لماذا نموذج التعقد في العلاقات الدولية

لماذا نموذج التعقد في العلاقات الدولية
البحوث السياسية الاكاديمية أ. عادل زقاغ

يرى "فالتر"

Walther

رغم أن مكمن الضعف في البنية التقليدية للنظرية، هو سعيها نحو الحصول على تعميمات "كونية" انطلاقا، تشبثها بالتموقع الأنطولوجي على "أطراف الكون": فوضوية بنية النظام الدولي لدى النيوواقعيين؛ مأسسة الأنساق وسلوك الدولة وفق المنطق الاقتصادي

homo economicus

؛ التفاعل بين المصلحة والهوية على ضوء منطق سوسيولوجي

homo sociologicus...

إلخ.

وبحسب "فالتر" فإن الهزات الإمبريقية على مدى مراحل معينة كاندلاع الحرب العالمية الثانية خلافا لافتراضات الليبرالية المثالية؛ نهاية الحرب الباردة خلافا للافتراضات النيوواقعية؛ تراجع فعالية بعض الأنساق والضوابط (بفعل عودة الحمائية في مواجهة حرية التجارة وكذلك النزعة التدخلية الأمريكية لأغراض هي أقرب للمنطق التدخلي الإمبريالي منه إلى الأغراض الإنسانية)، وكل ذلك خلافا للإدعاءات البنائية، هذه الهزات الإمبريقية ضربت الاتساق الفكري لهذه المقاربات في الصميم.

والسبب هو تموقعها الأنطولوجي في إطار تحليل نظمي جامد رغم أن النظام المراد الإحاطة به لتقديم نظرية كبرى

big theory

ينطوي على تعدد أنطولوجي، حيث يصعب -بتوظيف "النظمية التقليدية"

systemism

المعتمدة على السبرنيطيقا cybernetic التقليدية- تحديد مصدر التأثير الأساسي في النظام وذلك بغية اقتراح معادلة تفسيرية دقيقة كما تصبو إليه هذه النظريات

. ذلك أن اختيار المتغيرات التفسيرية ذاتها يتم بشكل عشوائي أو غير قابل للتفسير باللجوء إلى الأدوات النظرية ذاتها.

إن مشكلة النظريات الكبرى هي وجود نقطة عمياء في بنيتها الفكرية

blind spot،

هذه النقطة استطاع "قودل" Gödel تأكيدها عبر نموذجه الرياضي "نظرية عدم الاكتمال" incompletness theorem

، فجل النظريات الكبرى تحتوي في مقدماتها الابستيمولوجية عنصرا واحدا على الأقل لا يمكن إثباته، والإشكال البسيط المطروح في هذه الحالة هو أن هذا العنصر صحيح طالما أنه لا يمكن إثباته أو فحصه ولكنه قد يكون خاطئا، وبالتالي ففي أحسن الأحوال فإن البنية الفكرية للنظرية غير مكتملة، وهذا ينطوي على تناقض بسبب الادعاءات بالعمومية التي تنطلق منها النظرية الكبرى.

المشكلة الأخرى التي تطرحها نظرية النقطة العمياء في مواجهتها للنظريات الكبرى هو التبعية للملاحظ أو الباحث، فكيف يمكن مراجعة عمل الدماغ وتقييمه بواسطة الدماغ ذاته دون الوقوع في مصيدة التعالي المعرفي

transcendentalism

ومعناه في هذه الحالة اتخاذ موقف لصالح الوضعية التي تسلم بوجود حقائق موضوعية يتعين فقط البحث في الترابطات الموجودة بين عناصرها. ولمعالجة هذه المشكلات يطرح "فالتر" بديلا يستقيه من "بادرايم التعقد" يتمثل هذا البديل في "النظرية المتماسكة" بدل "النظرية الكبرى".

تتمتع "النظرية المتماسكة" strong theory بميزتين مقارنتين:

أولا، حل مشكلة الذات والموضوع عبر الإقرار مبدئيا بوجود تمايز بين الإحالة الدلالية الذاتية والإحالات الأخرى تتبع كل منها نظاما ذاتي الانبثاق وذاتي التكيف

autopoeitic

وذلك وفق منظور مستويي الملاحظة لـ "فون فورستر"؛ ثانيا، تتجاوز النظرية المتماسكة مشكلة أخرى فبدل الاهتمام بتحديد موقعها ضمن مصفوفة تصنيف نظريات العلاقات الدولية مثلا حسب معياري مستوى التحليل

level of analysis

ونمط التحليل

mode of analysis

فإنها تنصب حول المشكلة الحقيقية: نطاق التحليل

the scope of analysis،

أي مدى عمق المعالجة للظاهرة وذلك بفضل المستوى الجديد للتحليل السيبرنيطيقي والذي يهتم بأنظمة المعرفة ذاتها.

وزيادة على هذه النقطة فإن نظام "التعقد" يدفع باتجاه مخرج آخر بتبنيه للتحليل الشبكي، وهو الابستيمولوجيا مابعد الأنطولوجية أي أنها تخلصت من البعد الأنطولوجي الذي طالما قوض أركان النظريات الكبرى

big theories

وأوجد أزمة مستمرة بين الذات العارفة والموضوع