منتدى قالمة للعلوم السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم .. أخي الزائر الكريم ..أهلآ وسهلآ بك في منتداك ( منتدى قالمة للعلوم سياسية ) إحدى المنتديات المتواضعة في عالم المنتديات والتي تزهو بالعلم الشرعي والمعرفة والفكر والثقافة .. نتمنى لكم قضاء أسعد الأوقات وأطيبها .. نتشرف بتسجيلك فيه لتصبح أحد أعضاءه الأعزاء وننتظر إسهاماتكم ومشاركاتكم النافعة وحضوركم وتفاعلكم المثمر .. كما نتمنى أن تتسع صفحات منتدانا لحروف قلمكم ووميض عطائكم .. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه , وجنبكم ما يبغضه ويأباه. مع فائق وأجل تقديري وإعتزازي وإحترامي سلفآ .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . المشرف العام
منتدى قالمة للعلوم السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم .. أخي الزائر الكريم ..أهلآ وسهلآ بك في منتداك ( منتدى قالمة للعلوم سياسية ) إحدى المنتديات المتواضعة في عالم المنتديات والتي تزهو بالعلم الشرعي والمعرفة والفكر والثقافة .. نتمنى لكم قضاء أسعد الأوقات وأطيبها .. نتشرف بتسجيلك فيه لتصبح أحد أعضاءه الأعزاء وننتظر إسهاماتكم ومشاركاتكم النافعة وحضوركم وتفاعلكم المثمر .. كما نتمنى أن تتسع صفحات منتدانا لحروف قلمكم ووميض عطائكم .. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه , وجنبكم ما يبغضه ويأباه. مع فائق وأجل تقديري وإعتزازي وإحترامي سلفآ .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . المشرف العام
منتدى قالمة للعلوم السياسية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولصفحتنا عبر الفيسبوكمركز تحميل لكل الإمتدادات
منتدى قالمة للعلوم السياسية يرحب بكم
تنبيه:إن القائمين على المنتدى لا يتحملون أي مسؤولية عن ما ينشره الأعضاء،وعليه كل من يلاحظ مخالفات للقانون أو الآداب العامة أن يبلغ المشرف العام للمنتدى ، أو بتبليغ ضمن قسم اقتراحات وانشغالات
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» امتحان مادة علم الاجتماع السياسي ماي 2024م
الحركة الوطنية الجزائرية في مرحلة النضج Emptyمن طرف salim 1979 الأربعاء مايو 15, 2024 9:33 am

» امتحان تاريخ الفكر السياسي جانفي 2024م
الحركة الوطنية الجزائرية في مرحلة النضج Emptyمن طرف salim 1979 الثلاثاء يناير 16, 2024 8:08 pm

» عام ينقضي واستمرارية في المنتدى
الحركة الوطنية الجزائرية في مرحلة النضج Emptyمن طرف salim 1979 السبت مايو 27, 2023 1:33 pm

» الإقرار وفق القانون الجزائري
الحركة الوطنية الجزائرية في مرحلة النضج Emptyمن طرف salim 1979 الخميس مايو 11, 2023 12:00 pm

» امتحان تاريخ العلاقات الدولية جانفي 2023
الحركة الوطنية الجزائرية في مرحلة النضج Emptyمن طرف salim 1979 الجمعة يناير 20, 2023 10:10 pm

» امتحان تاريخ الفكر السياسي جانفي 2023
الحركة الوطنية الجزائرية في مرحلة النضج Emptyمن طرف salim 1979 الأربعاء يناير 11, 2023 9:15 pm

» كتاب : المؤسسات السياسية والقانون الدستورى
الحركة الوطنية الجزائرية في مرحلة النضج Emptyمن طرف ammar64 الثلاثاء نوفمبر 08, 2022 10:47 pm

» الفكر السياسي عند الرومان
الحركة الوطنية الجزائرية في مرحلة النضج Emptyمن طرف salim 1979 الأحد أكتوبر 16, 2022 7:32 am

» الفكر السياسي الاغريقي بعد أفلاطون
الحركة الوطنية الجزائرية في مرحلة النضج Emptyمن طرف salim 1979 الأحد أكتوبر 16, 2022 7:31 am

أنت زائر للمنتدى رقم

.: 12465387 :.

يمنع النسخ
الحركة الوطنية الجزائرية في مرحلة النضج Ql00p.com-2be8ccbbee

 

 الحركة الوطنية الجزائرية في مرحلة النضج

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمد امين بويوسف
عضو فعال
عضو فعال
محمد امين بويوسف


تاريخ الميلاد : 05/09/1991
العمر : 32
الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 153
نقاط : 469
تاريخ التسجيل : 15/11/2012
الموقع : mamino.1991@hotmail.fr
العمل/الترفيه : طالب + لاعب كرة قدم + عاشق للفيس بوك

الحركة الوطنية الجزائرية في مرحلة النضج Empty
مُساهمةموضوع: الحركة الوطنية الجزائرية في مرحلة النضج   الحركة الوطنية الجزائرية في مرحلة النضج Emptyالسبت ديسمبر 22, 2012 6:20 pm

الحدث التاريخي يلد الحدث التاريخي، ولا يمكن للدارس الجاد أن يحيط بأي حدث تاريخي مالم يهتد إلى الحدث أو الأحداث التي كانت في أساسه والتي انطلقت منها بوادره. إن الحدث التاريخي المعزول عن غيره لا وجود له في تاريخ الإنسانية جمعاء. ومن هذا المنطلق سوف نحاول من خلال هذه الدراسة، إيجاد الخيط الرابط بين مختلف المحطات التاريخية التي ساعدت على تطوير الحركة الوطنية الجزائرية خاصة في الأربعينات من هذا القرن، ومباشرة قبل اندلاع ثورة الفاتح من نوفمبر سنة 1954.‏
إن أبرز حدث تاريخي يجب الرجوع إليه لفهم هذه الفترة وما عرفته من تحركات سياسية إنما يتمثل في إنزال الحلفاء قواتهم على الساحل الجزائري ابتداء من الثامن من نوفمبر سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة وألف.‏
إن ذلك الحدث قد حتم على قادة الساحة السياسية الوطنية الجزائرية الإسراع في التلاقي من أجل التشاور حول ما ينبغي القيام به لحماية الشعب الجزائري وتمكينه من تقرير مصيره بنفسه واسترجاع سيادته التي كانت قد اغتصبت سنة 1830.‏
وعلى الرغم من الظروف الصعبة التي أوجدتها الحرب الإمبريالية الثانية(1) التي لم يكن من شأنها المساعدة على تسهيل الاتصالات بين أولئك القادة الذين كان منهم من يعيش في الإقامة الجبرية(2) ومنهم من كان متخفياً ويعيش حياة سرية(3) في حين كان بعضهم يتحايل للبقاء طليقاً(4) ليكون همزة الوصل التي لا بد منها لتبادل الأراء والأفكار ولمحاولة إيجاد الأرضية الملائمة لتوحيد الجهود النضالية وتقريب وجهات النظر حول كيفية التصدي للغزو الأجنبي بجميع أنواعه؛ على الرغم من تلك الظروف الاستثنائية، وفي واقع الأمر، فإن الطاقات الفكرية الوطنية قد وجدت طريقها إلى صياغة ما سوف يصطلح على تعريفه ببيان الشعب الجزائري الذي، رغم توقيعه فقط من طرف مجموعة من المنتخبين الجزائريين، فقد كان تعبيراً عاماً عن كثير من المواقف السياسية والإيديولوجية والفكرية التي كانت حتى ذلك التاريخ حكراً على مناضلي الحركة المصالية في الجزائر.‏
لقد جاء البيان تقييماً موضوعياً لمختلف المراحل التي قطعها الاستعمار الفرنسي في الجزائر والتي جعلت غلاة الغزاة يقولون "لقد سيطرنا على البلاد بالقوة، لأن الاحتلال لا يكون إلا كذلك، وهو يستلزم غالبين ومغلوبين، وعندما تم ترويض هؤلاء الأخرين تمكنا من تنظيم البلاد بالكيفية التي تشهد بتفوق الغالب لا المغلوب، والمتحضر على الرجل الأدنى، إننا نحن المالكون الشرعيون للبلاد) مجلة إفريقيا اللاتينية الصادرة بتاريخ مايو (أيار) 1922.‏
وبعد تقييم مراحل الاستعمار، توقف البيان عند أهم المقاومات الشعبية وما ترتب عنها من تصميم وعزم في صفوف الجزائريين ومن إفقار وتهميش لهم بسبب اغتصاب أراضيهم وانتزاع سائر ممتلكاتهم قبل إخضاعهم لقوانين الاضطهاد والاستبداد(6) التي يعتبر قانون الأنديجينا واحداً من أفضلها وأكثرها رحمة.‏
ولم ينس البيان مجموعة مشاريع الإصلاح والوعود الرامية إلى تمكين الجزائري من أسباب الرقي والتقدم، بدءاً من اقتراح المارشال بيجو الموجه لحكومته سنة 1844 والقائل: "إننا أبدينا قوتنا وعظمتنا للقبائل الإفريقية، وأصبح علينا الآن، أن نظهر لها طيبتنا وعدلنا"، ومروراً باقتراح ميشلان وقوتي Michelin et Gautier سنة 1887 حول إمكانية منح صفة المواطنة الفرنسية لمسلمي الجزائر، ومشاريع مارتينو Martineau سنة 1890 وجان جوريس سنة 1898 وكليما نسوسنة 1915، وانتهاء بمشروع فيوليت Violette الذي يعطي حق المواطنة الفرنسية لحوالي ثلاثين ألف جزائري.‏
وبعد التأكيد على أن كل تلك المشاريع وتلك الوعود لم تجد طريقها إلى التنفيذ وظلت حبرا على ورق بسبب تعنت الكولون الذين كانوا يتعاملون مع القضية الجزائرية على أساس عرقي قومي وديني، خلص البيان إلى القول: "لقد فات الآوان الذي كان المسلم الجزائري يطلب فيه أن يكون شيئاً آخر غير جزائري مسلم، وبعد إلغاء مرسوم كريمو Grèmieux خاصة، فإن الجنسية والمواطنة الجزائرييين قد أصبحتا ملاذه الأفضل باعتبارهما تتضمنان الحل الأكثر وضوحاً ومنطقية لمسألة تطوره وتحرره".‏
إنطلاقاً من كل ما تقدم وتماشياً مع الواقع الجديد الذي أوجده ذلك البيان الذي أصدره الرئيس روزفلت Roosevelt باسم الحلفاء والذي يضمن احترام حقوق كافة الشعوب الصغيرة والكبيرة، فإن بيان الشعب الجزائري قد حدد الأهداف الأساسية في خمس نقاط هي:‏
1- إدانة الاستعمار وإلغائه؛ ومعنى الاستعمار هو إلحاق واستغلال شعب من طرف شعب آخر، وهو شكل جماعي للاستبداد الذي كان يمارس على الأفراد في العصور الوسطى، وعلاوة على ذلك، فهو واحد من الأسباب الرئيسية للتنافس والتطاحن بين الدول العظمى.‏
2- تطبيق جميع البلدان الصغيرة والكبيرة لحق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها.‏
3- تزويد الجزائر بدستور خاص بها يضمن:‏
أ- الحرية والمساواة المطلقة بين سائر سكانها دون أي تمييز عنصري أو ديني.‏
ب- إلغاء الملكية الاقطاعية وذلك بواسطة إصلاح زراعي واسع وتمكين أغلبية الفلاحين المعدمين من حقهم في العيش الرغيد.‏
ج- الاعتراف باللغة العربية لغة رسمية على غرار اللغة الفرنسية.‏
د- حرية الصحافة وحق إنشاء الجمعيات.‏
هـ- مجانية التعليم وإجباريته لجميع الأطفال من الجنسين.‏
و- حرية التدين بالنسبة لجميع السكان وتطبيق مبدأ فصل الدين عن الدولة فيما يخص جميع الأديان.‏
4- مساهمة جميع الجزائريين المسلمين مساهمة فورية وفاعلة في تسيير بلادهم اقتداء بما فعلته حكومة الجلالة البريطانية والجنرال كاترو Catroux في سوريا، وحكومة المارشال بيتان pètain والألمان في تونس. إن هذه الحكومة الجزائرية وحدها هي التي تستطيع تحقيق اشتراك الشعب الجزائري في الكفاح المشترك وذلك في جو من الوحدة المطلقة.‏
5- إطلاق سراح جميع المحكوم عليهم والمعتقلين السياسيين على اختلاف أحزابهم.‏
إن هذا البيان، في الظاهر، من وضع السيد فرحات عباس الذي يجمع المؤرخون الغربيون خاصة، أنه هو الذي أقنع المنتخبين بمعقولية ما ورد فيه من آراء وأفكار، ثم جعلهم يتحملون مسؤولياتهم في التوقيع عليه وفي تقديمه إلى الحلفاء وإلى ممثل السلطات الاستعمارية في الجزائر. لكن قراءة فاحصة ومتأنية تقودنا حتماً إلى ضبط المواطن المعبرة عن تأثير سائر التشكيلات الوطنية وإلى كشف بصمات أمثال الدكتور محمد الأمين دباغين وحسين عسلة اللذين شاركا مشاركة فعلية في الصياغة كي تكون مقبولة من طرف القواعد المناضلة في صفوف الحركة المصالية ومن طرف المعتدلين في باقي التشكيلات السياسية والاجتماعية العاملة بالجزائر.‏
وعندما يتوقف القارئ عند سائر الأفكار الرئيسية التي تضمنها البيان فإنه لا يجد بداً من الاعتراف بأنها في معظمها، مستوحاة من البرنامج السياسي الذي وضعه نجم شمال إفريقيا سنة 1933، لأن السيد فرحات عباس لم يكن متعوداً على مجموعة المفاهيم والمصطلحات التي بني البيان على أساسها والتي كان مناضلو حزب الشعب الجزائري يحملون وحدهم لواء نشرها في أوساط الجماهير الشعبية والعمل على جعل هذه الأخيرة تتبناها عن وعي وتتجند قصد الإسهام في إدخالها حيز التنفيذ، ونذكر من جملة تلك المفاهيم والمصطلحات، "البرلمان الوطني الجزائري المنتخب بواسطة الاقتراع العام" و "إلغاء الملكية الاقطاعية بواسطة الإصلاح الزراعي الواسع" ومجانية التعليم وإجباريته بالنسبة لأبناء الجزائر"و "المواطنة والجنسية الجزائريتان".‏
ومهما يكن من أمر، فإن البيان قد شكل، في وقته، همزة وصل ثابتة بين طموحات مختلف التيارات السياسية الوطنية في الجزائر وكان كما قال السيد أحمد بومنجل: "تعبيراً عن مصالحة أملتها التجربة والظروف "أما السلطات الاستعمارية، في الجزائر وفرنسا على حد سواء، فإنها قد ارتاعت للحدث وساءها خاصة أن يكون كل الموقعين من غير المعروفين بميولهم الوطنية، بل كان جميعهم من المنتخبين الذين اشتهروا بموالاتهم لفرنسا وحبهم لها وإذا كان السيد بايورتون peyourthon قد استقبل السيد فرحات عباس وأبدى له استعدادات فرنسا المبدئية للتعامل مع البيان حيث التمس إجراء بعض التعديلات التي من شأنها صيانة الشرف الفرنسي، فإن الجنرال كاترو Catroux قد أدار الظهر لموقف سلفه، وعندما زاره السيدان عباس وطمزالي يوم 11/06/1943 قصد تسليمه ملحق البيان الذي وقعت صياغته استجابة لرغبة الوالي العام السابق، أعلن لهما عن رفضه للوثيقتين مدعياً أن متطلبات الحرب تقتضي السكوت عن المطالب أي كان نوعها.‏
إن كاترو، الاشتراكي المذهب(7)، لم يتمكن من تجاوز عواطفه الوطنية للاعتراف بحق الشعب الجزائري في تقرير مصيره، بل إنه فضل نكث عهد الحاكم العام المستقيل وراح يضاعف المساعي الرامية إلى إيجاد الشروط اللازمة لتمكين بعض آلاف الجزائريين من المواطنة الفرنسية ولمحاربة بعض أنواع العسف والاستبداد المسلطة على أبناء المستعمرة. لكن فرحات عباس لم ينخدع لتلك الإجراءات الصبيانية، واستطاع تعبئة الأغلبية الساحقة من المنتخبين الجزائريين الذين رفضوا معه المشاركة في اجتماعات المندوبيات المالية ثم وجهوا نداء إلى الجنرالين ديغول وكاترو ويؤكدون، من خلاله، التزامهم المطلق بما ورد في البيان وفي ملحقه.‏
وكان رد فعل الجنرال كاتروا عنيفاً، لجأ إليه من أجل الضغط على المنتخبين الذين كان يعرف أن عدداً ممن وقع منهم مع عباس لم يفعلوا ذلك عن قناعة ولكنهم تبعوا الحركة آلياً حتى لا يقال، مستقبلاً، إنهم تخلفوا.‏
وتمثل رد الفعل ذاك في الإعلان يوم 23/09/1943 عن حل الفرعين الجزائريين للمندوبيات المالية وفي فرض الإقامة الجبرية على السيدين فرحات عباس وعبد القادر سائح متهماً إياهما بتحريض المنتخبين على العصيان في وقت الحرب.‏
وكجواب على هذه الاجراءات التعسفية، نظم حزب الشعب الجزائري، المحلول رسمياً، مظاهرات شعبية في مدن الجزائر وبسكرة وسكيكدة وقسنطينة رفعت فيها اللافتات المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وفي مقدمتهم مصالي وعباس وسائح، لكن مدير الشؤون الإسلامية في الولايات العامة(Cool، استطاع بمساعدة الدكتور طمزالي أن يقنع المنتخبين بالتراجع عن توقيعاتهم.‏
ففي الخامس عشر من شهر أكتوبر استقبل الجنرال كاترو مجموعة من المندوبين الماليين مكونة من اثني عشر شخصاً، وفي اليوم الموالي أصدرت اللجنة الفرنسية للتحرير الوطني بياناً جاء فيه أن اللقاء حضره إلى جانب الجنرال كل من السيدين قونون Gonon الأمين العام للولاية العامة وأوغستين بارك مدير الشؤون الإسلامية، وناب عن مجموعة المندوبين الرئيس عبد النور طمزالي فوضح أن زملاءه يتأسفون عما حدث يوم 22/09/1943 ويؤكدون رغبتهم في أن تتم الإصلاحات بسرعة وفي إطار الشرعية والاستقرار داخل المجموعة الفرنسية ووفقاً لمثل فرنسا الديمقراطية، كما أنهم يعربون بكل صدق عن وطنيتهم ووفائهم لفرنسا التي يتمنون لها تحريراً عاجلاً وكاملاً، وللجنة التحرير الوطني وللجنرال كاترو، فإنهم يعلنون عن ولائهم الشديد وإراداتهم في المساهمة في مجهود الحرب من أجل تحرير الوطن وانتصار الديمقراطيات(9).‏
وعلى إثر هذا التراجع المزري والمخطط له في آن واحد، أعلن الجنرال كاترو بتاريخ 30/10/1943 أنه سيسمح للمندوبيات المالية باستئناف نشاطها لكنه لم يفرج عن السيدين عباس وسائح إلا في يوم 02/12/1943.‏
هكذا، جعل كاترو قرار الإرجاع مربوطاً بإعلان المندوبين عن توبتهم والتزامهم بعدم الخروج عن الصف ثانية، لكن الحقيقة لم تكن كذلك، فالمظاهرات الشعبية المشار إليها أعلاه مضافة إلى ريح التحرر التي بدأت تجتاح مختلف العالم المتخلف قد شكلت نوعاً من الضغط على لجنة التحرير الوطني التي أعلنت، بواسطة خطاب ألقاه ديغول في قسنطينة يوم 02/1943، أنها تمنح،حيناً،حقوق المواطنة الفرنسية كاملة لعدة عشرات الآلاف من المسلمين الفرنسيين في الجزائر.. وفي نفس الوقت سوف ترتفع نسبة المسلمين الفرنسيين في الجزائر داخل سائر الجمعيات التي تنظر في القضايا المحلية"(10)‏
وإذا كان عدد من المنتخبين وممن يسمون بالنخبة قد ابتهج لخطاب قسنطينة واعتبره بداية طيبة في طريق الإصلاحات المطلوبة والمنتظرة منذ عقود بأكملها، فإن فرحات عباس والعلماء والمصاليين قد رأوا في ذلك طبعة جديدة لمشروع فيولات، وراحوا يؤكدون من جديد أن الحل الوحيد يكمن فقط في إعادة إقامة الدولة الجزائرية المستقلة وما يصحب ذلك من برلمان ومواطنة وألوان وطنية.‏
وتطبيقاً لما جاء في خطاب الجنرال ديغول، أصدرت اللجنة الفرنسية للتحرير الوطني يوم 14/12/ 1943(11) قراراً، كلفت بموجبه المندوب السامي الجنرال كاترو بتشكيل لجنة تسند لها مهمة وضع برنامج للإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية لفائدة المسلمين الفرنسيين. ولقد تكونت اللجنة المذكورة بالفعل(12) وشرعت في عملها يوم 21/ 12/ 1943 ولم تتوقف عن سماع آراء الزعماء السياسيين والأعيان الجزائريين إلا يوم 08/ 07/ 1944، ثم جمعت كل محاضرها في مجلدين يمكن الرجوع إليهما اليوم في أرشيف آكس آن بروفانس Aix En Provence. إن المطلع على ما تضمنته تلك المحاضر يستطيع تصنيفها إلى ثلاثة أنواع هي:‏
1- إدلاءات الأوربيين الذين كانوا جميعهم رافضين لتوحيد هيئة المنتخبين لكنهم غير متفقين فيما يخص منح المواطنة الفرنسية للمسلمين الجزائريين. ومن بين أولئك الأوربيين تجدر الإشارة إلى رئيس فيدرالية رؤساء البلديات السيد عبو (Abbo) وعامل عمالة وهران السيد باتيستيني Battistini ورئيس بلدية تلم السيد فالور (Valleur) وقد أشار كلهم على اللجنة بعدم تجاوز خمسين ألف مواطن جديد، ويبدو أن أمرية الجنرال ديغول قد أخذت ذلك في الاعتبار.‏
2- إدلاءات الجزائريين الموالين لفرنسا والمدافعين عن حق المواطنة الفرنسية دون التخلي عن الإطار الإسلامي للأحوال الشخصية. ومن بين هؤلاء، تجدر الإشارة إلى السادة: شيخ العرب ابن قانة والشيخ ابن تكوك شيخ الزاوية السنوسية، والشيخ الساحلي أمقران الناطق باسم أعيان منطقة القبائل والآغا سليمان رئيس الفرع العربي للمندوبييات المالية، وكذلك الدكاترة عبد السلام طالب وابن جلول وخضري وعبد النور طمزالي وروني فضيل والشيخ الطيب العقبي وعمار أوزقان الأمين الوطني للحزب الشيوعي الجزائري.‏
3- إدلاءات الوطنيين وقد جاءت ضمن ثلاث وثائق هي حسب ترتيبها الزمني:‏
أ- تصريح السيدين فرحات عباس وعبد القادر سائح جاء في هذا التصريح أن مبادرة اللجنة الفرنسية للتحرير الوطني، المعلن عنها بواسطة رئيسها الجنرال ديغول، ليست إلا إعادة لمشروع فيولات الذي أدت معارضته، في الجزائر وفي فرنسا، إلى إقصائه نهائياً، مع العلم أن الأوضاع اليوم قد تغيرت عما كانت عليه سنة 1937. فالأمر لم يعد يتعلق بتوسيع امتيازات طبقة إلى واحدة أو أكثر من فئات الأهالي، وإنما أصبح الهدف هو إلغاء تلك الامتيازات وهدم كل دكتاتورية في الجزائر. لأجل ذلك، فإن الإصلاحات التي يمكن أن تكون في مستوى فرنسا الجديدة يجب أن تتم في إطار المبدأين التاليين:‏
المبدأ الأول : إن الناس يولدون ويعيشون أحراراً وسواسية في الحقوق.‏
المبدأ الثاني : كل شعب حر في تقرير مصيره بنفسه.‏
وبعد التعرض من جديد إلى محتوى بيان الشعب الجزائري، أكد السيدان عباس وسائح أن الاستقلال الداخلي الذي ينبغي أن يحل محل النظام الاستعماري المتوحش يشكل قاعدة التجديد بالنسبة لفرنسا وللجزائر، وعليه يتوقف ميلاد نظام جديد.‏
فالاستقلال الداخلي يضبط العلاقات بين فرنسا والجزائر منطقياً وعقلانياً بحيث تكون علاقات شعب بشعب.‏
إنه يترك لفرنسا حق النظر في عملية تطوير الجزائر.‏
إنه يضع حداً للغموض وللتحليلات التي يلجأ إليها النظام الاستعماري لتأييد سيطرته.‏
إنه يقضي على مصادر الخلاف حول ممارسة المواطنة في الجزائر واحترام العادات والديانة الإسلامية، كما أنه يحول دون مخاطر مغامرة مثل تلك التي يعيشها يهود الجزائر بعد إلغاء مرسوم كريميو(13) Dècret Crèmieux الذي يحترم مبدأ اللامركزية الذي هو مصدر حياة أو موت بالنسبة للجزائر ولغيرها من البلدان، وذلك لأن الاستقلال الداخلي يبقي المجالس الجزائرية ويجعلها ديمقراطية، ويحول الولاية العامة إلى حكومة جزائرية.‏
إنه يعطي إمكانية تكوين فدرالية شمال إفريقيا مع تونس والمغرب، تحت إشراف فرنسا.‏
إنه يرضي كل السكان المسلمين الذين عندما يستشارون بواسطة الاستفتاء، سوف يوافقون عليه بالإجماع.‏
ب- شهادة الشيخ البشير الإبراهيمي.‏
في اليوم الثالث من شهر كانون الثاني سنة 1944 وهو نفس اليوم الذي سلم فيه عباس وسائح تصريحهما تقدم الشيخ البشير الإبراهيمي إلى أعضاء اللجنة وعبر لهم، أصالة عن نفسه ونيابة عن العلماء الجزائريين، عن رفض مشروع الإصلاح المقدم من قبل اللجنة الفرنسية للتحرير الوطني والذي هو فقط محاولة لإحياء مشروع فيولات الذي كانت جمعية العلماء قد وافقت عليه، في حينه، لكن "من الناحية التكتيكية وللتمكن من الوصول إلى ما هو أفضل". وقبل الاستئذان بالخروج سلم الشيخ البشير الإبراهيمي لمكتب اللجنة مذكرة مطولة عالج، من خلالها، نقاطاً ثلاثاً هي صلب برنامج عمل الجمعية التي يرأسها وجاء يتحدث باسمها.‏
ولقد حرص الشيخ، في مقدمة المذكرة، على تأكيد دور الجمعية الإصلاحية الديني مبيناً أن هذا الدور لن يكتمل إلا في جو من إصلاح التعليم والإصلاح السياسي لأجل ذلك، وعلى الرغم من كون العلماء لم يسطروا برنامجاً سياسياً خاصاً بهم، فإنهم لم يخفوا قناعاتهم بخصائص الشعب الجزائري الذي لا تربطه بفرنسا سوى مجموعة من المصالح. وهم إذ يعتبرون أن "الإصلاحات الإسلامية" كل لا يتجزأ وينبغي أن تشمل كافة المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية، فإنهم يركزون في مرحلة أولى، على ضرورة الإسراع بإصلاح القضاء الإسلامي والمساجد والأوقاف والتعليم العربي.‏
فبالنسبة للقضاء الإسلامي، ترى مذكرة الشيخ الإبراهيمي أنه في وضع يرثى له من الناحيتين النظرية والعملية، وأن تصريحات الجنرال ديغول فيما يخص الإبقاء على الأحوال الشخصية لا معنى لها، لأن الموضوع أفرغ من محتواه الحقيقي ولم تترك الإدارة الاستعمارية للقاضي المسلم سوى النظر في مسألتي الزواج والطلاق اللتين يمكن للقضاء الاستعماري التدخل فيهما على مستوى الاستئناف.‏
ومن الناحية النظرية، فإن تكوين القضاة مدعاة للتأسف الشديد حيث لا يشتمل "على تعليم الشريعة الإسلامية التي هي أساس القضاء في الإسلام" وهو يفتقر إلى المنهجية السليمة التي من شأنها أن تجعل الطالب قادراً على تأدية الأغراض المسطورة له، وحائزاً على الكفاءة اللازمة والضرورية للقيام بوظيفة القاضي.‏
وعندما يحصل كل ذلك بواسطة تطوير برامج التعليم وحسن اختيار الأساتذة المقتدرين، فإن الشيخ البشير الإبراهيمي يرى من الضروري تشكيل هيأة يرجع إليها في اختيار القضاة وتعطى لها سلطة مراقبة أحكامهم.‏
وفيما يخص التعليم العربي الحر، فإن الشعب الجزائري ما فتئ يحتج على إجراءات الاضطهاد المسلطة على لغته التي تصله بدينه وتاريخه وثقافته، علماً بأن تعليمها في المدارس الحكومية يكاد يكون بدون معنى وتعليمها في المدارس الحرة معرض للقمع الإداري. فعلى هذا الأساس يجب أن تخصص الإصلاحات مكانة مرموقة للتعليم العربي بحيث "تعطى الحرية المطلقة للشعب الجزائري المسلم لكي يعلم أبناءه لغة الدين والثقافة.. علماً بأن الحكومة الفرنسية لن تتحمل أي مصروف في الموضوع، لأن المسلمين مستعدون للتبرع بالأموال اللازمة لذلك"(14). وعن المساجد وأوقافها والعاملين بها، فإن مذكرة الشيخ البشير الإبراهيمي تتوقف عند ممارسات الولاية العامة التي تحتكر تسيير المساجد وتعيين أئمتها ومؤذنيها والإشراف المطلق على أوقافها والتي تسعى بجميع الوسائل لمنع تطبيق القانون الخاص بفصل الدين عن الحكومة طبقاً لمرسوم السابع من سبتمبر سنة سبع وتسعمائة وألف، ليس حباً في الإسلام وعملاً على رعايته كما تزعم الإدارة الاستعمارية، ولكن عملاً على منع المسجد من تأدية الدور الحقيقي الذي وجد من أجله وتهميش الإسلام بعد تزييفه وتحريفه وإغراقه في متاهات الخرافة والشعوذة.‏
من هذا المنطلق، فإن الإصلاحات يجب أن تمكن الشعب المسلم في الجزائر من تولي تسيير مساجده وأوقافه بنفسه "لأنه هو الوحيد المؤهل لذلك، ولأن ذلك يتوقف فقط على السماح له بتشكيل لجنة دينية من الأشخاص الذين يثق في عملهم وسلوكهم تتولى الإشراف على الممتلكات وكذلك اختيار الأئمة والمؤذنين"(15).‏
إن ممثلي جميع اللجان الدينية التي تكون قد تشكلت بعيداً عن نفوذ الإدارة الاستعمارية يجتمعون في العاصمة، دورياً، تحت إشراف هيأة عليا يختارونها بأنفسهم، للنظر في جميع القضايا الدينية وبحث كل ما يستعسر من شؤونها مع ممثلي الحكومة الفرنسية.‏
وفيما يتعلق بالإصلاحات السياسية أشارت المذكرة إلى أن "الإعلان الرسمي عن منح المواطنة الفرنسية لبضع عشرات الآلاف من المسلمين الجزائريين دون الاستشارة المسبقة للشعب المعني مباشرة، قد أعاد إلى الأذهان ذكرى مشروع فيولات الذي ذهب ادراج الرياح لأنه لم يكن صالحاً.. إن الشعب الجزائري المسلم يعتبر أن مثل هذا المسعى يقود إلى الاندماج الذي يرفضه كما يرفض بشدة استبدال هويته وشخصيته الإسلامية"(16). وإذا كانت فرنسا ترغب، فعلاً، في إجراء الإصلاحات السياسية فإن عليها أن تأخذ في الاعتبار مصلحة الجزائريين الأولى التي تكمن في العمل على إبعاد الشبح المخيف المتمثل في استعمارهم من طرف جنس آخر واستقلالهم من طرف فئة من الأجانب. وتسهيلاً للوصول إلى هذه النتائج التي لا بد منها لنجاح الإصلاحات الجديدة، يعدد الشيخ الإبراهيمي ما يلي:‏
- إنشاء المواطنة الجزائرية التي تستفيد منها مختلف عناصر سكان هذا البلد بدون تمييز عرقي أو ديني والتي تنشأ معها نفس الحقوق للجميع ونفس الواجبات عليهم.‏
- استبدال الميكنزمات الاستعمارية بنظام حكومي، أي بحكومة جزائرية تكون مسؤولة أمام البرلمان الجزائري.‏
- السماح لجميع الجزائريين بالارتقاء إلى جميع المناصب الوظيفية بدون شرط آخر غير الكفاءة المهنية اللازمة لذلك.‏
- اعتبار اللغة العربية رسمية على قدم المساواة مع اللغة الفرنسية.‏
- حرية التدين، وحرية كل مجموعة دينية في الإشراف على أوقافها ومؤسساتها الدينية‏
- إخضاع الأحوال الشخصية الإسلامية لقضاء إسلامي محض.‏
ج-تصريح الحاج مصالي كتبه في الشلالة يوم 7/1/1944 وسلمه إلى اللجنة بعد ذلك بأسبوع.‏
لقد كان خطاب الجنرال ديغول في نظر الحاج مصالي مجرد تخريجة جديدة لمشروع فيولات الذي حاربه حزب الشعب الجزائري بكل قواه سنة 1937 والذي لم يجد أنصاره من الجزائريين إلا بسبب اليأس من الحصول على شيء آخر.‏
لكن ست سنوات من خبرة الاستعمار قد غيرت الأوضاع ومكنت من ظهور تطور ملحوظ على الساحة السياسية في الجزائر، أما فيما يخصنا، فإن موقفنا لم يتبدل:‏

لقد عارضنا مشروع فيولات ونحن نعارض مشروع 1943 للأسباب التالية:‏
- لأنه مناف للديمقراطية إذ يحدث فئة من ذوي الامتيازات ويبقي الأغلبية الساحقة خاضعة للسياسة الاستعمارية.‏
- لأنه يتناقض مع طموحات الشعب الجزائري المسلم الذي هو وَفيٌّ للغته ودينه وماضيه التاريخي.‏
- لأن سياسة الاندماج قد فشلت وأصبح من الضروري استبدالها بسياسة تحررية لحل المشكلة الجزائرية.‏
- لأن المسلمين الجزائريين لم يعودوا يقبلون المعاملة، في بلدهم، كأناس دون الأقليات التي تعيش معهم وهي تتمتع بجميع الامتيازات.‏
- لأن الجزائري المسلم يريد بإلحاح المواطنة الجزائرية التي تضمن له احترام لغته ودينه وحقوقه السياسية والاجتماعية والاقتصادية الضرورية لتقدمه.‏
- لأن الإنسان الجزائري يرى أن الديمقراطية تكمن في حريات الإنسان وفي حرية الشعوب في تقرير مصيرها.‏
- لأنه لا يمكن الاستمرار بواسطة نظام استعماري، في حرمان ثمانية ملايين عربي من تسيير بلادهم وترك ذلك لأقلية تتحكم في كل صغيرة وكبيرة.‏
ولتجاوز هذه الأوضاع اللاطبيعية، قال السيد الحاج مصالي أنه يطالب بممارسة الديمقراطية في جميع المجالس الجزائرية وبتحويل المندوبيات المالية إلى برلمان جزائري ينتخب بواسطة الإقتراع العام من طرف كافة الجزائريين بدون أي تمييز عرقي أو ديني.‏
وقبل الانتهاء من عرضه لفت السيد مصالي انتباه أعضاء اللجنة إلى أمرين اثنين عبر عنهما كالآتي:‏
1- أن الأفكار السياسية التي أوردتها أمامكم ليست جديدة، بل دافعت عنها في فرنسا وفي الجزائر أمام المحاكم التي كان لي شرف المثول أمامها من أجل نفس هذه الآراء. معنى ذلك، أيها السادة، أنني لم أنتظر استسلام فرنسا سنة 1940 لإبداء عواطفي تجاه المشكل الجزائري.‏
2- أرجو من اللجنة أن تقدم للحكومة مشروع عفو عام على جميع المعتقلين السياسيين سواء كانوا محبوسين أو في الإقامة الجبرية، لأن التقاليد الجمهورية، في فرنسا، تقتضي أن يسبق كل إنجاز تحرير الذين سجنوا من أجله.‏
لقد ظلت اللجنة تستمع إلى أعيان الجزائريين وشخصياتهم طيلة الفترة الممتدة ما بين 21/12/1943 و 8/7/1944، لكن اللجنة الفرنسية للتحرير الوطني لم تعر كثير اهتمام لمحاضرها، بل إن الجنرال ديغول لم يحاول حتى تطوير خطابه الذي كان في أساس تشكيل اللجنة المذكورة، وبدلاً من أن يأخذ في الاعتبار التوجه الوطني الجديد الذي أجمع قادته على ضرورة تجاوز الماضي العقيم لفتح آفاق المستقبل الواعد، فإنه لم يجد غير نص أمرية أصدرها على عجل بتاريخ السابع مارس سنة أربع وأربعين وتسعمائة وألف دون أن يجهد نفسه لإزالة ما تميز به من غموض وتناقض.‏
فالمادة الأولى من تلك الأمرية تنص صراحة على أن المسلمين وغير المسلمين في الجزائر فرنسيون، يتمتعون بنفس الحقوق ويخضعون لنفس الواجبات. لكن المادة الثالثة تؤكد أن المواطنة الفرنسية لا تعطى إلا للمسلمين الذكور الذين يتجاوز سنهم واحدة وعشرين حجة والذين ينتمون إلى مجموعة من الفئات الاجتماعية التي تتوفر فيها شروط ذكر مدير الشؤون الأهلية، بعد الإحصاء، أنها تجعل المستفيدين من تلك المواطنة لا يزيد عددهم عن 65.285 شخص.‏
أما المادة الرابعة، فإنها تشير إلى بقاء الهيأتين الانتخابيتين وتؤكد تمثيل الجزائريين في المجالس العامة والمندوبيات المالية بنسبة خمسي (2/5) أعضائها.‏
وتنص المادة السادسة على أن سكان وادي ميزاب وسكان سائر المناطق الصحراوية يخضعون لقانون خاص.‏
إن هذه الأمرية، زيادة على التناقض الحاصل بين موادها، تتناقض من حيث مضمونها مع خطاب الموقع عليها الذي ألقاه بمناسبة انعقاد ندوة برازفيل في الفترة ما بين 30/1/ و 8/2/1944 والذي جاء فيه على الخصوص: "إنه لن يكون هناك تقدم بمعنى الكلمة إذا كان أبناء البلد لا يستفيدون منه معنوياً ومادياً"(17) وعلى الرغم من ذلك فإنها صدرت باسم اللجنة الفرنسية للتحرير الوطني وحظيت بمساندة المجلس الاستشاري وجميع الأحزاب المشاركة في المقاومة بما في ذلك الحزب الشيوعي الفرنسي الذي صرح ممثله قائلاً: "إن الجمهورية الفرنسية، الميتروبول وما وراء البحار، واحدة ولا تتجزأ"(18).‏
وإذا كانت وحدة الفرنسيين قد تجلت في تصميمهم على منع شعوب المستعمرات من ممارسة حقها في تقرير مصيرها بنفسها، متجاوزين، في ذلك، كل القناعات الفكرية والتوجهات الأيديولوجية، وضاربين عرض الحائط سائر المثل والمبادئ والشعارات التي كانت، يومها، تشكل أساس الخطاب السياسي في فرنسا وفي العالم أجمع، فإن الطاقات الوطنية الجزائرية، أيضاً، قد وجدت طريقها إلى التوحد حول برنامج سياسي أدنى ألقت به إلى الشارع في إطار تنظيم اتفقت على تسميته "أحباب البيان والحرية".‏
إن السيد فرحات عباس هو الذي صاغ القانون الأساسي للتنظيم الجديد بعد أن أخذ موافقة قطبي الحركة الوطنية في ذلك الوقت: السيد الحاج مصالي والشيخ محمد البشير الإبراهيمي. وفي اليوم الرابع من شهر افريل سنة أربع وأربعين وتسعمائة وألف، قدم الوثيقة إلى المصالح المختصة لدى عمالة قسنطينة من أجل الحصول على الترخيص الرسمي الضروري لانطلاق النشاط الميداني في كافة أنحاء التراب الوطني.‏
إن "أحباب البيان والحرية" تجمع يهدف إلى التعريف ببيان الشعب الجزائري والدفاع عنه أمام الرأي العام الجزائري والفرنسي، كما أنه يرمي إلى المطالبة بحرية التعبير لجميع الجزائريين. ولقد تفنن السيد فرحان عباس أثناء صياغة القانون الأساسي، في اختيار الكلمات والتعابير التي لا تثير حساسية السلطات الفرنسية. وعلى هذا الأساس فإن التجمع الجديد لن يستعمل سوى سلاح القول والكتابة لمحاربة الاستعمار وللتصدي إلى عنف القوات الإمبريالية واعتداءاتها في افريقيا وآسيا ضد الشعوب الضعيفة.‏
وبالنسبة للعمل داخل الجزائر، فإن التجمع قد حصر مجالات نشاطه في مساعدة ضحايا قوانين الاستثناء والقمع الاستعماري، وتعميم فكرة الأمة الجزائرية وتحبيذ إقامة جمهورية مستقلة ذاتياً ومتحدة مع الجمهورية الفرنسية المتجددة والمناهضة للاستعمار والإمبريالية.‏
ويرى التجمع أن هذه الأهداف يمكن تحقيقها بواسطة المحاضرات والندوات في جميع الأوساط والأوساط الفرنسية على وجه الخصوص بغرض محاربة الامتيازات التي تستحوذ عليها الطبقات المسيطرة، والدعوة إلى تحقيق المساواة بين الناس وتمكين الشعب الجزائري من حقه في ممارسة الحياة الوطنية مع التذكير بتاريخه العريق وإسهاماته في إثراء الفكر الإنساني وتضحياته في سبيل تحرير فرنسا ومن أجل انتصار الشعوب الأوروبية وقضايا الديمقراطية(19).‏
وعلى الرغم من أن القانون الأساسي لأحباب البيان والحرية قد اكتفى فقط بملامسة الأفكار الرئيسية التي تضمنها البيان الذي كان في أساس التجمع، فإن هذا الأخير قد عرف إقبالاً منقطع النظير من طرف مختلف الفئات الاجتماعية الجزائرية التي شعرت، لأول مرة، أن ثمة حركة وطنية قادرة على إخراج البلاد من حالة الاستعمار والتبعية. ومما لا شك فيه أن للإقبال المذكور دوافع متعددة لكننا نعتقد أن أهمها ما يلي:‏
1-تمكن أكثر الزعماء شهرة في أوساط الجماهير الشعبية من الالتقاء حول الخطوط العريضة لبرنامج واسع جاء، رغم بساطته، معبراً تعبيراً صادقاً عن طموحات أغلبية أفراد الشعب الجزائري.‏
وبالفعل فإن قراءة فاحصة للبيان وملحقة تقودنا، حتماً، إلى التعرف على مختلف التنازلات التي قدمها كل واحد من الأطراف الرئيسية الثلاثة على الأقل. فالسيد فرحات عباس وافق على أن تقبر إلى الأبد قناعاته الخاصة بإمكانية الحصول على المساواة التي يتوقف عليها الارتقاء إلى المواطنة الفرنسية التي كان يعتقد أنها تفتح أبواب الرقي والتقدم لأبناء جلدته ممن كانوا يسمون بالأهالي.‏
وأكثر من ذلك، أصبح يؤمن بضرورة إقامة الجمهورية الجزائرية والبرلمان الجزائري الذي يتم انتخابه بواسطة الاقتراع العام المفتوح لجميع سكان الجزائر بدون أدنى تمييز في أي مجال كان، أما السيد الحاج مصالي فإنه أغمض عينيه عن أنجح وسيلة تمكن الجزائر من استرجاع استقلالها وهي: العنف الثوري كما أنه وافق السيد عباس على العمل من أجل جمهورية جزائرية متحدة مع فرنسا(20).‏
وأما الشيخ البشير الإبراهيمي فإنه أعلن صراحة أن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين مستعدة لخوض المعارك السياسية على أساس ما ورد في بيان الشعب الجزائري وملحقه وذلك بالإضافة إلى الدور الثقافي والتعليمي والديني المذكور في قانونها الأساسي الصادر بتاريخ الخامس مايو(أيار) سنة واحدة وثلاثين وتسعمائة وألف.‏
2-نشاط مناضلي حزب الشعب المحلول رسمياً والمنتشر فعلياً عبر مختلف أنحاء الوطن. لقد استطاع المناضلون توظيف خبرتهم الواسعة في تعميم الأفكار الجديدة وجعلها في متناول الجماهير الشعبية الواسعة.‏
3-إزالة جميع الحواجز البيروقراطية التي من شأنها الحد من رغبة المواطنين وجعلهم يترددون أو يحجمون عن الالتحاق بالصفوف. وبالفعل، فإن الانضمام إلى التجمع لم يكن مشروطاً بتقديم أي ملف ما عدا تصريح على ورق عادي يعبر فيه صاحبه البالغ من العمر أكثر من 18 سنة، عن إرادته في الالتحاق بأحباب البيان والحرية.‏
4-إنشاء لجان محلية للتجمع في سائر أنحاء الوطن والعمل على ربطها بسرعة بلجان العمالات التابعة مباشرة إلى اللجنة المركزية(21).‏
إن هذه الدوافع مجتمعة قد جعلت تجمع أحباب البيان والحرية، يتحول، بسرعة فائقة، إلى أكبر تجمع وطني في الجزائر مقبول من جميع أصناف الشعب ومشتمل في صفوفه على أكثر من نصف مليون منخرط بعد سنة واحد من ميلاده فقط(22).‏
وعلى الرغم من أن تجمع أحباب البيان والحرية لا يذكر إلا مقروناً باسم السيد فرحات عباس والدكتور سعدان بدرجة أقل، فإن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وحزب الشعب الجزائري قد شكلا منذ اللحظات الأولى، قلبه النابض، وبدونهما ما كان يمكن له أن يتجذر بتلك السرعة، في أوساط جماهير الشعب الجزائري.‏
فقادة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين قد تحركوا مع حلول شهر أفريل 1944، في جميع اتجاهات الوطن يدعون الناس إلى الالتفاف حول المولود الجديد مركزين على ضرورة التمسك بالإسلام وبلغة القرآن ومؤكدين على أن الوقت قد حان لتوحيد الجهد الوطني في سبيل تقويض أركان الاستعمار. وكانت تلك الجولات مناسبة لتحريض المواطنين على الالتزام بمبادئ الإسلام، وعلى التبرع بما يستطيعون من أموال لبناء المدارس الحرة وللمساعدة على توفير الشروط اللازمة لنشر التربية الإسلامية الصحيحة. ولقد كانت لهذا المسعى آثاره الإيجابية يمكن استشفاف بعضها من خلال ارتفاع عدد المصلين وظهور جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وانتشار نشيد الإمام الشيخ عبد الحميد بن باديس: "الشعب الجزائري" الذي أصبح على ألسنة الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب.‏
وعبأ حزب الشعب الجزائري المحظور كل طاقاته النضالية لهيكلة التجمع الجديد ولإعطائه نفسا وطنياً قادراً على سد الطريق في وجه السلطات الاستعمارية التي صارت تسعى بكل الوسائل لاسترجاع ثقة من كانوا يسمون بالمعتدلين ولفصل العلماء عن الحركة المصالية.‏
ومن جهة أخرى، اتخذت قيادة الحزب من أحباب البيان والحرية غطاء للقيام بنشاطها السري في اتجاه الشباب الجزائري المتعلم حيث تمكنت من تأسيس جمعية التلاميذ المسلمين في الثانوي(23) ورابطة الطلبة المسلمين الجزائريين في الجامعة(24) ومن تعميم الشعارات والمبادئ الثورية في سائر الأوساط الشعبية.‏
وعندما يرجع الدارس، اليوم، إلى نشرية اللجنة الفرنسية للتحرير الوطني في أعدادها الصادرة ما بين شهري افريل وديسمبر سنة 1944 يدرك مدى فعالية التنظيم الذي كان عليه حزب الشعب الجزائري المحلول الذي تمكن، في الفترة المشار إليها، من تحويل حيطان الجزائر إلى لافتات عملاقة يقرأ عليها الصغير والكبير: "حرروا مصالي والمعتقلين السياسيين" "الجزائر أمة حرة" "ليس في الدنيا ما يمكن أن يحول الإنسان العربي إلى إنسان فرنسي" عاش بيان الشعب الجزائري "كلنا فداء الجزائر" وفي النشرية الإعلامية التي أصدرتها الولاية العامة في شهر افريل سنة 1944 يجد القارئ إشارات كثيرة إلى وجود "قوات الداخل العربية" التي هي تنظيم سري أوجده الحزب لإشعال فتيل الثورة عندما يحين أوانها وعندما ترفض السلطات الاستعمارية تمكين الشعب الجزائري من ممارسة حقه في تقرير مصيره.‏
وفي نشرتي اللجنة الفرنسية للتحرير الوطني الصادرتين في شهر أكتوبر ونوفمبر سنة 1944 تركيز على اشتراك حزب الشعب الجزائري مع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في تنظيم حملة واسعة النطاق لمقاطعة دور سينما الأوربيين ومقاهيهم ومتاجرهم ولمحاربة الخمارات بجميع أنواعها.‏
ولكي يحقق حزب الشعب الجزائري أهدافه البعيدة المتمثلة في الاستعداد للمعركة الكبرى من أجل استرجاع السيادة الوطنية، أسس جريدتين إحداهما بالفرنسية وهي: L,Action Algèrienne" والثانية باللغة العربية وهي: الجزائر الحرة "وقد ظلتا تصدران إلى ما بعد حركة مايو 1945 الثورية، دون أن تتمكن السلطات الاستعمارية لا من العثور على مكان طباعتهما ولا من التعرف على أعضاء هيأة تحريرهما وذلك رغم كل ما استعملته من وسائل وما جندته من إمكانيات(25).‏
ولضمان استمرارية التوجه الوطني لأحباب البيان والحرية، يذكر السيد محمد السعيد معزوزي(26) إن الحاج مصالي أصدر تعليمات صارمة إلى مناضلي القواعد الحزبية في كل أنحاء البلاد كي يشغلوا منصبي المالية والسكرتارية في جميع الفروع المحلية. وإضافة إلى ذلك تجدر الإشارة إلى أن مكتب اتحادية عمالة قسنطينة تشكل كله من مسؤولين قياديين في حزب الشعب الجزائري المحلول (هؤلاء المسؤولون هم: الشاذلي مكي، مسعود بوقدوم وجمال دردور).‏
أما جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، فإنها هي الأخرى، قد استعملت غطاء أحباب البيان لتقييم مسيرتها وبلورة أفكارها وآرائها من خلال مذكرة مفصلة وجهتها بتاريخ 15/8/1944 إلى السلطات الفرنسية.‏
إن جمعية العلماء، تقول المذكرة، ترى أن تسيير المساجد وسائر المؤسسات الإسلامية يجب أن يكون من اختصاص الجماعة الإسلامية، وأن الأوقاف ينبغي أن تخرج من قبضة الإدارة الاستعمارية حتى يتسنى للمشرفين عليها أن ينفقوا مدخولاتها في سد الحاجات الدينية والاجتماعية بعيداً عن كل تدخل أجنبي مهما كان نوعه- والشعب المسلم في الجزائر أولى من غيره باختيار أئمته ودعاته وأساتذته وقضاته وبما أن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين مسؤولة على رسالتها أمام اللّه وأمام كافة أفراد الشعب، فإنها ترفع إلى السلطات الفرنسية، فيما يلي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الحركة الوطنية الجزائرية في مرحلة النضج
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى قالمة للعلوم السياسية :: ******** لسا نـــــــــــــــــــــــس ******** :: السنة الثالثة علوم سياسية ( محاضرات ، بحوث ، مساهمات ) :: عـــــــــام-
انتقل الى:  
1