منتدى قالمة للعلوم السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم .. أخي الزائر الكريم ..أهلآ وسهلآ بك في منتداك ( منتدى قالمة للعلوم سياسية ) إحدى المنتديات المتواضعة في عالم المنتديات والتي تزهو بالعلم الشرعي والمعرفة والفكر والثقافة .. نتمنى لكم قضاء أسعد الأوقات وأطيبها .. نتشرف بتسجيلك فيه لتصبح أحد أعضاءه الأعزاء وننتظر إسهاماتكم ومشاركاتكم النافعة وحضوركم وتفاعلكم المثمر .. كما نتمنى أن تتسع صفحات منتدانا لحروف قلمكم ووميض عطائكم .. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه , وجنبكم ما يبغضه ويأباه. مع فائق وأجل تقديري وإعتزازي وإحترامي سلفآ .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . المشرف العام
منتدى قالمة للعلوم السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم .. أخي الزائر الكريم ..أهلآ وسهلآ بك في منتداك ( منتدى قالمة للعلوم سياسية ) إحدى المنتديات المتواضعة في عالم المنتديات والتي تزهو بالعلم الشرعي والمعرفة والفكر والثقافة .. نتمنى لكم قضاء أسعد الأوقات وأطيبها .. نتشرف بتسجيلك فيه لتصبح أحد أعضاءه الأعزاء وننتظر إسهاماتكم ومشاركاتكم النافعة وحضوركم وتفاعلكم المثمر .. كما نتمنى أن تتسع صفحات منتدانا لحروف قلمكم ووميض عطائكم .. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه , وجنبكم ما يبغضه ويأباه. مع فائق وأجل تقديري وإعتزازي وإحترامي سلفآ .. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . المشرف العام
منتدى قالمة للعلوم السياسية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخولصفحتنا عبر الفيسبوكمركز تحميل لكل الإمتدادات
منتدى قالمة للعلوم السياسية يرحب بكم
تنبيه:إن القائمين على المنتدى لا يتحملون أي مسؤولية عن ما ينشره الأعضاء،وعليه كل من يلاحظ مخالفات للقانون أو الآداب العامة أن يبلغ المشرف العام للمنتدى ، أو بتبليغ ضمن قسم اقتراحات وانشغالات
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» امتحان مادة علم الاجتماع السياسي ماي 2024م
التنمية النيوليبرالية Emptyمن طرف salim 1979 الأربعاء مايو 15, 2024 9:33 am

» امتحان تاريخ الفكر السياسي جانفي 2024م
التنمية النيوليبرالية Emptyمن طرف salim 1979 الثلاثاء يناير 16, 2024 8:08 pm

» عام ينقضي واستمرارية في المنتدى
التنمية النيوليبرالية Emptyمن طرف salim 1979 السبت مايو 27, 2023 1:33 pm

» الإقرار وفق القانون الجزائري
التنمية النيوليبرالية Emptyمن طرف salim 1979 الخميس مايو 11, 2023 12:00 pm

» امتحان تاريخ العلاقات الدولية جانفي 2023
التنمية النيوليبرالية Emptyمن طرف salim 1979 الجمعة يناير 20, 2023 10:10 pm

» امتحان تاريخ الفكر السياسي جانفي 2023
التنمية النيوليبرالية Emptyمن طرف salim 1979 الأربعاء يناير 11, 2023 9:15 pm

» كتاب : المؤسسات السياسية والقانون الدستورى
التنمية النيوليبرالية Emptyمن طرف ammar64 الثلاثاء نوفمبر 08, 2022 10:47 pm

» الفكر السياسي عند الرومان
التنمية النيوليبرالية Emptyمن طرف salim 1979 الأحد أكتوبر 16, 2022 7:32 am

» الفكر السياسي الاغريقي بعد أفلاطون
التنمية النيوليبرالية Emptyمن طرف salim 1979 الأحد أكتوبر 16, 2022 7:31 am

أنت زائر للمنتدى رقم

.: 12465387 :.

يمنع النسخ
التنمية النيوليبرالية Ql00p.com-2be8ccbbee

 

 التنمية النيوليبرالية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ndwa
وسام التميز
وسام التميز



الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 212
نقاط : 498
تاريخ التسجيل : 15/04/2013

التنمية النيوليبرالية Empty
مُساهمةموضوع: التنمية النيوليبرالية   التنمية النيوليبرالية Emptyالأربعاء ديسمبر 04, 2013 1:51 pm

العدد الخامس – مفهوم التنمية النيوليبرالية: فكرة مهيمنة لكنها تظل زاخرة بالتناقضات
By admin, on أبريل 27th, 2009
عمرو عدلى
التنمية النيوليبرالية Cover5-214x300يبدو لى أن التحليل الخاص بالمدرسة النيوليبرالية واضح ومقنع فى حد ذاته. وهو يوحى بشدة أنه لا توجد أية مدرسة أخرى منافسة، وأن التحديات التى تواجهها المدرسة حتى الآن ليست قاتلة، بل استطاعت أن تتطور بحيث تستوعب المفاهيم البديلة السابقة بطريقتها.
غير أن السؤالين الذين ينتهى بهما المقال غامضين تماما، من حيث أنهما لا يوضحان لا أهميتهما ولا تأثيرهما على أفكار المدرسة.
الجزء الآخر الخاص بمصر يبدو لى، أو هذا انطباعى من المقال، أنه لا علاقة له بالجزء الأول. لأن الحالة المصرية هى حالة من المقاومة المستمرة لتطبيق “روشتة” المدرسة، التى تستطيع إذن بسهولة أن تتنصل من الحالة المصرية، أو حتى تستخدمها كمثال يثبت صحة تصوراتها.
أقترح تطوير نهاية الجزء الأول ليصبح أكثر وضوحا وتفصيلا والتغاضى عن الجزء الثانى.
شريف
تدرس هذه المقالة تحولات مفهوم التنمية الاقتصادية منذ ظهوره في الخمسينيات من القرن الماضي. وتوضح كيف فرضت النيوليبرالية تعريفها للتنمية منذ السبعينيات، وكيف حاولت في التسعينيات استيعاب الانتقادات الموجهة لها. لكن بالرغم من ذلك يظل مفهوم التنمية في الليبرالية مثيرا لأسئلة لا تجد لها إجابة. ويتضح ذلك بشكل جلي في الحالة المصرية.
رغم ظهور مفهوم “التنمية” Development بوضوح على خريطة العلوم السياسية والاجتماعية منذ خمسينيات القرن الماضي إلا أن مدلولاته وعناصره وقياساته عكست اختلافات تصل إلى حد التناقض بين تيارات كثيرة تمتد من دوائر الأكاديمية والمؤسسات الدولية إلى صانعي القرار على مستوى الحكومات ومنظمات المجتمع المدني. وبما أن مدلولات المفاهيم تأتي دوماً في سياق تاريخي معين بما يحمله من صراعات سياسية/ اقتصادية على المستويين الوطني والدولي لذلك يظل تحديد المدلول واختيار أدوات قياسه ساحة لهذه الصراعات السياسية.
في هذه المقالة سنناقش مدلولات مفهوم التنمية مع تسليط الضوء على مسألة علاقة الاقتصاديات الوطنية بالاقتصاد العالمي أو ما يصطلح على تسميته بالقطاع الخارجي External Sector. واستنادا إلى الافتراض المذكور أعلاه بشأن وضع المفاهيم في سياق تطورها فإنني سوف أبدأ بتحليل مفهوم التنمية المهيمن على المستوى العالمي في العقدين الأخيرين من القرن الماضي مع التركيز على علاقة التنمية بالاندماج في الاقتصاد العالمي، ثم أستعرض تداعيات صياغة مفهوم التنمية على مصر كحالة من حالات العالم النامي.
1- مفهوم التنمية: جدل على أطراف خطاب مهيمن
ارتبط مفهوم التنمية منذ بداية ظهوره في الأكاديمية الأمريكية في الخمسينيات بمحاولة تأليف صورة شاملة الأبعاد لما اصطلح على تسميته بالدول حديثة العهد بالاستقلال خاصة في آسيا وأفريقيا مضافا إليها أمريكا اللاتينية، التي رغم قدم استقلالها النسبي فإنه يبدو أنها تشارك فى عدد من المظاهر الاجتماعية والاقتصادية مع الدول المستقلة حديثا في القارتين الجنوبيتين الأخريين. ولم يكن مفهوم التنمية الذي طرحته مدرسة الحداثة في تلك الحقبة منفصلا البتة عن سياق الصراع الأيديولوجي والجيوسياسي أبان الحرب الباردة. ولعل أهم إسهام لمدرسة الحداثة في صك مفهوم التنمية تمثل في إعادة تعريف كلمة “التنمية”، من التطور Evolution إلى مدلول آخر يشير إلى عملية مركبة ممتدة على مراحل ذات اتجاه محددة سلفاً لمجتمعات تنتقل من مرحلة العلاقات التقليدية إلى العلاقات الأكثر حداثة، والتي تتجلى بطبيعة الحال في العالم المتقدم. وعادة ما كررت أدبيات تلك المدرسة عناصر كالتصنيع والتوسع الحضري والديمقراطية كأبعاد جوهرية للانتقال للحداثة. وبما أن هذه المدرسة قد سلطت الضوء على تحول هيكل أو بنية المجتمعات صوب غاية محددة سلفا، هي الحداثة، دونما إشارة تذكر للفاعلين الاجتماعيين أو السياسيين القادرين على إجراء هذا التحول، فإنها لم تخل من بعد ميتافيزيقي.
شاركت مدرسة الحداثة المدرسة الماركسية التقليدية ميراثها التنويري في افتراض وجود غاية محددة لحركة التاريخ “صوب الحداثة”، وإسقاط ذاك الاعتقاد على هيئة مراحل متعاقبة من التحول الهيكلي في العلاقات الاجتماعية، وهو ما حدا ببعض القراءات الماركسية الأولى في الأربعينيات والخمسينيات إلى الحديث عن التحول الرأسمالي في مجتمعات ما قبل الرأسمالية حديثة العهد بالاستقلال، وأمسى مفهوم التنمية أو بالأحرى التطور يدور حول تحول العلاقات الاجتماعية في العالم الثالث إلى الرأسمالية. وبما أن النظريتين وتطبيقاتهما سواء الحداثة أو الماركسية كانتا تصاغان في جدلية مع الواقع الاجتماعي في الجنوب فإن الستينيات أتت ولم تحمل في غالب تلك الدول أيا من مظاهر التحول الحداثي الواضح بقدر ما عكست أشكالا مهجنة من تعايش بيروقراطية الدولة الحديثة مع علاقات تقليدية قبلية وطائفية، وتوسع حضري دون وجود قاعدة تصنيع.
وفي هذا السياق ظهرت مدرسة التبعية Dependency theory والتي رغم تشعب تياراتها إلا أنها أجمعت على افتراض وجود نظام رأسمالي عالمي واحد ينتج بالتزامن تنمية في المركز وتخلفا في الأطراف. دول “الأطراف” هي إذن التسمية التي اختيرت لتحل محل العالم الثالث. وكانت مفردات التبعية في أساسها تدور حول احتلال الأطراف موقعاً محدداً سلفاً بحكم علاقات الاستعمار السابقة تتخصص بمقتضاه في توريد المواد الأولية التعدينية أو الزراعية للمركز الصناعي بينما توفر سوقا مفتوحة لمنتجاته الصناعية. وعلى هذه الشاكلة أمسى مفهوم التنمية الحقيقية يشتمل على الاستقلال عن بنية النظام الرأسمالي العالمي على نحو يسمح بتغيير موقع الأطراف. وأتى التركيز مرة أخرى على التصنيع باعتباره قاطرة التحول الاجتماعي والاقتصادي.
ولم يكن التنظير خلال الستينيات والسبعينيات في تلك الحقبة يجري بمعزل عن التطورات في الدول حديثة الاستقلال، خاصة الكبيرة منها مساحة وسكانا، وأقصد بهذه التطورات اعتماد كثير من دول العالم الثالث نماذج للتصنيع تقوم على مبادئ إحلال محل الواردات ورأسمالية الدولة أو الاشتراكية القومية وحماية الصناعات الوليدة، ويجرى ذلك على دول تمتد من المكسيك والبرازيل والأرجنتين إلى الهند ومصر والصين. وكان محور غالب هذه الاستراتيجيات توفير فرص كافية لنمو التصنيع المحلي، والذي كان يُعتبر، كما أشرنا سلفا، جوهر عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية. واستندت غالب هذه التجارب على مزيج من سياسات التنمية القومية كما نَظَّر لها ليست Liste في أوربا فى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، والتي تقوم على دور محوري للدولة في حماية ودعم الصناعات الوليدة، وكان العنصر الثاني من المزيج سياسات كينزية تهدف لأن تلعب الدولة كذلك دورا جوهريا في توزيع عوائد التنمية سواء من الريف للمدن أو من القطاع الزراعي لمجهودات التصنيع على نحو يخلق سوقاً للصناعات المحلية الناشئة.
بحلول نهاية عقد السبعينيات بدا واضحا أن هذا الجدل الواسع حول مدلول مفهوم التنمية قد بدأ في الانكماش لصالح هيمنة الليبرالية الجديدة، والتي اكتسبت قوة على أرضية العلاقات الاجتماعية في الولايات المتحدة وبريطانيا في الثمانينيات بوصول ريجان وتاتشر لسدة الحكم، والشروع في إعادة تعريف علاقة الدولة بالسوق، وعلاقة النمو الاقتصادي بالعدالة التوزيعية. ولم يلبث هذا الإحياء الأكاديمي والسياسي أن تزامن مع أزمة غير مسبوقة لنماذج الإحلال محل الواردات في الجنوب، خاصة في أمريكا اللاتينية، تجلت في اختلالات في الاقتصاد الكلي كان من أعراضها معدل تضخم غاية في الارتفاع وعجز مزمن في ميزاني التجارة والمدفوعات مصحوبًا بنقص حاد في توفر العملة الصعبة لتوفير المدخلات الأساسية للصناعة المحلية إضافة لتفاقم أزمات الدين الخارجي بالتزامن مع أزمتي ارتفاع أسعار النفط في 1973 و1979. وسمح ذلك – بالأخص خلال عقد الثمانينيات – للمؤسسات المالية الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي بوضع شروط تربط الإقراض باتخاذ إجراءات واسعة لتحرير liberalization الاقتصاديات الوطنية عن طريق إطلاق أسعار الفائدة والصرف وأسعار المنتجات بقوى السوق، مع إزالة الحواجز الجمركية وغير الجمركية لضمان تدفق حر للتجارة الدولية، مصحوباً بسياسات التثبيت stabilization والتي تهدف إلى خفض معدلات التضخم من خلال سد العجز في الموازنة العامة، وما يترتب عليه من تراجع دور الدولة في التشغيل والدعم. وسرعان ما لحقت الخصخصة بالتحرير والتثبيت لتضمن نقل ملكية الأصول الاقتصادية من الدولة للقطاع الخاص، باعتباره القناة الأساسية لتخصيص الموارد طبقا لعلاقات السوق. ولم ينته عقد الثمانينات قبل أن يسقط حائط برلين، وينهار نموذج التخطيط المركزي في شرق أوروبا والاتحاد السوفيتي، والذي كان قد سبقه اتخاذ إجراءات تضمن بعض التحول لنظام السوق في الصين الشعبية. وفي أعقاب حرب الخليج الثانية 1990-1991 أقدمت الهند وكثير من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء على تحرير اقتصادياتها وإعادة تعريف دور الدولة في السوق، وعلاقة الاقتصاد الوطني بالاقتصاد العالمي.
أسهمت تلك التطورات على الأرض في تقليص مساحة الجدل حول مفهوم التنمية وعلاقة الاقتصاديات النامية بالنظام الاقتصادي العالمي، ولكن ذلك لا يعني أن المفهوم الجديد الذي أتى في ركاب النيوليبرالية قد ظهر متجانساً معفياً من التناقض أو الجدل. ولكن ما أود أن أطرحه في هذا الصدد أن هذا الخطاب قد حقق قدراً من الهيمنة بحيث أمسى الجدل على أطرافه مع التسليم بمنطلقاته الأساسية، والتي تتمثل في تفوق نموذج اقتصاد السوق على ما دونه، والحاجة للنمو الاقتصادي وإنتاج الثروة قبل اعتبارات التوزيع، وربط التهميش بعدم الاندماج في الاقتصاد العالمي على نقيض ما كان سائداً في أدبيات التبعية بأن التهميش لا يتأتى إلا في علاقة الأطراف بالمركز، فكلما زاد اندماجها زاد تهميشها. وعلى صعيد علاقة الدول النامية بالاقتصاد العالمي أصبح الاندماج مسألة مفروغاً منها في ذاتها سواء على المستوى الأكاديمي أو صنع القرار السياسي، وانسحب الجدل إلى سبل الاندماج وأشكاله، وأعتمد معيارا التصدير وجذب رؤوس الأموال الأجنبية باعتبارهما أساسا تقييم استراتيجيات التنمية في العالم الثالث في ظل ما بات يسمى بالعولمة.
على أن الخطاب النيوليبرالي شهد تطوراً ملحوظاً في التسعينيات وبداية القرن الحادي والعشرين نتيجة للجدل على عدة محاور في ذات مراكز إنتاجه، سواء في المؤسسات المالية العالمية كالبنك الدولي وصندوق النقد، أو داخل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واللذان يمارسان تأثيرهما من خلال الاتفاقيات التجارية والاستثمارية الإقليمية تارة، ومن خلال صنع قواعد التجارة العالمية تارة أخرى، مضافاً إلى ذلك أدوات التأثير غير الرسمية، وإن كانت فاعلة، كالشركات والبنوك متعددة الجنسيات. سأعدد في الفقرات التالية الموضوعات التي دخل فيها الفكر النيوليبرالي في جدل فيما يخص مسألة التنمية منذ نهاية عقد الثمانينيات.
أولا: أولوية الأبعاد الاقتصادية (معدلات النمو الاقتصادي وأداء الصادرات وتدفق رؤوس الأموال وغيرها) في مقابل حضور الأبعاد السياسية في عملية التنمية خاصة وضع حقوق الإنسان والديمقراطية، وهو الجدل الذي اشتعل في السبعينيات والنصف الأول من الثمانينيات خاصة حيث كان التحول الرأسمالي يجرى تحت سيطرة نظم سلطوية تعدد تصنيفها بين كوريا الجنوبية وتايوان وتركيا وسنغافورا إلى الأرجنتين وشيلي وأوروجواي والمكسيك، ولم يلبث أن حسم هذا الجدل مع سقوط أغلب النظم العسكرية وحدوث تحول ديمقراطي واسع المدى في جنوب أوروبا وأمريكا اللاتينية وبعض دول شرق آسيا.
وكان المثير للاهتمام أن التحول الديمقراطي في هذه البلدان والذي أخذ شكل انتخابات حرة بالأساس لم يؤثر بالسلب على عمليات التحول النيوليبرالي، وقد انبرت العديد من النظريات لتفسير ذلك على نحو لا سبيل للإسهاب فيه في هذا المقال. ولكن محصلة الأمر أن الثمانينيات والتسعينيات شهدت تقارباً واضحاً بين فكرة التحول الديمقراطي والتحول النيوليبرالي. وليس بغريب في هذا السياق أن تصبح الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال مركز الترويج للتحولين باعتبارهما وجهين لعملة واحدة، بحيث أصبحت الديمقراطية الأيديولوجية الوحيدة ذات القبول العالمي لإثبات شرعية النخب السياسية والاقتصادية الدافعة في اتجاه التحول النيوليبرالي، رغم استمرار العديد من الإشكاليات فيما يتعلق بجودة الديمقراطية فيما وراء العملية الانتخابية. فعلى سبيل المثال تزخر بلدان أمريكا اللاتينية بنماذج لانتخابات حرة نسبيا في ظل نظم تسجل احتراما أكبر لحقوق الملكية عن حقوق الإنسان. ورغم بزوغ نماذج في بداية القرن الحادي والعشرين تنذر بانهيار الصلة بين الديمقراطية والتحول النيوليبرالي في حالات كبوليفيا وفنزويلا إلا أنهما لا يزالان مرتبطين على مستوى الخطاب النيوليبرالي.
وثاني هذه المحاور هو الجدلية بين العناصر الاقتصادية (النمو الاقتصادي) في مقابل العناصر الاجتماعية للتنمية، وبالأخص مسائل العدالة التوزيعية ومكافحة الفقر، والتي ترتبط كذلك بمستويات المعيشة الماسة مباشرة بالمواطنين في العالم الثالث كمستويات التعليم والرعاية الصحية والتغذية. فقد ذهبت التيارات الكلاسيكية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر عادة إلى فرضية مفادها أن المبادرات الفردية لتحقيق أقصى قدر ممكن من المنفعة الذاتية ستفضي في نهاية الأمر إلى تحقيق “المصلحة العامة” والتي تتمثل في زيادة تدفق الدخل وتراكم الثروة، وبالتالى لم تعر اهتماما كبيرا لماهية التوزيع بين الأفراد المختلفين المنخرطين في أنشطة السوق، بل رأت أن أية محاولة للتأثير على هذه الأنشطة تندرج تحت مسمى “تشويه آليات السوق” التي اكتسبت صبغة القوانين الطبيعية. وكانت مسائل التوزيع في قلب نمو التيارات الاشتراكية في القرنين التاسع عشر والعشرين في القارة الأوربية بالأساس وغيرها من مناطق العالم.
والجدير بالملاحظة أن عودة الحياة للتيارات النيوكلاسيكية أو النيوليبرالية في الثمانينيات والتسعينيات شهدت إحياءً لذات الجدلية فانزوت أسئلة التوزيع جانبا لصالح النمو الاقتصادي وتماشى ذلك مع مشروطية صندوق النقد الدولي لخفض معدلات التضخم والإنفاق الحكومي رغم ما يسببانه من انخفاض في مستويات معيشة الفئات الأكثر فقرا. على أن ذلك لم يستمر كثيرا، وسرعان ما بدأ الجدل حول التوزيع يتحرك إلى قلب الخطاب النيوليبرالي وفي ذات مراكز إنتاجه سواء على مستوى الأكاديمية أو على مستوى صانعي السياسات كالبنك الدولي، ولكن الإشكال طرح بشكل مختلف ماس بمكافحة الفقر باعتباره أولوية تستقر بجانب تحقيق النمو الاقتصادي. وإثباتا لهيمنة الخطاب النيوليبرالي فإن مكافحة الفقر اعتبرت تابعاً من توابع تحقيق النمو الاقتصادي، والذي يرتبط بدوره بالاندماج في الاقتصاد العالمي من خلال التصدير وجذب رؤوس الأموال القادرة على خلق فرص عمل وتوفير العديد من السلع بالأسعار العالمية التنافسية. ومن ثم ليس بغريب أن تكون مراكز إنتاج خطابات مكافحة الفقر هي ذاتها مراكز إنتاج الخطاب النيوليبرالي كجامعتي هارفارد وكولومبيا والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية. ولم يعد سؤال ما إذا كان اندماج الاقتصاد النامية ذاتها في الاقتصاد العالمي عائقا أمام مكافحة الفقر أو عدم عدالة التوزيع كما كان الحال في أدبيات التبعية والإمبريالية في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، بل أصبحت نماذج الفقر صاحبة الحضور المستمر تحت بند الدول الأقل نموا هي الدول الأقل اندماجا في الاقتصاد العالمي كأفريقيا جنوب الصحراء وبعض دول الكاريبي في مقابل نماذج نجحت في الاندماج في الاقتصاد العالمي إضافة إلى إيجاد قنوات لتخفيف حدة الفقر خاصة في شرق آسيا وبخاصة الصين الشعبية.
أما ثالث محاور الجدل داخل الخطاب النيوليبرالي فيمس دور الدولة في مقابل دور السوق في تخصيص الموارد الإنتاجية. فبينما ذهبت تيارات الليبرالية الجديدة في السبعينيات والثمانينيات إلى تحرير الاقتصاد من الدولة لصالح علاقات سوق حرة، أتت تجارب التحول الاقتصادي في دول شرق أوروبا وروسيا في النصف الأول من التسعينيات لتضفي أهمية على دور الدولة في تنظيم علاقات السوق من خلال وجود مؤسسات قوية تضمن حكم القانون ومن ثم تتيح قدرا من الشفافية والتنبؤ لممارسة علاقات السوق. ولم يلبث أن تم طرح الأبعاد المؤسسية لدور الدولة في ظل علاقات السوق، والتي كانت قد تطورت خلال الثمانينيات في الأكاديمية الأمريكية بالأساس، إلى برامج البنك الدولي في العالم الثالث، وجرى تطوير أدوات تحليلية لقياس “درجة مؤسسية” الدول النامية التي تشهد تحولات صوب علاقات السوق. وكان آخر توصيف استقر عليه غالب اتجاهات الخطاب النيوليبرالي هو الدولة المنظمة regulative state، وهي الدولة التي تنظم بالأساس الإطار القانوني الذي تتم فيه ممارسة علاقات السوق بين كيانات تتمتع بقدر كبير من الاستقلالية في صنع قراراتها الاقتصادية الهادفة للربح.
خلاصة القول، أن الخطاب النيوليبرالي مد هيمنته على مدلول وأبعاد وقياسات مفهوم التنمية منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي بحيث تم إدماج المدلولات المنافسة، والتي كانت تتبناها عادة تيارات يسارية وقومية عديدة، وفق أولويات الخطاب النيوليبرالي، والتي يحتل فيها النمو الاقتصادي من خلال الاندماج في الاقتصاد العالمي موقع الامتياز، بحيث أصبح الجدل داخل الخطاب ذاته طبقا لمسلماته الأساسية، والتي لم يعد تسائل الاندماج من عدمه أو توليد نمو اقتصادي بقدر ما تتساءل عن الكيفية والمقدار.
على أنه برغم امتداد الخطاب النيوليبرالي ليشمل مساحات جديدة خلال عقد التسعينيات كما أوضحت أعلاه فإنه لم يزل ثمة تناقضات جوهرية في عملية دمج اقتصاديات الدول النامية في الاقتصاد العالمي، لعل أبرزها افتراض “طبيعية” موقع هذه الاقتصاديات في عمليات التصدير وجذب الاستثمارات الأجنبية. بمعنى آخر فإن الخطاب النيوليبرالي يسلط الضوء بامتياز على مسائل التصدير وجذب رؤوس الأموال الأجنبية باعتبارهما أساس استفادة الاقتصاديات النامية من علاقاتها مع الاقتصاد العالمي، ولكنه لا يمنح الاهتمام الكافي لبيان كيفية تخصص هذه الدول النامية في توفير منتجات ذات قيمة تصديرية مرتفعة حتى تستطيع أن تغطي تزايد وارداتها الناتج عن تحرير حركة التجارة، وإلا فما الذي يضمن عدم انجرار هذه الاقتصاديات مرة أخرى إلى التخصص في إنتاج مواد أولية ذات قيمة تصديرية متدهورة بالتزامن مع القضاء على صناعاتها الوطنية التي تفتقد للكفاءة الكافية للمنافسة العالمية؟
إذن، فالمسألة هنا تمس سؤال التنمية الاقتصادية باعتباره ذاك السؤال القديم حول تحول هيكل الاقتصاد إلى أنشطة أكثر تعقيدا ورقيا، وبالأحرى توليد صادرات صناعية أو تكنولوجية تولد فرص عمل ومعدلات نمو مرتفعة في الوقت الذي تغطي فيه العجز المتزايد في الميزانين التجاري والجاري. وينسحب ذلك أيضا على تحديد الفاعلين القادرين على إحداث هذا التحول في ظل نظام السوق وفي ظل هيمنة الخطاب النيوليبرالي، الذي لا يرى الدولة إلا في وضعها التنظيمي، وهو ما يجعل من الصعب بمكان تكرار تجارب التصنيع بهدف التصنيع، كتلك التي جرت في كوريا الجنوبية وتايوان في الستينيات والسبعينيات، وهي التجارب التي طالما أشارت إليها مراكز إنتاج الخطاب النيوليبرالي باعتبارها النموذج الواجب الاحتذاء به في العالم النامي. ويكتفي خطاب التنمية النيوليبرالي عند هذه النقطة بالحديث عن أهمية إنشاء علاقات سوق منظمة مستندة إلى مؤسسات متطورة في إطار “الدولة المنظمة” التي سبق وأشرنا إليها من قبل. ولكن ما هو الرابط التحليلي بين إنشاء علاقات السوق وإجراء التحول في الهيكل الاقتصادي نحو أنشطة أكثر تطورا؟ وما هو الرابط بين قدرة الدولة التنظيمية regulative capacity في ظل علاقات السوق، وقدرة الدول التحويلية Transformative capacity؟ (قدرة الدولة التحويلية هذه تحتاج إلى عبارة تشرحها) سؤالان يظلان بلا إجابة.
التنمية الاقتصادية في مصر: إجابات محلية لأسئلة العولمة
لم يكن الاقتصاد السياسي المصري بمعزل عن التطورات العالمية الجارية منذ السبعينيات، خاصة وأن مراجعة النظام الاقتصادي المستند إلى دور واسع للدولة لدعم التصنيع للإحلال محل الواردات بات أمرا شائعا خلال السبعينيات والثمانينيات في كبريات دول العالم الثالث التي كانت تُتخذ عادة مثالا لهذا النموذج التنموي كالمكسيك وتركيا والبرازيل. وبغير الخوض في تفصيلات عمليات التحرير الاقتصادي في مصر منذ عهد الرئيس السادات حين بدأ الانفتاح في 1974 ثم إطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادي والتكيف الهيكلي في 1990/91 فإن ثمة ملاحظتين أساسيتين يجب ذكرهما.. أولهما أن مفهوم التنمية بمدلوله وأهدافه وقياسه بات أرضية لإعادة تشكيل الائتلاف الاجتماعي، ومن ثم وجدت بيئة محلية لإعادة إنتاج ذات المفهوم النيوليبرالي الذي كتبت له الهيمنة في العقدين الأخيرين من القرن العشرين. وثانيهما أن قبول النظام السياسي المصري للرؤية النيوليبرالية وما يترتب عليها من إعادة رسم العلاقات الاجتماعية والاقتصادية وإعادة تحديد دور الدولة في المجتمع يمر من خلال اعتبار حفظ شرعية النظام القائم. بمعنى آخر إذا سلمنا أن النظام الحاكم في مصر قد قبل بنموذج الاندماج في الاقتصاد العالمي من خلال التصدير وجذب رؤوس الأموال وتحرير العلاقات الاقتصادية لصالح السوق، فإن معدلات وأبعاد وعواقب هذا التحول مرهونة في تفصيلها باستمرار النظام السياسي المصري.
لكن إذا كان النظام قد حسم خياره صوب النيوليبرالية في أعقاب حرب الخليج الثانية (1990/91) فإن هذا لا يعني أن خطابه متسق، فقد ظل يعاني من كم من التناقضات الجوهرية سأكتفي بتسليط الضوء على ما أظنه أهمها: بما أن بوادر التحول الاقتصادي خلال الثمانينيات والتسعينيات قد أتت في ظل ظروف دولية وإقليمية أتاحت استمرار أغلب النظم العربية في الحكم ومن بينها مصر، بحيث تصبح نخبة الدولة القابضة على زمام الأمور هي صاحبة المبادرة من أجل إنجاز التحول الاقتصادي، فإن مفردات هذا التحول ظلت مرتبطة كثيرا بعدم هز شرعية النظم القائمة إن لم تكن تهدف بالفعل إلى زيادة فرص بقائها وإعادة إنتاج ذاتها في المستقبل. ولكن هذه المحددات السياسية للتحول الاقتصادي النيوليبرالي خلقت نمطا مهتزا ومترددا للتحول، فظل النظام المصري محتفظا ببعض وظائف الدولة الاقتصادية الآتية من العهد الناصري كالدعم والتعيين الحكومي في الجهاز البيروقراطي وبطء عملية الخصخصة، إضافة إلى استمرار بحث الدولة عن موارد مالية إضافية تزيد من قدرتها على التدخل في إدارة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية على نحو يسمح للنظام السياسي، وخاصة نخبة الدولة المدنية/العسكرية الحاكمة، ضبط معدلات التغير الاجتماعي واحتواءها في الهيكل السياسي القائم على جملة من العلاقات الزبونية من خلال البيروقراطية والحزب الحاكم.
وهكذا تم احتواء التغيرات الاقتصادية وإخضاعها لحسابات البقاء السياسي لنظام لا يقبل تحولا حقيقيا في مشاركة السلطة مع فئات اجتماعية جديدة قد تفرزها عملية التحول الاقتصادي الهيكلي. وكان الثمن هو ضعف عائد التحول الاقتصادي ذاته. ومن هنا وقع النظام السياسي في تناقض جوهري: فبينما كان مبتغى التحول الاقتصادي تبرير استمرار سلطوية النظام بدون تغير مقابل توليد نمو اقتصادي مرتفع من خلال الاندماج في الاقتصاد العالمي، محتذيا نموذج كوريا الجنوبية زمن الحكم العسكري أو الصين تحت الحكم الشيوعي منذ الثمانينيات، انتهى المطاف بالنظام المصري إلى خنق التحول الاقتصادي فأصبح كالنظام الشيوعي في الصين مستمرا في سلطويته بدون تغيير يذكر منذ الثمانينيات ولكن مع فارق أساسي وهو غياب معدلات النمو والعوائد الاقتصادية التي قد تبرر استمرار النظام.
خلاصة الأمر على الرغم من انحسار الجدل عالميا حول تماشى التنمية مع اندماج اقتصاديات العالم النامي في الاقتصاد العالمي بحيث كتبت للخطاب النيوليبرالي الهيمنة في تعريف مفهوم التنمية بأبعاده وأهدافه ومعاييره، إلا أن هذا المفهوم لم يسلم من جملة من التناقضات الجوهرية التى أوجزتها أعلاه، والتى ما زال يُعاد إنتاجها على المستويات الوطنية أو المحلية في العالم الثالث، محل أو موضوع “التنمية”، وهو ما حاولت أن أشير إليه إيجازا كذلك في الحالة المصرية.
 
- See more at: http://elbosla.org/?p=311#sthash.411QPnNM.dpuf
العدد الخامس – مفهوم التنمية النيوليبرالية: فكرة مهيمنة لكنها تظل زاخرة بالتناقضات
By admin, on أبريل 27th, 2009
عمرو عدلى
التنمية النيوليبرالية Cover5-214x300يبدو لى أن التحليل الخاص بالمدرسة النيوليبرالية واضح ومقنع فى حد ذاته. وهو يوحى بشدة أنه لا توجد أية مدرسة أخرى منافسة، وأن التحديات التى تواجهها المدرسة حتى الآن ليست قاتلة، بل استطاعت أن تتطور بحيث تستوعب المفاهيم البديلة السابقة بطريقتها.
غير أن السؤالين الذين ينتهى بهما المقال غامضين تماما، من حيث أنهما لا يوضحان لا أهميتهما ولا تأثيرهما على أفكار المدرسة.
الجزء الآخر الخاص بمصر يبدو لى، أو هذا انطباعى من المقال، أنه لا علاقة له بالجزء الأول. لأن الحالة المصرية هى حالة من المقاومة المستمرة لتطبيق “روشتة” المدرسة، التى تستطيع إذن بسهولة أن تتنصل من الحالة المصرية، أو حتى تستخدمها كمثال يثبت صحة تصوراتها.
أقترح تطوير نهاية الجزء الأول ليصبح أكثر وضوحا وتفصيلا والتغاضى عن الجزء الثانى.
شريف
تدرس هذه المقالة تحولات مفهوم التنمية الاقتصادية منذ ظهوره في الخمسينيات من القرن الماضي. وتوضح كيف فرضت النيوليبرالية تعريفها للتنمية منذ السبعينيات، وكيف حاولت في التسعينيات استيعاب الانتقادات الموجهة لها. لكن بالرغم من ذلك يظل مفهوم التنمية في الليبرالية مثيرا لأسئلة لا تجد لها إجابة. ويتضح ذلك بشكل جلي في الحالة المصرية.
رغم ظهور مفهوم “التنمية” Development بوضوح على خريطة العلوم السياسية والاجتماعية منذ خمسينيات القرن الماضي إلا أن مدلولاته وعناصره وقياساته عكست اختلافات تصل إلى حد التناقض بين تيارات كثيرة تمتد من دوائر الأكاديمية والمؤسسات الدولية إلى صانعي القرار على مستوى الحكومات ومنظمات المجتمع المدني. وبما أن مدلولات المفاهيم تأتي دوماً في سياق تاريخي معين بما يحمله من صراعات سياسية/ اقتصادية على المستويين الوطني والدولي لذلك يظل تحديد المدلول واختيار أدوات قياسه ساحة لهذه الصراعات السياسية.
في هذه المقالة سنناقش مدلولات مفهوم التنمية مع تسليط الضوء على مسألة علاقة الاقتصاديات الوطنية بالاقتصاد العالمي أو ما يصطلح على تسميته بالقطاع الخارجي External Sector. واستنادا إلى الافتراض المذكور أعلاه بشأن وضع المفاهيم في سياق تطورها فإنني سوف أبدأ بتحليل مفهوم التنمية المهيمن على المستوى العالمي في العقدين الأخيرين من القرن الماضي مع التركيز على علاقة التنمية بالاندماج في الاقتصاد العالمي، ثم أستعرض تداعيات صياغة مفهوم التنمية على مصر كحالة من حالات العالم النامي.
1- مفهوم التنمية: جدل على أطراف خطاب مهيمن
ارتبط مفهوم التنمية منذ بداية ظهوره في الأكاديمية الأمريكية في الخمسينيات بمحاولة تأليف صورة شاملة الأبعاد لما اصطلح على تسميته بالدول حديثة العهد بالاستقلال خاصة في آسيا وأفريقيا مضافا إليها أمريكا اللاتينية، التي رغم قدم استقلالها النسبي فإنه يبدو أنها تشارك فى عدد من المظاهر الاجتماعية والاقتصادية مع الدول المستقلة حديثا في القارتين الجنوبيتين الأخريين. ولم يكن مفهوم التنمية الذي طرحته مدرسة الحداثة في تلك الحقبة منفصلا البتة عن سياق الصراع الأيديولوجي والجيوسياسي أبان الحرب الباردة. ولعل أهم إسهام لمدرسة الحداثة في صك مفهوم التنمية تمثل في إعادة تعريف كلمة “التنمية”، من التطور Evolution إلى مدلول آخر يشير إلى عملية مركبة ممتدة على مراحل ذات اتجاه محددة سلفاً لمجتمعات تنتقل من مرحلة العلاقات التقليدية إلى العلاقات الأكثر حداثة، والتي تتجلى بطبيعة الحال في العالم المتقدم. وعادة ما كررت أدبيات تلك المدرسة عناصر كالتصنيع والتوسع الحضري والديمقراطية كأبعاد جوهرية للانتقال للحداثة. وبما أن هذه المدرسة قد سلطت الضوء على تحول هيكل أو بنية المجتمعات صوب غاية محددة سلفا، هي الحداثة، دونما إشارة تذكر للفاعلين الاجتماعيين أو السياسيين القادرين على إجراء هذا التحول، فإنها لم تخل من بعد ميتافيزيقي.
شاركت مدرسة الحداثة المدرسة الماركسية التقليدية ميراثها التنويري في افتراض وجود غاية محددة لحركة التاريخ “صوب الحداثة”، وإسقاط ذاك الاعتقاد على هيئة مراحل متعاقبة من التحول الهيكلي في العلاقات الاجتماعية، وهو ما حدا ببعض القراءات الماركسية الأولى في الأربعينيات والخمسينيات إلى الحديث عن التحول الرأسمالي في مجتمعات ما قبل الرأسمالية حديثة العهد بالاستقلال، وأمسى مفهوم التنمية أو بالأحرى التطور يدور حول تحول العلاقات الاجتماعية في العالم الثالث إلى الرأسمالية. وبما أن النظريتين وتطبيقاتهما سواء الحداثة أو الماركسية كانتا تصاغان في جدلية مع الواقع الاجتماعي في الجنوب فإن الستينيات أتت ولم تحمل في غالب تلك الدول أيا من مظاهر التحول الحداثي الواضح بقدر ما عكست أشكالا مهجنة من تعايش بيروقراطية الدولة الحديثة مع علاقات تقليدية قبلية وطائفية، وتوسع حضري دون وجود قاعدة تصنيع.
وفي هذا السياق ظهرت مدرسة التبعية Dependency theory والتي رغم تشعب تياراتها إلا أنها أجمعت على افتراض وجود نظام رأسمالي عالمي واحد ينتج بالتزامن تنمية في المركز وتخلفا في الأطراف. دول “الأطراف” هي إذن التسمية التي اختيرت لتحل محل العالم الثالث. وكانت مفردات التبعية في أساسها تدور حول احتلال الأطراف موقعاً محدداً سلفاً بحكم علاقات الاستعمار السابقة تتخصص بمقتضاه في توريد المواد الأولية التعدينية أو الزراعية للمركز الصناعي بينما توفر سوقا مفتوحة لمنتجاته الصناعية. وعلى هذه الشاكلة أمسى مفهوم التنمية الحقيقية يشتمل على الاستقلال عن بنية النظام الرأسمالي العالمي على نحو يسمح بتغيير موقع الأطراف. وأتى التركيز مرة أخرى على التصنيع باعتباره قاطرة التحول الاجتماعي والاقتصادي.
ولم يكن التنظير خلال الستينيات والسبعينيات في تلك الحقبة يجري بمعزل عن التطورات في الدول حديثة الاستقلال، خاصة الكبيرة منها مساحة وسكانا، وأقصد بهذه التطورات اعتماد كثير من دول العالم الثالث نماذج للتصنيع تقوم على مبادئ إحلال محل الواردات ورأسمالية الدولة أو الاشتراكية القومية وحماية الصناعات الوليدة، ويجرى ذلك على دول تمتد من المكسيك والبرازيل والأرجنتين إلى الهند ومصر والصين. وكان محور غالب هذه الاستراتيجيات توفير فرص كافية لنمو التصنيع المحلي، والذي كان يُعتبر، كما أشرنا سلفا، جوهر عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية. واستندت غالب هذه التجارب على مزيج من سياسات التنمية القومية كما نَظَّر لها ليست Liste في أوربا فى النصف الثاني من القرن التاسع عشر، والتي تقوم على دور محوري للدولة في حماية ودعم الصناعات الوليدة، وكان العنصر الثاني من المزيج سياسات كينزية تهدف لأن تلعب الدولة كذلك دورا جوهريا في توزيع عوائد التنمية سواء من الريف للمدن أو من القطاع الزراعي لمجهودات التصنيع على نحو يخلق سوقاً للصناعات المحلية الناشئة.
بحلول نهاية عقد السبعينيات بدا واضحا أن هذا الجدل الواسع حول مدلول مفهوم التنمية قد بدأ في الانكماش لصالح هيمنة الليبرالية الجديدة، والتي اكتسبت قوة على أرضية العلاقات الاجتماعية في الولايات المتحدة وبريطانيا في الثمانينيات بوصول ريجان وتاتشر لسدة الحكم، والشروع في إعادة تعريف علاقة الدولة بالسوق، وعلاقة النمو الاقتصادي بالعدالة التوزيعية. ولم يلبث هذا الإحياء الأكاديمي والسياسي أن تزامن مع أزمة غير مسبوقة لنماذج الإحلال محل الواردات في الجنوب، خاصة في أمريكا اللاتينية، تجلت في اختلالات في الاقتصاد الكلي كان من أعراضها معدل تضخم غاية في الارتفاع وعجز مزمن في ميزاني التجارة والمدفوعات مصحوبًا بنقص حاد في توفر العملة الصعبة لتوفير المدخلات الأساسية للصناعة المحلية إضافة لتفاقم أزمات الدين الخارجي بالتزامن مع أزمتي ارتفاع أسعار النفط في 1973 و1979. وسمح ذلك – بالأخص خلال عقد الثمانينيات – للمؤسسات المالية الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي بوضع شروط تربط الإقراض باتخاذ إجراءات واسعة لتحرير liberalization الاقتصاديات الوطنية عن طريق إطلاق أسعار الفائدة والصرف وأسعار المنتجات بقوى السوق، مع إزالة الحواجز الجمركية وغير الجمركية لضمان تدفق حر للتجارة الدولية، مصحوباً بسياسات التثبيت stabilization والتي تهدف إلى خفض معدلات التضخم من خلال سد العجز في الموازنة العامة، وما يترتب عليه من تراجع دور الدولة في التشغيل والدعم. وسرعان ما لحقت الخصخصة بالتحرير والتثبيت لتضمن نقل ملكية الأصول الاقتصادية من الدولة للقطاع الخاص، باعتباره القناة الأساسية لتخصيص الموارد طبقا لعلاقات السوق. ولم ينته عقد الثمانينات قبل أن يسقط حائط برلين، وينهار نموذج التخطيط المركزي في شرق أوروبا والاتحاد السوفيتي، والذي كان قد سبقه اتخاذ إجراءات تضمن بعض التحول لنظام السوق في الصين الشعبية. وفي أعقاب حرب الخليج الثانية 1990-1991 أقدمت الهند وكثير من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء على تحرير اقتصادياتها وإعادة تعريف دور الدولة في السوق، وعلاقة الاقتصاد الوطني بالاقتصاد العالمي.
أسهمت تلك التطورات على الأرض في تقليص مساحة الجدل حول مفهوم التنمية وعلاقة الاقتصاديات النامية بالنظام الاقتصادي العالمي، ولكن ذلك لا يعني أن المفهوم الجديد الذي أتى في ركاب النيوليبرالية قد ظهر متجانساً معفياً من التناقض أو الجدل. ولكن ما أود أن أطرحه في هذا الصدد أن هذا الخطاب قد حقق قدراً من الهيمنة بحيث أمسى الجدل على أطرافه مع التسليم بمنطلقاته الأساسية، والتي تتمثل في تفوق نموذج اقتصاد السوق على ما دونه، والحاجة للنمو الاقتصادي وإنتاج الثروة قبل اعتبارات التوزيع، وربط التهميش بعدم الاندماج في الاقتصاد العالمي على نقيض ما كان سائداً في أدبيات التبعية بأن التهميش لا يتأتى إلا في علاقة الأطراف بالمركز، فكلما زاد اندماجها زاد تهميشها. وعلى صعيد علاقة الدول النامية بالاقتصاد العالمي أصبح الاندماج مسألة مفروغاً منها في ذاتها سواء على المستوى الأكاديمي أو صنع القرار السياسي، وانسحب الجدل إلى سبل الاندماج وأشكاله، وأعتمد معيارا التصدير وجذب رؤوس الأموال الأجنبية باعتبارهما أساسا تقييم استراتيجيات التنمية في العالم الثالث في ظل ما بات يسمى بالعولمة.
على أن الخطاب النيوليبرالي شهد تطوراً ملحوظاً في التسعينيات وبداية القرن الحادي والعشرين نتيجة للجدل على عدة محاور في ذات مراكز إنتاجه، سواء في المؤسسات المالية العالمية كالبنك الدولي وصندوق النقد، أو داخل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واللذان يمارسان تأثيرهما من خلال الاتفاقيات التجارية والاستثمارية الإقليمية تارة، ومن خلال صنع قواعد التجارة العالمية تارة أخرى، مضافاً إلى ذلك أدوات التأثير غير الرسمية، وإن كانت فاعلة، كالشركات والبنوك متعددة الجنسيات. سأعدد في الفقرات التالية الموضوعات التي دخل فيها الفكر النيوليبرالي في جدل فيما يخص مسألة التنمية منذ نهاية عقد الثمانينيات.
أولا: أولوية الأبعاد الاقتصادية (معدلات النمو الاقتصادي وأداء الصادرات وتدفق رؤوس الأموال وغيرها) في مقابل حضور الأبعاد السياسية في عملية التنمية خاصة وضع حقوق الإنسان والديمقراطية، وهو الجدل الذي اشتعل في السبعينيات والنصف الأول من الثمانينيات خاصة حيث كان التحول الرأسمالي يجرى تحت سيطرة نظم سلطوية تعدد تصنيفها بين كوريا الجنوبية وتايوان وتركيا وسنغافورا إلى الأرجنتين وشيلي وأوروجواي والمكسيك، ولم يلبث أن حسم هذا الجدل مع سقوط أغلب النظم العسكرية وحدوث تحول ديمقراطي واسع المدى في جنوب أوروبا وأمريكا اللاتينية وبعض دول شرق آسيا.
وكان المثير للاهتمام أن التحول الديمقراطي في هذه البلدان والذي أخذ شكل انتخابات حرة بالأساس لم يؤثر بالسلب على عمليات التحول النيوليبرالي، وقد انبرت العديد من النظريات لتفسير ذلك على نحو لا سبيل للإسهاب فيه في هذا المقال. ولكن محصلة الأمر أن الثمانينيات والتسعينيات شهدت تقارباً واضحاً بين فكرة التحول الديمقراطي والتحول النيوليبرالي. وليس بغريب في هذا السياق أن تصبح الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال مركز الترويج للتحولين باعتبارهما وجهين لعملة واحدة، بحيث أصبحت الديمقراطية الأيديولوجية الوحيدة ذات القبول العالمي لإثبات شرعية النخب السياسية والاقتصادية الدافعة في اتجاه التحول النيوليبرالي، رغم استمرار العديد من الإشكاليات فيما يتعلق بجودة الديمقراطية فيما وراء العملية الانتخابية. فعلى سبيل المثال تزخر بلدان أمريكا اللاتينية بنماذج لانتخابات حرة نسبيا في ظل نظم تسجل احتراما أكبر لحقوق الملكية عن حقوق الإنسان. ورغم بزوغ نماذج في بداية القرن الحادي والعشرين تنذر بانهيار الصلة بين الديمقراطية والتحول النيوليبرالي في حالات كبوليفيا وفنزويلا إلا أنهما لا يزالان مرتبطين على مستوى الخطاب النيوليبرالي.
وثاني هذه المحاور هو الجدلية بين العناصر الاقتصادية (النمو الاقتصادي) في مقابل العناصر الاجتماعية للتنمية، وبالأخص مسائل العدالة التوزيعية ومكافحة الفقر، والتي ترتبط كذلك بمستويات المعيشة الماسة مباشرة بالمواطنين في العالم الثالث كمستويات التعليم والرعاية الصحية والتغذية. فقد ذهبت التيارات الكلاسيكية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر عادة إلى فرضية مفادها أن المبادرات الفردية لتحقيق أقصى قدر ممكن من المنفعة الذاتية ستفضي في نهاية الأمر إلى تحقيق “المصلحة العامة” والتي تتمثل في زيادة تدفق الدخل وتراكم الثروة، وبالتالى لم تعر اهتماما كبيرا لماهية التوزيع بين الأفراد المختلفين المنخرطين في أنشطة السوق، بل رأت أن أية محاولة للتأثير على هذه الأنشطة تندرج تحت مسمى “تشويه آليات السوق” التي اكتسبت صبغة القوانين الطبيعية. وكانت مسائل التوزيع في قلب نمو التيارات الاشتراكية في القرنين التاسع عشر والعشرين في القارة الأوربية بالأساس وغيرها من مناطق العالم.
والجدير بالملاحظة أن عودة الحياة للتيارات النيوكلاسيكية أو النيوليبرالية في الثمانينيات والتسعينيات شهدت إحياءً لذات الجدلية فانزوت أسئلة التوزيع جانبا لصالح النمو الاقتصادي وتماشى ذلك مع مشروطية صندوق النقد الدولي لخفض معدلات التضخم والإنفاق الحكومي رغم ما يسببانه من انخفاض في مستويات معيشة الفئات الأكثر فقرا. على أن ذلك لم يستمر كثيرا، وسرعان ما بدأ الجدل حول التوزيع يتحرك إلى قلب الخطاب النيوليبرالي وفي ذات مراكز إنتاجه سواء على مستوى الأكاديمية أو على مستوى صانعي السياسات كالبنك الدولي، ولكن الإشكال طرح بشكل مختلف ماس بمكافحة الفقر باعتباره أولوية تستقر بجانب تحقيق النمو الاقتصادي. وإثباتا لهيمنة الخطاب النيوليبرالي فإن مكافحة الفقر اعتبرت تابعاً من توابع تحقيق النمو الاقتصادي، والذي يرتبط بدوره بالاندماج في الاقتصاد العالمي من خلال التصدير وجذب رؤوس الأموال القادرة على خلق فرص عمل وتوفير العديد من السلع بالأسعار العالمية التنافسية. ومن ثم ليس بغريب أن تكون مراكز إنتاج خطابات مكافحة الفقر هي ذاتها مراكز إنتاج الخطاب النيوليبرالي كجامعتي هارفارد وكولومبيا والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية. ولم يعد سؤال ما إذا كان اندماج الاقتصاد النامية ذاتها في الاقتصاد العالمي عائقا أمام مكافحة الفقر أو عدم عدالة التوزيع كما كان الحال في أدبيات التبعية والإمبريالية في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، بل أصبحت نماذج الفقر صاحبة الحضور المستمر تحت بند الدول الأقل نموا هي الدول الأقل اندماجا في الاقتصاد العالمي كأفريقيا جنوب الصحراء وبعض دول الكاريبي في مقابل نماذج نجحت في الاندماج في الاقتصاد العالمي إضافة إلى إيجاد قنوات لتخفيف حدة الفقر خاصة في شرق آسيا وبخاصة الصين الشعبية.
أما ثالث محاور الجدل داخل الخطاب النيوليبرالي فيمس دور الدولة في مقابل دور السوق في تخصيص الموارد الإنتاجية. فبينما ذهبت تيارات الليبرالية الجديدة في السبعينيات والثمانينيات إلى تحرير الاقتصاد من الدولة لصالح علاقات سوق حرة، أتت تجارب التحول الاقتصادي في دول شرق أوروبا وروسيا في النصف الأول من التسعينيات لتضفي أهمية على دور الدولة في تنظيم علاقات السوق من خلال وجود مؤسسات قوية تضمن حكم القانون ومن ثم تتيح قدرا من الشفافية والتنبؤ لممارسة علاقات السوق. ولم يلبث أن تم طرح الأبعاد المؤسسية لدور الدولة في ظل علاقات السوق، والتي كانت قد تطورت خلال الثمانينيات في الأكاديمية الأمريكية بالأساس، إلى برامج البنك الدولي في العالم الثالث، وجرى تطوير أدوات تحليلية لقياس “درجة مؤسسية” الدول النامية التي تشهد تحولات صوب علاقات السوق. وكان آخر توصيف استقر عليه غالب اتجاهات الخطاب النيوليبرالي هو الدولة المنظمة regulative state، وهي الدولة التي تنظم بالأساس الإطار القانوني الذي تتم فيه ممارسة علاقات السوق بين كيانات تتمتع بقدر كبير من الاستقلالية في صنع قراراتها الاقتصادية الهادفة للربح.
خلاصة القول، أن الخطاب النيوليبرالي مد هيمنته على مدلول وأبعاد وقياسات مفهوم التنمية منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي بحيث تم إدماج المدلولات المنافسة، والتي كانت تتبناها عادة تيارات يسارية وقومية عديدة، وفق أولويات الخطاب النيوليبرالي، والتي يحتل فيها النمو الاقتصادي من خلال الاندماج في الاقتصاد العالمي موقع الامتياز، بحيث أصبح الجدل داخل الخطاب ذاته طبقا لمسلماته الأساسية، والتي لم يعد تسائل الاندماج من عدمه أو توليد نمو اقتصادي بقدر ما تتساءل عن الكيفية والمقدار.
على أنه برغم امتداد الخطاب النيوليبرالي ليشمل مساحات جديدة خلال عقد التسعينيات كما أوضحت أعلاه فإنه لم يزل ثمة تناقضات جوهرية في عملية دمج اقتصاديات الدول النامية في الاقتصاد العالمي، لعل أبرزها افتراض “طبيعية” موقع هذه الاقتصاديات في عمليات التصدير وجذب الاستثمارات الأجنبية. بمعنى آخر فإن الخطاب النيوليبرالي يسلط الضوء بامتياز على مسائل التصدير وجذب رؤوس الأموال الأجنبية باعتبارهما أساس استفادة الاقتصاديات النامية من علاقاتها مع الاقتصاد العالمي، ولكنه لا يمنح الاهتمام الكافي لبيان كيفية تخصص هذه الدول النامية في توفير منتجات ذات قيمة تصديرية مرتفعة حتى تستطيع أن تغطي تزايد وارداتها الناتج عن تحرير حركة التجارة، وإلا فما الذي ي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ndwa
وسام التميز
وسام التميز



الدولة : الجزائر
عدد المساهمات : 212
نقاط : 498
تاريخ التسجيل : 15/04/2013

التنمية النيوليبرالية Empty
مُساهمةموضوع: رد: التنمية النيوليبرالية   التنمية النيوليبرالية Emptyالأربعاء ديسمبر 04, 2013 1:53 pm

إذن، فالمسألة هنا تمس سؤال التنمية الاقتصادية باعتباره ذاك السؤال القديم حول تحول هيكل الاقتصاد إلى أنشطة أكثر تعقيدا ورقيا، وبالأحرى توليد صادرات صناعية أو تكنولوجية تولد فرص عمل ومعدلات نمو مرتفعة في الوقت الذي تغطي فيه العجز المتزايد في الميزانين التجاري والجاري. وينسحب ذلك أيضا على تحديد الفاعلين القادرين على إحداث هذا التحول في ظل نظام السوق وفي ظل هيمنة الخطاب النيوليبرالي، الذي لا يرى الدولة إلا في وضعها التنظيمي، وهو ما يجعل من الصعب بمكان تكرار تجارب التصنيع بهدف التصنيع، كتلك التي جرت في كوريا الجنوبية وتايوان في الستينيات والسبعينيات، وهي التجارب التي طالما أشارت إليها مراكز إنتاج الخطاب النيوليبرالي باعتبارها النموذج الواجب الاحتذاء به في العالم النامي. ويكتفي خطاب التنمية النيوليبرالي عند هذه النقطة بالحديث عن أهمية إنشاء علاقات سوق منظمة مستندة إلى مؤسسات متطورة في إطار “الدولة المنظمة” التي سبق وأشرنا إليها من قبل. ولكن ما هو الرابط التحليلي بين إنشاء علاقات السوق وإجراء التحول في الهيكل الاقتصادي نحو أنشطة أكثر تطورا؟ وما هو الرابط بين قدرة الدولة التنظيمية regulative capacity في ظل علاقات السوق، وقدرة الدول التحويلية Transformative capacity؟ (قدرة الدولة التحويلية هذه تحتاج إلى عبارة تشرحها) سؤالان يظلان بلا إجابة.
التنمية الاقتصادية في مصر: إجابات محلية لأسئلة العولمة
لم يكن الاقتصاد السياسي المصري بمعزل عن التطورات العالمية الجارية منذ السبعينيات، خاصة وأن مراجعة النظام الاقتصادي المستند إلى دور واسع للدولة لدعم التصنيع للإحلال محل الواردات بات أمرا شائعا خلال السبعينيات والثمانينيات في كبريات دول العالم الثالث التي كانت تُتخذ عادة مثالا لهذا النموذج التنموي كالمكسيك وتركيا والبرازيل. وبغير الخوض في تفصيلات عمليات التحرير الاقتصادي في مصر منذ عهد الرئيس السادات حين بدأ الانفتاح في 1974 ثم إطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادي والتكيف الهيكلي في 1990/91 فإن ثمة ملاحظتين أساسيتين يجب ذكرهما.. أولهما أن مفهوم التنمية بمدلوله وأهدافه وقياسه بات أرضية لإعادة تشكيل الائتلاف الاجتماعي، ومن ثم وجدت بيئة محلية لإعادة إنتاج ذات المفهوم النيوليبرالي الذي كتبت له الهيمنة في العقدين الأخيرين من القرن العشرين. وثانيهما أن قبول النظام السياسي المصري للرؤية النيوليبرالية وما يترتب عليها من إعادة رسم العلاقات الاجتماعية والاقتصادية وإعادة تحديد دور الدولة في المجتمع يمر من خلال اعتبار حفظ شرعية النظام القائم. بمعنى آخر إذا سلمنا أن النظام الحاكم في مصر قد قبل بنموذج الاندماج في الاقتصاد العالمي من خلال التصدير وجذب رؤوس الأموال وتحرير العلاقات الاقتصادية لصالح السوق، فإن معدلات وأبعاد وعواقب هذا التحول مرهونة في تفصيلها باستمرار النظام السياسي المصري.
لكن إذا كان النظام قد حسم خياره صوب النيوليبرالية في أعقاب حرب الخليج الثانية (1990/91) فإن هذا لا يعني أن خطابه متسق، فقد ظل يعاني من كم من التناقضات الجوهرية سأكتفي بتسليط الضوء على ما أظنه أهمها: بما أن بوادر التحول الاقتصادي خلال الثمانينيات والتسعينيات قد أتت في ظل ظروف دولية وإقليمية أتاحت استمرار أغلب النظم العربية في الحكم ومن بينها مصر، بحيث تصبح نخبة الدولة القابضة على زمام الأمور هي صاحبة المبادرة من أجل إنجاز التحول الاقتصادي، فإن مفردات هذا التحول ظلت مرتبطة كثيرا بعدم هز شرعية النظم القائمة إن لم تكن تهدف بالفعل إلى زيادة فرص بقائها وإعادة إنتاج ذاتها في المستقبل. ولكن هذه المحددات السياسية للتحول الاقتصادي النيوليبرالي خلقت نمطا مهتزا ومترددا للتحول، فظل النظام المصري محتفظا ببعض وظائف الدولة الاقتصادية الآتية من العهد الناصري كالدعم والتعيين الحكومي في الجهاز البيروقراطي وبطء عملية الخصخصة، إضافة إلى استمرار بحث الدولة عن موارد مالية إضافية تزيد من قدرتها على التدخل في إدارة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية على نحو يسمح للنظام السياسي، وخاصة نخبة الدولة المدنية/العسكرية الحاكمة، ضبط معدلات التغير الاجتماعي واحتواءها في الهيكل السياسي القائم على جملة من العلاقات الزبونية من خلال البيروقراطية والحزب الحاكم.
وهكذا تم احتواء التغيرات الاقتصادية وإخضاعها لحسابات البقاء السياسي لنظام لا يقبل تحولا حقيقيا في مشاركة السلطة مع فئات اجتماعية جديدة قد تفرزها عملية التحول الاقتصادي الهيكلي. وكان الثمن هو ضعف عائد التحول الاقتصادي ذاته. ومن هنا وقع النظام السياسي في تناقض جوهري: فبينما كان مبتغى التحول الاقتصادي تبرير استمرار سلطوية النظام بدون تغير مقابل توليد نمو اقتصادي مرتفع من خلال الاندماج في الاقتصاد العالمي، محتذيا نموذج كوريا الجنوبية زمن الحكم العسكري أو الصين تحت الحكم الشيوعي منذ الثمانينيات، انتهى المطاف بالنظام المصري إلى خنق التحول الاقتصادي فأصبح كالنظام الشيوعي في الصين مستمرا في سلطويته بدون تغيير يذكر منذ الثمانينيات ولكن مع فارق أساسي وهو غياب معدلات النمو والعوائد الاقتصادية التي قد تبرر استمرار النظام.
خلاصة الأمر على الرغم من انحسار الجدل عالميا حول تماشى التنمية مع اندماج اقتصاديات العالم النامي في الاقتصاد العالمي بحيث كتبت للخطاب النيوليبرالي الهيمنة في تعريف مفهوم التنمية بأبعاده وأهدافه ومعاييره، إلا أن هذا المفهوم لم يسلم من جملة من التناقضات الجوهرية التى أوجزتها أعلاه، والتى ما زال يُعاد إنتاجها على المستويات الوطنية أو المحلية في العالم الثالث، محل أو موضوع “التنمية”، وهو ما حاولت أن أشير إليه إيجازا كذلك في الحالة المصرية.
- See more at: http://elbosla.org/?p=311#sthash.411QPnNM.dpuf
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
التنمية النيوليبرالية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى قالمة للعلوم السياسية :: ******** ماســـــتر (Master) ******* :: قسم بحوث الدراسات المناطقية-
انتقل الى:  
1