الشعر السياسي

الشعر السياسي:عرفت البلاد العربية في مطلع العصر الحديث نمو النزعة الوطنية والقومية التي كانت ردة فعل على موجة الاستعمار الأوربي الذي أراد طمس شخصية الأمة العربية فكان الشعر السياسي اللسان المعبر عن هذه النزعة التواقة إلى التحرر. الشعر السياسي هو كل ما ينظم في شأن من شؤون السياسة كالدعوة إلى الشورى أو الديمقراطية،أو الدعوة إلى تنبي مبدأ حزب سياسي بدافع المنفعة أو العصبية ويمكن أن نميز بين نوعين من الشعر السياسي،شعر وطني وهو أقدم في الظهور يعبر فيه الشعراء عن حبهم وتعلمهم بأوطانهم، أما التحرري فهو فن جديد ارتبط بظهور الحركات التحررية ونشط في مطلع القرن العشرين. نشأ الشعر السياسي في الأدب العربي في رحم القبيلة والحروب منذ العصر الجاهلي بدافع العصبية القبلية،عبر عن ذلك دريد بن الصمة قائلا:"وهل أنا من غزية إن غوت**غويت وإن ترشد غزية أرشد". وكان الشاعر الجاهلي لسان حال القبيلة في السلم والحرب،يرفع شأنها مفتخرا بنسبها وأمجادها وأيامها، وكانت أغراض الحماسة والفخر والهجاء هي التي تتخذ هذا الطابع السياسي، مثل مدح الشاعر زهير بن أبي سلمى للحارث بن عوف وهرم بن سنان اللذين أصلحا بين عبس وذبيان في حرب داحس والغبراء، يقول زهير:"يمينا لنعم السيدان وجدتما**على كل حال من سحيل ومبرم". أما في صدر الإسلام فقد تطور الشعر السياسي بسبب الصراع الدائر بين المسلمين وقريش، فقد بدأ شعراء المشركين باستخدام الشعر لغرض سياسي، وشنوا حملة على المسلمين، فرد شعراء الإسلام عليهم بتوجيه من الرسول-ص-وجاء شعرهم دفاعا عن الدعوة المحمدية،واشتهر في ذلك ثلاثة شعراء:حسان وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة،وهاهو حسان يرد على شاعر المشركين قائلا:"هجوت محمدا فأجبت عنه**وعند الله في ذاك الجزاء/أتهجوه ولست له بكفء**فخيركما لشركما الفداء". ساعد ظهور الأحزاب في عصر الأمويين على تطور الشعر السياسي، وأدى تنافس الأحزاب وضعف الوازع الديني إلى إحياء العصبية القبلية والسياسية،فكان لكل حزب شاعره،وتكسب بعض الشعراء بشعرهم،أغلبهم ناصر حزب الأمويين طمعا في المال ومنهم الفرزدق وجرير بن همام السلولي الذي يقول دفاعا عن حق الأمويين:"خلافة ربكم كونوا عليها**إذا غمزت عنابسة أسودا"شعراء الشيعة كانت مناصرتهم حبا لآل بيت النبي-ص-يقول الشاعر الكميت:"فمالي إلا آل أحمد شيعة**ومالي إلا مذهب الحق مذهب".في عصر العباسيين ضعف الشعر السياسي لضعف الأحزاب ماعدا حزب العلويين الذي ظل شعراؤه يطالبون بحق أبناء علي و فاطمة في الخلافة وهذا شاعرهم منصور النمري يقول:"شاء من الناس راتع هامل**يعللون النفوس بالباطل".كم كان للعباسيين شعراؤهم مثل مروان بن حفصة، ومنصور النمري القائل في مدح هارون الرشيد:"أي إمرىء بات في سخط من هارون**فليس بالصلوات الخمس ينتفع"وجاءت حملة الصلبيين على فلسطين فسقطت القدس في أيديهم وتخاذل الحكام المسلمون في حمايتها فكان لذلك الأثر البالغ في نفوس الشعراء محمد أبي المظفر الذي أعلنها صرخة بقوله:"أرى أمتي لا يسرعون إلى العدى**رماحهم،والدين واهي الدعائم". ثم جاء عصر المماليك والعثمانيين، يقول الشاعر شهاب الدين في انتصار الأمير قطز على التتار:"غلب التتار على البلاد فجاءهم**من مصر تركي يجود بنفسه"كما خلد الشاعر نفسه انتصار السلطان الملك الأشرف على الصلبيين بالشام فقال:"الحمد لله ذلت دولة الصلب**وعز بالترك دين المصطفى العربي". وفي العصر الحديث نشط الشعر السياسي،إذ عبر الشعراء عن تأييدهم ومعارضتهم ورضاهم وسخطهم عما يجري في جميع أنحاء الوطن العربي الإسلامي،وفي الجملة تناول الشعر فضح أساليب الاستعمار في قمع الشعوب،وتأييد الثورات التحررية كقصيدة سليمان العيسى،وتمجيد البطولة والفداء كقصيدة مفدي زكرياء-مطلع الفجر-والدعوة إلى الوحدة واستنهاض الحكم كقول علي محمود طه:"شدوا على العروة الوثقى سواعدكم**لا يصد عنكم بالخلف مشاء".والدعوة إلى السلاح بالقوة والعلم لمواكبة العصر والتغني بالحرية والثورات التحريرية كقول شوقي:"هذا الزمان تناديكم حوادثه**يا دولة السيف كوني دولة القلم/وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق".يتميز الشعر السياسي ببعده الإنساني باعتباره يتناول قضايا ويعكس طموحات وآمال يشترك فيها الناس أجمعون كما يتميز بطابعه الوجداني العاطفي لأنه يخاطب القلوب قبل العقول،والشعر السياسي-أخيرا-سجل تاريخي هام لأحداث محدودة في مراحل زمنية معينة،لذلك فهو يشكل مادة توثيقية لفهم بعض الأحداث التاريخية وتفسيرها. هذه إلمامة سريعة بالشعر السياسي رصدنا فيها نشأته عبر العصور وأهم أسباب انتشاره في العصر الحديث،كما سردنا خصائصه وموضوعاته التي تفاعل معها،فتبين لنا أن القضايا السياسية من أكثر القضايا استقطابا لجمهور الشعراء في العصر الحديث،لما للشعر السياسي من صلة وثيقة بوجدان الأمة العربية.