نــــدوة
تطبيقات علم الاستشراف Futurology
فى تطوير الإدارة العربية
القاهرة – جمهورية مصر العربية16-20 إبريل 2006
علم المستقبل: إشكاليات المفاهيم والمناهج
إعداد
أ.د. عواطف عبد الرحمن
مقدمـة:
ويرجع تاريخ الاهتمام بالمستقبل إلى البدايات الأولى للتطلع البشرى إلى المعرفة الشاملة بالكون واستكناه غوامضه وأسراره وفى مقدمتها الزمن, وذلك بهدف السيطرة على حركته والتحكم فى مساره. ويمكن تبين ذلك بوضوح فى التراث الأسطوري والديني للبشرية حيث توجد الجذور الأولى لعلم المستقبل فى صور وأشكال متباينة وحقيقة الأمر أن إقبال المفكرين والمؤرخين على دراسة التاريخ كان يحمل دوما الرغبة الخفية فى محاولة استشفاف المستقبل. ولم ينفرد العلماء أو الفلاسفة والمؤرخون بالعمل على الاقتراب من خفايا المستقبل بهدف الكشف عن إرهاصاتها وتكوين رؤية معينة لهذا المستقبل بل كان للشعراء والأنبياء دور خاص فى هذا المضمار, ويكفى للتدليل على ذلك أن نشير أي شعراء الملاحم كهوميروس وجلجامش, ومؤلفي اليوتوبيات كأفلاطون وتوماس مور, وأنبياء العهد القديم كأرميا وأشعيا وحزقيال.(1)
ويضاف إلى ذلك رؤى الأديان للمستقبل كحقيقة حتمية يتحرك إليها (المؤمن) دون أن يملك إمكانية تعديلها أو تحويل مسارها وليس للمؤمن سوى التسليم بها كما أنزلت. ورغم أن الفكر البشرى قد عمد منذ القديم إلى دراسة وتأمل البعدين المعروفين للزمن والمقصود بهما الماضي والحاضر, إلا أن الاهتمام باستطلاع المستقبل لم يغب مطلقا عن ذهن قدماء الفلاسفة والمؤرخين والأنبياء. فظواهر العرافة والكهانة والتنجيم التي تميزت بها الحضارات القديمة فى مصر وبابل واليونان والهند تدل على الاهتمام المبكر الذى أولته البشرية منذ أقدم العصور لمحاولة استطلاع المستقبل وفهم مساراته.
إلا أن المستقبل لم يسبق له أن اعتبر (علما) إلا فى العصور الحديثة, وفى بدايات القرن العشرين على وجه التحديد حيث برز إلى الوجود شكل جديد من الجهد الإنساني يختلف اختلافا نوعيا عما سبقه من محاولات فى مجال البحث عن المستقبل.
ومادام المستقبل ليس قدرا محتوما فإنه لا يمكن أن يكون فى صورة فريدة غير متوقعة بل إن أمام كل مجتمع فى لحظة معينة من تاريخه احتمالات متعددة للمستقبل, وعليه أن يحاول الكشف عنها وتبين مساراتها وتحديد معالمها. وإذا كان من الممكن أن تتعدد صور المستقبل أمام أي مجتمع فإن ذلك يرتهن بحدود الحرية التي يحققها هذا المجتمع نفسه فى محاولة رسم صورة مستقبله بنفسه. وحين يقرر المجتمع أهدافا مستقبلية فإن صورة المستقبل لن تكون بالضرورة مطابقة لتلك الأهداف: فالإرادة الجماعية على كل المستويات تحد من إطلاقها قيود كثيرة بعضها طبيعي مثل حجم الموارد الطبيعية المتاحة للمجتمع, وبعضها اجتماعي مثل البني الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والحضارية السائدة فى ذلك المجتمع, وبعض هذه القيود داخلي فى الأساس فى حين أن البعض الآخر وافد على المجتمع نتيجة علاقاته المتعددة بمجتمعات أخرى. كذلك هناك بعض القيود التي يتعذر تجاوزها فى المستقبل المنظور, والبعض الآخر يمكن من خلال الدراسة التوصل إلى إمكانية تجاوزه.
كذلك يتوقف الأمر على صانع القرار الذى اتخذه باسم المجتمع, والمصالح التي يمثلها ودرجة وعيه بها, ونتائج قراره المتشابكة وأثرها فى المدى البعيد على الداخل والخارج(2). كل هذه الاعتبارات توضح أن الوعي بقضية المستقبل لم يعد من أمور الغيب التي ينفرد بها الكهان مثلما كان يحدث قديما فى معبد دلفى باليونان, بل أصبح المستقبل يدرج فى عداد المباحث العلمية القابلة للتنسيق والتعليل اللذين تتصف بهما سائر العلوم لاسيما علم التاريخ الذى ينفرد بدراسة الماضي ويتميز بقواعده ومناهجه وأهدافه الواضحة المحددة, فلماذا لا يكون لدراسة المستقبل علم له قواعده ومناهجه وأهدافه..?
يجدر بنا أن نشير إلى مجموعة العوامل الموضوعية التي ساعدت على تحقيق هذه النقلة الكيفية فى مسيرة الدراسات المستقبلية أو ما يسمى بعلم المستقبل. ويتصدر هذه العوامل جميعها ذلك الرصيد المعرفي الهائل الذى أصبح متوافرا لدى الباحثين وعلى الأخص المعنيين بالدراسات المستقبلية, وذلك كنتاج طبيعي للثورة الكمية والكيفية التي حدثت فى نطاق المعرفة العلمية فى القرن العشرين. فلو نظرنا للأمر من الزاوية الكمية المحضة لتبين لنا أن كم المعرفة البشرية يتضاعف فى الوقت الراهن خلال فترة تتراوح من 3-5 سنوات, وهو ما كان يستغرق فى الماضي مئات السنين, ويتزايد هذا المعدل بصورة مستمرة إلى الحد الذى يتوقع أن يبلغ بضعة أشهر فحسب عند منتصف القرن الحادي والعشرين. وقد انعكس ذلك فى عدد المجلات العلمية الذى أخذ يتضاعف منذ نهاية القرن التاسع عشر, كما انعكس أيضا فى عدد العلماء الذين يبلغون اليوم ثلاثة أرباع مجموع العلماء الذين عرفتهم البشرية منذ بدء تاريخها(3).
ثاني هذه العوامل يتعلق بالتغييرات الكيفية الملحوظة التي طرأت على أساليب معالجة المعلومات التي تجسدت فى التطور الهائل الذى شهدته صناعة أو تكنولوجيا المعلومات متمثلا فى ذلك التلاقي بين تكنولوجيات الحاسبات الإلكترونية من ناحية, والاتصالات من ناحية أخرى, مما ترتب عليه ازدياد الدور الذى يقوم به الكمبيوتر فى مجال البحوث والإدارة وتخزين المعلومات مما لم يكن متوافرا من قبل. وهو يتميز ليس بقدرته على إنجاز العمليات الحسابية المعقدة التي يعجز عنها الإنسان فحسب, وإنما يتميز فوق ذلك بقدرته على تخزين هذه المعلومات واستعادتها فى وقت قصير واستخلاص النتائج المنطقية المعقدة الناتجة عن تفاعل العوامل والمتغيرات المختلفة سواء كانت اجتماعية أو اقتصادية أو بيئية أو تكنولوجية, مما يفوق بكثير قدرة الإنسان على أدائها وإنجازها بنفس الكفاءة والسرعة.
أما العامل الثالث: فهو يتعلق ببروز علم رياضي جديد هو علم تحليل النظم, وهو فرع من فروع الرياضيات ظهرت بداياته الأولى خلال الحرب العالمية الثانية, وإن كان قد أحرز تقدما ملموسا خصوصا بعد استخدام الكمبيوتر الذى أسهم فى تطور هذا العلم, وشجع على استخدامه فى مجال العلوم الاجتماعية وخصوصا فرع الاقتصاد والسياسة والإدارة. وقد أسهم ذلك فى دفع الدراسات المستقبلية خطوات كبيرة إلى الأمام خصوصا على المستوى النظري والمنهجي. ففي حين اعتمد الباحثون فى الماضي على نظريات كنظرية التطور والدورات التاريخية فى معالجتهم لقضايا المستقبل, مما أسفر عن الخروج بتعميمات شبه فضفاضة يعوزها الرصد العلمي الدقيق للجزئيات, فإن هذا التطور النوعي الذى طرأ على البنيان النظري والمنهجي للمعرفة العلمية متمثلا فى ظهور علم تحليل النظم, قد أتاح للعلماء والدارسين فى مجال المستقبليات إمكانية الاستفادة الكاملة بكل ما يتيحه هذا العلم من الاستعانة بأحدث أساليب التحليل الإحصائي للجزئيات فى إطار تكاملي مترابط.(4)
إشكالية المفاهيم والمصطلحات:
تباين المفاهيم والمسميات التي ترتبط بالدراسات المستقبلية, ويرجع ذلك فى الأساس إلى طبيعة علم المستقبل الذى ينتمي إلى دائرة العلوم الاجتماعية حيث يندر الاتفاق على المفاهيم والمصطلحات. فمن الملاحظ أن أوسيب فلتحهايم يميل إلى اعتبار علم المستقبل فرعا من علم الاجتماع, وشبيها بعلم الاجتماع التاريخي, وذلك رغم الاختلاف الأساسي بينهما الذى يتمثل فى تركيز علم الاجتماع التاريخي على أحداث الماضي, فى حين أن علم المستقبل يستشرف أحداث الزمن الآتي مستهدفا تحديد مدى احتمال وقوعها.(5)
وبهذا يتحدد موقع علم المستقبل خارج دائرة العلوم البحتة كالرياضيات التي ينتظر منها أن توصلنا إلى نتائج يقينية. فهو فى الواقع علم يتناول الأحداث التي لم تقع بعد, ويشير إلى الفترات الزمنية التي لم تحل بعد, وعندما تحل سوف تصبح حاضرا, ولذلك يختلف علم المستقبل اختلافا جذريا عن علم التاريخ الذى يترك لنا شواهد عليه, أما المستقبل فهو لا يوجد إلا فى الذهن والخيال والخطط التي ترسمها له, وإن كان هناك إرهاصات له فهي غير مؤكدة.
ومع تعقد مجمل النسق السياسي الاجتماعي الاقتصادي وزيادة عدم اليقين المستقبلي, تبرز مجموعة من الاختلافات تتعلق بالمصطلحات والمفاهيم التي يدور حولها علم المستقبل مثل التخطيط طويل المدى - النبؤات- الإسقاط - الاستشراف. فالمقصود بالتخطيط هو التدخل الواعي لاعادة صياغة الهياكل الاقتصادية والاجتماعية من خلال مجموعة من السياسات المتكاملة والمتاحة لسلطة مركزية تملك إمكانيات التطبيق الفعلي من متابعة وإدارة وتنفيذ. ولذلك فإن التخطيط طويل المدى لا يوجد إلا فى النظم أو الدول الاشتراكية التي تمارس قدرا من الإشراف المركزي على الحياة الاقتصادية, ويسمح لها برسم السياسات والبرامج ذات التخطيط الطويل أو المتوسط المدى.(6)
أما النبوءات فهي تستند إلى الفكرة القائلة بأن المستقبل أمر محدد مسبقا والمطلوب هو الكشف عنه فقط, وهنا نلحظ أن النبوءات أقرب إلى مجال الممارسات الفردية منها إلى مجال التجمعات البشرية الكبرى مثل الدولة أو مجموعة الدول ويفضل البعض استخدام مفهوم التنبؤ للإشارة إلى المحاولات الأكثر واقعية والتي تهتم برسم صورة تفصيلية للمستقبل مع عدم إغفال التشابكات المختلفة وردود الأفعال داخل النسق الكلى الذى يخضع للدراسة المستقبلية.(7)
وبالنسبة لمفهوم الإسقاط Projection فهو يستخدم للإشارة إلى الدراسات التي تركز على المدى الزمني القصير لاستخلاص الاتجاهات العامة والعلاقات الكمية المستقاة من متابعة ماضي الظاهرة المدروسة.
أما استشراف المستقبل فهو يعنى أنه اجتهاد علمي منظم يرمى إلى صوغ مجموعة من (التنبؤات المشروطة) التي تشمل المعالم الرئيسية لمجتمع ما أو مجموعة من المجتمعات وعبر فترة زمنية لا تزيد عن عشرين عاما. واستشراف أبعاد المستقبل أمر لا علاقة له بالرجم أو التكهن فهو يعتمد على أساليب الاستشراف العلمي التي تقوم على فهم للماضي والحاضر والعوامل المختلفة التي أدت إليها. ولذلك فإن الاستشراف العلمي لأبعاد المستقبل يتوقف على كم ونوع المعرفة العلمية المتوافرة عن الواقع.
وفى ضوء المعلومات المتاحة يمكن استكشاف نوعية وحجم التغيرات الأساسية المحتمل أو الواجب حدوثها فى مجتمع ما كي يتشكل مستقبله بصورة معينة( ومن المصطلحات الشائعة اصطلاح Futurology
الذى انتشر فى الدول الغربية وفى معظم الكتابات المستقبلية فى العالم الثالث. وقد ارتبط تاريخيا بالتبشير بمستقبل التكنولوجيا وتأثيرها الحاسم فى تحديد صورة المستقبل بالنسبة للعالم ككل. وهو يعنى التبشير الجزئي ببعض الجوانب المستقبل. أما اصطلاح Prognosis
, فقد ذاع استخدامه فى الدول الاشتراكية التي تعتمد على التخطيط المركزي المقصود به توفير خلفية عريضة للمعلومات المستقبلية اللازمة للتخطيط الطويل المدى(9). إشكالية المنهج فى الدراسات المستقبلية
من الملاحظ أن الاهتمام الواسع الذى حظيت به الدارسات المستقبلية فى السنوات الأخيرة لم يواكبه اهتمام مماثل على المستوى المنهجي والنظري, إذ لم يحصل هذا الجانب إلا على قدر ضئيل من اهتمام الباحثين والعلماء قياسا إلى الجهد والاهتمام الذى حظيت به الدراسات المستقبلية ذاتها. وقد يرجع ذلك إلى أن الدراسات المستقبلية لم تزل بعد مسعى علميا حديث العهد, فلم تستكمل بعد أطرها النظرية والمنهجية, كذلك لم تزل منهجيتها وأدواتها البحثية موضع جدل وخلاف بين شتى المدارس والتيارات العلمية وخصوصا فى إطار العلوم الاجتماعية. غير أن غياب أو ندرة هذا النوع من الدراسات لمناهج استشراف المستقبل لا يعنى استحالة رصد أبرز السمات التي تميزت بها المعالجات المنهجية للقضايا المستقبلية سواء تلك التي اتسمت بالطابع الجزئي أو التي اتخذت سمة النماذج الكلية, والواقع أن اختلاف المعالجات المنهجية للبحوث المستقبلية قد حكمته مجموعة من المحددات والعوامل نوجزها على النحو التالي:
1- مجال الدراسة المستقبلية.
2- التراكم المعرفي فى مجال التخصص أو الفروع الذى أخضع للدراسة.
3- البعد الزمني للدراسة.
4- الإطار النظري للدراسة.
5- الانتماء القومي والأيديولوجي للباحث.
أولا : مجال الدراسة المستقبلية.
تبرز الشروط التي تتوافر فى الدراسات المستقبلية على النحو التالي:
- مضمون محدد.
- منهج واضح المعالم.
- قوانين وأحكام كلية قادرة على تفسير جزئيات الظاهرة المدروسة.
وفيما يتعلق بالمضمون أو ما يمكن أن نطلق عليه مجالات الدراسة, فمن الملاحظ أن الدراسات المستقبلية تركز على دراسة الواقع الراهن وكيفية نشوئه وتطوره التاريخي, وتركز بصفة خاصة على دراسة البني والأنساق الفرعية والعلاقات والعمليات التي يتم خلالها التغير والتطور فى إطار النسق الكلى للمجتمع. وإذا كان تاريخ الدراسات المستقبلية يدلنا على أن الظواهر الطبيعية كانت تمثل المجال الشائع والميسور لهذه الدراسات بحكم ما تتسم به هذه الظواهر من ثبات نسبى فى اطراد علاقاتها الداخلية, ووضوح القوانين العامة التي تتحكم فى حركتها وصيرورتها. غير أن الظواهر الإنسانية والاجتماعية قد شغلت ولم تزل تشغل الجانب الأهم فى الدراسات المستقبلية. وهنا تبرز قضايا السكان والموارد البشرية والموارد الاقتصادية وقضايا الإنتاج والتنمية وتطوير المجتمع والتقدم التكنولوجي كاهتمامات أساسية على خريطة الدراسات المستقبلية.
وفى داخل هذا الإطار ينصب الاهتمام بصورة أكثر بروزا على الجوانب الاقتصادية ثم التكنولوجية بينما لا تحظى الجوانب الثقافية والاجتماعية مثل الصحة والتعليم والقانون والإعلام والفن والقيم إلا باهتمام ثانوي. ونظرا لما تتسم به الظواهر الاجتماعية من تعقد وتشابك مما يستلزم لدراستها استخدام مناهج وأدوات بحثية تتميز بالتداخل والترتيب فضلا عن ضرورة توافر قاعدة عريضة من المعلومات المتطورة. لذلك يمكن القول بأن مجالات الدراسة فى كل من علم النفس والاجتماع والسياسة والإعلام وسائر الميادين الثقافية والأيديولوجية لم تنل بعد ما تستحقه من جهود الباحثين المستقبليين, وإن كانت النظرة الكلية التي يتبناها الكثير من هؤلاء الباحثين قد ألزمتهم بضرورة التناول الشامل للقضايا الجزئية التي يتم إخضاعها للدراسة المستقبلية. هذا وترتبط القدرة على صور بدائل المستقبل بمدى فهم هؤلاء البحثين للنسق الاجتماعي - الاقتصادي الحضاري بمكوناته الرئيسية من بنى وأنساق فرعية وعلاقات, ومعرفة الكيفية التي تتفاعل بها الأحداث فى إطار النسق الكلى(10), هذا, وقد لوحظ أن معظم الدراسات المستقبلية تنحصر فى محاولة فهم واستكشاف الظروف المحيطة بالإنسان بهدف السيطرة عليها وتوجيهها لصالحه, ولا تعنى كثيرا بدراسة طبائعه وسلوكياته أو أفكاره وقيمه.
ثانيا: التراكم المعرفي فى مجال التخصص:
إذا كان الحاضر قد انبثق من الماضي فإن المستقبل يتحدد بصورة أو بأخرى بالواقع الراهن وينبعث منه. كذلك تتحدد الاختيارات المتاحة للإنسان طبقا للظروف الموضوعية التي تحيط به, والتي يتكون منها المجتمع ورصيد المعرفة العلمية المتوافرة عن القوانين التي تتحكم فى الظواهر الإنسانية والاجتماعية تاريخيا وآنيا, والكيفية التي تعمل بها وإمكان توظيفها لخدمة الإنسان. ولا شك أن كافة هذه العوامل عرضة للتغير والتطور سواء تم ذلك بصورة تدريجية أو اتخذ شكلا جذريا أو ثوريا. ومن هنا فإن الدراسات المستقبلية التي تتم على أساس مستوى المعارف المتاحة لابد أن تكون هى نفسها عرضة دائمة للتغير فى ضوء ما يتراكم لدينا من معرفة بالواقع.
وعلى ذلك فإن هذه الدراسات لابد من أن تصبح عملية مستمرة تستفيد من هذا التراكم المعرفي كي تطرح رؤى مستقبلية جديدة فى ضوء ما يستجد من أحداث واتجاهات. وبقدر أهمية توافر هذا الشرط بالنسبة للدراسات المستقبلية ونعنى به شرط التراكم المعرفي فى مجال الظاهرة أو الظواهر التي يتم إخضاعها للدراسة, فإن هذا التراكم يجب أن يشمل الاتجاهين الرأسي والأفقي, والمقصود به اتجاه التعمق فى بحث الظواهر نفسها واتجاه التوسع والامتداد إلى بحث ظواهر جديدة. ويتفاوت التراكم المعرفي من ظواهر إلى أخرى. ذلك أن العلم قد بدأ بنطاق محدود من الظواهر هى وحدها التي كان يعتقد أنها خاضعة لقواعد البحث العلمي على حين أن ميادين كثيرة كانت تعد أعقد أو أقدس من أن يتناولها العلم مثال علم الاجتماع وعلم النفس وعلوم الإعلام(11).
وقد ترتب على ذلك وجود قدر ملحوظ من التباين فى التراكم المعرفي المتوافر لدى كل فرع من هذه الفروع قياسا إلى سائر فروع المعرفة العلمية مثل الاقتصاد والعلوم العسكرية والتكنولوجيا.. الخ. ولا شك أن لهذا التباين فى نوع وكم التراكم المعرفي فى المجالات السالفة الذكر آثاره الحاسمة فى تحديد اتجاه الدراسات المستقبلية وحدودها وآفاقها علاوة على مناهجها وأساليبها البحثية.
ثالثا: البعد الزمني للدراسة المستقبلية:
لعل أبرز ما يميز الدراسات المستقبلية وعى المشتغلين بها وعيا تاما بأهمية البعد الزمني للظواهر التي يتصدون لدراستها, فهم يدركون أنها لم تتشكل دفعة واحدة بل مرت بمراحل عديدة من النشأة فالتطور ثم النضج والاكتمال, وأنها بهما كانت الصورة الآنية التي تبدو بها هذه الظواهر فلابد أنها تنتمي إلى جذور ماضية. وإذا كان تحديد العمر الزمني للظاهرة المدروسة يعد من الشروط الجوهرية لأي دراسة علمية تتناول تاريخ الظاهرة أو أوضاعها الحالية, فإن هذا الشرط بالنسبة للدراسات المستقبلية يعد شرطا مشددا حيث ينظر إلى عنصر الزمن كبعد قائم بذاته. فالدراسات المستقبلية سواء كانت استكشافية أو معيارية أو مختلطة تحرص على تحديد مدى زمني لتنبؤاتها.(12)
ومن أبرز السمات المنهجية التي تتميز بها الدراسات المستقبلية تعدد الآماد الزمنية موضع الرصد واختلاف المعالجات الخاصة بما يسمى المستقبل القريب عن تلك المعالجات الخاصة بما يفيد مستقبلا متوسطا أو بعيدا. ويختلف المدى الزمني لمراحل المستقبل طبقا لاختلاف الظواهر وتباينها سواء كانت ظواهر طبيعية أو إنسانية أو اجتماعية. فما قد يعتبر مستقبلا منظورا بالنسبة لحالة المناخ أو الصحة لا يعتبر كذلك بالنسبة للتعليم أو القيم أو الفن. ويؤثر المدى الزمني للتنبؤ بمستقبل الظاهرة المدروسة على الإطار المنهجي والإجرائي للدراسة المستقبلية.
وتتفاوت تصنيفات المدى الزمني للدراسات المستقبلية من مدرسة إلى أخرى, وإن كان هناك شبه اتفاق بين أغلب الباحثين فى هذا الميدان على عدم الاكتراث بما سوف يجرى فى المستقبل غير المنظور أي الذى يمتد أبعد من خمسين عاما أو أكثر.
ويعد (تصنيف مينسوتا) الذى قام بوضعه مجموعة العلماء المنتمين لجمعية المستقبليات الدولية بولاية مينسوتا الأمريكية من أشهر التصنيفات التي تهتدي بها مختلف المدارس فى الدراسات المستقبلية سواء هؤلاء الذين ينحون منحى استطلاعيا أو أولئك الذين يلتزمون بالنمط الاستهدافي أو المعياري أو الذين يمزجون بين النمطين.(13)
وتتحد ملامح تصنيف مينسوتا فى ضوء تقسيم المستقبل إلى خمس فترات يمكن تفصيلها على النحو التالي:(14)
1- المستقبل المباشر ويمتد من عام إلى عامين منذ اللحظة الراهنة.
2- المستقبل القريب ويمتد من عام إلى خمسة أعوام.
3- المستقبل المتوسط ويمتد من خمسة أعوام إلى عشرين عام.
4- المستقبل البعيد ويمتد من عشرين عاما من الآن إلى خمسين عام.
5- المستقبل غير المنظور ويمتد من الآن إلى ما بعد خمسين عاما أو أكثر.
رابعا : الإطار النظري للدراسة:
يحتم العرف البحثي ضرورة التزام الباحث بتوضيح الإطار المنهجي والإجرائي سواء من ناحية المناهج المستخدمة أو أساليب جمع البيانات وتحليلها وسائر الخطوات التي اتبعها الباحث من أجل التوصل إلى تحديد الصورة المستقبلية للظاهرة المدروسة. وهذا يستلزم فى نظر الكثير من علماء المناهج أن يبدأ الباحث بتحديد الإطار النظري للدراسة المستقبلية موضحا شتى المتغيرات التي سيقوم بالتركيز عليها, فقد يكون التركيز على الأبعاد الديناميكية للظاهرة التي يفيد فيها التحليل الكيفي يتطلب ذلك تبنى المداخل النقدية الجدلية, وقد يكون التركيز على الأبعاد الكمية القابلة للعزل والتجزئة إذا كانت الدراسة تتم فى ضوء البنائية الوظيفية التي تهتم بالثبات والتوازن.(15)
كذلك على الباحث أن يضع فى اعتباره المتغيرات العشوائية أو ما يسمى العوامل غير المنظورة آنيا, هذا بجانب اهتمامه بالمتغيرات المحددة. وكلما اتضحت ملامح الإطار النظري للدراسة المستقبلية ساعد ذلك على استيعاب قدرا أكبر من المتغيرات ذات الطبيعة الاحتمالية أو غير المنظورة آنيا, كذلك لابد أن يتضمن الإطار النظري للدراسة المستقبلية تمييزا واضحا بين المتغيرات العضوية التي تتشكل منها بنية الظاهرة ذاتها, والتي تتعرض لشتى أشكال التفاعل بحكم خضوعها لقانون الصيرورة والتغير, وبين المتغيرات الأخرى المصنوعة بفعل إرادة خارجية أي خارج الظاهرة, أي بفعل خطط مرسومة أو سياسات منهجية.(16)
خامسا: الانتماء القومي والأيديولوجي للباحث:
بقدر تعدد وتنوع الفروع العلمية التي تعتبر أرضا مشتركة للدراسات المستقبلية, فإن هناك تنوعا مماثلا فى اتجاهات الباحثين المستقبليين وانتماءاتهم القومية والأيديولوجية, مما يلقى بظلاله وانعكاساته على الدراسات المستقبلية بصورة مباشرة.
ولا شك أن الانتماء الأيديولوجي للباحث فى إطار التخصص الواحد أو انتماؤه إلى دولة متقدمة صناعيا أو دولة نامية يلعب دورا لا يمكن إغفاله فى تحديد مدخله فى الدراسة المستقبلية التي يقوم بإجرائها - وسوف نلاحظ أن الاختلافات الأيديولوجية والانتماءات القومية لكل من الباحثين الفرنسيين والأمريكيين والسوفيت قد أسهمت فى تشكيل الملامح العامة والفروق الجذرية بين كل من المدرسة الفرنسية والأمريكية والسوفيتية فى مجال الدراسات المستقبلية. وقد برز هذا الاختلاف فى كافة الجوانب بدءا بالأولويات ومجالات الدراسة والمناهج والأساليب البحثية وأنماط البحوث المستقبلية التي تميزت بها كل مدرسة على حدة. فإذا كانت المدرسة الفرنسية قد اهتمت بالتركيز على القضايا الفكرية والأيديولوجية وسائر المسائل ذات الطابع النظري, فإن المدرسة الأمريكية قد ركزت على المسائل العسكرية وقضايا التكنولوجية والاقتصاد, بينما اهتمت المدرسة السوفيتية بأمور التخطيط على المدى الطويل والمتوسط فى مختلف القضايا المجتمعية (الاقتصاد - التعليم - الصحة - الدفاع - الثقافة... الخ), ومن ثم فقد تبنت النمط المعياري أو الاستهدافي فى الدراسات المستقبلية.
ويلاحظ أنه رغم ما يردده جمهرة العلماء والباحثين فى شتى فروع المعرفة العلمية من أن العلم لا وطن له, إلا أن الانتماء القومي والتوجه الأيديولوجي لهؤلاء الباحثين يفرض نفسه منذ اللحظة الأولى على كافة الدراسات والبحوث التي تجرى فى شتى المجالات المعرفية وخصوصا ميادين العلوم الاجتماعية والإنسانية, ويبرز هذا الطابع (القومي والأيديولوجي) على وجه الخصوص فى مجال الدراسات المستقبلية حيث يؤثر على مجمل الخطوات المنهجية والإجرائية للدراسة فضلا عن تأثيره فى تحديد الأولويات البحثية طبقا للأهداف المنشودة أو المتوقعة من الدراسة المستقبلية ذاتها.(17)
أنماط الدراسات المستقبلية:
تسهم العوامل السابقة (مجال الدراسة المستقبلية والتراكم المعرفي فى مجال التخصص والإطار النظري للدراسة والفترة الزمنية التي يشملها التنبؤ والانتماء القومي الأيديولوجي الباحث) فى تحديد نمط الدراسة المستقبلية التي يقوم الباحث بإجرائها. ويمكننا أن نميز بين أربعة أنماط رئيسية فى الدراسات المستقبلية نوجزها على النحو التالي:
النمط الأول: هو النمط الحدسي Intuitive
ويستند هذا النمط إلى الخبرة الذاتية فى الأساس. ويرى البعض أن هذا النمط من الدراسات المستقبلية ينتمي إلى العمل الفنى أكثر منه إلى العمل العلمي, حيث يفتقر إلى القاعدة الموضوعية من البيانات والملاحظات التي يمكن بالاعتماد عليها تقويم التنبؤات التي يتوصل إليها الباحث تقويما علميا. ولذلك توصف هذه الدراسات بالذاتية, فهي عادة تنبثق عن رؤية حدسية تعكس ذاتية الفرد وخبراته الخاصة. ويقوم هذا النمط على محاولة التعرف إلى التفاعلات والتشابكات التي تؤدى إلى صورة معينة يتوقعها سلفا الباحث دون أن يدعى إثباتها. وهنا تبرز أهمية العوامل الذاتية, فالحدس ليس إلهاما ولكنه تقدير يراه بعض الناس الذين يشغلون بهموم مجتمعهم, ويسلمون علميا ببعض الأفكار والنظريات التي يمكن أن تلخص أو تعبر عن مصالح محددة(18).
النمط الثاني: هو النمط الاستطلاعي Exploratory
ويهدف هذا النمط إلى استكشاف صورة المستقبل المحتمل أو الممكن تحقيقه عن طريق نموذج صريح للعلاقات والتشابكات. ويبدو هذا النمط أكثر موضوعية من النمط السابق, وإن كان العنصر الذاتي لا يختفي منه تماما. إذ أن النمط الاستطلاعي يستخدم لاستكشاف الآثار المستقبلية المحتملة والقائمة على افتراضات معينة, مما يعنى أن هذا النمط لا يصلح لاختبار كافة الافتراضات الخاصة بدراسة مستقبل ظاهرة ما, بل تقتصر صلاحيته العلمية على استكشاف المسار المستقبلي للظاهرة المدروسة فى ضوء الافتراضات التي وضعها الباحث والتي لا تخلو من التأثر بمواقفه الذاتية واختباراته الأيديولوجية علاوة على انتمائه القومي. فنحن هنا إزاء عملية اختبار وتفضيل لا تخلو من الاعتبارات القيمية المسبقة.
وإذا كان النمط الحدسي يعتمد على حصيلة الخبرات الشخصية والذاتية للباحث, فإن النمط الاستطلاعي من الدراسات المستقبلية يعتمد على قاعدة موضوعية من البيانات والمعلومات ذات الطابع الكيفي والكمي مما يستلزم الاستعانة بأساليب بحثية متقدمة تتمثل فى أساليب التحليل الرياضية والإحصائية وأسلوب تحليل النظم وبحوث العمليات. وقد شاع أخيرا استخدام الأسلوب المورفولوجى(19) رغم حداثة اكتشافه فى مجال البحوث المستقبلية. ويحتل هذا الأسلوب أهمية خاصة فى إطار النمط الاستطلاعي للدراسات المستقبلية. ويركز هذا الأسلوب على ضرورة التعرف على كافة التأثيرات التي تحيط بالظاهرة المدروسة من خلال كشف تسلسلها سعيا لاستطلاع آفاقها المستقبلية المحتملة. ويتم استخدام هذا الأسلوب من خلال مجموعة خطوات تبدأ بتحديد المشكلة مع التركيز على أبرز معالمها أو ملامحها ثم محاولة النفاذ إلى التفاصيل الخاصة بكل معلم أو ملمح من ملامحها وتحديد الأفق المستقبلي المحتمل له ثم تقويم هذه الاحتمالات.
النمط الثالث: هو النمط الاستهدافي أو المعياري NOROMOTIVE
يبدو العنصر الذاتي سافرا فى هذا النمط على عكس النمط السابق (الاستطلاعي) بل يمكن اعتبار هذا النمط تطويرا للنمط الحدسي المستند من الخبرة والتخيل والبصيرة. وينطلق النمط المعياري من العباءة الذاتية للباحث ولكنه يتجاوزها مستفيدا بشتى الإضافات المنهجية التي استحدثتها العلوم التطبيقية والرياضية مع عدم إغفال أهمية الخبرات والاستبصارات. ويبدأ هذا النمط بتحديد أهداف معينة سلفا ثم يصوغ النموذج على نحو يسمح بتحديد الخطوات أو السياسات الكفيلة بتحقيق أهداف الدراسة المستقبلية(20), ويتميز هذا النمط بالتدخل الواعي من أجل تغيير المسارات المستقبلية للظواهر المدروسة فى ضوء أهداف محددة سلفا.
وقد استلزمت الطبيعة النوعية الخاصة لهذا النمط استحداث أساليب بحثية جديدة تمثلت فيما يسمى بالاستثارة الذهنية الجامعية وأسلوب دلفى ويعتمد كل من هذين الأسلوبين على رصد تصورات مجموعات من الخبرات والمتخصصين عن المستقبل المتوقع فى مجالات تخصصهم, وهنا يبرز الإسهام الذى قدمه العالم الرياضي الأمريكي أولاف هلمر عام 1959 حيث نشر دراسة هامة عن (الإطار المعرفي للعلوم غير الأساسية), أوضح فيها إمكانية الاستعانة بشهادة الخبراء فى المجالات العلمية التي لا يتوافر لديها رصيد معرفي يسمح باستخلاص القوانين العلمية, وقد اعتمد فى استقاء شهادة هؤلاء الخبراء على أسلوب دلفى الذى يقضى بالحصول على رأى كل خبير على انفراد, وبدون علم زملائه. وقد أجريت عدة تعديلات على هذا الأسلوب بهدف الاستفادة من الاستخدامات الحديثة للكمبيوتر.(21)
وخلافا للنمط الاستطلاعي نبدأ الخطوات المنهجية فى البحوث المعيارية من رسم صورة المستقبل المستهدف تحقيقه ثم ننتقل إلى الحاضر. ومن هنا جاء الاختلاف فى الأساليب البحثية المتعبة فى كل نمط. غير أن ذلك لا يمنع من اشتراكهما فى بعض الأساليب.
ومن أبرز الأساليب المستخدمة فى النمط المعياري الأسلوب المعروف باسم شجرة العائلة(22) Family Tree Method, ويقوم على أساس تحديد الهدف المرغوب فى تحقيقه مستقبليا بالنسبة للظاهرة المدروسة, وهذا يمثل قمة الشجرة, ثم ننتقل من هذا الهدف إلى الحاضر الذى يتمثل فى سائر فروع الشجرة, ونبحث فى البدائل المختلفة لكل فرع من هذه الفروع حتى نتوصل إلى رسم صورة كاملة للبدائل المستقبلية المرغوب فى تحقيقها. والواقع أن هذا الأسلوب رغم ما يتسم به من وضوح إلا أنه يستلزم بذل جهد مكثف يتميز بالدقة والشمول, حتى يمكن استيعاب كافة الاحتمالات التي يطرحها الواقع الراهن للظاهرة وترتيبها وفقا لأهميتها, ثم تحديد السياسات اللازمة لتحقيق كل هدف من الأهداف الفرعية, ثم ربط مجمل هذه السياسات فى صورة متكاملة تتضمن كافة العناصر والمؤشرات.
النمط الرابع: نموذج الأنساق الكلية Feedback Models
ويركز هذا النمط على مجمل المتغيرات والتشابكات فى إطار موحد يجمع بين النمطين السابقين فى شكل تغذية مرتدة تعتمد على التفاعل المتبادل بينهما, حيث لا تهمل ماضي الظاهرة المدروسة ولا تتجاهل الأسباب الموضوعية التي وسوف تفرض نفسها لتغيير المسارات المستقبلية لها. كما يستفيد هذا النمط من مزايا النمطين السابقين, أي يجمع بين البحوث الاستطلاعية التي تستند إلى البيانات والحقائق الموضوعية, وبين البحوث المعيارية التي تولى أهمية خاصة للقدرات الابداعية والتخيل والاستبصار. ويمثل هذا النمط خطوة متقدمة فى المسار المنهجي للبحوث المستقبلية المعاصرة.(23)
وفى مجال المقارنة بين الأنماط المختلفة للدراسات المستقبلية لا يمكن ترجيح كفة أحدها على الآخر, بل يمكن القول إن جهود العلماء المستقبليين قد انصبت فى الأساس على محاولة الجمع بين مزايا الأنماط الثلاثة الأولى والاستفادة بها فى بناء النمط الرابع المعروف بنموذج الأنساق الكلية. وإن كان هناك تحذير يطلقه هؤلاء العلماء هو عدم إحلال النموذج الرياضي محل التحليل النظري الذى يركز على الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والحضارية, ومراعاة ألا يكون النموذج ستارا يخفى اختيارات محددة لا يفصح عنها صراحة.(24)
ويمكن القول بأن بناء النماذج فى مجال بحث التشابكات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لم يزل مسمى علميا حديث النشأة, ويحتاج إلى المزيد من الجهد البحثي والتأمل.
المــراجـع
(1) انظر: ماجد فخري: تطور فكرة المستقبل فى العصور القديمة والحديثة - مجلة الفكر العربي- العدد العاشر - أبريل 1979- بيروت ص10-12-21.
(2) انظر: إبراهيم سعد الدين وآخرون: صور المستقبل العربي - مركز دراسات الوحدة العربية وجامعة الأمم المتحدة - بيروت - 1982, ص12, 13.
(3) انظر: فؤاد زكريا: التفكير العلمي - سلسلة عالم المعرفة رقم 3 الكويت - مارس 1973 - ص193 - 200.
(4) انظر: عبد العظيم أنيس: مستقبل البشرية والنماذج العالمية - مجلة الهلال عدد يناير 1985- القاهرة - ص32-35.
(5) محمود زايد: علم المستقبل فى وقتنا الحاضر -مجلة الفكر العربي -العدد العاشر- أبريل 1979 - بيروت. ص26-28.
(6) انظر: إبراهيم سعد الدين وآخرون: صورة المستقبل العربي- مصدر سابق - ص22.
(7) انظر: المصدر السابق - ص23.
( انظر: نادر الفرجاني: حول استشراف المستقبل العربي- رؤية نقدية للجهود المحلية والخارجية. المستقبل العربي- بيروت - مايو 1980 - ص68. (9) انظر: صور المستقبل العربي- مصدر سابق. ص24.
(10) انظر: إبراهيم سعد الدين وآخرون: صور المستقبل العربي - مصدر سابق ص178, ناهد صالح: المنهج فى البحوث المستقبلية - مجلة عالم الفكر - ارس 1984 - الكويت - ص203.
(11) انظر: فؤاد زكريا: التفكير العلمي - مصدر سابق - ص17-26.
(12) انظر: ناهد صالح المنهج فى البحوث المستقبلية - مصدر سابق- ص208.
(13) انظر:
[ltr]E. Cornish: The Study of Future. Washington D.C. 1977, pp. 88-90.[/ltr]
- قسطنسين زريق: نحن والمستقبل - مصدر سابق - ص40-43.
(14) انظر التفاصيل:
[ltr]Earie Joseph: The trends of future, Minnesota. Feb. 1976, pp. 25-30.[/ltr]
(15) انظر: محمد عارف عثمان: المنهج فى علم الاجتماع ج-1 - دار الثقافة - القاهرة 1972.
(16) انظر: هانى خلاف: المستقبلية والمجتمع المصري - مصدر سابق - ص22-33 .
(17) انظر: فؤاد زكريا: التفكير العلمي- مصدر سابق - ص327-330.
(18) انظر كل من: إبراهيم سعد الدين وآخرون: صور المستقبل العربي - مصدر سابق - ص24, 180, ناهد صالح: المنهج فى البحوث المستقبلية - مصدر سابق - ص201-202.
(19) لمزيد من التفاصيل انظر: ناهد صالح - مصدر سابق - ص205-206.
(20) انظر: صور المستقبل العربي - مصدر سابق - ص181.
(21) انظر:E. Cornish: Op. cit, pp.84-87.
[ltr](22) F. L. Polank: Prognostics, A science In making surveys and creates Future. Elsvier Publishers, Amsterdam: 1971, pp. 390-393.[/ltr]
(23) انظر: F. L. Polank: Ibid. pp. 262-267.
(24) انظر: صور المستقبل العربي - مصدر سابق - ص181 .