بغزارة عن الفلسفة السياسية و الاجتماعية. نال عام 1992 جائزة كيوتو للآداب و الفلسفة. من المعروف عنه أنه دافع بحماسة عن الديمقراطية الليبرالية.

3- جون غري (John Gray ): كاتب و صحفي بريطاني. عمل غري كمدّرس في كلية الاقتصاد بجامعة لندن و كتب العديد من الكتب في السياسة و الفلسفة منها: الغروب المزيف: وهم الرأسمالية العالمية.

4- وودرو ويلسون(Woodrow Wilson): الرئيس الثامن و العشرين للولايات المتحدة و حكم لولايتين رئاسيتين من عام 1913 إلى 1921.

5- جون. إل. أو سوليفان (John L. O’Sullivan): صحفي و محرر أمريكي. كان شخصية سياسية بارزة و لكن اختفى عن الأنظار لفترة ثم أعيد اكتشافه بعد أن تم نسب مصطلح ” القدر الجليّ” إليه.

6- فيليم دي كوننغ (Willem de Kooning): رسّام أمريكي من أصول هولندية. بعد الحرب العالمية الثانية أخذ يرسم وفق الأسلوب التعبيري المجرّد و كان عضواً فيما عرف آنذاك “بمدرسة نيويورك”.

7- جاكسون بولوك (Jackson Pollock): رسّام أمريكي اتبع أيضاً الأسلوب التعبيري المجرّد. و من المعروف عنه أنه من أكثر الفنانين عزلة و لديه شخصية غريبة. كان عضواً في “مدرسة نيويورك” مع زوجته الرسّامة “لين كرينزر” التي كان لها دوراً مهماً في مسيرته الفنية.

8- روبرت موذرويل ((Robert Motherwell: رسّام أمريكي و أصغر عضو في “مدرسة نيويورك”.

9- نيلسون روكفيلر (Nelson Rockefeller): سياسي و رجل أعمال أمريكي. عمل كنائب للرئيس جيرالد فورد و شغل أيضاً منصب عمدة نيويورك. شغل عدة مناصب في إدارات الرئيس روزفلت و هاري ترومان و دوايت أيزنهاور.

10 -توم برادن (Tom Braden): صحفي و سياسي أمريكي. ترأس أثناء الحرب الكورية 1950 قسم المنظمات الدولية التابع لوكالة الاستخبارات المركزية. تركزت جهود برادن على دعم الجناح اليساري المعادي للاتحاد السوفيتي و قام بتجنيد العديد من الشيوعيين المعادين للاتحاد السوفيتي خاصة ممن كانوا في النقابات العمالية الأوربية. بعد سنوات من العمل لصالح الوكالة كشف عن دوره في هذه الأحداث في سيرته الذاتية ” Eight is Enough ” التي حاول فيها تلميع صورة الوكالة ولكن أتت اعترافاته لما قام به و كشفه عن العديد من الأسماء ضد هدفه الأساسي.

11- جوزيف ناي (Joseph Nye): سياسي أمريكي مختص في العلاقات الدولية و صاحب المصطلح الشهير”القوة الناعمة”. سمّته مجلة فورن بوليسي كأهم مفكر عالمي لعام 2011.

12- كلاوسفيتز(Clausewitz): سياسي و منظّر في فن الحرب. ركز في كتاباته على الجانب الأخلاقي و السياسي للحرب. بالرغم من أنه بالكاد يعتبر من أتباع الفلسفة الهيغيلية و لكنه ركزّ في كتاباته على العلاقة الجدلية بين العوامل المتمايزة التي تظهر في أي حرب.

13- فاسليف هيفال (Vaclav Havel): شغل منصب أول رئيس لجمهورية التشيك( 1993-2003) و كاتب مسرحي مشهور, له عشرين مسرحية مترجمة و تم تصنيفه عام 2005 كأهم شخصية فكرية من بين 100 شخصية عالمية. عند وفاته كان رئيس مؤسسة حقوق الإنسان الموجودة في نيويورك.

14-جوزيف برودسكاي (Joseph Brodsky): شاعر روسي معروف بمشاكسته لسلطات الاتحاد السوفيتي. تم نفيه خارج الاتحاد عام 1972 و استقر في الولايات المتحدة حيث عمل كمدّرس في جامعاتها مثل يال و كامبريدج و ميشيغان. حصل على جائزة نوبل للآداب عام 1987.

15- مؤسسة المنح الوطنية لدعم الديمقراطية (NED): The National Endowment for Democracy

16-يجب التوضيح هنا أنه و في هذا السياق يظهر كل من الجمهوريين و الديمقراطيين في الولايات المتحدة و الديمقراطيين الاشتراكيين و الديمقراطيين المسيحيين و البيروقراطيين الأوربيين(Eurocrats ) على وجه الخصوص – الليبراليون صفةً و ليس عقيدة- كخير توضيح لفكرة فرويد عن نرجسية الاختلافات الصغيرة التي لا ترقى إلى خلاف عقائدي جاد.( المؤلف)

17-منظمة كارنيغي انداومنيت(Carnegie Endowment):منظمة لتقديم النصائح في السياسة الخارجية و مركزها العاصمة واشنطن. تصف المنظمة نفسها بالمُخلصة لتحقيق التعاون بين الأمم و ترويج ارتباط عالمي نشط بين دول العالم والولايات المتحدة. أسسها اندرو كارنيغي.تصدر عن المنظمة مجلة فورن بولسي Foreign Policy كل شهرين و ذلك حتى عام 2008.

+ في مقالة “معالم النظام العالمي : الهيمنة و عدم الاستقرار و رهاب الأجانب في عالم متغير” يلفت تشومسكي الانتباه إلى فكرة موازية: “أوضح رئيس اللجنة الفرعية لشؤون البيئة أن الاحترار الكوني ليس مشكلة لأن الله وعد نوح بأن لا يتكرر الطوفان مرة ثانية. لو حدث هذا في بلد صغير و بعيد لضحكنا, و لكننا لا نضحك عندما يحدث في أغنى و أقوى البلدان في العالم. و قبل أن نضحك يجب علينا أن ألا ننسى بأن الأزمة الاقتصادية الحالية تعود بمقدار صغير إلى الإيمان المتعصب بهذه العقائد على اعتبار أنها فرضيات السوق الأكثر فاعلية. هذا ما أشار إليه الحاصل على جائزة نوبل جوزيف ستيغليتز(Joseph Stiglitz) ب ” الدين” الذي يؤمن به السوق ” قبل خمسة عشر عام.(المترجمة)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
salim 1979
التميز الذهبي
التميز الذهبي



تاريخ الميلاد : 27/05/1979
العمر : 44
الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 5278
نقاط : 100012160
تاريخ التسجيل : 06/11/2012

نعوم تشومسكي … معالم النظام العالمي: الهيمنة عدم الاستقرار و رهاب الأجانب في عالم متغير Empty
مُساهمةموضوع: مفاهيم مفتاحية في العلاقات الدولية   نعوم تشومسكي … معالم النظام العالمي: الهيمنة عدم الاستقرار و رهاب الأجانب في عالم متغير Emptyالخميس مارس 14, 2013 11:47 am

النظام الدولي International system

يستخدم هذا المصطلح المشتق من تحليل الأنظمة في سياقين اثنين في العلاقات الدولية؛ أولاً كوصف وثانياً كمستوى تفسيري للتحليل.

إن النظام الدولي، بصفته فكرة وصفية، هو طريقة أخرى للإشارة إلى نظام الدول. وعلى صعيد الدولة، يمكن اعتبار الجماعات والمصالح ضمنها أنظمة فرعية. إن السياسة الخارجية تصنع إزاء بيئة خارجية هي النظام الدولي. وبما أن النشاط المتصل بصنع السياسة الخارجية وتنفيذها يكون له أثر كبير على النظام، فإنه يشار إليه أحياناً بأنه "مسيطر على النظام الفرعي" (Kaplan 1957). لقد نزع التحليل التقليدي للنظام الدولي إلى التأكيد بشكل خاص على أهداف وتوجهات القوى العظمى بوصفها شديدة الأثر على العمليات والنتائج. ومن منطلقات نظامية يعتبر الطرف الفاعل المتمثل بالدولة ذا أهمية كبيرة بحيث إن إزالته من النظام من شأنه أن يغير البنية – مثلاً من متعددة الأقطاب إلى ثلاثية الأقطاب.

لقد كان البحاثة الذين يبحثون في الأنظمة السياسية يحددون عادة عمليتين منتظمتين أساسيتين في الماضي والحاضر والمستقبل. وهاتان العمليتان هما الصراع والتعاون. وبما أنهما موغلتان جداً على صعيد النظام فإن فرادى الدول تعتبرهما شيئاً "مُسلَّماً" به في صنعها للسياسة وتكون استجاباتها من هذا المنطلق. وفي السعي لمواجهة هذه العمليات المنتظمة فقد انخرطت الدول في إيجاد الأنظمة وبناء المؤسسات. لقد انتشرت المنظمات الدولية مثل عصبة الأمم والأمم المتحدة ونظيراتها الإقليمية في نظام القرن العشرين. ودار جدل ساخن حول المدى الذي يمكن فيه اعتبار هذه المنظمات أطرافاً فاعلة. فمن المؤكد أن وجودها قد غيّر طبيعة النظام تغييراً جوهرياً وجعل البعض يتحدثون عن نموذج الفاعل المختلط.

والمعنى الثاني الذي يستخدم فيه النظام الدولي هو تحديد المستوى المناسب للتحليل الذي يجب إقامة الشروح عليه. ويمثل والتز (Waltz) (1979) وغيلبين (Gilpin) (1981) الكُتاب الذين جادلوا بأن النظام الدولي يحدد بشكل أساسي سلوك فرادى الفاعلين من الدول ضمن ميدانه. فالمهمة الأولى للتحليل هي اكتشاف خصائص النظام التي تشبه القانون والتي يتعين على جميع فرادى الفاعلين أخذها بالاعتبار. فالأمن كثيراً ما يعتبر هدفاً أزلياً للدول بسبب الطبيعة الفوضوية للنظام.

النظام الدولي International order

يستخدم أحياناً كمرادف لـ "international system" ويشير إلى نمط الأنشطة أو مجموعة التدابير التي يتميز بها السلوك المتبادل للدول. وبهذا المعنى فإن له عدداً من النعوت الرسمية – سياسي، دبلوماسي، قانوني، اقتصادي، عسكري – مما يعطي منهجاً وانتظاماً للعلاقات الدولية. يستند النظام الدولي المعاصر إلى نظام الدول الأوروبي الذي أنشئ في وستفاليا عام 1648: دول متعددة ذات سيادة تتعايش في ظرف من الفوضى التي تعترف مع ذلك بمعايير عامة للسلوك وللتفاعل. وقد وجدت أنظمة دولية أخرى، مثل الامبراطوريات والسلطنات وأنظمة الجزية، لها مكونات وصفات مختلفة، لكن النظام المعاصر، وهو نظام عالمي الآن، يقوم على أساس رفض الحكومة العالمية، وافتراض سيادة الدولة. فيقال إنه يظهر "نظاماً" (order) بمعنى أنه يعترف بالعناصر التنظيمية (مثل موازين القوى والدبلوماسية والقانون) التي توفر إطاراً يجري التفاعل ضمنه. ولا ينسجم اللجوء الدوري إلى الصراع المسلح مع هذا النظام لأن العنف نفسه مقيد بقواعد معروفة. على أن الاستقرار قيمة أساسية في أي نوع من أنواع النظام الدولي. وهذا لا يعني بالضرورة أن النظام ساكن. فالتغيير والتطور (مثل ظهور دول جديدة) يمكن أن يحدث وهو يحدث بالفعل،لكن ذلك يتم استيعابه من خلال التكيف أو التسوية. ويجادل بعض المعلقين بأن السبب المنطقي لوجود النظام هو الأمن؛ وبأن الغرض من التدابير التنظيمية هو توفير الحماية للدول ذاتها وللنظام الذي تشكل جزءاً منه. ويحبذ هذا الرأي الواقعي أو المحافظ الوضع الراهن وينفر عادة من الادعاءات بأن النظام هو مرادف للعدالة أو يجب أن يكون مرادفاً لها. ويجادل آخرون أيضاً بأنه ما من نظام دولي يمكن أن يكون شرعياً دون الترتيب العادل للأمور. فالضغوط من أجل نظام اقتصادي دولي جديد تنبثق عن اعتقاد بأن التدابير المعاصرة غير منصفة وأنه يجب تغييرها. وينبثق هذا الطلب، في النظام الحالي، بشكل رئيسي من "العالم الثالث" أو الدول النامية. وكثيراً ما تقترن الحجة الداعية إلى العدل بوصفه القيمة المركزية بالفكرة القائلة إن النظام الدولي (النظام بين الدول) يجب أن يفسح الطريق لنظام عالمي (نظام بين الأفراد أو تجمعات الناس من غير الدول). وبهذه الطريقة، يُنظر إلى التأكيد على القضايا الدبلوماسية – الاستراتيجية بوصفها لا تنفصل عن القضايا العالمية والاجتماعية المنظمات الدولية والمؤسسات المركزية بصفتها سمات مميزة للنظام. ولا يمكن للنظام أن يوجد على نحو ملائم بين الدول حتى يتم إيجاد مؤسسات آمرة تستقطب ولاء الجميع. على أنه، كما أشار بعض المعلقين، يعتبر استعمال مصطلح "international order" (النظام الدولي) غير مناسب في هذا السياق، حيث إنه، مع إنشاء حكومة عالمية، من شأن أسس النظام أن تكون داخلية لا دولية.

السياسة الخارجية Foreign policy

هي النشاط الذي تقوم به الأطراف الفاعلة بالفعل وبرد الفعل وبالتفاعل. وقد سميت السياسة الخارجية بالنشاط الحدودي. ويفيد مصطلح "الحدود" (boundary) ضمنياً أن القائمين على صياغة السياسة يمتد نشاطهم ليشمل بيئتين: بيئة داخلية أو محلية وبيئة خارجية أو عالمية. لذا فإن صانعي السياسة ونظام السياسة يقفان عند التقاء هاتين النقطتين ويسعون للتوسط بين الأوساط المختلفة.

تشكل البيئة المحلية سياق الخلفية التي يتم استناداً إليها رسم السياسة. فالعوامل التي تشمل قاعدة موارد الدولة وموقعها الجغرافي بالنسبة للآخرين، وطبيعة ومستوى القيم تشكل الوسط المحلي أو الداخلي. والبيئة الدولية أو الخارجية هي حيث يتم التنفيذ الفعلي للسياسة. وينطوي تنفيذ السياسة على الفور على فاعلين آخرين وتكون ردود أفعالهم تغذية رجعية (feedback) لنظام صنع السياسة، بحيث يشكّل جزءاً من الصورة التي يتم استناداً إليها رسم سياسة المستقبل. ويشار إلى هذه المحاولة لإيجاد واقع يتم بالاستناد إليه رسم السياسة بأنه تحديد الموقف. فهو شرط لازم مسبق لفهم البيئة وبالتالي لاتخاذ القرارات المتعلقة برسم السياسة.

يقوم معظم صانعي القرارات بمقاربة البيئة الدولية من منظور إقليمي. فالسياسة الجغرافية تحدد النطاقات الحاصرة لهذه المقاربة الإقليمية. فالدول يتعين عليها الاستجابة لجيرانها من جميع جوانب السياسة وبالتالي فإن هذا البعد الإقليمي ذو أهمية حاسمة. فحتى أهم الدول في العلاقات الدولية المعاصرة لها مصالح إقليمية. وكثيراً ما يتم التعاون والتكامل على أساس إقليمي. كما أن العديد من الصراعات، بما في ذلك الصراعات المزمنة والدائمة، تعود في أصلها إلى السياسة الإقليمية وليس إلى السياسة العالمية. ويمثل الصراع العربي – الإسرائيلي مثالاً جيداً. فالتنفيذ الفعلي للسياسة يقوم على أساس الهيكل المؤسسي للدولة. فالمسائل التي تعد ذات أهمية حيوية للمصالح القومية يعالجها رئيس الحكومة ويعاونه كبار المستشارين. ويشار إلى مثل هذه المسائل بعبارة السياسة العليا وتتضمن مسائل السلام والأمن الفوريين فضلاً عن المسائل ذات الأهمية الحيوية لثروة الدولة والشعب ورفاهه. ومن جهة أخرى فإن السياسة الدنيا تتعلق بمسائل الدبلوماسية الروتينية. وثمة فئة وسط بين مسائل السياسة العليا والسياسة الدنيا، كثيراً ما تسمى السياسة القطاعية (Sectoral Politics) من قبل بعض الكُتاب المعنيين بالسياسة الخارجية وتشمل تلك المجالات التي ترى بعض الجماعات ذات المصلحة أنها تنطوي على مصالح حيوية لهم ولكن لا يمكن اعتبارها "قومية" دون أن تشوه المفاهيم. ومن الواضح أن هذه الفئات ليست ثابتة ومحددة حيث قد تتغير الأهمية النسبية لقضية ما من وقت لآخر. وقد حدث ذلك بالنسبة للمملكة المتحدة عام 1982 حين صعدت قضية الفوكلاند بسرعة من فئة السياسة الدنيا/ القطاعية إلى فئة السياسة العليا بعد مبادرة الأرجنتين في احتلال الجزر من طرف واحد.

قد تقتضي الحكمة التقليدية الافتراض بأن السياسة الخارجية ترسم على أساس حسابات عقلانية تتعلق بالمنفعة وغير المنفعة حيث يتصرف صانعو السياسة كنظام موحد. وثمة سبب وجيه للشك بأن هذا الرأي صحيح كلياً. ففي السنوات قريبة العهد سعت مقاربة السياسة البيروقراطية إلى التأكيد على أن المؤسسات التي ترسم السياسة الخارجية ليست موحدة. بل إن الأفراد الأساسيين يميلون إلى اتباع ما يعتبرونه هم المصلحة القومية وذلك على نقيض آخرين ضمن النظام. ونتيجة ذلك قد تمثل السياسة التي تنبثق حلاً وسطاً بين مختلف الآراء أو انتصاراً لمنظور إحدى المؤسسات على الأخرى. ومن المعقول المؤكد النظر إلى سباق التسلح من هذا المنظور. فإذا كان الأمر كذلك، فإن الحاجة تدعو إلى تعديل نموذج الفعل- رد الفعل المقترح آنفاً وذلك ليؤخذ بالاعتبار السياق المؤسسي الذي يجري فيه رسم السياسة.

إن تنفيذ قرارات السياسة يقتضي أن تستخدم الدول أدوات مثل القدرات العسكرية والاقتصادية. وقد اعتبرت أداة السياسة العسكرية تقليدياً بأنها الأكثر أهمية في المجالات التي تتعلق بالسياسة العليا. وفي الفترة قريبة العهد استرعت الأدوات الاقتصادية اهتماماً متزايداً. ويعود هذا جزئياً إلى زيادات الترابط وبسبب بعض المشاكل المحيطة باستخدام أو بالتهديد باستخدام القوة في السياسة المعاصرة. وفي التحليل الأخير، فمهما كانت دولة ما متميزة بقدرتها على العمل على تعزيز مصالحها، فقد تكون مهارة وتصميم دبلوماسييها وتسيير دبلوماسيتها حاسمة بالنسبة للنتيجة. ومن المفيد التفريق بين الدبلوماسية والسياسة الخارجية، حيث إنهما يستخدمان في بعض الأحيان كمصطلحين مترادفين في النصوص التقليدية. فبينما تشير الدبلوماسية إلى الطريقة التي يتم بها تسيير العلاقات، فإن السياسة الخارجية تشير إلى الموضوع. وتظل هذه أفضل مصطلح يستخدم ليشمل علاقات دولة ما مع العالم الخارجي.





الدُولِية Internationalism

مصطلح يشير إلى مبادئ وايديولوجيات مختلفة ترمي إلى تجاوز السياسة المتمركزة على الدولة ويركز بدلاً من ذلك على المصالح العالمية، أو على الأقل، على المصالح التي تتخطى الحدود القومية. ويقترن عادة بالمثالية أو الطوباوية في الفكر الدولي وبهذا المعنى فإنه يُطرح كبديل عقلاني وأخلاقي للمفهوم الضيق للقومية التي يفترض بأنها تتخلل التفكير الواقعي. غير أن المصلحة القومية والمصلحة الدولية لا تُصوران دائماً كبديلين. فبموجب المبدأ الليبرالي لانسجام المصالح نجد أن الاثنتين مشتركتان في الحدود. فالليبرالية الأمريكية، مثلاً، كثيراً ما أكدت على أن "ما ينفع أمريكا ينفع العالم". ولا تقتصر هذه المماهاة غير المنطقية للمصالح الفردية مع مصالح الجماعة الأوسع نطاقاً على الولايات المتحدة. فمعظم الدول، بصرف النظر عن ايديولوجيتها التي تصرح بها، قد أكدت، في وقت ما، مثل هذه المغالطات، إن لم تكن آمنت بها، بل كان أحد المواضيع الرئيسية في كتاب ئي. هـ. كار (E. H. Carr) "أزمة السنوات العشرين" (1946) الكشف عن استعمال مفهوم الدُولية لتبرير سطوة القوى العظمى في القرنين التاسع عشر والعشرين.

وإلى جانب الليبرالية ثمة أمثلة أخرى هامة عن المبادئ الدُولية وهي الماركسية/ اللينينية والسلامية (pacifism). فبالنسبة للماركسية تتمثل النهاية في "تلاشي الدولة" وبالنسبة للسلامي (pacifist) تتمثل النهاية بإلغاء الصراع والحرب، لكن كليهما ينطلق من تعويقية (obstructiveness) وتقلب السلوك السياسي المتمركز على الدولة. وبهذا المعنى يمكن اعتبار الدُولية عقيدة ثورية، ليس من حيث الأهداف النهائية فحسب، بل أيضاً من حيث الاستراتيجيات المتوخاة لتحقيقها. وفي حين أنه يمكن القول إن النظريات المتمركزة على الدولة هي أفقية (أي علاقات بين دولة وأخرى) فإن الدُولية رأسية بالدرجة الأولى، حيث إنها تخاطب المفهوم الشمولي للوضع الإنساني. وفي دراسة الشؤون الدولية يتمثل أحدث تجلياتها في مقاربات المجتمع العالمي والقانون العالمي حيث تحل مفاهيم الإنسانية المشتركة وحقوق الإنسان العالمية محل المنظورات الأكثر تقليدية. وليست الدُولية على الإطلاق ظاهرة حديثة العهد في السياسة العالمية، فتاريخ الفكر الدولي يزخر بأمثلة عنها، معظمها مستقى من تقليد القانون الطبيعي للعالمية والكوزموبوليتانية. ولعل ارازموس (Erasmus) (1466 – 1536) أشهر مثال على ذلك، لكن كانط (Kant) (1724 – 1804)، أيضاً، يحتل موقعاً مركزياً في هذا التقليد

الاعتماد المتبادل (الترابط ) Interdependence

يُفترض في السياسة العالمية أن العناصر الفاعلة متصل بعضها ببعض بحيث إنه إذا حدث شيء ما لعنصر فاعل واحد على الأقل، في ظرف واحد على الأقل، في مكان واحد على الأقل، فإنه سيؤثر في جميع الفاعلين. ففي أي نظام من العلاقات كلما ازداد عدد الفاعلين، وكلما ازداد عدد الأماكن والظروف، كلما ازداد الترابط. وكما بين كيوهان (Keohane) وناي (Nye) (1977) فإن الترابط يفترض دائماً حساسية مرهفة، في المدى القصير على الأقل. فالتعريف آنف الذكر ينسجم مع فكرة الحساسية المرهفة المذكورة. ويتحدد ما إذا كان الترابط متَّسقاً (Symmetric) أم لا بمعرفة ما إذا كان جميع الفاعلين في نظام ما يتأثرون على نحو متساو. ويعتبر الاتّساق صُوَّة يمكن استناداً إليها الحكم على حالات فعلية. ومن غير المحتمل أن يكون كاملاً على صعيد الواقع. ومن جهة معاكسة، إذا كان أحد الفاعلين في نظام ما غير مكترث نسبياً بتغيير ما في العلاقات في حين أن فاعلاً آخر يتأثر كثيراً من جراء ذلك التغيير، فعندئذ يكون الترابط غير متَّسق (asymmetric). وهذا يمكن أن يؤدي إلى مجموعة علاقات تخضع لدرجة عالية من التأثير يكون فيها فاعل واحد أو مجموعة من الفاعلين معتمدين كلياً على فاعل ما أو مجموعة ما من الفاعلين. وهذا الوضع شديد التعرض للمؤثرات ويعتبره كيوهان وناي أثراً أطول أجلاً ومتحدداً بنيوياً للترابط. كما أنه يشبه تحليل القوة.

بما أن الترابط مصطلح حيادي، فقد تكون له معان إيجابية وسلبية. فأنصار الليبرالية الجديدة يرون أن درجة عالية من الترابط تؤدي إلى تعاون أكبر بين الدول. ولذا فإنه يدعم الاستقرار في النظام الدولي. ومن جهة أخرى، يجادل أنصار الواقعية الجديدة (مثل ك. ن. والتز (K. N. Waltz)) بأنه بما أن الدول تسعى للسيطرة على ما تعتمد عليه أو لتقليل اعتمادها على الأقل، فإن الترابط الزائد يؤدي إلى صراع وعدم استقرار. إن جزءاً من الاختلاف بين الموقفين مردّه إلى درجة الاتّساق (التناظر)/ الاعتماد/ شدة التأثر في العلاقة: فالقاعدة العامة هي أنه كلما ازداد الاتّساق (التناظر) كلما ازداد احتمال التعاون والاستقرار. ومن جهة معاكسة، كلما ازداد الاتّساق كلما ازداد احتمال الصراع وعدم استقرار النظام. ويميل مُنَظِّرو التبعية إلى الرأي الأخير. في أمريكا الجنوبية والعالم الثالث كثيراً ما ينظر إلى الترابط باعتباره مرادفاً للامبريالية "البنيوية" (structural) أو "الجديدة" (neo -) حيث يُرى أن "الشمال" قد فرض على (ويستفيد من) اعتماد "الجنوب" على رأسماله وتكنولوجيته وأسواقه. وقد جعل تحول النظام الدولي من نظام أحادي المحور في معظمه إلى نظام متعدد المحاور في فترة ما بعد الحرب الباردة، جعل الكثيرين من أنصار الليبرالية الجديدة يجادلون بأن هذا يؤدي حتماً إلى زيادة الاتّساق. وينجم، بشكل خاص، عن انقضاء ظاهرة عميل القوى العظمى وإحلال العلاقات ذات الأساس الاقتصادي محل العلاقات ذات الأساس العسكري، ينجم عنه ازدياد درجات التفاعل، لا سيما على الصعيد المؤسسي. لذا فإن آلية التعاون، بالنسبة لـ "المؤسساتيين الليبراليين الجدد"، تتعزز على الصعيدين الإقليمي والعالمي، على السواء؛ فالاتصالات الدورية المنتظمة تؤدي إلى تنسيق السياسة والإزالة المتدرجة لحالات اللااتّساق المتطرفة.

ومع أن الأفكار المتعلقة بالترابط أصبحت شائعة جداً خلال سبعينيات القرن العشرين، فإن الكُتاب الأنفذ بصيرة أدركوا أن الترابط، بوصفه علاقات مميِّزة يمكن مماهاته بواحدة من أكثر سمات نظام الدولة ثباتاً، وهي التحالف. ومن الواضح أن أنشطة التماس الحلفاء وإقامة التحالفات يبشر بالترابط. وفي حالة التحالف تعتمد درجة الترابط على مقدار حاجة الحلفاء بعضهم إلى بعض ومقدار اعتماد بعضهم على قدرة بعض في مواجهة الخطر الخارجي. في القرن العشرين توسع مفهوم أهمية الترابط في مجالات قضايا الأمن العسكري خطوة أخرى مع فكرة الأمن الجماعي. وقد دفع الأمن الجماعي، انطلاقاً من مفهوم الترابط، حافز البحث عن الحلفاء خطوة إلى الأمام وسعى إلى إقامة نظام أمني يكون أكثر تنظيماً من التحالف التقليدي. وفي الوقت نفسه أدركت الاستجابتان المؤسساتيتان أهمية الترابط.

وكما بيّن كتاب كيوهان وناي (1977)، فقد نزعت الأبحاث الأقرب عهداً إلى التركيز بالدرجة الأولى على مجالات القضايا الاقتصادية المتعلقة بالثروة والرفاه بدلاً من تلك المشار إليها آنفاً. وتفسير ذلك غير بعيد المنال. فالترابط يزداد مباشرة، بصفة عامة، مع حدوث التصنيع والتحديث. ثم إنه عندما تبدأ، وإذا بدأت، هذه العمليات فسوف تدعو الحاجة إلى وصول منتظم وروتيني للأسواق بغية تحقيق واستدامة النمو الاقتصادي. ويزداد الترابط وتنشأ تغذية رجعية (feedback) معقدة بين بعض الأهداف الاقتصادية وعواقب الترابط. ويعتبر النظام التجاري عادة مثالاً نموذجياً لهذه العملية المتعلقة بالترابط الاقتصادي. وكلما كبرت نسبة التجارة إلى الناتج المحلي الإجمالي كلما ازداد اعتماد الدولة على النظام التجاري الدولي.

يعكس اهتمام الأبحاث قريبة العهد بالترابط هذه الحقيقة من حقائق الحياة الاقتصادية بدلاً من مجال القضايا العسكرية – الأمنية. بل لقد تم بناء منظور تام أو نموذج عن السياسة الكلية – التعددية – على أساس إدراك ذلك بوصفها عملية ثابتة ومنتشرة في النظام. وقد تأثرت الأفكار المتعلقة بالأنظمة والتحليل التجريبي (empirical analysis) لبناء الأنظمة، تأثرت بالدرجة الأولى جراء هذا القطاع من النشاط السياسي الكلي.

القوة Force

القوة تتصل اتصالاً وثيقاً بالأفكار المتعلقة بالسلطة (power) والإكراه وتتصل عادة في العلاقات الدولية باستخدام السلاح وإن كان ذلك ليس بالضرورة. وهي في واقع الأمر مظهر مادي لكيفية انتقال علاقات السلطة (power) إلى بعد ينطوي على العنف. لا تنطوي جميع علاقات السلطة (power) على استعمال أو التهديد باستعمال القوة (force). لذا يمكن اعتبار القوة (force) بهذا المعنى مجموعة من الأفكار أكثر شمولاً وأوسع نطاقاً. على أنه إذا كان بالإمكان اعتبار القوة (force) بأنها تشمل سلسلة متصلة من العلاقات، فإن القوة (force) تقع في أقصى طرف في حين ربما يقع النفوذ (influence) في أقصى الطرف الآخر.

تحتاج القوة (force) بوصفها من عائلة السلطة (power) إلى قدرة (capability) كشرط لازم. ويتم عادة التعبير عن هذه القدرة من حيث الموارد العسكرية. في العلاقات الدولية، بما أنه لا يوجد احتكار للقوة (force) التي تملكها جهة مركزية، فإن بوسع كل طرف فاعل، نظرياً، أن يمتلك الوسائل والقدرة على استعمال القوة (force) إذا شاء ذلك. غير أن حيازة مثل تلك القدرة والاحتفاظ بها أمر مكلف. لذا يتعين على الذين يريدون سلوك هذا الطريق اتخاذ قرارات واعية ومتواصلة بشأن تخصيص الموارد التي كثيراً ما تكون شحيحة. ولقد تميّزت الدول، وهي تقليدياً الأطراف الفاعلة التي يغلب أن تكون هي التي تسعى لحيازة تلك القدرات، بمقدار تلك الموارد التي قد تكون مستعدة لتخصيصها للمحافظة على قدرات قوتها وزيادتها. وفي واقع الأمر، فإن أحد العناصر المتحولة الهامة في تقييم المركز الذي تحتله الدول في الهيكل الهرمي للدول (قوى كبرى، متوسطة أو صغرى) هو تقدير قدرتها واستعدادها لاستخدام القوة (force). وقد يكون أحد العناصر المتحولة الشرطية هو توجه الدولة. من الواضح أن دولة انعزالية قلّما تشعر بأنها مهددة من قبل الآخرين أو تشعر بالحاجة إلى تهديد الآخرين باستخدام القوة (force). وثمة قيد رئيسي آخر على حيازة قدرة القوة يتمثل ربما بالهيكل الإجمالي للنظام. فعلى سبيل المثال، كان ميزان القوى في أوجه يستند إلى الافتراض بأن الدول الرائدة في النظام لديها القدرة، بمفردها أو بالتحالف مع غيرها، على التدخل بالقوة إذا اقتضى الأمر بغية المحافظة على النظام والحيلولة دون السيطرة عليه من قبل دولة أو مجموعة من الدول المنشقة. وكثيراً ما يشار إلى هذه الفئات بوصفها الوضع الراهن وبوصفها تعديلية كما فعل ئي. اتش. كار (E. H. Carr) في "أزمة السنوات العشرين" 1919 – 39 (The Twenty Years' Crisis). ثم إن حيازة قدرة قوة سوف تحتاج إلى زعماء في داخل الدول ليقوموا بالاختيارات فيما يخص تخصيص الموارد و، بشكل خاص، بالاختيار بين قدرات القوة وأهداف أخرى. فمن الواضح أن مقولة "المدافع مقابل الزبدة" لا تقتصر على روسيا الستالينية.

لقد أثرت التكنولوجيا في دور القوة من طرق عدة؛ أولاً، إن حيازة قدرة قوة ذات مصداقية باهظة التكاليف. فأنظمة الأسلحة الحديثة تضع عبئاً على اقتصادات حتى أغنى الدول. ثانياً، لقد زادت التكنولوجيا الحديثة نطاق القدرة التدميرية للعنف المتاح للدولة التي تمارس استخدام القوة. كما أن التفريق بين المقاتلين وغير المقاتلين يزداد صعوبة حيث ازداد الضحايا من المدنيين بالنسبة إلى إجمالي وفيات الحرب. ومنذ ثورة البارود أصبح تطوير الأسلحة النووية آخر ما توصلت إليه الابتكارات التكنولوجية حتى الآن. بل إن الثورة النووية في الشؤون الدولية قد عملت على القيام بمراجعات لمفهومنا لاستخدام القوة. وقد أصبح بشكل خاص، التمييز بين قدرة القوة وعلاقة القوة أكثر حدة الآن من أي وقت كان. ففي الأسلحة النووية، تمتلك الدول أدوات للقوة تفضل أن لا تستخدمها. ونتيجة لذلك فقد حدد مُنظِّرو الردع مشكلة المصداقية بأنها حساسة وخطيرة بشكل خاص. كما أن الأسلحة قد جعلت أيضاً التمييز بين المنتصرين والمهزومين مسألة تفتقر إلى الوضوح. وبناء عليه، فإن استخدام القوة، إذا كانت ستشمل الأسلحة النووية، يشوبها حالات من الغموض والتناقضات وأوضحها فكرة المهارة في عدم استخدامها.



السطوة (النفوذ) Influence

مصطلح وثيق الصلة بمفهوم القوة وله معنيان. الأول، هو شكل قسري للقوة. ويمكن تحليله، مثل القوة، بوصفه قدرة وبوصفه علاقة. ثم إن علاقات السطوة مشابهة لعلاقات القوة بمعنى أنهما يسعيان إلى "جعل" شخص ما يفعل شيئاً ما ما كان ليفعله بخلاف ذلك. فيتم إقناع الهدف بتغيير رأيه بدلاً من إجباره على ذلك. ويغلب على علاقات السطوة، بهذا المعنى غير القسري، أن تشيع بين الفاعلين الذين اعتادوا على توقع ونيل مستوى عال من التجاوب في علاقاتهم. حلفاء بدلاً من خصوم، شركاء في تآلف بدلاً من أطراف متصارعين، فاعلين تربطهم "علاقات خاصة"؛ ففي هذه الأوضاع تفضل السطوة على القوة من أجل ضمان الاتفاق. وكثيراً ما ينظر إلى ما يدعى ترابط الحساسية من حيث التجاوب ضمن علاقة قائمة ويمكن الربط بين مفهومي – السطوة والترابط – بهذه الطريقة. ويمكن أيضاً تحديد علاقات السطوة في تسلسل هرمي للسلطة، شريطة أن يقبل الفاعلون في أسفل "التسلسل الهرمي الاجتماعي" زعامة الطرف الذي في أعلى الهرم؛ فعندها يتمكن ذلك الأخير من ممارسة السطوة على الآخرين، لكنه، من جهة أخرى، يكون عرضة للسطوة بدوره. ويكون التجاوب موجوداً هنا أيضاً لكن العلاقة تكون أقرب إلى ما دُعي بـ "ترابط العرضة للتأثر" (vulnerability interdependence). وتميل السطوة، في نظام متسلسل هرمي، إلى أن تتدرج لتمتزج بالقوة عندما يسعى، أو إذا سعى، الفاعلون للتلاعب بقابليات التأثر المدركة بطريقة قسرية.

ثانياً، يمكن تحديد السطوة ضمن علاقة القوة ذاتها، بدلاً من أن تكون بديلاً لها. لذا يمكن استعمال المصطلح لوصف علاقات قوة تفشل في توليد الإذعان، بل تولّد رد فعل ما من الطرف المستهدف على محاولة الطرف الممارس للقوة. وبما أن السطوة ينظر إليها باعتبارها فشلاً للقوة، فإن الفرق بين المفهومين يتضاءل كثيراً بهذا المعنى الثاني. والمثال على السطوة بهذه الطريقة هو: "لقد فشل في جعل الطرف المستهدف يفعل ما يريد (الطرف الممارس)، لكنه مع ذلك جعله يغير سلوكه". ففي هذا السياق الثاني تكون القدرات على ممارسة السطوة والقدرات على ممارسة القوة شيئاً واحداً. ويمكن القول عن شخص بهذا المعنى الثاني: "ظن أن لديه القوة لكن لم يكن لديه سوى السطوة." فأي فاعل لا يتمكن من التغلب على المقاومة وتأمين أهدافه هو "صاحب سلطة" فقط، وليس "صاحب قوة"، ويتمثل الفرق بين هذا الاستعمال لـ "السطوة" والاستعمال الذي ورد آنفاً في الدور الذي تلعبه الجزاءات. ففي أحد استعمالات المصطلح لا تلعب جزاءات السطوة أي دور على الإطلاق، وتكون موجودة، في استعمال آخر، لكنها تفشل في تأمين الإذعان.

إن السطوة من دون قوة والسطوة ضمن القوة أفكار يصعب تجسيدها وملاحظتها تجريبياً (empirically). بل إن العديد من الخبراء الثقات لم يحاولوا ذلك مجرد محاولة. ويجمع داهل (Dahl) (1984)، وهو من أبرز الذين كتبوا عن القوة في علم السياسة ذاته، "القوة" و"السلطة" و"السيطرة" معاً بوصفها "مصطلحات تشير إلى السطوة". وبهذه الطريقة تصبح السطوة نموذجاً للمصطلح المنحوت من كلمات عدة. وقد تم تجنب هذه المقاربة هنا من خلال تعريف السطوة بطريقتين, هما بالطبع قريبتان من القوة ولكن يمكن تمييزهما عنها، على الأقل تحليلياً.

الاكتفاء الذاتي Autarky

تلتبس أحياناً مع كلمة "autarchy" (حكم الفرد). يشير هذا المصطلح إلى غياب التجارة وبالتالي إلى الاكتفاء الذاتي. ويستخدم هذا المصطلح كثيراً في الاقتصاد الدولي. على أنه بالنظر للعلاقة الوثيقة بين الاقتصاد والسياسة في النظام العالمي، فإنه يمتّ بصلة إلى كليهما. إن الاكتفاء الذاتي التام شيء متعذر. فمن أقدم الأزمنة كانت المجتمعات البشرية تتبادل السلع والخدمات. ومع ازدياد تعقيد الأنظمة الاجتماعية، وعلى وجه الخصوص بعد أن دخل التصنيع في الأنظمة الاقتصادية أصبحت تكاليف الاكتفاء الذاتي أكثر عبئاً. لقد رفضت الليبرالية الاقتصادية الكلاسيكية للقرن التاسع عشر التي تأثرت كثيراً بنظريات ريكاردو، الاكتفاء الذاتي بوصفه غير فعال وجادلوا منوهين بالمزايا المطلقة والنسبية للتجارة الدولية. ومع قبول هذه النظريات توطد نظام يقوم على أساس هذه الأفكار. وتم التعامل بالمدفوعات الدولية من خلال معيار الذهب وأصبحت لندن القناة التجارية للنظام. ويميل البحاثة الآن إلى وصف هذا النظام الخاص بالقرن التاسع عشر بأنه نظام من الترابط. لكن أحداث العقود الأولى من القرن العشرين، ولا سيما الحرب العالمية الأولى وظهور الفاشية والشيوعية قد دمرت هذا النظام. فلم تعد المملكة المتحدة قادرة على أن تعمل بوصفها محور النظام. وفي أوروبا جاءت الزعامات السياسية إلى السلطة وهي مصممة على استخدام العلاقات الاقتصادية كأداة للسياسة. وبنتيجة ذلك اتضح اتجاه جديد لزيادة الاكتفاء الذاتي في المانيا والاتحاد السوفياتي. وفي آسيا، رفضت اليابان الاكتفاء الذاتي واتبعت سياسة عُرفت باسم الازدهار المشترك. وقد أوقفت محاولات الدبلوماسيين الانجلو – أمريكيين إعادة نوع من الليبرالية في بريتون وودز الابتعاد عن ليبرالية التجارة الحرة لفترة من الوقت. وقد أوحت التطورات التي جرت في الفترة قريبة العهد بالعودة إلى مزيد من الاكتفاء الذاتي حيث أمكن ذلك. وقد وضع الاتحاد الأوروبي سياسة زراعية أوجدت سوقاً مكتفياً ذاتياً إلى حد كبير داخل الدول الأعضاء. وكما ورد آنفاً فإن الاكتفاء الذاتي الصرف نوع مثالي يمكن قياس سياسات الفاعلين الدوليين بالنسبة إليه.

انظر Mercantilism (المركنتلية)

السلطة Authority

تتمثل بشخص أو مؤسسة تضفي على التصرفات والأوامر صفتها الشرعية. وبهذا المعنى يجب تمييزها عن القوة التي تدل على القدرة وليس على الحق. فنقص السلطة العامة والمقبولة هي التي يقال إنها تميز السياسة والقانون الدولي عن القانون المحلي. وبناء على ذلك يجادل بعض الكُتاب بأنه بالنظر لغيابها فإن القانون الدولي ليس قانوناً بالمعنى المعروف كما أن السياسة الدولية هي سياسة فقط على سبيل المجاملة، كما يجادل في كثير من الأحيان المثاليون في مجال الفكر القانوني، منطلقين من القياس المحلي، بأن حل الصراع الدولي المتواصل والمستمر يكمن في إيجاد سلطة عالمية لتنظيم العلاقات وإرساء قواعد نظام قانوني وتسوية المنازعات. وفي بعض الأحيان كان ينظر إلى عصبة الأمم والأمم المتحدة (وإن كان ذلك خطأ) على أنهما نموذجان أوليان سابقان. ويجادل مُنظِّرون آخرون بأن غياب سلطة عالمية، ولا سيما منذ أفول الامبراطورية الرومانية المقدّسة، هو مصدر قوة، وليس مصدر ضعف في العلاقات الدولية إذ إنه يدعم الحجج المؤيدة لسيادة الدولة وحريتها واستقلالها.

المعنى الحرفي لهذا المصطلح هو الحكم الذاتي Autonomy

وبهذا المعنى يقترن هذا المصطلح بمفهوم السيادة والاستقلال. في العلاقات الدولية التقليدية كان يفترض أن جميع الدول تتمتع بالحكم الذاتي، أي لا تخضع لسلطة خارجية سواء كانت روحية (الكنيسة، على سبيل المثال) أو زمنية (الامبراطورية الرومانية المقدّسة، مثلاً). ومن المفترض أن معاهدات وستفاليا، 1648، كانت إيذاناً ببداية الحكم الذاتي للدولة وبالتالي للطابع الفوضوي للنظام الدولي.

لقد استخدَمت الأبحاث قريبة العهد مفهوم الحكم الذاتي لإلقاء الشك على الربط التقليدي بين الحكم الذاتي والدولة. فالحكم الذاتي يعتبر الآن، ولا سيما من قبل الكُتاب التعدديين، على أنه مسألة درجة وليس شيئاً مطلقاً. لذا فإنه لم يعد يستعمل الآن كبديل للسيادة بل كمعيار بديل. ويُعتبر الفاعلون في السياسة العالمية الآن على أنهم يمارسون حكماً ذاتياً نسبياً ويمكن مقارنة الفاعلين من الدول وغير الدول على هذا الأساس. وتتوقع التعددية توقعاً تاماً بأن تبين هذه المقارنات أن مركز الدولة ليس على ما يرام في بعض الأحيان.

لقد تناول أيضاً الكُتاب عن القومية الاثنية والصراع الطائفي مفهوم الحكم الذاتي مؤخراً. تنطلق حجتهم بملاحظة أنه لا يوجد سوى قلة من الدول، إذا وجدت على الإطلاق، التي تتمتع بالحكم الذاتي بالمعنى الصحيح للكلمة بل إنها جميعاً تظهر نزعات مندفعة بعيداً عن المركز وتفرعين ثنائيين: أكثرية/ أقلية (بل أحياناً نزعات... أقلية/ أقلية/ أقلية). فهذه الجماعات ضمن الدول تعتبر أنها تسعى للحصول على حكم ذاتي كهدف ومن خلال تلك العملية فإنهم يجعلون وحدة الدولة تتآكل. وقد تكون نهاية هذه العملية إيجاد المزيد من الدول حيث إن المطالبات بالحكم الذاتي تنجح في إنهاء تلك الدول الموجودة. وبهذا المعنى يتم إنقاذ النظرة الكلاسيكية للحكم الذاتي إلى حد ما من حطام هيكل الدولة

ميزان القوى: Balance of power

مفهوم عام لا غنى عنه يمثل جزءاً من علَّة كل من دارسي الدبلوماسية وممارسيها. بل يعتبره بعض البحاثة أقرب شيء بين أيدينا لنظرية سياسية للعلاقات الدولية. غير أن معناه ليس واضحاً على الإطلاق حيث إنه معرض لعدد من التفسيرات المختلفة. فعلى سبيل المثال يميز مارتن وايت (Martin Wight) تسعة معان مختلفة لهذا المصطلح:

1- توزيع متوازن للقوى.

2- المبدأ القائل بوجوب التوزيع المتوازن للقوى.

3- التوزيع الراهن للقوى. وبالتالي، أي توزيع محتمل للقوى.

4- مبدأ التوسع المتساوي للقوى العظمى على حساب الضعفاء.

5- المبدأ القائل إنه يجب أن يكون لطرف من الأطراف هامش قوة بغية تفادي خطر أن تصبح القوة موزّعة على نحو غير متساو.

6- (حين يسبق العبارة فعل "يمسك") دور خاص في الاحتفاظ بتوزيع متساو للقوى.

7- (حين يسبق العبارة، فعل "يمسك") ميزة خاصة في التوزيع القائم للقوى.

8- الغلبة (السيطرة).

9- نزعة متأصلة للسياسة الدولية لإيجاد توزيع متساو للقوى.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
نعوم تشومسكي … معالم النظام العالمي: الهيمنة عدم الاستقرار و رهاب الأجانب في عالم متغير
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى قالمة للعلوم السياسية :: ******** لسا نـــــــــــــــــــــــس ******** :: السنة الثالثة علوم سياسية ( محاضرات ، بحوث ، مساهمات ) :: عـــلاقــــــــات دولــــيــــــة ( محاضرات ، بحوث ، مساهمات )-
انتقل الى:  
1