بروسيا في التاريخ

كانت لمئات السنين دولة عسكرية قوية في شمالي أواسط أوروبا. وعندما أصبح الملك البروسي إمبراطورًا لألمانيا المتحدة عام 1871م، أصبحت بروسيا أكبر ولاية في الإمبراطورية الألمانية. انقسمت بروسيا بعد الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945م) إلى مقاطعات صغيرة، ولم يعد لها وجود كولاية ألمانية. معظم الأراضي التي كانت تسمى بروسيا، تقع الآن، في ألمانيا الشرقية (سابقًا)،ولتوانيا وبولندا وروسيا.

كانت بروسيا أكثر من مجرد اسم لدولة. فقد كانت تمثل أيضًا الأسلوب العسكري في الحياة الغربية. وكانت الجيوش البروسية من أكثر جيوش العالم انضباطًا وصرامة في التدريب. وكان الضباط الكبار، من الطبقة الأرستقراطية التي تُسمّى بـ اليونكرز، يملكون ممتلكات ضخمة.


السطح والموارد. احتلت بروسيا ـ في أوج مجدها في أواخر القرن التاسع عشر ـ ثلثي شمالي ألمانيا، وامتدت من بلجيكا وهولندا في الغرب إلى روسيا في الشرق. وكان يحدها بحر الشمال وبحر البلطيق من الشمال والنمسا والمجر من الجنوب.

وكان لبروسيا ساحل رملي منخفض يحده الكثير من البحيرات الصغيرة الضحلة ويفصل الساحل عن السهل الأوسط لبروسيا حزام من البحيرات وجبال تغطيها الأشجار.كان السهل الأوسط يحتوي على بحيرات كثيرة وممرات مائية. وتحتوي الأراضي الجبلية الواقعة جنوبي السهل الأوسط على رواسب من معادن كثيرة، تشمل: الفحم الحجري، والحديد، والفضة، والنحاس، والنيكل، والرصاص. وتقع أخصب الأراضي الزراعية في وديان أنهار: أودر وإلبه والراين.


السكان وأعمالهم. كان حكام بروسيا، وعلى رأسهم عائلة هوهينزولّيرن المالكة، يسيطرون على الأراضي التي كان يسكنها أصلاً السلافيون واحتلها واستعمرها الألمان في العصور الوسطى. كان هناك نحو 200 أسرة من الأرستقراطيين ذوي الألقاب أو اليونكرز، الذين يملكون معظم الأراضي. ولم يكن الرجال الذين يعملون في المزارع، يملكون أراضي خاصة بهم، وكانوا يعملون في الجيش البروسي لمدة ثمانية أو تسعة أشهر كل عام.

كانت مدن بروسيا الرئيسية: برلين التي كانت العاصمة وكونجسبيرج (كالينينغراد) في شرقي بروسيا.


التاريخ القديم لبروسيا. كانت قصة قيام الأسرة الهوهينزولّيرنية هي قصة بروسيا. فقد كانت الأسرة الهوهينزولّيرنية أسرة من النبلاء الألمانيين. وفي عام 1415م أصبح الهوهينزولِّيرنيون حكامًا أو مرجريفيين لمقاطعة مارك براندنبرج الضخمة، وعندما جاءوا للمشاركة في انتخابات إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة، حصلوا على لقب أمير براندنبرج. وفي القرن السابع عشر أضاف الهوهينزوليرنيون مقاطعات شرقي بروسيا وبوميرانيا لأراضيهم.

قويت بروسيا بدرجة كبيرة أثناء حكم الحاكم الكبير فريدريك وليم في الفترة مابين عامي 1640 و1688م. تُوّج ابنه فريدريك أول ملك لبروسيا في عام 1701م. وكوّن جيشًا قويًا.


فريدريك الكبير أو فريدريك الثاني. جاء فريدريك الكبير أو فريدريك الثاني إلى عرش بروسيا عام 1740م. وساعد في تكوين النظرية البروسية للحكم، التي تعتمد على الانضباط والسلطة.كان فريدريك يؤمن بالفكرة القائلة بأن (القوة تعزز الحق) وقد كان محصلو ضرائب فريدريك يسمون بمفوضي الحرب. وكان أعضاء حكومته يسمَّون وزراء الحرب. استولى على سيليسيا من النمسا عام 1740م، مستخدمًا الجيش القوي الذي كونه والده. وفي أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، اقتسم بولندا مع روسيا والنمسا.


الفترة النابليونية. جاء بعد فريدريك الكبير حكام أقل كفاءة ولذلك هزم نابليون البروسيين بسهولة في عام 1806م. ولإعادة نفوذ بروسيا، أدخل جيرهارد فون شارن وأوجست فون غنايزيناو تدريبًا عسكريًا عامًا. فقد صُمِّمت المدارس لتجعل من الناس جنودًا أفضل. ونتيجة لذلك أصبح الذين يعرفون القراءة والكتابة في بروسيا أكثر من أي دولة أخرى في أوروبا في القرن التاسع عشر. ساعد الجيش البروسي الجديد بقيادة جبهارد فون بلوخر على هزيمة نابليون في ليبزج في عام 1813م، وفي واترلو في عام 1815م.


الإمبراطورية الألمانية. بلغت بروسيا أوج قوتها بعد أن جاء الملك ولهلم الأول إلى الحكم في عام 1861م واختار أوتو فون بسمارك رئيسًا للوزراء. قوّى بسمارك الجيش البروسي بدرجة كبيرة، وشرع في توحيد ألمانيا وفي عام 1864م، كسبت بروسيا والنمسا محافظتي شلزويغ وهولشتاين وعندما اختلفت النمسا مع بروسيا، شكل بسمارك اتحاد ألمانيا الشمالية بما فيها الولايات الواقعة شمالي نهر الماين. ورأس الملك ولهلم هذا الاتحاد. وبعد ذلك زج بسمارك بفرنسا في حرب عام 1870م، وأخذ كل الألزاس تقريبًا وجزءًا من اللورين كثمن للسلام. مكن هذا الانتصار بسمارك من أن يقنع ولايات ألمانيا الجنوبية بالانضمام إلى الاتحاد. وفي عام 1871م، أصبح اتحاد ألمانيا الشمالية الإمبراطورية الألمانية. عندها أصبح ولهلم أول إمبراطور للإمبراطورية الألمانية الجديدة.


انهيار بروسيا. كانت رغبة بروسيا لمزيد من الأراضي أحد أسباب الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918م)، ولكن ألمانيا خسرت الحرب. وقد أعطيت بولندا قطاعًا كبيرًا من الأرض في تسوية السلام.

هذا القطاع الذي يسمى بالممر البولندي يفصل بروسيا الغربية عن بروسيا الشرقية. أصبحت بروسيا والولايات الأخرى في الجمهورية الألمانية الجديدة مقاطعات إدارية. بدأ هتلر الحرب العالمية الثانية في أوروبا بغزو بولندا لاسترجاع الأراضي التي فقدت في الحرب العالمية الأولى فجلبت الحرب دمارًا شديدًا لمعظم بروسيا. وفي نهاية الحرب، استولى الاتحاد السوفييتي السابق على النصف الشمالي من بروسيا الشرقية. وأخذت بولندا ما تبقى من بروسيا شرقي نهري أودر ونايسه، بالإضافة إلى مدينة اشتيتّن (شتزيزن حاليًا) غرب نهر أودر، وبالمثل قُسمت مقاطعة براندنبرج على طول هذه الأنهار، ووضع الجزء الواقع غربي الأنهار في منطقة الاحتلال السوفييتي الذي أصبح فيما بعد ألمانيا الشرقية (سابقًا). في عام 1947م، ألغى مجلس قيادة الحلفاء بروسيا نهائيًا.

في عام 1952م، ألغت ألمانيا الشرقية الشيوعية، ولاية براندنبرج، وقسمتها إلى مقاطعات إدارية. وأُلحقت هذه المقاطعات بولاية براندنبرج مرة أخرى في عام 1990م عندما أعيد توحيد شطري ألمانيا