المجحفون من وراء ستار
هؤلاء فئة من المستشرقين يتصفون بسعة الاطلاع والتعمق فيما يقومون به من دراسات ولا يسئمون من الزعم بأنهم يتوخون الموضوعية في أقوالهم وكتاباتهم وهم لا يهاجمون الإسلام إلا من طرف خفي وكثيرا ما ينطلي هذا الزعم على الآخرين ولذا فإن هذه الفئة تعد – من وجهة نظري – من أخطر المستشرقين على الإطلاق بالنسبة لموقفها من الإسلام والمسلمين وقد ظهر من الفئة المذكورة كثيرون . نخص بالذكر منهم :
سير هاملتون جيب( 1895 – 1965م): انجليزي من مواليد الإسكندرية بمصر , وخليفة " مرجليوت" في جامعة اكسفورد وعضوا لمجمع العلمي العربي بدمشق , والمجمع اللغوي في القاهرة . كان يكتب العربية في سلاسة ويروي نصوصها في محاضراته وأحاديثه عن ظهر قلب . وقد شغل كثيرا من المناصب في انجلترا آخرها مدير مركز دراسات الشرق الأوسط , وسافر إلى كل من مصر وسورية وفلسطين والمغرب الأقصى .
ومؤلفاته كثيرة جدا ذكرها العقيقي في نحو صفحتين , منها : " فتوح العرب في آسيا الوسطي وعلاقاتها الأولي ببلاد الصين " ( لندن 1923م) "ما هو الإسلام " ( لندن 1932م) و" اتجاه الإسلام " ( 1947م), و" المحمدية – نظرة تاريخية عامة " ( لندن 1949م) , و دراسات في الحضارة الإسلامية " ( 1963م) و( صلاح الدين " ( 1952م) وله بالفرنسية كتاب " بنية الفكر الديني في الإسلام ".... الخ.
وجيب يعتبر في نظر بعض الغربيين متحيزا للإسلام وحين نشر كتابه عن المحمدية غضبت بعض الهيئات اليهودية فلجأت إلى " الفريد جيوم" فأخرج كتابه " الإسلام " ونشرته له دار النشر اليهودية " بنجوين" في أكثر من طبعة وبيع بثمن زهيد رغبة في كثرة توزيعه وانتشاره .
كما أن " جيب" عند بعض الشرقيين منصف في كتاباته . يقول العقيقي : أنه ( أى جب ) درس العربية على يد سير توماس أرنولد " وقد تأثر بأستاذه الذي كان يطري الإسلام قولا وعملا ولعل تقاليده هي التي دفعت " جيب " فيما بعد إلى تصنيف كتابه المسمي اتجاه العالم الإسلامي .. وهو خير كتبه .
وبالنظر إلى ما يقتضيه هذا البحث من الدقة والإحاطة فقد كلف جيب الأستاذ " ماسينيون" الكتابة عن شعوب المغرب الأقصى , والأستاذ " كامبفاير" عن سكان مصر وآسيا الغربية والأستاذ " برج " عن سكان اندونيسيا والعقيد " فراز " عن شعوب الهند واكتفي المؤلف " جيب" بالمقدمة والخاتمة وقد انتهي بهما إلى أن الإسلام أكبر عامل للتوازن بين فوضي الوطنية الأوربية وزحفت الشيوعية الروسية "
أما العقاد فيعتبر " جيب" منصفا غاية الإنصاف ويشير إلى كتاب " الشرق الأدنى الإسلامي " الذي نشرته جامعة " تورنتو" بندا لمجموعة من المستشرقين منهم هاملتون جيب ويعلق عليه بقوله : " أما البحث الشامل للوجهة العامة بين أطراف الشرق العربي الإسلامي من جميع نواحيه الشامل للوجهة العمة بين أطراف الشرق العربي الإسلامي من جميع نواحيه فهو الموضوع الذي قدمت به المجموعة وعهد به إلى سير هاملتون جيب فوفاه حقه من الدراسة العلمية مع التزام الحيدة الواجبة في المسائل السياسية وتتجلي هذه الحيدة ن تعليق الكاتب على آراء الساسة الغربيين وجلة المفكرين الاجتماعيين التي يصورون بها " حالة" الشرق الإسلامي بعد استقلال شعوبه عن سيطرة الدول الغربية ثم يبنون عليها تقديرهم لمصير هذا الشرق كما يتصورونه أو يتمثلون فسر هاملتون جيب يري أن الساسة الغربيين يعتبرون هذه الحالة حالة فراغ ينتظر الامتلاء كأنهم سيحسبون أن خروج دولة من أحد الأقطار الشرقية يتبعه دخول دولة أخري أو يظل ذلك " القطر " فارغا لا يستطيع أبناؤه أن يملئوه بنظام يعوضه عن النظام الأوربي المفقود ومما يدعو الساسة الغربيين إلى هذا التفكير شيوع الاعتقاد بين مراقبي الأحوال في البلاد الشرقية بانقضاء العد الذي كان الإسلام فيها " قوة فعالة " في تكوين النظم الاجتماعية والسياسية باعتباره قسطاسا مرعبا في الشعائر المعمول بها والفرائض المتبعة والعادات السارية في شئون المعيشة اليومية "ز ويقارن العقاد بين توينبي وجيب في كتابه كل منهما عن التاريخ الشرقي الإسلامي على الخصوص فيقولوا :" إن توينبي يحس عرض الحوادث ويقصر غاية التقصير في فهم " الشخصيات " ولا سيما شخصيات البطولة والعظمة ...
ولكن التقدير " الشخصيات " والحوادث معا يستوفي حقه في كتابة " جيب" فلا يغفل الفوارق بين دلائل العظمة والبطولة في قادة التاريخ الإسلامي , ولا يفوته أن يرجع بهذه الفوارق إلي أسبابها" ونري – بقول العقاد – من مراجعة الطرائق التاريخية التي يتبعها المستشرقون أن طريقة جيب في تمييز " أنواع البطولة " بين من كتب عنهم من قادة المسلمين هي المثل المختار لمن ينصف البطولة حيث كانت ويبني أنصافه على الأسباب الأعمال .. ويعينه على ذلك اطلاع واسع وقدرة على العلم بما يأخذ به وما يدعه مما يطلع عليه ".
على أن الإطراء المذكور على هاملتون جيب يجب ألا ينسينا حقيقة أهداف هذا الرجل واضعين في الاعتبار أن المسلمين في الوقت الحاضر لا يشكلون خطرا سياسيا بالنسبة للغرب ولذا لا يجد كثير من المستشرقين غضاضة فى الانتصاف للمسلمين سياسيا من ذلك ما فعله توينبي حين هاجم الكيان الإسرائيلي وطالب العرب بضرورة التكاتف والاستماتة للقضاء عليه ومثل جيب الذي يتحدث عن خطأ نظرية ملء على النحو المذكور ويشيد ببعض يقول عنه " لم يكن في زمانه كله من هو اقدر منه على جمع القوي وتأليف الشعاب واختيار الزمن والموقع الذي يصلح للهجوم أو يصلح للدفاع وبطبيعة الحال لا يشكل هذا القول ضررا بالنسبة للغرب إلا أنه يضفي على ما يقوله صاحبه " هالة " من الإنصاف والموضوعية فيخدم الغاية الحقيقية التي يسعي إلى تحقيقها .
وتتضح غاية جيب المغرضة من قوله في كتاب " وجهة العالم الإسلامي :" لقد استطاع نشطنا التعليمي والثقافي , عن طريق المدارس العصرية والصحافة أن يترك في المسلمين – ولو عن غير وعي منهم – أثرا يجعلهم في مظهرهم العام لا دينيين إلى حد بعيد ! ولا ريب أن ذلك هو اللب المثمر في كل ما حاوله الغرب لحمل العالم الإسلامي على حضارته .."
وعلى الرغم من أن جيب ينتقد الغربيين الذين يتمسكون بنظرية ملء الفراغ في البلاد التي وقعت تحت نير الاستعمار إلا أنه ينبه أبناء جلدته بأن انطباعهم عن المسلم غير صحيح ويشير إلى أن المسلمين لا يزالون يغارون على عقيدتهم
بقوله :" إن هذا التفكير الغربي لا يطابق الواقع لأن المسلم هو المسلم في رأي نفسه , وليس هو المسلم علي صبغة يصبغه بها ألأجانب عنه حسبما يتصورونه من شعائره وفرائضه عاداته ولا صح أن نفهم أن المسلمين ابتعدوا عن حظيرة الإسلام وهم أنفسهم يشعرون بأنهم مسلمون يغارون على العقيدة ويريدون البقاء في حظيرة هذه العقيدة ".
كما يتحدث " جيب" عن بنية التفكير الديني في الإسلام فيقول " إنما هي معظم ما كان لدي الغرب في جاهليتهم من العقائد الغيبية والطقوس الشكلية النابعة من اعتقادهم في الأرواح – فقد تأمل محمد صلي الله عليه وسلم فيها فغير ما أمكنه تغييره – ثم عمد إلى الباقي الذي استعصي عليه التخلص منه فألبسه حلة الدين الإسلامي ودعم هذه العقائد والرموز بهيكل من الأفكار والمواقف الدينية الملائمة ولما كان محمد يريد أن يشمل دينه الشعوب الأخرى غير العربية الملائمة ولما كان محمد يريد أن يشمل دينه الشعوب الأخرى غير العربية ادخل ذلك كله ضمن منهج القرآن . كما أن تضخم كتلة الحديث كان نتيجة لقوة التيار الديني في القرن الأولي .. حيث استمد محمد أكثر عناصر حديثه من التراث الديني المسيحي بل البوذي ".
ومن الواضح أن جيب " يريد من قوله المذكور أن ينوه بأن القرآن من تأليف محمد صلي الله عليه وسلم وأن الدين الإسلامي عبارة عن عناصره من التراث المسيحي وأن الحديث النبوي زيد فيه وتضخم فى القرون التي أعقبت وفاة النبي صلي الله عليه وسلم .. وهذه هي غاية ما يسعي إليه هذا المستشرق وكثيرون من أمثاله .
وقد ذكر جيب الكلام المذكور عن الإسلام في كتابه " بنية الفكر الديني في الإسلام " ثم أكده مرة أخري في كتابه " المحمدية ".
درمنجم: فرنسي في وقت من الأوقات مديرا لمكتبة الجزائر ومن أشهر كتبه " حياة محمد " ( باريس 1929م) الذي نقله إلى العربية الأستاذ عادل زعيتر وله أيضا " محمد والسنة الإسلامية" ( باريس 1955م) و" ذكريات الأمير عبد القادر " ( نشره الدراسات العربية 1949م) و" الجمعيات السرية في الجزائر " ( المجلة الإفريقية 1953 م). وقد لفت كتابه " حياة محمد " الأنظار وسلطت عليه كثير من الأضواء , منذ تحدث عنه الدكتور محمد حسين هيكل في ملاحق " جريدة السياسة " الأسبوعية تحت عنوان : حياة محمد لدرمنجم نقد وتعليق " وقد أشاد هيكل بحيدة هذا المستشرق وإنصافه إلى درجة أنه حين ألف كتابه عن السيرة النبوية فيما بعد اختار له نفس العنوان وهي " حياة محمد " ونق فيه بعض أقوال درمنجم, وبخاصة في موضوع " الإسراء والمعراج".
واطري العقيقي كتاب درمنجم " حياة محمد " بقوله :" وهو خير ما صنفه مستشرق عن النبي صلي الله عليه وسلم , ويرجع إليه علماء لمسلمين ".
كما أثني الأمير شكيب أرسلان أيضا على درمنجم بقوله :" وممن كتب في هذه السنين الأخيرة في موضوع السيرة النبوية المحمدية المسيو أميل درمنجم من كتاب الفرنسيين وممن أقام ببلاد المغرب وخالط المسلمين وهو وأن كان مسيحيا كاثوليكيا فمن المسحيين ذوي الوجدان والميل إلى الإنصاف.
ولما قدمت الحكومة الفرنسية في المغرب على إلغاء الشريعة الإسلامية من البربر وأخذت تشبث بالوسائل المتعددة لأجل إخراجهم من الإسلام وتربيتهم في النصرانية كان هذا الكاتب ممن أقاموا النكير علي هذه السياسة ورآها مخالفة لمصلحة فرنسا وماسة بكرامتها في العالم وقد نشر رأيه هذا بدون محاباة في الجرائد .
فأما كتابه في السيرة فقد أسماه " حياة محمد " وهو من أهم الكتب وقد صدر بمقدمة يقول فيها : أنه لا يوجد في الدنيا أمكنه أن ينكر وجود محمد ( صلي الله عليه وسلم ولكن وجد من ينكرون بعض ما جاء في ترجمة محمد صلي الله عليه وسلم من الكتب العربية). ومن الناس من يتجاوز الحد في النقد والاعتراض حتي يقع في الظلم .
أما أنا فقد جعلت كتابي سيرة حقيقية مبنية على المنابع العربية الأصلية بدون إهمال جميع ما وصلت إليه تدقيقات المتخصصين في هذا الموضوع في الأزمنة الأخيرة وقد أردت أن أمثل لمحمد ( صلي الله عليه وسلم صورة مطابقة له بقدر الاستطاعة كما فهمته من الكتب التي قرأتها وأنعمت النظر فيها ومن مشافهة الإحياء من المؤمنين به ".
والحق أن كتاب درمنجم المذكور عن النبي صلي الله عليه وسلم به كثير من الأخبار الدقيقة غير المحرفة , كما أن مؤلفه استنكر كثيرا من افتراءات غيره من المستشرقين الذين كتبوا عن النبي صلى الله عليه وسلم فإذا أضيف إلى ذلك موقفه من السلطات الفرنسية التي أرادت إكراه مسلمي الغرب العربي على اعتناق المسيحية بطريق القمع والإرهاب اتضح لنا المبررات التي جعلته يبدو منصفا في نظر البعض على النحو المذكور .
علي أن انطباعي عن درمنجم – من خلال تقويمي لكتابه " حياة محمد " – يختلف عن الذين اثنوا عليه كل اختلاف فهذا المستشرق – من وجهة نظري – اتخذ من الإنصاف في بعض الأمور معبرا للنفاذ إلى غرضه الأصلي , وهو هدم الدين الإسلامي عن طريق التشكيك في القرآن الكريم والطعن في نبوة محمد صلي الله عليه وسلم مستخدما في ذلك ما أوتيه من سعة الاطلاع وعمق الدراسة ولا يفوتني أن أنوه إلى أن الأمير شكيب أرسلان وأن امتدح درمنجم لبعض مواقفه وأقواله لا أنه لم يوافقه في كثير من آرائه ورد على بعض مغالطاته .
ومن الملاحظ أ ن درمنجم شلك الخطة التالية للوصول عن طريقها إلى غايته : 1- المح في مقدمة كتابه " حياة محمد " إلى أنه سيتوخي الاعتدال والإنصاف على عكس أولئك الذين ظلموا النبي من المستشرقين وأورد بالفعل كثيرا من الحقائق غير المحرفة . 2- استنكر كثيرا من افتراءات المستشرقين الذين كتبوا عن النبي من قبله ليس لأنه يميل إلى الإنصاف وإنما لأن هذه الافتراءات واضحة البطلان وتدل على سذاجة التفكير لدي القائلين بها . 3- دعا إلى التقريب بين الإسلام والمسيحية وتطلب ذلك المقارنة بينها في بعض القضايا وقد خلص درمنجم من هذه المقارنات إلى أنه ليس ثمة خلاف بينهما وبالنسبة لقضية " صلب " المسيح شكك المؤلف في القرآن الكريم من ناحية وفسر ما يتعلق منه بهذه القضية على هواه مؤكدا في النهاية صحة موقف الكنيسة . وحين عقد المقارنات المذكورة لم ينسي أن يمتدح الموقف المسيحي مع شبيهه في الإسلام وبخاصة إذا كان ذلك يتصل بالناحية العقائدية أما إذا كان الأمر لا يتعلق بهذه الناحية فلم يجد مانعا من القول :" أن أكثر العداوة بين المسيحيين والمسلمين غنما جاء من قبل المسيحيين".
وفي دعوي التقريب بين الإسلام والمسيحية قال درمنجم :ط أن في الإسلام مبادئ كثيرة قد اعتقدت بها النصرانية منها : خروج آدم من الجنة لكونه عصي ربه في الأكل من الثمرة الممنوعة , وكذلك قضية سقوط إبليس الذي استكبر أن يسجد لآدم في عقيدة الإسلام يماثلها في النصرانية سقوط الشيطان الذي أبي أن يعتقد بالكلمة المتجسدة ومما اتفقت فيه العقيدتان رسالة نوح وإبراهيم وموسي والأنبياء والكتب المقدسة والملائكة والمسيح الدجال واليوم الآخر والبعث والحشر والحساب وتري الإسلام في هذه الأمور كلها أقرب إلى النصرانية منه إلى اليهودية .
ثم يقول درمنجم : أن الإسلام ينفي موت المسيح مصلوبا مهينا بل يقول أن الله قد رفعه إليه ولم يبق في أيدي اليهود إلا شبحا أو شخصا آخر شبه بالمسيح ... فهذه العقيدة التي هي مستغربة عقلا وتاريخا وهادمة لأجمل قصة معروفة في العالم مستفادة من آية قرآنية " مشابهة " هي : " وقولهم أنا قتلنا المسيح عيس بن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم .." فإذا فكرا في أن المصحف الحالي تاريخه زمن عثمان وحجاج وأن سائر المصاحف قد أبطلت وأن المصحف نفسه لم يكن فيه شكل ولا نقط فيقرأ منه كثير على وجهين أمكننا أن نتساءل !! هل هذه الآية القرآنية المنقوصة بآيات أخري كافية لحفر هذه الهوة العميقة بين ملتين كل شئ ما عدا هذه العقيدة جامع موحد بينهما .
ثم يقول : لو فرضنا وجوب أخذ هذه الآية ".... ولكن شبه لهم .." على ظاهرها فلا مانع من ذلك بحسب عقيدة الكنيسة نفسها , لأن آباء الكنيسة ما زالوا يقولون أنه ليس ابن الله هو الذي صلبه اليهود وأماتوه على الصليب وإنما البيعة البشرية التي في المسيح .
وهكذا لا يكون اليهود قتلوا كلمة الله الأبدية و ولكن يكونون قتلوا الرجل الذي شبهها واللحم والدم المتجسدين في بطن مريم ... وبذلك لا يكون القرآن فيما قاله بشأن الصلب إلا مؤيدا عقيدة الكنيسة الكبرى وهي أن في المسيح طبيعتين إلهية وبشرية وأن القتل وقع على الطبيعة البشرية فقط ".
على أن حكم درمنجم على آية " وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم " بأنها متشابهة ومنقوضة باطل من أساسه فهو قد بني هذا الحكم علي أساس ما يزعمه من أن القرآن الكريم لم يحرر إلا بعد نزوله بكثير وأن خلفاء النبي حملوا الناس على نسخة واحدة من المصحف وأحرقوا ما عداها وان كثيرا من الآيات لم يقع فيها الترتيب اللازم وأنه لا يعلم بالتمام هل أدخل في القرآن شئ من الحديث النبوي أم لا ؟ , ويشير إلى أن بعض الروايات تفيد أن القرآن كان به أسماء سبعة رجال من قريش فلم يبق منه " بعد حرق المصاحف الأخرى غير مصحف عثمان " إلا اسم أبي لهب .ز إلى غير ذلك من المغالطات .
ولا شك أن درمنجم يجهل الحقيقة بالنسبة لتدوين القرآن أو هو يتجاهلها إذ من الثابت أن آياته الكريمة كانت تحرر فور نزولها على قطع الحجارة المصقولة وجريد النخل والعظام فكان الرسول صلي الله عليه وسلم يأمر كتاب الوحي أن يدونوا الآيات والسور بحسب نزولها كما كان بعض الصحابة يدون ما يحفظه لنفسه مثل : عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وزيد بن ثابت ومن الثابت أن عبد الله بن مسعود تلا ما دونه أمام النبي صلي الله عليه وسلم في مكة وأن أبي بن كعب فعل ذلك في المدينة بعد الهجرة أما زيد بن ثابت فقد تلا ما دونه أمام النبي صلي الله عليه وسلم بحجة الوادع أى بعد نزول أخر آية من القرآن الكريم وأن الرسول صلي الله عليه وسلم أقره على ما هو عليه .
ومعني هذا أن ترتيب آيات القرآن كل في سورته المحددة تم في حياة النبي صلي الله عليه وسلم وأن كثيرا من الصحابة كانوا يحفظونه عن ظهر قلب على أساس هذا الترتيب وفي عهد أبي بكر عهد إلى زيد بن ثابت بالذات بجمع مصحف من الرقاع والعسب وقطع الأديم وعظام الأكتاف والحجارة ومضاهاة ذلك بما هو محفوظ في صدور كثير من الصحابة فقام زيد بهذا العمل على أتم وجه .
وفي عهد عثمان بن عفان عهد إلى زيد أيضا وثلاثة من المهاجرين هم : عبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام بنسخ عدة مصاحف من المصحف الذي جمع في عهد أبي بكر وقد أوصاهم عثمان بقوله : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شئ من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنه نزل بلسانهم وبعد أن نسخوا المصاحف تم إرسال نسخة منها لكل بلد إسلامي وأمر الخليفة بإحراق المصاحف الأخري التي تخالف مصحفه ترتيبا أو قراءة , إذ كان من أهم خصائص مصحف عثمان أن سوره رتبت ونسقت وهي التي نجدها اليوم في كل المصاحف .
وخلاصة القول : أن القرآن جمع من مصدر مدون ثم عرض على ما في صدور الرجال أكثر من مرة وكان ذلك بين مئات وألوف الناس يستحيل تواطؤهم على الكذب أو زيادة أو نقصان .
ولذلك اطمأنت النفوس واقتنعت العقول بأن هذا هو القرآن الكريم ما أنزل , وأصبح ما يروي خلاف ذلك لا يعبأ به . وأما الاختلاف في وجوه القراءات فهو شئ آخر لا يتعلق بالكلام الإلهي نفسه , بل بكيفية قراءته , وقد كانت لهجات العرب تختلف بعض الشئ كما لا يخفي كما أن الله تعالي " وضع عقوبات مشددة لمن يكذب أو يفتري على كتابه قال :" ويوم القيامة تري الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوي للمتكبرين ) .. فكيف يتصور أن من صاحبوا الرسول قرابة ربع قرن يصلون وراءه بالقرآن ويتدارسونه ويدرسونه ويحكمون به ويقضونه ويقاتلون به ويسألون به – كيف يتصور أنهم يتآمرون على القرآن أو يحرقونه أو يغفلون تسجيله كما نزل ؟؟".
أعود إلى درمنجم الذي لا أشك في أنه يريد من كلامه عن التشابه بين الإسلام والمسيحية ومن التشكيك في أية آية قرآنية أو حديث نبوي يفهم منه وجود تعرض بينهما – يريد أن يقول : أن الإسلام لم يأت بجديد وقد أفصح عن ذلك صراحة بقوله :"وبالجملة فالنصرانية تتضمن الإسلام وتزيد عليه بعض أشياء كما يقول في موضع آخر من كتابه : " وكان هو " أى محمد صلي الله عليه وسلم ) قد عرف الله وعرف العقيدة بالله عند نصاري سورية أو مكة ".
وقد قوم الدكتور عبد الجليل شلبي آراء درمنجم بالنسبة للإسلام في كتابه " صور استشراقية " وملخص ما جاء به : أن هذا المستشرق عدد فصلا في كتابه " حياة محمد " بعنوان " النصرانية والإسلام كما صوره بفضل عن سلمان الفارسي .
وفي كتاب آخر له بعنوان " محمد " عقد فصلا بعنوان " اليهودية والمسيحية" وفي كلا الفصلين بسط الحديث جهد البسط فيما يمكن أن يتصور من صلة بين محمد وبين الكتابين.
أما عن سلمان الفارسي فذكر درمنجم أنه أفاد من اليهودية والمسيحية والفارسية , وأنه كان ذا نفوذ حتي استطاع أن يتدخل في حرب بين المسلمين وقريش وهما أكبر المجتمعات العربية في هذا الوقت , ومعني ذلك أن هذا النفوذ يسوغ له أن يؤثر في أفكار محمد وقد انتهي درمنجم إلى القول .
بأن المسيحية كانت تحيط بالجزيرة لعربية من كل جوانبها فكانت في مصر والحبشة واليمن وكانت بين بعض القبائل العربية من لحم وغسان وتغلب وبني كلب وكانت القوافل العربية تمر بسكان هذه لتخوم وتعرف منها معلومات عن المسيحية وكانت مكة مركز تجارة رائجة وكان بها مسيحيون منهم جبير بن مطعم الرومي ورفيقة نيسار الرومي وكان محمد صلي الله عليه وسلم يكثر الجلوس لديهما وكان الشاعر الثقفي أمية بن أبي الصلت يذكر في أشعاره قصص الأنبياء السابقين وكان يرجو أن يكون النبي صلي الله عليه وسلم الذي جاء ذكره في الكتب المقدسة .
وبجانب هؤلاء المسيحيين كان هناك الحنفاء الذين درسوا المسيحية فأخذوا عنها بعضا وتركوا البعض الآخر كذلك كانت الزردشتية معروفة كما كانت هناك الوثنية التي عليها الجاهلون.
وقد اتصل محمد صلي الله عليه وسلم بهؤلاء وسمعت منهم أذنه المرهفة ووعي قلبه الذكي عن هذه الديانات كثيرا ثم كان اختلاؤه بنفسه وعمله في الصحراء مما زاده رفاهة حس ودقة تأمل وشغل محمد صلي الله عليه وسلم نفسه بالبحث عن دين يخلو من متناقضات هذه الأديان كلها فلجأ إلى غار حراء يفكر ويتأمل حتي هداه تفكيره إلى مبدأ التوحيد المطلق.
يقول الدكتور عبد الجليل شلبي :" إذا نحن جارينا درمنجم في هذه الفكرة نجد أن محمد صلي الله عليه وسلم كان رجلا مثقفا استطاع أن ينخل هذه الأديان , وأن يستخرج منها هذا الدين الذي جاء به . ولا تأتي الموازنة بين الأديان واختيار الجانب الأفضل فيها إلا لمن له دراسة عميقة والمام شامل بهذه الأديان وفلسفاتها – فأني لمحمد صلي الله عليه وسلم هذا كله ؟".
وليس هناك أي مصدر تاريخي يشير إلى أن الموالي الذين كانوا بمكة أو بضواحيها كانوا يقومون بأعمال تبشيرية قبل ظهور الإسلام .
كما أن قريشا لم تكن لتسمح لهم بمثل هذا العمل , ولقد رأيناها تشن حملات تعذيب عنيفة على الذين دخلوا في الإسلام من الموالي , ولم يسلم من آذاها كبار المسلمين السابقين هذا فضلا عن ان الطائف ظلت على وثنيتها حتي العام الهجري التاسع على الرغم من أشعار أمية بن أبي الصلت ومن الثابت أنهم حين رضوا بالدخول في الإسلام حينذاك طلبوا من النبي صلي الله عليه وسلم إلا يهدم صنمهم " اللات" وأنهم قتلوا سيدهم عروة بن سعود حين حاول هدم هذا الصنم. المعجز الذي تحدي الجن والإنس ومنهم أهل الفصاحة من العرب – أن ياتوا بسورة من مثله ؟؟ أن هذا اقرآن الكريم لا يمكن إلا أن يكون وحيا من لدن حكيم خبير .
4- تعمد درمنجم أن يلفت الأذهان إلى أن المسيحية اسمي من الإسلام في مواضع عدة من كتابه " حياة محمد " فهو يقول مثلا :ط ولا يخلو الأمر من مشابهة بين المسلمين الأولين والمسيحيين الأولين في الاستباق إلى الشهادة ولا شك في أن الشهيد المسيحي الأول القديس " اتياتوس" الذي كان يدعو لقاتليه يستحق منا الإعجاب أكثر من الشهيد المسلم الأول " خبيب" الذي كان يدعو على أعدائه "
كما انه على الرغم من أن درمنجم دافع عن مبدأ تعدد الزوجات في الإسلام وقال : أن التعدد الرسمي ليس أسوأ من التعدد غير الرسمي إلا أنه عاد فقال :ط كنا نودد لو أن محمدا لم يجز تعدد الزوجات أصلا ".. أى أن هذا المبدأ في الإسلام رغم مميزاته لا يرقي في سموه إلى موقف المسيحية في هذا الصدد ومن الواضح أن قول درمنجم المذكور يوحي بأن محمد صلي الله عليه وسلم هو الذي يشرع من عند نفسه . 5-
طعن درمنجم النبي صلى الله عليه وسلم الدين الإسلامي ببعض الأقوال في كتاب " حياة محمد من ذلك قوله :" ... لكنه ( أى محمد صلى الله عليه وسلم ) على كل حال بقي صادقا في دعوته ثابتا متينا , وأن كان قد أخطأ فإنه لم يكذب قط" يقول في موضع آخر :" ولم يسكره ( أى محمد صلي الله عليه وسلم ) الظفر بل عفا عندما قدر , ولم يكن المال ولا شئ من غنائم هذه الدنيا ذا قيمة في نظره وكان يفضل عليها كلها اهتداء رجل واحد إلى الإسلام . ولم يكن يؤلمه إلا شئ واحد كان يجده فى أعماق نفسه وهو عدم فهم الكثيرين للمقصود من رسالته وانضمام كثيرين إليه لا حبا بها بل التحاقا بالحزب الغالب ".
ومعني الكلام المذكور – رغم ما أحاطه درمنجم من تذويق – أن النبي صلي الله عليه وسلم يخطئ مع أن الأنبياء بحسب الشريعة الإسلامية معصومون كما أن كثيرين دخلوا الدين الإسلامي عن غير اقتناع به وإنما مجاراة لأصحاب السلطة وهو نفس الكلام الذي زعمه المستشرق اليهودي الماركسي بندلي جوزي وسبق ذكره .
يتضح لنا من الخطة التي سلكها درمنجم وعرضنا تصورا لها أن هذا المستشرق تظاهر بالموضوعية والإنصاف إلا أنه كان يضمر الكيد للإسلام فحاول الطعن فيه مستخدما أسلوبا شديد الالتواء , ومستغلا لما أوتيه من سعة الاطلاع وعمق الدراسة .
غولدسيهر 1850 – 1920م) - يهودي مجري درس اللغات السامية على يد كبار أساتذتها في بودابست وليبزج وبرلين وليدن وانتدبته الحكومة للقيام برحلة إلى سورية في سنة 1873م فصحب هناك الشيخ طاهر الجزائري مدة ثم تركها إلى فلسطين ومصر حيث درس العربية على شيوخ الأزهر وتزي بزيهم وقد اشتهر بكتاباته وتحقيقاته في تاريخ الإسلام وعلومه حتي عد من اعلام المستشرقين وانتخب عضوا في مجامع علمية كثيرة كما أسهم في عدد من مؤتمرات المستشرقين واحتوت مكتبته على عشرات الآلاف من المجلدات في العلوم والفقه والفلسفة والفنون واللغة والأدب وبصفة احد المستشرقين
بقوله : أنه أكبر العلماء اليهود على الإطلاق ومكتبته التي تضم 28 ألف مجلد هي الآن في إسرائيل .
وقد سرد العقيقي مؤلفاته وتحقيقاته ومقالاته في نحو صفحتين منها : كتابة " الإسلام " بالألمانية( بودابست 1881م) نقله أرن إلى الفرنسية بإشراف المؤلف بعنوان " العقيدة والشريعة في الإسلام "( باريس 1920م) ثم نقله إلى العربية الدكتور محمد يوسف موسي والأستاذ عبد العزيز عبد الحق وله أيضا كتاب " المذاهب الإسلامية في تفسير القرآن " و" الحديث في الإسلام " ( 1909م) و" إخوان الصفا 1910م) والمعتزلة والمترادفات العربية " ( 1918م) و" دراسة عن النبي " ( المجلة الأسيوية البريطانية 1912م). ولا جدال في أن المستشرق المذكور كان واسع الاطلاع كثير الإنتاج ذائع الشهرة وقد مكنه ذلك من الدس على الإسلام في كتاباته مع القدرة الفائقة على التمويه والخداع .. ومن هنا تكمن خطورته. وقد ذكر العقيقي أن غولد سيهر تضلع في اللغة العربي " واشتهر بتحقيقه في تاريخ الإسلام وعلوم المسلمين وفرقهم وحركاتهم الفكرية تحقيقا فريدا في بابه فعد من أعلام المستشرقين واعترف له عظماؤهم بطول الباع وصدق النظر والبعد عن الهوي " وقال عن كتاب غولد سيهر " العقيدة والشريعة في الإسلام :" وهو كتاب لم يضارع حتي الأن على ما فيه من هفوات في مقارنة التوحيد وسوف نري – على خلاف ما قال العقيقي أنه كتاب أفرغ مؤلفه بين دفتيه كل ما في أحشائه ن شغائن وأحقاد ضد الإسلام .
ومما يدل على خطورة غولدسهير أن بعض الكتاب المسلمين ممن لهم أقدارهم امتدحوا وأثنوا فيصفه الأمير شكيب أرسلان بأنه سيد المحققين وحجة المستشرقين وذلك في معرض تعليقه علي عبارة وردت بالصفحة الثالثة من كتاب " العقيدة الشريعة في الإسلام " ونصها :" أن دعوة النبي العربي كان فيها نخبة مبادئ دينية اعتقدها هو بالاختلاط مع اليهود والنصاري وغيرهم واقتنع بها ورآها جديرة بإحياء الشعور الديني بين قومه ولقد كانت هذه المبادئ المقتبسة من الأديان الأخرى في نظرة ضرورية لتثبيت سير الإنسان بحسب الإرادة الإلهية فتلقاها هو بصدق وأمانة وبمقتضي إلهام أيدته فيه المؤثرات الخارجية وجاءه وحيا إليها كان هو مقتنع بكونه وحيا إلهيا نازلا على لسانه ".
ويري أرسلان في غولد سهير أنه " من علماء المنصفين الذين ينشدوا الحق ويغوا التحري جهد طاقتهم وقد كانت خلاصة رأيه وزبدة ذكره قوله : أن محمد صلي الله عليه وسلم كان صادقا وكان أمينا وكان معتقدا بأن الله ابتعثه لهداية قومه وإرشاد البشرية إلى الدين القيم وكان مقتنعا بأن الله تعالي يوحي إليه .
وأما قول غولدسيهر إن الإسلام فيه نخبة مبادئ أصلها من اليهودية والمسيحية فليس فيه شئ يدعو إلى الإنكار وما جاء القرآن إلا مصدقا لما بين يديه من التوراة والإنجيل والإسلام إنما هو ملة إبراهيم حنيفا وقد جاء محمد صلي الله عليه وسلم بتأييد تلك الملة إلا بنقضها كما لا يخفي ".
على أن انطباع هذا الكتاب المسلم بالنسبة لكلام غولدسيهر ليس صحيحا بالمرة , وإنما الصحيح هو ان هذا المستشرق يقصد من قوله المذكور ان الإسلام ليس دنيا سماويا بل توليفة من اليهودية والمسيحية وغيرهما عملها محمد ( صلي الله عليه وسلم ) بنفسه واعتقد ( مخلصا) أنها ضرورية الإصلاح أحوال قومه , كما أعتقد ( مخلصا أيضا أنه يوحي إليه بذلك ومن الواضح أن غولد سيهر لا يقر بان الله هو الذي شرع الإسلام وأوحي به إلى نبيه وإنما يزعم ان النبي صلى الله عليه وسلم اقتبس تعاليمه بنفسه من الأديان الأخرى واعتقد أنه يوحي إليه بذلك ومن الجدير بالذكر أن غولد سيهر في كتابه المذكور أن النبي ( صلي الله عليه وسلم ) لم يكن يخطط لعالمية الإسلام واقتصرت جهوده على نشره بين قومه العرب فحسب ولم يصبح الإسلام عالميا إلا بعد نجاح الفتوح الإسلامية في عهد دولة الخلفاء.
كما أن هناك فرقا شاسعا بين أن يشتمل القرآن على بعض مبادئ الديانتين السماويتين السابقتين له وهما اليهودية والمسيحية وبين أن تكون مبادئه قاصرة عليهما ... فإذا لم يضف الإسلام جديدا ويصحح ما حرف من قبل ظهوره , فما جدواه إذن وما الحكمة من ظهوره ؟؟.
وبذلك يتضح لنا أن عبارة غولد سيهر المذكورة فيها مغالطات وتطعن الإسلام في الصميم ومع ذلك يعلق عليها كاتب مسلم بالثناء والمديح واصفا قائلها بأنه من العلماء المنصفين الذين نشدوا الحق وبغوا التحري جهد طاقتهم .
ومن الكتاب المسلمين الذين امتدحوا غولدسيهر أيضا الدكتور محمد يوسف موسي وزميله اللذين قاما بترجمة كتاب هذا المستشرق " العقيدة والشريعة في الإسلام ومما قالاه :" ومما لا ريب فيه أن الكتابين الأخيرين "الكتاب المذكور وكتاب " المذاهب الإسلامية في تفسير القرآ]] " اتضح ما كتب المؤلف عن الإسلام وأشهر ما ترك من تراث قيم كبير كما امتدحا كتاب " العقيدة الشرعية في الإسلام " بقولهما :" والكتاب دراسة تفصيلية للإسلام من جميع نواحيه ومن ناحية رسوله والشريعة ونموها والعقيدة وتطورها و والزهد والتصوف ونشأتهما والعوامل التي أثرت فيهما والفرق الإسلامية المختلفة ثم الحركات الأخيرة الإصلاحية في رأي أصحابها وقد استند المؤلف في كل قسم من أقسام الكتاب وكل بحث من بحوثه إلى طائفة كبيرة من المراجع الإسلامية الموثوقة بها ويسعفه عقله الألمعي وبصيرته النافذة على حسن الإفادة منها.
ومع هذا فقد انساق إلى أخطاء يسيرة بعوامل قد يكون منها: أنه لم يستطيع أن ينفذ تماما إلى روح الإسلام ومبادئه وأصوله وقد تكون منها كذلك ما هو طبيعي في كل ذي دين وثقافة خاصة من العصبية لدينه وثقافته.
ثم يقولان: ونرجو بعد هذا كله , أن نكون قد قمنا ببعض ما يجب علينا نحو الإسلام والدراسات الإسلامية وإمداد المكتبة العربية بخير ما كتب الغربيون من هذه الدراسات والله ولي التوفيق ".
وقد علق الأستاذ محمد الغزالي على التقديم المذكور بقوله " ويؤسفني أن أرفض المقدمة التي كتبها الأستاذ الدكتور محمد يوسف موسي لهذا الكتاب ومؤلفه .ز والحق أن الكتاب من شر ما ألف عن الإسلام , وأسوأ ما وجه إليه من طعنات وأن التعليقات القليلة التي جاءت في ذيل بعض الصفحات في الترجمة العربية - كانت سدودا أمام موجات طاغية من الإفك والعدوان.
أن هذا المستشرق من أعمدة المستشرقين ودهاتهم ولا شك أنه قرأ كثيرا من الأصول والمصنفات الإسلامية لكنه منذ قرأ وكتب لم يحمل بين جنبيه إلا فؤادا مترعا بتكذيب الإسلام فهو يدس أصبعه في كل شئ ليتخذ من أي شئ دليلا على أن محمد صلي الله عليه وسلم كاذب وقرآنه مفتعل وسنته مختلفة والإسلام كله منذ جاء – إلى أن بلغنا مجموعة مفتريات ".
ويمكن أن نلخص أهم هذه المفتريات فيما يلي :1- الدين الإسلامي : (أ) منقول عن اليهودية والنصرانية وغيرهما , يقول غولدسيهر " أن محمد ( صلي الله عليه وسلم ) انتخب تعاليم الإسلام من الديانات السائدة في عصره اليهودية والنصرانية والمجوسية والوثنية , بعد تهذيب وصقل ". (ب) مبادئه محدودة تافهة ن فكرة الإسلام عن الله أدني من فكرة الأديان السابقة كما أنه من العسير أن نستخلص من القرآن عقيديا موحدا متجانسا وخاليا من المتناقضات . (ت) ين التبعية والخضوع
2-القرآن الكريم : من صنع محمد صلي الله عليه وسلم يقول غولد سيهر :" بديهي أن التغيير الذي حدث في الطابع الشخصي لمحمد (صلي الله عليه وسلم) قد اثر في أسلوب القرآن وشكله الأدبي .. في العصر المكي جاءت المواعظ التي قدم فيها محمد ( صلي الله عليه وسلم ) الصور التي أوحتها حميته الملتهبة في شكل وهمي حاد , ولكن حمية النبوة وحدتها أخذت في عظات المدينة والوحي الذي جاء بها تهدأ رويدا رويدا حيث أخذت البلاغة في هذا الوحي تصبح ضعيفة شاحبة كما أخذ الوحي نفسه ينزل غلى مستوي اقل بحكم ما كان يعالجه من وموضوعات وسائل حتي صار أحيانا في مستوي النثر العادي .
3- الحديث الشريف: من صنع الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب يقول غولد سيهر : ولا نستطيع أن نعزو الأحاديث الموضوعة للأجيال المتأخرة وحدها . بل هناك أحاديث عليها طابع القدم , وهذه أما قالها الرسول أو من عمل رجال الإسلام القدامي ..ومع بعد الزمان والمكان عن المنبع الأصلي اختراع أصحاب المذاهب النظرية والعملية أحاديث لا تري عليها شائبة في ظاهرها ويرجع بها إلى الرسول وأصحابه ".
4- الفقه الإسلامي ؟ مأخوذ من القانون الروماني وغيره يقول غولد سيهر :" إن المسلمين لما فتحوا هذه البلاد حكومها بما فيها من تقاليد وقوانين بعد أن حوروا هذه التقاليد والقوانين وأضفوا عليها من عندهم صبغة دينية ثم جعلوها أحاديث شريفة ونسبوها إلى نبيهم كما يقول :ط وليس غريبا أن تكون هذه التعاليم الفقهية والتفصيلات المستعملة قد تأثرت كذلك بثقافات أجنبية كما أ، المعارف الفقهية الإسلامية تحمل على سبيل المثال – كما حقق ذلك البحث الحديث تحقيقا ثابتا – آثارا غير متكورة من الفقه الروماني سواء في